إسلام ويب

مسائل في كيفية قراءة القرآن من حيث الجهر والسرللشيخ : أحمد سعيد الفودعي

  •  التفريغ النصي الكامل
  • لقد رغب الشارع في قراءة القرآن ورتب عليه الأجر العظيم، إلا أن الروايات جاء في بعضها حث على الإسرار بالقراءة وفي بعضها الآخر حث على الجهر بالقراءة. وقد جمع العلماء بينها بأن ذلك يختلف باختلاف أحوال القارئ قرباً وبعداً عن الناس.

    1.   

    الجهر والإسرار بقراءة القرآن

    الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه ومن والاه.

    سنتحدث -أيها الإخوة- عن بعض المسائل المتعلقة بقراءة القرآن لا سيما ونحن في شهر القرآن، كيفية قراءة القرآن من حيث الجهر والإسرار، والأحكام المترتبة على هذا، ومتى يكون الإنسان قارئاً ومتى يكون غير قارئ؟

    بعض الأحاديث الواردة في الجهر والإسرار بالقراءة

    لقد وردت أحاديث عن النبي صلى الله عليه وسلم فيها الحث على الإسرار بالقراءة، وفي مقابلها وردت أحاديث فيها الحث على الجهر بالقراءة، فمن النوع الأول قوله عليه الصلاة والسلام كما في سنن الترمذي و أبي داود وغيرهما: ( الجاهر بالقرآن كالجاهر بالصدقة، والمسر بالقرآن كالمسر بالصدقة )، أيهما أفضل، الذي يتصدق علانية، أم الذي يتصدق سراً؟ السر أفضل، كما قال النبي صلى الله عليه وسلم: ( صدقة السر تطفئ غضب الرب )، فهذا الحديث فيه حث على الإسرار بالقراءة كما ورد ذلك في الإسرار بالصدقة، فالجاهر بالقرآن كالجاهر بالصدقة، والمسر بالقرآن كالمسر بالصدقة.

    وهناك أحاديث تخالف هذا الحديث فيها الحث على الجهر بالقرآن ورفع الصوت، منها قوله عليه الصلاة والسلام كما في سنن أبي داود : ( زينوا أصواتكم بالقرآن )، يعني: حسنوا أصواتكم وأنتم تقرءون القرآن، وهذا لا يكون إلا مع الجهر مع صوت يسمع.

    وفي سنن ابن ماجه يقول عليه الصلاة والسلام: ( لله أشد أذناً )، يعني: أشد استماعاً: ( إلى الرجل حسن الصوت بالقرآن من الرجل إلى قينته )، فالرجل الذي له أمة مملوكة حسنة الصوت، تغني له، يطرب بهذا، ويركز، ويستمع، وقوله: (قينته) ليس معناه أن الرسول صلى الله عليه وسلم قد أجاز الغناء، القينة هذه منسوبة إليه قال: (إلى قينته) معنى ذلك أنها مملوكة له، تغنيه وتطربه هذا لا حرج فيه. قال هنا عليه الصلاة والسلام: ( لله أشد أذناً ) يعني: الله الجليل الكبير العظيم سبحانه وتعالى يستمع لقارئ القرآن حسن الصوت أشد من استماع الرجل للمغنية التي تغنيه ويعجبه صوتها، فهذا الحديث فيه أيضاً حث على الجهر حتى يكون بصوت يسمع. لكن كيف نجمع بين هذه الأحاديث؟

    الجمع بين الأحاديث الواردة في الإسرار والجهر بقراءة القرآن

    قال العلماء: تالي القرآن له موقفان: إما أن يقرأ القرآن في مقام يخشى على نفسه من الرياء والسمعة والعجب، فإذا سمع شخصاً بجانبه يقول: والله الناس يستمعون لي ويعجبون بصوتي. أو يقرأ القرآن وبجانبه أناس مشغولون، إما بذكر، وإما بقراءة، وإما بصلاة، وإما بنوم، ففي هذه الأحوال كلها الأفضل له أن يقرأ سراً.

    وإذا كان يقرأ بعيداً عن الناس دون أن يؤذي أحداً، أو يقرأ في محضر من الناس دون إيذاء لهم، لكن يأمن على نفسه من العجب والرياء، فالأفضل أن يقرأ جهراً، يقرأ ويسمع نفسه ويسمع من بجانبه، فالنبي عليه الصلاة والسلام قد وردت عنه أحاديث مدح فيها بعض الناس بسبب قراءتهم، ومن ذلك أنه مر على الأشعريين أهل اليمن، والأشعريون أصواتهم حسنة، فقال: ( إني لأعرف خيم الأشعريين في الليل بالقرآن )، أو كما قال عليه الصلاة والسلام، يعلم مواقعهم بين الناس إذا استمع إلى أصواتهم بقراءة القرآن. ومر على أحد الصحابة وهو يقوم في الليل، فجلس عليه الصلاة والسلام يستمع بجانب الخيمة والرجل يقرأ وهو يصلي، وأخبره في الصباح أنه استمع، قال: ( لو كنت أعلم يا رسول الله! لحبرته لك تحبيراً )، يعني: لحسنته أحسن من ذلك تحسيناً، فمدح عليه الصلاة والسلام جماعة من الصحابة برفعهم للقراءة وتحسينهم للتلاوة، لكن هذا بحسب الأحوال كما قلنا.

