إسلام ويب

شرح زاد المستقنع مقدمة كتاب الجنائز [2]للشيخ : محمد مختار الشنقيطي

  •  التفريغ النصي الكامل
  • هناك أمور ومستحبات ينبغي فعلها عند من حضره الموت، منها ما يفعل عند معالجته للسكرات، ومنها ما يفعل بعد قبض روحه، كغسله وتكفينه والصلاة عليه ودفنه، ويسن الإسراع في تجهيزه، وإنفاذ وصيته، وقضاء دينه.

    1.   

    من أحكام المحتضر

    بسم الله الرحمن الرحيم

    الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد وعلى آله وأصحابه وأتباعه وسلم تسليماً كثيراً.

    أما بعد:

    فيقول المؤلف عليه رحمة الله: [ ويقرأ عنده: يس ].

    لا زال المصنف رحمه الله يبين جملةً من المسائل والأحكام المتعلقة بالمحتضر؛ وذلك أن الفقهاء -رحمهم الله- من عادتهم أن يبينوا بعض السنن والآداب والأحكام المتعلقة بالمرضى والمحتضرين في باب الجنائز، وقد سبق بيان جملة من سنن النبي صلى الله عليه وسلم في الشخص المحتضِر، وما ينبغي عليه من التهيؤ في قدومه على الله عز وجل، والمحافظة على حقوق الله سبحانه وتعالى وحقوق عباده من الوصايا ونحو ذلك من الأمور التي سبق التنبيه عليها.

    قراءة يس عند المحتضر

    وهنا قال رحمه الله: (وتقرأ عنده (يس.

    وقد ورد بذلك الخبر عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، وحسنه غير واحد من أهل العلم، وذكر بعض أهل العلم -رحمهم الله- أن السبب في ذلك: أنها تسهل خروج الروح من جهة كون الإنسان يسمع فيها ذكر الجنة، وما أعد الله عز وجل لعباده المحسنين من حسن الثواب والعاقبة، فيحب لقاء الله عز وجل، وكلما كان الإنسان في مثل هذا المقام يحسن الظن بالله عز وجل واليقين فيه سبحانه وتعالى، كان ذلك أرجى لرحمة الله له، كما في الصحيح عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: (لا يموتن أحدكم إلا وهو يحسن الظن بالله) .

    فلهذا قالوا: لقد ورد الخبر بقراءة هذه السورة لاشتمالها على ذكر الجنة، وما فيها من إحسان الله عز وجل لعباده المؤمنين.

    وأما بالنسبة لما قاسه بعض العلماء على هذه السورة، فقال بعض أهل العلم: يقرأ (الفاتحة) لفضلها، ويقرأ سورة (تبارك) لأنها المنجية.

    والصحيح: أن تخصيص (الفاتحة) وتخصيص سورة (تبارك) لا أصل له في هذا الموضع؛ ولذلك لا يقاس على (يس) غيرها من السور، بل ينبغي أن يعبد العبد ربه بما شرعه له، فإن ثبت الخبر بـ(يس) اقتصر عليها.

    وسورة الفاتحة لا شك أنها من أفضل القرآن وأعظمه وأجله، ولكن لا يخص هذا الوقت وهذا الزمان بفعلٍ ولا بقراءةٍ إلا بدليل شرعي، وعلى هذا يقتصر على قراءة (يس).

    وأما قول بعض العلماء: إنه يقرأ سورة (تبارك)؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم وصفها بكونها منجية، فالخبر ثبت عن الرسول صلى الله عليه وسلم في قراءتها عند النوم: (أعرف في القرآن سورةً ثلاثون آية، ما زالت بصاحبها حتى أنجته من عذاب القبر) ثم ذكرها وهي تَبَارَكَ الَّذِي بِيَدِهِ الْمُلْكُ [الملك:1] فهذا يدل على تخصيصها في هذا الموضع، فيقرؤها في هذا الموضع، وأما ما عدا ذلك فإنه يقتصر على الوارد، وهذا هو الأصل والسنة وينبغي المحافظة عليه.

    توجيه المحتضر إلى القبلة

    قال رحمه الله: [ويوجهه إلى القبلة].

    هذه الأمور -قراءة سورة (يس) والتوجيه- تتعلق بالشخص الذي عند المحتضر، ومن عادة العلماء أن يبينوا الأمور التي يقوم بها الإنسان في حق نفسه، وكذلك الأمور التي ينبغي على الغير أن يقوم بها في حق ذلك المحتضر، فذكروا بالنسبة للشخص الذي عند المحتضر فعليه أمران:

    أحدهما: قولي، وهو قراءة السورة.

    والثاني: فعلي، وهو توجيه المحتضر إلى القبلة.

    وللسلف رحمهم الله في توجه المحتضر قولان:

    قال جمهور العلماء بمشروعيته، وأنه يستحب أن يوجه عند الاحتضار.

    وقال بعضهم: بأنه لا يوجه، وهو المأثور عن سعيد بن المسيب رحمه الله، وأنكره على ابن أخيه. والصحيح: أنه يشرع؛ وكونهم فعلوه بـسعيد بن المسيب رحمه الله دل على أنه كان معروفاً في زمانه، وقد قال عليه الصلاة والسلام في القبلة: (قبلتكم أحياءً وأمواتاً) وأفضل ما يوجه إليه هو القبلة، ومن هنا: لا حرج في تقبيل الميت وتوجيهه إلى القبلة، وهذا التوجيه يكون على صورتين:

    الصورة الأولى: أن يرفع صدره قليلاً، وتكون رجلاه إلى جهة القبلة، فيكون مستقبلاً للقبلة بصدره وبوجهه.

    والصورة الثانية: أن يكون مستقبلاً للقبلة كحال من ألحد في القبر، بأن يضجع على شقه الأيمن على جهة القبلة.

    والأرفق به الصورة الأولى: وهي أن يرفع صدره قليلاً، ثم يكون وجهه إلى جهة القبلة، على خلاف ما يفعله بعض العوام من وضع رأسه جهة القبلة، فإن هذا على عكس القبلة، وإنما التقبيل أن توضع قدماه أو رجلاه جهة القبلة، ويرفع صدره قليلاً، والدليل على ذلك: أن الإنسان إذا صلى وهو مضطجع، يصلي على هذه الحالة، ولذلك يكون التقبيل بهذا الوجه.

    1.   

    من أحكام الميت بعد قبض روحه

    قال المصنف رحمه الله: [فإذا مات سن تغميضه].

    تغميض عيني الميت

    ذكرنا أنه إذا كان الإنسان في حالة الاحتضار والنزع يلقن "لا إله إلا الله"؛ لما فيها من الفضل، ولأن الإنسان إذا كان آخر كلامه من الدنيا "لا إله إلا الله" دخل الجنة، ومن هنا قالوا: يلقن هذه الكلمة، فإذا فعل مَنْ عند المحتضر ما ذكرناه من الأقوال والأفعال ومات الإنسان، فالسنة أن يبدأ أول ما يبدأ بإغماض عينيه، فتغميض عيني الميت من الآداب والسنن التي تفعل بالميت إذا مات.

