إسلام ويب

تفسير سورة الذاريات (6)للشيخ : أبوبكر الجزائري

  •  التفريغ النصي الكامل
  • إن المتأمل في خلق السماء فوقنا ليعجب من بديع صنعها وتماسكها، وارتفاعها كقبة زجاجية فوق رءوس الخلائق دون عمد أو دعائم، ولا يسع العاقل إلا أن يؤمن بخالق هذه السموات، الذي رفعها بقدرته، وبسط الأرض تحتها بحكمته، وبث فيها من كل شيء زوجين ليكون ذلك دليلاً على عظمته، ومن أضل ممن أغمض عينيه وأصم أذنيه عن آيات الخالق الحكيم، وأبى إلا أن يكون من الخاسرين.

    1.   

    تقرير السورة لقضايا العقيدة

    الحمد لله، نحمده تعالى ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له.

    وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، أرسله بالحق بشيراً ونذيراً بين يدي الساعة، من يطع الله ورسوله فقد رشد، ومن يعص الله ورسوله فلا يضر إلا نفسه ولا يضر الله شيئاً.

    وها نحن مع سورة الذاريات المكية، فهيا بنا لنصغي مستمعين تلاوة الآيات، والله تعالى نسأل أن ينفعنا بما ندرس ونسمع.

    أعوذ بالله من الشيطان الرجيم. وَالسَّمَاءَ بَنَيْنَاهَا بِأَيْدٍ وَإِنَّا لَمُوسِعُونَ * وَالأَرْضَ فَرَشْنَاهَا فَنِعْمَ الْمَاهِدُونَ * وَمِنْ كُلِّ شَيْءٍ خَلَقْنَا زَوْجَيْنِ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ * فَفِرُّوا إِلَى اللَّهِ إِنِّي لَكُمْ مِنْهُ نَذِيرٌ مُبِينٌ * وَلا تَجْعَلُوا مَعَ اللَّهِ إِلَهًا آخَرَ إِنِّي لَكُمْ مِنْهُ نَذِيرٌ مُبِينٌ [الذاريات:47-51].

    معاشر المستمعين والمستمعات من المؤمنين والمؤمنات! ما زال السياق الكريم في الآيات القرآنية الكريمة في تقرير التوحيد، والنبوة المحمدية، والبعث الآخر.

    ما زال السياق الكريم في تقرير التوحيد، وهو معنى: لا إله إلا الله.

    والنبوة المحمدية، وهي بمعنى: أن محمد بن عبد الله بن عبد المطلب رسول الله.

    ثالثاً: البعث الآخر، أي: الحياة الأخرى بعد هذه.

    والمشركون والكافرون إلى اليوم أبوا أن يعترفوا بهذه الحقائق العظيمة، أبوا أن يعترفوا بأن لا يعبد إلا الله، وهم يعبدون الأصنام والأحجار والشهوات، أبوا أن يعترفوا لمحمد بنبوته ورسالته، فيقبلوا على ما جاء به وبعث به فيكملوا ويسعدوا، بل هم معرضون متكبرون، مكذبون جاحدون، منكرون للبعث الآخر ولا يؤمنون بالدار الآخرة أبداً، كأنهم مجانين، مع أن القرآن الكريم بين تعالى فيه من الآيات والبراهين والحجج والدلائل العجب الذي لا يستطيع ذو عقل أن ينفيه.

    1.   

    تفسير قوله تعالى: (والسماء بنيناها بأيد وإنا لموسعون)

    وها نحن مع قوله تعالى: وَالسَّمَاءَ بَنَيْنَاهَا بِأَيْدٍ وَإِنَّا لَمُوسِعُونَ [الذاريات:47] هذه السماء، هذه القبة التي فوقنا من بناها؟ آباؤنا، الروس الملاحدة، اليابان المجانين، الأمريكان الشياطين؟ من بناها؟

    يا عقلاء! يا بني البشر! فكروا، تأملوا: هذه السماء القبة الزرقاء من بناها؟ من وضع فيها هذه الكواكب والنجوم؟ من أوجد فيها هذه الشمس وهذا القمر؟ من أوجد فيها هذه السحب تحمل الأمطار وتنزل بها حيث يشاء الله؟ هل يوجد عاقل يقول: وجد هذا بلا موجد؟

