إسلام ويب

تفسير سورة النساء (19)للشيخ : أبوبكر الجزائري

  •  التفريغ النصي الكامل
  • يبين الله عز وجل لعباده المؤمنين أنه إنما أراد من تبيين الحلال والحرام في المناكح وغيرها أن يرجع بالمؤمنين من حياة الخبث والفساد التي كانوا يعيشونها قبل الإسلام، إلى حياة الطهر والصلاح في ظل تشريع عادل رحيم، بينما الذين يتبعون الشهوات من أهل الفحش والانحراف ومن اليهود والنصارى فإنهم يريدون من المؤمنين أن ينحرفوا مثلهم، فينغمسوا في الملذات والشهوات البهيمية حتى يصبحوا مثلهم، فلا يفضلونهم بشيء، ولا يستحقون بعد ذلك قيادة البشرية وهداية الأمم.

    1.   

    قراءة في تفسير قوله تعالى: (ومن لم يستطع منكم طولاً أن ينكح المحصنات المؤمنات فمن ما ملكت أيمانكم ...) من كتاب أيسر التفاسير

    الحمد لله؛ نحمده تعالى ونستعينه ونستغفره ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا من يهده الله فلا مضل له ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، أرسله بالحق بشيراً ونذيراً بين يدي الساعة، من يطع الله ورسوله فقد رشد، ومن يعص الله ورسوله فلا يضر إلا نفسه ولا يضر الله شيئاً.

    أما بعد:

    فإن أصدق الحديث كتاب الله تعالى، وخير الهدي هدي سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم، وشر الأمور محدثاتها، وكل محدثة بدعة، وكل بدعة ضلالة.

    ثم أما بعد:

    أيها الأبناء والإخوة المستمعون ويا أيتها المؤمنات المستمعات!

    إننا على سالف عهدنا في مثل هذه الليلة والتي بعدها ندرس كتاب الله عز وجل، وقد انتهى بنا الدرس إلى هذه الآيات الثلاث المباركات من سورة النساء، وقبل الشروع في دراستها أذكركم ونفسي بالآية التي سبق أن درسناها ليلة البارحة، وتلاوتها بعد أعوذ بالله من الشيطان الرجيم:

    وَمَنْ لَمْ يَسْتَطِعْ مِنْكُمْ طَوْلًا أَنْ يَنكِحَ الْمُحْصَنَاتِ الْمُؤْمِنَاتِ فَمِنْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ مِنْ فَتَيَاتِكُمُ الْمُؤْمِنَاتِ وَاللَّهُ أَعْلَمُ بِإِيمَانِكُمْ بَعْضُكُمْ مِنْ بَعْضٍ فَانكِحُوهُنَّ بِإِذْنِ أهْلِهِنَّ وَآتُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ مُحْصَنَاتٍ غَيْرَ مُسَافِحَاتٍ وَلا مُتَّخِذَاتِ أَخْدَانٍ فَإِذَا أُحْصِنَّ فَإِنْ أَتَيْنَ بِفَاحِشَةٍ فَعَلَيْهِنَّ نِصْفُ مَا عَلَى الْمُحْصَنَاتِ مِنَ الْعَذَابِ ذَلِكَ لِمَنْ خَشِيَ الْعَنَتَ مِنْكُمْ وَأَنْ تَصْبِرُوا خَيْرٌ لَكُمْ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ [النساء:25].

    هداية الآيات

    لا بأس أن نعود إلى هداية الآية لنتأكد من صحة ما في أذهاننا ونفوسنا.

    قال: [أولاً تحريم المرأة المتزوجة حتى يفارقها زوجها بالحياة أو بالموت]، أية آية تدل على هذا الحكم؟

    وَالْمُحْصَنَاتُ مِنَ النِّسَاءِ [النساء:24] .

    [ثانياً: جواز نكاح المملوكة باليمين، وإن كان زوجها حياً في دار الحرب إذا أسلمت] من أين أخذنا هذا؟

    إِلَّا مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ [النساء:24] .

    [ثالثاً: وجوب المهور وجواز إعطاء المرأة من مهرها لزوجها ما شاءت] من أين أخذنا هذا؟

    وَآتُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ [النساء:25] .

    [رابعاً:جواز التزوج من المملوكات لمن خاف العنت وهو عدم للقدرة على الزواج من الحرائر] أي آية هذه؟

    فَمِنْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ مِنْ فَتَيَاتِكُمُ الْمُؤْمِنَاتِ [النساء:25] .

