إسلام ويب

تفسير سورة الروم (1)للشيخ : أبوبكر الجزائري

  •  التفريغ النصي الكامل
  • من مظاهر إعجاز القرآن الكريم ما ورد فيه من إخبار بالغيبيات، ومنها الإخبار بانتصار الروم النصارى -وهو ما كان يودّه المسلمون- على الفرس المجوس، وقد حدد القرآن (بضع سنين) لتحقق هذا الخبر، فكان أن وقع الانتصار، ففرح المؤمنون يومها فرحتين: فرحة انتصار أهل الكتاب على الوثنيين، وفرحة انتصارهم يوم بدر على المشركين.

    1.   

    تفسير قوله تعالى: (الم )

    الحمد لله نحمده تعالى ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، أرسله بالحق بشيراً ونذيراً بين يدي الساعة، من يطع الله ورسوله فقد رشد، ومن يعص الله ورسوله فلا يضر إلا نفسه ولا يضر الله شيئاً.

    أما بعد: فها نحن اليوم مع فاتحة سورة الروم المكية، ذات الستين آية، فهيا بنا نصغي مستمعين إلى تلاوة هذه الآيات من فاتحة هذه السورة ثم نتدارسها، والله تعالى نسأل أن ينفعنا بما ندرس ونسمع.

    الم * غُلِبَتِ الرُّومُ * فِي أَدْنَى الأَرْضِ وَهُمْ مِنْ بَعْدِ غَلَبِهِمْ سَيَغْلِبُونَ * فِي بِضْعِ سِنِينَ لِلَّهِ الأَمْرُ مِنْ قَبْلُ وَمِنْ بَعْدُ وَيَوْمَئِذٍ يَفْرَحُ الْمُؤْمِنُونَ * بِنَصْرِ اللَّهِ يَنصُرُ مَنْ يَشَاءُ وَهُوَ الْعَزِيزُ الرَّحِيمُ * وَعْدَ اللَّهِ لا يُخْلِفُ اللَّهُ وَعْدَهُ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لا يَعْلَمُونَ * يَعْلَمُونَ ظَاهِرًا مِنَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَهُمْ عَنِ الآخِرَةِ هُمْ غَافِلُونَ [الروم:1-7].

    المراد بالحروف المقطعة في فواتح السور

    معاشر المستمعين والمستمعات من المؤمنين والمؤمنات: قول ربنا جل ذكره: الم [الروم:1] هذه الحروف افتتح بها العديد من سور القرآن الكريم.

    وإن سألت عن معناها أهل العلم فالجواب: الله أعلم بمراده بهذه الحروف.

    وهي كما علمنا:

    ق [ق:1]، ن [القلم:1]، ص [ص:1].. من حرف واحد.

    يس [يس:1]، طه [طه:1]، من حرفين.

    طسم [الشعراء:1] من ثلاثة أحرف.

    كهيعص [مريم:1] من خمسة أحرف.

    فإذا سئلت عن معناها فقل: الله أعلم بمراده منها. وهذا الذي كان عليه سلف الأمة الصالح.

    فوائد وأسرار الحروف المقطعة في فواتح السور

    هناك لطيفتان كررنا القول فيهما وأعدناهما في كل سورة مفتتحة بهذه الحروف:

    الفائدة الأولى أو اللطيفة الأولى: أن العرب كذبوا بأن يكون القرآن كلام الله، وقالوا في الرسول صلى الله عليه وسلم: إنه شاعر. وقالوا: ساحر. وقالوا.. وقالوا .. وأبوا أن يؤمنوا بأن هذا القرآن كلام الله أوحاه إلى رسوله وأنزله عليه؛ حتى لا يدخلوا في الإسلام.

    فتحداهم الله عز وجل بالإتيان بمثل هذا القرآن الكريم، تحداهم ومعهم الجن أيضاً؛ إذ قال تعالى: قُلْ لَئِنِ اجْتَمَعَتِ الإِنسُ وَالْجِنُّ عَلَى أَنْ يَأْتُوا بِمِثْلِ هَذَا الْقُرْآنِ لا يَأْتُونَ بِمِثْلِهِ وَلَوْ كَانَ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ ظَهِيرًا [الإسراء:88].

