إسلام ويب

عظمة الله في خلق الإنسانللشيخ : أحمد القطان

  •  التفريغ النصي الكامل
  • في هذه المادة يتحدث الشيخ عن الإعجاز في خلق الله للإنسان مروراً بمراحل خلقه، والغاية من خلقه، والرد على الذين يجادلون في الله بغير علم ولا هدى ولا كتاب منير.

    1.   

    آيات الله الباهرة في خلق الإنسان

    الحمد لله رب العالمين، الحمد لله الَّذِي خَلَقَ فَسَـوَّى، وَالَّذِي قَدَّرَ فَهَـدَى، وَالَّذِي أَخْرَجَ الْمَرْعَى فَجَعَلَهُ غُثَاءً أَحْوَى.

    الحمد لله الَّذِي أَعْطَى كُلَّ شَيْءٍ خَلْقَهُ ثُمَّ هَدَى.

    الحمد لله الذي خلقنا من عَدَم، وأسبغ علينا وافر النعم، كبَّرنا من صِغَر، وأطعمنا من جوع، وسقانا من ظمأ، وهدانا من ضلالة، وعلَّمنا من جهالة، ودلَّنا من حيرة، وسترنا من عورة، وثبَّتنا في الفتن، أمَّننا في الفزع، صَبَّرنا من الجزع، وأسبغ علينا نعمه ظاهرة وباطنة، حبَّب إلينا الإيمان، وعلَّمنا القرآن، ورزقنا البيان، لا نحصي ثناءً عليه هو كما أثنى على نفسه.

    وأصلي وأسلم على قائدي وقدوتي وقرة عيني محمد بن عبد الله.

    وارضَ اللهم عن خلفائه الراشدين، والصحابة أجمعين، والتابعين ومن دعا بدعوتهم إلى يوم الدين.

    وأشهد أن لا إله إلا الله ولي الصالحين، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، وأن عيسى عبد الله ورسوله وكلمته ألقاها إلى مريم وروح منه، وأن الجنة حق، وأن النار حق.

    عباد الله: إني أحبكـم في الله، وأوصيكـم بتقوى الله: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلا تَمُوتُنَّ إِلاَّ وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ [آل عمران:102].

    وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجاً * وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لا يَحْتَسِبُ [الطلاق:2-3].

    أيها الأحبة الكرام: الله سبحانه هو الكريم وهو الأكرم، هو الخالق الذي قال في كتابه أول ما قال لنبيه: اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ * خَلَقَ الإِنسَانَ مِنْ عَلَقٍ * اقْرَأْ وَرَبُّكَ الأَكْرَمُ [العلق:1-3] الله كريم والله أكرم: اقْرَأْ وَرَبُّكَ الأَكْرَمُ * الَّذِي عَلَّمَ بِالْقَلَمِ * عَلَّمَ الإِنسَانَ مَا لَمْ يَعْلَمْ [العلق:3-5] ومن كرم الأكرم سبحانه: ذلك الخلق العجيب للإنسان، والذي يتفضل الله به ويبين أنه رحمة من رحمات الله الرحمن، ثم يأتي بصور لهذه الرحمة: الرَّحْمَنُ * عَلَّمَ الْقُرْآنَ * خَلَقَ الإِنسَانَ * عَلَّمَهُ الْبَيَانَ [الرحمن:1-4] رحمة بعد رحمة بعد رحمة؛ فهو الرحمن.

    ومِن صور رحمته: أن هذا الخلق وكل دابة أصلها من ماء، وهنا يكون الإعجاز، هذا الماء الذي لا لون له ولا ريح ولا طعم، أوجد منه تلك الألوان والصور والروائح والطعوم: وَاللَّهُ خَلَقَ كُلَّ دَابَّةٍ مِنْ مَاءٍ [النور:45].

    ويكون الإبداع عندما يخلقك ويخلقني من هذه السلالة العجيبة، طين متعفن يخرج منه إنسان سوي.

    تعال معي إلى كتاب الله لنتعرف على السلسلة العجيبة في الخلق:

    أعوذ بالله من الشيطان الرجيم: وَلَقَدْ خَلَقْنَا الإِنسَانَ مِنْ سُلالَةٍ مِنْ طِينٍ * ثُمَّ جَعَلْنَاهُ نُطْفَةً فِي قَرَارٍ مَكِينٍ * ثُمَّ خَلَقْنَا النُّطْفَةَ عَلَقَةً فَخَلَقْنَا الْعَلَقَةَ مُضْغَةً فَخَلَقْنَا الْمُضْغَةَ عِظَاماً فَكَسَوْنَا الْعِظَامَ لَحْماً ثُمَّ أَنشَأْنَاهُ خَلْقاً آخَرَ [المؤمنون:12-14] وهنا قال عمر بن الخطاب وهو يستمع إلى النبي صلى الله عليه وسلم يتلو هذه الآيات: (يا رسول الله! فتبارك الله أحسن الخالقين، فقال بعده النبي صلى الله عليه وسلم مكمِّلاً ما أنزل الله: فَتَبَارَكَ اللَّهُ أَحْسَنُ الْخَالِقِينَ [المؤمنون:14]) ونطق عمر المحدَّث بالقرآن قبل أن ينطق به رسول الله صلى الله عليه وسلم، استجابت فطرتُه النقية إلى إتمام هذا المعنى الذي لا يَتِم إلا بتسبيح الله: فَتَبَارَكَ اللَّهُ أَحْسَنُ الْخَالِقِينَ [المؤمنون:14].