    [خامساً: وجوب إقامة الحد على من زنت من الإماء إن أحصن بالزواج والإسلام]، من أين أخذنا هذا؟

    فَعَلَيْهِنَّ نِصْفُ مَا عَلَى الْمُحْصَنَاتِ [النساء:25] .

    [سادساً: الصبر على العزوبة خير من الزواج بالإماء لإرشاد الله تعالى إلى ذلك]، الصبر على العزوبة خير من الزواج بالإماء، إذاً: هل يوجد مكان لنكاح المتعة مع هذا التحديد؟ دعانا الله إلى الصبر؛ فكيف إذاً بنكاح المتعة الذي هو نكاح خداع وغش وإفساد في الأرض.

    1.   

    تفسير قوله تعالى: (يريد الله ليبين لكم ويهديكم سنن الذين من قبلكم ...)

    والآن مع هذه الآيات الثلاث، تلاوتها بعد أعوذ بالله من الشيطان الرجيم:

    يُرِيدُ اللَّهُ لِيُبَيِّنَ لَكُمْ وَيَهْدِيَكُمْ سُنَنَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ وَيَتُوبَ عَلَيْكُمْ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ * وَاللَّهُ يُرِيدُ أَنْ يَتُوبَ عَلَيْكُمْ وَيُرِيدُ الَّذِينَ يَتَّبِعُونَ الشَّهَوَاتِ أَنْ تَمِيلُوا مَيْلًا عَظِيمًا * يُرِيدُ اللَّهُ أَنْ يُخَفِّفَ عَنْكُمْ وَخُلِقَ الإِنسَانُ ضَعِيفًا [النساء:26-28].

    روى البيهقي في شعب الإيمان عن ابن عباس رضي الله عنهما قوله: (ثمان آيات نزلت في سورة النساء -التي ندرسها- هن خير للأمة مما طلعت عليه الشمس وغربت ).

    ثمان آيات منها هذه الآيات الثلاث يُرِيدُ اللَّهُ لِيُبَيِّنَ لَكُمْ وَيَهْدِيَكُمْ سُنَنَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ وَيَتُوبَ عَلَيْكُمْ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ * وَاللَّهُ يُرِيدُ أَنْ يَتُوبَ عَلَيْكُمْ وَيُرِيدُ الَّذِينَ يَتَّبِعُونَ الشَّهَوَاتِ أَنْ تَمِيلُوا مَيْلًا عَظِيمًا * يُرِيدُ اللَّهُ أَنْ يُخَفِّفَ عَنْكُمْ وَخُلِقَ الإِنسَانُ ضَعِيفًا [النساء:26-28].

    والآية الرابعة: إِنْ تَجْتَنِبُوا كَبَائِرَ مَا تُنْهَوْنَ عَنْهُ نُكَفِّرْ عَنْكُمْ سَيِّئَاتِكُمْ وَنُدْخِلْكُمْ مُدْخَلًا كَرِيمًا [النساء:31] .

    وخامس الآيات: إِنَّ اللَّهَ لا يَظْلِمُ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ وَإِنْ تَكُ حَسَنَةً يُضَاعِفْهَا وَيُؤْتِ مِنْ لَدُنْهُ أَجْرًا عَظِيمًا [النساء:40] .

    وسادس الآيات: وَمَنْ يَعْمَلْ سُوءًا أَوْ يَظْلِمِ نَفْسَهُ ثُمَّ يَسْتَغْفِرِ اللَّهَ يَجِدِ اللَّهَ غَفُورًا رَحِيمًا [النساء:110] .

    وسابع الآيات: إِنَّ اللَّهَ لا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَنْ يَشَاءُ [النساء:116] .

    وثامن الآيات: وَالَّذِينَ آمَنُوا بِاللَّهِ وَرُسُلِهِ وَلَمْ يُفَرِّقُوا بَيْنَ أَحَدٍ مِنْهُمْ أُوْلَئِكَ سَوْفَ يُؤْتِيهِمْ أُجُورَهُمْ وَكَانَ اللَّهُ غَفُورًا رَحِيمًا [النساء:152] .

    هذه ثمان آيات قال فيها ابن عباس : (هي خير لهذه الأمة مما طلعت عليه الشمس وغربت)، لعله واهم؟

    والله لهي خير لنا مما طلعت عليه الشمس وغربت، هذه الآيات تطهرنا وتعزنا وترفعنا إلى الملكوت الأعلى، وما بين الشرق والغرب من مال ماذا نفعل به؟ ماذا يجدينا؟ أغلب الأحوال أنه يدمرنا ويقضي على كمالنا وسعادتنا.

