إسلام ويب

تفسير سورة يوسف (1)للشيخ : أبوبكر الجزائري

  •  التفريغ النصي الكامل
  • اشتملت سورة يوسف على أطول القصص القرآني، حيث سئل النبي صلى الله عليه وسلم أن يقص على أصحابه قصصاً مثل قصص بني إسرائيل، فكان نزول هذه السورة، والتي أخبر الله عز وجل أنه يقص على نبيه أصح القصص وأصدقه وأنفعه وأجمله، ويذكر نبيه صلى الله عليه وسلم ممتناً عليه بإنزال هذا القرآن الذي لم يكن يعلم شيئاً مما فيه من قبل.

    1.   

    بين يدي سورة يوسف

    الحمد لله، نحمده تعالى ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، أرسله بالحق بشيراً ونذيراً بين يدي الساعة، من يطع الله ورسوله فقد رشد، ومن يعص الله ورسوله فلا يضر إلا نفسه ولا يضر الله شيئاً.

    أما بعد:

    فإن أصدق الحديث كتاب الله تعالى، وخير الهدي هدي سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم، وشر الأمور محدثاتها وكل محدثة بدعة، وكل بدعة ضلالة.

    أيها الأبناء والإخوة المستمعون، ويا أيتها المؤمنات المستمعات! إننا على سالف عهدنا في مثل هذه الليلة ندرس كتاب الله عز وجل؛ رجاء أن نفوز بذلكم الموعود على لسان سيد كل مولود، إذ قال صلى الله عليه وسلم: ( ما اجتمع قوم في بيت من بيوت الله يتلون كتاب الله ويتدارسونه بينهم إلا نزلت عليهم السكينة، وغشيتهم الرحمة، وحفتهم الملائكة، وذكرهم الله فيمن عنده ).

    وها نحن الآن مع فاتحة سورة يوسف عليه السلام، فهيا بنا لنصغي إلى تلاوة هذه الآيات الثلاث مجودة مرتلة ثم نتدارسها، والله نسأل أن يفتح علينا وأن ينفعنا بما يعلمنا.

    أعوذ بالله من الشيطان الرجيم.

    بسم الله الرحمن الرحيم: الر تِلْكَ آيَاتُ الْكِتَابِ الْمُبِينِ * إِنَّا أَنزَلْنَاهُ قُرْآنًا عَرَبِيًّا لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ * نَحْنُ نَقُصُّ عَلَيْكَ أَحْسَنَ الْقَصَصِ بِمَا أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ هَذَا الْقُرْآنَ وَإِنْ كُنتَ مِنْ قَبْلِهِ لَمِنَ الْغَافِلِينَ [يوسف:1-3].

    تسمية السورة ومكان نزولها

    معاشر المستمعين والمستمعات من المؤمنين والمؤمنات! هذه السورة تسمى بسورة (يوسف)، وهو الكريم ابن الكريم ابن الكريم يوسف بن يعقوب بن إسحاق بن إبراهيم، والرسول الكريم محمد صلى الله عليه وسلم هو الذي قال فيه: ( يوسف الكريم ابن الكريم ابن الكريم ابن الكريم ) فهم كرماء.

    والسورة تحمل قصصاً من أعجب القصص، وهي بهذا متممة لسورة هود ذات القصص المتعدد؛ إذ اشتملت سورة هود على خمس قصص، وهذه القصة السادسة، فالارتباط بين السورتين هو القصص.

    والسورة مكية كالتي سبقتها، والذي عرفنا -والحمد لله-: أن السور المكية يعالجن العقيدة لإيجادها وتصحيحها وتقويتها؛ إذ العقيدة -كما علمتم- بمنزلة الروح، فذو العقيدة الصحيحة السليمة حي يسمع ويبصر، يعطي ويأخذ، وفاقدها ميت لا يسمع ولا يبصر ولا يعطي ولا يأخذ، وإن شئتم حلفت لكم بالله.

    وآيات هذه السورة: مائة وإحدى عشر آية.

    والسورة اشتملت على علوم ومعارف في السياسة والمال والاقتصاد والآداب والأخلاق والرؤى وقل ما شئت، وأولها محرق وآخرها مشرق، والله نسأل أن ينفعنا بدراستها وفهمها والانتفاع بها.

    تفويض معاني الحروف المقطعة في فواتح السور إلى الله تعالى

    وهي مفتتحة بهذه الحروف: (الر)، وقد علمنا القول فيها والحمد لله، ولكن أذكر الناسين وأعلم غير العالمين: أن هذه الفواتح -فواتح السور- من المتشابه الذي لا يعلمه إلا الله.