    أيها الأحباب الكرام: لنستمع إلى عظمة الخالق سبحانه وتعالى بعلمه وقدرته وخالقيته يصوِّر كل إنسان حسب صورته في الرحم في ظلمات ثلاث، الإنسان ببصره لا يرى شيئاً؛ ولكن الله فوق سابع سماء يصوِّر خلقه في جميع الأرحام بملايينها من الإنس والجن، والوحش والطير ومخلوقات لا يعلمها إلا الله صغُرت أو كبُرت، عظُمت أودقَّت كلها يعطيها صورها وتشكيلاتها وهي في الظلام: إِنَّ اللَّهَ لا يَخْفَى عَلَيْهِ شَيْءٌ فِي الأَرْضِ وَلا فِي السَّمَاءِ [آل عمران:5].

    ولكي يعطيك دليلاً على أنه لا يَخفى عليه شيء في الأرض ولا في السماء ضرب لك المثل في خلقه: هُوَ الَّذِي يُصَوِّرُكُمْ فِي الأَرْحَامِ كَيْفَ يَشَاءُ لا إِلَهَ إِلاَّ هُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ [آل عمران:6].

    ولما تم التصوير والولادة يُتْرَك هَمَلاً عبثاً؟! لا، جاء بعدها مباشرة تنزيل المنهج الذي عليه يسير ذلك المخلوق: هُوَ الَّذِي أَنْزَلَ عَلَيْكَ الْكِتَابَ مِنْهُ آيَاتٌ مُحْكَمَاتٌ هُنَّ أُمُّ الْكِتَابِ وَأُخَرُ مُتَشَابِهَاتٌ [آل عمران:7] فيا تعاسة وانتكاسة من خلقه الله ثم لم يأخذ بآيات الله المحكمات فيؤمن بها والمتشابهات.

    1.   

    الحث على التقوى ومراقبة الله

    ويوجِّه الله إلى الناس نداءً، إلى جميع الناس في كل الأرض في كل زمن وكل جيل، يطالبهم بمطلب التقوى، وبمطلب صلة الأرحام، وبمطلب مراقبة الله الذي يُسأل به الناس جميعاً:

    أعوذ بالله من الشيطان الرجيم: يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمْ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ [النساء:1] هي: آدم وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا [النساء:1] هي: حواء وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالاً كَثِيراً وَنِسَاءً [النساء:1] تقدم الرجال على النساء لأفضلية القوامة والرعاية: وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَتَسَاءَلُونَ بِهِ وَالأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيباً [النساء:1] رقيباً: الذين يقطعون الأرحام الله رقيب عليهم، والذين يصلون الأرحام الله رقيب عليهم، فاقطعوا من شئتم، وصلوا من شئتم، فهناك رقيب فوق السماء.

    والله سبحانه يقول عن مدى هذا العلم عندما يتخلق الإنسان في الرحم يزيد يوماً وينقص يوماً، تأتيه الدماء عن طريق حبل السرة فتغذيه وتخرج النفايات منه ثم يزداد؛ تنقسم خلاياه انقساماً ثنائياً، ويبدأ ذلك الرحم الصغير الذي بحجم قبضة اليد أو حبة الكمثرى يتمدد ويتمدد حتى يستوعب كل البطن ويصل إلى الصدر، والإنسان يتمدد داخل الكيس الذي فيه ذلك الماء النقي الطاهر الذي يحفظه من جميع الميكروبات والفيروسات ويكون وسادة ودعامة له، إذا جاءته الصدمات يَسْبَح به، يتقلب حيث يريد الله له.

    1.   

    لا يعلم الغيب إلا الله

    إن هذه القدرة العظيمة في الزيادة والنقصان يعلمها الله سبحانه، ثم يربط حقيقة عقدية في هذه القضية فيقول سبحانه: اللَّهُ يَعْلَمُ مَا تَحْمِلُ كُلُّ أُنثَى وَمَا تَغِيضُ الأَرْحَامُ وَمَا تَزْدَادُ وَكُلُّ شَيْءٍ عِنْدَهُ بِمِقْدَارٍ * عَالِمُ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ الْكَبِيرُ الْمُتَعَالِ * سَوَاءٌ مِنْكُمْ مَنْ أَسَرَّ الْقَوْلَ وَمَنْ جَهَرَ بِهِ وَمَنْ هُوَ مُسْتَخْفٍ بِاللَّيْلِ وَسَارِبٌ بِالنَّهَارِ * لَهُ مُعَقِّبَاتٌ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَمِنْ خَلْفِهِ يَحْفَظُونَهُ مِنْ أَمْرِ اللَّهِ [الرعد:8-11] أي: بأمر الله، الله أمرهم أن يحفظوه.

    تسير في الطريق فتجتاحك السيارة، ثم تنتبه وإذا ما بينك وبينها إلا شعرة، من الذي دفع عنك هذا؟! الله بمعقِّباته التي أنزلها.

    يصيب الإنسان المرض فيعجز الأطباء كلهم ويقررون: ما بقي عليك إلا أياماً معدودات، فيرفع المريض طرفه إلى السماء، ويتمتم شفتاه بالدعاء فيسبق ورقة الدواء، ثم ينـزل من الله القضاء وتعود الأجهزة والتقارير كلها إيجابية، وقد كانت منذ لحظات سلبية، ثم يخرج من المستشفى يضرب الأرض بقدميه، عليه بُرْدان، للأرض منه وئيد، وجمع ومنع، حتى إذا بلغ التراقي قال: أتصدَّق، وأنَّى أوان الصدقة؟!