    معنى قوله تعالى: (يريد الله ليبين لكم ويهديكم سنن الذين من قبلكم)

    قال تعالى: يُرِيدُ اللَّهُ [النساء:26] بما بين لنا من أحكام تقدمت وشرائع، وإلى آخر ما بين لنا من الصبر على العزوبة ولا نكاح الفتيات المؤمنات المملوكات.

    وكأن سائلاً يسأل يقول: يا رب! لم شرعت هذا الذي شرعت؟

    فيأتي الجواب: من أجل أنه يريد أن يبين لكم طريق السلامة والسعادة والكمال؛ لأن المناكح المحرمة لو تغشى وترتكب لفسد المجتمع نهائياً، فقط لو مشينا وراء دعاة الزنا من الزناة لتحطمنا وقضي علينا.

    أقول مرة ثانية: يُرِيدُ اللَّهُ لِيُبَيِّنَ لَكُمْ [النساء:26] يريد الله أن يبين لكم، هذا جواب سؤال أولاً بين لنا أنه من لا يستطيع العدل لا يجمع بين النساء، من لم يستطع أن يحسن إلى يتيمة لا يتزوجها ويتزوج غيرها، الأموال إذا كانت لدى السفهاء يجب أن يحجر عليهم ولا يمكنون منها، وعلى الأولياء والأوصياء أن يحفظوها ويرزقوهم فيها لا منها، ثم بين تعالى المواريث، وما يرث الرجل من أبيه، الرجل من أخيه، الرجل من أمه بالتفصيل، ثم بين لنا المناكح المحرمة بالنسب وبالرضاع وبالمصاهرة .. كل هذا لماذا؟ ليبين لكم ما به تكملون وتسعدون بعد أن تطيبوا وتطهروا وتتأهلوا للنزول في الملكوت الأعلى، قولوا: الحمد لله. الحمد لله. الحمد لله.

    اليوم تم علينا ولا نقول: الحمد لله، هو يقول: يُرِيدُ اللَّهُ لِيُبَيِّنَ لَكُمْ [النساء:26] أولاً وَيَهْدِيَكُمْ [النساء:26] يريد أن يهديكم سُنَنَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ [النساء:26] وهم المواكب الذين عرفنا عنهم وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَالرَّسُولَ فَأُوْلَئِكَ مَعَ الَّذِينَ أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ مِنَ النَّبِيِّينَ وَالصِّدِّيقِينَ وَالشُّهَدَاءِ وَالصَّالِحِينَ وَحَسُنَ أُوْلَئِكَ رَفِيقًا [النساء:69].

    وَيَهْدِيَكُمْ سُنَنَ [النساء:26] جمع سنة، وهي الطريقة المسلوكة الرابحة البينة التي تنتهي بصاحبها إلى رضوان الله والنزول في جواره في الملكوت الأعلى، من هؤلاء الذين سبقونا؟ النبيون والصديقون والشهداء والصالحون، هذه الآية كقوله: شَرَعَ لَكُمْ مِنَ الدِّينِ مَا وَصَّى بِهِ نُوحًا وَالَّذِي أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ [الشورى:13] الآية.

    فمنهجنا هذا الرباني الإسلامي الذي هدانا الله إليه نهجه الأنبياء والمرسلون، أوما تعتزون وتفرحون بهذا؟ لو ما كان يثلج الصدر ويفرح النفس والله ما يذكره الله تعالى، يريد أن يثلج صدورنا ويسرها، يمتن علينا لنقول: الحمد لله.

    يُرِيدُ اللَّهُ لِيُبَيِّنَ لَكُمْ [النساء:26] أولاً وَيَهْدِيَكُمْ سُنَنَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ [النساء:26] ثانياً وَيَتُوبَ عَلَيْكُمْ [النساء:26] أما كنا في جاهلية جهلاء، الزنا والعهر والباطل والشر، والرجل ينكح امرأة أبيه .. كما تقدم.

    أراد أن يرجع بنا إلى الصواب، أراد أن يرجع بنا إلى ما يزكي نفوسنا ويطهرها حتى تتأهل لحب الله ورضاه، ما أراد أن يبقينا على الجاهلية وما فيها من ظلام وخبث وشر وفساد، الحمد لله.

    معنى قوله تعالى: (والله عليم حكيم)

    وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ [النساء:26] هذا المشرع لو كان ناقص العلم، قصير الدراية والباع فيه، قد نقبل له شيئاً ولا نقبل الآخر، أو يقع في نفوسنا شك في صحة وسلامة ونفع ما بين وشرع.

