إسلام ويب

مصادر علم الفقه [4]للشيخ : عبد الله بن ناصر السلمي

  •  التفريغ النصي الكامل
  • اعتمد الشافعي على أصول معروفة في مذهبه، منها: الأخذ بالدليل والاستقراء، وقول الصحابي إذا لم يخالف، والأخذ بالقياس والاستصحاب، وأقل ما قيل. وقد نشر هذه الأصول وقعد عليها فقهاء الشافعية، مثل: المزني في مختصره، والشيرازي في المهذب، والماوردي في الحاوي، والنووي في المنهاج، والشربيني في مغني المحتاج، وابن حجر في تحفة المحتاج وغيرهم.

    1.   

    أهمية الرحلة في طلب العلم

    بسم الله الرحمن الرحيم.

    إن الحمد لله، نحمده ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً صلى الله عليه وسلم عبده ورسوله.

    وبعد:

    فقد وصلنا إلى علم مصادر المذهب الشافعي ، وذكرنا سيرة عطرة للإمام محمد بن إدريس الشافعي رحمة الله تعالى عليه، وبينا أن الشافعي رحمه الله مر بست مراحل، كل مرحلة لها محطة في حياة هذا الإمام, ولأجل كثرة رحلته رحمه الله زانت وازدانت أقواله وفتاويه؛ خاصةً لأن هذا الإمام الجهبذ قد منحه الله شيئاً لم يمنحه أحداً ممن عاصره أو أتى بعده.

    وقد كان أئمة الإسلام لا يستجيزون للمفتي أن يفتي إلا أن يكون قد رحل في طلب العلم، وذاك أن الإنسان أحياناً يأسره مجتمعه الذي هو فيه وعاداته، فلربما أفتى بنحو ما يصلح لمجتمعه، والأصل في المفتي أن تكون فتواه على نهج الأصول والقواعد لا ينخرم منها شيء، ولهذا أخطأ من أخطأ ممن يفتي الناس ببعض المسائل التي تكون من باب سد الذرائع، فتجد أنه يفتي بالحل أو الحرمة دون نظر إلى الضوابط والقواعد، ولعلي أذكر مثالاً بسيطاً في ذلك:

    مسألة النقاب، النقاب كان موجوداً في عهد النبي صلى الله عليه وسلم، ولا أدل على وجوده وتعامل النساء به مما جاء في صحيح البخاري من حديث ابن عمر أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ( ولا تنتقب المحرمة، ولا تلبس القفازين )، ولما رواه سعيد بن منصور بسند صحيح عن عطاء قال: (رأيت عائشة بين الرجال منتقبةً، فقالت لها جاريتها: يا أم المؤمنين! هلم نستقبل أو نمس الحجر، فقالت: إليك عني، إليك عني)، فكون عائشة رضي الله عنها أم المؤمنين تنتقب دليل على جوازه، ولكن أحياناً يكون النقاب عند بعض النساء ملفت للنظر وفيه نوع من التبرج والسفور، إذ ليس هو النقاب الذي كان موجوداً على عهد النبي صلى الله عليه وسلم.

    فتجد أن المفتي أحياناً أو العالم الذي يستفتى في هذه المسألة حينما يسأل: ما حكم النقاب؟ تجد أنه يستحضر حالةً في مجتمعه الذي هو فيه، فتجده يطلق الحرمة، فيقول: حرام، وفتواه بهذا الإطلاق ليست جيدة، مع العلم أن فيها شيئاً من الصواب، وتجد من يريد أن يطبق الذي كان على عهد النبي صلى الله عليه وسلم يجد تثاقلاً في تطبيقها، خاصةً أن بعض البلاد الإسلامية، أو بعض البلاد الغربية التي يعيش فيها المسلمون ربما يكون أحسن أحوالهم أن تكون المرأة منتقبة.

    ولهذا كان الأولى بالمفتي حينما يفتي ألا يستحضر زمانه، لكن يذكر الضوابط الفقهية الشرعية التي تصلح لكل زمان ومكان.

    فيقول: النقاب لم يزل ولا يزال موجوداً في عهد النبي صلى الله عليه وسلم، والنقاب كما رواه ابن جرير الطبري عن أم سلمة : أن المرأة لا تخرج إلا عينيها، فإذا لم يكن ثمة تبرج ولا سفور إنما قصد به إخراج العينين؛ فلا حرج.

    بهذه الضوابط يسهل أن تكون الفتوى صالحة لكل زمان ومكان، بحيث لا يأتينا أناس بعد زمن يحتملون النقاب فيقولون: إحدى السنوات قلتم بتحريم النقاب، والآن نساؤكم تلبس النقاب, واليوم يقولون لنا: الاختلاط حرام، وبعد سنوات يقولون: الاختلاط حلال، ثم تجده تدرج معك في تدرجات متعددة، وكان الأولى بمن استفتي في مثل هذا أن يذكر الضابط الفقهي ليهلك من هلك عن بينة، ويحيا من حي عن بينة.

    أعود فأقول: كان الإمام الشافعي رحمه الله قد حاز قصب السبق حينما درس على مدرستين، وأي دراسة إنما هي دراسة في العمق، من مالك مؤسس مذهب، ومن فرع المؤسس محمد بن الحسن رحمة الله على الجميع رحمة واسعة.

    1.   

    أصول مذهب الشافعية

    المذهب الشافعي استقل ونضج بعدما دخل الشافعي بغداد في الرحلة الثانية، وبدأ يؤصل مذهبه، وقلنا: إن خروجه من بغداد كان في الرحلة الثانية سنة مائة وتسع وتسعين.

    وكان الشافعي قد توفي سنة مائتين وأربع، وكان في سنة خمس وتسعين ومائة قد دخل بغداد وبدأ يؤسس له حلقة يؤصل فيها أصله، وقد كان الجامع الغربي الأموي فيه عشرون حلقة من حلق أهل الرأي، فلما كانت الجمعة الثانية لم يبق فيها إلا ثلاث حلق، والباقي انصرفوا إلى الإمام الشافعي رحمه الله، وهنا أصول اهتم بها الشافعي:

    اتباع الكتاب والسنة

    الأول: اعتمد الشافعي في مذهبه اتباع الكتاب والسنة، ولا شك في شدة اتباع الإمام الشافعي رحمه الله للكتاب والسنة، حتى إن بعض أصحاب المذاهب -ولا أحب تسميته- قال: ما من آية في كتاب الله، أو سنة من سنة رسول الله خالفت رأي إمامنا فهي إما منسوخة أو مؤولة، وهذا تعصب، وإن كان بعض الأحناف حاول أن يبرر مثل هذا بدعوى أن الإمام أبا حنيفة رحمه الله لم يكن ليخالف الكتاب أو السنة نصاً؛ فلأجل هذا أولها، وإن كان الأولى اتباع الكتاب والسنة وتعظيمهما على سائر المذاهب، حتى قال الإمام الشافعي رحمه الله حينما ناقش وناظر الحسين الكرابيسي في إحدى مناظراته: متى وجدتم الدليل من الكتاب والسنة مطروحاً في الطريق، يعني: في طريق العلم وطريق المناظرة فقولوا: هذا قولي، فلما رأوا الإمام الشافعي يعظم الكتاب والسنة، ولا يعظم مذهبه ولا أصله، انصاع الناس إلى الإمام الشافعي .

    والآن هذا أمر موجود معلوم، تجد أن طالب العلم إذا استدل قال: قال الله، قال رسول الله، رواه البخاري ، رواه مسلم ، تجد أن القلوب تشرأب إلى سماعه، ولأجل هذا قال محمد صلى الله عليه وسلم كما في الصحيح: ( نضر الله امرأً سمع مقالتي فوعاها وأداها كما سمعها، فرب حامل فقه إلى من هو أفقه منه، ورب حامل فقه ليس بفقيه ).

