إسلام ويب

عبادة الدعاء والاستغفار للمسلمينللشيخ : أحمد سعيد الفودعي

  •  التفريغ النصي الكامل
  • يعتبر دعاء المسلم لإخوانه المسلمين ثمرة من ثمرات الإيمان والأخوة الصادقة، وقد كان من السلف من يداوم على ذلك ويحث عليه، وتعظم الحاجة إلى ذلك أيام الشدائد والمصائب التي تنزل ببلدان المسلمين.

    1.   

    من ثمار الدعاء والاستغفار للمؤمنين

    الحمد لله رب العالمين، نحمده ونستعينه ونستهديه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا, من يهده الله فلا مضل له ومن يضلل فلا هادي له.

    وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله, صلوات الله وسلامه عليه وعلى آله وصحبه أجمعين.

    يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ [آل عمران:102].

    يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا * يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا [الأحزاب:70-71].

    يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَلْتَنْظُرْ نَفْسٌ مَا قَدَّمَتْ لِغَدٍ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ [الحشر:18].

    أما بعد:

    فإن خير الكلام كلام الله، وخير الهدي هدي محمد صلى الله عليه وسلم، وشر الأمور محدثاتها، وكل محدثة بدعة، وكل بدعة ضلالة.

    أيها الإخوة في الله! أحدثكم في هذه الدقائق عن عبادة جليلة من عبادات المؤمنين التي يرتقون بها عند الله تعالى أعظم الرتب, ألا وهي عبادة دعاء المسلم لإخوانه المسلمين, دعاء المؤمن لإخوانه المؤمنين, ثمرة من ثمار الإيمان, وفرع متفرع عن عقد الأخوة التي عقدها الله عز وجل بينهم بسبب الإيمان, هكذا أرشد الله تعالى في كتابه الكريم؛ قال سبحانه وتعالى في وصف المسلمين الذين يأتون بعد صحابة رسول الله صلى الله عليه وسلم في سورة الحشر, يقول جل شأنه: وَالَّذِينَ جَاءُوا مِنْ بَعْدِهِمْ [الحشر:10] , أي: من بعد الصحابة, بعد المهاجرين والأنصار, يَقُولُونَ رَبَّنَا اغْفِرْ لَنَا وَلِإِخْوَانِنَا الَّذِينَ سَبَقُونَا بِالإِيمَانِ وَلا تَجْعَلْ فِي قُلُوبِنَا غِلًّا لِلَّذِينَ آمَنُوا رَبَّنَا إِنَّكَ رَءُوفٌ رَحِيمٌ [الحشر:10] . هذه الآية كما قال أهل العلم: فيها بيان فضيلة من فضائل الإيمان, ألا وهي انتفاع المؤمن بإخوانه المؤمنين ونفعه لهم.

    الإيمان الذي أبرم بينه وبين المؤمنين عقد الأخوة في هذا الإيمان: إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ [الحجرات:10] , ومن فروع هذه الأخوة الانتفاع والنفع، أن ينفعهم وينتفع بهم, وأجلى مظاهر هذا الانتفاع الدعاء لهم بخيري الدنيا والآخرة.

    عظم أجر الاستغفار لعموم المؤمنين

    هذه العبادة الجليلة القدر، العظيمة النفع, وهي دعوة المسلم لأخيه المسلم عوائدها عظيمة, وثمارها كبيرة عليك قبل إخوانك, قال عليه الصلاة والسلام كما في المعجم الكبير للطبراني , وجود إسناده الهيثمي , وحسنه الألباني : ( من استغفر للمؤمنين والمؤمنات ), يعني: من قال: اللهم اغفر للمؤمنين والمؤمنات, ( كتب له بكل مؤمن حسنة ).

