إسلام ويب

فقه العبادات [19]للشيخ : محمد بن صالح العثيمين

  •  التفريغ النصي الكامل
  • نواقض الوضوء: البول، والغائط، والريح، والنوم العميق، وأكل لحم الجزور. والشك لا يضر الوضوء، والغسل: هو تعميم البدن بالماء بنية الطهارة، وموجباته: نزول المني بشهوة، والجماع ولو بدون إنزال، والحيض والنفاس، والموت.

    1.   

    نواقض الوضوء

    المقدم: كنا طرحنا سؤالاً في حلقةٍ ماضية عن نواقض الوضوء لكننا تحدثنا بما هو يعني يمكن أن نبدأ عن الاستنجاء والاستجمار، وهل هو من فروض الوضوء أو لا، ثم تحدثنا أيضاً عن حكم المسح على الخفين وعرفنا الشروط لذلك، في هذه الحلقة نعود إلى سؤالنا الذي لم يجب عليه وهي نواقض الوضوء؟

    الشيخ: بسم الله الرحمن الرحيم. الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على نبينا محمدٍ، وعلى آله وأصحابه أجمعين.

    نواقض الوضوء: مفسداته ومبطلاته، ونذكر منها: الغائط، والبول، والريح، والنوم، وأكل لحم الجزور، فأما الغائط والبول والنوم فقد دلّ عليه حديث صفوان بن عسال رضي الله عنه قال: (أمرنا رسول الله صلى الله عليه وسلم ألا ننزع خفافنا إذا كنا سفراً ثلاثة أيام ولياليهن إلا من جنابة، ولكن من غائطٍ وبولٍ ونوم). وهذا تؤيده الآية الكريمة في الغائط، حيث قال الله تعالى: وَإِنْ كُنْتُمْ مَرْضَى أَوْ عَلَى سَفَرٍ أَوْ جَاءَ أَحَدٌ مِنْكُمْ مِنَ الْغَائِطِ أَوْ لامَسْتُمُ النِّسَاءَ فَلَمْ تَجِدُوا مَاءً فَتَيَمَّمُوا صَعِيدًا طَيِّبًا فَامْسَحُوا بِوُجُوهِكُمْ وَأَيْدِيكُمْ مِنْهُ [المائدة:6] .

    وأما الريح فلما جاء في حديث عبد الله بن زيد وأبي هريرة رضي الله عنهما فيمن أشكل عليه أخرج منه شيءٌ أم لا؟ قال النبي صلى الله عليه وسلم: (لا ينصرف أو لا يخرجنّ من المسجد حتى يسمع صوتاً أو يجد ريحاً)، وهذا دليلٌ على أن الريح ناقض للوضوء.

    فهذه أربعة أشياء: البول، والغائط، والريح، والنوم، ولكن النوم لا ينقض الوضوء إلا إذا كان عميقاً بحيث يستغرق النائم فيه فلا يعلم عن نفسه لو خرج منه شيء؛ لأن النوم من مظنة الحدث وليس حدثاً في نفسه، فإذا نعس الإنسان في صلاته أو خارج صلاته ولكنه يعي نفسه لو أحدث لأحس بذلك، فإنه لا ينتقض وضوءه ولو طال نعاسه، ولو كان متكئاً أو مستنداً أو مضطجعاً؛ لأن المدار ليس على الهيئة ولكن المدار على الإحساس واليقظة، فإذا كان هذا الناعس يحس بنفسه لو أحدث فإن وضوءه باقٍ، ولو كان متكئاً أو مستنداً أو مضطجعاً وما أشبه ذلك.

    وأما الخامس من نواقض الوضوء فهو: أكل لحم الإبل؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم صح عنه (أنه سئل: أنتوضأ من لحوم الإبل؟ قال: نعم. وسئل عن الوضوء من لحم الغنم؟ قال: إن شئت)، فإجابته بـ (نعم) في لحم الإبل وبـ (إن شئت) في لحم الغنم دليلٌ على أن الوضوء من لحم الإبل ليس راجعاً إلى مشيئته، بل هو أمرٌ مفروضٌ عليه، ولو لم يكن مفروضاً لكان راجعاً إلى المشيئة.

    وثبت عنه صلى الله عليه وسلم أنه أمر بالوضوء من لحم الإبل، وعلى هذا فإذا أكل الإنسان لحم إبل انتقض وضوءه، سواءٌ كان الأكل كثيراً أم قليلاً، وسواءٌ كان اللحم نياً أم مطبوخاً، وسواءٌ كان اللحم من اللحم الأحمر الهبط أو من الأمعاء أو من الكرش أو من الكبد أو من القلب أو من أي شيءٍ كان من سائر البدن؛ لأن الحديث عام لم يفرق بين لحمٍ وآخر، والعموم في لحم الإبل كالعموم في لحم الخنزير حين قال الله تعالى: حُرِّمَتْ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةُ وَالدَّمُ وَلَحْمُ الْخِنزِيرِ [المائدة:3] ، فإن لحم الخنزير هنا يشمل كل أجزاء بدنه، وهكذا لحم الإبل الذي سئل النبي صلى الله عليه وسلم عن الوضوء منه يشمل جميع أجزاء البدن، وليس في الشريعة الإسلامية جسدٌ واحد تختلف أحكامه، فيكون جزء منه له حكم وجزء منه له حكمٌ آخر، بل الجسم كله تتفق أجزاؤه في الحكم، ولا سيما على القول بأن نقض الوضوء بلحم الإبل علته معلومةً لنا وليس تعبداً محضاً.

    وعلى هذا فمن أكل لحم إبل من أي جزءٍ من أجزاء البدن وهو على وضوءٍ وجب عليه أن يجدد وضوءه.