    فهذا يدل على أن طالب العلم ينبغي له أن يبين للمستفتي أنه ما خرجت فتواه إلا بنص من الكتاب والسنة، حتى لو كان العامي لا يعلم، فإذا جاءك عامي وقال لك: يا شيخ! ما حكم كذا؟ فقل له: الحكم كذا وكذا؛ لأن الله يقول كذا، ولأن الرسول صلى الله عليه وسلم يقول كذا، والحديث رواه كذا.

    حتى لو لم يعقل؛ لأن العامي يعلم أنه ما خرجت هذه الفتوى إلا من مشكاة النبوة، فتجده يعظم النص، ويعظم اتباع الكتاب والسنة.

    اتباع الحق والدليل

    الثاني: اتباع الحق والدليل، حينما جاء الإمام الشافعي رحمه الله إلى أهل بغداد وعنده أصول مالك رحمه الله، حينما كان محمد بن الحسن يناقشه في بعض أصول مالك وكان الشافعي يرجع عن هذه الأصول، ولا يرى عمل أهل المدينة إذا خالف حديث الآحاد, ويرى قول الأحناف في قبول خبر الآحاد لكنه أيضاً عارضهم في شروطهم التي اشترطوها، وأيضاً ناقش الأحناف في أخذهم القياس وتركهم لخبر الآحاد إذا عارض القياس، ورد عليهم رحمهم الله رحمة واسعة, فلأجل هذا كان الشافعي متبعاً للدليل، تاركاً أصول شيوخه إذا عارضت كلام الله وكلام رسوله.

    حتى إن الإمام الشافعي رحمه الله كان خبيراً برجال أهل الحجاز، أما رجال غير أهل الحجاز فلم يكن رضي الله عنه عنده من الوقت والسعة بأن يسبر أخبارهم وأحوالهم, فكان يقول للإمام أحمد رحمه الله: يا أبا عبد الله ! أنتم أعلم بالحديث والرجال منا، فإذا كان الحديث صحيحاً فأعلموني كوفياً كان، أم بصرياً، أم شامياً حتى أذهب إليه إن كان صحيحاً.

    والسؤال: لم لم يقل: حجازياً؟

    السبب أن الشافعي كان يعلم رجال الحجاز، لكنه لم يكن عنده دراية مثل دراية أحمد في رجال الكوفة، ورجال البصرة، فقال للإمام أحمد هذا الأمر، وإن كان رحمه الله خبيراً بعلم الرجال، وقد أخذ ذلك من مدرسة مالك بن أنس رحمه الله.

    الأخذ بقول الصحابي إن لم يخالف

    الثالث الذي اهتم به الإمام الشافعي : أقوال الصحابة رضي الله عنهم، حيث ذكر في كتاب الرسالة القديمة أن من أصوله التي يرجع إليها: أن قول الصحابي إذا لم يخالفه أحد من الناس فإنه يأخذ به ويرد القياس الذي يخالفه.

    ويرى رحمه الله أنه إذا انفرد الصحابي بقول ولم يوجد في المسألة نص من الكتاب أو السنة أن هذا القول أولى من الأخذ بالقياس، وقال: فإنهم حضروا التنزيل وعرفوه، وعندهم من الورع والعلم والدقة في النظر ما لم يكن عندنا، فالأخذ بأقوالهم أولى.

    الأخذ بالقياس

    الرابع: الأخذ بالقياس، فالإمام الشافعي رحمه الله لم يذهب مذهب مالك رحمه الله في تركه للقياس إذا خالف عمل أهل المدينة، ولم يتوسع كتوسع أبي حنيفة رحمه الله في العمل بالقياس وترك أحاديث أخبار الآحاد، وهو رضي الله عنه حينما قعد القواعد في مسألة الأصول ذكر أن ما خالف ظاهر القرآن من أحاديث الآحاد يعمل به وإن كانت تخالف ظاهر القرآن، ويرد ما يقول به أهل الرأي الذين قالوا: كل حديث من أحاديث الآحاد إذا خالفت ظاهر القرآن فلا يعمل بها؛ لأن القرآن متواتر والمتواتر لا ينسخه الآحاد، ويقولون: إن الزيادة على النص نسخ، فرد الشافعي ذلك رحمه الله.

    الاستصحاب

    اهتم الإمام الشافعي باعتبار أصل الأشياء، فذكر أن الأصل في ميتة البحر الحل، وذكر أن الأصل براءة الذمة، وذكر أن الأصل في المنافع الإباحة، وغير ذلك من الأصول التي قعدها الشافعي واستدل لها بما قال الله تعالى: هُوَ الَّذِي خَلَقَ لَكُمْ مَا فِي الأَرْضِ جَمِيعاً [البقرة:29]، وقال: الأصل في المضار التحريم.

    إذاً: من أصول الإمام الشافعي : الاستصحاب، فقد ذكر الشافعي رحمه الله تعالى هذا الأمر، وقال: الأصل بقاء ما كان على ما كان إلا أن يأتينا ما يخرج عن هذا الأصل، وهو ما يسمى عند الأصوليين: قاعدة الاستصحاب.

    فبينه رحمه الله بياناً شافياً، وذكر أن الأصل في المرء براءة ذمته حتى يأتي الدليل على شغل هذه الذمة.

    الاستقراء

    أيضاً اهتم الإمام الشافعي رحمه الله بالاستقراء، وهو عبارة عن تتبع أمور جزئية ليحكم وليحكم بحكم عام على مثل هذه الجزئيات.

    ومن أمثلة ذلك: ذكر الإمام الشافعي رداً على الأحناف أن الأصل في الوتر أنه ليس بواجب، قال: لأنا رأينا محمداً صلى الله عليه وسلم يوتر على الراحلة ولم يكن يصنعها في المكتوبة، قال: فدل ذلك على أن الوتر ليس بواجب.

    الأخذ بأقل ما قيل

    وأيضاً رحمه الله كان من مذهبه الأخذ بأقل ما قيل، فكان العلماء إذا اختلفوا في مسألة يأخذ الإمام الشافعي بأقل ما قيل؛ قال: لأنهم لو اختلفوا بالثلث أو النصف أو الكل فالذي أجمعوا عليه هو الثلث، قال: فنأخذ به؛ لأنه أقل ما قيل، فكأنه إجماع منهم، كما ذكر ذلك في دية الذمي، فإن الذمي اختلف العلماء في ديته، فقائل يقول: إنها ثلث دية المسلم، وهو مذهب الشافعي ، وقائل يقول: هي نصف دية المسلم، وهو مذهب المالكية، وقائلٌ يقول: إن دية الذمي كدية المسلم، وهو مذهب أبي حنيفة ، فأخذ الشافعي بأقل ما قيل؛ لأن الثلث قد أجمع العلماء عليه ممن يقول بالنصف وبالكل, والأمثلة في هذا كثيرة.

    1.   

    موقف الشافعي من بعض الأئمة

    أيضاً اهتم الإمام الشافعي رحمه الله برد بعض الأصول التي اعتمد عليها بعض الأئمة كـأبي حنيفة ومالك.

    موقف الشافعي من بعض أصول أبي حنيفة

    من ذلك: رده الاستحسان الذي أخذ به أبو حنيفة رحمه الله وقال: من استحسن فقد شرع، وإن كان الأحناف ليس مفهومهم للاستحسان هو المفهوم الذي أخذه الإمام الشافعي رحمه الله عليهم، وكانت قاعدة الاستحسان قد تطورت في المذهب الحنفي تطوراً جعل الخلاف في الغالب خلافاً لفظياً، وكان أبو حنيفة رحمه الله يأخذ بالاستحسان إذا خالف الدليل؛ لأنه يرى أن ما جرى عليه عمل الناس فإننا نُجوزه استحساناً وإن خالف الدليل أو القياس.

    من أمثلة ذلك: مسألة بيع المعاطاة فهي جائزة عند المالكية، والحنابلة رحمهم الله في المشهور عندهم، وهي محرمة عند الشافعية، ومباحة في الأشياء اليسيرة عند الأحناف، وإنما جوزها الأحناف وإن كانت تخالف القياس قالوا: لأنها مما تعامل بها الناس فقبلناها استحساناً، أما الشافعي رحمه الله فإنه يبطلها.

