إسلام ويب

تفسير سورة الأحقاف (7)للشيخ : أبوبكر الجزائري

  •  التفريغ النصي الكامل
  • يخاطب الله عز وجل المشركين في مكة بخطاب العقل أحياناً، وهنا يسألهم عما يعرفونه من حال عاد الذين كانوا مثالاً للقوة والسلطان، وما حل بهم من العقوبة التي اجتثتهم وجعلتهم خبراً بعد عين، ثم يذكرهم سبحانه بحال القرى حولهم والتي أهلكها وجعلها عبرة وآية، ثم بعد هذا السرد التاريخي يسألهم سبحانه إن كانت آلهتهم التي كانوا يعبدونها من دون الله قد نصرتهم، ومنعت عنهم الدمار والهلاك.

    1.   

    تفسير قوله تعالى: (ولقد مكناهم فيما إن مكناكم فيه وجعلنا لهم سمعاً وأبصاراً وأفئدة ...)

    الحمد لله، نحمده تعالى ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له ومن يضلل فلا هادي له.

    وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، أرسله بالحق بشيراً ونذيراً بين يدي الساعة، من يطع الله ورسوله فقد رشد، ومن يعص الله ورسوله فلا يضر إلا نفسه ولا يضر الله شيئاً.

    أما بعد:

    فها نحن مع سورة الأحقاف سابعة آل حم، ومع هذه الآيات، فهيا بنا لنصغي مستمعين تلاوتها، والله تعالى نسأل أن ينفعنا بما ندرس ونسمع.

    أعوذ بالله من الشيطان الرجيم. وَلَقَدْ مَكَّنَّاهُمْ فِيمَا إِنْ مَكَّنَّاكُمْ فِيهِ وَجَعَلْنَا لَهُمْ سَمْعًا وَأَبْصَارًا وَأَفْئِدَةً فَمَا أَغْنَى عَنْهُمْ سَمْعُهُمْ وَلا أَبْصَارُهُمْ وَلا أَفْئِدَتُهُمْ مِنْ شَيْءٍ إِذْ كَانُوا يَجْحَدُونَ بِآيَاتِ اللَّهِ وَحَاقَ بِهِمْ مَا كَانُوا بِهِ يَسْتَهْزِئُون * وَلَقَدْ أَهْلَكْنَا مَا حَوْلَكُمْ مِنَ الْقُرَى وَصَرَّفْنَا الآيَاتِ لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ * فَلَوْلا نَصَرَهُمُ الَّذِينَ اتَّخَذُوا مِنْ دُونِ اللَّهِ قُرْبَانًا آلِهَةً بَلْ ضَلُّوا عَنْهُمْ وَذَلِكَ إِفْكُهُمْ وَمَا كَانُوا يَفْتَرُونَ [الأحقاف:26-28].

    إنذار المشركين بإهلاك عاد

    معاشر المستمعين والمستمعات من المؤمنين والمؤمنات! السياق الكريم مع أهل مكة، مع مشركي العرب، مع كفار قريش، فقد أمر الله تعالى رسوله أن يقص عليهم قصة عاد، وبين لهم الأحداث التي جرت فيها وأخيراً الدمار والهلاك الذي تم، إذ لم ينج من تلك الأمة إلا هود ومجموعة من المؤمنين والمؤمنات، وتركوا تلك الديار مرة واحدة، والتحقوا بالشمال، وهي أعظم أمة على وجه الأرض في تلك الأيام: أَلَمْ تَرَ كَيْفَ فَعَلَ رَبُّكَ بِعَادٍ * إِرَمَ ذَاتِ الْعِمَادِ * الَّتِي لَمْ يُخْلَقْ مِثْلُهَا فِي الْبِلادِ [الفجر:6-8].

    قال تعالى: وَاذْكُرْ أَخَا عَادٍ إِذْ أَنْذَرَ قَوْمَهُ بِالأَحْقَافِ وَقَدْ خَلَتِ النُّذُرُ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَمِنْ خَلْفِهِ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا اللَّهَ إِنِّي أَخَافُ عَلَيْكُمْ عَذَابَ يَوْمٍ عَظِيمٍ [الأحقاف:21] فكفروا برسول الله هود، وكفروا بما جاءهم به من الهدى، وكفروا بلقاء الله والوقوف بين يديه والحساب والجزاء، واستمروا على ذلك مع قوتهم فأهلكهم الله تعالى.

