إسلام ويب

شرح الورقات [15] - أحكام الروايةللشيخ : يوسف الغفيص

  •  التفريغ النصي الكامل
  • يعتبر القياس من الأدلة الشرعية التي دل عليها الكتاب والسنة، وبهذا قال جمهور أهل العلم خلافاً للظاهرية. وهو ينقسم إلى: قياس علة، وقياس دلالة، وقياس شبه، ولا ينتقل إلى التالي مع إمكان الذي قبله.

    1.   

    صيغ التحمل والأداء

    الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم على نبينا محمد، وآله وأصحابه أجمعين.

    قال المصنف رحمه الله تعالى: [وإذا قرأ الشيخ يجوز للراوي أن يقول: حدثني أو أخبرني، وإذا قرأ هو على الشيخ فيقول: أخبرني، ولا يقول: حدثني، وإن أجازه الشيخ من غير قراءة، فيقول: أجازني أو أخبرني إجازة].

    هذا من التتمات التي يذكرها علماء الأصول، فيشيرون إلى بعض هذه المسائل المتعلقة بأحكام الرواية، كالإجازة والعنعنة والاتصال والانقطاع في مسائل الرواية، وتفصيل هذا القول المجمل الذي ذكره أبو المعالي رحمه الله في كتب الحديث.

    1.   

    باب القياس

    قال المصنف رحمه الله تعالى: [ وأما القياس: فهو رد الفرع إلى الأصل بعلة تجمعهما في الحكم، وهو ينقسم إلى ثلاثة أقسام: إلى قياس علة ].

    تعريف القياس وبيان أركانه

    القياس من الأدلة الشرعية المأخوذة من الكتاب والسنة، وهو متفرع عن دليل الكتاب والسنة، والمقصود عند الجويني في التسمية هو: قياس التمثيل، وهو: إلحاق الفرع بالأصل لعلة جامعة بينهما، فأركانه أربعة: الفرع، والأصل، والعلة، والحكم.

    الفرع يقصد به: المسكوت عنه.

    والأصل يقصد به: الحكم المسمى المنطوق فيه بالشريعة المسمى حكمه، والحكم سواء كان وجوباً أو تحريماً أو غير ذلك.

    والعلة: هي الموجب للإلحاق، وهي أدق، أي: الوصف الظاهر المنضبط، كما في تعريف علماء الأصول له، لكن مبحث العلة هو جوهر الفقه لدليل القياس، وهو أعقد مسائل دليل القياس، وإلا من حيث الجملة فإن تصور دليل القياس أو بمثال له هذا من البين الواضح.