    بعد أن بين لنا رحمه الله الأمور التي تُفعل قبل الاحتضار في حال المرض، والأمور التي تفعل أثناء الاحتضار شرع رحمه الله في بيان الأمور التي تُفعل بعد خروج الروح، فإذا قضى الإنسان، وخرجت روحه، فهناك حقوق وواجبات وآداب وسنن ينبغي على من حضر الميت أن يفعلها، وهي من حق الميت على الحي:

    أولها: تغميض عينيه؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم غمض عيني أبي سلمة ، وكذلك جاء في حديث شداد بن أوس رضي الله عنه: (أن النبي صلى الله عليه وسلم أمر بإغماض العينين، وقال: إن الروح إذا قبضت تبعها البصر) فلذلك يشخص بصر الميت عادةً إلى السماء، فالسنة: أن يبدأ أول ما يبدأ بتغميض عينيه، فيطبق الجفنين على بعضهما.

    لزوم الصبر على المصيبة

    وبعد تغميضه للعينين يشرع أن يقول الوارد من الاسترجاع، وذكر الله عز وجل، وأن يبتعد عن التسخط والجزع، وأن يرضى بما أنزل الله به من بلاء، فإن الله تعالى يمتحن عباده بمثل هذا، فمن رضي في مثل هذه المواقف أرضاه الله عز وجل، وهي المواقف التي يسميها العلماء بمواقف الزلزلة؛ لأنه يزلزل فيها المؤمن، ويمتحن ويختبر ويبتلى.

    فإذا أراد الله أن يلطف به ثبت قلبه، فقال: (إنا لله وإنا إليه راجعون) أي: ما نحن إلا ملكٌ لله سبحانه وتعالى، ومآلنا ومصيرنا إليه جل وعلا، (إنا لله) أي: ملكٌ له، يفعل ما يشاء ويحكم ما يريد، لا معقب لحكمه، ولا يرد له قضاء سبحانه وتعالى، فإذا قال هذه الكلمة (إنا لله وإنا إليه راجعون) صلى الله عليه ورحمه وغفر له، ولربما أن الله عز وجل أعَظَم منه هذه الكلمة فبوأه بها درجة أو منزلة في الجنة؛ وذلك لعظم هذا الموقف؛ ولما فيه من ابتلاء الله سبحانه وتعالى لعباده، خاصةً إذا كان الميت عزيزاً عليه كوالديه أو ولده.

    وفي الحديث الصحيح أن الله تعالى إذا ابتلى عبده فحمده واسترجع، فإن الله سبحانه وتعالى يعظم له الثواب، ويخلف له خيراً مما فقد، كما في الصحيح من حديث أم سلمة رضي الله عنها أن النبي عليه الصلاة والسلام قال: (ما من عبدٍ تصيبه مصيبةٌ فيقول: إنا لله وإنا إليه راجعون، اللهم أجرني في مصيبتي، واخلفني خيراً منها! إلا آجره الله في مصيبته، وأخلفه خيراً منها) .

    فأول ما ينبغي عليه: الصبر، والصبر أمرٌ يرجع إلى القلب، فهو عملٌ قلبي، وأعمال القلوب قد تفوق أعمال الجوارح الأخرى، وهي من أحبها إلى الله سبحانه وتعالى وأقربها إليه؛ لأنها تتصل بالعقيدة، فإذا رضي وصبر فهذه أول منزلة، وأول نعمة، ورحمة يرحم الله بها المبتلين بمثل هذه المصائب.

    فيظهر أثر الصبر على لسانه، فيذكر الله عز وجل؛ لأن المؤمن إذا نزلت به المصيبة لا يتوجه إلاّ إلى الله، وهذا من كمال إيمانه، ولكن الكافر وضعيف الإيمان يتسخط ويجزع ولا يدري أين يذهب، فمن رحمة الله عز وجل بالمؤمن أن الله يثبته في مثل هذه المواقف، فيقول: إنا لله وإنا إليه راجعون، ويقول الوارد في ذلك عن النبي عليه الصلاة والسلام.

    الرضا بما قدر الله عز وجل

    ثم بعد ذلك يصحب هذا الصبر الرضا، فإنه قد يعطى الإنسان الصبر ولا يعطى الرضا؛ أي أن الإنسان قد يصبر على كره ويبقى في نفسه متسخطاً جزعاً.

    وينبغي أن يصحب صبره بالرضا؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم قال في حديث الترمذي وغيره: (إن الله إذا أحب قوماً ابتلاهم فمن رضي فله الرضاء. ومن سخط فعليه السخط) فالناس إما راضٍ وإما متسخط.

    فالأمر الثاني الذي يصحب الصبر عمل قلبي وهو رضاه بما أنزل الله به من مصيبة، فلا يجزع ولا يتسخط.

    قال العلماء: ومن الرضا عند المصيبة إحسان الظن بالله عز وجل، فالإنسان إذا فقد أباه سلط عليه الشيطان ابتلاءً واختباراً، فيقول له: قد فقد من يعولك! وقد فقد من يقوم عليك! وقد فقد كذا وكذا.. فإذا أراد الله أن يجعل له الرضا على أتم وجهٍ أحسن الظن بالله سبحانه وتعالى، فقال: ما هذا الأب إلا رحمة من الله عز وجل، وكما أن الله رحمني بأبي فسيرحمني بغيره، ولن يكلني إلى أحدٍ سواه، فيصبح فقري إلى الله وغنائي به، وكفى بتلك نعمة.

    فإذاً لا بد من هذين الأمرين: أن يصبر ويرضى، ويظهر الأثر بذكر ما ينبغي من الاسترجاع، وذكر الله عز وجل، وقد أشار النبي صلى الله عليه وسلم إلى هذا الأمر الثالث فقال: (إن الملائكة يؤمنون على ما تقولون) وذلك لما قبض أبو سلمة رضي الله عنه وصاح من في الدار، نهاهم النبي صلى الله عليه وسلم عن ذلك، وأمرهم أن يقولوا خيراً، وبين أن الملائكة تشهد المؤمن، وأنها تؤمن على ما يقال.

    فإذا رزق الله العبد الصبر والرضا عند المصائب التي لا تختص بالموت من مصائب الدنيا وفجائعها، فقال: اللهم ثبتني! اللهم ارحمني! اللهم وفقني! فدعا الله أمنت الملائكة على دعائه، وكان ذلك أدعى للإجابة، فإذا قال قال خيراً، ولذلك ثبت في الحديث الصحيح عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه لما قبض أبو سلمة قال الدعاء المأثور: (اللهم اغفر لـأبي سلمة ، وارفع درجته في المهديين، واخلفه في عقبه في الغابرين، واغفر لنا وله يا رب العالمين! وافسح له في قبره، ونور له فيه) وهذا هو الذي يفيد؛ وهو الكلمات الطيبة، والدعاء المأثور، وذكر الله سبحانه وتعالى الذي يعود بالخير على المتبلى، ويعود بالخير حتى على الميت وأهله.

    فجمع النبي صلى الله عليه وسلم في هذه الدعوة الخير من جميع وجوهه، فهو يقول: (اللهم اغفر لـp=1001069>أبي سلمة

    ) فهذا خيرٌ للميت، (وارفع درجته في المهديين) فجعل ما يقدم عليه أبو سلمة في الآخرة رفعة درجة، وهذا من أفضل ما يكون وما يرجوه الإنسان من ربه، وبقيت حاجة أبي سلمة التي يحزن عليها من فراق أهله، فقال: (واخلفه في عقبه في الغابرين) بمعنى أن يتولى الله ذرية الإنسان وما خلف وراءه، ثم قال: (واغفر لنا وله يا رب العالمين): لأن الإنسان إذا دعا لأخيه وأشرك نفسه معه في دعائه؛ فإنه يؤمن الملك على دعائه، فقوله: (واغفر لنا وله يا رب العالمين) أي: ليس أبو سلمة وحده الذي يحتاج إلى الدعاء، بل نحن أيضاً نحتاج إلى المغفرة والرحمة، فكما يدعو الإنسان لغيره يدعو لنفسه، فيعطي الحق لنفسه ولغيره.