    إهلاك عاد بعد تمكينهم لتكذيبهم بآيات الله تعالى

    وبعد ذلك يقول تعالى هنا: وَلَقَدْ مَكَّنَّاهُمْ [الأحقاف:26] أي: مكنا قوم عاد في الأرض والبناء والعمران والقوة والسلطان، وَلَقَدْ مَكَّنَّاهُمْ فِيمَا إِنْ مَكَّنَّاكُمْ فِيهِ [الأحقاف:26] مكناهم في شيء ما مكناكم أنتم فيه ولا عرفتموه، أنتم ضعفاء وقوم عاد أقوياء جبابرة، مكناهم ما لم نمكن لكم، ومع هذا مسحنا وجودهم، فلم لا تخافون أنتم ولا تخشون الله ولا تخافون العقاب؟

    وَلَقَدْ مَكَّنَّاهُمْ فِيمَا إِنْ مَكَّنَّاكُمْ فِيهِ [الأحقاف:26] هذا أولاً، وَجَعَلْنَا لَهُمْ سَمْعًا وَأَبْصَارًا وَأَفْئِدَةً [الأحقاف:26]، لهم أسماع يسمعون بها، وأبصار يبصرون بها، وقلوب يعقلون بها، وما أغنت عنهم شيئاً وأهلكهم الله، لماذا؟ لإصرارهم على الكفر، وعنادهم على الباطل، كذبوا بدعوة هود وبرسالته وبما جاء به، كذبوا بلقاء الله، كذبوا بتوحيد الله، وأبوا إلا أن يعبدوا الأصنام والتماثيل، فهل أغنت عنهم أسماعهم وأبصارهم؟ لا شيء، لماذا؟

    إِذْ كَانُوا يَجْحَدُونَ بِآيَاتِ اللَّهِ [الأحقاف:26] هذا سبب هلاكهم: جحودهم وتكذيبهم، وإنكارهم لما جاء به نبي الله ورسوله هود، هذا الجحود هو الذي سبب دمارهم وهلاكهم، لو اعترفوا بتلك الآيات التي كان يبينها هود لهم ويشرحها لهم ويفصلها لهم من كلام الله عز وجل ما كانوا يهلكون، لكنهم -والعياذ بالله- جحدوا وكذبوا واستكبروا، إذاً: فَمَا أَغْنَى عَنْهُمْ سَمْعُهُمْ وَلا أَبْصَارُهُمْ وَلا أَفْئِدَتُهُمْ مِنْ شَيْءٍ [الأحقاف:26].

    وإلى الآن الكفار بأسماعهم وأبصارهم وأفئدتهم هل عرفوا الله؟ هل سألوا عنه؟ هل عبدوه؟ هل سألوا عما يحب وعما يكره ليفعلوا؟ ملايين من أمريكا إلى اليابان كفار عليهم لعائن الله وهم أهل النار، لهم أسماع وأبصار وعقول وقلوب، فلم ما يسألون؟ هل جاءنا كافر إلى المدينة وقال: أريد أن أسألكم عن الله فعرفوني به، ما الذي يحب أن نفعل، ما الذي يكره فنترك؟ هل هناك علامة تدل على وجوده، هل هناك كتاب أنزله؟ وهكذا، فهل فعلوا هذا؟ ما فعلوا.

    وهكذا يقول تعالى: وَلَقَدْ مَكَّنَّاهُمْ فِيمَا إِنْ مَكَّنَّاكُمْ فِيهِ [الأحقاف:26] أي: مكنا قوم عاد فيما لم نمكن لكم أنتم فيه، قويناهم أكثر منكم وجعلنا لهم أسماعاً وأبصاراً وأفئدة، ومع هذا فَمَا أَغْنَى عَنْهُمْ سَمْعُهُمْ وَلا أَبْصَارُهُمْ وَلا أَفْئِدَتُهُمْ مِنْ شَيْءٍ [الأحقاف:26] لماذا؟ إِذْ كَانُوا يَجْحَدُونَ بِآيَاتِ اللَّهِ [الأحقاف:26]، والجحود هو الكفر والإنكار والتكذيب، وآيات الله تتجلى في الكون كله، ارفع رأسك إلى السماء وهي أعظم آية، من أوجد هذه السماء؟ انظر إلى ثور من الثيران أو بعير من الأبعرة، فمن أوجد هذا البعير؟ انظر إلى عقرب، فمن ملأها بالسم وجعل سمها قاتلاً؟ انظر إلى كل شيء، كيف تنكرون وجود الله وتكذبون به، وتعبدون الأصنام والأحجار معه، وتدعون التقرب والتزلف إليه؟

    معنى قوله تعالى: (وحاق بهم ما كانوا به يستهزئون)

    قال تعالى: وَحَاقَ بِهِمْ مَا كَانُوا بِهِ يَسْتَهْزِئُون [الأحقاف:26] أحاط بهم الذي كانوا يستهزئون به ويسخرون، كانوا يقولون: هات العذاب، أين هذا العذاب؟ لا تهددنا بالباطل! فالعذاب أحاط بهم أو لا؟ والله! ما هي إلا ريح عاصفة دامت سبع ليال وثمانية أيام فما أبقت شيئاً على وجه أرضهم، اقتلعت النخيل والأشجار، ما نجا منهم إلا فئة آمنت وأسلمت وخرجت قبل نزول العذاب بهم.