    حجية القياس

    والقياس حجة عند الجمهور من أهل العلم والفقه، وهو مذهب الأئمة الأربعة، والجماهير من السلف والخلف، وخالف فيه ممن يعتبر خلافه: أهل الظاهر، وإن كان في حقيقة الحال لا يسلم فقه الظاهرية مما هو من مادة القياس، لكنهم لم يجعلوه في أصولهم، ويبينون نفيه، ولا سيما فيما جاء في طريقة أبي محمد بن حزم رحمه الله، فإنه أظهر إظهاراً بيناً ترك العمل بالقياس، ولكن ما هو معروف عند علماء الظاهرية في طريقة الاستدلال، أن الاستدلال يكون بالنص ودليل النص، ثم يجعلون دليل النص صوراً سبعاً، وإذا تأملت وجدت أن هذه الصور السبع بعضها فيه من مادة القياس، وهذا مثل نفي الشافعية دليل الاستحسان، ثم نجد بعض أوجه الاستحسان معتبرة في الفقه الشافعي، فهذا يقع فيه بعض التفاوت، لكن إذا اعتبرت النظر في تسمية الأدلة، فيقال: الظاهرية لا يرون العمل ولا حجية دليل القياس، لكن إذا بان وعلم أن المخالف في القياس دخل عليه في الفقه مادة منه، أو المخالف في الاستحسان دخل عليه في الفقه مادة منه؛ دل هذا على قوة هذا الدليل، حتى إن من خالف فيه انطبع بشيء منه، وإن كان لا يسميه قياساً، أو لا يسميه استحساناً؛ ولذلك بين القياس والاستحسان في بعض أوجه الاستحسان اتصال؛ لأن من أوجه الاستحسان المشهورة عند الحنفية وغيرهم: ترك العمل بالقياس الجلي إلى القياس الخفي، فهو تقلب بين القياسين، فهذا من الاتصال بدليل القياس، وإن كانوا يذكرون من أوجه الاستحسان ما يكون بعيداً عن دليل القياس؛ لأن أوجه الاستحسان حتى عند أخص من تبناه وهم الحنفية ليست منضبطة بصفة واحدة، فبعض علماء الحنفية الكبار ذكر أن الاستحسان اثنا عشر وجهاً، وبعضهم يذكر وجهين، حتى إن بعضهم يجعل من الاستحسان الناسخ والمنسوخ مثلاً، فهذا يعلم بالإجماع أن الشافعي لا ينفيه، وهو صاحب الناسخ والمنسوخ، والعارف به، حتى قال الإمام أحمد : ما عرفنا الناسخ والمنسوخ إلا لما جلسنا مع الشافعي ؛ لسعة علمه بطرق النسخ، وأوجه النسخ.

    فعلى كل حال المقصود هنا أن القياس من الأدلة عند جمهور العلماء، وهو مذهب الأئمة الأربعة، وإن كان بينهم تفاوت في إعمال هذا الدليل، فأكثرهم إعمالاً له الحنفية، ويقدمونه على كثير من الأدلة المسماة بالأدلة المختلف فيها، لكن جميع الفقهاء ومنهم فقهاء المحدثين يعملون بما هو من دليل القياس، لكنهم يتفاوتون في إعمال هذا الدليل؛ فهذا جملة دليل القياس.

    التعليل لاعتبار القياس من أدلة الأحكام

    والشاهد لاعتباره في الأدلة وكونه حجة من القرآن والسنة أن الشريعة لا تفرق بين المتماثلات، والشريعة معللة، كما تقتضيه نصوصها ودلائلها والنظر فيها، وإن كانت هذه المقدمة من المقدمات التي فيها جدل عند أهل النظر في تعليل الشريعة، و ابن حزم لا يرى تعليل الشريعة من هذا الوجه، والإحاطة بعلة الشريعة، وهل العلة ثابتة في نفس الأمر، ولكن لا يمكن العلم بها، أو أن الشريعة غير معللة؟ هذا من موارد علم النظر، وبعضهم يجعل لهذه المسألة اتصالاً بمسائل الربوبية في تعليل أفعال الرب سبحانه وتعالى وتشريعه كذلك، والصواب عقلاً وشرعاً أن الشريعة معللة، والشريعة لا تفرق بين المتماثلات، والله سبحانه بين أن القرآن يصدق بعضه بعضاً، والشريعة يصدق بعضها بعضاً، وإذا كان الشارع يذكر الأمثلة العقيلة، فمن باب أولى الأمثلة الشرعية.

    أقسام القياس

    قال المصنف رحمه الله تعالى: [وهو ينقسم إلى ثلاثة أقسام: إلى قياس علة، وقياس دلالة، وقياس شبه].

    هذا التقسيم لدليل القياس ليس مطرداً عند جميع علماء الأصول، بمعنى: أن طرق الأصوليين تختلف، وإن كان هذا الاختلاف في الجملة هو من التنوع في طريقة تقسيمهم لأوجه القياس، أو لأنواعه، فهنا المصنف ذكر هذه الطريقة، وفي كتب الأصوليين توجد أوجه مختلفة متنوعة بين علماء الأصول.

    قال المصنف رحمه الله: [فقياس العلة: ما كانت العلة فيه موجبة للحكم].