    ولك أن تتصور عدد هذه الحسنات, فالمؤمنون لا يحصي عددهم إلا الله, المؤمنون قبلك, والمؤمنون بعدك, يقول العلامة الشوكاني رحمه الله تعالى معلقاً على هذا الحديث العظيم: وفي هذا الحديث دليل على أنها تلحق بالمؤمن في استغفاره للمؤمنين والمؤمنات حسنات بعدد من استغفر لهم, فإن كانوا جماعة محصورين كانت له حسنات محصورة على عددهم, ومن أراد الاستكثار من فضل الله من الحسنات فليقل: اللهم اغفر للمؤمنين والمؤمنات، فإنه يكتب له من الحسنات ما لا يحيط به حصر, ولا يتصوره فكر, وفضل الله واسع.

    الدعاء للمؤمنين من أعظم القربات التي يتقرب بها الإنسان إلى ربه؛ لأنه دليل على إدراكه أنهم بحاجة إلى ما هو محتاج إليه, دليل على إدراكه أن الله عز وجل قادر على أن يعافي الجميع, ويعطيهم جميعاً.

    تحقيق المقاصد بالدعاء لعموم المؤمنين

    الدعاء للمؤمنين بظهر الغيب من ورائه ثمرات كبيرة, من أعظمها:

    إدراك الإنسان لهذه الحقائق الكبيرة, يقول العلامة ابن القيم رحمه الله وهو يتحدث أيضاً عن استغفار الإنسان لإخوانه المسلمين: والجميع مشتركون في الحاجة, بل في الضرورة إلى مغفرة الله وعفوه ورحمته, فكما يحب المسلم أن يستغفر له أخوه المسلم كذلك هو أيضاً ينبغي أن يستغفر لأخيه المسلم, فيصير هجيراه, يعني: طبعه الدائم: رب اغفر لي ولوالدي وللمسلمين والمسلمات, وللمؤمنين والمؤمنات، وقد كان بعض السلف يستحب لكل أحد أن يداوم على هذا الدعاء كل يوم سبعين مرة, فيجعل منه ورداً لا يخل به, وسمعت شيخنا ابن تيمية يذكره, وذكر فيه فضلاً عظيماً لا أحفظه, وربما كان من جملة أوراده التي لا يخل بها, وسمعته يقول: إن جعله بين السجدتين جائز, يعني: لو قال بين كل سجدتين: اللهم اغفر لي وللمؤمنين وللمؤمنات فذلك جائز, فإذا شهد العبد أن إخوانه مصابون بمثل ما أصيب به, محتاجون إلى ما هو محتاج إليه, لم يمتنع من مساعدتهم إلا لفرط جهله بمغفرة الله وفضله, وحقيق بهذا ألا يساعد، فإن الجزاء من جنس العمل، فالإنسان الذي لا يساعد المسلمين بدعوة لا تكلفه شيئاً جدير وحقيق به ألا يساعد, فإن الجزاء من جنس العمل.

    أيها الأحباب! إن الدعاء للمسلمين من أسباب تحقيق المقاصد, فقد قال عليه الصلاة والسلام في الحديث الصحيح: ( ما من مسلم يدعو لأخيه المسلم بدعوة في ظهر الغيب إلا وملك موكل عند رأسه، يقول: آمين ولك بمثل ).

    يقول الإمام النووي رحمه الله في شرح هذا الحديث: وهذا يشمل الواحد والجماعة، إذا دعوت للواحد فإن ملكاً موكلاً عند رأسك يقول: آمين ولك بمثل, وإذا دعوت لجماعة المسلمين فكذلك عند رأسك ملك موكل، يقول: آمين ولك بمثل.

