إسلام ويب

للرجال فقط [2]للشيخ : حسن أبو الأشبال الزهيري

  •  التفريغ النصي الكامل
  • لقد جاء في الكتاب والسنة ذم أصحاب الهوى والبدع والضلال والتحذير من مخالطتهم، والهوى هو كل ما يميل عن الحق، فتجد صاحبه يقدمه على قول الله وقول رسوله، ولأصحاب الأهواء والضلالات علامات وسمات يعرفون بها، وهم أصناف شتى، فليحذر المسلم من هذه الطوائف إيثاراً لسلامة دينه.

    1.   

    معنى الهوى

    الهوى في اللغة: هو الميل والعدول والنزوع إلى ما تهواه النفس، يعني: متابعة النفس على ما تهواه، لا على الكتاب والسنة.

    والهوى في الاصطلاح: هو الميل عن الحق، وعن طريق السنة، ويشمل هوى الاعتقاد، وهوى العمل، وهوى الشبهات والشهوات، كلها أهواء.

    والأهواء نوعان: منها ما هو واضح جلي لا خلاف عليه، ومنها ما هو دقيق صغير لا يكاد يعرفه إلا المتخصص.

    والهوى الجلي ينفر منه الطيب النقي بطبعه، أما الهوى الدقيق الذي لا يتبين لأول وهلة فإن معظم الأهواء تقع من هذا النوع، خاصة وأن كثيراً من المسلمين يتبعون العاطفة التي تتدرج بهم شيئاً فشيئاً؛ حتى يتمكن الهوى من قلوبهم.

    وقلنا: إن الهوى حكمه أنه هوىً عارض، وهوى مستقر.

    فالهوى العارض: هو الذي يزول بقوة الإيمان وبيان الحجة واستظهار الدليل والبرهان، وهذا أمر يسير، لأنه ما هو إلا شبهة أو شهوة خطرت بالقلب والعقل، وسرعان ما زالت بالحجة والبرهان والدليل، فإن هذا لا يحاسب الله تبارك وتعالى العبد عليه، أما الهوى الذي استقر في العقيدة والقلب، فيكون صاحبه على بدعة خطيرة جداً؛ فإنه يختلف باختلاف ما إذا كانت هذه البدعة مكفرة أو مفسقة فقط.

    1.   

    علامات أهل الأهواء وسماتهم

    مخالفة أهل الأهواء للسنة

    أما سمات أهل الأهواء وعلاماتهم فإنها كثيرة جداً نختصر منها شيئاً يتناسب مع المقام، فالفرق بين الهوى والهدى، وبين السنة والبدعة يتميز بملامح كثيرة:

    منها: أن صاحب الهوى مخالف للسنة؛ لأن السنة ليست هوى، وإنما هي أدلة ونصوص، وصاحب الهوى لا يتبع النصوص وإنما يتبع الرأي، فصاحب الهوى مخالف بأي أنواع المخالفة؛ سواءً كانت هذه مخالفة في العقيدة، أو في العمل، أو في السلوك، أو في الأخلاق، أو في الآداب، حتى ولو ظهر منه مظهر الصلاح والتقى والبر، ولو برر هواه بشتى أنواع المبررات، فإنه يكون مخالفاً لكلام أهل العلم الذين يقتدى بهم في دين الله تبارك وتعالى.

    هذه أول علامة على أصحاب الهوى: أنهم مخالفون للسنة متبعون للبدع.

    الانعزال عن أهل العلم والفقه في الدين

    المعلم الثاني: أن صاحب الهوى يعرف بانعزاله عن أهل العلم والفقه في الدين، وأنتم تعلمون أن واصل بن عطاء البصري كان تلميذاً في حلقة الحسن البصري ، فلما دخل داخل ووجه سؤالاً للحسن : يا إمام! ما تقول في صاحب الكبيرة؟ فكان أدبياً وأخلاقياً وسلوكياً أن يسكت الجميع حتى يتكلم المسئول، ولكن صاحب البدعة يطل بقرنه هكذا من وسط أهل السنة، فقام واصل بن عطاء وقال: صاحب الكبيرة ليس كافراً ولا مؤمناً، وهو مخلد في النار، فهو في الدنيا في منزلة بين المنزلتين، وخلوده ليس كخلود الكفار الأصليين، والحسن ساكت.

    ولم يكتف واصل بذلك، بل أخذ ثيابه وانصرف في مؤخرة المسجد -أخره الله تعالى- وأخذ زاوية منه وجلس، وقام من مجلس الحسن أصحاب الهوى وجلسوا مع واصل ، فتأسف الحسن لذلك أشد الأسف وقال: اعتزلنا واصل ، فسموا المعتزلة بتسمية الحسن البصري لـواصل بن عطاء ، فأنت تجد أن أصحاب الهوى ليسوا من طلاب العلم، وإلا فاذكر لي صاحب هوى الآن في هذا الزمان، واذكر لي على يد من طلب العلم، وهل برك وتمرغ في التراب على أبواب وأعتاب أهل العلم؟!