    لَهُ مُعَقِّبَاتٌ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَمِنْ خَلْفِهِ يَحْفَظُونَهُ مِنْ أَمْرِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ لا يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُوا مَا بِأَنفُسِهِمْ وَإِذَا أَرَادَ اللَّهُ بِقَوْمٍ سُوءاً فَلا مَرَدَّ لَهُ وَمَا لَهُمْ مِنْ دُونِهِ مِنْ وَالٍ [الرعد:11] ليس هناك والٍ إلا الله.

    قال الله: يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنْ كُنْتُمْ فِي رَيْبٍ مِنَ الْبَعْثِ فَإِنَّا خَلَقْنَاكُمْ مِنْ تُرَابٍ [الحج:5] انظر إلى النقلة الهائلة! بينما أنت في رحم أمك تتخلَّق ثم تحيا ثم تموت وإذا أنت في رحم الأرض يبعثك من رحم الأرض كما بعثك من رحم أمك!

    قال تعالى: فَإِنَّا خَلَقْنَاكُمْ مِنْ تُرَابٍ ثُمَّ مِنْ نُطْفَةٍ ثُمَّ مِنْ عَلَقَةٍ ثُمَّ مِنْ مُضْغَةٍ مُخَلَّقَةٍ وَغَيْرِ مُخَلَّقَةٍ لِنُبَيِّنَ لَكُمْ وَنُقِرُّ فِي الأَرْحَامِ مَا نَشَاءُ إِلَى أَجَلٍ مُسَمًّى [الحج:5] إلى أجل مسمى، لهذا لا يستعجل الأطباء في العمليات الجراحية للوالدات، مستشفى الولادة يضيق، ولا يكفي، وأصبحت العمليات الجراحية كثيرة، تدخل بعد ساعة تُجْرَى لها عملية؛ لأن السرير تحتاجه امرأة أخرى، الله جعل لكل جنين أجل، لا يُسْتَعْجل عليه بعملية جراحية؛ ولكن ماذا نقول وقد ضاقت المستشفيات، وألقيت الوالدات في الممرات وكأننا في أيام حرب؟!

    الله سبحانه يقول: وَنُقِرُّ فِي الأَرْحَامِ مَا نَشَاءُ إِلَى أَجَلٍ مُسَمًّى ثُمَّ نُخْرِجُكُمْ طِفْلاً ثُمَّ لِتَبْلُغُوا أَشُدَّكُمْ وَمِنْكُمْ مَنْ يُتَوَفَّى وَمِنْكُمْ مَنْ يُرَدُّ إِلَى أَرْذَلِ الْعُمُرِ لِكَيْلا يَعْلَمَ مِنْ بَعْدِ عِلْمٍ شَيْئاً ) [الحج:5] ثم نقلة عظيمة من رحم الأم وأحداثه إلى رحم الأرض لكل الكائنات.

    1.   

    فصاحة القرآن وبلاغته

    قال الله: وَتَرَى الأَرْضَ هَامِدَةً فَإِذَا أَنزَلْنَا عَلَيْهَا الْمَاءَ اهْتَزَّتْ وَرَبَتْ وَأَنْبَتَتْ مِنْ كُلِّ زَوْجٍ بَهِيجٍ [الحج:5] وانظر إلى بلاغة القرآن وفصاحته! بالحركة وبالحرف يجعلك تعيش معنى الكلمة، الاهتزاز لتربة الأرض عند نزول المطر واهتزاز السنابل عند تحرك الريح، الاهتزاز سكون وحركة، ثم سكون وحركة، أما النمو فهو حركة مطَّرِدة ثم تقف، وتأتي الكلمتان في القرآن تعبر عن ذلك: اهْتَزَّتْ حركة وسكون، حركة وسكون، ثم: وَرَبَتْ ثلاث فتحات وسكون، وتأتي الحركة تؤدي دورها في كتاب الله.

    اهْتَزَّتْ وَرَبَتْ وَأَنْبَتَتْ مِنْ كُلِّ زَوْجٍ بَهِيجٍ [الحج:5] لماذا؟ لماذا كل هذا؟

    اسمع الغاية من ذلك كله: ذَلِكَ بِأَنَّ اللَّهَ هُوَ الْحَقُّ وَأَنَّهُ يُحْيِ الْمَوْتَى وَأَنَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ * وَأَنَّ السَّاعَةَ آتِيَةٌ لا رَيْبَ فِيهَا وَأَنَّ اللَّهَ يَبْعَثُ مَنْ فِي الْقُبُورِ [الحج:6-7].

    وبعد هذا الحق المنير يوجد هناك أغبياء يجادلون: هل الله موجود أم غير موجود؟! ويحملون أرقى الشهادات؛ بروفيسور، أستاذ، دكتور.

    ولله في كل تحريكـة     وفي كل تسكينة شاهدُ

    وفي كل شيء له آيـة     تدل على أنه الواحدُ

    1.   

    التعقيب على من يجادل في الله بغير علم

    يقول سبحانه معقباً بعد هذه الأحداث العظيمة الدالة على وجوده، يقول: وَمِنْ النَّاسِ مَنْ يُجَادِلُ فِي اللَّهِ بِغَيْرِ عِلْمٍ وَلا هُدًى وَلا كِتَابٍ مُنِيرٍ [الحج:8].

