إسلام ويب

الظلم أسرع المنكرات عقاباًللشيخ : أحمد سعيد الفودعي

  •  التفريغ النصي الكامل
  • الظلم محق للشعوب والدول، وهو من الذنوب التي تُعَجَّل فيها العقوبة للظالم وأعوانه وزبانيته، وإن أمهل الله الظالم فإنما هو استدراج وإمهال حتى يتمادى في ظلمه وغيه، وحينئذٍ ينزل الله العقوبة الصارمة، ولات حين مناص.

    1.   

    مقتضيات الظلم وآثاره السيئة

    الحمد لله رب العالمين، نحمده ونستعينه ونستهديه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، صلوات الله وسلامه عليه، وعلى آله وصحبه أجمعين.

    يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ [آل عمران:102].

    يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا * يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا [الأحزاب:70-71].

    أما بعد:

    فإن خير الكلام كلام الله، وخير الهدي هدي محمد صلى الله عليه وسلم، وشر الأمور محدثاتها، وكل محدثة بدعة، وكل بدعة ضلالة.

    سرعة تعجيل العقوبة على الظلم

    إخوتي في الله! روى الإمام أبو داود رحمه الله تعالى في سننه، وصححه غير واحد من أهل العلم، أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ( ما من ذنب أجدر أن يعجل الله عز وجل لصاحبه العقوبة في الدنيا مع ما يدخره له في الآخرة مثل البغي، وقطيعة الرحم )، هذان الذنبان العظيمان جديران وحقيقان بأن يعجل الله عز وجل العقوبة لمرتكبهما في الدنيا مع ما ينتظرهما من العقوبة في الآخرة، وفي الحديث الآخر: ( بابان معجلان في الدنيا: البغي، وقطيعة الرحم ).

    وفي سنن ابن ماجه وغيرها بسند ضعيف: ( أسرع الحسنات ثواباً صلة الرحم، وأسرع الشر عقاباً البغي وقطيعة الرحم ) والأحاديث في هذا المعنى كثيرة، البغي: الظلم للنفس، الظلم للآخرين، أسرع السيئات وأسرع المنكرات عقاباً، لا سيما بغي من ينتظر الناس منه الحماية، البغي الظلم لا سيما ظلم من يجب عليه أن يحقق العدل ويقيم القسط، أسرع العقوبة عقوبة هذا الصنف من الناس، ليس ثمة ذنب أليق به وأحرى به وأجدر أن يعجل الله عز وجل العقوبة لصاحبه مثل الظلم.

    سنة الله في إمهال الظالم واستدراجه

    لكن هذه العقوبة قد تتأخر زمناً لحكمة يعلمها الله تعالى، تشرئب الأعناق دائماً، وتتطلع العيون دائماً إلى إنزال العقوبة بالظالم، ومع ذلك يكتب الله عز وجل له السلامة إلى أمد، يكتب له العافية إلى حين، ليس لأنه لا يستحق العقوبة، ولكن لحكمة يعلمها الله ولا نعلمها نحن.

    إن من سنته سبحانه وتعالى مع الظالم سنة الإمهال، لكن من غير إهمال، ( إن الله يملي للظالم حتى إذا أخذه لم يفلته )، إذا وقع عليه العقاب أخذه أخذ عزيز مقتدر، لكنه يمهل له، وهذا الإمهال لحكم عظيمة، أحياناً تكون لحكمة الاستدراج حتى يتمادى في ظلمه، حتى يتمادى في بغيه، حتى يزداد من آثامه، يريد الله أن ينزل به في الآخرة أقصى العقاب، فيتيح له المجال في الدنيا؛ ليظلم ويطغى ويبغي، وينزل بالناس أنواع المظالم، ومرة يكون لحكمة أخرى، وهي أنه سبحانه وتعالى يعلم أن هذا الظالم سيتوب يوماً، وأنه سيرد المظالم إلى أصحابها، وسيتحلل من المظلومين، وكان الله قد علم أن خاتمته إلى خير، فيملي له زمن ظلمه، وقد رأينا من ختم له بالحسنى مع أنه قضى عمره أو أكثره في المظالم، ( إن الله يملي للظالم )، هذه سنة من سننه في التعامل مع الظلمة، لكن من أصر على ظلمه ولم يتب أخذه الله عز وجل أخذ عزيز منتقم ( حتى إذا أخذه لم يفلته ).