    وهذا هو شأن الأنبياء وهذه عادتهم, حيث ضمنوا دعواتهم الدعاء للمؤمنين قبلهم وبعدهم, وهذا ما نقرؤه في كتاب الله, نقرأ في دعوة إبراهيم قول الله تعالى عنه: رَبَّنَا اغْفِرْ لِي وَلِوَالِدَيَّ وَلِلْمُؤْمِنِينَ يَوْمَ يَقُومُ الْحِسَابُ [إبراهيم:41] , ونقرأ في آخر سورة نوح دعوة نوح عليه السلام: رَبِّ اغْفِرْ لِي وَلِوَالِدَيَّ وَلِمَنْ دَخَلَ بَيْتِيَ مُؤْمِنًا وَلِلْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ [نوح:28].

    أما رسولنا صلى الله عليه وسلم فقد أمره الله تعالى بهذا أمراً مباشراً, فقال له في وسط سورة محمد: فَاعْلَمْ أَنَّهُ لا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَاسْتَغْفِرْ لِذَنْبِكَ وَلِلْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ [محمد:19]؛ أمره بأن يستغفر للمؤمنين وما ذاك إلا لما يجنيه الواحد منهم من خيرات جليلة, وفضائل عظيمة, بدعوته لأبناء ملته ولإخوانه في عقيدته بأن يقضي الله عز وجل لهم الحاجات.

    1.   

    حرص المسلم على إشراك المؤمنين بالدعاء في الصلوات بحسب حاجتهم وغيرها

    أيها الأخوة! هذا الشأن ينبغي أن يكون عادة في دعاء الإنسان المؤمن, أن يشرك إخوانه في دعائه في كل مقام, حتى في صلاته, كما سمعتم كلام ابن تيمية : لو جعله بين السجدتين جائز, يشير إلى أنه لو جعله في دعواته فإن هذا من الأمر المستحب المقبول عند الله, وليس من شأن المسلم أن يجعل لهم أياماً محددة, أو ساعات محددة يخصهم فيها بالدعاء ثم ينساهم بعد ذلك, فليس هذا من شأن الأنبياء, ولا من طرائق الصالحين، ولكن إذا حصلت مناسبة تدعو الإنسان إلى تذكر إخوانه فإن هذا يتأكد فيه الدعاء لهم, فإن الدعاء للمسلمين بحسب حاجاتهم، وهذا ما كان يفعله رسول الله صلى الله عليه وسلم, فقد كان يدعو للمسلمين بدعوات خاصة في مناسبات خاصة بحسب ما ينزل بهم من الحاجات, جاء في الصحيح من حديث جرير : ( أن رجلاً دخل على رسول الله صلى الله عليه وسلم المسجد, من باب دار القضاء ) , وهو باب في المسجد كان يطل على دار لــــــــعمر رضي الله تعالى عنه, وقد بيعت بعد ذلك في قضاء دينه, فسمي هذا الباب باب دار القضاء.

    يقول هذا الصحابي: ( ورسول الله صلى الله عليه وسلم على المنبر يخطب يوم الجمعة، فاستقبله قائماً ), أي: وقف في وجه رسول الله قائماً وهو يخطب, ( فقال: يا رسول الله! هلكت المواشي, هلكت الأموال، فادع الله تعالى يغثنا, فقال عليه الصلاة والسلام: اللهم أغثنا, اللهم أغثنا, اللهم أغثنا ) , استجاب لدعوة الأعرابي, قال الراوي: ( وما في السماء قزعة سحاب ) , ليس في السماء أي أثر للسحاب ( وما هو إلا أن دعا رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى طلعت سحابة, فلما توسطت السماء انتشرت فأمطرت فلم نر الشمس سبتاً ) , أسبوعاً كاملاً والسماء تمطر لا يرون الشمس, وفي الجمعة التالية قال الراوي: ( دخل أعرابي من نفس الباب, ورسول الله صلى الله عليه وسلم يخطب, فقال: يا رسول الله! هلكت الأموال فادع الله تعالى أن يرفعها عنا, فقال عليه الصلاة والسلام: اللهم حوالينا ولا علينا، فأمسكت السماء المطر ).

    هذا اهتمامه عليه الصلاة والسلام الاهتمام بشأن المسلمين, والدعاء لهم بما يحتاجون.