    فلو أنك أوقفت سيارتك عند صاحب محطة الوقود، وأشرت إليه أن عبئ لي بعشرة ولم تتحدث، فعبأ لك بعشرة فإن العقد يكون على مذهب الشافعي باطل، ولو اشتريت خبزاً فمددت له بثلاثة ريالات وأخذت ما يكفيك ولم تتحدثا فإن الشافعي يرى أن العقد باطل، وأما المالكية والحنابلة فيجوزونه.

    موقف الشافعي من بعض أصول مالك

    ومما رده الإمام الشافعي رحمه الله أيضاً ما أصله مالك رحمه الله في ما يسمى بالمصالح المرسلة، فاعتبرها الإمام مالك رحمه الله، ورأى مالك جواز ضرب المتهم حتى يعترف، ولم ير الشافعي ذلك، وإنما جوزها مالك لأنها من المصالح المرسلة.

    ورد الإمام الشافعي أيضاً قول مالك في عمل أهل المدينة.

    ورد أيضاً ما يذكره جمهور الفقهاء: أن شرع ما قبلنا شرع لنا ما لم يرد صارف، والشافعي يقول: إن شريعة محمد صلى الله عليه وسلم حينما جاءت كانت ناسخةً للشرائع كلها، ولا نقبل إلا ما جاء عن محمد صلى الله عليه وسلم.

    والذي ما جاءنا فيه الدليل ولا رأينا فيه خبراً عن النبي صلى الله عليه وسلم فماذا نصنع على قول الشافعي؟

    على قاعدة الشافعي الأصل بقاء ما كان على ما كان، أو الأصل في الأشياء الإباحة.

    هذه هي أصول الإمام الشافعي رحمه الله.

    1.   

    إصابة الحق غالباً فيما اتفق عليه مالك والشافعي وأحمد

    أقول: لو أنك بحثت في مسألة فرأيت نص الشافعي، ونص مالك، ونص أحمد على مسألة, فلابد أن أقول لك: حذار حذار أن تسارع في مخالفتهم، فابتعد يا رعاك الله! واصبر وتأن وتأمل ولا تتعجل فإنه في الغالب لا يكاد الحق يخرج عن أقوالهم.

    إذا رأيت نص الشافعي ، ونص أحمد ، ونص مالك فلا تعدله يا رعاك الله! وإذا وجدت نص الشافعي ونص أحمد فاشدده على حقوك فبه فأتم، فإنك على خير.

    وهذا إذا لم يكن في المسألة حديث ولا أثر عن صحابي، فلا تتعجل، وإذا رأيت من المحققين من يخالف هذا القول فلا تتعجل في ذكره ولا تنقل أن الأحوط الأخذ بذلك؛ لأنك لو تأملت لوجدت أن هذا القول له حظ كبير من النظر، ولعلي أذكر لك صورة من الصور:

    أبو العباس بن تيمية رحمه الله يرى أن المطلقة ثلاثاً -يعني: طلقها زوجها ثم راجعها، ثم طلقها ثم راجعها، ثم طلقها ثلاثاً، آخر ثلاث تطليقات- أنها تعتد بحيضة واحدة، وذهب الأئمة الأربعة إلى أنها تعتد ثلاثة قروء، فـأبو العباس يقول: لأن الأصل أن الله يقول: لا تَدْرِي لَعَلَّ اللَّهَ يُحْدِثُ بَعْدَ ذَلِكَ أَمْراً [الطلاق:1]، وأي أمر بعد الطلاق الثلاث؟ وقواه ابن القيم رحمه الله في زاد المعاد، ولو تأملت على قواعد الأصول لرأيت أن قول الأئمة أسلم وأقعد؛ لأن القاعدة الأصولية تقول: إن العلة المستنبطة لا يقاس عليها، فيسمونها علة قاصرة، وهذه مسألة اختلف الأصوليون فيها، وإن كان لا يقاس عليها قياس علة لا قياس تحقيق مناط.

    ومعنى قياس علة: أن ينظر إلى العلة الجامعة بينهما.

    ومعنى تحقيق المناط: عدم الفارق بينهما، فيتفقون في العلة، وينظرون في فروق المسائل هل تدخل في ضمن العلة أم لا، حتى قال كثير من الأصوليين كـالغزالي، و الجويني ، و أبو العباس بن تيمية : إن هذا لم يخالف فيه أحد، حتى القائلين بنفي القياس لم ينفوا هذا، وهو تحقيق المناط.

    الأئمة رحمهم الله يقولون: وَالْمُطَلَّقَاتُ يَتَرَبَّصْنَ بِأَنفُسِهِنَّ ثَلاثَةَ قُرُوءٍ [البقرة:228]، من قال: إن الأصل في العدة أنها تعتد لأجل استبراء الرحم؟ ليس فقط لأجل استبراء الرحم، بل لأجل استبراء الرحم، ولأجل رجوع الزوج، ولأجل حظ الزوج، ولأجل ألا تستعجل المرأة إذا أرادت أن تتزوج بزوج آخر فعلمت أن مدتها تطول فربما تركت ذلك، وأيضاً عبادة الله سبحانه وتعالى فإن مثل هذه الأحكام الأسرية لا تخلو من تعبد لله سبحانه وتعالى، فهي علة لا يمكن أن تستنبط.

    ثانياً: لو كان الأمر كذلك فلماذا جعل الشارع في المتوفى عنها زوجها أن تعتد أربعة أشهرٍ وعشراً؟ نعم يقولون: إن أربعة أشهر وعشراً هو علامة حقيقية على استبراء الرحم طبياً، وهذا وإن كان كما قالوا لكنه لا يلزم منه؛ لأنه لو قيل بذلك لقلنا: إن المرأة المطلقة لا تعتد إلا بأربعة أشهر وعشراً حتى نعلم استبراء الرحم.

    ذكرت ذلك لنتبين ألا نتعجل في مثل هذا، والعجب أنك أحياناً تجد كثيراً منا إذا قيل له: ما دليلك؟ من قال هذا القول؟ فقلت: قال به أحمد و مالك و الشافعي، ربما لا يجد اهتماماً أما إذا قلت: قال به من مشايخنا فلان، وفلان، وفلان، تجد أنه يعظمه، والناس قد طبعوا على أن ينظروا إلى الحي ربما أكثر من الميت أو أنهم لم يعلموا سعة علم هذا الميت، فلو قيل: وهو قول أبي بكر ، و عمر و عثمان و علي لم يهتموا بذلك، أما طالب العلم فيجب عليه أن يعرف سابقة هؤلاء، وقد قال قتادة وغيره كما نقل ذلك أبو عمر بن عبد البر في جامع بيان العلم وفضله في نصوص كثيرة: لا ينبغي للمفتي أن يفتي إلا أن يعرف الخلاف.

    1.   

    تلاميذ الإمام الشافعي

    للشافعي رحمه الله تلاميذ حملوا مذهبه وإن كان المذهب الشافعي مر بثلاث مراحل:

    طريقة الخراسانيين، وطريقة العراقيين، والطريقة الثالثة التي جمعت بين القولين وحُقِّق فيها، كما سوف يأتي بيانه إن شاء الله.

    أول هؤلاء التلاميذ الذين لازموا الإمام الشافعي ، وأنا حينما أذكر هذا أذكر الأئمة والتلاميذ الذين تأثروا بـالشافعي وبدءوا يمشون على أصوله، وليس المراد به الذين استفادوا من الشافعي كالإمام أحمد ، و إسحاق بن راهويه ، و أبي ثور ، و الحسين الكرابيسي ، بل أقصد الأئمة الذين تمذهبوا على أصول الإمام الشافعي .