    لا ينبغي للناس أن يستعجلوا عقاب الظالم، فإن الظالم لا محالة سينزل به ما يستحقه، ولكن الله عز وجل فرض على الناس فرائض: الظالم والمظلوم، ينبغي لكل واحد من الناس كل بحسب موقعه أن يقوم بما وجهه الله عز وجل إليه، أما عاقبة الظالم هذا فدعه إلى الله.

    لقد أخبرنا الله في كتابه بأن رسوله صلى الله عليه وسلم كان يتحدى المشركين في زمن استضعافهم له، يقول لهم كما في سورة الأنعام: قُلْ يَا قَوْمِ اعْمَلُوا عَلَى مَكَانَتِكُمْ إِنِّي عَامِلٌ فَسَوْفَ تَعْلَمُونَ مَنْ تَكُونُ لَهُ عَاقِبَةُ الدَّارِ [الأنعام:135]، ثم يبين لهم سبب هذا التحدي إلى ماذا يركن؟ وعلام يعتمد؟ يقول لهم في آخر الآية: إِنَّهُ لا يُفْلِحُ الظَّالِمُونَ [الأنعام:135]، أنتم ظالمون، وعليكم أن تتيقنوا بأن الظالم لا يفلح، والظالم لا يفوز أبداً بالظفر بما يحبه، والظالم لا يفوز أبداً بالنجاة مما يخافه ويرهبه، لكنه قد يؤخر عنه إلى أمد، إِنَّهُ لا يُفْلِحُ الظَّالِمُونَ [الأنعام:135]، الظالم لا بد وأنه واقع في عاقبة الظلم، لكن من الظلمة من هو عاقل، يعتبر بما يقال له، ويعتبر بأحوال الظالمين قبله، ومن الظلمة من يعمي الله عز وجل بصيرته، فيصم أذنيه، ويغطي عينيه، ويأبى إلا أن يرى عاقبة الظالمين في نفسه.

    أبو العتاهية شاعر الزهد والرقائق المعروف، أودعه الخليفة العباسي في السجن ظلماً في زمنه بغير استحقاق، فعلم بأن الخليفة ممن يتعظ ويعتبر إذا وعظ، فكتب إليه بيتين من الشعر، قال له فيهما:

    أما والله إن الظلم شؤم وما زال المسيء هو الظلوم

    إلى الديان يوم الحشر نمضي وعند الله تجتمع الخصوم

    لما وصل هذان البيتان الخليفة أمر بإطلاق أبي العتاهية من السجن؛ لأنه يعلم بأن عاقبة الظلم لا بد وأنه سيراها أمام عينيه، إِنَّهُ لا يُفْلِحُ الظَّالِمُونَ [الأنعام:135]، لكن هناك أعين قصيرة النظر، لا ترى البعيد، يقتصر نظرها على ما بين أرجلها، فيرون ما مكن فيه الظالم من متاع الدنيا وزخرفها، من سطوة البغي ونفاذ أمره في غيره، يرونه نجاحاً وفلاحاً، والله عز وجل يعتبره خيبة وخسراناً إِنَّهُ لا يُفْلِحُ الظَّالِمُونَ [الأنعام:135]، ميدان الحساب ليس في هذه الدنيا فقط، فهناك ميادين أخرى يقف الإنسان فيها طويلاً، ويحاسب فيها على كل ما قدم، يقول الله عز وجل عن الميدان الأكبر يوم الحساب، يوم الجزاء، يقول: وَقَدْ خَابَ مَنْ حَمَلَ ظُلْمًا [طه:111]، من جاء إلى هذا الموقف حاملاً بين أكتافه ظلماً للعباد، فإنه لا يحمل إلا الخيبة والخسران، وَقَدْ خَابَ مَنْ حَمَلَ ظُلْمًا [طه:111].