    فواتح السور (الم)، (الر)، (المر)، (طس)، (طسم)، (حم)، (ص)، (ن)، (ق)، فواتح السور نقول فيها: الله أعلم بمراده به ونستريح، قال تعالى: هُنَّ أُمُّ الْكِتَابِ وَأُخَرُ مُتَشَابِهَاتٌ [آل عمران:7].

    فالذي ينبغي -معشر المستمعين والمستمعات- إذا قلنا: (الم) أن نقول: الله أعلم بمراده به.

    فوض الأمر لله منزله وخالقه ولا حرج، وقد أصبت؛ لأن هذه الحروف ما عرفت عند العرب.

    فوائد وأسرار الحروف المقطعة في فواتح السور

    وبعد هذا ذكرنا ونذكر أن الحكمة من هذه الحروف:

    أولاً: لما كان العرب يريدون ألَّا يسمعوا القرآن ويدخلون رءوسهم في ثيابهم ويستغشونها حتى لا يسمعوا، بل وأصدروا قراراً رسمياً أنه لا يحل لمواطن أن يسمع هذا القرآن، ومن ضبط يسمعه من قارئ يقرأ فإنه يعذب، واقرءوا قول الله تعالى: وَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لا تَسْمَعُوا لِهَذَا الْقُرْآنِ وَالْغَوْا فِيهِ لَعَلَّكُمْ تَغْلِبُونَ [فصلت:26] هذه كلمتهم مسجلة في القرآن، رؤساؤهم في مكة يقولون: لا تسمعوا لهذا القرآن. لماذا؟ قالوا: حتى لا يتسرب إلى قلوبهم ثم يفسد عقولهم وقلوبهم فيتبعوا محمداً! إجراء وقائي، وفي أيام الحرب دائماً تعلن الحكومات هذا، ممنوع كذا.

    وَالْغَوْا فِيهِ لَعَلَّكُمْ تَغْلِبُونَ [فصلت:26] صيحوا وضجوا وقولوا الباطل حتى لا يتسرب معناه إلى القلوب.

    فمن هنا كيف يبطل الله هذا المنكر ويزيل أثر هذا الباطل؟

    الجواب: أنزله بهذه الحروف التي ما كانوا يعرفونها ولا يسمعون بها، فمن هنا إذا قرأ القارئ (طسم) فلا بد للعربي أن يصغي؛ لأنه ما سمع بهذا، فلا بد أن يصغي ويسمع (المص)، وحينئذ جذبهم للسماع.

    وهذه حيلة من الحيل التي تجعلهم يسمعون رغم الأوامر التي صدرت بألا يسمعوا، وكانوا يسمعون فإذا أصغى وسمع دخل النور في قلبه. هذه واحدة.

    والثانية: تحداهم الله عز وجل بأن يأتوا بمثل هذا القرآن أو يسلموا ويتوبوا فعجزوا، تحداهم أن يأتوا بعشر سور من مثله فما استطاعوا، وتحداهم بأن يأتوا بسورة واحدة فعجزوا.

    أي: هذا القرآن مؤلف من هذه الحروف، والحروف ليست من اللغة الهندية أو الاسترالية أو اليابانية فتقولون: ما نستطيع، بل هذه حروفكم: (المص) (حم) (عسق)، حروف اللغة العربية.. لغتكم، فإذا عجزتم فسلموا أنه كلام الله ووحيه، وهو مؤلف من هذه الحروف المعتادة عندكم.

    ومن ثم فإنه سبحانه وتعالى لما يذكر (الم) أو غيرها من الحروف يشير إلى ذلك، يقول: ذَلِكَ الْكِتَابُ [البقرة:2]، الم * تَنزِيلُ الْكِتَابِ [السجدة:1-2]، حم * وَالْكِتَابِ الْمُبِينِ [الزخرف:1-2]، ص وَالْقُرْآنِ [ص:1] أي: هذا الكتاب.. القرآن مركب من هذه الحروف.

    وما دام مؤلفاً ومركباً من هذه الحروف وعجزتم عن الإتيان بمثله فآمنوا بأنه كلام الله ووحيه أنزله على رسوله صلى الله عليه وسلم، وادخلوا في رحمة الله فلا شرك ولا كفر.

    هذا يلاحظ مع فواتح السور كما علمتم، فإذا سئلت عنها فقل: الله أعلم بمراده بها، والعلة والحكمة موجودة، فالحروف هذه تشير إلى أن القرآن مؤلف منها، فلم عجزتم أيها الكافرون به عن تأليف مثله.