    كان أبو موسى الأشعري إماماً في العلم والدين والفقه، وهو من كبار أصحاب النبي عليه الصلاة والسلام، ولكن الذي أكبر منه في دين الله وفي العلم والفقه هو: أبو عبد الرحمن عبد الله بن مسعود ، فـأبو موسى الأشعري لما رأى قوماً قد تحلقوا حلقاً في مسجد الكوفة أنكر هذا الوضع أيما إنكار، ولكنه لم يتكلم، فذهب إلى بيت عبد الله بن مسعود ، ولم يطرق عليه الباب أبداً حتى خرج إليه - أي: في صلاة الظهر - فلما خرج إليه قال: من؟ أبو موسى ؟ قال: نعم. قال: ما الذي جاء بك، وما الذي منعك أن تطرق علينا؟ قال: انتظرتك يا إمام حتى تخرج. قال: وما الذي جاء بك؟ قلت: رأيت أمراً منكراً، رأيت أن ناساً قد تحلقوا حلقاً في مسجد الكوفة، وجعلوا على كل حلقة كبير من يلقي إليهم الحصى ويقول: كبروا مائة فيكبرون، سبحوا مائة فيسبحون، هللوا مائة فيهللون. ومع أن هذا تكبير وتسبيح وتهليل، لكن هذه الكيفية ليس للصحابة عهد بها، فقال عبد الله بن مسعود لـأبي موسى الأشعري : هلا أنكرت عليهم؟ قال: انتظاراً لرأيك يا إمام! وكان بإمكان أبي موسى وهو من كبار أهل العلم أن ينكر، ولكن أهل العلم درسوا على أنهم لا يتكلمون في قرية فيها من هو أعلم وأفقه، وكانوا يجعلون مدار الفتوى والعلم والتدريس لكبار القوم، وليس لصغارهم وطلابهم، فذهب إليهم عبد الله بن مسعود ووقف على رءوسهم وقال: ما هذا الذي تصنعون؟ قالوا: يا أبا عبد الرحمن ! والله ما أردنا به إلا الخير. قال: كم من مريد للخير لم يدركه، فإما أنكم على ملة هي أهدى من ملة محمد -يعني: أن الله تعالى أطلعكم على خير قد حجزه عن نبيكم وعن أصحابه- وإما أنكم مفتتحو باب ضلالة.

    فهب أننا رأينا هذا المنظر في بيت من بيوت الله، وقال واحد منا ما قاله ابن مسعود لاتهمنا الحاضرون بالتزمت والتشدد والانحراف وغير ذلك، والغلظة في الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر وغير ذلك، حتى قال الراوي: فوجدنا هؤلاء -أي: الذين تحلقوا وذكروا الله- يوم النهروان يقاتلوننا بالسيف. وذلك لأن الهوى قد تمكن من قلوبهم آنفاً، ألا تعلمون أن أشد الناس خطراً في دين الله عز وجل هم الخوارج والشيعة؟ أوما علمتم أن الخوارج أشد الناس عبادة في دين الله عز وجل، ولكن هيهات هيهات! هيهات هيهات! حتى أجمع أهل العلم على أن الخوارج لا يكذبون؛ لأنهم يكفرون بالمعصية والكذب معصية، فلو أنهم كذبوا لحكموا على أنفسهم بالكفر، بخلاف الرافضة فإن السمة البارزة عليهم الكذب ويسمونه: التقية.

    فاعلموا -أيها الكرام- أن النبي عليه الصلاة والسلام قال: (إنه سيظهر أقوام في أمتي تحقرون صلاتكم إلى صلاتهم، وصيامكم إلى صيامهم يمرقون من الدين كما يمرق السهم من الرمية) .

    يعني: لا عبرة بصلاتهم وصيامهم؛ لأنها تكلف وغلو في دين الله عز وجل، وكل بدعة قامت على الغلو، ولذلك قال النبي عليه الصلاة والسلام: (لن يشاد الدين أحد إلا غلبه) .

    وقال: (إياكم والغلو في الدين، فإنما أهلك من كان قبلكم الغلو في الدين) .

    وقال الله تعالى: قُلْ يَا أَهْلَ الْكِتَابِ لا تَغْلُوا فِي دِينِكُمْ [المائدة:77] ( لا تغلوا ) أي: لا تغالوا في دينكم.

    فصاحب الهوى يعرف بانعزاله عن حلقات العلم، وعن أهل العلم، فإن الذي استقى ما عنده من غير طريق أهل العلم يكون استقاه من هواه، ومن مزاجه ووجده.

    ولذلك فإن طالب العلم لا يجوز له أن يعتد بعلمه، ولا أن يفاصل أهل العلم ويتميز عنهم بأي نوع من أنواع التميز في الاعتقاد، أو السنن الظاهرة، أو الأعمال الكبرى، أو يخالف ما اتفق عليه أهل العلم لشبهة عنده.

    فطالب العلم الذي يكون عنده شبهة يجري بها إلى أهل العلم؛ حتى يزيلوا عنه الشبهة، خاصة في المسائل العظيمة التي تنزل بساحة المسلمين، إن الأمة في النوازل -خاصة في النوازل العظام- لابد أن تلجأ وتهرع وتلوذ -بعد الله تبارك وتعالى- إلى علمائها، وإن العلماء هم مناط الفتوى في النوازل والفتن، وإن للفتن ما ليس لغيرها من الفقه، وإن السكوت يسع المسلم في الفتنة، وربما لا يسعه في غيرها.