    نهاية الظلم والظالمين

    حذار حذار من الظلم، صغيره أو كبيره، للقريب أو للبعيد، آمراً كنت أو مأموراً، ولياً في البيت أو في الوظيفة أو في الحكم، حذار حذار من الظلم، فإنما يهلك الإنسان بظلمه، ويأبى الله إلا أن تكون نهاية الظالمين نهاية مذلة، نهاية مخزية، لو لم تكن في الدنيا فستكون يوم يقوم الأشهاد، يطأونهم بأرجلهم وقد مثلهم الله كأمثال الذر، مثل الذر على أرض المحشر، يطؤهم الناس بأقدامهم وهم يمشون لملاقاة حسابهم وجزائهم.

    عاقبة من يسكت على الظلم مع القدرة على تغييره

    لكن ينبغي للناس أن يعلموا أيضاً بأن للظلم عواقب وخيمة هنا في الدنيا، عواقبه على الظالم وقد علمناها، لكن له عواقب وخيمة على الأمة التي تستكين أيضاً للظلم مع قدرتها على تغييره.

    الأمة التي تستكين للظلم مع قدرتها على رفعه، الأمة التي ترى الظالم يمارس ألوان الظلم وأبشعها، ثم لا تقول له: لا. هذه الأمة مهددة أيضاً بأن تنالها عاقبة الظلم والظالمين، فإن الله سبحانه وتعالى لما أخبر عن فرعون وهامان أدرج معهما من لا يقوم ظلم فرعون وهامان إلا بهم، وهم الشعوب المستكينة، الجنود الخاطئة التي تنفذ ما تؤمر بغض النظر عما تؤمر به، قال في سورة القصص: إِنَّ فِرْعَوْنَ وَهَامَانَ وَجُنُودَهُمَا كَانُوا خَاطِئِينَ [القصص:8]، الخطأ والإثم يشمل الجميع، الأمة عليها دور ينبغي أن تلعبه حين يمارس الظلم ظلمتها، وحين يستبد بالأمر الفساق والفجار الظلمة فإن الأمة ينبغي أن تنهى عن المنكر بما تستطيع وما تقدر عليه، وإلا فإنها ستهلك بسبب هذا الظلم، هذا الظلم مبيد للأمم، مبيد للشعوب، مزيل للدول، لا تقتصر عاقبته على الظالم، قال الله سبحانه وتعالى: وَكَمْ قَصَمْنَا مِنْ قَرْيَةٍ كَانَتْ ظَالِمَةً وَأَنشَأْنَا بَعْدَهَا قَوْمًا آخَرِينَ [الأنبياء:11]، وقال تعالى: وَتِلْكَ الْقُرَى أَهْلَكْنَاهُمْ لَمَّا ظَلَمُوا وَجَعَلْنَا لِمَهْلِكِهِمْ مَوْعِدًا [الكهف:59]، حين يقعون في الظلم تقع العاقبة على الجميع، قال سبحانه وتعالى: وَمَا كَانَ رَبُّكَ لِيُهْلِكَ الْقُرَى بِظُلْمٍ وَأَهْلُهَا مُصْلِحُونَ [هود:117].