    لو كان عليماً ولكن لا حكمة له يضع الشيء في غير موضعه وهو يدري أو لا يدري، ما كان في هذا التشريع أيضاً ما يجعلنا نتردد أو نقبل البعض ونرد البعض أو نخاف الهراوة والعذاب، ولكن نفوسنا غير مطمئنة إلى ما شرع لنا، نرى كأنه خطأ لكننا ملزمون بهذا.

    لكن هذا الختم الأخير بقوله: وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ [النساء:26] بحث العلماء عن حكم تحريم المناكح من النسب.. الرضاع.. المصاهرة، ووقفوا على أشياء، ونحن لعجزنا حسبنا حكمة واحدة: علمنا اليقيني أن الله تعالى ما يشرع لنا إلا ما فيه خيرنا وكمالنا يكفينا، تعرف أو لا تعرف، علمنا اليقيني أن ما يشرعه الله لنا لنعتقده أو نقوله أو نعمل به لن يكون أبداً إلا في صالحنا، فلسنا في حاجة إلى أن نبحث عن شيء آخر.

    لماذا؟ لأنه حكيم وإلا لا؟ حكيم.

    1.   

    تفسير قوله تعالى: (والله يريد أن يتوب عليكم ...)

    قال الله تعالى: وَاللَّهُ يُرِيدُ [النساء:27] الله أكبر وَاللَّهُ يُرِيدُ أَنْ يَتُوبَ عَلَيْكُمْ [النساء:27] الحمد لله.. الحمد لله، والله لو ينشرح الصدر وتلوح الأنوار للعبد ما يفتر وهو يقول: الحمد لله. الحمد لله. الله يريد هذا؟ الله يريد لنا كذا، الله يريد لنا كذا؟

    من نحن وما نحن حتى رب الجلال والكمال القيوم الذي يملك كل شيء يريد لنا، والفضيلة تعود إلى فضيلة الإيمان، لو ما آمنا به رباً وإلهاً وبنبيه رسولاً ونبياً، وبكتابه ولقائه والله ما كنا أهلاً لأن يقول: وَاللَّهُ يُرِيدُ أَنْ يَتُوبَ عَلَيْكُمْ [النساء:27]، يُرِيدُ اللَّهُ لِيُبَيِّنَ لَكُمْ [النساء:26]، لكن لما آمنا حيينا وأصبحنا أهلاً للكمال، وأهلاً لأن نقوم بما يأمرنا به، وننتهي عما ينهانا عنه؛ لوجود حياة كاملة.

    أما لو كنا كافرين يتنزه أن يخاطبنا ويكلمنا، عرفتم سر الإيمان؟ وَاللَّهُ يُرِيدُ أَنْ يَتُوبَ عَلَيْكُمْ [النساء:27] لتعودوا إلى منهج الربانيين والصالحين، الحلال حلال والحرام حرام والطيب طيب والخبيث خبيث والنافع نافع والضار ضار .. بيانات إلهية نعرف بها هذا، ولولا ذلك لكنا كالبهائم التي لا تبحث سوى عن النزو على بعضها والأكل والشرب؛ كبهائم البشر الظلمة قائمة من عشرات الوزارات، وكل تلك الوزارات والقوانين طالعة هابطة من أجل أن يأكلوا ويشربوا وينكحوا فقط، وإن قلت: ويكتسوا الكسوة لا بد منها لأن البرد يقتلهم، ومع هذا نزعوها وفتحوا أندية العري، من باب النادي يخلع أحدهم ثيابه ويدخل كالحيوان.

    قولوا: الحمد لله، الحمد لله، الحمد لله وَاللَّهُ يُرِيدُ أَنْ يَتُوبَ عَلَيْكُمْ وَيُرِيدُ الَّذِينَ يَتَّبِعُونَ الشَّهَوَاتِ أَنْ تَمِيلُوا مَيْلًا عَظِيمًا [النساء:27]، من هؤلاء؟ ويريدوا عكس ما يريد الله عز وجل، الله يريد أن يطهرنا ويطيبنا ليرفعنا وهم يريدون أن نخبث وأن نتعفن لننزل إليهم ونمشي معهم إلى جهنم، هذه من كتاب الله وإلا مزيدة هذه الجملة؟!

    وَيُرِيدُ الَّذِينَ يَتَّبِعُونَ الشَّهَوَاتِ [النساء:27] عرفتم الشهوات؟ الزنا.. اللواط.. الخمر.. العري.. الفساد.. هذا له ناس يعيشون عليه ويريدون من المؤمنين أن ينغمسوا فيه حتى يتساووا ويصبحوا على صورة واحدة.