    إن الفتنة إذا وقعت وحلت في ديار المسلمين يتكلم فيها الكبار، فإن تكلموا بكلام وخرجوا باجتهاد فلابد لصغار أهل العلم أن يتبعوهم، وأن يقتدوا بهم، وأن يقتفوا أثرهم ولا يتكلموا؛ لأن كلام الصغير يزيد الفتن فتناً، ويشعل الأمر ناراً، ويجعل من الفتنة ألف فتنة، وإن السكوت خيبة في آخر الموقف، وفيه حواقن للفتنة، وإن العلماء والمشايخ الكبار هم أهل الحلم والتعقل والتدبر، بخلاف الشباب فإنهم في الغالب أهل طيش، وأهل تسرع، ولا ينتج عنهم إلا كل نجس.

    شدة الخصومة

    وأما العلامة الثالثة من علامات أهل البدع وأصحاب الأهواء: فإنها شدة الخصومة، فبعد أن تقام عليه الحجة يلج في الخصومة، وبعد أن يبين له البرهان ينتكس مرة أخرى؛ لأن قلبه قد أشرب بالهوى، حتى لو أقر واعترف بالحق الذي مع صاحب الحق، فإنه يرجع عنده، ويتردد في قبوله مرة أخرى.

    التكلف والتمحل في الانتصار

    العلامة الرابعة من علامات أهل الأهواء: التكلف والتمحل في الانتصار، والاستدلال بكل دليل، بل ولي أعناق الأدلة حتى تخدم هواه؛ بإخراجها عن المراد منها، والتفرد بمعاني الأدلة عن أقوال أهل العلم المختصين بها.

    إن صاحب الهوى يقرأ دليلاً ويفهم منه فهماً يخالف فيه أمة محمد عليه الصلاة والسلام، ومع هذا يعتد بهذا الفهم الذي خالف فيه، ويدع إجماع أهل العلم قديماً وحديثاً.

    فيقول: أنا عقلي كعقولهم، وأنا رجل وهم رجال، وأنا شيخ وهم شيوخ، وهذا الكلام الذي نسمعه بين الحين والحين، وفي مسجد تلو مسجد.

    لمز أئمة الدين

    العلامة الخامسة من علامات أصحاب الأهواء هي: لمز وغمز أئمة الدين، إن لم يتب ويعلن صراحة فإنه يغمز ويلمز ويعرض، ويلوح ببعض الفتاوى لأهل العلم، ويقول: هذا الذي يفتي الناس في النوازل وغيرها، وهذا الذي يشار إليه بالبنان، ويقال: إنه من أئمة المسلمين قال في يوم كذا: كذا وكذا، وقال في حديثه كذا وكذا، وعلى أية حال، وإن كان هذا الرجل رجلاً له احترام وتبجيل وتعظيم فإنه رجل ونحن رجال، وكلانا يقبل من قوله. سبحان الله! طالب علم صغير، ولم يبلغ الثلاثين من عمره وذاك الشيخ قد قارب المائة، ومع هذا يسوي نفسه به، ويقول: وهذا الشيخ مع جلالته وإتقانه وحفظه وخدمته للإسلام، وسبقه في العلم والعمل والعبادة، إلا أنه يخطئ ويصيب، وقد أخطأ في هذا القول، وهذا الشيخ إنسان غير معصوم وهو مأجور! فيا له من غمز ولمز لأهل العلم! نعم هذا القول جائز في العموم، لكنه جائز بين أهل العلم وليس بين أهل العلم وطلاب العلم الصغار.

    التعالي والتعالم والغرور والاستقلالية

    والعلامة السادسة: التعالي والتعالم والغرور والاستقلالية، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (لا ألفين أحدكم متكئاً على أريكته شبعان) .

    هذه علامة أهل الأهواء والبدع، تراه متكئاً شبعان قد ملأ بطنه، (يأتيه الأمر من أمور الحلال والحرام فيقول: ما وجدنا في كتاب الله حراماً حرمناه، وما وجدنا في كتاب الله حلالاً أحللناه، فيقول النبي عليه الصلاة والسلام: ألا إني أوتيت القرآن ومثله معه) .

    فهذا الرجل صاحب الهوى يقول: قال أحمد بن حنبل في المسألة كيت وكيت وكيت. وأنا أقول كيت وكيت وكيت.

    ثم يقول: هذا رأيي ومن كان عنده غير ذلك فليأتني به وهيهات!

    ثم يقول: لقد ظهر لي بحمد الله ما لم يظهر لأئمة الدين، تصور الكلمات التي تقرؤها في كتابه، وتأمل صاحب الكتاب فإنك ستجده إنساناً مغموراً محفوراً لا أحد يعلم به لا من الإنس ولا من الجن، فهذا جزاؤه الضرب بالنعل، لكن لما انتشر التصنيف في عصر الفوضى، كان لكل من هب ودب أن يتكلم في دين الله؛ وذلك لأن الدين مرتع له، فلا يستطيع أحد أن يتكلم في الطب أو الهندسة أو الفيزياء أو غير ذلك من علوم الدنيا، ولكن الشرع ساحة بلا حارس، ومن عجز عن الكلام في غيره فليتفضل، ولينتهك ولينهش.