    ثم قال عليه الصلاة والسلام: (وافسح له في قبره، ونور له فيه) فهذا هو الدعاء المأثور عند نزع الروح، فإذا نزعت روح الإنسان، أو بُلِّغت خبر إنسان كريم أو إنسان من عباد الله المؤمنين توفي أو قضي أو حضرت موته قلت هذا الدعاء، وإذا كنت لا تعرف اسمه تقول: (اللهم اغفر له، وارفع درجته في المهديين، واخلفه في عقبه في الغابرين) فتنال عدة أمور كما ذكر العلماء:

    أولاً: تصيب فضل الدعاء.

    ثانياً: تصيب أجر الإحسان إلى أخيك بهذه الدعوة.

    وثالثاً: أن الله سبحانه وتعالى يأجرك على الاتباع والاقتداء بالنبي صلى الله عليه وسلم؛ ولذلك قالوا: هذه الدعوة من أفضل الأدعية التي تقال عند قضاء الروح وبعد نزعها؛ لما فيها من التأسي برسول الله صلى الله عليه وسلم.

    كذلك يشرع له إذا كان في الدار أناس ضعاف أو متأثرون أن يذكرهم ويعظهم ويثبتهم؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم ثبت آل أبي سلمة، فإذا كان من طلاب العلم، أو كان من الصالحين الأخيار ذكرهم بما عند الله من المثوبة، وأن البكاء والجزع والسخط لا يرد غائباً؛ ولذلك إذا قال هذه الكلمات أحسن إلى أهل الميت، وكان فيها خيرٌ له ولهم من جهة التواصي بالحق والأمر بطاعة الله عز وجل.

    شد اللحيين

    قال رحمه الله: [وشد لحييه].

    إذا قبضت الروح قد يبقى فم الإنسان مفتوحاً، وحينئذٍ لا يؤمن من دخول الهوام، خاصةً إذا احتاج إلى وقت لكي ينقل ويغسل، فينبه العلماء على أمور هي من باب المحافظة على حرمة المؤمن، فشد اللحيين وإن لم يرد به نصٌ معين لكنه داخلٌ في الأصول العامة، والعلماء ذكروه ونبهوا عليه؛ لأن الميت إذا بقي فمه مفتوحاً فإنه يبقى حتى في قبره، وحينئذٍ تدخله الهوام ويؤذى، وقد قال صلى الله عليه وسلم: (كسر عظم الميت ككسره حياً) أي: في الإثم، فجعل حرمته ميتاً كحرمته حياً؛ ولهذا قالوا: يرفق به.

    وشد اللحيين يكون بإطباق الفم، ثم بعد ذلك يجعل عصابة تجمع اللحيين؛ لأنه بعد مضي فترة يصعب رد الفم إلى طبيعته، وقفله، ولذا يبادر بذلك بعد الوفاة مباشرة؛ لأن المفاصل لينة، وتستجيب أعضاء الميت لما يفعل به من قفل الفم.

    تليين مفاصله

    قال رحمه الله: [وتليين مفاصله].

    لأنه يحتاج لذلك عند تغسيل الميت وتكفينه، وحينئذٍ إذا مات فإنه تُلين مفاصله، حتى يسهل عند التغسيل أن يدير الماء على جميع أعضائه، والمفاصل إذا لينت بعد الوفاة مباشرة لانت عند الغسل، ولكن إذا بقيت على حالتها يابسة لم تلن عند الغسل؛ ولذلك قالوا: يلين مفاصل الميت، فيبدأ -مثلاً- باليدين يجمعها من ساعده إلى عضده، ثم يردها حتى تلين، ثم بعد ذلك يضمها إلى صدره، وبعد أن ينتهي من مفاصله العليا يأخذ رجله فيلين مفاصل الرجلين، فيضم الساق إلى الفخذ، ثم الفخذ إلى الجنب، ثم يكرر ذلك مرتين أو ثلاثاً على حسب ما تقتضيه الحاجة، فإذا لانت مفاصله سهل غسله، وسهل تفقد المغابن والمواضع الخفية أثناء الغسل، وهذا يحقق -كما ذكرنا- مقصود الشرع من القيام بغسله على وجهه.

    ولأنه لو ترك دون تليين فقد يكون منقبضاً أو منحنياً، فحينئذٍ يصعب تكفينه ووضعه على وضعه الطبيعي ممدوداً، لذلك لا بد من التليين حتى يبقى مستوي الأعضاء، ويمكن بعد ذلك حل ثيابه وتكفينه، والصلاة عليه، وإنزاله في قبره ووضعه بالصفة الشرعية التي ينبغي وضعه عليها في اللحد.

    خلع ثيابه وستره

    قال المصنف: [وخلع ثيابه وستره بثوب].

    وبعد أن يغمض عينيه، ويشد لحييه، ويلين مفاصله يقوم بستره بثوب، ثم ينزع عنه الثياب؛ لأن الثياب إذا بقيت سَخُنَ الجسم، وحينئذٍ ينتن ويتفسخ، ولذلك تخفف الثياب التي عليه، فإذا أمكن نزع الثياب عنه نزعت ولا شيء في ذلك.

    ثم يسجى؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم لما توفي سُجي ببرد حبرة، وهذه سنة، وفي هذا إكرامٌ للميت، فإن بقاءه مكشوفاً أمام الناس منظر غير حسن، وربما يكون أكمل وأستر وأولى له أن يغطى ويسجى، فإذا احتيج لكشف وجهه لتقبيل ونحو ذلك فلا حرج، فهذا أكمل في هيبته ورعاية حرمته.

    وقد فُعل برسول الله صلى الله عليه وسلم ذلك، وأخذ العلماء من هذا دليلاً على سنية التسجية، وأنه لا يبقى مكشوفاً أمام الناس، ويوضع في مكان أرفق بجسمه وأبعد أن ينتن هذا الجسد ويتضرر بذلك النتن.

    وضع حديدة على بطنه

    قال رحمه الله: [ووضع حديدةٍ على بطنه].

    لأن عادة الموتى أنه إذا تُرِك أحدهم ربما انتفخ، وهذا الانتفاخ يعيق في الغسل، وكذلك ربما يكون أسرع في نتنه، وتضرر من يحمله ويصلي عليه بوجود رائحة كريهة خاصة إذا انتفخ..فماذا يفعل؟

    يوضع شيء على بطنه، والمحفوظ عن أنس رضي الله عنه في الأثر أنه كان يأمر بوضع الحديدة، ومن هنا نجد بعض الفقهاء ينصون على أنه توضع الحديدة كمرآة ونحوها على بطنه، ولكن ذلك ليس بمقيد بالحديث، فلو وضع أي شيء يكون ثقيلاً نوعاً ما على بطنه فلا بأس.

    وضعه على سرير الغسل متوجهاً منحدراً نحو رجليه

    قال رحمه الله: [ووضعه على سرير غسله متوجهاً منحدراً نحو رجليه].