    يقول الإمام القرطبي في تفسيره: (وَمَا كَانَ رَبُّكَ لِيُهْلِكَ الْقُرَى بِظُلْمٍ) يعني: بشرك، (وَأَهْلُهَا مُصْلِحُونَ) أي: فيما بينهم من الحقوق، الله لا يهلك الأمم، ولا يزيل الدول حينما تكون هذه الدول بريئة عن الظلم، وإن كانت مشركة، لما تكون الحقوق مؤداة ينال الضعيف حقه، وتحترم فيه كرامة الإنسان أي إنسان كان، مسلماً كان أو كافراً، براً كان أو فاجراً، لما يحترم هذا الإنسان ويعامل بما أمر الله عز وجل أن يعامل به من العدل والقسط وإعطاء الحقوق، فإن الأمة لا تزال في أمان من الإزالة، لا تزال في أمان من الأخذ، وَمَا كَانَ رَبُّكَ لِيُهْلِكَ الْقُرَى بِظُلْمٍ [هود:117]، أي: بسبب شركهم، وَأَهْلُهَا مُصْلِحُونَ [هود:117]، أي: وهم مؤدون الحقوق إلى أهلها.

    ولذلك يقص علينا سبحانه أخبار الأمم السابقة بأنه أهلكهم لمظالم أخرى، لمنكرات أخرى ليس لمجرد الشرك والكفر، أهلك قوم لوط لما مارسوا هذه الفاحشة القذرة واستبدوا، وهتكوا الأعراض، وأهلك قوم شعيب لما طففوا المكيال والميزان، وأهلك من أهلك لما عاندوا الرسل فاستباحوا الدماء، وقتلوا الأبرياء، أهلكهم الله عز وجل عن بكرة أبيهم، وبيّن بأنه إنما أهلكهم بظلمهم، قال: وَمَا ظَلَمْنَاهُمْ وَلَكِنْ كَانُوا أَنفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ [النحل:118].

    الظلم دمار للشعوب وخراب للدور

    الظلم محق للشعوب، محق للدول، ولهذا كان من أجلى أوصاف المؤمنين التي وصفهم الله عز وجل بها في سورة الشورى: وَالَّذِينَ إِذَا أَصَابَهُمُ الْبَغْيُ هُمْ يَنْتَصِرُونَ [الشورى:39]، صفات المؤمنين أنهم لا يستكينون للظلم الواقع عليهم، مع قدرتهم على رفعه، (إِذَا أَصَابَهُمُ الْبَغْيُ هُمْ يَنْتَصِرُونَ) من الظلم، وإذا قدروا على أخذ حقوقهم عفوا وسامحوا، يسامحون وقت القدرة، ولا يستكينون للظلم مع القدرة على رفعه، وإذا فرطت الأمة في هذا أخذت هي بنفسها بأسباب زوالها ودمارها.

    استمع إلى ما يقوله شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله تعالى وهو يتحدث عن عاقبة الظلم على الدول، الدول بنوعيها، الدول الكافرة والدول المسلمة، يقول رحمه الله: (أمور الناس تستقيم في الدنيا مع العدل الذي فيه الاشتراك في العدل، ولا تستقيم مع الظلم الذي فيه أنواع الإثم)، الظلم في الحقوق وإن لم تشترك في الإثم، ولهذا قيل: إن الله يقيم الدولة العادلة وإن كانت كافرة، ولا يقيم الدولة الظالمة وإن كانت مسلمة، ويقال: الدنيا تدوم مع العدل والكفر، ولا تدوم مع الظلم والإسلام، وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم: ( ليس ذنب أسرع عقوبة من البغي وقطيعة الرحم )، فالباغي يسرع في الدنيا وإن كان مغفوراً له مرحوماً في الآخرة، وذلك أن العدل نظام كل شيء، فإذا أقيم أمر الدنيا بعدل قامت، وإن لم يكن لصاحبها في الآخرة من خلاق، ومتى لم تقم بعدلٍ لم تقم، وإن كان لصاحبها من الإيمان ما يجزى به في الآخرة.

    تهلك الشعوب وتهلك الأمم حين يمارس الظلم.