    وفوق هذا يقول: هذا وأظنني غير مسبوق بها، وقد أتيت بما لم تأت به الأوائل.

    المخالفة في منهج الاستدلال والتلقي

    العلامة السابعة من علامات وملامح أهل الأهواء: اختلافهم في منهج الاستدلال والتلقي.

    إذا أردت أن تستدل على شيء بدليل؛ فإنك تقول: قال الله قال رسوله، تستدل بالمنقول، وصاحب الهوى لا علاقة له بالمنقول ولا علاقة له بالنصوص، فتراه يستدل بالآراء، قال أهل العلم: إياكم وأرأيت؟ أو رأيت .. إياكم وإيانا.

    فصاحب الهوى منهجه في الاستدلال والتلقي منهج يخالف منهج أهل السنة والجماعة؛ لأنه يقول: إني أرى، وإني رأيت، وإن هذا الأمر معقول، وهذا غير معقول، هذا يدخل في عقلي ويستوعبه، وهذا لا يدخل فيه ولا يستوعبه، ولذلك أنا أقبل هذا، وأرد هذا بعقلي، أما أهل السنة والجماعة فإن منهجهم في الاستدلال ما قاله ابن القيم رحمه الله:

    العلم قال الله قال رسوله قال الصحابة ليس بالتمويه

    ما العلم نصبك للخلاف سفاهة بين الرسول وبين قول فقيه

    فمنهج التلقي عند أصحاب البدع: قال الشيخ الفلاني، وقالت الطائفة الفلانية، وقال به الجماعة الفلانية، أي: قالت جماعتي وطائفتي وشيخي.

    يا فلان! هذه الجماعة خالفت كتاب الله في قول كيت، وخالفت سنة النبي صلى الله عليه وسلم بقول كيت؟ فيقول: أنا لا أعرف شيئاً من هذا، يكفيني أن آخذ على الشيخ الفلاني؛ لأنه شيخ الطائفة، أو شيخ الجماعة، أو شيخ الفرقة، أو شيخ المجموعة، أو الفئة من الناس أو غير ذلك، منهجه في التلقي يختلف عن منهج أهل السنة والجماعة، فيجعل قول شيخه وجماعته وطائفته فيصلاً في القضية المطروحة، وكذلك أصحاب الأهواء جميعاً.

    الاستهزاء في الاستدلال بكلام أهل العلم وأخذه إذا وافق الهوى

    العلامة الثامنة: الاستهزاء في الاستدلال من كلام أهل العلم، بل من كلام الله تبارك وتعالى بما يحلو لهم، ويتفق مع هواهم وبدعتهم.

    ترى كثيراً ممن يتكلمون بكلام يريد أن يؤيد هواه وبدعته، فيقول: يا أخي! شيخ الإسلام ابن تيمية قال: يجوز حلق اللحية لمصلحة الدعوة، تقول: وأين قال ابن تيمية هذا الكلام؟ يقول: في كتابه: (اقتضاء الصراط المستقيم مخالفة أصحاب الجحيم) وأنت سترى هذا بعينيك وتقرؤه بنفسك، فإذا بك تقرأ بعد أن ملئوا الدنيا صياحاً وضجيجاً أن شيخ الإسلام ابن تيمية قد أفتاهم كتابة ونقلاً عنه أن الواحد له أن يتحلل من مظهره كله، يقول: ولو أن مسلماً في بلاد حرب، يخشى على دينه، ويخشى على نفسه من مظهره الذي يدل على التزامه بدين الله تبارك وتعالى فله أن يتخلى عن مظهره، وأن يحاول الفرار من هذه البلاد إلى بلاد يتمكن فيها من إظهار ذلك.

    فلو أنك قرأت كلام شيخ الإسلام ابن تيمية برمته لعلمت أن الفتوى مستقيمة على منهج السلف في الاستدلال، ولكن صاحب الهوى انتزع منها ما يوافق هواه، ثم ينسب هذا لإمام من أئمة الدنيا ثقة عندك وعنده، وإلا لما استدل بكلامه، بل أنكره أصلاً.

    وتجد أن الواحد منهم يبغض الشيخ الفلاني، أو الشيخ العلاني أشد البغض، ويتهجم عليه في محاضراته ودروسه وخطبه، وإذا قال الشيخ قولة واحدة توافق هواه يقول: ألم يقل الشيخ الألباني بجواز كشف الوجه والكفين؟ أليس هذا هو شيخكم المبجل الذي هو المرجعية والمنظر عندكم؟ نقول: نعم. وهذه المسألة مما اختلف فيها أهل العلم، ووسع السلف الخلاف فيها، فنحن لا نحرج على الشيخ وعلى من قال بغيره، وإن كنا نعتقد وجوب الستر إلا أن الشيخ له أدلته، ولم يصدر هذه الفتوى عن هوى، ويكفيك أن تعلم أن معظم أهل العلم وجماهير أهل العلم قالوا بجواز الكشف، لكن الذي يترجح خلاف ذلك، وعلى أية حال: المسألة واسعة إن شاء الله، فانظر إلى هذا الرجل الذي يكره الألباني ويبغضه على كل خط ومدار إلا في هذا الأمر، فيقول: والله نحن نأخذ بفتوى الشيخ الألباني في هذا، فما هو سر هذا التمسك؟ سره أنه وافق عندك هوى، ولو كنت تمسكت بهذا لاستظهار الأدلة عندك لقلنا لك: أنت مأجور عند الله عز وجل، وليس الأمر كذلك.