    فيوضع على سرير؛ وذلك أنه إذا وُضع على الأرض أسرعت إليه الهوام، وخاصةً في الزمن القديم، فإن الضرر أكثر، وإن كان في عصرنا -والحمد لله- قد يكون آمناً، ولكن لا يزال الجسم إذا وضع على حالةٍ معينة يتضرر، ولذلك قال تعالى عن أهل الكهف: وَنُقَلِّبُهُمْ ذَاتَ الْيَمِينِ وَذَاتَ الشِّمَالِ وَكَلْبُهُمْ بَاسِطٌ ذِرَاعَيْهِ بِالْوَصِيدِ [الكهف:18] هذا التقليب لأنهم لو بقوا على حالةٍ واحدة لتآكل الجنب، ولكن الله سبحانه وتعالى قلبهم حتى لا يحدث التآكل في الجنب، وإن كان سبحانه وتعالى قادراً على أن يجعلهم على حالةٍ واحدة لا تآكل معها، ولكن هذا من باب الإشارة إلى الأسباب؛ ولذلك قالوا: يوضع على سرير، فلا يلي الأرض؛ لأنه ربما يحمي الجسد، ثم إذا سخن الجسد وليس ثم روح فيه تسارعت الأعضاء والأطراف والجلد إلى التلف؛ لأن الجسد يبقى بروحه، فإذا نزعت منه الروح ضعف عن مقاومة الأذية، والهوام ونحوها من الجراثيم التي تصيب الإنسان.

    وكل هذا ليس بواجب وإنما هو من باب الكمالات، ولا يشترط التعيين في مثل هذه الأمور، إنما المراد الرفق، فلو كان على الأرض حديدٌ -مثلاً- يوضع عليه ويؤمن منها الضرر فلا حرج، ولو كانت الأرض طبيعية، فإذا وضع عليها أسرع إليه الهوام رفعناه عنها على بساط أو على مركبة أو نحو ذلك ولا حرج، فلا يشترط السرير بعينه، وإن كان صلى الله عليه وسلم سجي عليه، لكن كل ذلك من باب الأسباب، فليس بأمر إلزامي ولا واجب، خاصةً إذا كان غسله قريباً فالأمر فيه واسع والحمد لله.

    ثم يرفعه فيجعل صدره مرتفعاً قليلاً إذا وضع على السرير ليسهل خروج ما في بطنه، ولذلك يجعله على هذه الحالة حتى يكون أدعى لخروج الفضلات الباقية، فيسهل غسله بعد ذلك ونقاؤه، فلا يتعب من يقوم بتغسيل الميت.

    الإسراع بتجهيزه

    قال رحمه الله: [وإسراع تجهيزه إن مات غير فجأةٍ].

    بعد هذه الأمور -إذا هيأ الإنسان الميت، وقام بحقهِ بعد قبض روحه بالأمور التي ذكرناها- ينبغي عليه أن يسرع بتجهيزه، وذلك بتغسيله وتكفينه والصلاة عليه ودفنه؛ وذلك لأن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (أسرعوا بالجنازة) ، فأمر عليه الصلاة والسلام بالإسراع، ونص أهل العلم رحمةُ الله عليهم على وجوب ذلك، بمعنى: أن الأصل أن الإنسان يجب عليه أن يبادر بالميت، والسبب في هذا أن بقاء الميت مظنة أن يتغير وأن يتضرر جسمه، وأن يتضرر جسده؛ ولذلك قالوا: ينبغي أن يبادر ويحسم إليه في التغسيل والتكفين والقيام بحقه.

    ومن هنا: لا يجوز حبسه وتأخيره إلا لضرورة وحاجة، فإن وُجِدت الضرورة والحاجة -كما في الحالات الاستثنائية- كأن يكون به أمر يحتاج إلى كشفه كما في الجرائم ونحوها، أو يحتاج إلى أن يؤخر حتى تعرف ملابسات الجريمة والاعتداء عليه، فلا حرج أن يؤخر، ويكون تأخيره بقدر الحاجة والضرورة.

    كذلك أيضاً لو خشي أنه لو دُفن يتضرر من أقربائه، فيؤخر من أجل دفع المفسدة ولا حرج، أما أن يؤخر من أجل أن يحضر الأقرباء بدون وجود ضرورة ولا حاجة فلا؛ لأن حق الميت مقدمٌ على حقهم، وحينئذٍ ينبغي أن يُبادر بدفنه، ولأن حضورهم لا يزيد في الأمر ولا ينقص منه شيئاً، فقد نفذ القضاء ومضى قدر الله عز وجل، ولا يستطيعون أن يردوا من قدر الله عز وجل ما كان.

    وعلى هذا: لا مصلحة في تأخير الميت، وفيه حديث -وقد تكلم في سنده- (لا يحل لجيفة مسلم أن تبقى بين ظهراني أهله) وهذا يعتبره العلماء ويقولون: متنه صحيح، والأصل أن أهل الميت ممنوعون من تأخير جنازة الإنسان بدون حق وضرورة، والتوسع في مثل هذه الأمور لا يخلو الإنسان فيه من تبعة ومسئولية أمام الله عز وجل.

    فتأخير الموتى بدون حاجة يبقي لأهلهم الإثم والمسئولية أمام الله عز وجل؛ لما فيه من الإضرار بالميت، وعلى هذا لا يؤخر، بل ينبغي أن يسرَع في تجهيزه؛ فتبحث عن من يقوم بتغسيله، فتسرع بإحضار المغسل، وتحضر ما يحتاج إليه لكفنه، وكذلك أيضاً: تسرع بالقيام ببعض الأمور التي تتصل به من حقوقه قبل دفنه؛ من إخبار خاصة قرابته وإعلامهم حتى يشهدوه ويدعوا له بالمغفرة، وحينئذٍ إذا قام الإنسان بهذا على الوجه المطلوب فقد أحسن إلى الميت وأحسن إلى قرابته، وذلك مطلوبٌ ومرغوب.

    وأما قوله: [غير فجأة]: فالذي يموت فجأة لا يؤمن أن يكون حياً، كما في حالة السكتات، فيموت في الظاهر ولكنه في الحقيقة لا يزال به حياة، فالاستعجال بتغسيله وتكفينه ودفنه ربما أفضى إلى قتله وهو حيّ، وعلى هذا إذا مات فجأة -بمعنى: أصابته سكتة، والعياذ بالله، أو جاءه شيء طارئ من فجعة ونحوها ظُن معها موته- فلا يبادر بتغسيله وتكفينه، بل ينتظر، والمَرَدُّ في هذا إلى أهل الخبرة كالأطباء ونحوهم، خاصةً في هذه الأزمنة التي تيسر فيها معرفة الموت بالعلامات الدقيقة.

    فلا يبادر أهل الميت بدفن الميت إذا كان موته فجأة، وقد وقع حتى في زمن السلف رحمة الله عليهم قصص عجيبة في المبادرة بدفن من مات فجأة، حتى إن بعض من يقوم بنبش القبور وحفرها ربما يجد الميت جالساً في بعض الأحيان، وذلك إذا أصابته سكتة، ثم دفن، ثم بعد أن يفيق يجلس في مكانه ولا يجد أحداً فيموت جالساً في نفس القبر، وهذا أمر جد خطير! خاصة إذا حصل فيه التساهل والتسيب فإنه لا يؤمن معه من التبعة والمسئولية.