    ونداء آخَر إلى الناس: يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمْ [لقمان:33] هذه النقلة الآن ليس إلى مستشفى الولادة والزحمة، وإنما إلى زحمة أعظم في أرض المحشر، إن كانت الأم في مستشفى الولادة بعد الولادة والمخاض والدماء ما إن تسمع بكاء الطفل حتى تحتضنه ودموعُها على وجهها، فتنسى جميع الآلام، فإن المخاض العسير في أرض المحشر، يقول الله عنه: يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمْ وَاخْشَوْا يَوْماً لا يَجْزِي وَالِدٌ عَنْ وَلَدِهِ وَلا مَوْلُودٌ هُوَ جَازٍ عَنْ وَالِدِهِ شَيْئاً إِنَّ وَعْدَ اللَّهِ حَقٌّ فَلا تَغُرَّنَّكُمْ الْحَيَاةُ الدُّنْيَا وَلا يَغُرَّنَّكُمْ بِاللَّهِ الْغَرُورُ * إِنَّ اللَّهَ عِنْدَهُ عِلْمُ السَّاعَةِ وَيُنَزِّلُ الْغَيْثَ وَيَعْلَمُ مَا فِي الأَرْحَامِ وَمَا تَدْرِي نَفْسٌ مَاذَا تَكْسِبُ غَداً وَمَا تَدْرِي نَفْسٌ بِأَيِّ أَرْضٍ تَمُوتُ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ [لقمان:33-34].

    ويكتشف العلم الحديث بواسطة المنظار والتلفاز الملون أنه أدخل كاميرا صغيرة داخل الرحم، حتى تَوَصَّل في بعض الحالات الشاذة إلى معرفة الذكر والأنثى، وهكذا يزعمون، وعقيدتنا أنه لا يعلم ذلك إلا الله؛ ولكن لو سلَّمنا لهم جدلاً، وأخذنا نرد عليهم زَعْمَهم عندما قال الله: وَيَعْلَمُ مَا فِي الأَرْحَامِ [لقمان:34] ولما جاء بعض المبشرين قالوا: قرآنكم باطل.

    قلنا: لِمَه؟

    قالوا: لأن الله يقول: وَيَعْلَمُ وقد اختص بعلم ما في الأرحام، وقد عَرَفْنا الذكر من الأنثى.

    نقول: يا مساكين! ظلت هذه الآية خمسة عشر قرناً، لا يعلم الذكر من الأنثى إلا الله، ولما اكتشفتم المنظار جاء حرف واحد في هذه الآية يرد عليكم، الله لم يقل: يعلم مَن في الأرحام، إنما قال: وَيَعْلَمُ مَا... [لقمان:34] لو قال: يعلم مَن في الأرحام، لكان المراد الذكر والأنثى فقط، أما مَا هذه فتفيد أنه يعلم:

    عُمُرَه وحياتَه ورزقَه وشقيٌّ أو سعيدٌّ، وعددَ كريات الدم الحمراء، والبيضاء، وعددَ الخلايا، ولونه ولون عينيه وشعره، وطولَه، وقِصَرَه، وأنفاسَه، وكلَّ شأن من شئونه.

    وأنَّى لكم أن تعرفوا ذلك وتعلموه؟! وَيَعْلَمُ مَا فِي الأَرْحَامِ لا إله إلا هو! فاخسئوا!

    والقرآن دائماً يَغلب؛ لأن قوته من قوة الله؛ لأنه كلام الله.

    قال تعالى: وَهُوَ الَّذِي خَلَقَ مِنْ الْمَاءِ بَشَراً فَجَعَلَهُ نَسَباً وَصِهْراً [الفرقان:54] كلنا منتفعون؛ تُناسِبُ الناس، ويصاهرونك، تنتفع بانضمام عائلة جديدة إليك وانضمامك أنت إلى عائلة أخرى؛ ولكن أيضاً قد تكون فيها مضرة، قد تُناسِب إنساناً لا يليق بك، فالرسول صلى الله عليه وسلم قال: (إذا جاءكم من ترضون دينه وخلقه فزوجوه، إلا تفعلوه تكن فتنة في الأرض وفساد كبير).

    إذاً: الذي يملك النفع والضر في قضية الأنساب والأصهار هو الله، ولا يستطيع إنسان أن يعيش بدون نسب أو صهر أبداً، يكون مهزوزاً لا سكن له ولا راحة؛ لأن الله خلق الزوجـة سكناً: وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُمْ مِنْ أَنفُسِكُمْ أَزْوَاجاً لِتَسْكُنُوا إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُمْ مَوَدَّةً وَرَحْمَةً إِنَّ فِي ذَلِكَ لآيَاتٍ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ [الروم:21].

    ففي قضيـة النسب والصهر يقول سبحانه: وَهُوَ الَّذِي خَلَقَ مِنْ الْمَاءِ بَشَراً فَجَعَلَهُ نَسَباً وَصِهْراً وَكَانَ رَبُّكَ قَدِيراً * وَيَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ مَا لا يَنفَعُهُمْ وَلا يَضُرُّهُمْ وَكَانَ الْكَافِرُ عَلَى رَبِّهِ ظَهِيراً [الفرقان:54-55].

    إذاً: يعبدون ما لا ينفعهم ولا يضرهم، النافع والضار هو الله، والمعطي والمانع هو الله، الخافض والرافع هو الله، المعز والمذل هو الله.