    هذا جائز أن يكون في المدينة من اليهود، وأن يكون من المنافقين، وأن يكون من المجوس، والآن نحن على علم، وإن شئتم حلفت لكم بالله على أن اليهود والنصارى والمجوس والكافرين والملاحدة والمشركين .. الكل لا يريد أن يبقى هذا النور، يريدوننا أن نحلق وجوهنا ونكشف نساءنا ونأكل الربا ونتعاطى الزنا والخمر والضياع فقط، لا يريدون صياماً ولا صلاة ولا طهراً.

    يرد على الله؟! أما قال تعالى: وَيُرِيدُ الَّذِينَ يَتَّبِعُونَ الشَّهَوَاتِ [النساء:27] يعبدون فروجهم يريدون ماذا لنا؟ أن نميل ونسقط إليهم ونصبح مثلهم، هل نفسياتهم تبدلت بعد ألف وأربعمائة سنة؟ والله ما تغيرت، بل ازدادت.

    قد يوجد عوام في اليهود والنصارى والمشركين ما لهم فكرة ولا بصيرة، لكن جل أغلب مسئوليهم والعالمين منهم والعارفين ما يريدون أن يبقى شيئاً اسمه طهر أو صفاء وهم منغمسون في الرذالة والفساد والشر، هذا كلام الله، ما ذكرنا، نمد أعناقنا لهم ليذبحوننا؟ أم ماذا نصنع؟

    لو أخذنا بمبدأ واحد، اسمع! يقول رسول الله صلى الله عليه وسلم: ( من تشبه بقوم فهو منهم ) أغلق الباب الآن، الآن يجن جنونهم، يصبحون ما يجدون مسلماً يتشبه بهم، ماذا أصاب الدنيا؟

    ( من تشبه بقوم فهو منهم ) من هنا بدءوا هم يعملون ما استطاعوا من جهد على أن نتشبه بهم في القضاء.. في الحكم.. في السياسة.. في الاجتماع.. في المال.. في الزي.. في الدراسة.. في كل شيء أن نكون مثلهم، أترون هناك غير هذا؟ هذا هو.

    مرة في فرنسا جلست إلى اثنين يتكلمون؛ أحدهم يعيب على السعودي أيش الحجاب هذا الباقي إلى الآن والمرأة مغمورة وكذا وكذا، قال له أخوه: لا، بالتدريج شيئاً فشيئاً ما هو دفعة واحدة، والله بهذه العبارة، وعنده عشرين سنة أو أكثر، تأكدتم من صحة ما قلت وإلا لا؟

    يكفينا أن الله يقول: وَيُرِيدُ الَّذِينَ يَتَّبِعُونَ [النساء:27] الشرائع الإلهية؟! يَتَّبِعُونَ الشَّهَوَاتِ أَنْ تَمِيلُوا [النساء:27] وتسقطوا مَيْلًا عَظِيمًا [النساء:27] حتى لا ترتفع رءوسكم ولا تعودوا إلى سلامتكم ونجاتكم.

    قولوا: آمنا بالله، كيف نخرج يا شيخ من هذه الفتنة؟ ما الطريق؟ والمسلمون من أقصى الشرق إلى أقصى الغرب متورطون ساقطون آكلون من هذه المجازر؟ ماذا نصنع؟ ما الجواب؟ نستسلم؟ أو نقول: النجاة النجاة أيها المستمعون ويا أيتها المستمعات! الدنيا هذه إلى هبوط والفتنة عائمة، كل واحد منا يطلب نجاة نفسه، هيا نطلب نجاة نفوسنا نتزيا بزي نبينا نأكل أكله، ونشرب شربه، ونعبد الله كما يعبده، ونصبر على ذلك حتى تنتهي حياتنا لأن إلجاء الأمة بكاملها استحالة.

    إذاً: كل واحد يطلب النجاة لنفسه، لم ما تقول الخلافة؟ إذا وجد الخليفة أو لم يوجد لا بد من استقامة الأمة على الإيمان، أن تدعا دعوة حقيقية إلى أن تؤمن بربها وتقبل على الله عز وجل، ثم تصبح أهلاً إذا أمرت أن تمتثل وإذا نهيت أن تنتهي، أما أمة متكالبة على الدنيا وأوساخها هابطة إلى الحضيض فيها، ألفت كل باطل ومنكر تريد أن تهديها بالرشاش والعصا مستحيل.

    أيها المستمعون! الشيخ منفعل ولا يعرف الانفعال إلا في الدرس هل فهمتم هذه؟ نعود من حيث بدأنا!