    أول هؤلاء هو: يوسف بن يحيى البويطي ، المتوفى سنة واحد وثلاثين ومائتين، الفقيه المحدث صاحب الإمام الشافعي والذي قال فيه الشافعي رحمه الله: ليس أحد أحق بمجلسي من يوسف بن يحيى ، وليس أحد من أصحابي أعلم منه، أبو يعقوب لساني. هذا كلام الشافعي رحمه الله، وقد أوذي في آخر أمره وسجن في بغداد حتى مات في عهد الواثق في فتنة خلق القرآن، غفر الله له وأسكنه فسيح الجنان، ورفع الله درجته في أعلى عليين.

    الثاني: الحسن بن محمد الزعفراني ، نسبةً إلى الزعفرانية من سواد العراق، أحد رواة مذهب الشافعي في القديم في بغداد، قال الإمام الماوردي : هو أثبت رواة القديم وكان يقرأ في مجلس الشافعي أمام الإمام أحمد و أبي ثور .

    الثالث: الربيع بن سليمان ، والربيع بن سليمان اثنان: الربيع بن سليمان بن داود الأزدي الجيزي ، نسبةً إلى الجيزة من مصر، فهذا من تلاميذ الشافعي وله أقوال لكنه غير مشهور، ومتى أطلق الربيع بن سليمان فإنما يراد غير هذا، وهو الربيع بن سليمان المرادي وهو الثالث.

    ولا يذكر الربيع الجيزي إلا تقييداً فيقال: وهو مذهب الربيع بن سليمان الجيزي ، فإذا قيل: مذهب الربيع بن سليمان فإنما يراد به الربيع بن سليمان المرادي المصري، مؤذن الشافعي رحمه الله، وراوي كتبه، حتى إن علماء الشافعية يقدمونه على المزني صاحب المختصر إذا تعارضا.

    ومن تلاميذ الإمام الشافعي : إسماعيل بن يحيى المزني ، المتوفى سنة أربع وستين ومائتين، وهو صاحب الإمام الشافعي وأخص تلاميذه، كان زاهداً، عالماً، مجتهداً، مناظراً، وكان الشافعي رحمه الله يعجب بقوة بيانه، وقوة مناظرته، حتى الشافعي رحمه الله يقول فيه: المزني ناصر مذهبي، وقال الشافعي مبيناً شدة مناظرته وقوته: المزني لو ناظر الشيطان لغلبه، الله أكبر! وحسبك أن يأتي هذا المدح والثناء من شخص ليس بمبالغ وقد سبر طلابه كالإمام الشافعي.

    كانت له اجتهادات واستنباطات أحياناً يستغرب منها، وللفائدة من أراد أن ينظر إلى استنباطات أصحاب الإمام الشافعي رحمه الله فليقرأ طبقات الشافعية للإمام السبكي فإنه يذكر في آخر ترجمته بعض أقواله الشاذة والمستغربة.

    يقال: إن الإمام المزني كانت لا تفوته صلاة الجماعة، وإذا فاتته صلاة الجماعة أعاد الصلاة التي فاتته خمساً وعشرين مرة؛ قال: كي يظفر بالفضل، وهو أن صلاة الجماعة تعدل صلاة أحدكم بخمس وعشرين درجة، فكان يعيد خمساً وعشرين مرة، قال المزني: الرسول صلى الله عليه وسلم يقول: ( تعدل سبعاً وعشرين ) و(خمساً وعشرين )، فأنا أقول: أعيدها خمساً وعشرين حتى أظفر بهذا الأجر، كما أجاز العلماء أن تكرر قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ [الإخلاص:1]، ثلاث مرات حتى يظفر بأجر قراءة القرآن.

    والدليل على أن فعله هذا خطأ ما أخرجه أبو داود بسند لا بأس به عن ابن عمر أن النبي صلى الله عليه وسلم يقول: ( إن الله لم يأمرنا أن نصلي الصلاة مرتين )، وهذا دليل قوي.

    وقال بعضهم: إن الأصل في العبادة التوقيف وهذا دليل خطئه، نقول: نعم، هو يقول: الأصل في العبادة التوقيف، وهذا من الاستنباط الذي لا يخالف التوقيف، فرحمه الله وغفر الله لنا وله.

    وقول بعضهم أيضاً: دليل خطئه هو: ( من أحدث في أمرنا ما ليس منه فهو رد ).

    جوابه أنه يقول: أنا أرى أنه ليس ببدعة، لأني أخذته بالدليل، وهو الاستنباط، ونحن نقول: هذا الاستنباط مفهوم، مخالف المنطوق، وإذا تعارض المنطوق والمفهوم فيقدم المنطوق.

    1.   

    من متقدمي فقهاء المذهب الشافعي

    العالم الآخر هو: أبو العباس أحمد بن عمر بن سريج، المتوفى سنة ست وثلاثمائة، المعروف بـابن سريج ، وهو الذي قام بنصرة المذهب الشافعي رحمه الله، وقام بنصرة السنن، وخذل البدعة، حتى قال غير واحد: بعث الله عمر بن عبد العزيز على رأس المائة الأولى، فأظهر السنة، وقمع البدعة، ومن الله في المائة الثانية بالإمام الشافعي ، فأظهر السنة وأخفى البدعة، ومن الله بـابن سريج فنصر السنن، وخذل البدع، وكان شديداً على أهل البدع رحمه الله، وكان يناظر أهل الظاهر مناظرةً قوية، وينافح عن المذهب الشافعي، وله اجتهادات منها:

    أنه جوز الأخذ بالحساب في رؤية الهلال، وقد ذكر غير واحد من أهل العلم أنه خالف في ذلك الإجماع من الفقهاء.

    من العلماء أيضاً أبو سعيد الإصطخري ، المتوفي سنةَ ثمان وعشرين وثلاثمائة، وهو الحسن بن أحمد بن يزيد شيخ الشافعية في العراق، وأحد الذين ينقل عنهم الأوجه في المذهب الشافعي، له كتاب أدب القضاء، وله اختيارات وكان شديداً على المخالفين.

    هؤلاء هم قدامى أصحاب الشافعي رحمه الله. ‏

    طرق متقدمي الشافعية في تأصيل المذهب

    وقد كان لتلاميذ الشافعي طريقتان:

    الطريقة الأولى: طريقة الخراسانيين.

    والطريقة الثانية: طريقة العراقيين.

    يقول الإمام النووي في فقه الطريقتين: اعلم أن نقل أصحابنا العراقيين لنصوص الشافعي وقواعد مذهبه ووجوه متقدمي أصحابنا أتقن وأثبت من نقل الخراسانيين، والخراسانيون أحسن تصرفاً وبحثاً وتفريعاً وتأكيداً.

    إذاً هناك طريقتان:

    الطريقة الأولى: طريقة الخراسانيين وتمتاز بأنها أضبط من حيث التفريع، ومن حيث الترتيب، ومن حيث الاستنباط.

    ومن شيوخ هذه الطريقة الذين تأثروا بالإمام الشافعي من أهل خراسان: إسحاق بن راهويه ، و أبي ثور ، وغيرهم.

    الطريقة الثانية: طريقة العراقيين.

    كطريقة الحسن الزعفراني ، وطريقة الحسين الكرابيسي ، وغيرهم.

    فطريقة العراقيين الاهتمام بنصوص الشافعي ، ومن حذا حذوهم ممن جاء بعدهم، فكانوا يهتمون بطريقة نصوص الشافعي ، ونصوص متقدميه، ويذكرون قواعد المذهب.

    أما الخراسانيون فكانوا لا يهتمون كثيراً بنصوص الشافعي وإن كانوا قد تأثروا بأصول الشافعي ، فكانوا يذكرون المسألة من غير تقعيد لها، فكانوا أحسن ترتيباً واستنباطاً ممن جاء بعدهم.

    يقال: إن أول من جمع بين الطريقتين هو: أبو نصر السجزي ، وقيل: هو إبراهيم بن أحمد المروزي ، يقولون: وعلى يديه انتهت طريقة الخراسانيين والعراقيين.