    واسمعوا! ربنا يسبح نفسه بنفسه، سبحانه! سُبْحَانَ الَّذِي خَلَقَ الأَزْوَاجَ كُلَّهَا مِمَّا تُنْبِتُ الأَرْضُ [يس:36] وأنت عليك أن تسرح بخيالك إلى الغابات، بجميع أشجارها، ونباتاتها المتسلقة على الأشجار، والبراعم المتفتقة من الأغصان، والورود المنبثَّة بجميع ألوانها؛ تستقي الضوء والحرارة من أشعة الشمس، والتي تخرج داخل الأرض من حبة في الظلمات مقلوبة؛ فتنبت (الرويشة) إلى أسفل، والجذر إلى أعلى، ثم يقلب الله الجذر فينحني إلى أسفل ليشرب الماء ويعيد (الرويشة) الخضراء لكي تستقبل الضياء والهواء، كل ذلك يقدره الله سبحانه من خلال جهاز التذكير والتأنيث في النباتات، ثم تنتقل الآية بعد ذلك إلى كل المخلوقات من إنسان وحيوان وجان وحشرات، ثم بعد ذلك إلى عالم لا نعلمه من الإلكترونات والذرات، والانقسامات، ثم ما وراء ذلك في الأرض والسماوات والمجرات: سُبْحَانَ الَّذِي خَلَقَ الأَزْوَاجَ كُلَّهَا مِمَّا تُنْبِتُ الأَرْضُ وَمِنْ أَنفُسِهِمْ وَمِمَّا لا يَعْلَمُونَ [يس:36].

    ذلكم هو الله الذي له تركعون وتسجدون، فتذوقوا طعم العزة في السجود وفي الركوع لرب لا إله إلا هو ولا معبود سواه.

    اللهم كما صُنْتَ جباهنا عن السجود لغيرك فاحفظ أيدينا من أن تمتد لأحد سواك.

    اللهم إنا نسألك عز الإيمان والتوحيد.

    اللهم إنا نسألك علماً نافعاً، هب لنا عمراً مديداً، أنت الذي تهب عمر الأبد لأهل الجنة في الخلود، واعمره بالصالحات الباقيات أنت ولي ذلك والقادر عليه.

    أقول قولي هذا، وأستغفر الله لي ولكم، فاستغفروه.

    1.   

    مواقف من مراحل خلق الإنسان

    الحمد لله رب العالمين، ولا عدوان إلا على الظالمين، وأشهد أن لا إله إلا الله ولي الصالحين، وأن محمداً عبده ورسوله صلى الله عليه وسلم.

    ينقلنا الله بين صورتين وموقفين ولقطتين في خلق الإنسان:

    اللقطة الأولى: الإنسان وهو نطفة:

    وعندما أقول لك: نطفة، فإن الإنسان في مائه المهين في الدفقة الأولى تخرج منه خمسة ملايين نطفة، لو حملتها على رأس الدبوس لحملت مليون إنسان، وواحد من هذه النطف الهائلة بملايينها هو أنا وأنت، هذه النطفة في ضعفها وعجزها أمامها صورة أخرى.

    اللقطة الثانية: الإنسان وهو فحل قوي يتحدى الله في خالقيته:

    قارن بين الصورتين! أَوَلَمْ يَرَ الإِنسَانُ أَنَّا خَلَقْنَاهُ مِنْ نُطْفَةٍ فَإِذَا هُوَ خَصِيمٌ مُبِينٌ * وَضَرَبَ لَنَا مَثَلاً وَنَسِيَ خَلْقَهُ قَالَ مَنْ يُحْيِ الْعِظَامَ وَهِيَ رَمِيمٌ * قُلْ يُحْيِيهَا الَّذِي أَنشَأَهَا أَوَّلَ مَرَّةٍ وَهُوَ بِكُلِّ خَلْقٍ عَلِيمٌ * الَّذِي جَعَلَ لَكُمْ مِنْ الشَّجَرِ الأَخْضَرِ نَاراً فَإِذَا أَنْتُمْ مِنْهُ تُوقِدُونَ * أَوَلَيْسَ الَّذِي خَلَقَ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضَ بِقَادِرٍ عَلَى أَنْ يَخْلُقَ مِثْلَهُمْ بَلَى وَهُوَ الْخَلاَّقُ الْعَلِيمُ * إِنَّمَا أَمْرُهُ إِذَا أَرَادَ شَيْئاً أَنْ يَقُولَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ * فَسُبْحَانَ الَّذِي بِيَدِهِ مَلَكُوتُ كُلِّ شَيْءٍ وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ [يس:77-83] سبحانه! سبحانه! سبحان ربي ذي الملكوت والجبروت والكبرياء والعظمة.

    ويأتي العلماء بعد أن وضعوا النطف تحت المجهر الإلكتروني فوجدوا أن نطفة الإنسان تنقسم إلى نوعين:

    نوع يتسبب في الذكورة.

    ونوع يتسبب في الأنوثة.

    فيخرج من هذه النطفة إذا لَقَّحَت البويضة المخصبة النازلة من قناة فالوب التي بعد ذلك تلتصق بالرحم وتكون الانقسامات الثنائية، إذا كانت هذه النطفة برأسها المدبب وسوطها الذي تسبح به من الأسفل إلى الأعلى في متاهات كالفضاء من النطف المذكرة كان الوليد ذكراً، وإذا كانت من النطف المؤنثة كان الوليد أنثى، وقد ذكر الله هذه الحقيقة العلمية في كتابه فقال سبحانه: وَأَنَّهُ خَلَقَ الزَّوْجَيْنِ الذَّكَرَ وَالأُنْثَى * مِنْ نُطْفَةٍ إِذَا تُمْنَى [النجم:45-46] ذلك هو الله.