    في حادثة واحدة قام عليه الصلاة والسلام خطيباً مغضباً، قد احمر وجهه، لما أراد بعض الصحابة الحيف في إقامة العقوبة، سرقت امرأة مخزومية من قريش من بني مخزوم، من بيت شرف وسيادة، فقالوا: (من يكلم فيها رسول الله صلى الله عليه وسلم؟) من الذي يجرؤ على أن يشفع لها عند رسول الله فيرفع عنها العقوبة؛ لأنها من قريش، وهو عليه الصلاة والسلام من كان يقيم العقوبات على الجميع، فالناس أمام القانون سواء، قالوا: (لا يجرؤ على ذلك إلا أسامة أحب الناس إليه حبه وابن حبه)، فقام أسامة وطلب من رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يسقط الحكم بقطع اليد عن المرأة المخزومية، فغضب عليه الصلاة والسلام وقال: (أتشفع في حدٍ من حدود الله، وقام على المنبر وقال: إنما أهلك من كان قبلكم أنهم كانوا إذا سرق فيهم الشريف تركوه، وإذا سرق فيهم الضعيف أقاموا عليه الحد )، (أهلك من كان قبلكم)، وكن على بينة من هذه الكلمات، أهلك من كان قبلكم من الأمم الحيف والجور حتى في إقامة القانون، حتى في إقامة العقوبات، (أهلك من كان قبلكم أنه إذا سرق فيهم الشريف تركوه، وإذا سرق فيهم الضعيف أقاموا عليه الحد)، لما يقوم الظلم في الأمة يختل ميزان الولاء لدى الأمة.

    1.   

    الاحتفال بعيد الحب

    الحمد لله رب العالمين، والعاقبة للمتقين، ولا عدوان إلا على الظالمين، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، صلوات الله وسلامه عليه، وعلى آله وأصحابه أجمعين.

    إخوتي في الله! بعض الناس يحتفل بما يسمونه عيد الحب، والأعياد القاعدة الشرعية فيها أنه لا يجوز الاحتفال بغير عيدين في الإسلام لا ثالث لهما، كما قال الشاعر:

    عيدان عند أولي النهى لا ثالث لهما لمن يبغي السلامة في غدٍ

    الفطر والأضحى وكل زيادة فيها خروج عن سبيل محمدٍ

    جاء النبي صلى الله عليه وسلم إلى المدينة فوجد الأنصار يحتفلون ويلعبون في يومين، فلما سألهم: ( لم هذا؟ قالوا: هذان يومان كانوا يلعبون فيهما في الجاهلية )، من الأعياد الموروثة، أعياد وطنية، أعياد قومية، أعياد محلية، يحتفلون بها في الجاهلية بدون ممارسة إثم ولا منكر في هذا اللعب، ( فقال عليه الصلاة والسلام: قد أبدلكما الله خيراً منهما: الفطر والأضحى ).

    والقاعدة الشرعية: أنه لا يجمع بين البدل والمبدل، لا يجمع بين الوضوء والتيمم، قال في هذا الحديث: ( قد أبدلكما الله خيراً منهما ) فكان عيدان عند أهل الإسلام لا ثالث لهما في العام: الفطر والأضحى، وكل زيادة فهي مبتدعة مردودة على صاحبها.

    ويشتد الإثم وتزداد الجريمة حين يكون هذا العيد عيداً مستورداً من أعدائنا، عيداً مستورداً من مخالفينا في ديننا، فإنه ينضم إلى الابتداع التشبه بالكفار فيما هو من خصائصهم، وقد قال عليه الصلاة والسلام: (من تشبه بقوم فهو منهم ).