    حكم من شك أنه انتقض وضوءه

    ثم اعلم أن الإنسان إذا كان على وضوء ثم شك في وجود الناقض بأن شك هل خرج منه بول أو ريح، أو شك في اللحم الذي أكله: هل هو لحم إبل أو لحم غنم؟ فإنه لا وضوء عليه؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم ( سئل عن الرجل يخيل إليه أنه يجد الشيء في الصلاة، فقال: لا ينصرف حتى يسمع صوتاً أو يجد ريحاً)؛ حتى يتيقن ذلك ويدركه بحواسه إدراكاً معلوماً لا شبهة فيه؛ ولأن الأصل بقاء الشيء على ما كان عليه حتى نعلم زواله، فالأصل أن الوضوء باقٍ حتى نعلم زواله وانتقاضه.

    التفريق بين نوم الليل ونوم النهار في انتقاض الوضوء

    المقدم: لكن بالنسبة للنوم: هل هناك فرق بين نوم الليل ونوم النهار؟

    الشيخ: ليس هناك فرقٌ بين نوم الليل ونوم النهار؛ لأن العلة واحدة، وهي زوال الإحساس، وكون الإنسان لا يحس بنفسه لو خرج منه شيء.

    1.   

    صفة الغسل وموجباته

    المقدم: أيضاً نود أن نعرف ما هي موجبات الغسل؟ وما صفته؟

    صفة الغسل الواجبة والكاملة

    الشيخ: أما صفة الغسل فعلى وجهين: صفة واجبة، وهي: أن يعم بدنه كله بالماء، ومن ذلك: المضمضة والاستنشاق، فإذا عمم بدنه بالماء على أي وجهٍ كان فقد ارتفع عنه الحدث الأكبر.

    الوجه الثاني: صفة كاملة، وهي: أن يغتسل كما اغتسل النبي صلى الله عليه وسلم، فإذا اغتسل من الجنابة فإنه يغسل كفيه ثم يغسل فرجه وما تلوث من الجنابة، ثم يتوضأ وضوءاً كاملاً على صفة ما ذكرناه في الوضوء، ثم يغسل رأسه بالماء ثلاثاً ترويه، ثم يغسل بقية بدنه، هذه صفة الغسل.

    موجبات الغسل

    أما موجبات الغسل، فمنها: إنزال المني بشهوة، يقظةً أو مناماً، لكنه في المنام يجب عليه الغسل وإن لم يحس بالشهوة؛ لأن النائم قد يحتلم ولا يحس بنفسه، فإذا خرج منه المني بشهوة وجب عليه الغسل بكل حال.

    الثاني: الجماع، فإذا جامع الرجل زوجته وجب عليه الغسل، بأن يولج الحشفة في فرجها، فإذا أولج الحشفة في فرجها فما زاد فعليه الغسل؛ لقول النبي صلى الله عليه وسلم عن الأول: (الماء من الماء) يعني: أن الغسل يجب من الإنزال، وقوله عن الثاني: (إذا جلس بين شعبها الأربع ثم جهدها فقد وجب الغسل) وإن لم ينزل.

    وهذه المسألة أعني: الجماع بدون إنزال يخفى حكمها على كثيرٍ من الناس، حتى أن بعض الناس تمضي عليه الأسابيع أو الشهور وهو يجامع زوجته بدون إنزال ولا يغتسل جهلاً منه، وهذا أمرٌ له خطورته، فالواجب على الإنسان أن يعلم حدود ما أنزل الله على رسوله، فإن الإنسان إذا جامع زوجته وإن لم ينزل وجب الغسل عليه وعليها للحديث الذي أشرنا إليه آنفاً.

    ومن موجبات الغسل: خروج دم الحيض والنفاس، فإن المرأة إذا حاضت ثم طهرت وجب عليها الغسل؛ لقول الله تعالى: فَاعْتَزِلُوا النِّسَاءَ فِي الْمَحِيضِ وَلا تَقْرَبُوهُنَّ حَتَّى يَطْهُرْنَ فَإِذَا تَطَهَّرْنَ فَأْتُوهُنَّ مِنْ حَيْثُ أَمَرَكُمُ اللَّهُ [البقرة:222] ؛ ولأمر النبي صلى الله عليه وسلم المستحاضة إذا جلست قدر حيضها أن تغتسل، والنفساء مثلها، فيجب عليها أن تغتسل.

    وصفة الغسل من الحيض ومن النفاس كصفة الغسل من الجنابة، إلا أن بعض أهل العلم استحب لغسل الحائض أن تغتسل بالسدر؛ لأن ذلك أبلغ في نظافتها وتطهيرها.

    وذكر بعض العلماء أيضاً من موجبات الغسل: الموت، مستدلين بقول النبي صلى الله عليه وسلم للنساء اللاتي يغسلنّ ابنته (اغسلنها ثلاثاً أو خمساً أو سبعاً أو أكثر من ذلك إن رأيتن ذلك)، وبقوله صلى الله عليه وسلم للرجل الذي وقفت راحلته في عرفة وهو محرم: (فاغسله بماء وسدر وكفنه في ثوبين)، فقالوا: إن الموت موجبٌ للغسل، ولكن الوجوب هنا يتعلق بالحي؛ لأن الميت انقطع تكليفه بموته، ولكن على الأحياء أن يغسلوا الميت؛ لأمر النبي صلى الله عليه وسلم بذلك.

    مكتبتك الصوتية

    أو الدخول بحساب

    البث المباشر

    المزيد

    من الفعاليات والمحاضرات الأرشيفية من خدمة البث المباشر

    الأكثر استماعا لهذا الشهر

    عدد مرات الاستماع

    3086718663

    عدد مرات الحفظ

    756014742