    ولا أدل على ذلك من أنه في شهر رمضان وهو أعظم الشهور, والدعاء فيه أرجى أن يستجاب اشتغل بالدعاء فيه في أفضل الصلوات في المكتوبات يدعو طوال الشهر, وفي بعض الروايات: نصف الشهر في الصلوات: ( اللهم أنج الوليد بن الوليد , اللهم أنج هشام بن ربيعة ) , يدعو لثلاثة من المسلمين وقعوا في أسر الكفار, فظل يدعو لهم عليه الصلاة والسلام في الصلوات الخمس حتى كان صبيحة يوم الفطر وقف الدعاء, فقال له أبو هريرة وفي رواية عمر ( ما لنا لا نراك دعوت يا رسول الله! فقال للسائل: أما تراهم, أوما علمت بأنهم قد قدموا )، أي: دعونا لهم شهراً حتى أنجاهم الله، وحتى سلمهم الله, فلما قدموا أوقف عليه الصلاة والسلام الدعاء.

    فالدعاء يكون بقدر الحاجة, ولكن هذا لا ينافي الدعاء العام للمسلمين, ومن الدعاء بقدر الحاجة الدعاء للمريض, فقد حثنا عليه الصلاة والسلام, ووردت عشرات الأحاديث في فضل زيارة المؤمن لأخيه المؤمن المريض, والدعاء له, فإنه بحاجة إلى دعوات إخوانه, قال في الحديث فيما معناه: ( ما من مسلم يعود أخاه المسلم المريض، فيقول عنده سبع مرات: أسأل الله العظيم رب العرش العظيم أن يشفيك، إلا شفاه الله تعالى ).

    1.   

    فائدة الدعاء للمؤمنين في ظهر الغيب

    والله عز وجل يستجيب هذه الدعوات لا سيما إذا كانت في ظهر الغيب، فيحقق بها المقاصد, وأول من ينتفع بها الداعي, ومن جميل ما يذكر في هذا المقام ما ذكره الإمام أبو نعيم رحمه الله تعالى في ترجمة أحمد بن الضحاك يقول: رأيت فيما يرى النائم شريحاً رحمه الله تعالى, فقلت له: ما فعل بك ربك يا أبا الحارث ؟

    قال: غفر لي. ومع ذلك جعل قصري إلى جنب قصر محمد بن بشير بن عطاء الكندي -شخص من عوام المسلمين- قال: فقلت له: يا أبا الحارث ! أنت عندنا أكبر من محمد بن بشير , يعني: فكيف جعل الله قصرك بجانب قصر محمد بن بشير ؟

    فقال له شريح : لا تقل ذلك, فإن الله تعالى جعل لـمحمد بن بشير حظاً في عمل كل مؤمن ومؤمنة؛ لأنه كان إذا دعا قال: اللهم اغفر لي وللمؤمنين والمؤمنات والمسلمين والمسلمات.

    وهكذا إخوتي بهذه الكلمات يقضي الإنسان حاجته، ويتسبب في قضاء حاجة إخوانه, والموفق من استمع القول فاتبع أحسنه.

    أقول ما تسمعون, وأستغفر الله العظيم لي ولكم فاستغفروه, إنه هو الغفور الرحيم.

    1.   

    اعتياد أصحاب القرون المفضلة ومن بعدهم على الدعاء لعموم المسلمين

    الحمد لله رب العالمين، والعاقبة للمتقين.

    وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، صلوات الله وسلامه عليه وعلى آله وصحبه أجمعين.