    حكم الحياة على التنفس بالأجهزة بعد موت الدماغ

    وهنا مسألة، وهي: مسألة موت الدماغ، فإنها حيرت الأطباء: هل إذا مات دماغ الإنسان يعتبرُ ميتاً أو ليس بميت؟ وهي التي يسمونها (الموت السريري) وقد عمت بها البلوى خاصةً في هذا الزمان، وصورة المسألة أن جذع الدماغ يموت، ويقرر الأطباء أن جذع الدماغ قد مات، فلا يتحرك الإنسان ولا يستجيب لأي حركة، حتى ولو غرز بالإبرة أو أوذي فإنه لا يتضرر ولا يحدث أي استجابة في جسمه، غاية ما في الأمر: أن قلبه ينبض، وأن نفسه ظاهر، يتنفس تنفس الحي بواسطة الأجهزة، حتى لو أن هذه الأجهزة سحبت عنه يموت من ساعته.

    فالسؤال: هل هذه النوعية من المرضى تعتبر ميتة، وينبني عليها ما ينبني على الحكم بموت الإنسان، من شرعية سحب الأجهزة والحكم بكونه ميتاً حتى يورث، ونحو ذلك من التبعات الفقهية المترتبة على الحكم بموت الإنسان، أم أنه ليس بميت؟

    في الحقيقة هذه المسألة أولاً: تحتاج إلى بحث من جهة إثبات موت الدماغ، فالأطباء أنفسهم لم يتفقوا على صيغة معينة وشروط معينة تُبين أو تحدّد بالدقة الموت الحقيقي للدماغ، وهناك قرابة ثلاث مدارس للأطباء في حقيقة إثبات موت الدماغ، والمشكلة ليست هنا، المشكلة أن معرفة موت الدماغ، والتأكد أنه قد مات لا يمكن التوصل إليه في أقوى المدارس الطبية إلا بواسطة أجهزة دقيقة لا تتيسر في غالب الأمكنة.

    ولذلك: فالاستعجال بالحكم، بكون هذا موتاً يحتاج إلى نظر، والأصل الشرعي يقتضي أن من به حركة يحكم بحياته؛ لأن الحركة دالة على الروح، والجسم كانت فيه الروح التي هي الحقيقة، وأثرها التي هي الحركة.

    وعلى هذا فإننا نقول: (الأصل بقاء ما كان على مكان)، ولم أجد دليلاً شرعياً صحيحاً يدل على أن موت الدماغ يدل على موت الإنسان، بل وقعت حوادث تخالف هذا، حتى إن من الأمور التي حدثت بسبب هذه المسألة أنهم اختلفوا في امرأة، هل هي ميتة أو ليست ميتة في منطقة من مناطق الخارج، فحكم الأطباء بموتها، وأصر آخرون على أن موت الدماغ لا يجيز لهم سحب الأجهزة، واختلفت الكنائس في الخارج في الحكم بموت هذه الفتاة، حتى بقيت عشر سنوات تحت الأجهزة ثم أفاقت بعد عشر سنوات!

    وهذا أمر يؤكد أن الاستعجال في مثل هذه القضايا يحتاج إلى نظر؛ ولذلك فالأصل أنه حي، والأصل أنه لا يجوز الإقدام على سحب الجهاز عنه إلا بمبرر شرعي، فيبقى على هذه الحالة، فالذي تطمئن إليه النفس أنه حي.

    وهناك مسألةٌ فقهية قديمة يمكن أن نخرج عليها هذه المسألة، وهذه المسألة تُعرف عند العلماء بالقاعدة التي نبه عليها الإمام النقري في القواعد، وكذلك غيره كـالزركشي في المنثور، وهي القاعدة التي تقول: (الحياة المستعارة، هل هي كالعدم أو لا؟).

    تكلم العلماء على هذه المسألة، في مسألة ما إذا ما هجم الذئب على شاةٍ أو غنمة فبقر بطنها، فإنه إذا بقر بطنها الغالب أنها ميتة، فلو أنك أدركتها قبل أن تموت وهي تتحرك -ترفس بقدميها- وأسباب موتها قد وجدت، فذكّيتها في هذه الحالة، فإن قلنا: الحياة المستعارة -يعني: التي هي في الأخير- حقيقية فذكاتك مؤثرة والشاة يجوز أكلها، وإن قلنا: إنها حياةٌ كالعدم؛ حينئذٍ ذكاتك في هذا الوضع لا تأثير لها.

    فإذاً: كأنهم يفصلون على مسألة الحركة، فالذين يقولون: إنها حية، والذكاة مؤثرة يقولون: لا زالت الروح حية، فوقعت التذكية على حيّ، وكل تذكيةٍ لحيّ موجبة لحله إذا كان مما يحل أكله.

    وبناءً على ذلك عندنا أصل من العلماء يعتبر الحياة المستعارة، وإن كان بعض أهل العلم خرج هذه المسألة على مسألة إنفاذ المقاصد، كأنهم يقولون: إن الذئب إذا قتل الشاة بالبقْر، فقد أُنفذت مقاتلها، بمعنى: أنها استنفذت بالهلاك بهذه الوسيلة، فيخرجها عن المسألة التي معنا، لكنها تصلح للاستشهاد.

    والذي يعنينا: أن الميت الذي مات دماغه لا يزال محكوماً بحياته، خاصةً وأننا لو فتحنا هذا الباب تحت الأجهزة، وعلى هذا لا يتيسر معرفة موت الدماغ إلا بصعوبة وفي أماكن خاصة، وربما يفتح هذا الباب الإقدام -حتى عند بعض المتساهلين من الأطباء -على سحب الأجهزة- ممن لا يصل إلى درجة القطع بموت دماغه، وهذا أمر ينبغي أن يحتاط فيه لأرواح الناس كما هو الأصل الشرعي.

    لكن هناك مسألة: لو فرضنا أن رجلاً كبير السن في آخر عمره وضع الجهاز عليه، أو رجلٌ شاب في شبابه لكنه أصيب بحادث أو نحو ذلك، والغالب أنه يهلك، وقد مات دماغه في كلام الأطباء، وجاءت حالة ثانية لإنسان ترجى حياته أكثر، وليس عندنا إلا جهازٌ واحد، فهل يشرع سحب الجهاز عن هذا الذي قد غلب على الظن هلاكه لكي نبقي هذه الروح أو لا يشرع؟

    الجواب: نعم، يشرع أن يسحب منه في هذه الحالة، فهذه هي الحالة التي تعتبر مستثناة في سحب الأجهزة: أنه إذا وُجدت حالات أحوج يجوز حينئذٍ سحبها، وهذا مقرر على الأصل الشرعي في ازدحام الحقوق: أنه إذا ازدحم حقٌ يمكن تداركه مع حق لا يمكن تداركه أو مع مصلحة لا يمكن تداركها، قُدّمت المصلحة والحق الذي يمكن تداركه.