    أو أن صاحب الهوى يأخذ من كتاب الله تبارك وتعالى نصوص الوعد ويترك نصوص الوعيد، أو يأخذ الوعيد ويترك الوعد، أو لا يحمل المطلق على المقيد، أو الخاص على العام، أو لا يقول بالنسخ في القرآن والسنة، أو غير ذلك، ويتغافل عن قواعد الشرك المبنية على النصوص العامة، ويأخذ من النصوص ما يتوجه أن يكون حجة له، لا حجة عليه ويدع الباقي؛ لأنه يعلم أن الزيادة المتروكة حجة لغيره، وهذا بخلاف منهج السلف.

    كان الإمام الشافعي رحمه الله يقول: ما ناظرت أحداً إلا وتمنيت أن الحق معه. هل فينا واحد مهما بلغت استقامته بلغ هذا المبلغ؟ يقول الشافعي ذلك لأنه يضمن لنفسه أن يرجع إلى الحق وأن يقبله، ولا يضمن لغيره، فيا ليت أن خصمي معه الدليل والحجة والبرهان، يا ليتني أستدل له بالمنسوخ ويكون معه الناسخ الذي لم يبلغني، يا ليتني أكون متمسكاً بالعام ومعه المقيد، يا ليتني متمسك بالمطلق ومعه المقيد، وغير ذلك؛ لأني أضمن نفسي - أي: الشافعي - ولا يضمن غيره، فيقول:

    وددت لو أن الناس تعلموا، ثم لم ينسب إلي منه حرف واحد، وما ناظرت أحداً إلا وتمنيت أن الحق معه.

    ويقول كذلك: إذا ناظرت أحداً فربما يكون قولي حقاً، وكلامه أحق مني. وقد وردت رواية أخرى عنه تقول: قولي صحيح يحتمل الخطأ، وقول غيري خطأ يحتمل الصواب.

    وأما نحن فإن أقوالنا كلها صحيحة، وأقوال الأئمة بأسرها خطأ، فيا أخي المسلم! إن سمعت من عالم فتوى فاحمله على أحسن المحامل حتى تجد له في الخير محملاً، إذا سمعت كلاماً لأخيك فاحمله على أحسن المحامل والوجوه.

    وشى رجل بـالربيع بن سليمان المرادي -تلميذ الشافعي - عند الشافعي ، فلما بلغت هذه الوشاية الربيع هرول إلى الشافعي وقال: يا إمام! والله ما قصدتك بذلك. قال الشافعي : والله لو أنك قلته في وجهي لعلمت أنك لا تقصدني.

    فأهل الأهواء لا يحسنون الظن بخصومهم حتى وإن كانوا من كبار أهل العلم، ويتصيدون الأخطاء، وإن رجعوا عنها في مواطن أخرى.

    فنجد مثلاً: أن بعض أهل العلم في زمن من الأزمنة قد صنفوا كتباً، وتكلموا بكلام، وربما أخطئوا فيه في مكان، فاستدركوا ذلك في نفس الكتاب في مكان آخر، وربما لا يدرون أنهم قد أخطئوا من قبل، ولكن ظهر لهم ما كان قد خفي فصححوا في مواطن أخرى.

    أو أن القائل تكلم بمقولة يؤاخذ بها فاعتذر عنها وتاب منها، فيأتي من يأتي بعد ذلك، ولا يلتفت إلى هذا الاعتذار، ولا إلى توبة المخطئ من خطئه، ويشن الحرب الشعواء الضروس عليه، ويقول: هو أشد على الإسلام من اليهود والنصارى، هذا أمر عجب، وهذا أمر لا يصدر من طلاب العلم، أو لا ينبغي أن يصدر منهم فضلاً عن كبارهم.

    الحرص على مواطن الإشكال وغرائب النقول والأقوال

    ومن علامة أهل الأهواء كذلك: الحرص على مواطن الإشكال، وغرائب النقول والأقوال، تجدهم يتقعرون في مقولاتهم، ولا يتكلمون بكلام واضح، كما كان النبي عليه الصلاة والسلام يتكلم مع أصحابه، ومع من أتوا من البادية، أو من هنا وهناك، كان السائل يسأل السؤال فيأخذ جوابه وينصرف دون أن يسأل عن التفسير إلا ما ندر؛ ولذلك إذا راجعت تفسير النبي عليه الصلاة والسلام لكتاب الله لا تكاد تجد أنه فسر إلا بعض الآيات من كتاب الله عز وجل، ولم يفسر القرآن كله؟ لأنه نزل بلغة العرب، والنبي عليه السلام تكلم بلغة العرب، فكانوا يفهمونه أحسن الفهم، وينطلقون دون أن يستبينوا معاني الكلمات، فما الذي يمنعك -أيها العبد- أن تتكلم بلغة يفهمها أهل زمانك وأهل عصرك؟!