    إذاً: آمنوا واسكتوا، فالقرآن مؤلف من هذه الحروف وهي من حروفكم، فلم لا تؤلفون قرآناً مثله منها؟!

    1.   

    تفسير قوله تعالى: (الر تلك آيات الكتاب المبين)

    ثم قال تعالى: الر تِلْكَ آيَاتُ الْكِتَابِ الْمُبِينِ [يوسف:1] أي: المؤلفة من هذه الحروف، وهي آيات القرآن الكريم.

    والكتاب هنا: القرآن. والمبين: بمعنى البين الواضح. وبمعنى: المبين للحلال والحرام، والحق والباطل، والخير والشر، والتوحيد والشرك.. كل متطلبات الحياة القرآن مبين لها.

    الر تِلْكَ آيَاتُ الْكِتَابِ [يوسف:1] أي: المؤلفة من هذه الحروف آيات القرآن.

    والكتاب هو القرآن المبين البين الواضح الظاهر الدلالة، المبين لما يجب أن تعرفه البشرية من العبادات والطاعات والشرائع والأحكام وكل متطلبات الحياة، فالقرآن مفصل لها ومبين.

    1.   

    تفسير قوله تعالى: (إنا أنزلناه قرآناً عربياً لعلكم تعقلون)

    ثم قال تعالى: إِنَّا أَنزَلْنَاهُ قُرْآنًا عَرَبِيًّا لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ [يوسف:2].

    (إنا) رب العزة والجلال والكمال. (أنزلناه) أي: القرآن الكتاب المبين أنزلناه حال كونه (قرآناً عربياً).

    والقرآن مجموع، من القرء الذي هو الجمع، فهو مجموع الكلمات ومجموع الجمل ومجموع السور، فهو مقروء بمعنى: مجموع، والقرآن بمعنى: مجموع الآيات.

    قُرْآنًا عَرَبِيًّا [يوسف:2] أي: بلسان العرب، لا لسان الروم ولا العجم ولا غيرهم، بل بلسان العرب. لماذا يا رب أنزلته بلسان العرب؟

    قال: لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ [يوسف:2]، أي: لتتمكنوا من فهمه ومعرفته وما يحويه من أنواع الهدى؛ إذ لو كان بلسان غير لسان العرب ما استطاع العرب أبداً أن يفهموه ولا يبلغوه.

    واختارهم الله على علم منه، فلو أنزل الله القرآن على الأتراك أو على اليابان أو على الروم أو على كذا فوالله! ما استطاعوا أن يبلغوه كما بلغه العرب أبداً ولمات عندهم، لكن الله هيأ هذه الأمة لذلك، فما هي إلا خمس وعشرون سنة فقط وإذا بالعالم الإنساني كله يصل إليه القرآن.

    لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ [يوسف:2] أي: ليعدكم لأن تعقلوا كلام الله وما يحويه وما يشتمل عليه من أنواع الهداية للإسعاد والإكمال في الدنيا والآخرة، وهذا فضل الله ومنته.

    لو سألت: لم أنزله بلسان العرب؟ لكان الجواب: من أجل أن يعقلوه ويفهموه، فلو كان بغير لسانهم فوالله! ما عقلوه ولا فهموه، ومن يبلغ دعوة الله حينئذ؟ وقد أراد الله أن ينقذ البشرية، وأنقذ الملايين منها من جهنم وهم في دار السلام من عرب وعجم بسبب الإيمان والعمل الصالح.

    1.   

    تفسير قوله تعالى: (نحن نقص عليك أحسن القصص بما أوحينا إليك هذا القرآن...)

    ثم قال تعالى لرسوله: نَحْنُ [يوسف:3] أي: رب العزة نَقُصُّ عَلَيْكَ أَحْسَنَ الْقَصَصِ [يوسف:3]، هنا وردت أخبار وآثار: أن بعض العرب قالوا: قص علينا يا رسول الله كما يقص الفلانيون والفلانيون.

    وورد أن اليهود بعثوا أيضاً بعض رجالهم إلى مكة وقالوا: فليقص علينا قصة يوسف إن كان نبياً ورسولاً؛ لأن قصتهم في التوراة والإنجيل كما هي عندنا في القرآن الكريم، فقال تعالى: نَحْنُ [يوسف:3] نتولى هذا نَحْنُ نَقُصُّ عَلَيْكَ [يوسف:3] أيها الرسول الكريم محمد صلى الله عليه وسلم أَحْسَنَ الْقَصَصِ [يوسف:3]، والقص -كما علمتم- هو تتبع الأخبار شيئاً فشيئاً كتتبع الآثار حتى الوصول إلى الحقيقة.