    إخوتي في الله! كما ذكرنا قبل أن هذه العبادة من العبادات الجليلة التي ينبغي للمسلم أن يعتادها, وإليك كلام الإمام شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله, وهو يذكر لك عادة المسلمين التي درجوا عليها, يقول رحمه الله: فالأمر الذي كان معروفاً بين المسلمين في القرون المفضلة أنهم كانوا يعبدون الله بأنواع العبادات المشروعة, فرضها ونفلها؛ من الصلاة والصيام والقراءة والذكر وغير ذلك, وكانوا يدعون للمؤمنين والمؤمنات, كما أمر الله بذلك لأحيائهم وأمواتهم في صلاة الجنازة, وعند زيارة القبور وغير ذلك.

    وروي عن طائفة من السلف أنه عند كل ختمة دعوة مستجابة, فكان إذا دعا الرجل عقيب الختم لنفسه ولوالديه ولمشايخه وغيرهم من المؤمنين والمؤمنات كان هذا من جنس المشروع, وكذلك دعاؤهم لهم في قيام الليل وغير ذلك من مواطن الإجابة.

    هذه عادتهم التي درجوا عليها، وهي الدعاء للمؤمنين في كل موطن من مواطن الإجابة.

    1.   

    هدي النبي صلى الله عليه وسلم في دعاء القنوت والاستسقاء

    أما القنوت فكان هديه صلى الله عليه وسلم أن يقنت للنوازل إذا نزلت, والنوازل هي المصائب التي تنزل بالمسلمين سواء عامة كانت أو خاصة, لكن من أهل العلم من يرى بأن القنوت في الفرائض لا يكون إلا عند نزول مصائب سببها بني الإنسان, أي: الآدمي، أما المصائب بأمر سماوي لا مدخل للناس فيه فهذا لا يشرع له القنوت في الصلوات, وإنما شرع الله تعالى له قنوتاً أو دعاء من لون آخر, فإذا أمسكت السماء القطر فقد شرع الله الدعاء, لكن ليس في قنوت الصلوات؛ لأن الله شرع الدعاء بخروج الناس للاستسقاء.

    صور الاستسقاء

    والاستسقاء له ثلاث صور كما يقول العلماء:

    الصورة الأولى وهي العامة: الدعاء بالسقيا في كل مقام, يعني: في صلاته وفي خارج صلاته, في المسجد وفي غير المسجد, منفرداً وجماعة, وهذا لون من ألوان الاستسقاء.

    الصورة الثانية: الدعاء بعد الخروج إلى البر إلى المصلى, فيجتمع المسلمون ويدعون ثم يرجعون من غير صلاة.

    الصورة الثالثة وهي الكاملة: أن يخرج الناس للاستسقاء فيصلون صلاة الاستسقاء, ويدعون لأنفسهم أو لغيرهم, وقد قرر العلماء أنه يستحب الاستسقاء للغير, يعني: يستحب للمسلمين في موطن الرخاء والنعمة أن يدعوا وأن يخرجوا للاستسقاء طلباً للسقيا لإخوانهم المسلمين في بلد آخر, طلب السقيا للمسلمين في بلاد الجدب, لكنه لم يشرع عليه الصلاة والسلام الدعاء بالسقيا في قنوت الصلوات الخمس, وخير الهدي هدي محمد صلى الله عليه وسلم.

    وقد كان من شرعه وهديه أنه يدعو بالسقيا على المنبر كما سمعتم في هذا الحديث العظيم في الصحيح.

    1.   

    الدعاء والإحسان إلى المحتاجين

    اليوم سندعوا ونستسقي للمسلمين بإذن الله, وقد بادرت قطر الخيرية شكر الله لهم سعيهم بتذكير المسلمين في مشارق الأرض ومغاربها, بإخوانهم في الصومال بالدعاء لهم, والاستسقاء لهم, وسؤال الله عز وجل أن يقضي حاجاتهم, وهذه بادرة حسنة, وسيصدق فيهم بإذن الله قول النبي صلى الله عليه وسلم: ( من سن في الإسلام سنة حسنة فله أجرها وأجر من عمل بها ).