    وَحَاقَ بِهِمْ مَا كَانُوا بِهِ يَسْتَهْزِئُون [الأحقاف:26] والاستهزاء ضرب من ضروب الكفر والعياذ بالله، يسخر ويستهزئ، يقول: ما هذا! ما الذي تقول؟ أين الله؟ أين العذاب؟ كيف كذا؟ هذا هو الاستهزاء والسخرية، ما آمنوا إيماناً حقيقياً ولا أقبلوا على الله يطلبون هداه، ولا أسلموا قلوبهم لله، فلا يذكرون إلا الله، هكذا استهوتهم الشياطين فأهلكتهم.

    وَحَاقَ بِهِمْ مَا كَانُوا بِهِ يَسْتَهْزِئُون [الأحقاف:26] ما الذي كانوا يستهزئون به؟ العذاب، حين يخوفهم هود ويهددهم بالعذاب، وكان الرسول صلى الله عليه وسلم يخوف المشركين فيستهزئون بالعذاب، يقولون: أين هذا العذاب؟

    1.   

    تفسير قوله تعالى: (ولقد أهلكنا ما حولكم من القرى وصرفنا الآيات لعلهم يرجعون)

    ثم قال تعالى وقوله الحق: وَلَقَدْ أَهْلَكْنَا مَا حَوْلَكُمْ مِنَ الْقُرَى [الأحقاف:27]، يا أهل مكة! أهلك الله ما حولكم من القرى، أهلك عاداً في الجنوب، أهلك ثمود في الشمال، أهلك قوم لوط في الغرب، أهلك فرعون في الغرب، وهكذا.

    وَلَقَدْ أَهْلَكْنَا مَا حَوْلَكُمْ مِنَ الْقُرَى [الأحقاف:27] أي: المدن والعواصم والحواضر؛ لأن لفظ القرية في القرآن يعني المدينة، وفي اصطلاح الجغرافيين هي المدينة الصغيرة.

    وَلَقَدْ أَهْلَكْنَا مَا حَوْلَكُمْ مِنَ الْقُرَى [الأحقاف:27] أما أهلك عاداً في الجنوب؟ أما أهلك ثمود في الشمال؟ أما أهلك مدين؟ أما أهلك قوم لوط؟ أما أهلك فرعون؟ كلهم يعرفون هلاكهم ودمارهم، ولا يشكون في هذا؛ لأن الأجيال ينقل بعضها لبعض ولا يكذبون، فلم الإصرار إذاً على الشرك، والإصرار على تكذيب رسول الله وعدم الإيمان به، وهذا الموقف الذي تقفونه ضده بأن تصفوه بالسحر والشعر وما إلى ذلك؟

    وَلَقَدْ أَهْلَكْنَا مَا حَوْلَكُمْ مِنَ الْقُرَى وَصَرَّفْنَا الآيَاتِ لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ [الأحقاف:27] تصريف الآيات: بيانها، توضيحها، ضرب الأمثال، لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ [الأحقاف:27] فهل رجعت عاد؟ هل رجعت ثمود؟ هل رجعت مدين؟ ما رجعوا، لماذا؟ لأن الله قضى بتدميرهم وإهلاكهم لإصرارهم على الكفر وعنادهم.

    وَلَقَدْ أَهْلَكْنَا مَا حَوْلَكُمْ مِنَ الْقُرَى وَصَرَّفْنَا الآيَاتِ لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ [الأحقاف:27] والحمد لله، فقد رجع من كفار قريش الكثير، رجع من كفار العرب كثير، ما هي إلا فترة من الزمن وما بقي بينهم كافر ولا ملحد ولا مشرك.

    1.   

    تفسير قوله تعالى: (فلولا نصرهم الذين اتخذوا من دون الله قرباناً آلهة ...)