    والله! لن تستطيع أن تقول في إبرة فقط: وجدت بلا موجد، بل ظفر فقط والله ما تستطيع أن تقول: وجد بلا موجد، فكيف إذاً بالسماء وما فيها، هل وجدت بدون موجد؟ ولا يؤمنون بالله، ولا يريدون أن يعبدوه، ولا يريدون أن يلاقوه، ولكن يا ويلهم، فمصيرهم جهنم والعياذ بالله تعالى، عالم يخلدون فيه أبداً مليارات الدهور والسنين لا يخرجون أبداً.

    وَالسَّمَاءَ بَنَيْنَاهَا بِأَيْدٍ [الذاريات:47] أي: بقدرة وقوة، وَإِنَّا لَمُوسِعُونَ [الذاريات:47] لها وللرزق وغيره، وقادرون على ذلك.

    هذا كلامه تعالى فكيف يكذب، كيف ينكر؟ كيف يقال: لا إله والحياة مادة؟

    وَالسَّمَاءَ بَنَيْنَاهَا بِأَيْدٍ [الذاريات:47] ليست جمع يد، الأيدي هنا هي القدرة والاستطاعة والقوة، وَاذْكُرْ عَبْدَنَا دَاوُدَ ذَا الأَيْدِ [ص:17] أي: القدرات، وللرحمن يدان كلتاهما يمين، هكذا أخبر أبو القاسم صلى الله عليه وسلم كلتا يديه يمين.

    وَالسَّمَاءَ بَنَيْنَاهَا بِأَيْدٍ وَإِنَّا لَمُوسِعُونَ * وَالأَرْضَ [الذاريات:47-48]، نظرنا إلى السماء واحترنا: من رفعها، من زينها، من حسنها، من جمّلها، من أوجد الكواكب فيها، من أوجد الأمطار والسحب؟ ما هناك جواب إلا: الله، رغم أنوفنا.

    1.   

    تفسير قوله تعالى: (والأرض فرشناها فنعم الماهدون)

    قال تعالى: وَالأَرْضَ فَرَشْنَاهَا [الذاريات:48] بساط مفروش فوق الماء، من بسطها؟ آباؤنا، أمهاتنا، أجدادنا؟ لا بد من السؤال، لسنا مجانين ولا حمقى، نسأل: من بسط الأرض؟

    فإذا قيل لك: هناك من يعرف هذا فلتسافر إليه، ما بسطها إلا الله الذي بنى السماء ورفعها، وَالأَرْضَ فَرَشْنَاهَا [الذاريات:48] كالفراش للبشر، ليعيشوا فيها زمناً من الدهر، هذه نعمة عظيمة، أما يحمد عليها؟ أما يشكر الله عليها؟ فكيف يكفر به؟ كيف يتنكر له؟ كيف يسب؟ ولكن الشياطين هي التي تحمل البشر على الكفر والشرك والضلال والفساد.

    وَالأَرْضَ فَرَشْنَاهَا فَنِعْمَ الْمَاهِدُونَ [الذاريات:48]، حمد الله نفسه وأثنى على نفسه ليعلمنا أن نحمده ونشكره على لقمة الطعام، على النظرة ننظر بها، على السمع نسمع به، الله يحب الشكر من عباده وفرضه عليهم وطلبه منهم أن: اشكروا لله، وعلمنا ذلك، وهنا قال تعالى: فَنِعْمَ الْمَاهِدُونَ [الذاريات:48] وهو الله تعالى.

    فاللطيفة هنا هي: أننا يجب علينا ألا نذكر نعمة إلا ونقول: الحمد لله.. الحمد لله، الشكر لله.

    وَالسَّمَاءَ بَنَيْنَاهَا بِأَيْدٍ وَإِنَّا لَمُوسِعُونَ [الذاريات:47] هذه آية من أعظم الآيات الدالة على وجود الله، على قدرته، على علمه، على حكمته، وهي مستوجبة إلهيته، فلا يعبد إلا هو.