    المقصود بالسنة من بادر إلى عمل مهجور, كما فعل الصحابي في الحديث العظيم, الذي رواه الشيخان في الصحيح من حديث أنس قال: ( دخل قوم على رسول الله صلى الله عليه وسلم مجتابي النمار ), يعني: قد لبسوا الثياب البالية, الثياب القديمة: ( متقلدي السيوف, فلما رأى عليهم صلوات الله وسلامه عليه آثار الجوع وآثار الجهد دخل بيته ثم خرج، ثم أمر بلالاً فأذن, ثم أمره فأقام, ثم صلى, ولما صلى صعد المنبر وخطب الناس ), من أجل هؤلاء القوم الذين قدموا يحتاجون من المسلمين إعانتهم ومساعدتهم، فقال عليه الصلاة والسلام في خطبة قصيرة, بدأها بقول الله تعالى: يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالًا كَثِيرًا وَنِسَاءً [النساء:1] , ثم تلا قول الله تعالى: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَلْتَنْظُرْ نَفْسٌ مَا قَدَّمَتْ لِغَدٍ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ [الحشر:18] , ثم قال عليه الصلاة والسلام: ( تصدق رجل من ديناره, تصدق رجل من درهمه, من ثوبه, من قفيز بره, حتى قال: ولو بشق تمرة ).

    يأمر الناس بالصدقة كل بما يقدر عليه, من ديناره, من درهمه, من ثوبه, من قفيز بره, حتى ولو بشق تمرة, ( فبادر أحد الأنصار رضي الله تعالى عنه وجاء بصرة كادت كفه تعجز عنها, فوضعها بين يدي رسول الله صلى الله عليه وسلم, فلما رآه الناس تتابعوا حتى اجتمع كومان أمام رسول الله, كوم من الثياب, وكوم من الطعام, يقول الراوي: فرأيت وجه رسول الله صلى الله عليه وسلم يتهلل كأنه مذهبة ), كأنه قطعة من الذهب سروراً وفرحاً بتفريج الله الكرب عن هؤلاء المسلمين, ( ثم قال: من سن في الإسلام سنة حسنة فله أجرها وأجر من عمل بها ).

    يشير إلى ذلك الأنصاري الذي جاء بصدقة يسيرة قليلة, ولكنها كانت سبباً في تتابع المسلمين عليها.

    فمن أحيا سنة مهجورة, وأحيا عملاً متروكاً, فإن الله بإذنه يجعل له من الأجور والثواب كأجر من تبعه وعمل بذلك.

    هذه الجمعة سميت جمعة الرحمة, ونحن لا نقر على أن تجعل الجمع مواسم لعبادات, لا نقر بأن يجعل الدعاء للمسلمين موسماً أو يوماً؛ بل ينبغي أن يكون الشأن والدأب ذلك في سائر حياتنا وأيامنا, ولكنه التذكير حين نصاب بالغفلة, لكنه التذكير حين نصاب بأنفسنا فنعيش لأنفسنا.

    الصوماليون وغيرهم من المسلمين الذين يرزحون اليوم تحت نيران المصائب, يحتاجون إلى الطعام والشراب, فكل مسلم اليوم في مشارق الأرض ومغاربها مكلف تكليفاً كفائياً، وواجب على هذه الأمة أن تسعى في قضاء حاجات المحتاجين, فإن لم يفعلوا أثموا جميعاً. فجزى الله خير الجزاء من يسعى لرفع الإثم عنا, جزى الله خير الجزاء من يسعى لرفع الذنب عنا.

    حقيق بنا -أيها الإخوان- أن نكون عوناً وسنداً للمسلمين بقدر ما نقدر عليه, ويا حبذا لو كان مع الدعاء شيء من قطران, كما جاء في الأثر, يا حبذا لو أن نبذل مع الدعاء ما نقدر عليه من الإعانة, وَمَا تُقَدِّمُوا لِأَنْفُسِكُمْ مِنْ خَيْرٍ تَجِدُوهُ عِنْدَ اللَّهِ هُوَ خَيْرًا وَأَعْظَمَ أَجْرًا [المزمل:20].