    يجب على الأمة أن تنهي في أوساطها مظاهر التشبه بالكفار، فإن التشبه بهم في الظاهر يجر إلى التشبه بهم في الباطن، ولهذا قطع الله عز وجل هذه الذريعة فأمر المسلمين بأن يتميزوا عن غيرهم، وألا يتشبهوا بأعدائهم فيما هو من خصائصهم، يعني: فيما لا تفعله إلا هذه الأمم لا يجوز للناس أن يتشبهوا بهم، فإن التشبه بهم في الظاهر يجلب مودتهم، ويجلب محبتهم، فكيف إذا كانت هذه الأعياد مبناها على الفسق، مبناها على الدعوة إلى الفجور، مبناها على الدعوة إلى الرذيلة، فإن النهي عنها آكد، والإثم فيها أعظم، ولذا ينبغي للناس جميعاً أن يمارسوا دور الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، كل المحلات التي تشارك في هذا الإثم وتحاول أن تروج لهذا المنكر وأن تنشره في أوساط المسلمين ينبغي أن ينالها من الناس المقاطعة، وينبغي أن ينالها من الناس الإنكار حتى يعلموا بأنهم على سبيل خطأ، وينبغي للناس أن يحذر بعضهم بعضاً من التمادي في التشبه بأعداء الله يوماً بعد يوم، قبل أن تنسلخ من شبابنا الهوية، وتذوب فيهم الفوارق بين المؤمن والكافر.

    نسأل الله تعالى للمجتمعات العافية والسلامة.

    اللهم يا حي يا قيوم برحمتك نستغيث، أصلح لنا شأننا كله، ولا تكلنا إلى أنفسنا طرفة عين، رَبَّنَا آتِنَا فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً وَفِي الآخِرَةِ حَسَنَةً وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ [البقرة:201].

    اللهم يا حي يا قيوم! يا ذا الجلال والإكرام! يا أرحم الراحمين! جنب مصر والمصريين كل سوء برحمتك يا رب العالمين! اللهم اجعل مصر آمنة مطمئنة وسائر أوطان المسلمين، اللهم اجعل أوطان المسلمين عماراً أماناً رخاءً سخاءً برحمتك يا أرحم الراحمين.

    اللهم أصلح حكام المسلمين.. اللهم أصلح حكام المسلمين.. اللهم أصلح حكام المسلمين، اللهم جنبهم سوء أنفسهم وسوء بطائنهم يا رب العالمين! اللهم أنزل رحمتك بالبلاد والعباد، وجنبنا الفتن ما ظهر منها وما بطن يا رب العالمين.

    يا حي يا قيوم! برحمتك نستغيث.. يا حي يا قيوم! برحمتك نستغيث.. يا حي يا قيوم! برحمتك نستغيث أصلح لنا شأننا كله، ولا تكلنا إلى أنفسنا طرفة عين.

    اللهم انصر الإسلام وأعز المسلمين، واخذل الكفرة والمشركين، أعداءك أعداء الدين.

    اللهم اغفر لمن حضر هذه الجمعة ولوالديه وافتح للموعظة قلبه وأذنيه، أنت ولي ذلك والقادر عليه.

    اللهم اغفر للمؤمنين والمؤمنات، والمسلمين والمسلمات، الأحياء منهم والأموات، إنك سميع قريب مجيب الدعوات.

    اللهم صل وسلم وبارك على نبينا محمد.

    1.   

    خروج الأمة على الظالمين

    الأمة حين تخرج بالملايين ليس بأفراد ولا بعشرات ولا بمئات، وليس في بقعة دون بقعة، الأمة حين تخرج بعشرات الملايين في جميع أصقاع البلاد كلهم يهتفون بلعن الحاكم، وكلهم يهتفون ببغض الحاكم، وكلهم يهتفون بزوال الحاكم، ماذا تريد من قوة بعد ذلك في هذه الأمة؟ ماذا تريد من الاستمساك داخل هذه البلدة؟ أي قدرة لهذه البلاد على مقاومة أعدائها، والامتناع ممن يريدها بسوء، إذا كان الشارع منقسماً على نفسه، إذا كانت الثقة منزوعة بين الحاكم والمحكوم، كما قال عليه الصلاة والسلام: ( خيار أئمتكم الذين تحبونهم ويحبونكم، وتصلون عليهم ويصلون عليكم، وشرار أئمتكم الذين تبغضونهم ويبغضونكم، وتلعنونهم ويلعنونكم ) شرار الأئمة؛ لأن بهم فساد الأحوال وفساد الأوضاع، الأمة تصبح عرضة لأي خطر، ومسامحة لأي اعتداء عليها، وسهلة الأخذ والابتلاع حينما تصل إلى هذا القدر من التمزق بسبب ظلم الظالمين، بسبب ظلم الظالمين تزول هذه الأمم، ولذلك قال لنا عليه الصلاة والسلام كما أخبرنا الله سبحانه وتعالى في كتابه، وتلاها أبو بكر الصديق رضي الله تعالى عنه وأرضاه لما قرأ قول الله سبحانه وتعالى: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا عَلَيْكُمْ أَنفُسَكُمْ لا يَضُرُّكُمْ مَنْ ضَلَّ إِذَا اهْتَدَيْتُمْ [المائدة:105] قال: إنكم تقرءون هذه الآية فتضعونها في غير مواضعها، وإن الناس إذا تولى عليهم الظالم فلم يأخذوا على يديه أوشك أن يعمهم الله عز وجل بعقابٍ منه.