    وَالأَرْضَ [الذاريات:48] أيضاً فَرَشْنَاهَا [الذاريات:48]، من فرشها؟ الله تعالى، فكيف لا يُحمد؟ فالذي قدر على أن يفرش الأرض من الشرق إلى الغرب على الماء أما يُحمد؟ أما يشكر؟ أما يُعبد؟ كيف ينكر ولا يقال: هو الخالق كما يفعل الملاحدة ويقولون: الطبيعة العمياء؟

    الطريق السليم أن نقول: ما وجد في الكون شيء إلا وله موجد، ولم تعرف الدنيا موجداً إلا الله فقط، والله أخبر بذلك في كتبه وعلى ألسنة رسله من آدم إلى محمد صلى الله عليه وسلم، وأنزل الكتب والصحف وفيها بيان عظمة الله وألوهيته وربوبيته، ويجب أن يُعبد ولا يُعبد سواه، ولكن الشياطين تستفز البشر وترمي بهم في أتون الجحيم.

    1.   

    تفسير قوله تعالى: (ومن كل شيء خلقنا زوجين لعلكم تذكرون)

    ثالثاً: من الآيات أيضاً: وَمِنْ كُلِّ شَيْءٍ خَلَقْنَا زَوْجَيْنِ [الذاريات:49] من الخالق لحبة العنب؟ والله! لا يوجد إلا الله، من الخالق لبعوضة؟ والله! لا يوجد خالق إلا الله، مررت بقطة تحتها ثلاثة أولاد وهم حولها وهي تعطف عليهم، فمن خلق هذا؟ لو تجتمع أمريكا والصنّاع والعالم فوالله! لن يصنعوا قطة.

    وَمِنْ كُلِّ شَيْءٍ خَلَقْنَا زَوْجَيْنِ [الذاريات:49] ذكر وأنثى، مريض وصحيح، أعمى ومبصر، فقير وغني، قصير وطويل، حامض وحلو، من كل شيء خلق الله تعالى صنفين، ولولا العلم والقدرة ما كان هذا أبداً ولن يكون، وَمِنْ كُلِّ شَيْءٍ خَلَقْنَا زَوْجَيْنِ [الذاريات:49] صنفين، في الحيوانات لا تسأل، في النباتات، في الأشجار.. في كل ما خلق الله، ما من كائن إلا وله زوجان وصنفان.

    وتمضي الأعوام والقرون ويمضي على نزول القرآن ألف وأربعمائة سنة ويكتشف الماديون هذه الحقيقة، فالذرة ذات زوجين، ويعتقدون الآن أن كل شيء له زوج، والقرآن قالها من ألف وأربعمائة سنة: وَمِنْ كُلِّ شَيْءٍ خَلَقْنَا زَوْجَيْنِ [الذاريات:49] صنفين، لماذا فعلت يا رب هذا؟ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ [الذاريات:49] فتقولوا: آمنا بالله، آمنا بالله ولقائه، آمنا برسول الله، فهيا نعبد الله لا نعبد سواه.

    حث القرآن على التفكر في الخلق

    ومن سورة الرعد يقول تعالى: المر تِلْكَ آيَاتُ الْكِتَابِ وَالَّذِي أُنزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ الْحَقُّ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لا يُؤْمِنُونَ * اللَّهُ الَّذِي رَفَعَ السَّمَوَاتِ بِغَيْرِ عَمَدٍ تَرَوْنَهَا ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ وَسَخَّرَ الشَّمْسَ وَالْقَمَرَ كُلٌّ يَجْرِي لِأَجَلٍ مُسَمًّى يُدَبِّرُ الأَمْرَ يُفَصِّلُ الآيَاتِ لَعَلَّكُمْ [الرعد:1-2]، فالشاهد في قوله تعالى: لَعَلَّكُمْ بِلِقَاءِ رَبِّكُمْ تُوقِنُونَ [الرعد:2] لأن المكذبين بالبعث والدار الآخرة شر الخلق، شر الخليقة، والله! لشر من القردة والخنازير، والذي أقوله وأكرره: والله! لا يجوز لك أن تثق فيمن لا يؤمن بالدار الآخرة ولا تصدقه ولا أن تمشي معه؛ لأنه لا خير فيه بالمرة، كيف يخاف الله أو يتقيه وهو ما آمن بالدار الآخرة وما فيها؟