    نحن سنتوجه إلى الله وحده القادر على ما يريد, الراحم بعباده سبحانه وتعالى فهو أرحم بهم منا, نتوجه إليه بالدعاء أن يقضي حاجات المسلمين في مشارق الأرض ومغاربها, وفي مواطن المحن والزلازل على وجه خاص.

    فيا حي يا قيوم! يا ذا الجلال والإكرام! يا أرحم الراحمين! اللهم إنا نتوسل إليك بكل اسم هو لك, سميت به نفسك, أو أنزلته في كتابك, أو علمته أحداً من خلقك, أو استأثرت به في علم الغيب عندك, يا ودود يا ودود! يا ذا العرش المجيد! يا فعالاً لما تريد! نسألك اللهم بعزك الذي لا يرام, وبملكك الذي لا يضام, وبنورك الذي ملأ أركان عرشك, أن تفرج عن المسلمين في كل مكان ما هم فيه يا رب العالمين!

    اللهم اجعل لهم من كل هم فرجاً, اللهم اجعل لهم من كل هم فرجاً, اللهم اجعل لنا ولهم من كل هم فرجاً, ومن كل ضيق مخرجاً, ومن كل بلاء عافية.

    اللهم أغث إخواننا في الصومال يا رب العالمين! اللهم أغثهم, اللهم أغثهم, اللهم أغثهم, اللهم أنزل عليهم بركات السماء, وأخرج لهم من بركات الأرض برحمتك يا أرحم الراحمين.

    اللهم لا تؤاخذهم بذنوبهم, اللهم لا تؤاخذهم بذنوبهم, اللهم لا تؤاخذهم بذنوبهم, اللهم عاملهم برحمتك وإحسانك يا أرحم الراحمين!

    اللهم كن لهم ولا تكن عليهم, اللهم اقض حاجاتهم, اللهم أطعم جائعهم, واكس عاريهم, واشف مريضهم, وألف بين قلوبهم. اللهم اجمع كلمتهم على الهدى يا أرحم الراحمين!

    اللهم فرج عن المسلمين في كل مكان يا رب العالمين! اللهم اجمع كلمتهم على التقى, اللهم اجمع قلوبهم على الهدى, اللهم اجمع عزائمهم على خير العمل يا أرحم الراحمين!

    اللهم اجعل ولايتنا فيمن خافك واتقاك واتبع رضاك يا رب العالمين!

    اللهم لا تول علينا من لا يرحمنا, اللهم لا تول علينا من لا يرحمنا, اللهم لا تول علينا من لا يرحمنا!

    يا حي يا قيوم برحمتك نستغيث! يا حي يا قيوم برحمتك نستغيث! يا حي يا قيوم برحمتك نستغيث! أصلح لنا شأننا كله, ولا تكلنا إلى أنفسنا طرفة عين.

    اللهم أعنا على ذكرك وشكرك وحسن عبادتك, اللهم أعنا على ذكرك وشكرك وحسن عبادتك, اللهم اغفر لنا ذنوبنا كلها, دقها وجلها, وأولها وآخرها, وسرها وعلانيتها.

    اللهم اغفر للمؤمنين والمؤمنات، والمسلمين والمسلمات, الأحياء منهم والأموات، إنك سميع قريب مجيب الدعوات.

    اللهم انصر دينك وكتابك وسنة نبيك وعبادك الصالحين.

    اللهم صل وسلم وبارك على نبينا محمد، وعلى أله وأصحابه أجمعين.

    مكتبتك الصوتية

    أو الدخول بحساب

    البث المباشر

    المزيد

    من الفعاليات والمحاضرات الأرشيفية من خدمة البث المباشر

    عدد مرات الاستماع

    3086718663

    عدد مرات الحفظ

    755958458