    قص عليك حديثاً: أي: خبراً بعد خبر وكلمة بعد كلمة.

    نَحْنُ نَقُصُّ عَلَيْكَ أَحْسَنَ الْقَصَصِ [يوسف:3] إذ هو خال من الكذب.. من المبالغة.. من الزيادة.. من النقص أبداً؛ لأن الله هو الذي يقصه وهو خالق الأقوال والأفعال، فقصص الله عز وجل يستحيل أن يكون فيه الخطأ أو الزيادة أو النقصان، فهو أحسن القصص وأصحه وأثبته.

    بِمَا أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ هَذَا الْقُرْآنَ [يوسف:3] أي: بإيحائنا إليك هذا القرآن.

    وقبل أن يوحي إليه القرآن كيف يقص عليه؟ لكن لما أخذ يوحي إليه القرآن قص عليه بالقرآن، والمراد من القرآن: القرآن العظيم.

    وَإِنْ كُنتَ مِنْ قَبْلِهِ لَمِنَ الْغَافِلِينَ [يوسف:3] فهو كذلك قضى أربعين سنة من عمره صلى الله عليه وسلم ما كان يعرف شيئاً، ولا يسأل عن شيء أبداً، ولا يخطر بباله شيء.

    فلما هيأه الله عز وجل وفاتحه جبريل في غار حراء بـ اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ [العلق:1] أخذ يتعلم ويعلم.

    فقوله تعالى: وَإِنْ كُنتَ مِنْ قَبْلِهِ [يوسف:3] أي: القرآن.. من قبل الوحي لَمِنَ الْغَافِلِينَ [يوسف:3] والغفلة: عدم الالتفات للشيء ومعرفته، وكل منا غافل عن أشياء لا تخطر بباله، ثم بعد ذلك تخطر بباله.

    اسمعوا الآيات.

    بسم الله الرحمن الرحيم. الر تِلْكَ آيَاتُ الْكِتَابِ الْمُبِينِ * إِنَّا أَنزَلْنَاهُ قُرْآنًا عَرَبِيًّا لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ * نَحْنُ نَقُصُّ عَلَيْكَ أَحْسَنَ الْقَصَصِ بِمَا أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ هَذَا الْقُرْآنَ وَإِنْ كُنتَ مِنْ قَبْلِهِ لَمِنَ الْغَافِلِينَ [يوسف:1-3].

    1.   

    قراءة في كتاب أيسر التفاسير

    إليكم شرح الآيات من الكتاب وتأملوها. ‏

    معنى الآيات

    قال المؤلف غفر الله له ولكم ورحمه وإياكم والمؤمنين: [ معنى الآيات:

    إن المناسبة بين سورتي هود ويوسف عليهما السلام]، أكثر السور متناسبة سواء عرف ذلك أو لم يعرف، [ إن المناسبة بين سورتي هود ويوسف عليهما السلام] إذ كلاهما نبي ورسول [أن الثانية] أي: السورة الثانية وهي سورة يوسف [ تتميم للقصص الذي اشتملت عليه الأولى ]، السورة الثانية سورة يوسف متممة للقصص التي اشتملت عليها الأولى سورة هود عليه السلام؛ [ إذ سورة يوسف اشتملت على أطول قصص في القرآن الكريم ].

    سورة يوسف اشتملت على أطول قصة، لا يوجد نظيرها لا في القصص ولا في حم ولا في أي سورة أبداً، قصة واحدة من أول السورة إلى آخرها في مائة وإحدى عشرة آية.

    قال: [ إذ سورة يوسف اشتملت على أطول قصص في القرآن الكريم، أوله إِذْ قَالَ يُوسُفُ لِأَبِيهِ [يوسف:4] ] وقرئ (يؤسف) أي: يؤسف له ويحزن عليه، وقرئ (يؤسِفُ) هو، والقراءة المشهورة: (يوسف) بالتخفيف، وهي أصلها (يؤسف) من الأسف الذي هو الحزن وهو يؤسف لحاله في بداية أمره.

    قال: [أوله إِذْ قَالَ يُوسُفُ لِأَبِيهِ [يوسف:4] رابع آية، وآخره وَمَا كُنتَ لَدَيْهِمْ إِذْ أَجْمَعُوا أَمْرَهُمْ وَهُمْ يَمْكُرُونَ [يوسف:102] الآية الثانية بعد المائة].