    هذا القرآن مركب من هذه الحروف: (طسم)، (الم)، فاجتمعوا أنتم وتعاونوا، واستعينوا بالجن، وأتوا بقرآن مثل هذا القرآن. فعجزوا.

    فتحداهم بعشر سور، كما جاء في سورة هود فَأْتُوا بِعَشْرِ سُوَرٍ مِثْلِهِ [هود:13] فعجزوا أن يأتوا بعشر سور، والقرآن فيه مائة وأربعة عشر سورة.

    وتحداهم أخيراً في المدينة بسورة كما في سورة البقرة: وَإِنْ كُنتُمْ فِي رَيْبٍ مِمَّا نَزَّلْنَا عَلَى عَبْدِنَا فَأْتُوا بِسُورَةٍ مِنْ مِثْلِهِ وَادْعُوا شُهَدَاءَكُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ إِنْ كُنتُمْ صَادِقِينَ * فَإِنْ لَمْ تَفْعَلُوا وَلَنْ تَفْعَلُوا [البقرة:23-24] إذاً فَاتَّقُوا النَّارَ الَّتِي وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ أُعِدَّتْ لِلْكَافِرِينَ [البقرة:24].

    فهذا القرآن الذي تحداهم مركب من هذه الحروف، وليست حروفاً أعجمية لا يعرفونها، ولا ينطقون بها، بل هذه الحروف: (ص) (حم) (عسق) .. .

    الفائدة الثانية واللطيفة الثانية: لما أخذ القرآن ينتشر، وخاف المشركون أن يصل إلى قلوب الناس صدر أمر حكومي.. أصدره حاكم مكة أبو سفيان بمنع المواطنين من سماع هذا القرآن الذي يقوله محمد صلى الله عليه وسلم وأصحابه.

    ممنوع على المواطنين أن يسمعوا هذا الكلام، وأن من ضبط وهو يسمع للرسول أو لـأبي بكر أو بلال يؤدب.

    لماذا صدر أمر بالمنع؟

    لأن العرب لم تعرف مثل هذا القرآن أبداً، فإذا سمعوا القارئ يقرأ: (طسم) لا بد وأن يصغي؛ لأنه لم يسمع هذا الصوت من قبل، فإذا أصغى ومد أذنيه تغلغل نور القرآن إلى قلبه، فيقول: آمنت بأن محمداً رسول الله.

    إذاً: فاحتاطوا لذلك، فمنعوا سماع القرآن، فكان القرآن ينزل بهذه الحروف، فيجدون أنفسهم مضطرين إلى سماعها، واقرءوا قول الله تعالى: وَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لا تَسْمَعُوا لِهَذَا الْقُرْآنِ وَالْغَوْا فِيهِ لَعَلَّكُمْ تَغْلِبُونَ [فصلت:26] أولاً: لا تسمعوا. ثانياً: إذا اضطررتم إلى السماع والقارئ يقرأ كـأبي بكر أو عمر أو فلان فصيحوا أنتم بالباطل واللغو؛ حتى لا يستفيد السامعون ولا يصل إلى قلوبهم: وَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لا تَسْمَعُوا لِهَذَا الْقُرْآنِ وَالْغَوْا فِيهِ لَعَلَّكُمْ تَغْلِبُونَ [فصلت:26].

    ومن اللطائف التي فتح الله بها علينا جميعاً: أن خصوم الإسلام وأعداءه عرفوا أن هذا القرآن روح، وأنه لا حياة بدونه، وأن هذه الأمة حييت بهذا القرآن، فأصدروا أمرهم بمنع تفسير القرآن حتى لا يجتمع اثنان أو ثلاثة على آية يتدارسونها.

    وماذا يفعلون بالقرآن؟ قالوا: يقرءونه على الموتى، ويقرءونه على الموتى لا في المقبرة فقط بل في بيوت الميتين.

    أليس كذلك؟ بلى. من إندونيسيا إلى موريتانيا، إذا مررت وسمعت القرآن في بيت علمت أن هناك ميتاً.

    فهل عرفتم هذه المكائد التي يكيدها اليهود، والنصارى، والمشركون؟!

    1.   

    تفسير قوله تعالى: (غلبت الروم * في أدنى الأرض وهم من بعد غلبهم سيغلبون)

    ثم قال ربنا جل ذكره: غُلِبَتِ الرُّومُ [الروم:2].