    يقول تعالى: اللَّهُ الَّذِي رَفَعَ السَّمَوَاتِ بِغَيْرِ عَمَدٍ تَرَوْنَهَا ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ وَسَخَّرَ الشَّمْسَ وَالْقَمَرَ كُلٌّ يَجْرِي لِأَجَلٍ مُسَمًّى يُدَبِّرُ الأَمْرَ يُفَصِّلُ الآيَاتِ لَعَلَّكُمْ بِلِقَاءِ رَبِّكُمْ تُوقِنُونَ * وَهُوَ الَّذِي مَدَّ الأَرْضَ وَجَعَلَ فِيهَا رَوَاسِيَ وَأَنْهَارًا وَمِنْ كُلِّ الثَّمَرَاتِ جَعَلَ فِيهَا زَوْجَيْنِ اثْنَيْنِ يُغْشِي اللَّيْلَ النَّهَارَ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ [الرعد:2-3] يتذكرون، يعقلون، يؤمنون، أما الكفار الجاحدون فصم بكم عمي كالأموات، بل أخبث من الأموات.

    ثم قال تعالى في سورة الرعد: وَفِي الأَرْضِ قِطَعٌ مُتَجَاوِرَاتٌ وَجَنَّاتٌ مِنْ أَعْنَابٍ وَزَرْعٌ وَنَخِيلٌ صِنْوَانٌ وَغَيْرُ صِنْوَانٍ يُسْقَى بِمَاءٍ وَاحِدٍ وَنُفَضِّلُ بَعْضَهَا عَلَى بَعْضٍ فِي الأُكُلِ [الرعد:4] سبحان الله! الماء واحد وطعم ثمر هذه النخلة ليس كطعم هذه أبداً، كيف هذا؟ يُسْقَى بِمَاءٍ وَاحِدٍ وَنُفَضِّلُ بَعْضَهَا عَلَى بَعْضٍ فِي الأُكُلِ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِقَوْمٍ يَعْقِلُونَ [الرعد:4]، فالكافرون -والله- ما يعقلون، ما يفكرون، ما يتذكرون، لو عقلوا، لو تذكروا، لو تفكروا لعادوا إلى الطريق المستقيم وآمنوا بربهم وعبدوه، ولكن صم بكم عمي فهم لا يرجعون.

    فهنا يقول تعالى: وَمِنْ كُلِّ شَيْءٍ خَلَقْنَا زَوْجَيْنِ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ [الذاريات:49].

    1.   

    تفسير قوله تعالى: (ففروا إلى الله إني لكم منه نذير مبين)

    ثم قال تعالى بعد هذا: فَفِرُّوا إِلَى اللَّهِ [الذاريات:50]، الهرب إلى الله، والله! لا نجاة إلا بالله، بعدما أقام هذه البراهين والحجج والآيات العجيبة، وقرر بها نبوة نبيه ورسالته، وقرر بها البعث والدار الآخرة وما يتم فيها، وقرر فيها التوحيد؛ قال: الآن فروا إلى الله، ما لكم طريق إلا هذا.

    أمر رسوله أن يقول لنا هذا: فَفِرُّوا إِلَى اللَّهِ إِنِّي لَكُمْ مِنْهُ نَذِيرٌ مُبِينٌ [الذاريات:50]، وكيف نفر إلى الله؟ نفر: نهرب إليه، نعبده بما شرع ولا نعبد معه غيره، نسمع كلامه ونتلذذ بجواره ونحن بين يديه في الصلاة، نفزع إليه في كل شدة، نلجأ إليه في كل هم وغم، نفزع إليه دائماً وأبداً، ما نشعر بالراحة والطمأنينة إلا إذا ذكرناه وبكينا بين يديه، نفر إليه فنترك أوساخ الدنيا وشهواتها وأطماعها وكذبها وأهلها ونفر إلى الله لنكون من أوليائه، وهم المؤمنون المتقون الذين لا خوف عليهم ولا هم يحزنون.