    أول آية إِذْ قَالَ يُوسُفُ لِأَبِيهِ [يوسف:4]، وآخر آية وَمَا كُنتَ لَدَيْهِمْ إِذْ أَجْمَعُوا أَمْرَهُمْ وَهُمْ يَمْكُرُونَ [يوسف:102] بيوسف، يعني: إخوته، ومجموع آياتها مائة وإحدى عشرة آية.

    [ وأما سبب نزول هذه السورة] لماذا نزلت؟ ما السبب في ذلك؟ [ فقد قيل للرسول صلى الله عليه وسلم: لو قصصت علينا ] كما يقص اليهود وبنو إسرائيل، [ فأنزل الله تعالى الر تِلْكَ آيَاتُ الْكِتَابِ الْمُبِينِ [يوسف:1] إلى قوله: وَمَا كُنتَ لَدَيْهِمْ إِذْ أَجْمَعُوا أَمْرَهُمْ وَهُمْ يَمْكُرُونَ * وَمَا أَكْثَرُ النَّاسِ وَلَوْ حَرَصْتَ بِمُؤْمِنِينَ [يوسف:102-103] إلى آخر السورة، فقص أحداث أربعين سنة تقريباً] تقل بقليل أو تزيد بقليل، أحداث أربعين سنة تقريباً قصها كما نسمعها إن شاء الله وندرسها.

    [ فقوله تعالى: الر [يوسف:1] من هذه الحروف المقطعة تألفت آيات القرآن الكريم].

    من هذه الحروف المقطعة -(ص) (ق)- تألفت وتجمعت وتركبت آيات القرآن الكريم، تِلْكَ آيَاتُ الْكِتَابِ الْمُبِينِ [يوسف:1].

    قال: [ فأشار إليها تعالى بقوله: تِلْكَ آيَاتُ الْكِتَابِ الْمُبِينِ [يوسف:1] أي: المبين للحق المظهر له ولكل ما الناس في حاجة إليه مما يصلح دينهم ودنياهم].

    هو المبين وفي نفس الوقت هو بين ظاهر لا خفاء فيه ولا غموض، المبين للحق المظهر له ولكل ما الناس في حاجة إليه مما يصلح دينهم ودنياهم أو مما يسعدهم في دنياهم وأخراهم.

    [ وقوله تعالى: إِنَّا أَنزَلْنَاهُ [يوسف:2] أي: القرآن]، وفي سورة القدر إِنَّا أَنزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةِ الْقَدْرِ [القدر:1].

    [ قُرْآنًا عَرَبِيًّا [يوسف:2] أي: بلسان العرب] لماذا؟ [ليفهموه ويعقلوا معانيه فيهتدوا عليه فيكملوا ويسعدوا] في الدنيا والآخرة، وهذا من فضل الله وإحسانه، فكم وكم من ملايين سعدوا بالقرآن الكريم فهم في دار السلام.

    [ وقوله تعالى: لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ [يوسف:2] أي: ليمكنكم فهمه ومعرفة ما جاء فيه من الهدى والنور] فتمشوا في الطريق والأنوار عن أيمانكم وشمائلكم إلى دار السلام.

    [ وقوله تعالى: نَحْنُ نَقُصُّ عَلَيْكَ [يوسف:3] يا رسول الله أَحْسَنَ الْقَصَصِ [يوسف:3] أي: أصحه وأصدقه وأنفعه وأجمله] وقل ما شئت.

    أحسن القصص؛ لأن القائل هو الله جل جلاله.

    [ نَحْنُ نَقُصُّ عَلَيْكَ [يوسف:3] يا رسول الله أَحْسَنَ الْقَصَصِ [يوسف:3] أي: أصحه وأصدقه وأنفعه وأجمله بِمَا أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ هَذَا الْقُرْآنَ [يوسف:3] أي: بواسطة إيحائنا إليك هذا القرآن، وَإِنْ كُنتَ مِنْ قَبْلِهِ [يوسف:3] أي: من قبل إيحائه إليك] وإنزاله عليك [ لَمِنَ الْغَافِلِينَ [يوسف:3] عنه لا تذكره ولا تعلمه] ولا يخطر حتى ببالك، والآن أصبحت أهلاً له يوحى إليك وينزل عليك. ومعنى الآيات ظاهر والحمد لله.