    إذا أراد أهل قرية فقط لا أقول أهل إقليم ولا مملكة ولا جمهورية، إذا أراد أهل قرية أن ينجوا ويكملوا ويسعدوا يؤمنوا ويحققوا إيمانهم وليسوا تحت سلطان روسيا أو الشيوعية كما فعلت في بلاد العرب انتهت.

    الآن الحرية كاملة اعبد الله حيث شئت، أهل القرية يؤمنون الإيمان الصحيح ويعملون بهذه الهداية الإلهية والتوصيات الربانية، ولينظروا حالهم سنة واحدة يصبحون بالنسبة إلى ظلمة الأمة كأنهم كوكب يضيء في السماء، ما ضرهم التقليد والتبعية والشهوات تمحي ولم يبق منها مظهر.

    لم ما جربنا هذا؟ قرية واحدة فقط إذا مالت الشمس إلى الغروب دقت الساعة السادسة يغسلون أيديهم من أعمالهم ويتوضئون ويأتون إلى بيت ربهم بنسائهم وأطفالهم يصلون المغرب ويجلسون كجلوسنا هذا، ويجلس لهم عالم بالكتاب والحكمة لا بالفلسفة ولا بالشيطنة، يتعلمون ليلة آية وأخرى حديثاً، وما علموا إلا وعملوا به، يوماً بعد يوم وعلمهم ينمو وأعمالهم تنمو، ما تمضي سنة إلا وهم أشباه أصحاب رسول الله.

    تدخل القرية لا تجد امرأة كاشفة عن محاسنها، بله لا تجدها في الشارع تمشي، والآن لا في الليل ولا في النهار؛ لأن الليل كله مصابيح أيضاً، كان نساء أصحاب رسول الله يخرجن بالليل متلفعات بمروطهن، في الليل والله العظيم ما يعرفن من الغلس.

    ونحن الآن الليل ما بقي ليل كله نهار، إذاً ما يشكو إليك واحد في القرية أنه شتمه فلان أو نال منه بسوء بكلمة أو بغيرها، أو تحدث أن فاحشة ارتكبت في هذه القرية أبداً، أن تجد من يكره أخاه أو يسبه أو يشتمه، هذا هو الطريق، ولا يكلفنا دينار ولا درهم، والله ليوفرن المال أقسم بالله؛ لأن الإقبال على الله في صدق، وانفتاح هذا الباب يقضي على شيء اسمه الشهوات والأطماع والملذات الفانية، ويصبح القليل يكفي صاحبه، والكثير يفيض عليه ويبحث عمن يعطيه إياه.

    وأخرى هذه القرية يضعون صندوقاً من حديد في المحراب ويقول المربي لهم: معشر الأبناء والإخوان أيتها المؤمنات من زاد على قوته ريال أو عشرة يودعه في هذا الصندوق، والمسجد ما يخلو من الركع والسجد ليلاً أو نهار عرفتم؟ ستة أشهر يمتلئ الصندوق من أراد أن يستلف فليستلف، من أراد أن يستقرض فليستقرض، وقد ينمى في مزرعة إلى جنبهم أو في مصنع إلى جنبهم ويفيض المال ولا ربا ولا زنا ولا قمار ولا تكالب أبداً.

    هل هذا يفتقر إلى خليفة أو دولة؟ لا، والله ما يفتقر إلا إلى إيمان حقيقي صادق، يصبح صاحب هذا الإيمان عبداً حقاً لله يحب ما يحب الله، ويكره ما يكره الله.

    وَيُرِيدُ الَّذِينَ يَتَّبِعُونَ الشَّهَوَاتِ [النساء:27] يريدون ماذا؟ أَنْ تَمِيلُوا [النساء:27] تعرفون الميلان وإلا لا؟ مَيْلًا عَظِيمًا [النساء:27] ما هو مجرد ميل، ما تقوموا بعد ذلك أبداً ولا ترفعوا رءوسكم بلا إله إلا الله.

    1.   

    تفسير قوله تعالى: (يريد الله أن يخفف عنكم وخلق الإنسان ضعيفاً)

    قال تعالى: يُرِيدُ اللَّهُ [النساء:28] أيضاً لا إله إلا الله، حقاً هذه الآيات يجب أن تحب، يجب أن نحمد الله كلما قرأناها، كيف هذا؟ ثلاث أسطر فيها ثلاث مرات يريد الله بكم كذا؟! يريد كذا؟! يا رب لك الحمد.