    هكذا يقول الرسول صلى الله عليه وسلم بعدما بين الآيات والدلائل والبراهين على وجود الله وعلمه وقدرته الموجبة لألوهيته، بعدما بين الرسالة والدار الآخرة وما يجري فيها قال لنا: فروا إلى الله إني لكم منه نذير مبين.

    1.   

    تفسير قوله تعالى: (ولا تجعلوا مع الله إلهاً آخر إني لكم منه نذير مبين)

    ثم قال لهم ولنا معهم: وَلا تَجْعَلُوا مَعَ اللَّهِ إِلَهًا آخَرَ [الذاريات:51] أي: لا تعبدوا مع الله معبوداً؛ إذ كل معبود يسمى إلهاً؛ لأن الإله بمعنى المعبود، كل معبود هو إله، فإذا قلت: لا إله إلا الله، أي: لا معبود يستحق أن يُعبد إلا الله، وهو -والله- كذلك، هذا المعبود الذي تعبده كعيسى مثلاً، فعيسى عبد الله ورسوله، ومريم أمة الله ووليته، فكيف تؤله وتعبد؟

    أما الأصنام والأحجار والتماثيل المعلقة في الأعناق فهذه الصور كيف تُعبد، ماذا فعلت؟ ماذا خلقت؟ ماذا أوجدت؟ كيف استحقت العبادة، من أذن لها في ذلك؟

    وقوله تعالى: وَلا تَجْعَلُوا مَعَ اللَّهِ إِلَهًا آخَرَ [الذاريات:51]، أي: لا تعبدوا مع الله سواه، وهم يعبدون الشياطين، عُبّاد القبور، عُبّاد المباني، عباد الأصنام، عباد الشهوات.. كلهم يعبدون الشيطان، هو الذي يزين لهم ذلك ويحسنه ويحملهم عليه.

    ولا يصح لذي عقل أن يُعبد غير الله عز وجل لعلمه أن المعبودات هذه مخلوقة لله، الله خالقها، الله موجدها، فكيف يعبدها معه؟ كيف يصح، كيف يعقل؟

    نعم الشياطين تقول لهم: توسلوا بها إلى الله، اعبدوا هذه لتتقربوا بذلك إلى الله! وهذا ظلم واعتداء، فالله خلقها لتعبده لا لتُعبد معه، فكيف نتوسل إلى الله بعبادة ميت أو بعبادة عيسى ليرحمنا ربنا؟ أبالكفر نتوسل إلى الله؟ أبالشرك نتوسل إلى الله؟ وهذا كله من تزيين الشياطين وتحسينها لإهلاك البشرية وإدخالها في جهنم مع الشياطين.

    وَلا تَجْعَلُوا مَعَ اللَّهِ إِلَهًا آخَرَ إِنِّي لَكُمْ مِنْهُ نَذِيرٌ مُبِينٌ [الذاريات:51]، هذا كلام رسول الله صلى الله عليه وسلم، بلغ عن الله، قال لهم: يا عباد الله من عرب وعجم! لا تعبدوا إلا الله إني لكم منه تعالى نذير مبين، بيّن النذارة، أنقذوا أنفسكم، اهربوا إلى ربكم، الجئوا إلى الله، اسألوه عما يحب فافعلوا، وعما يكره فاتركوه، وبذلك تكملون وتسعدون في الدنيا، وأما كمال الآخرة وسعادتها فأمر عظيم، يخلدون في الجنة مليارات السنين، والله! لا يمرضون، والله! لا يموتون، والله! لا يكبرون، والله! لا يهلكون، والله! لا يصيبهم سوء أبداً، والله! لا يكربون ولا يحزنون، نعيم أبدي، وانظروا إلى أهل جهنم في شقاء أبدي، النيران تحرقهم، الحيات تمتص دماءهم مليارات السنين، فأسألكم بالله: من عرف هذا هل يخرج عن طاعة الله؟ من عرف هذا أيكفر بالله؟ من عرف بهذا أيفسق عن أمر الله؟ لا يفسق.