    البعد عن العدل في الحكم

    ومن علاماتهم كذلك: البعد عن العدل في الحكم، إذا حكموا لا يعدلون، وإذا تكلموا لا ينصفون، ويتناسون الحسنات، ويذكرون السيئات، ويخوضون في الأعراض -أي: في أعراض أهل العلم على جهة الخصوص- ويقولون: ليس منهج أهل السنة والجماعة الموازنة بين الحسنات والسيئات، هكذا يدعون.

    وعجبي أنهم لم يطلعوا على قول الله عز وجل وقد أثنى أولاً على أهل الكتاب، فقال سبحانه: وَمِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ مَنْ إِنْ تَأْمَنْهُ بِقِنطَارٍ يُؤَدِّهِ إِلَيْكَ وَمِنْهُمْ مَنْ إِنْ تَأْمَنْهُ بِدِينَارٍ لا يُؤَدِّهِ إِلَيْكَ إِلَّا مَا دُمْتَ عَلَيْهِ قَائِمًا [آل عمران:75].

    فأثنى على من استحق الثناء منهم أولاً، ثم ذكر المعايب بعد ذلك، فإن المرء إنما يوهب لما غلب عليه، فإن كان الأصل فيه الفساد والشر والانحراف والهوى؛ فإنه يكون صاحب هوى وإن صدق وعدل في قول أو قولين أو ثلاثة، فليس صاحب البدعة إذا وافق أهل السنة وأهل الالتزام وأهل الاستقامة في مسألة أو مسألتين معناه: أن يكون صاحب سنة، بل هو صاحب بدعة؛ وذلك لأن موافقته للسنة في بعض المسائل لا تقدم الكم الهائل في بدعته.

    كما أن صاحب السنة إذا أخطأ في مسألة أو مسألتين، ووافق فيها أهل الأهواء وأصحاب البدع؛ فإنه يعذر في هذا ويقال: أخطأ فيه، ولا يقال: إنه ابتدع، وإنه خرج عن منهج أهل السنة والجماعة، فيبين خطؤه مع بقائه على أصله في الاستقامة والاعتدال، هكذا منهج أهل السنة والجماعة أنهم يعدلون في أحكامهم، وينصفون في أقوالهم، ويذكرون الحسنات والسيئات إن دعت الضرورة إلى ذلك، ويلتمسون الأعذار لأهل الأعذار، ويبررون المواقف، ويحسنون الظن خاصة بأهل العلم.

    الإغراق في الجزئيات وإهمال الكليات

    ومن علامات أهل البدع والأهواء كذلك: الإغراق في الجزئيات، والتغافل عن الكليات، والانشغال بها، وصرف الوقت في تحصيلها، ويجعلون من مسألة ما دينه كله الذي يشغل حياته، فيدخل فيما لا يعنيه، فالدخول فيما لا يعني من سمات وملامح أهل الأهواء، فلو أن عالماً قد اختلف مع عالم آخر لوجدت أن طلاب العلم الصغار الذين لا يلزمهم الخوض في هذه القضية ينشغلون أشد الانشغال، ويسيرون بهذه المسألة يمنة ويسرة، ويطيحون بها في كل واد، ويرتفعون بها على قمم الجبال، فيسألون: الحق مع من؟ ما القول الفصل في هذه القضية؟ ويظل يسأل، ثم يسمع الجواب، ويسأل ثانية، ويسمع الجواب، وعاشرة ومائة وألفاً، هل أنت مكلف بهذا؟! أنت مكلف أن تبحث عن دينك، أنت مكلف أن تتعلم أصول اعتقادك، وأصول الشرائع من صيام وصلاة وزكاة وحج وغير ذلك، أنت قد أفنيت عمرك في البحث عن مسألة واحدة، هل هذا منهج سلفي يا من تدعي أنك سلفي؟! وإن كان الكبار يلامون على ذلك أيضاً، ولكن الصغار أشد لوماً؛ لأنهم قد صرفوا حياتهم، وبذلوا أوقاتهم في البحث عن مسألة واحدة، وربما تكون هذه المسألة من جزئيات الجزئيات التي لو تركتها لا تلام بين يدي الله عز وجل.

    الكثير من الشباب يشغل نفسه بالفتن الواقعة على الساحة، أنت لست مطالباً بهذا يا أخي، فإن كلام الأقران يطوى ولا يروى، ولا عبرة بقول كل واحد منهما في الآخر، وإنما العبرة في بحثك أنت عن الحق، فابحث عنه عندما تثق به مرة واحدة ويكفيك، وتعذر بهذا أمام الله عز وجل.

    أما إغراق الوقت واستيعابه في البحث عن جزئية؛ فهذا من الأمور العصرية المنكرة، بل والمنكرة جداً، فاتقوا الله تبارك وتعالى أيها الشباب.

    الوقوف على مسائل الخلاف ومنازع الاجتهاد

    والعلامة الثالثة عشرة: الوقوف على مسائل الخلاف والإشكاليات، ومنازع الاجتهاد، والمفارقة في ذلك، وإشاعة ذلك بين الخاصة والعامة.