    الروم: هم النصارى .. سكان الشام وأوروبا وما وراء ذلك. وكلمة (روم): اسم علم على جدهم، فقيل فيهم: الروم.

    ومن غلب الروم والله يخبر أنها غلبت؟

    الجواب: غلبها المجوس.. الفرس.. عبدة الشمس والأوثان، ولا كتاب لهم ولا صحيفة.

    وقوله تعالى: فِي أَدْنَى الأَرْضِ [الروم:3] أدنى الأرض بالنسبة إلى أرض فارس، أو بالنسبة إلى أرض الروم، وهي جزيرة نحو العراق. وهذا خبر إلهي: فِي أَدْنَى الأَرْضِ [الروم:3] أي: أقربها، إما إلى بلاد الروم أو إلى بلاد فارس.

    وَهُمْ مِنْ بَعْدِ غَلَبِهِمْ سَيَغْلِبُونَ [الروم:3] هذه آيات النبوة .. علامة على أن محمداً رسول الله صلى الله عليه وسلم، وعلامة أن هذا القرآن كلام الله؛ إذ هذا إخبار بالغيب، والعرب في مكة يتحسسون ويتطلعون الأخبار لما بلغهم أن حرباً اندلعت بين فارس والروم، وهم يودون أن ينتصر الفرس على الروم؛ لأنهم إخوانهم في الوثنية والشرك، والروم أعداؤهم؛ لأنهم أهل كتاب كالمسلمين.

    وهذه اللطيفة كررنا القول فيها، الآن وقبل الآن، وإلى آخر أيام الدنيا: من أرحم بالمؤمنين؟

    الجواب: اليهود والنصارى بالنسبة إلى باقي الشعوب والأمم أقرب إلى المؤمنين وأرحم؛ لأننا وإياهم أهل كتاب نرتبط معهم بالإيمان بالله، واليوم الآخر، والكتاب، وأما أولئك الأقوام فلا يؤمنون بالله، ولا يعرفون الله.. وهم شر الخلق.

    وقد قلت لكم: لما عرف اليهود رحمة النصارى بالمؤمنين متجلية في المستعمرات.. ماذا يصنعون؟

    حاولوا أن يقلبوا قلوب النصارى عن الإيمان بالله ولقائه، فابتدعوا بدعة الشيوعية، ووضعوا ذلك النظام الشيوعي، وصرفوا ملايين النصارى عن الإسلام.

    هؤلاء الصرب -لعنة الله عليهم- كانوا نصارى فحولهم اليهود إلى الشيوعية، فأصبحوا يذبحون، ويشركون، ولا يبالون.

    والشاهد عندنا: أن في الآية خبراً عظيماً، وهو قول الله تعالى: غُلِبَتِ الرُّومُ [الروم:2]، فأخبر تعالى أن الروم قد غلبت، وليفرح المشركون إن شاءوا، ولكن مِنْ بَعْدِ غَلَبِهِمْ سَيَغْلِبُونَ [الروم:3] وليحزن المشركون، وليفرح المؤمنون.

    وتم الرهان بين أبي بكر وأحد المشركين، أبو بكر يقول: إذا غُلبت الروم نعطيكم كذا من الإبل، وإذا غلبت فارس تعطونا كذا من الإبل، وأبو بكر موقن أن الفرس سينهزمون، وأن الروم سيغلبون؛ للآية الكريمة، وهذا كان أيام جواز الرهان وقبل حرمته؛ إذ ما نزل تشريع إلهي في مكة، ولما دخل الرسول صلى الله عليه وسلم المدينة حرم الرهان من هذا النوع ومن غيره.

    1.   

    تفسير قوله تعالى: (في بضع سنين لله الأمر من قبل ومن بعد ويومئذ يفرح المؤمنون...)

    ثم قال تعالى: فِي بِضْعِ سِنِينَ لِلَّهِ الأَمْرُ مِنْ قَبْلُ وَمِنْ بَعْدُ وَيَوْمَئِذٍ يَفْرَحُ الْمُؤْمِنُونَ * بِنَصْرِ اللَّهِ يَنصُرُ مَنْ يَشَاءُ وَهُوَ الْعَزِيزُ الرَّحِيمُ [الروم:4-5].

    قوله: فِي بِضْعِ سِنِينَ [الروم:4]. البضع: من الثلاثة إلى التسعة. أي: من ثلاث سنين إلى تسع سنين.