    1.   

    المراد بقراءة السر

    ومن المسائل التي نريد أن نركز عليها: ما هو هذا السر؟ كيف يقرأ الإنسان سراً؟ سواءً في الصلاة أو خارج الصلاة. السر أقله عند جمهور العلماء أن يصدر منك صوت تسمعه أذناك، تسمع أنت، ولا يسمعه الناس حولك، هذا هو السر.

    أما الجهر: فهو صوت تسمعه غيرك، فحين نقول: اقرأ سراً، يعني: اقرأ بصوت لكن صوت تسمعه أنت، ولما نقول: اقرأ جهراً، يعني: اقرأ بصوت يسمعه من بجوارك.

    إذا فهمنا هذه المسألة علمنا بعد ذلك أن ما يفعله كثير من الناس، لا سيما المصلون، من أنه يمر القرآن على فؤاده وعلى قلبه، دون أن تتحرك به شفتاه، ودون أن يتحرك لسانه، فضلاً عن أن يصدر صوت صغير أو كبير، هكذا كثير من المصلين، إذا فهمنا ذلك علمنا خطأ هذا الفعل وكثير من المصلين وهو يصلي تجده واضعاً يده اليمين على الشمال وساكت، مع أن القراءة باللسان وليست بالعين، ومع أن النظر في المصحف نفسه عبادة، ويؤجر عليه الإنسان، لكن نحن نتكلم عن قراءة، والقراءة لا بد أن تكون بحروف تخرج، فمجرد إمرار القرآن على ذاكرتك، أو أن تتخيل الفاتحة أمامك، أو تمرها على قلبك هذه ليست قراءة، والصلاة التي تصليها بهذا النوع من القراءة لا تصح؛ لأنك لم تقرأ باتفاق العلماء، يعني: ما دمت لم تحرك لسانك، لم تحرك شفتيك، لم تخرج الحروف من مخارجها، فأنت لم تقرأ، ولو كان هذا السكوت قراءة كانت صلاتنا كلها باطلة؛ لأن الله عز وجل تجاوز لنا عن حديث النفس، فالشيء الذي تحدث به نفسك لا يعتبر كلاماً عند الله، ولذلك أنت عندما تصلي في الصف وتحدث نفسك أنك ستذهب إلى المكان الفلاني، وترد المكان الفلاني، وتشتري الشيء الفلاني، هذا كله كلام نفس، لكن ليس كلاماً معتبراً، ولو كان كلاماً معتبراً كانت صلاتك باطلة، لكن الله عفا عنك، ما هو حديث في الحقيقة، ولا يعطى أحكام الحديث، فالقراءة كذلك لا تسمى قراءة ما دامت في القلب، فالإنسان قد يذكر الله بقلبه، سواءً بالقرآن، أو بالتهليل، أو بالتسبيح،

    لكن ليست القراءة التي تصح بها الصلاة.

    والقراءة التي يثاب عليها الإنسان بالحرف حسنة، والحسنة بعشر أمثالها، إلى سبعمائة ضعف، هذه لا بد فيها من صوت، لا بد أن تتحرك الشفتان، ويتحرك اللسان، وتخرج الحروف من مخارجها، وأكثر العلماء على أنه لا بد مع هذا كله من الصوت الذي تسمعه أنت، أما مجرد حديث النفس فهذه ليست قراءة.

    ولذلك في شهر رمضان تجد كثيراً من الناس يجلس يقرأ القرآن في المصحف، فيفتح المصحف أمامه من أول الشهر، لكن يمر القرآن أيضاً على قلبه دون أن يتحرك به لسانه، هذا ما قرأ القرآن ولا ختم القرآن، نعم هو مأجور على النظر في المصحف، مأجور على الذكر في القلب، لكنه لم يقرأ القراءة التي قال عنها النبي صلى الله عليه وسلم: ( اقرءوا القرآن فإن لكم بكل حرف حسنة، والحسنة بعشر أمثالها )، وهذه لا تكون إلا بإخراج الحروف من مخارجها.

    نسال الله أن يفقهنا في دينه، وأن يرزقنا حسن الفقه وحسن العمل، وصل اللهم وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.

    مكتبتك الصوتية

    أو الدخول بحساب

    البث المباشر

    المزيد

    من الفعاليات والمحاضرات الأرشيفية من خدمة البث المباشر

    عدد مرات الاستماع

    3086718663

    عدد مرات الحفظ

    755998918