    ثم تطور الأمر حتى جاء الإمام الرافعي كما سوف يأتي في ترجمته، فترك هذه الطريقة وحرر المذهب، ثم جاء بعده الإمام النووي رحمه الله، فحرره وأتقنه حتى قال ابن حجر الهيتمي : أجمع المحققون على أن الكتب المتقدمة على الشيخين: الرافعي و النووي لا يعتد بشيء منها إلا بعد تمام البحث والتحرير حتى يغلب على الظن أنه راجح مذهب الشافعي .

    وعلى هذا صار متأخرو الشافعية على طريقة هذين الكتابين: فتح العزيز في شرح الوجيز للرافعي ثم اختصره النووي في روضة الطالبين، وقد ذكر النووي ذلك وحرره، ثم ألف النووي رحمه الله أيضاً كتاب المنهاج وهو أضبط وأقعد وكما سوف نأتي إلى ذلك، وبين أن من ضبط روضة الطالبين فقد علم مذهب الشافعية.

    من فقهاء الشافعية

    من الشافعية أيضاً: المروزي إبراهيم بن أحمد المتوفى سنة أربعين وثلاثمائة، قالوا: إذا أطلق أبو إسحاق في كتب الشافعية فإنما يُريدون المروزي إبراهيم بن أحمد .

    ومن العلماء أيضاً: أبو حامد المروذي ، ويذكر في كتب الشافعية بـالقاضي أبي حامد ، وهو أحمد بن بشر بن عامر المروذي ، له كتب لكن لم يصلنا منها شيء.

    ومن العلماء الذين لهم يد بيضاء في المذهب الشافعي: أبو حامد الإسفراييني وهو أحمد بن محمد بن أحمد المتوفى سنة ست وأربعمائة، وإذا أطلق الشيخ أبو حامد فإنما يريدون أبا حامد الإسفراييني .

    ومن العلماء المشاهير الذين لهم كتب، وسوف أقتصر على العلماء الذين لهم كتب تتداول، وإلا فإن نقولات بعضهم كـالقفال أبي بكر وغيرهم، و ابن أبي هريرة كثيرة لكننا لا نذكرها كسباً للوقت.

    منهم: الماوردي ، وهو علي بن محمد بن حبيب الماوردي ، المتوفى سنة خمسين وأربعمائة، كان حافظاً للمذهب، له مكانة رفيعة عند الخلفاء والأمراء، من أعظم كتبه: (الحاوي الكبير) شرح به مختصر المزني، وسوف نتحدث في كتب الشافعية عن هذا الكتاب، وله أيضاً (الأحكام السلطانية)، (وأدب الدنيا والدين).

    وممن أثر في المذهب الشافعي الإمام: الشيرازي إبراهيم بن علي بن يوسف ، صاحب التصانيف، ومن أعظم كتبه كما سوف نأتي إليه: (المهذب) وكان يضرب به المثل في فصاحته، وقوة مناظرته، وقد ألف كتباً في المناظرة، وفي الأصول، له كتاب (الجدل والمناظرة) وهو جيد، وله كتاب في اللغة، وفي الأصول، اشتهر بالزهد والورع، والعبادة والتقى، كان عفيفاً قليل ذات اليد، كما ذكر ذلك النووي .

    ومن العلماء أيضاً الإمام: الشاشي أبو بكر ، الذي يسمى: القفال الشاشي ، له كتاب من كتب الشافعية اسمه: (حلية العلماء في معرفة مذاهب الفقهاء)، وهو كتاب نفيس مع صغر حجمه وقلته.

    بعد هذا جاء الإمام الرافعي عبد الكريم بن محمد بن عبد الكريم بن الفضل الرافعي ، كان يقال عنه: إنه من محققي القرن السابع للهجرة، ومن المتضلعين في علم الشريعة رحمه الله، ويعتبر هو و النووي محرري المذهب الشافعي.

    من أعظم تصانيفه: الشرح الكبير المسمى بفتح العزيز شرح الوجيز للغزالي , وقد ضبط المذهب ورتبه كما سوف يأتي تفصيل ذلك.

    ومن العلماء أيضاً: الإمام النووي رحمه الله، محيي الدين ، فإنه من محرري المذهب، وكتب (منهاج الطالبين) الذي هو عمدة المتأخرين من الشافعية.

    ثم جاء البلقيني عمر بن رسلان ، يقال: إنه تصدر للفتوى وعمره خمس عشرة سنة، وقد مشى على طريقة الشافعي في التتلمذ، فحفظ القرآن وهو ابن سبع سنين، وحفظ المحرر في فقه الشافعية للرافعي ، وحفظ الكافية في النحو، وحفظ مختصر ابن الحاجب في الأصول، وحفظ الشاطبية في القراءات، وأذن له في الفتوى وهو ابن خمس عشرة سنة، الله أكبر.

    ومن العلماء: الشربيني محمد بن أحمد الخطيب الشربيني ، صاحب كتاب (الإقناع في حل ألفاظ أبي شجاع)، ومن أشهر كتبه: (مغني المحتاج)، وأرى -والله أعلم- أنه من أنفس كتب الشافعية مع صغر حجمه، هو ونهاية المحتاج، وإن كان علماء الشافعية يقدمون (نهاية المحتاج) للرملي على (مغني المحتاج)، لكن أحياناً بعض اللفتات وبعض الأحاديث ومناقشتها قد لا تجدها في (نهاية المحتاج) وتجدها في (مغني المحتاج).

    من مشاهير الشافعية: محمد بن أحمد الرملي ، الملقب بـالشافعي الصغير، فقيه الديار المصرية، أعجب الناس بقوة فهمه، وكثرة حفظه، حتى قيل: إنه مجدد القرن العاشر، له كتاب (نهاية المحتاج).

    هؤلاء مشاهير الشافعية ومن هم أيضاً ابن حجر الهيتمي ، وهو عمدة في شرحه للمنهاج، وهو أولى من الرملي و الشربيني ، وله كتاب اسمه: (تحفة المحتاج في شرح المنهاج) .

    1.   

    تطور المذهب الشافعي والكتب المؤلفة فيه

    الكتب المعتمدة في المذهب الشافعي ومن يفتى بقوله

    ندلف الآن إلى الكتب المشهور عند الشافعية، وقد نقلنا كلام ابن حجر الهيتمي أن علماء الشافعية أجمعوا على أن الكتب المتقدمة على الشيخين لا يعتد بشيء منها، وفي هذا الكلام نوع تجوز، ويلزم من هذا أن (كتاب الأم) ليس هو المذهب عندهم، وإن كان الشافعي قد كتبه في آخر أمره.

    الشافعي كتب (الإملاء)، وكتب (الأم)، وإن كان (الأم) يعد على المنهج الجديد وقلنا: إن المنهج القديم في العراق، والمذهب الجديد في مصر، وقلنا: إن أفضل كتب الإمام الشافعي حينما انتقل إلى مصر، فإنه نقحها وحررها كما قال الإمام أحمد رحمه الله.

    فإذا اتفق الرافعي في (فتح العزيز) مع النووي في (روضة الطالبين) أو (المنهاج) فهذا هو المذهب كما قالوا، وإن اختلفوا، أو لم يذكر الرافعي هذه المسألة فالمذهب ما حرره النووي .

    فإن اتفق المتأخرون على أن ما قاله النووي و الرافعي سهو فلا يكون معتمداً عندهم.

    ثم بعد ذلك جاء ابن حجر الهيتمي في كتاب (تحفة المنهاج)، ثم الرملي وألف في المذهب بطريقة محررة كما يقولون. ويذهب متأخرو الشافعية إلى أن المعتمد من مذهب الشافعية بعد الرافعي و النووي هو ما ذكره ابن حجر الهيتمي في التحفة و محمد الرملي حتى قالوا: لا يجوز الفتوى على مذهب الشافعية إذا خالف رأي الشيخين، يعني: ابن حجر و الرملي .