    وشاء الله أن يهاجر رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى المدينة، وبعض المؤمنين قبله، ومنهم معه، وتقع موقعة بدر، ويوم بدر انهزم المشركون، وانهزم المجوس، فتمت الفرحة للمؤمنين من جهتين، ولم تكتمل تسع سنين حتى انهزم الفرس أمام الروم، وانهزم المشركون أمام المسلمين في يوم واحد؛ إذ قال تعالى: وَيَوْمَئِذٍ يَفْرَحُ الْمُؤْمِنُونَ * بِنَصْرِ اللَّهِ [الروم:4-5] أي: بنصر الله للروم؛ لأنهم كانوا يفرحون بنصرتهم، وبنصرهم على أعدائهم المشركين في بدر.

    والخبر تم بالحرف الواحد كما هو: الم * غُلِبَتِ الرُّومُ * فِي أَدْنَى الأَرْضِ وَهُمْ مِنْ بَعْدِ غَلَبِهِمْ سَيَغْلِبُونَ [الروم:1-3] أي: فارساً فِي بِضْعِ سِنِينَ [الروم:4] تتم لِلَّهِ الأَمْرُ مِنْ قَبْلُ وَمِنْ بَعْدُ [الروم:4]، إذ هو مدبر الكون، هو الذي يعز ويذل، هو الذي ينصر ويهزم، هو الذي يعطي ويمنع، وكل ذلك قائم على تعاليم ربانية، وحكمة إلهية، وعلم إلهي، ليس فيه عز، ولا نصر، ولا عطاء بلا حكمة، وبلا تدبير الله عز وجل.

    لله الأمر من قبل النصرة ومن بعدها، فهو الذي ينصر، وهو الذي يهزم، ولكن ينصر ويهزم بأسباب وسنن.

    هذا من سنن الله عز وجل، لا يأتي النصر والهزيمة عفواً، بل لا بد من أسباب وضعت لذلك، ولله وحده لا شريك له الأمر من قبل النصر ومن بعد.

    وَيَوْمَئِذٍ يَفْرَحُ الْمُؤْمِنُونَ [الروم:4] في المدينة، وفي مكة، يفرحون بِنَصْرِ اللَّهِ [الروم:5]، سواء نصر الروم على فارس أو نصر المسلمين على الكفار والمشركين، فالكل فرح به المؤمنون، واستبشروا خيراً.

    والآن لو اندلعت حرب بين أمريكا وروسيا فسندعو الله أن ينصر أمريكا على روسيا لعلمنا، وأما الجهلة والضلال فلا يعرفون شيئاً.

    أهل كتاب أحسن من المشركين والبلاشفة الحمر الذين لا عقول لهم، ولا دين، ولا مروءة، وجربنا هذا، واستعمرتنا بريطانيا، فرنسا، إيطاليا.. فهل نكلوا بنا، وعذبونا، وفعلوا الأباطيل؟ لم يفعلوا .. في أثناء الحرب هذا يقع، لكن بعد نهاية الحرب لم يفعلوا الباطل والمنكر بمؤمن أبداً.

    لكن لما حكم الشيوعيون ماذا فعلوا؟ دمروا، وذبحوا، وسلخوا.. وهذا كلام الله ما هو كلام البشر: غُلِبَتِ الرُّومُ * فِي أَدْنَى الأَرْضِ وَهُمْ مِنْ بَعْدِ غَلَبِهِمْ سَيَغْلِبُونَ * فِي بِضْعِ سِنِينَ لِلَّهِ الأَمْرُ مِنْ قَبْلُ وَمِنْ بَعْدُ وَيَوْمَئِذٍ يَفْرَحُ الْمُؤْمِنُونَ * بِنَصْرِ اللَّهِ [الروم:2-5] للروم على المجوس، وبنصر الله للمسلمين على المشركين، الكل فرحوا به.

    ثم قال تعالى: يَنصُرُ مَنْ يَشَاءُ [الروم:5]. من هم الذين يشاء الله نصرهم؟ عرب؟ عجم؟ بيض؟ سود؟ أغنياء؟ فقراء؟

    الجواب: من سلكوا مسلك هدايته، وشرعه، وبيان هداه هم الذين ينصرهم، والذين ينحرفون، وينعزلون، ويعدلون عن الحق وسلوكه هم الذين ينهزمون اليوم، وقبل اليوم.