    ثم انظر كيف يدفعنا الله إلى الإحسان عندما نعمل؛ لأنه هو المحسن لا إله إلا هو، ومن علامات إحسانه: أنه أوجد من هذا الطين العفن إنساناً سوياً جميلاً، إذاً: أحسنوا كما أحسن الله، قال سبحانه: الَّذِي أَحْسَنَ كُلَّ شَيْءٍ خَلَقَهُ وَبَدَأَ خَلْقَ الإِنسَانِ مِنْ طِينٍ [السجدة:7] وفي آية أخرى: مِنْ صَلْصَالٍ مِنْ حَمَإٍ مَسْنُونٍ [الحجر:26] المسنون: الأسود المتعفن، لهذا أبى الشيطان أن يسجد لإنسان مخلوق من طين متعفن، قال: أنا نار، النار تطهِّر كل شيء، النار تقتل الميكروبات والفيروسات، قياس فاسد، أنت تطيع الذي خلق، لا تقِس: أنا من نار وهذا من طين، مع أن الطين أفضل من النار فالطين فيه الحياة والحركة والإنتاج والإنبات إلى آخره، والنار فيها الكبر والعلو والإحراق والدمار والرماد.

    1.   

    نعمة الإسلام لا تعادلها نعمة

    والله سبحانه وتعالى يقول: هُوَ الَّذِي خَلَقَكُمْ اسمع إلى هذه النعمة التي تصبح عليها وتمسي: هُوَ الَّذِي خَلَقَكُمْ فَمِنْكُمْ كَافِرٌ وَمِنْكُمْ مُؤْمِنٌ [التغابن:2] الله أكبر! إذاً كان بإمكان الله أن يخلقني يهودياً أو نصرانياً أو مجوسياً أو بوذياً، ما حيلتي؟! ما موقفي؟! كيف أهتدي؟! لكنه تفضل عليّ فجعلني من أبوين مسلمين مؤمنين، فَتَحت أُذُنَيَّ على التوحيد وهما يؤذنان في أُذُنَيَّ ويُسْمِعاني كلمة: (لا إله إلا الله) هذه نعمة لا تُقَدَّر بثمن، هُوَ الَّذِي خَلَقَكُمْ فَمِنْكُمْ كَافِرٌ وَمِنْكُمْ مُؤْمِنٌ [التغابن:2] وقدم الكافر على المؤمن للأكثرية، أكثر الناس كفار، أقل الناس مؤمنين، فلهذا قدم الأكثر على الأقل: وَقَلِيلٌ مِنْ عِبَادِيَ الشَّكُورُ [سبأ:13] اللهم اجعلنا من الشاكرين.

    فَمِنْكُمْ كَافِرٌ وَمِنْكُمْ مُؤْمِنٌ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ [التغابن:2] كأنه يقول: كما خلقتك مؤمناً، فهيا فاعمل عملاً صالحاً فأنا بصير بعملك، وشُكْرِي: أن تعمل العمل الصالح.

    خَلَقَ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضَ بِالْحَقِّ وَصَوَّرَكُمْ فَأَحْسَنَ صُوَرَكُمْ وَإِلَيْهِ الْمَصِيرُ [التغابن:3] نقلة هائلة بين خلق السماوات والأرض وخلق الإنسان وتصويره وإعطائه هذه الصورة الحسنة.

    1.   

    الغاية من خلق الإنسان

    ويقول سبحانه عن الغاية من خلق الإنسان: أَيَحْسَبُ الإِنسَانُ أَنْ يُتْرَكَ سُدًى * أَلَمْ يَكُ نُطْفَةً مِنْ مَنِيٍّ يُمْنَى * ثُمَّ كَانَ عَلَقَةً فَخَلَقَ فَسَوَّى * فَجَعَلَ مِنْهُ الزَّوْجَيْنِ الذَّكَرَ وَالأُنثَى * أَلَيْسَ ذَلِكَ بِقَادِرٍ عَلَى أَنْ يُحْيِيَ الْمَوْتَى [القيامة:36-40] بلى قادر.

    ثم تأتي بعد ذلك الآيات التي تنادي ذلك الإنسان المغرور؛ فيقول الله له بعد التسوية والتعديل: يَا أَيُّهَا الإِنسَانُ مَا غَرَّكَ بِرَبِّكَ الْكَرِيمِ * الَّذِي خَلَقَكَ فَسَوَّاكَ فَعَدَلَكَ * فِي أَيِّ صُورَةٍ مَا شَاءَ رَكَّبَكَ [الانفطار:6-8].

    ويقول سبحانه: وَاللَّهُ خَلَقَكُمْ مِنْ تُرَابٍ ثُمَّ مِنْ نُطْفَةٍ ثُمَّ جَعَلَكُمْ أَزْوَاجاً [فاطر:11] لا إله إلا الله!

    ثم اسمع ماذا يقول الله سبحانه:

    وَمَا تَحْمِلُ مِنْ أُنْثَى وَلا تَضَعُ إِلاَّ بِعِلْمِهِ وَمَا يُعَمَّرُ مِنْ مُعَمَّرٍ وَلا يُنْقَصُ مِنْ عُمُرِهِ إِلاَّ فِي كِتَابٍ إِنَّ ذَلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيرٌ [فاطر:11].