    هذا بالنسبة لمسألة من مات فجأة، وموت الفجأة بيّن النبي صلى الله عليه وسلم أنه رحمة من الله بالمؤمن، ونقمة عاجلة من الله بالكافر، وموت الفجأة استعاذ النبي صلى الله عليه وسلم منه؛ لأن موت الفجأة يحول بين الإنسان وبين خير كثير، يحول بينه وبين الوصية في أمور ربما تكون من فضائل الأعمال، يحول بينه وبين تنبيه أهله وذويه على أمور قد يكونون محتاجين إليها، خاصةً أن الأب إذا أوصى في آخر حياته كان لوصيته في قلوب أبنائه وبناته وقعاً كبيراً، فلذلك كان موت الفجأة يحول بين الإنسان وبين خيرٍ كثير، ومن هنا استعاذ النبي صلى الله عليه وسلم منه.

    لكنه أخبر في الحديث الآخر أن موت الفجأة رحمة بالمؤمن؛ لأن الإنسان إذا مات ربما تألم وتأوه في مرضه وإن كان تأوهه وتألمه يرفعه درجة، حتى ورد في الحديث أن الله يشدد على العبد: (إذا أحب الله عبداً من عباده غفر له ذنوبه، فإذا بقيت له ذنوب خفف عنه بالبلاء قبل الموت) فشدد عليه في سكرات الموت، وشدد عليه في مرض الموت، حتى يوافي الله عز وجل بلا ذنبٍ ولا خطيئة.

    فموت الفجأة رحمة من جهة كونه يحول بين الإنسان وبين الألم والضرر الذي في ظاهره عناءٌ وعذاب به، وأياً كان: إذا مات الإنسان يجب مراعاة هذه الأمور؛ لكن لو قرر الأطباء أنه ميتٌ فعلاً فحينئذٍ يحكم عليه بالموت.

    إنفاذ الوصية

    قال المصنف رحمه الله: [وإنفاذ وصيته].

    أنفذ الشيء: إذا أتمه وقام به، وإنفاذ الأمر: المضي به، فقد يوصي الإنسان بحقوق عليه لله عز وجل وحقوق لعباده، فيعمل بهذه الوصية، وهناك وصايا معجلة لا تحتمل التأخير، كأن يقول مثلاً: إذا أنا مت فيتولى تغسيلي فلان من أهل العلم أو من أهل الصلاح والخير، فيأمر بأن يغسله، وهذا شيء درج عليه السلف رحمة الله عليهم، وقد أوصى أبو بكر أن تغسله زوجته أسماء بنت عميس رضي الله عنها، وكذلك أوصى أنس بن مالك رضي الله عنه أن يغسله محمد بن سيرين الإمام الجليل من أئمة التابعين، فتكون هذه وصية فتنفذ.

    وتقرأ وصيته قبل أن يغسل؛ لأنه ربما تكون هناك أمور ينبه عليها في تجهيزه، كأن يوصي أولاده بالصبر واحتساب الأجر، فَتُقرأ وصيته وينفذ ما يمكن تنفيذه عاجلاً خاصةً الحقوق التي ينبغي المبادرة إلى قضائها كالديون ونحوها، ولو أمكن أن تقضى ديونه قبل الصلاة عليه فهذا أولى، بل واجب إذا أمكن ذلك؛ لأنه لا يجوز تأخير ديونه، وهذا أمر يتساهل فيه كثير من الناس إلا من رحم الله، فيؤخرون ديون الأموات، وقد كان صلى الله عليه وسلم لا يصلي على الميت إذا كان عليه دين ولم يترك وفاءً؛ لعظم أمر الدين.

    ولذلك لو توفي وعنده سيولة نقد وعليه دين، وتعلم أنه مكتوب لفلان ألف وللآخر ألف فينبغي أن تقوم بأخذ الألفين قبل أن تغسله أو تكفنه إذا أمكن، وتعطيها لأصحابها، إنفاذاً لوصيته، وهذا من أبلغ البر وأفضله؛ حتى يوافي الله عز وجل سالماً من حقوق عباده.

    كذلك أيضاً وصاياه بالأقربين، من الإحسان المبادرة بها ولو بعد وفاته مباشرة، وإنفاذ وصيته بالحقوق التي لله عليه كالحج عنه والعمرة عنه، والصدقة عنه، إذا أوصى بها، فهذا كله ينفذ.

    الإسراع في قضاء دينه

    قال رحمه الله: [ويجب الإسراع في قضاء دينه].

    ومن هنا يأثم الورثة بتأخير سداد الديون، فإذا مات الوالد أو القريب وقد ترك مالاً أو ترك بيتاً وعليه دين فيجب على الورثة أن يبيعوا البيت لسداد دينه، وهم يستأجرون أو يقومون بما يكون حفظاً لهم من الاستئجار أو الانتقال إلى مكانٍ آخر، أما أن يبقى الدين معلقاً بذمته وقد ترك المال والوفاء فهذا من ظلم الأموات، وإذا كان بالوالدين فالأمر أشد؛ وقد ورد في الخبر عن النبي صلى الله عليه وسلم: (أن نفس المؤمن معلقةٌ بدينه) قال بعض العلماء: إن الإنسان إذا كان عليه دين فإنه يمنع عن النعيم حتى يؤدى دينه، ولذلك قال: (نفس المؤمن مرهونةٌ بدينه) وفي رواية (معلقةٌ بدينه) بمعنى: أنها معلقة عن النعيم حتى يُقضى دينه.

    ويؤكد هذا حديث أبي قتادة رضي الله عنه في الصحيح، فإنه لما جيء برجلٍ إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال عليه الصلاة والسلام: (هل ترك ديناً؟ قالوا: دينارين. فقال: هل ترك وفاءً. قالوا: لا. قال: صلوا على صاحبكم. فقال أبو قتادة : هما عليّ يا رسول الله! فصلى عليه النبي صلى الله عليه وسلم، قال أبو قتادة : فلم يزل يلقني ويقول: هل أديت عنه؟ فأقول: لا بعد. حتى لقيني يوماً، فقال: هل أديت عنه؟ قلت: نعم. قال: الآن بردت جلدته) فهذا يدل على عظم أمر الدين، فينبغي المبادرة بقضاء الديون وسدادها، خاصةً ديون الوالدين فالأمر في حقهم آكد.

    والله تعالى أعلم.

    1.   

    الأسئلة

    حكم قراءة يس بعد الدفن

    السؤال: هل يقتصر قراءة سورة (يس) أثناء الاحتضار، أم يجوز قراءتها على قبره بعد دفنه، أثابكم الله؟

    الجواب: السنة قراءتها عند الاحتضار، وأما بعد موته أو بعد دفنه فإن ذلك مما لا أصل له، وهو بدعة كما نص العلماء رحمهم الله على ذلك، فقراءة (يس) على القبر، أو قراءتها عند إنزاله في القبر، أو قراءتها أثناء تشييع الميت؛ كل ذلك مما لم يرد به النص عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، وهو حدث وبدعة.. والله تعالى أعلم.

    فضل تغسيل الميت

    السؤال: هل ورد فضلٌ معين في تغسيل الميت أثابكم الله؟

    الجواب: هناك أحاديث لكنها ضعيفة (ما من مسلم يقوم بغسل أخيه المسلم فيحسن غسله وتكفينه إلا خرج من ذنوبه كيوم ولدته أمه) ولكن هذا الحديث ضعيف، إلا أن القيام بهذا العمل يعتبر قربة وطاعة لله عز وجل؛ لأنه امتثال للأمر، وامتثال الأوامر يجعلها في مقام القيام بالواجبات، والواجبات لها فضل، كما في الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم أن الله تعالى يقول: (ما تقرب إليّ عبدي بشيءٍ أحبُّ إلي مما افترضته عليه) وهذا مما افترض الله، والقيام به قربة وطاعة وحُسبة، مع ما فيه من إحسان المسلم إلى أخيه المسلم خاصةً إذا كان من القرابة.. والله تعالى أعلم.