    وَهُوَ الْعَزِيزُ [الروم:5] أي: الغالب الذي لا يقهر، ولا يغالب.

    الرَّحِيمُ [الروم:5] أي: بعباده: كافرهم ومؤمنهم، شقيهم وسعيدهم، ورحمته نالها كل مخلوق في الأرض، فسبحانه لا إله إلا هو!

    هذا الذي يجب أن يعبد لا الأصنام والأحجار، ولا الأهواء والشهوات.

    1.   

    تفسير قوله تعالى: (وعد الله لا يخلف الله وعده ولكن أكثر الناس لا يعلمون)

    ثم قال تعالى: وَعْدَ اللَّهِ [الروم:6] الذي سمعتم وعده، وتم -والله- كما وعد، ما هي إلا سنيات حتى انتصر الروم على المجوس، وانتصر المسلمون على المشركين. هذا وعد الله.

    وَعْدَ اللَّهِ لا يُخْلِفُ اللَّهُ وَعْدَهُ [الروم:6]. لم لا يخلف وعده؟ لأنه عليم حكيم، قوي قدير، ليس بعاجز يعجز، ولا جاهل، ولا يجهل، ولكن ذو علم وحكمة ورحمة، فلهذا ينفذ وعده كما وعد.

    وَعْدَ اللَّهِ لا يُخْلِفُ اللَّهُ وَعْدَهُ [الروم:6]. هل وعد المؤمنين وأنجز لهم ما وعدهم؟ إي نعم، اقرءوا آية النور: وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ [النور:55] بم؟ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُم فِي الأَرْضِ كَمَا اسْتَخْلَفَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ وَلَيُمَكِّنَنَّ لَهُمْ دِينَهُمُ الَّذِي ارْتَضَى لَهُمْ وَلَيُبَدِّلَنَّهُمْ مِنْ بَعْدِ خَوْفِهِمْ أَمْنًا [النور:55]، تم والله بالحرف الواحد، تم أمن، تمشي من صنعاء إلى حضرموت لا تخاف إلا الله أو الذئب على غنمك، فما رأت الدنيا أمناً تم كما رأته على أهل أصحاب رسول لله وأتباعهم وأحفادهم.

    وأنجز الله وعده، وهذا الوعد مشروط بشرطين: وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ [النور:55]، وإلى الآن والله الذي لا إله غيره إن وعد الله كما هو، فأيما إقليم من أقاليم المسلمين.. أيما قطر من أقطارهم.. أيما بلد من بلادهم يقيم أهله الصلاة، ويعبدون الله، ويستقيمون إلا نصرهم، وأنجز وعده لهم.

    وعرف الثالوث هذا، فلهذا لا يسمحون للمؤمنين أن يرجعوا إلى دين الله، فيفعلون الأعاجيب؛ حتى يصرفوهم عن العودة إلى الإسلام الصحيح.

    والآن جاءني أحد الصالحين بكلمة كتبها وهو في الجند .. من خيرة جند الإسلام يندد بجريدة المدينة التي الآن تطالب كما طالبت من زمان بفتح مدارس للبنات .. تطالب الآن بالإذن للنساء السعوديات بأن يسقن السيارات.

    ماذا نقول؟ نقول: هذا ميت ليس عنده ضمير، أعمى أصم .. ندعو الله أن يهلكه.

    ها هي هذه البقية يريدون أن يمسخوها، فإذا أزيل الحجاب من المملكة ماذا بقي؟ أين آيات الله؟ وهي والله لخطوة أولى، إذا أخذت النساء الرخص وسقن كشفن عن وجوههن، وانتهى الحجاب.

    هذه أهداف جريدة المدينة، أعوذ بالله من أهلها، من يوم ما عرفناها من خمسين سنة وهي تدعو إلى الباطل.

    أتمدون أعناقكم وتستسلمون؟

    قولوا: والله لن تخرج امرأتي، ولا ابنتي، ولن تكشف عن وجهها، لو قامت الدنيا وقعدت!

    لا تمدوا أعناقكم! أيئسوهم وأقنطوهم: لن ينتهي الحجاب في ديارنا!