    اتخاذ المواقف المزرية فيما يجوز فيه الخلاف

    والعلامة الرابعة عشرة: اتخاذ المواقف المزرية المخزية من مخالفيهم فيما يجوز فيه الخلاف شرعاً، وعدم قبول معذرتهم، كقضية الخمار والنقاب، ووجوب قراءة الفاتحة من عدمه في الصلاة، وهل تدرك الركعة بإدراك الركوع أم لا؟ وهل البسملة آية من كل سورة أو من الفاتحة؟ ووضع اليد على الصدر بعد الرفع من الركوع سنة أو بدعة؟ فتجد الشخص يقابل هذه السنة بسؤال، وفي السنة الثانية يأتي بنفس السؤال، والسنة التي بعدها يأتي بنفس السؤال, ومن المفترض أنه لقي غيرك؛ فتسيء أنت به الظن أنه لا يسأل أحداً من أهل العلم إلا عن هذه المسألة.

    فقد سألني سائل في مسألة: هل وضع اليد على الصدر بعد الرفع من الركوع سنة أم بدعة؟ فقلت له: يا أخي الكريم! الشرك على أنواع، أتعرفها؟ قال: لا والله، قلت: هذا أوجب عليك مما تسأل، انصرف.

    عقد الولاء والبراء على البدعة والهوى

    العلامة الخامسة عشرة من ملامح أهل الأهواء: أنهم يعقدون الولاء والبراء على هواهم وعلى بدعتهم، ويتعصبون لجماعتهم وينتمون إليها في مشربهم، وفي نزعاتهم الشخصية والخلافات، كما كان الأمر كذلك في الجاهلية تماماً.

    فأي تحزب يضعف الولاء لله عز وجل؛ وذلك لأنك اجتزأت من ولائك لله جزءاً لجماعتك، ونحن نسمع كثيراً أننا إذا قلنا لفلان: ما الحكم الشرعي في المسألة الفلانية؟ قال: جماعتي قالت كيت، وشيخنا قال كيت، أو يقول: أميرنا قال كيت، وهكذا جعل جزءاً من الولاء له، فضعف ولاؤه لله عز وجل، حتى إذا خالف ذلك الأمير أمر الله تعالى وأمر رسوله قدم أمر الأمير على أمر الله ورسوله.

    التصدر للفتوى في النوازل

    ومن ملامح أهل البدع: أنهم يبرزون ويظهرون في النوازل والكوارث التي لا يجوز أن يظهر فيها إلا أهل العلم، أي نازلة ومصيبة تنزل بالمسلمين تجدها تطل بقرونها على رءوس كثير من طلاب العلم الصغار، فترى كل واحد منهم يموج في أرجاء المعمورة بهذه الفتنة، فإن قيل له: هل أنت مكلف بهذا؟ يقول: هذا أمر المسلمين، ومن لم يهتم بهم فليس منهم، ويحفظ لك قليلاً من الأدلة والنصوص، منها ما هو صحيح ومنها ما هو ضعيف ومنها ما هو موضوع؛ حتى يبين أنه صاحب الهم الأعظم، وأنه قد أحيل إليه الفصل في هذا النزاع، وفي هذه الفتن والملمات.

    التعصب لغير شعارات وأصول أهل السنة والجماعة

    ومن ملامحهم كذلك: التعلق والتعصب لشعارات غير شعارات وأصول أهل السنة والجماعة، واتخاذ مناهج في الدين تخالف منهج أهل السنة والجماعة، وأنا أظن أن هذا كاف في إثبات العلامات، وإن كانت العلامات أكثر من ذلك.

    1.   

    أصناف أهل الأهواء

    أما أصناف أهل الأهواء فكثيرة جداً نختصر البعض منها:

    العلمانيون

    الأول مثلاً: (العِلمانيون) والتسمية الصحيحة: (العَلْمانيون) نسبة إلى العالم، لا العِلمانيون نسبة إلى العلم؛ لأن النسبة إلى العلم شرف، وأما النسبة إلى العالم فإنها معرة وخسة ونذالة وانحطاط فكري؛ لأن النسبة إلى العالم علماني كالنسبة إلى الدهر دهريون.

    والعلمانيون هم أصناف وفئات وطبقات كثيرة جداً، وأشكالهم لا يعلمها إلا الله عز وجل، وتجمعاتهم كثيرة بدأت في بلاد الغرب، ثم في بلاد أمريكا، وانتشرت في بلاد المسلمين، بل وتمسك كثير من المسلمين بالعلمانية أكثر من تمسك العلمانيين الأصليين بها؛ فإنهم قد يتخلون عن مبادئهم بعد إثبات فسادها وبيان ضعفها، ولكن المسلمين وفاءً للغرب الكافر لا يتنازلون عنها، كنظرية داروين -مثلاً- الذي ثبت فشلها وكذبها في بلاد الغرب أجمع، وتخلوا عنها وتركوا تدريسها في المدارس، ولكن المسلمين لا يزالون وفاءً للغرب يدرسون هذه النظرية البائسة التعيسة التي تخالف دين الله عز وجل في خلق الإنسان.

    وهكذا الديمقراطية، ومعناها: أن الناس يحكم بعضهم بعضاً، فلا حكم إلا للناس على الناس، أما حكم الله تبارك وتعالى فقد جعلوه وراء ظهورهم.