    هل يعذب الميت ببكاء أهله عليه

    السؤال: كيف نوفق بين حديث: (إن الميت يعذب ببكاء أهله عليه) وبين قول الله تعالى: وَلا تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى [الإسراء:15] أثابكم الله؟

    الجواب: هناك وجوه:

    أولها: أن يكون الميت قد وصّى بذلك، وهذا كان من عادة أهل الجاهلية، وأشعارهم في ذلك مشهورة، وكانوا يوصون بالنياحة والبكاء والجزع، والإشادة بالفضائل وما كان عليه في حياته، فهذه الحالة لا إشكال عند العلماء رحمة الله عليهم أنه إذا وصى أنه يعذّب؛ لأنه تسبب، فيكون قوله تعالى: وَلا تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى [الإسراء:15] أي: لو كان غير متسبب، فلما تسبب فإنه يتحمل مسئولية ما تسبب فيه.

    الوجه الثاني: أن يكون عالماً أنهم سيفعلون ذلك فيرضى ولا ينهاهم، فالرضا بالشيء كفعله؛ ولذلك وصف الله بني إسرائيل بأنهم فعلوا المحرمات، مع أن الذي فعلها بعضهم، ولكن رضا الآخرين كأنه فعلٌ منهم؛ ولذلك قالوا: الرضا منزلٌ منزلة الفعل، ومن هنا قالوا: من علم أو غلب على ظنه أن أهله يفعلون ذلك، أو يتسخطون ويجزعون، أو ينوحون عليه، فسكت فإنه يعذب بهذا ويؤذى.

    والوجه الثالث: صرفوا قوله: (يعذب) عن ظاهره، فقالوا: هو العذاب المعنوي وليس المراد به العذاب الحقيقي، فيعذب بمعنى: أن الله يسمعه بكاء أهله؛ فيتألم لهذا البكاء؛ لأن الإنسان يشفق على قريبه خاصةً أهله، والميت دائماً عنده الجزع والحزن كما قال تعالى عن أهل الإيمان: أَلَّا تَخَافُوا وَلا تَحْزَنُوا [فصلت:30] لأن الإنسان يحزن على فراق أهله، فإذا كان الأهل يبكون أسمعه الله بكاءهم؛ ولذلك جاء في الخبر: أنه لما ذُكرت مآثر أحد أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم، وكان قد أغمي عليه بعد موته، فصارت المرأة تثني عليه، قال: فما زال الملك يغمزه ويقول له: هل أنت كذلك؟ هل أنت كذلك؟ فلما استيقظ قال لهم: إنه كان من أمركم كذا وكذا، فما زلت أغمز على كل ذكرٍ ذكرتموه. قال العلماء: هذا عذابٌ معنوي، بمعنى أن الإنسان يُسمع بكاء أهله، لا أنه يعذب حقيقة، فتكون الآية: وَلا تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى [الإسراء:15] أي: في تحمله للعذاب، وهذا ليس بمتحمل لعذاب منفصل، إنما هو إسماعٌ من الله له لبكاء أهله فيتألم، كالشيء العارض الذي يكون في أمور الدنيا.

    فهذه ثلاثة أوجه هي من أقوى ما ذكره العلماء في حديث أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها في تعذيب الميت ببكاء أهله.

    الحزن لا ينافي الرضا بقضاء الله

    السؤال: هل ما يجده الإنسان من الحزن وألم الفراق يكون من السخط وعدم الرضا أثابكم الله؟

    الجواب: إن القلوب تحزن، ولا شك أن فراق الأحبة له وقع عظيم في القلوب، وقد ثبت عنه عليه الصلاة والسلام أنه دمعت عيناه وقال: (إن العين لتدمع، وإن القلب ليخشع، ولا نقول إلا ما يرضي الرب، وإنا بفراقك يا إبراهيم لمحزونون) فدل هذا على أن ما يكون من الحزن، وما يكون من الشجى في النفس أنه أمرٌ جبلي لا يمكن للإنسان أن يدفعه، ولكن إذا كمل الإيمان، وقوي اليقين في الرحمن، وتذكر العبد ما عند الله من الإحسان؛ هان عليه المصاب، ورجا عند الله حُسن الثواب؛ فبدد الله أحزانه؛ وأذهب أشجانه؛ ورفع في الجنة مكانه.

    ولذلك ينبغي للإنسان أن يستذكر في مثل هذه المواقف عظمة الله سبحانه وتعالى الذي فيه خلفٌ عن كل فائت، وفيه عوضٌ عن كل ذاهب، فإن الله سبحانه وتعالى إذا نظر إلى قلب الإنسان وقد توجه إليه وأقبل عليه عوضه خيراً مما فقد، فمهما كان الحبيب والصاحب والقريب فإنه لا يزن شيئاً أمام عظمة الله سبحانه وتعالى، وهو الذي القلوب بين إصبعين من أصابعه، فإن نظر الله إليك وأنت في حالة الحزن والشجى والأسى ولوعة الفراق تتجه إليه، وتعزي النفس بما عنده سبحانه وتعالى من حسن الجزاء والثواب، وما تنتظره من حسن القدوم إليه والمآب؛ أفرغ عليك الصبر، وثبتك وربط على قلبك، وكان ذلك من عاجل ما يكون من إحسانه ولطفه بعبده.. والله تعالى أعلم.

    حكم الوقوف للجنازة

    السؤال: هل يشرع الوقوف لجنازة الميت إذا أُتي بها للصلاة عليها؟ وكذلك لو شهدت جنازة الكافر فهل يوقف لها أثابكم الله؟

    الجواب: هذه المسألة فيها خلافٌ بين أهل العلم رحمهم الله، وقد ورد عن النبي صلى الله عليه سلم أنه وقف لمرور الجنازة، وقال: (إن للموت لفجعة) أي: أثرٌ وهيبة، والصحيح أن هذا القيام منسوخ، ولذلك مُر على النبي عليه الصلاة والسلام بجنازةٍ ولم يقم، وهذا صنيع بعض المحدثين رحمهم الله؛ فإنه ذكر الأحاديث التي وردت عن رسول الله صلى الله عليه وسلم بالقيام بالجنازة عند مرورها، ثم أتبعها بالأحاديث في نسخ ذلك، فدل هذا على أنه كان هذا أولّ الأمر.. والله تعالى أعلم.

    حكم نقل الميت من بلد إلى بلد

    السؤال: ما حكم نقل الميت من مدينةٍ إلى أخرى لدفنه، خصوصاً إذا أوصى بذلك؟

    الجواب: لا يشرع انتقال الميت من مكان إلى مكان، فإذا قبضت روح الإنسان في مكان، شرع أن يغسل ويكفن ويصلى عليه ويدفن في ذلك المكان الذي مات فيه.

    أما إذا كان المكان بلاد كفر لا يقام فيها بحق المسلم، وأراد أن ينتقل وأوصى أن ينقل من هذا المكان، فإنه ينتقل إلى أقرب بلاد المسلمين، تحصيلاً للأصل في المسارعة بالجنازة، وحينئذٍ يكون هذا هو الأصل المعمول به.