    المرأة المسلمة ملكة في بيتها، فهل نجعلها سائقة تسوق السيارات؟!

    هل كانت المسلمة تركب الخيول وتقودها مع الرسول صلى الله عليه وسلم؟ لا.

    إذاً: المرأة بحجابها، وحسبها أن تقوم بنصف الحياة من تربية الأولاد وإنشائهم، وإصلاح شأن الزوج وإقامته بها في خير.

    كيف نحولها إلى أن تسوق السيارات؟

    ومع هذا صدر أمر خادم الحرمين أطال الله عمره وأبقاه بمنع هذا، لكن لم يسكتوا، وقد صدر الأمر بمنع هذه القضية، وهم يعملون كالشياطين، لعنة الله عليهم، وأصابع الماسونية هي التي تحرك قلوب الموتى، وتدفعها إلى مثل هذا.

    إذاً: وَعْدَ اللَّهِ لا يُخْلِفُ اللَّهُ وَعْدَهُ [الروم:6] أبداً لقوته، وقدرته، وعلمه، وحكمته.

    من يخلف الوعد؟ العاجز والجاهل الذي لا يعرف يعد فيخلف، أما العليم، الحكيم، القوي، القدير فكيف يخلف وعده؟! لم يخلف أبداً، وقد بينا أن الله وعد المسلمين، وأنجز لهم ما وعدهم، وقلنا: والله إلى الآن لو أن المسلمين تجتمع كلمتهم تحت راية لا إله إلا الله، ويبايعون إماماً لهم، والله لنصرهم على العالم بأسره.

    ثم قال تعالى: وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لا يَعْلَمُونَ [الروم:6]، جهال لم يعرفوا الله، ولا أسماءه، ولا صفاته، ولا جلاله، ولا كماله، ولا علمه، ولا حكمته، ولا.. ولا...

    كيف يقولون؟ يقولون الباطل، ويهرفون بالباطل، ليس عندهم علم، ولو علموا أن الله قوي، قدير، رءوف، رحيم، يعز من يشاء، ويذل من يشاء، ما كفروا به، ولا خرجوا عن طاعته، ولا استجابوا للشيطان ومشوا وراءه، ولكن ما عرفوا، فالجهل هو العلة.

    1.   

    تفسير قوله تعالى: (يعلمون ظاهراً من الحياة الدنيا وهم عن الآخرة هم غافلون)

    قال تعالى: يَعْلَمُونَ ظَاهِرًا مِنَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا [الروم:7]، أي: يعلمون كيف التجارة.. كيف الصناعة.. كيف الفلاحة.. هذه همومهم. يعرفون هذا فقط، ووراء ذلك لا يعرفون شيئاً، لا يعرفون عن الملكوت الأعلى ولا عن الدار الآخرة، ولا يعرفون عن ربهم، ولا عن رسله، ولا كتبه، ولا علمه، ولا شرعه أبداً، لا يعرفون إلا كيف يطبخون، ويأكلون، ويصنعون، ويلبسون.

    وَهُمْ عَنِ الآخِرَةِ هُمْ غَافِلُونَ [الروم:7] هذا الخبر كما هو، والله إنهم عن الآخرة لغافلون.

    لطيفة: قال الحسن : بلغ -والله- من علم أحدهم بالدنيا أنه ينقد الدرهم فيخبرك بوزنه، ولا يحسن أن يصلي.

    وفي هذا قال بعضهم:

    ومن البلية أن ترى لك صاحباً في صورة الرجل السميع المبصر

    فطن بكل مصيبة في ماله وإذا أصيب بدينه لم يشعر

    بصير بكل مصيبة يعرفها في دنياه، أما في الدين فلا يبالي.

    إذاً: وَهُمْ عَنِ الآخِرَةِ هُمْ غَافِلُونَ [الروم:7] فهيا نفق، وننهِ هذه الغفلة، ونعمل ليل نهار على أن ننجو ونسعد، ننجو من عذاب الله، من النار، ونسعد بالجنة، فما هي إلا أيام فقط وننتقل إلى البقيع .. لم نغفل عن آخرتنا، ونصبح كهذا المثل.

    والله تعالى أسأل أن يشرح صدورنا، وينور قلوبنا، ويفتح علينا باب الرحمة، ويدخلنا مع الصالحين.

    1.   