    يُرِيدُ اللَّهُ أَنْ يُخَفِّفَ عَنْكُمْ [النساء:28] كل ما يشق عليكم ويضنيكم ويرهقكم ما يريده لكم، فالذي ما استطاع أن يصبر على غريزته أذن له أن يتزوج المملوكة، لو ما شاء لما شرع ولما أذن، ولكن الرحمة التي تقتضي هذا، والشفقة علينا والإحسان إلينا؛ لأننا أولياؤه وعبيده.

    وهذا ظهر في مظاهر الشريعة: الذي ما يستطيع أن يتوضأ يتيمم، الذي ما يستطيع أن يصلي قائماً يصلي قاعداً، أليس كذلك؟ الذي ما استطاع أن يجاهد ينوي بقلبه فقط لو كان صحيحاً لجاهد يعطى أجر الجهاد .. وهكذا.

    يُرِيدُ اللَّهُ أَنْ يُخَفِّفَ عَنْكُمْ وَخُلِقَ الإِنسَانُ ضَعِيفًا [النساء:28] الهواء يميله إلى الشرق والغرب ويستخفه، فإذا تأدب بهذه الآداب الإلهية كمل.

    ولنقرأ مرة أخرى يا معاشر المستمعين والمستمعات! بلغوا علماء النفس والاجتماع والسياسة، وعلموهم أن الإنسان خلقه الله عز وجل وركب أعضاءه ووهبه عقله، هذا الإنسان بطبعه إذا استغنى طغى إِنَّ الإِنسَانَ لَيَطْغَى * أَنْ رَآهُ اسْتَغْنَى [العلق:6-7].

    كان يبيع عند باب المسجد وكان يتلطف إخوانه إذا أصبح ذا رتبة ووظيفة يتكبر عليهم، بل يضربهم برجله إِنَّ الإِنسَانَ لَيَطْغَى [العلق:6] بمجرد أن يرى نفسه استغنى عن غيره، أيام كان فقيراً ما يستطيع أن يتكبر، هذه صفة.

    الثانية قال تعالى: إِنَّ الإِنسَانَ خُلِقَ هَلُوعًا * إِذَا مَسَّهُ الشَّرُّ جَزُوعًا * وَإِذَا مَسَّهُ الْخَيْرُ مَنُوعًا [المعارج:19-21] والله كما قلت يا رب، والحياة كلها شاهدة، إذا مسه الخير يمنعه، وإذا مسه الشر يصرخ ويجزع! هذا طبعه.

    وقال تعالى: إِنَّهُ كَانَ ظَلُومًا جَهُولًا [الأحزاب:72] الإنسان هو الظلم والجهل.

    وقال تعالى: إِنَّ الإِنسَانَ لَظَلُومٌ كَفَّارٌ [إبراهيم:34] هذا الإنسان العام أبيض.. أسود.. عربي.. عجمي، فإذا هو نقل إلى المستشفى الرباني وعولج فجأة يصبح ليس ذاك الشخص، إذا مسه الخير والله ما يمنع بل يعطي، وإذا مسه الشر والله ما يجزع، وإن استغنى والله ما تكبر ولا طغى بل تنازل وتواضع .. وهكذا.

    فالبشرية المحرومة من هذه الملة المحمدية، هذا الإيمان وهذه الهدايات الربانية حالها كما علمتم: الطغيان.. الكفر.. الشهوات.. الباطل.. الشر، وإياك أن تطمع في خير منها.

    واضح هذا المعنى وإلا لا؟ هيا نؤمن، ما نستطيع يا شيخ، ما نقدر، لم؟ الإيمان يحملك أن تحمل أطنان الحديد على رأسك؟ أو أن تخرج من بيتك وتبيت في الشارع؟ لا. فقط أن تعرف أنك عبد الله، وأنك بين يدي الله، يجب أن تعرف ما يحب وما يكره، وأن تتملقه بفعل ما يحب وترك ما يكره، هذه حال تستدعيك أن تجلس بين يدي العلماء وتتعلم كتاب الله وحكمة رسوله؛ وبذلك تكمل وتنجو وتسعد، أيام كانت الشيوعية نعم قد تعذر بعض البلاد؛ إذ كانوا يكفرونهم بالقوة، أما الآن لا أبداً، حتى في روسيا اعبد الله.

    1.   

    قراءة في كتاب أيسر التفاسير

    معاشر المستمعين! أعيد الآيات المباركات ثلاثة آيات من ثمانية في هذه السورة خير مما طلعت عليه الشمس وغربت.