    أي: بحيث لا يقدر انفكاكه عنها.

    قال المصنف رحمه الله: [وقياس الدلالة: هو الاستدلال بأحد النظيرين على الآخر].

    مع تقدير انفكاكه عنها، هذا الفرق بين قياس الدلالة وقياس العلة هو الموجب، فالأول لا يقدر انفكاكه عنها، والثاني يقدر انفكاكه عنها.

    قال المصنف رحمه الله: [وهو أن تكون العلة دالة على الحكم، ولا تكون موجبة للحكم].

    أي: أنه يقدر انفكاكه عنها، فلا تكون موجبة.

    قال المصنف رحمه الله: [ وقياس الشبه: هو الفرع المتردد بين أصلين، ولا يصار إليه مع إمكان ما قبله ].

    لا يصار إلى هذا القسم مع إمكان ما قبله من الأقسام؛ لأنه أقل من حيث القوة، فأقوى منه قياس العلة، وبعده قياس الدلالة، وأدناها عنده -في كلام أبي المعالي رحمه الله- قياس الشبه، ويكون عند تردد الفرع بين أصلين، أي: بين حكمين، بمعنى بين مسألتين مسماة حكمهما في الشريعة؛ لأن القياس هو إلحاق فرع بأصل، والفرع -أي: المسكوت عنه- تردد بين أصلين، أي: بين حكمين، وليس المقصود بالأصل هنا القاعدة الكلية أو الدليل الكلي، إنما بين أصلين، أي: بين حكمين.

    وكما أشرت إلى أن هذا نوع من التقاسيم، وتوجد تقاسيم أخرى، ومثله إذا تكلموا في المناسب، قالوا: المناسب الملائم، والمناسب المؤثر، والمناسب المرسل، فيقسمون المناسب بمثل هذا التقسيم، وبعضهم يجعل مادة القياس، وأن المناسب ثلاثة: مناسب ملائم، ومؤثر، ومرسل، ويجعل مادة دليل القياس الذي هو قياس التمثيل في الملائم والمؤثر، ويجعل المناسب المرسل هو المحصل لدليل المصلحة المرسلة، وبعضهم يرى أن هذا التداخل بين المناسب المرسل والمصلحة المرسلة ليس مسلماً؛ فهذه مباحث مطولة في علم الأصول، وما بين يدينا مختصر، وسنتحدث عن ذلك لاحقاً في دروس أخرى.

    معرفة تنوع أقسام القياس ونتيجة ذلك

    ولكن مما يستفاد في التعليق على المختصرات: معرفة هذه الأقسام -كما أشار إليها المصنف- أو ما هو من نظائرها في التقاسيم الأخرى، وهو أيضاً يعطي الناظر وطالب العلم نتيجة مجملة، وهي: أن القياس ليس وجهاً واحداً؛ ولهذا في الاستدلال ينبغي أن تعرف مراتبه؛ لأن مبناه على العلة، والعلة يقسمونها إلى أقسام: باعتبار الثبوت مثلاً فيكون علة منصوصة، وعلة مستنبطة، ويتفرع عن العلة المستنبطة أوجه، فهذا التقسيم للعلة، وهذا التقسيم باسم المناسب، أو باسم أقسام القياس، وهذا كله يفيد أن القياس فيه تنوع، وفيه اختلاف، وفيه مراتب، وأن هذه النتيجة الكلية تفيد حكمين:

    الحكم الأول: أن القياس بعضه أقوى من بعض؛ ولذلك قد يقال: إن بعض القياس أقوى من بعض أقوال الصحابة، وفي مسألة أخرى نجعل قول الصحابي أقوى من بعض القياس، فلا يقع اطراد بأن قول الصحابي يقدم على القياس مطلقاً، ولا أن القياس يقدم على قول الصحابي مطلقاً، وهذا هو الفقه الصحيح، وهو الذي مضى عليه الأئمة رحمهم الله، يعني: أنه قد يقدم بعض مادة القياس على ما هو من قول الصحابي، وقد يقدم بعض قول الصحابي على ما هو من القياس، باعتبار أن أقوال الصحابة مراتب، وأن القياس مراتب؛ فهذا مما يتفطن له.