    ثم قال تعالى: فَلَوْلا نَصَرَهُمُ الَّذِينَ اتَّخَذُوا مِنْ دُونِ اللَّهِ قُرْبَانًا آلِهَةً [الأحقاف:28] هلا نصرهم آلهتهم؟ ولما دمر الله عاداً كانت آلهتهم آلافاً أو لا؟ كل بيت فيه صنم يعبدونه، فهل نصرتهم؟ هل أنقذتهم من العذاب؟ الجواب: لا، وكذلك ثمود في مدائن صالح، وهي مدائن عجيبة وعظيمة، أمة راقية في الشمال، فهل أغنت عنهم آلهتهم التي كانوا يعبدونها شيئاً؟ والله! لا شيء، وهكذا مدين هل أغنت عنهم آلهتهم شيئاً؟ وهكذا كل الأمم التي أهلكها الله بكفرها وشركها ما أغنت عنهم آلهتهم من الله شيئاً، بل نزل بهم عذاب الله وسخطه عليهم، هذا في الدنيا، وفي الآخرة يخلدون في العذاب.

    هكذا يقول تعالى: فَلَوْلا نَصَرَهُمُ الَّذِينَ اتَّخَذُوا مِنْ دُونِ اللَّهِ قُرْبَانًا [الأحقاف:28] يتقربون بهم كآلهة، يدعون أنهم يتوسلون بهم إلى الله، يعبدون الأصنام والتماثيل بحجة أنهم يتقربون بها إلى الله، يتوسلون بها إلى الله ليغفر لهم أو يرحمهم أو يعزهم أو يعطيهم.

    وما كانوا يقولون بأن هذه الأصنام خالقة ورازقة وأنها الإله، وإنما يتقربون بها إلى الله، وقد أخبر تعالى بهذا في سورة الزمر، حيث قالوا: مَا نَعْبُدُهُمْ إِلَّا لِيُقَرِّبُونَا إِلَى اللَّهِ زُلْفَى [الزمر:3] فقط، فكيف تعبدون أصناماً وأحجاراً وتعتقدون أنها تقربكم إلى الله؟ كيف يتم هذا؟ صنم لا يسمع ولا يبصر الآن!

    وقد فعل هذا جهال أمتنا بعد القرون الذهبية الثلاثة، فعبدوا القبور والأشجار والأحجار وقالوا: نتوسل بها إلى الله، ما نعبدها لذاتها، نتوسل بها إلى الله عز وجل، والعلة شيئان:

    أولاً: إبليس الذي يزين الباطل والفساد لعباد الله ليهلكوا كما هلك.

    ثانياً: الجهل، ما عرفوا، لو اجتمعوا على كتاب الله وتدارسوه فهيهات هيهات أن يبقى بينهم من يحب غير الله أو يخاف غير الله، لكنه الجهل والعياذ بالله، نبرأ إلى الله من الجهل ومن الشيطان.

    فَلَوْلا نَصَرَهُمُ الَّذِينَ اتَّخَذُوا [الأحقاف:28] أي: اتخذوهم مِنْ دُونِ اللَّهِ قُرْبَانًا آلِهَةً [الأحقاف:28] يتقربون بهم إلى الله؟

    معنى قوله تعالى: (بل ضلوا عنهم وذلك أفكهم وما كانوا يفترون)

    والجواب: ما نصروهم، والله! ما نصروهم، هلكوا أمامهم، بَلْ ضَلُّوا عَنْهُمْ [الأحقاف:28] جهلوهم ولم يعترفوا لهم بوجود، وهم المشركون، ضلوا عن آلهتهم لما جاء العذاب وما عرفوها، وَذَلِكَ إِفْكُهُمْ وَمَا كَانُوا يَفْتَرُونَ [الأحقاف:28] وهذا هو كذبهم وافتراؤهم على الله عز وجل.

    معشر المستمعين! لا إله إلا الله، محمد رسول الله، والبعث الآخر حق، فلا نعبد إلا الله، لا نعبد بالخوف ولا بالرغبة والطمع ولا بالرهبة ولا بالفزع إلا الله، لا نعبد خائفين ولا طامعين ولا راجين كائناً من كان إلا الله.

    ثانياً: لا نعبد الله إلا بما أحب منا أن نعبده به، وذلك ما أنزل به كتابه وبعث به رسوله، فالشريعة والملة والعبادة كلها موجودة في قال الله ةقال رسوله صلى الله عليه وسلم، في الكتاب والسنة، والرسول الكريم يقول: ( تركت فيكم ما إن تمسكتم به لن تضلوا بعدي أبداً: كتاب الله وسنتي )، تركت فيكم أيها المسلمون ما إن تمسكتم به لن تضلوا أبداً، ما هو يا رسول الله؟ قال: ( كتاب الله وسنتي )، فالذين يقرءون كتاب الله وسنة الرسول صلى الله عليه وسلم لا يجهلون، وإذا لم يجهلوا عبدوا الله ووحدوه، ورهبوه وخافوه، وعاشوا حياتهم كلها لله.