    قراءة في كتاب أيسر التفاسير

    هداية الآيات

    قال: [ هداية الآيات : من هداية هذه الآيات:

    أولاً: تقرير صحة الإسلام وأنه الدين الحق وبصدق ما يخبر به كتابه من الغيوب ]. تقرير أن الإسلام دين الله الحق، ولا دين بعده إلا باطل.

    كيف قرر هذا؟ حادثة حدثت، قتال وقع في الشمال، والرسول في مكة، والقرآن ينزل، فتأثر المواطنون المؤمنون، قالوا: آه لو ينتصر الروم المسيحيون على المجوس عبدة النار.

    والمشركون قالوا: لو تنتصر المجوسية، و.. و.. فأخبر الله تعالى بالواقع قبل أن يقع: غُلِبَتِ الرُّومُ [الروم:2] أخبرهم وَهُمْ مِنْ بَعْدِ غَلَبِهِمْ سَيَغْلِبُونَ * فِي بِضْعِ سِنِينَ [الروم:3-4]، وتم ذلك كما أخبر.

    أليس هذا أقوى دليل على أن القرآن كلام الله، وعلى أن محمداً رسول الله، وعلى أن الله لا إله غيره، ولا رب سواه؟ بلى.

    [ ثانياً: بيان أن أهل الكتاب من يهود ونصارى أقرب إلى المسلمين من المشركين والملاحدة من بلاشفة الشيوعيين الذين لا يؤمنون بالله واليوم الآخر ].

    كما علمتم وكما بين الله ورسوله: أن اليهود والنصارى أقرب إلى المسلمين من المجوس، والمشركين، وعبدة الأصنام والأحجار.

    هؤلاء في مكة أبو بكر تحمس وراهن أبا جهل على هذه القضية.

    لماذا يرغبون أن ينتصر الروم؟ لأنهم أهل كتاب يؤمنون بالله والدار الآخرة، وأما المجوس فيعبدون الأوثان والنار، ولا يؤمنون بالله، ولا كتاب عندهم.

    [ ثالثاً: بيان أن أكثر الناس لا يعلمون ما يسعدهم في الآخرة ].

    لطيفة: الكوسوفيون من يقتلهم ويذبحهم؟ أليس الشيوعيون؟ بلى.

    من انتصر للمسلمين؟ أليس النصارى في أوروبا وأمريكا؟! بلى.

    لم روسيا لا تؤيدهم؟ والله لولا الخوف لأيدتهم ونصرتهم، روسيا منهزمة، مكسورة وإلا كانت تقف إلى جنب الصرب، لكنها الآن مذبذبة. لماذا؟ لفساد قلوبهم، فلا يؤمنون بالله، ولا بلقائه.

    قال: [ ثالثاً: بيان أن أكثر الناس لا يعلمون ما يسعدهم في الآخرة، ويكملهم من العقائد الصحيحة والشرائع الحكيمة الرحيمة التي لا يكمل الإنسان ولا يسعد إلا عليها، ويعلمون ظاهراً من الحياة الدنيا كتدبير المعاش من زراعة وصناعة وتجارة، أما عن سر الحياة الدنيا، ولماذا كانت، فهم لا يعلمون شيئاً كما هم عن الحياة الآخرة غافلون بالمرة، فلا يبحثون عما يسعد فيها، ولا عما يشقي، والعياذ بالله تعالى من الغفلة عن دار البقاء في السعادة أو الشقاء ].

    هذا الحق! أكثر الناس بيض وسود، عرب وعجم غافلون عن الآخرة، لا يسألون عنها، ولا يفكرون فيها أبداً، مع أنهم ميتون، ومنتقلون إلى الدار الآخرة، أحبوا أم كرهوا، لكنهم لا يسألون: لم خلقنا؟ وما سر حياتنا؟ ماذا كان قبل هذا؟ لماذا نكون؟

    ليس هناك أسئلة إلا على البطاطس، والحوت، والأكل، والشرب، والعياذ بالله.

    وصلى الله على نبينا محمد وآله وصحبه أجمعين.

    مكتبتك الصوتية

    أو الدخول بحساب

    البث المباشر

    المزيد

    من الفعاليات والمحاضرات الأرشيفية من خدمة البث المباشر

    عدد مرات الاستماع

    3086718659

    عدد مرات الحفظ

    755813574