    قال تعالى: يُرِيدُ اللَّهُ لِيُبَيِّنَ لَكُمْ وَيَهْدِيَكُمْ سُنَنَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ وَيَتُوبَ عَلَيْكُمْ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ * وَاللَّهُ يُرِيدُ أَنْ يَتُوبَ عَلَيْكُمْ وَيُرِيدُ الَّذِينَ يَتَّبِعُونَ الشَّهَوَاتِ أَنْ تَمِيلُوا مَيْلًا عَظِيمًا * يُرِيدُ اللَّهُ أَنْ يُخَفِّفَ عَنْكُمْ وَخُلِقَ الإِنسَانُ ضَعِيفًا [النساء:26-28].

    فهمتم معنى الآيات؟

    إليكم شرحها في الكتاب: ‏

    معنى الآيات

    قال: [معنى الآيات:

    لما حرم تعالى ما حرم من المناكح وأباح ما أباح منها علل لذلك بقوله: يُرِيدُ اللَّهُ لِيُبَيِّنَ لَكُمْ [النساء:26]، أي: بما شرع؛ ليبين ما هو نافع لكم مما هو ضار بكم، فتأخذوا النافع وتتركوا الضار.

    كما يريد أن يهديكم طرائق الصالحين من قبلكم من أنبياء ومؤمنين وصالحين لتسلكوها فتكملوا وتسعدوا في الحياتين.

    كما يريد بما بين لكم أن (يتوب عليكم) أي: يرجع بكم من ضلال الجاهلية إلى هداية الإسلام فتعيشوا على الطهر والصلاح.

    وهو تعالى عليم بما ينفعكم ويضركم، حكيم في تدبيره لكم، واشكروه بلزوم طاعته والبعد عن معصيته. هذا ما تضمنته الآية الأولى.

    أما الآية الثانية: فقد تضمنت الإخبار بأن الله تعالى يريد بما يبينه من الحلال والحرام في المناكح وغيرها أن يرجع بالمؤمنين من حياة الخبث والفساد التي كانوا يعيشونها قبل الإسلام إلى حياة الطهر والصلاح في ظل تشريع عادل رحيم، وأن الذين يتبعون الشهوات من الزناة واليهود والنصارى وسائر المنحرفين عن سنن الهدى فإنهم يريدون من المؤمنين أن ينحرفوا مثلهم فينغمسوا في الملاذ والشهوات البهيمية حتى يصبحوا مثلهم لا فضل لهم عليهم وحينئذ لا حق لهم في قيادتهم أو هدايتهم].

    أصبحنا مثلهم.

    [هذا معنى الآية الثانية.

    أما الثالثة: فقد أخبر تعالى أنه بإباحته للمؤمنين العاجزين عن نكاح الحرائر .. نكاح الفتيات المؤمنات يريد بذلك التخفيف والتيسير على المؤمنين رحمة بهم وشفقة عليهم؛ لما يعلم تعالى من ضعف الإنسان وعدم صبره عن النساء بما غرز فيهم من غريزة الميل إلى أنثاه لحفظ النوع ولحكم عالية؛ فقال تعالى: يُرِيدُ اللَّهُ أَنْ يُخَفِّفَ عَنْكُمْ وَخُلِقَ الإِنسَانُ ضَعِيفًا [النساء:28] ].

    فهمتم الآيات؟ احمدوا الله عز وجل.

    هداية الآيات

    هداية هذه الآيات الثلاث في خمسة أرقام:

    [أولاً: منة الله تعالى علينا في تعليمه الأحكام لنا لتطمئن نفوسنا ويأتي العمل بشرح صدورنا وطيب خواطرنا.

    ثانياً: منة الله على المؤمنين بهدايتهم إلى طرق الصالحين وسبيل المفلحين ممن كانوا قبلهم.

    ثالثاً: منته تعالى بتطهير المؤمنين من الأخباث وضلال الجاهليات.

    رابعاً: الكشف عن نفسية الإنسان؛ إذ الزناة يرغبون في كون الناس كلهم زناة، والمنحرفون يودون أن ينحرف الناس مثلهم وهكذا كل منغمس في خبث أو شر أو فساد يود أن يكون كل الناس مثله، كما أن الطاهر الصالح يود أن يطهر ويصلح كل الناس.

    خامساً: ضعف الإنسان أمام غرائزه لاسيما غريزة الجنس].

    وصل اللهم على نبينا محمد وآله وصحبه أجمعين.

    مكتبتك الصوتية

    أو الدخول بحساب

    البث المباشر

    المزيد

    من الفعاليات والمحاضرات الأرشيفية من خدمة البث المباشر

    عدد مرات الاستماع

    3086718663

    عدد مرات الحفظ

    756218240