    هداية الآيات

    قال: [ هداية الآيات:

    من هداية الآيات:

    أولاً: تقرير إعجاز القرآن؛ إذ هو مؤلف من مثل (الر) و(طس) و(ق)، ومع هذا لم يستطع العرب أن يأتوا بسورة مثله]، لو كان مؤلفاً من حروف غير هذه فممكن، ولكنه مؤلف من حروف يتكلمون بها نساءً ورجالاً وأطفالاً: (الم) (ص) (ق)، فكيف عجزوا عن تأليف سورة مثله؟

    إذاً: دل هذا على أنه كلام الله ووحيه، وأنه ليس من كلام رسول الله ولكنه كلام الله أنزله على رسوله، فأصبح القرآن معجزاً، أعجز العرب، وآخر ما أعجزهم في سورة البقرة المدنية: وَإِنْ كُنتُمْ فِي رَيْبٍ مِمَّا نَزَّلْنَا عَلَى عَبْدِنَا فَأْتُوا بِسُورَةٍ مِنْ مِثْلِهِ [البقرة:23] وزاد وَادْعُوا شُهَدَاءَكُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ إِنْ كُنتُمْ صَادِقِينَ * فَإِنْ لَمْ تَفْعَلُوا وَلَنْ تَفْعَلُوا [البقرة:23-24] إذاً فَاتَّقُوا النَّارَ الَّتِي وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ أُعِدَّتْ لِلْكَافِرِينَ [البقرة:24] والآية مدنية.

    إذاً: الآيات فيها تقرير إعجاز القرآن إذ هو مؤلف من مثل (الر) و(طس) و(ق)، ومع هذا لم يستطع العرب أن يأتوا بسورة مثله.

    [ ثانياً: بيان الحكمة في نزول القرآن باللغة العربية، وهي أن يعقله العرب ليبلغوه إلى غيرهم] من عباد الله في الشرق والغرب.

    لو أنزل الله القرآن بلسان غير العرب ما استطاع العرب أن يفهموه ولا يبلغوه أبداً، لكن الله هيأهم لذلك فأوحاه إليهم بلسانهم.

    [ ثالثاً: القرآن الكريم اشتمل على أحسن القصص، فلا معنى لسماع قصص غيره].

    القرآن اشتمل على أحسن القصص، إذاً: ما بقي لنا أن نسمع قصص غير القرآن أبداً، والله! لا فائدة منها وكلها كذب وأباطيل وترهات وليس فيها من الحق ولا النصف، وقد أغنانا الله إغناءً كاملاً، فمن أراد أن يسمع القصص فليقرأ القرآن أو يطلب واحداً يقرأ عليه القرآن فيقول له: أسمعني قصة يوسف.

    فالقرآن الكريم اشتمل على أحسن القصص، إذاً: فلا معنى لسماع قصص غيره من أي جهة كانت، لماذا؟

    لأن قصص القرآن حق وصدق، ومفيد ونافع، وقصص غير القرآن فيه ما فيه من الكذب والأباطيل والترهات والزيادة والنقصان، والمؤمنون منزهون عن الباطل فلا يسمعونه ولا ينطقون به.

    [ رابعاً: تقرير نبوة الرسول صلى الله عليه وسلم وإثباتها بأقوى برهان عقلي، وأعظم دليل نقلي].

    نعم. كيف لا يكون رسول الله وهو يقص أخبار الأولين؟! كيف لا يكون نبي الله والقرآن ينزل عليه ويوحى إليه؟!

    مستحيل أن يكون غير رسول، فكل آية في كتاب الله تشهد أن محمداً رسول الله، فلهذا من السخرية والهبوط وموت القلوب: أن يكذب الرسول ولا تنسب إليه النبوة والرسالة، ذلك من الخطأ الفاحش.

    كيف يتكلم أمي بهذا القرآن ونقول: ليس برسول؟!

    ولكن العناد والمكابرة والمجاحدة والمحافظة على الباطل حمل الكفار على هذا، وإلا فلو فكروا دقيقة واحدة لفهموا أن محمداً رسول الله، وأنه يجب عليهم أن يؤمنوا به ويتبعوه، ولكن الموانع كثيرة والأسباب متعددة، والحمد لله أن جعلنا من المسلمين.

    وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.

    مكتبتك الصوتية

    أو الدخول بحساب

    البث المباشر

    المزيد

    من الفعاليات والمحاضرات الأرشيفية من خدمة البث المباشر

    الأكثر استماعا لهذا الشهر

    عدد مرات الاستماع

    3086718663

    عدد مرات الحفظ

    756306345