    واجب الأمة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، المنضبط بضوابط الشريعة، المنكر الذي لا يؤدي إلى منكر أعظم منه، المنكر الذي لا يؤدي إلى زوال هذا المنكر وإدخال الناس في منكرات أبشع وأعظم، المنكر الذي لا يؤدي زواله إلى حلول منكر مساوٍ له في المقدار، وإن اختلف معه في الاتجاه، المنكر إذا كان سيزول وسيحل محله المعروف، أو سيحل محله منكر أقل منه، فإن الأمة مأمورة بأن تأمر بالمعروف وتنهى عن المنكر بقدر استطاعتها، مأمورة بأن تأخذ على يد الظالم بقدر الاستطاعة، إذا كان ذلك لن يؤدي إلى منكرات أكبر.

    وفي هذا السياق وفي هذا المجال ينبغي ألا تنجرف الشعوب وراء دعوات الشباب وحدهم، لا بد أن يكون لأهل الرأي، لا بد أن يكون لأهل التجارب، لا بد أن يكون لذوي السن، لا بد أن يكون القرار في يد أولي الرأي من القوم، الشباب وحدهم لا ينبغي أن يعول على قرارهم، الشباب وحدهم لا ينبغي أن يركن إلى جميع طلباتهم، فهم لصغر سنهم ولقلة خبرتهم، ولقلة تجاربهم، ولعدم تقديرهم العواقب كما ينبغي، لا ينبغي أن تنجر الشعوب كلها وراء طلبات الشباب، ويصبح الشباب هم قادة الدفة، لا بد وأن يكون الرأي مبنياً على صوابٍ ورشد، وأن يكون إزالة المنكر متوخى من ورائه إحلال المعروف، أو تقليل المنكر، فإن مبنى هذه الشريعة على إقامة العدل والقسط والنهي عن الظلم والبغي، مبنى الشريعة على جلب المصالح وتكثيرها، وإنهاء المفاسد وتقليلها، ولا تأتي الشريعة بدرء مفسدة لتحل محلها مفسدة أعظم، ولا تأتي الشريعة بالنهي عن المنكر ليأتي محله منكر أكبر، وهذا لا يسلم الناس منه إلا إذا اشترك الرأي وأخذ بقول ورأي أصحاب الرأي في الأمة.

    نسأل الله بأسمائه الحسنى، وصفاته العلى أن يهيئ للمسلمين أمر رشد، وأن يأخذ بأيديهم إلى كل خير، ويعصمهم ويمنعهم من كل شر.

    أقول ما تسمعون، وأستغفر الله العظيم لي ولكم فاستغفروه، إنه هو الغفور الرحيم.

    مكتبتك الصوتية

    أو الدخول بحساب

    البث المباشر

    المزيد

    من الفعاليات والمحاضرات الأرشيفية من خدمة البث المباشر

    عدد مرات الاستماع

    3086718663

    عدد مرات الحفظ

    756197528