    فإن كان ثمة مسألة لم يذكراها ولم يتعرضا لها فما قاله شيخ الإسلام في زمانه زكريا الأنصاري ، وله كتاب من أنفس كتب الشافعية، وهو (أسنى المطالب في شرح روض الطالب)، وهو من أفضل كتبه رحمه الله.

    وإذا لم يكن فيه نظروا إلى كلام ابن العبادي على تحفة المحتاج لـابن حجر فإنه من متأخري القرن العشرين، في سنة ألف وكسور، والعبادي المصري وضع حاشيةً على التحفة لـ ابن حجر في ما لم يذكره الشافعية.

    أهم كتب الشافعية

    وكتب الشافعية أهمها: كتاب (الأم)، وأحسن طبعة هي طبعة بولاق عام ست وعشرين وثلاثمائة وألف، وطبعة المعرفة ولعلها مصورة منها، وهناك طبعات أخرى.

    كتاب (الأم) للإمام الشافعي نموذج بارع رائع في الكتابة الفقهية، ومثال فذ في منهجيته ومناقشته رحمه الله رحمة واسعة.

    ثم يأتي كتاب: (مختصر المزني)، تأليف إبراهيم المزني صاحب الإمام الشافعي والكتاب طبع طبعات كثيرة من أوائلها طبعة دار المعرفة للطباعة والنشر.

    يقول المزني في أول كتابه: اختصرت هذا الكتاب من علم الشافعي ومن معنى قوله؛ لأقربه إلى من أراده، يقول: مع إعلامه نهيه عن تقليده، وتقليد غيره لينظر فيه لدينه ويحتاط فيه لنفسه.

    وقد تكلم السبكي عن هذا الكتاب وأثنى عليه، وأحسن شرح له هو (الحاوي الكبير) للماوردي كما سوف يأتي.

    الكتاب الثالث: (الحاوي الكبير) للقاضي أبي الحسن علي الماوردي ، وله طبعتان أحسنها طبعة دار الكتب، وهو من أنفس كتب الشافعية وهو يعد من كتب الفقه المقارن، فهو يذكر عامة أدلة الشافعية، ويناقش الخصوم، فقل أن تجد دليلاً ضد الشافعية إلا وتكلم عنه، وهذا يستفيد منه الذين يريدون أن يجمعوا الأقوال في المسألة، وماذا قال الشافعية في الدليل، فحسبك بهذا الكتاب.

    الكتاب الآخر: (المهذب)، تأليف أبي إسحاق إبراهيم بن علي الشيرازي ، وله طبعات أحسنها وأضبطها طبعة مصطفى البابي وإن كانت بعض الطبعات صورت, وقد حقق الكتاب تحقيقاً جيداً في ثلاثة مجلدات غير طبعة مصطفى البابي ، وإن كانت طبعة مصطفى البابي جيدة، هذا الكتاب مما منّ الله به على الإمام الشيرازي بحسن تصنيفه، فمن قرأه فكأنه يقرأ أحد الكتب التي ليس فيها غموض مع عظم المسائل الفقهية التي فيه لدرجة أن الحنابلة استفادوا من هذا الكتاب، وربما وجدت فصولاً في (المغني) قد أخذها من الإمام الشيرازي ، ونسب بعض المسائل إلى الحنابلة، وإلا فإن غالبها من كتاب (المهذب)، وهذا يدل على أن أصحاب المذاهب يستفيد بعضهم من بعض.

    وللإمام الشيرازي كتب كثيرة منها: (النكت)، وهو حقق في جامعة أم القرى وحقق بعضه، وله كتب أخرى, ولهذا الكتاب شرحان:

    الشرح الأول: (المجموع شرح المهذب)، يقول النووي رحمه الله في هذا الكتاب: واعلم أن هذا الكتاب وإن سميته شرح المهذب فهو شرح للمذهب كله، بل لمذاهب العلماء كلهم، وللحديث وجمل من اللغة، والتاريخ والأسماء، إلا أنه رحمه الله لم يكمله، فقد وصل إلى باب الربا، فأكمله علي بن عبد الكافي السبكي المتوفى سنة ست وخمسين وسبعمائة، ثم مات ولم يُكمله فجاءت بعض الإكمالات من متقدمي الشافعية، ثم أكمله محمد بخيت المطيعي المصري ، مفتي مصر سابقاً.

    والكتاب الآخر من شروح المهذب وهو مطبوع: (البيان) للعمراني ، طبعته دار المنهاج، وهذا الكتاب نفيس، حيث إنه شرح متناً من متون كتب الشافعية المتقدمة أو المتوسطة، والبيان للعمراني ينقل نقولات عن فقهاء أهل خراسان وفقهاء أهل العراق، وإن كان لا يستوعب مثل ما استوعبه النووي رحمه الله.

    هناك كتاب لم يطبع بعد، يقوم بتحقيقه الدكتور عبد العظيم الديب ، وهو عمدة الشافعية في زمان المؤلف، وهو للإمام الجويني، واسمه: (نهاية المطلب في دراية المذهب)، حتى قال ابن السبكي : لم يصنف في المذهب مثله فيما أجزم به وقد أثني عليه غير واحد من أهل العلم.

    وجاء الغزالي رحمه الله فألف (الوسيط) ثم (البسيط)، ثم (الوجيز)، و(الوجيز) مطبوع الآن وهو نفيس، حتى يقول الغزالي عن كتابه (الوجيز): أما بعد، فإني متحفك أيها السائل المتلطف! والحريص المتشوف! لهذا الوجيز الذي اشتدت إليه ضرورتك وافتقارك، وطال في نيله انتظارك، وبعد أن مخضت لك فيه جملة الفقه، فاستخرجت زبدته، وتصفحت تفاصيل الشرع فانتقيت صفوته وعمدته، وأوجزت لك المذهب البسيط الطويل، وخففت من حفظك ذلك العبء الثقيل، وأدمجت جميع مسائله بأصولها وفروعها بألفاظ محررة في أوراق معدودة خفيفة.

    هذا الكتاب جيد في صياغته وبيانه، وقد بينا أن بعض المالكية قد تأثر به فألف كتابه على ترتيب (الوجيز) وهو صاحب كتاب: (عقد الجواهر الثمينة في مذهب عالم المدينة)، وهو ابن شاس المالكي .

    يقول أحد علماء الشافعية عن الغزالي:

    شيد المذهب حبر أحسن الله خلاصه في بسيط ووسيط ووجيز وخلاصة

    أربع كتب للإمام الغزالي .

    ثم من الكتب: (فتح العزيز في شرح الوجيز)، وهو لـأبي القاسم عبد الكريم الرافعي الذي شرح (الوجيز) وقد شرحه وأجاد فيه وأبدع في تحرير مذهب الشافعية.

    جاء النووي فلخص كتاب (فتح العزيز)، وحذف بعض الكلام، وزاد فيه بعض المسائل في ما يسمى: (روضة الطالبين).

    يقول المؤلف في مقدمة كتابه هذا (روضة الطالبين): وأرجو إن تم هذا الكتاب أن من حصله أحاط بالمذهب وحصل له أكمل الوثوق به، وأدرك حكم جميع ما يحتاج إليه من المسائل الواقعات.

    ومن الكتب التي اعتنت الشافعية به شرحاً وبياناً وتعليقاً وحاشيةً هو: (منهاج الطالبين) لـأبي زكريا النووي .

    ألف هذا الكتاب اختصاراً لكتاب (المحرر) للرافعي، فـ(المنهاج)، أعني: (منهاج الطالبين) اختصار لكتاب (المحرر) للرافعي ، وربما غير النووي بعض العبارات، وربما زاد كما ذكر ذلك غير واحد من الشافعية كالإمام السبكي ونحوه.

    ثم من أحسن شروح (المنهاج) على الترتيب لمن أراد أن يحفظ المسألة:

    (تحفة المنهاج لشرح المنهاج) لـأحمد بن محمد بن حجر الهيتمي ، وكذلك شرح جلال الدين المحلي على (منهاج الطالبين)، وكذلك (حاشيتا قليوبي و عميرة) على شرح جلال الدين المحلي .