    إذاً: فعلتهم الجهل وعدم العلم، عدم البصيرة، عدم المعرفة، وهم غير معذورين ولا يقبل منهم عذر أبداً؛ لأنهم مطالبون بأن يسألوا، سمعوا أن محمداً في بلاد العرب في بلدة تسمى المدينة أوحي إليه بشرع وطبقه وطبقه أتباعه وسادوا به، فلم يقولوا: لم لا نأتي ونسأل عنه ونعرف ماذا عنده؟ يعرف هذا اليهود والنصارى وغيرهم، ولكن ما دام مصيرهم جهنم فهذه هي حالهم، ونحن نبرأ إلى الله منهم.

    1.   

    قراءة في كتاب أيسر التفاسير

    هداية الآيات

    قال المؤلف غفر الله له ولكم ورحمه وإياكم والمؤمنين:

    [ هداية الآيات:

    من هداية الآيات:

    أولاً: تقرير التوحيد والبعث بمظاهر القدرة الإلهية التي لا يعجزها شيء، ومظاهر العلم والحكمة المتجلية في كل شيء ].

    هذه الآيات التي تدارسناها كل آية تدل على أنه لا إله إلا الله، وأن الله ذو علم أحاط بكل شيء، وذو قدرة لا يعجزه شيء، وأنه لا إله إلا هو، وأن محمداً رسول الله ونبيه، وأن البعث الآخر حق لا بد منه، وأن هذه الدار ما هي دار حياة وخلد، دار حياة وموت، والحياة الخالدة هي الدار الآخرة، فهذه الآيات كل آية أكبر ضوءاً من الشمس والقمر في الدلالة على أنه لا إله إلا الله، وأن محمداً رسول الله، وأن البعث الآخر حق.

    [ ثانياً: ظاهرة الزوجية في الكون في الذرة انبهر لها العقل الإنساني، وهي مما سبق إليه القرآن الكريم وقرره في غير موضع منه: سُبْحَانَ الَّذِي خَلَقَ الأَزْوَاجَ كُلَّهَا مِمَّا تُنْبِتُ الأَرْضُ وَمِنْ أَنفُسِهِمْ وَمِمَّا لا يَعْلَمُونَ [يس:36]، فدل هذا قطعاً على أن القرآن وحي الله، وأن من أوحي به إليه -وهو محمد بن عبد الله- لن يكون إلا رسول الله صلى الله عليه وسلم.

    ثالثاً: التحذير من الشرك؛ فإنه ذنب عظيم لا يغفر إلا بالتوبة الصحيحة النصوح ].

    ومن الشرك أن تحلف بغير الله، فالذي يقول: وحقك، ورأسك، والملح الذي بيننا والطعام؛ والله! لقد أشرك، والذي يقول: يا سيدي فلان، ويرفع يديه إليه داعياً سائلاً طالباً؛ والله! لقد أشرك، والذي يغرس غرساً ويقول: هذه الشجرة، أو هذه النخلة لسيدي فلان؛ والله! لقد أشرك، حتى لو جعلها لرسول الله صلى الله عليه وسلم لأشرك بالله تعالى.

    والذين ينذرون النذور للأولياء والصالحين: لك علي يا سيدي فلان كذا وكذا إن تحقق لي كذا وكذا؛ فذلك -والله- لمن الشرك.

    والذي نحمد الله عليه أن هذه المحنة أو هذه الفتنة خفت بعض الشيء، قبل ستين سنة كان في العالم الإسلامي عبادة غير الله أكثر من عبادة الله، ما توجد قرية ولا مدينة ليس فيها قبر يُعبد، يعبده النساء والرجال من إندونيسيا شرقاً إلى موريتانيا غرباً، لكن بانتشار العلم ووجود هذه الآيات المقربة خفت الضغط، وإلا ففي ذلك الزمن لو قلت لأحد: لا تحلف بغير الله؛ فإنه ما يفهم أبداً، ولكن الحمد لله.. الحمد لله.

    وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.

    مكتبتك الصوتية

    أو الدخول بحساب

    البث المباشر

    المزيد

    من الفعاليات والمحاضرات الأرشيفية من خدمة البث المباشر

    عدد مرات الاستماع

    3086718663

    عدد مرات الحفظ

    756434478