    أما أن طالب العلم يتوهم فيظن أن هذا دليل إنما هو وجه واحد أي: القياس، وأن قول الصحابي إنما هو وجه واحد، فهذا خطأ، ولا يفيد في الفقه، فلا بد من فقه دليل القياس، وليس فقهه أن تعرف التعريف ومثالاً له، إنما الفقه به هو معرفة المقصود بالعلة، وأوجه العلة، وأقسام القياس، والفحص في هذا النوع، والتمرس على ذلك، بحيث يتمكن في تقدير المسائل التي يناسبها دليل القياس عن المسائل التي يناسبها قول الصحابي، فإذا قدرت أن القياس مراتب، وأن قول الصحابي مراتب، وأن الاستحسان مراتب، فهنا يكون الانتزاع بين هذه المراتب، وهذا هو الفقه الدقيق لعلم الأصول.

    الحكم الثاني: أن يكون طالب العلم على ترو في تسمية القياس في المسألة ليجعله دليلاً عليها؛ لأنه قد يتوهم أن هذا من القياس المعتبر، وهو ليس من القياس المعتبر؛ لأنه ليس القياس الذي هو غير معتبر هو ما خالف النص والإجماع فقط، ويسمونه: القياس الفاسد الاعتبار، كما قال العراقي:

    وما خالف للنص أو إجماعاً دعا فاسد الاعتبار كل من وعى

    فالقياس الذي خالف النص أو خالف الإجماع هو قياس فاسد الاعتبار، وهذا بين، لكن قد يكون لا يخالف نصاً ولا إجماعاً وهو في حقيقته ليس قياساً صحيحاً، بخلاف الذي يقابل نصاً فهذا يتفطن له، وفي الجملة فهم لا يجعلون القياس مقابلاً للنص؛ لأنه لا أحد يصحح أن القياس يصح في مقابلة النص، فهذا مجمع عليه، حتى أرباب القياس من أهل الرأي وأهل الكوفة والحنفية من بعدهم لا أحد منهم يقدم القياس على النص، إلا إذا عرض شيء في هذا النص في الثبوت أو في الدلالة؛ وهذه من المعايير التي يجب التفطن في فقهها، حينما يقول ناظر في مسألة: إن هذا قياس يترك لأنه في مقابل النص. فلا بد من تحقيق كون القياس في مقابل النص أم لا، أو أن في النص ما يستدعي تصحيح القياس هنا لعدم وقوع الدلالة على محل القياس، فدلالة النص ليست هي الدلالة التي هي محل القياس، فيكون التوهم أن المحل واحد، ومن هنا جعل هذا مقابلاً لهذا، وإلا لو بان له الفرق لبان أن النص في محل دلالاته، وأن القياس دلالاته في محل آخر، فهذه الفروق هي محور الفهم لعلم أصول الفقه، وليس المعرفة المجملة ونحو ذلك.

    فإذاً: بمعرفة النتيجة الكلية نعرف حكمين من حيث ترتيب الأدلة، ومن حيث الانتباه للتوهم، حتى لا يقع طالب العلم والباحث في التوهم، فيقوي هذا بحجة أنه قياس، ولا يكون في حقيقته من باب القياس أصلاً.

    نقف على هذه المسألة وبالله التوفيق، وصلى الله وسلم على نبينا محمد، وآله وأصحابه أجمعين.

    مكتبتك الصوتية

    أو الدخول بحساب

    البث المباشر

    المزيد

    من الفعاليات والمحاضرات الأرشيفية من خدمة البث المباشر

    عدد مرات الاستماع

    3086718659

    عدد مرات الحفظ

    755815741