    فإن فيهما نفائس ودرر خاصةً في بعض المسائل والنوادر العقلية في زمانهم، فتستفيد منها في ذكر بعض المسائل الدقيقة في عصرنا.

    ثم يأتي (مغني المحتاج) للشربيني ، وكذلك (نهاية المحتاج) وعليه عمدة أكثر متأخري الشافعية، هذه أهم كتب الشافعية.

    مصادر القواعد الفقهية عند الشافعية

    ونذكر مصادر القواعد الفقهية عند الشافعية، والكتب كثيرة لكني أنتخب لك ثلاثة كتب:

    الكتاب الأول: (القواعد الكبرى) للعز بن عبد السلام ، والكتاب قد حقق تحقيقاً بارعاً على يد الأستاذ الدكتور نزيه حماد.

    وأنصح طالب العلم ممن تخرج من الجامعة وقرأ في الأصول شيئاً كثيراً أن يقرأ هذا الكتاب على شيخ ملم بالأصول والفروع فإن فيه درراً ومقاصد وبيانات تنبئك عن طول باع هذا الفقيه، أعني به العز بن عبد السلام .

    الكتاب الآخر من القواعد الفقهية: (الأشباه والنظائر) لـعبد الوهاب بن علي السبكي ، وقد حققه: عبد الفتاح أبو العينين في رسالة الدكتوراه، وقد ذكر المحقق كلاماً نفيساً عن كتاب ابن السبكي يحسن مراجعته.

    الكتاب الآخر وهو نفيس أيضاً: المنثور في القواعد لـبدر الدين الزركشي ، وقد حقق الكتاب: تيسير فائق أحمد محمود، وقد طبعته وزارة الأوقاف والشئون الدينية في دولة الكويت، وهذا الكتاب من أوعى كتب القواعد لدى الشافعية, وآخرها وأوعاها كتاب: (الأشباه والنظائر) للسيوطي عبد الرحمن، وإن كانت (الأشباه والنظائر) بهذا المعنى عند الشافعية كثيرة جداً لكن أشهرها هذان الكتابان: (الأشباه والنظائر) لـابن السبكي، و(الأشباه والنظائر) للسيوطي، وهناك (الأشباه والنظائر) لـابن الملقن، و(الأشباه والنظائر) لـابن الوكيل ، وكلها كتب شافعية.

    1.   

    كتب طبقات الشافعية وتراجمهم

    بقي الكلام على طبقات الشافعية؛ وأحسنها كتاب (طبقات الشافعية الكبرى) لـتاج الدين عبد الوهاب بن عبد الكافي السبكي ، إلا أنه رحمه الله جعل كل من لقي الشافعي مناقشاً أو مستفيداً من تلاميذه، وهذا فيه نوع تجوز؛ ولكن الكتاب فيه درر، ويحسن بطالب العلم أن يجرده فإنه سوف يستفيد فائدةً عظيمة حيث ذكر بعض المناظرات التي أجزم أنه لو قرأها طالب العلم ربما لم يستوعبها، مع أنه قد تناظر العلماء فيما بينهم من غير تحضير ولا تزوير كلام قبل ذلك، وهذا الكتاب إن شئت فقل: كتاب ترجمة أو كتاب تاريخ، أو كتاب طرائف حديث أو كتاب نبذ من الفقه، أو كتاب أدب، أو كتاب أرب لمن وفقه الله للاستفادة.

    والإمام ابن السبكي رحمه الله وغفر الله لنا وله، لولا تعصبه في الشافعية ومن تأثر به لنال منزلةً مرموقةً في عصره إلا أنه رحمه الله وغفر الله لنا وله بالغ في تعصبه لبعض الأئمة خاصةً ابن عربي المعروف بصوفيته واتحاديته وألف ضد بعض أئمة أهل السنة والجماعة.

    ومن الكتب أيضاً وهو آخرها: (طبقات الشافعية) لـابن هداية الله الحسيني، طبع في دار الأمانة وقد انتهى المؤلف إلى نهاية القرن العاشر.

    هنا نكون قد انتهينا من مصادر الفقه عند الشافعية.

    نسأل الله سبحانه وتعالى أن يوفقنا لما يحب ويرضى، وصل اللهم وسلم وبارك على نبينا محمد.

    1.   

    الأسئلة

    المواءمة بين العمل بالكتاب والسنة والرجوع إلى المذاهب الفقهية

    السؤال يقول: ما بال الناس يقولون في هذا الزمان: قال فلان، وقال فلان، ولا يقولون: قال الله وقال رسوله؟

    الجواب: ليس في هذا الزمان، بل الزمن هذا أخف، والمشكلة أننا في هذا الزمان أحياناً بسبب ضعف في البضاعة وضعف في التحصيل العلمي تجد بعض طلاب العلم الصغار الذين كما يقول فيهم أبو علي الفارسي: تزبب وهو حصرم، كثير منهم ينظر في الأحاديث ثم يقول: هذا القول، وأنا أراه، وعليك بالكتاب والسنة، ولا تنظر لمن خالفه، وربما يكون فهمه لهذا لم يقل به أحد من الأولين والآخرين، حتى قال الألباني رحمه الله وهو ممن نشر الاعتماد على الكتاب والسنة وترك أقوال المذاهب، يقول: نحن لو أرجعنا الناس إلى كتب المذاهب الأربعة خير لنا من الفوضى العلمية التي نراها في هذا الزمان.

    وأنا أرى -والله أعلم- أن هناك فوضى علمية، لا بد أن يرجع الناس فيها إلى استنباطات الفقهاء المتقدمين.

    يذكر لي أحد المشايخ أن أحد صغار الطلبة كان يقرأ عليه صحيح البخاري أو المتفق عليه فذكر حديث أبي سعيد أنه قال صلى الله عليه وسلم: ( ثم يخرج من النار قوم لم يعملوا خيراً قط )، فقال هذا الشاب المسكين: يقول: (لم يعملوا خيراً قط)، نكرة في سياق النفي، فتعم أي خير، فلا يلزم أن يعملوا خيراً.

    وهذه مشكلة! يعني على قوله يمكن أن يدخل فرعون، ويدخل قارون، ويدخل الكفرة؛ لأنهم لم يعملوا خيراً قط، وهذا جاهل والله يقول: إِنَّ اللَّهَ لا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَنْ يَشَاءُ [النساء:48]وقد ذكر ابن خزيمة في تفسير هذه الآية ثلاثة تأويلات وذكرها غير واحد من أهل العلم، ولا داعي لذكرها.

    لكننا نقول: لا حرج أن يقول الإنسان: وهو قول أحمد وقول الشافعي وقول كذا؛ لأن الناس أحياناً لا يستوعبون قال الله، قال رسوله، وربما يذكروا هذا الدليل وهو ضعيف، وهذا الدليل وهو حسن، وهذا الدليل وهو معلول، فربما لم يعلموا فلا حرج أن يقول الإنسان: قول فلان وفلان.