    1.   

    مراحل خلق الإنسان

    ويقول سبحانه وهو يبين هذا الخلق العجيب في مراحله: اللَّهُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ ضَعْفٍ ثُمَّ جَعَلَ مِنْ بَعْدِ ضَعْفٍ قُوَّةً ثُمَّ جَعَلَ مِنْ بَعْدِ قُوَّةٍ ضَعْفاً وَشَيْبَةً يَخْلُقُ مَا يَشَاءُ وَهُوَ الْعَلِيمُ الْقَدِيرُ [الروم:54].

    وبعد هذا العمر الطويل ضعف، وبعد ذلك قوة، وبعد ذلك ضعف، وبعد ذلك شيبة، فإذا استنفذ الإنسان ثمانين سنة أو تسعين سنة ومات، ثم يُبعث، وإذا هذا العمر الطويل يصبح أمام أهوال يوم القيامة ساعة، فيقول الله بعد هذه الآيات مباشرة: مِنْ بَعْدِ قُوَّةٍ ضَعْفاً وَشَيْبَةً يَخْلُقُ مَا يَشَاءُ وَهُوَ الْعَلِيمُ الْقَدِيرُ * وَيَوْمَ تَقُومُ السَّاعَةُ يُقْسِمُ الْمُجْرِمُونَ مَا لَبِثُوا غَيْرَ سَاعَةٍ [الروم:54-55] أين الثمانون سنة؟! أين المائة عام؟! ساعة.

    يخبرنا الله سبحانه وتعالى في كتابه الكريم عن هذا السر العلمي الذي لم يُكْتَشف إلا حديثاً: الرحم، ظلمة البطن، ظلمة الرحم، ظلمة الكيس الذي يحتوي على الماء الذي يحفظ الطفل داخل الرحم: ظلمات ثلاث: يَخْلُقُكُمْ فِي بُطُونِ أُمَّهَاتِكُمْ خَلْقاً مِنْ بَعْدِ خَلْقٍ فِي ظُلُمَاتٍ ثَلاثٍ ذَلِكُمْ اللَّهُ رَبُّكُمْ لَهُ الْمُلْكُ لا إِلَهَ إِلاَّ هُوَ فَأَنَّى تُصْرَفُونَ [الزمر:6].

    وذِكْرُ المُلْك هنا مع الخلق في الظلمات الثلاث يُعطي إنذاراً لكل حاكم أو سلطان أو مَلِك أو طاغوت يحكم بغير ما أنزل الله، كأن الله يقول: أنا الذي خلقتُ في هذه الظلمات، فالتشريع تشريعي، والخلق خلقي، والأمر أمري، فالأمر الشرعي الذي يقول: هذا حلال وهذا حرام، ويجعل السن بالسن، والنفس بالنفس، والعين بالعين، والجروح قصاص، هو حكم الله الذي خلق، فهو المَلِك وله ما مَلَك يتصرف به كيف يشاء، فلا يحل لمخلوق أن يأتي بتشريع غير تشريع مَلِك الملوك؛ لهذا كان التعقيب: ذَلِكُمْ اللَّهُ رَبُّكُمْ لَهُ الْمُلْكُ لا إِلَهَ إِلاَّ هُوَ فَأَنَّى تُصْرَفُونَ [الزمر:6] إلى أين تصرفون؟! إلى أمريكا أو روسيا؟! أو إلى القانون الإنجليزي أو الفرنسي؟! لا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم!

    قال تعالى: هُوَ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ تُرَابٍ ثُمَّ مِنْ نُطْفَةٍ ثُمَّ مِنْ عَلَقَةٍ ثُمَّ يُخْرِجُكُمْ طِفْلاً [غافر:67] انظر إلى الطفل الجميل وهو صغير، والقرآن يعبر عنه فيقول: طِفْلاً [غافر:67] فرحة الوالدين بالطفل عندما يولَد لا تعادلها فرحة في الدنيا.

    قال تعالى: ثُمَّ لِتَبْلُغُوا أَشُدَّكُمْ ثُمَّ لِتَكُونُوا شُيُوخاً وَمِنْكُمْ مَنْ يُتَوَفَّى مِنْ قَبْلُ وَلِتَبْلُغُوا أَجَلاً مُسَمًّى [غافر:67] خَرَّفَ، بَلَغَ أجلاً كبيراً، فأصبح بغير عقل، فقال سبحانه: وَلِتَبْلُغُوا أَجَلاً مُسَمًّى وَلَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ [غافر:67].

    ويقول سبحانه: وَاللَّهُ جَعَلَ لَكُمْ مِنْ أَنفُسِكُمْ أَزْوَاجاً وَجَعَلَ لَكُمْ مِنْ أَزْوَاجِكُمْ بَنِينَ [النحل:72] وبعـد البنـين؟ قال: وَحَفَدَةً [النحل:72] كَبُرَ الإنسان، وبناته تزوجن، وأولادُه تزوجوا، وملئوا البيت عليه، وابن الابن قد يكون محبوباً أكثر من الابن، ولد الولد عزيز وحبيب وله أنس ولذة وجمال في البيت لا يُقَدَّر، لهذا لما تفرقت الأسر ذهبت هذه المتعة، كان الناس يجمعهم بيت واحد، تجد فيه الأب والجد والجدة والابن والحفيد، وكلهم متماسكون، يأكلون من طبق واحد ومن إناء واحد، الآن أول ما يتزوج الولد يفكر بأن يخرج عن الأم والأب، ويبدأ الحفيد الصغير يتربى على يد الهندية والخدّامة، وقد كان الحفيد في الأول يتربى على يد الجدة والجد.