    هكذا يقول تعالى: بَلْ ضَلُّوا عَنْهُمْ وَذَلِكَ [الأحقاف:28] ثمار ونتاج إِفْكُهُمْ وَمَا كَانُوا يَفْتَرُونَ [الأحقاف:28]، والإفك: الكذب -والعياذ بالله تعالى- والافتراء، يقول: قال الله والله ما قال، فعل الله والله ما فعل، أمرنا الله بكذا والله ما أمر، ويكذبون على الله عز وجل، قالوا: هذه الأصنام أمر الله بعبادتها فنتقرب بها إليه، وهكذا.

    والله تعالى أسأل أن يتوفنا مسلمين ويلحقنا بالصالحين.

    1.   

    قراءة في كتاب أيسر التفاسير

    هداية الآيات

    قال المؤلف غفر الله له ولكم ورحمه وإياكم والمؤمنين:

    [ هداية الآيات:

    من هداية الآيات:

    أولاً: بيان أن الإعراض عن دين الله والإصرار على الفسق عن أمر الله، والاستمرار على الخروج على طاعته إذا استوجب صاحبه العذاب ونزل به لم يغن عنه ذكاؤه ولا دهاؤه ولا علمه وحضارته ولا علوه وتطاوله ].

    الإعراض عن دين الله الذي هو الإسلام بحيث تضيع الصلاة وتمنع الزكوات وينتشر البلاء والشر والفساد ما نتيجته؟ والإصرار على الفسق والفجور والكذب والخيانة وتعطيل الأحكام الشرعية كما هو حال العالم الإسلامي اليوم، فيوم أن ينزل الله عذابه بهذه البشرية ما يغني عنها أبداً لا علم ولا ذكاء ولا قوة أبداً، مستحيل أن يغني عنها شيء، فهل أغنى شيء عن عاد وثمود؟

    [ ثانياً: بيان أن الآيات والحجج وضرب الأمثال وسوق العبر والعظات لا تنفع في هداية العبد إذا لم يرد الله هدايته ].

    فالعظات والعبر والتوجيهات والخطب إذا لم يرد الله هداية العبد لا يهتدي بها مهما وعظته وذكرته، لكن لا ننسى أنه لا بد من التذكير والوعظ والبيان والإرشاد، فمن كان ذا رغبة في هدايته وصلاحه وأن يكون ولي الله ومن المتقين لله فيستجيب للواعظ وللمذكر وللداعي، ومن كان الله قد أعرض عنه فهو يعرض وما يستجيب، والدليل: هل نفع عاداً عظة هود كذا سنة؟ ما نفعتهم؛ لأنهم ما أرادوا الهداية، وصالح عليه السلام كم قرناً عاش مع ثمود؟ هل نفعهم ذلك؟ لم؟ لأنهم ما يريدون الهداية، وهكذا.

    إذا لم ترد الهداية وتقرع باب الله فلن تحصل عليها، تسمع من هنا وتلقي هذا من هنا، فلا بد من الرغبة الصادقة في هداية الله، وذلك بالدعاء في الليل والنهار: اللهم اهدنا فيمن هديت.. اللهم اهدنا فيمن هديت، وعافنا فيمن عافيت، وتولنا فيمن توليت، وبارك لنا فيما أعطيت، إنك تقضي ولا يقضى عليك.

    [ ثالثاً: بيان غياب الشركاء من الأنداد التي كانت تعبد عن عابديها فضلاً عن نصرتها لهم، وذلك الخذلان هو جزاء كذبهم وافترائهم في الحياة الدنيا ].

    من كانوا يعبدون غير الله فإن جميع من عبدوه يوم القيامة يتبرأ منهم، سواء عبدوا عبداً صالحاً أو ملكاً من الملائكة أو نبياً من الأنبياء أو شجرة أو حجرة، أولئك يتبرءون منهم ولا يعترفون لهم بعبادتهم خوفاً من الله تعالى وهروباً من عذابه، إذاً: فلن تنفعهم هذه الكلمات الطائشة أنهم ينفعونهم يوم القيامة ويتوسلون بهم إلى الله.

    وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.

    مكتبتك الصوتية

    أو الدخول بحساب

    البث المباشر

    المزيد

    من الفعاليات والمحاضرات الأرشيفية من خدمة البث المباشر

    عدد مرات الاستماع

    3086718663

    عدد مرات الحفظ

    756188347