    الحنث في اليمين وكفارة ذلك

    السؤال: يقول السائل: أنا حلفت يميناً ثم فجرت، وأنا أحلف بالشيء ثم أقع فيه عمداً، تغرني نفسي وكل ما وقعت فيه حلفت ألا أعود إليه ثم أعود إليه أكثر من خمس مرات، ما هي المشكلة؟ هل علي كفارة لكل يمين أو تكفي كفارة يمين؟

    الجواب: لعل السائل يقصد أنه أحياناً لا يريد أن يفعل هذا الفعل، فيحلف ألا يعود فيه، فيعود، فنقول:

    أولاً: لا ينبغي للمسلم أن يحلف على ألا يعود إلى شيء، أو أن يعاهد الله ألا يفعل هذا الأمر؛ لأن المعاهدة شديدة: وَمِنْهُمْ مَنْ عَاهَدَ اللَّهَ لَئِنْ آتَانَا مِنْ فَضْلِهِ لَنَصَّدَّقَنَّ وَلَنَكُونَنَّ مِنَ الصَّالِحِينَ * فَلَمَّا آتَاهُمْ مِنْ فَضْلِهِ بَخِلُوا بِهِ [التوبة:75-76]، فلا ينبغي للمسلم أن يعاهد الله على أمر، بل يلزم نفسه على طاعة الله ولا ينبغي له أن يحلف؛ لأنه أحياناً يخفر عهد الله ويمينه، والله يقول: وَاحْفَظُوا أَيْمَانَكُمْ [المائدة:89]، لكنه إن حلف فإنه يكفر كفارة يمين، وكلما حلف كفر كفارة يمين، فإن لم يكفر فإن كان على ما حلف عليه هو نفسه فإن بعض أهل العلم يرى أن عليه كفارةً واحدة، وبعضهم يقول: في كل يمين كفارة إذا حنث في هذا الأمر، وإن لم يحنث فليس عليه إلا كفارة واحدة، ولعل هذا أقرب والله أعلم.

    كتاب الإيمان في أحاديث الأحكام لابن دقيق

    السؤال: يقول: ما تعرفون عن كتاب الإيمان في أحاديث الأحكام لــابن دقيق ؟

    الجواب: كنت أظن أن كتاب الإيمان لـابن دقيق كاملاً، والصواب أنه مفقود وليس فيه إلا بعض الكتب، وهي الآن تحقق من قبل بعض المشايخ.

    وصف أم المؤمنين بقلة الأدب

    السؤال: ما حكم من وصف عمل أم المؤمنين بأنه قلة أدب؟ ومن هي أم المؤمنين؟

    الجواب: ما يجوز للمسلم أن يصف أي عمل من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم ، أو أحد من أزواج النبي صلى الله عليه وسلم بأنه قلة أدب، لا يجوز ذلك، ولعل قائلها قد سبقت لسانه وإلا فمن عرف ذلك علم أنه قد أخطأ وأشنع فإنهن أمهات المؤمنين، ولا يجوز لمسلم أن يتكلم في أمه كما قالت عائشة : (فإنما أنا أمك)، وقد قال الله تعالى: وَأَزْوَاجُهُ أُمَّهَاتُهُمْ [الأحزاب:6]، فلا يجوز لمسلم أن يتكلم في أمهات المؤمنين، ومن وقع منهن في خطأ في حق النبي صلى الله عليه وسلم يبين خطأ ذلك لكنه بحسن أدب، وإشارة جميلة.

    ثم إن سب أمهات المؤمنين على الإطلاق اختلف العلماء فيه، والأقرب والله أعلم أن من سبهن، أو قال: إنهن كافرات أنه يكفر بذلك، خاصةً أم المؤمنين الطاهرة عائشة رضي الله عنها؛ لأنه خالف القرآن، فقد قال الله تعالى: يَا نِسَاءَ النَّبِيِّ لَسْتُنَّ كَأَحَدٍ مِنَ النِّسَاءِ إِنِ اتَّقَيْتُنَّ فَلا تَخْضَعْنَ بِالْقَوْلِ [الأحزاب:32] وبين العلماء أن من سب أمهات المؤمنين فقد خالف هذه الآية ومخالفة القرآن كفر.

    مقارنة قول أبي حنيفة بأقوال أئمة المذاهب الثلاثة

    السؤال: يقول: إذا رأينا نص الإمام أبي حنيفة فماذا نفعل؟ هل نصه كنص الأئمة الثلاثة أم له حكم خاص؟

    الجواب: إذا كانت المسألة من مسائل القياس، والعلماء اختلفوا فيها، فأرى أن أبا حنيفة إذا وافق قول صحابي فهذا نور على نور، ومن أمثلة ذلك: أخذ القيمة في الزكاة، فإن الأئمة الثلاثة يمنعون ذلك، و أبو حنيفة يجوزه، وهو ظاهر صنيع معاوية بن أبي سفيان حينما قال كما في الصحيحين: (إني أرى أن مدين من سمراء الشام تعدل النصف فيما دونه)، وهذا هو اختيار ابن تيمية رحمه الله إذا كان ذلك أنفع للفقير.

    والمسألة ليست مسألة قطعية حينما قيل: إذا رأيت الأئمة الثلاثة، ليست مسألة قطعية، ولكن الغالب أن خلاف أبي حنيفة للأئمة الثلاثة الغالب أن مع الأئمة الثلاثة دليلاً ليس عند أبي حنيفة .

    يقول أبو العباس بن تيمية في المجلد الثامن عشر من مجموع الفتاوى، وكذا في غيره من كتبه، يقول: ولم يكن أحد من أئمة الإسلام يخالف نصاً من القرآن أو السنة حاشاهم، حتى إن أبا حنيفة رحمه الله لم يكن ليخالف نص القرآن أو نص السنة، كيف؟ يقول ابن تيمية: حاشاهم من ذلك، وهو يرى جواز الوضوء من النبيذ؛ لأنه قول الصحابي عبد الله بن مسعود فترك القياس وأخذ بقول الصحابي، ولو كان عند أبي حنيفة نص من الكتاب أو السنة لم يكن ليعدله إلى القياس، ولكن أبا حنيفة جاء إلى بلد الكوفة، وكان التشيع فيها ظاهراً، وحتى الرواة كذبة، فترك أبا حنيفة، هذا لأنهم لم يبلغوا من الحديث شيئاً.

    السؤال: يقول: كيف نحصل على ملزمة الدرس؟

    الجواب: الدرس جمعت فيه من كتب كثيرة، ومن تجارب، وكتابات كتبتها بيدي، فلعل الإخوة يفرغونها وأزيد فيها إن شاء الله ما يتسنى فيه الخاطر.

    الفرق بين الأشباه والنظائر والقواعد

    السؤال: يقول: ما الفرق بين الأشباه والنظائر وكتاب القواعد؟

    الجواب: كتاب القواعد هو الأشباه والنظائر؛ لأن القواعد هو حكم أغلبي يتفرع منه مسائل جزئية، والأشباه والنظائر هذه مسألة شبيهة بهذا، مثل: المشقة تجلب التيسير، والمسائل التي تشبهها، مثل: اليقين لا يزول بالشك فتجمع مع بعضها، فكان بعض العلماء يفرع فيقول: الأشباه والنظائر، وبعضهم يقول: كتاب القواعد.

    سب الصحابة

    السؤال: مسألة الشيعة، نحن عندنا الشيعة يقولون في الصحابة كلاماً بذيئاً ويسبونهم، ويكتبون على الحمام معاوية ، ويشبهون عمر و أبو بكر ..

    الجواب: أعوذ بالله, معلوم كلام الشيعة في الأصحاب، وقد ذكر أبو العباس بن تيمية في الصارم المسلول على شاتم الرسول إجماع أهل العلم على أن من سب أبا بكر و عمر أنه كافر، ومن سب الصحابة وقال: إنهم مرتدون فهو كافر، وأما من سب معاوية فهو فاسق، ومن سب أمهات المؤمنين فهو كافر، وهذا الكفر كما قال أبو العباس بن تيمية يقال: إن من قال كذا فهو كافر، وأما المعين فإنه لا يكفر إلا أن تقام عليه الحجة، نقل ذلك ابن تيمية رحمه الله عن أهل السنة والجماعة، وذكره الإمام المجدد محمد بن عبد الوهاب رحمة الله تعالى عليه في كتاب مجموع الرسائل الشخصية القسم الخامس من ذلك.

    أسأل الله أن يرزقنا وإياكم الفقه بالدين، وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد.

    مكتبتك الصوتية

    أو الدخول بحساب

    البث المباشر

    المزيد

    من الفعاليات والمحاضرات الأرشيفية من خدمة البث المباشر

    عدد مرات الاستماع

    3086718663

    عدد مرات الحفظ

    755956569