    لي جدة ترأف بي     أحنى علي من أبي

    الجدة التي تتوضأ أمام الحفيد، وتمسك المسبحة والقرآن، وتصلي على الرسول صلى الله عليه وسلم، وتبدأ تذكر الله في الصباح وفي المساء، يرى هذه الأشكال فيبدأ ينشأ على التوحيد وعلى الدين.

    الآن: أين الجدة والجد؟!

    إما في مأوى العجزة، أو في بيت منفرد قد وضع لهما ولدهما هندياً وهندية، خادماً أو سائقاً -وهذا إذا كان الولد كريماً- يضع لهما سائقاً وخادمة تزجرهما في الليل والنهار إلا من رحم الله، وقليل ما هم، الله يمن علينا بهذا فيقول: وَاللَّهُ جَعَلَ لَكُمْ مِنْ أَنفُسِكُمْ أَزْوَاجاً [النحل:72]: مباركٌ عليك الزوجة: وَجَعَلَ لَكُمْ مِنْ أَزْوَاجِكُمْ بَنِينَ [النحل:72] : الحمد لله على سلامتها في الـولادة، وبـعـد ذلـك؟

    قـال: وَحَفَدَةً وَرَزَقَـكُمْ مِنْ الطَّيِّبَاتِ أَفَبِالْبَاطِلِ يُؤْمِنُونَ وَبِنِعْمَةِ اللَّهِ هُمْ يَكْفُرُونَ [النحل:72]: أفبالباطل الذي عليه الناس اليوم يؤمنون، وبهذه النعمة العظيمة يكفرون؟!

    اللهم إنا نعوذ بك من زوال نعمتك، وتحوُّل عافيتك، وفجاءة نقمتك، وسريع سخطك، أمِّن روعاتنا، واستر عوراتنا، أنت الذي ناديتنا في كتابك: يَا أَيُّهَا النَّاسُ اعْبُدُوا رَبَّكُمْ الَّذِي خَلَقَكُمْ وَالَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ [البقرة:21].

    فلنقل أجمعين: سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا غُفْرَانَكَ رَبَّنَا وَإِلَيْكَ الْمَصِيرُ [البقرة:285] لبيك وسعديك، والخير كله في يديك، والشر ليس إليك.

    اللهم أصلح أرحامنا وأولادنا وأزواجنا، وذرياتنا.

    رَبَّنَا هَبْ لَنَا مِنْ أَزْوَاجِنَا وَذُرِّيَّاتِنَا قُرَّةَ أَعْيُنٍ وَاجْعَلْنَا لِلْمُتَّقِينَ إِمَاماً [الفرقان:74] واجعله عقباً صالحاً لا ينقطع، وأدخلنا الجنة، وألحقهم معنا بالجنة، إنك على ذلك قدير، وبالإجابة جدير.

    اللهم لا تدع لنا ذنباًً إلا غفرته، ولا هماً إلا فرجته، ولا ديناً إلا قضيته، ولا مريضاً إلا شفيته، ولا ميتاً إلا رحمته، ولا ضالاً إلا هديته، ولا تائباً إلا قبلته.

    اللهم إنا نسألك تحرير الأقصى وفلسطين ، ونسألك نصرة المجاهدين في مخيمات الفلسطينيين.

    اللهم عليك بمن يقاتلهم، أحصهم عدداً، واقتلهم بدداً، ولا تغادر منهم أحداً.

    اللهم صُن أموالهم، واحقن دماءهم.

    اللهم إني أسألك أن ترينا في أعدائك في لبنان، وفلسطين، والأفغان عجائب قدرتك.

    اللهم جَمِّد الدماء في عروق أعدائنا وأعدائك.

    اللهم إنا نسألك صلاة في الأقصى غير خائفين ولا وجلين من أعدائك يا رب العالمين!

    اللهم انصر المجاهدين في كل مكان، سدد رميهم، واجبر كسرهم، وفُكَّ أسرهم، واغفر ذنبهم، وارحمهم برحمتك الواسعة، حقق بالصالحات آمالهم، واختم بالطاعات أعمالهم، إنك على ذلك قدير.

    اللهم أكرم إخواننا الشهداء، وثبت الغرباء، والمأسورين فك أسرهم؛ إنك على ذلك قدير.

    ربنا لا تجعل جمعنا هذا إلا جمعاً مرحوماً، ولا تجعل من بيننا شقياً ولا محروماً.

    هذا الدعاء ومنك الإجابة، وهذا الجهاد وعليك التكلان، ولا حول ولا قوة إلا بالله!

    عباد الله: إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَـدْلِ وَالإِحْسَـانِ وَإِيتَاءِ ذِي الْقُرْبَى، وَيَنْـهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ وَالْبَغْيِ؛ يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ؛ فاذكروا الله يذكركم، واشكروه على نعمه يزدكم، وَلَذِكْرُ اللَّهِ أَكْبَرُ، وَاللَّهُ يَعْلَمُ مَا تَصْنَعُونَ.

    مكتبتك الصوتية

    أو الدخول بحساب

    البث المباشر

    المزيد

    من الفعاليات والمحاضرات الأرشيفية من خدمة البث المباشر

    عدد مرات الاستماع

    3086718663

    عدد مرات الحفظ

    756302599