    أما إذا كانت بلاد المسلمين عنه بعيدة، وكان ذلك يؤخر ذلك جنازته، فإنه لا يرخص إلا بقدر الحاجة، ويجتزأ بأقرب المواضع إليه من بلاد المسلمين، ولا يشرع النقل إلا في هذه الحالة، وهي: أن يتعذر وجود من يقوم بحقه من تغسيلٍ وتكفينٍ والصلاة عليه، فحينئذٍِ لا حرج أن ينقل، ولا مانع في هذه الحالة من تعاطي أسباب نقله، وما عدا ذلك تكلفٌ وخروج عن الأصل والسنن.. والله تعالى أعلم.

    حكم الوضوء لمن حمل الجنازة والغسل لمن غسل ميتاً

    السؤال: هل من السنة لمن حمل الجنازة أن يعيد وضوءه، ولمن شارك في غسل الميت أن يغتسل، أثابكم الله؟

    الجواب: في ذلك حديث أبي هريرة رضي الله عنه وأرضاه: أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (من غسل ميتاً فليغتسل، ومن حمله فليتوضأ) .

    وهذا الحديث اختلف العلماء رحمهم الله في صحته، والأقوى ضعفه، وإن كان قد حسن بعض العلماء إسناده، لكن هناك أحاديث أصح منه وأقوى تدل دلالة واضحةً على أن حمل الميت لا ينقض الوضوء.

    وعلى هذا فلو قلنا بحسن الحديث -كما يميل إليه بعض المحدثين- فإننا نحمل الأمر على الكمال لا على الوجوب واللزوم.. والله تعالى أعلم.

    ترك الغسل والتكفين لشهيد المعركة دون غيره

    السؤال: هل الشهادة الواردة فيمن مات بالبطن أو الطاعون، تنزل منزلة الشهيد فلا يغسل، أم الأمر خاص بشهيد المعركة فقط أثابكم الله؟

    الجواب: شهادة المبطون والطاعون والنفساء وغيرهم ممن ذكر رسول الله صلى الله عليه وسلم في الحديث: (ما تعدون الشهيد فيكم؟ قالوا: يا رسول الله! الشهيد شهيد المعركة. قال: إذاً إن شهداء أمتي لقليل، ثم ذكر عليه الصلاة والسلام المبطون والغريق وصاحب الهدم والحرقى والنفساء والطاعون) وهذا إنما هو في فضل الشهادة المطلق، أما بالنسبة لأحكام الشهيد فإنها تختص بشهيد المعركة، فشهيد المعركة هو الذي لا يغسل، ولا يصلى عليه؛ لمكان الفضل، ولا يفتن في قبره، وله الفضائل التي وردت في السنن الصحيحة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، وبينها الله عز وجل في كتابه، وأثنى على أهل منازلها، وكل ذلك إنما هو خاصٌ بشهيد المعركة دون غيره.

    أما المبطون فيغسل ويكفن ويصلى عليه ويقبر، وكذلك بالنسبة للحرقى والهدمى، وإنما يختص الحريق إذا كان جلده لا يحتمل الغسل بأن ييمم، وأما بالنسبة لفضل الشهيد من كل وجه فهؤلاء لا يبلغون فضل الشهادة من كل وجه، وإنما لهم الفضل النسبي، وفرقٌ بين الفضل النسبي والفضل الكلي.. والله تعالى أعلم.

    حكم الصلاة على الغائب

    السؤال: هل تجوز الصلاة على الميت الغائب أثابكم الله؟

    الجواب: أما الصلاة على كل ميت غائب فهذا مما لا أصل له، فإن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان أصحابه في مواضع متفرقة، وقد مات كثيرٌ منهم رضي الله عنهم وأرضاهم في حياته عليه الصلاة والسلام، وما صلى عليهم صلاة الغائب، إنما صلى صلاة الغائب على النجاشي ؛ ولذلك قال العلماء: تشرع الصلاة على الغائب إذا أمر بها ولي أمر المسلمين؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم أمر بها أصحابه، وتكون لرجلٍ مات في موضعٍ لا يصلى عليه، كمن يموت في بلاد كفر؛ فـأصحمة النجاشي مات في بلاد الحبشة وكانت بلاد نصارى.

    كذلك -أيضاً- لمن له شأنٌ عظيم في المسلمين، كالإمام العادل، والعالم الفاضل، والعبد الصالح الذي له بلاء في الدين، يشرع أن يصلى عليه صلاة الغائب، وهذا خاصٌ بمن ذكرنا.

    وأما تعميم الأمر والصلاة على كل أحد فذلك ليس من السنن، وعلى هذا يختص الحكم بما ذكرناه؛ إعمالاً للأصول والنصوص الواردة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم وإنزالها منازلها.. والله تعالى أعلم.

    بدعية رفع الصوت مع الجنازة بالتهليل والتكبير

    السؤال: هناك من يشيع الجنائز، ويكثر من التهليل والتكبير أثناء التشييع، فما هو الحكم الشرعي في ذلك أثابكم الله؟

    الجواب: نص العلماء على أنه لا يرفع الصوت بالذكر في الجنازة، وأن رفع الصوت بالتهليل والتكبير، وأَمْر الناس بذلك من البدعة والحدث، وإنما يشرع أن يمشي معها، ويلتزم الأصل الوارد من هديه عليه الصلاة والسلام دون تكلف، أما أمر الناس بتهليلٍ أو تكبيرٍ، أو الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم، أو ذكر ألفاظ التفجع والتوجع ونحو ذلك كله من الحدث، وقد ذكر العلماء ذلك في كتبهم، ونبه الفقهاء والأئمة على أن ذلك مما لا أصل له، بل السنة أن يمشي معها، ويكون ذلك بالدعاء للميت والاستغفار له والترحم عليه، وقد ثبت في الحديث عنه عليه الصلاة والسلام أنه كان إذا قبر الميت قال: (استغفروا لأخيكم واسألوا له التثبيت؛ فإنه الآن يسأل) هذا هو المحفوظ من هديه صلوات الله وسلامه عليه، وأما رفع الصوت فمما لا أصل له.. والله تعالى أعلم.

    وجوب التفريق بين المتراضعين إذا تزوجا

    السؤال: لي ابنة عمٍ رضعت معي رضعات كثيرة أكثر من شهر، والحليب لوالدي، وقد تزوجها أخي من أبي وله منها أولاد، فما الحكم في ذلك أثابكم الله؟

    الجواب: هذه أختٌ لأخيك من أبيك، وعلى هذا: يفرق بينه وبينها، والأولاد يعتبرون شرعيين، وحينئذٍ ينسبون إلى أخيك، ولكن ما بعد اليوم وما بعد علمه بأنها أخته من الرضاعة، لو وطئها فحكم ذلك حكم الزنا الذي حرمه الله ورسوله.

    ولذلك: ما مضى يعذر فيه بالجهل، ويستأنف الحكم، وتعتبر أختاً له من الرضاعة، وحينئذٍ الأولاد ينسبون إلى أمهم وينسبون إلى أبيهم، فهم أولاد شرعيون لمكان الجهل وعدم العلم بالحكم.

    وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.

    مكتبتك الصوتية

    أو الدخول بحساب

    البث المباشر

    المزيد

    من الفعاليات والمحاضرات الأرشيفية من خدمة البث المباشر

    عدد مرات الاستماع

    3086718663

    عدد مرات الحفظ

    756295026