    فتجد الناس يلهجون بها هنا وهناك، بل وبعض الجماعات الكبيرة التي لها ثقل عظيم تبنت كبر هذه القضية، وكتبوا فيها المقالات والكتب، يقولون: الديمقراطية في الإسلام، عنوان جذاب وخطير، يراه المرء لأول وهلة فيقول: نعم هناك ديمقراطية في الإسلام، مع أنه لا يعرف معنى الديمقراطية أصلاً.

    فبعض الناس يتصورون أن المسلم يسعه أن يكون ديمقراطياً أو اشتراكياً أو علمانياً، إذا كان هذا ظنك بكل مسلم، فما المانع أن تتصور في المستقبل أنه يسع المسلم أن يكون كافراً؟!

    والعلمانيون في بلادنا قد أخلصوا كل الإخلاص لأسيادهم في بلاد أوروبا، ذهبوا إلى هناك بحجة دراسة العلوم الدنيوية، أو حتى العلم الشرعي، وإن المرء ليعجب أشد العجب ممن يذهب إلى فرنسا ليأخذ الشهادة في الأدب العربي، أو الشهادة في التفسير، أو الشهادة في علوم السنة، أو غير ذلك، أو يذهب إلى أمريكا أو أي دولة من دول أوروبا، وربما يكون هذا مقبولاً إذا كان هذا فيه علم من علوم الدنيا؛ لأنهم أخذوا علمنا وفاقوا علينا به ومن خلاله، فأصل تقدم أووربا كله نابع من كتاب الله ومن سنة الرسول صلى الله عليه وسلم، ومن اجتهاد أهل العلم السابقين في الإسلام.

    وهذا أمر لا ينازع فيه الغرب الآن، وآخر صيحة الآن يرجعون إليها هي: الطب بالأعشاب، فالغرب الآن بأجمع أدرك فساد هذه العقاقير الطبية، وهو يميل الآن إلى استخلاص هذه العقاقير من الأعشاب الطبية.

    ولا شك أن هذا الأصل عندنا، وكل أصل أخذوه منا، وبرعوا وتفننوا فيه ونحن نيام، نسأل الله أن يوقظنا.

    فتجد أن الواحد منهم يذهب إلى الدراسة هناك، ويتحول بزاوية (180) درجة، ويأتي بحرب شديدة شعواء على الإسلام وأهله، فيحتقر ويسترذل ويستدني كل مظاهر الإسلام والمسلمين، وينظر إليهم شزراً كأنه لا يعرفهم، وكأنه ليس منهم، بل ينظر بهذه النظرات إلى أبيه وأمه وإخوته وأبنائه، ويرميهم بالجهل والتخلف وغير ذلك، ثم يتطرق إلى الكلام في الدين وأن مظاهر الديانة تخلف ورجعية وغير ذلك، ولا أريد أن أذكر أسماءً؛ لأن الأسماء كثيرة جداً، فأعظم الشهادات العالية المرفوعة في البلد حصل عليها الأستاذ الدكتور الفلاني رئيس قسم كذا في كلية كذا في جامعة كذا، وهو علماني بحت، ويقول كلاماً أنا أتعجب لماذا لا يكفر نفسه؟! هذه ورقات قد طبعها بعض الطلاب في كلية من الكليات لهذا الأستاذ الدكتور، فانظروا ماذا يقول؟!

    يقول في يوم السبت الموافق: (11/10/97) محاضرة الفرقة الثالثة: ما هذا الكرسي الذي يقولون عنه: إنه وسع السماوات والأرض؟! ما هو مقداره؟! وهل من اللازم وجود هذا الكرسي؟!

    ويوم الثلاثاء: (14/10/97) محاضرة الفرقة الرابعة قال في قوله تعالى: وَالتِّينِ وَالزَّيْتُونِ [التين:1]: ما أدراني إن كانت الأسماء أسماء آدميين أم فاكهة؟ وعلى العموم أنا لا أحب إلا التفاح والعنب! استهزاء وسخرية بكتاب الله.

    ثم يقول: ستجد نبياً ولد تحت التين والزيتون فوضعوا التين والزيتون في الآية، وإلا لماذا لا يقول: خيار وبطيخ وشبرى، لا أعرف ما علاقة الفاكهة بالمكان؟!

    ثم قال يوم الثلاثاء: (21/10/97) في محاضرة الفرقة الرابعة: من هذا الأهبل الذي قال لكم: إن الصحابة كانوا مؤمنين بصدق؟ إنما كانوا خائفين أن يقتلوا؛ فقالوا: نقول له الذي يريده، ونضع الصنم تحت السرير ونستريح.

    وقال يوم السبت (25/10/97) في محاضرة الفرقة الثالثة لطالبة محجبة: ما هذه الملاية التي تلبسينها؟! استمري على ذلك حتى يسقط شعرك وحينئذ تعرفين الحق!

    وفي يوم الثلاثاء: (28/10/97) في محاضرة الفرقة الرابعة قام بطرد طالبة منتقبة بدون سبب، وبعد خروجها قال: ترفع علي لسانها من تحت الفوطة، أنا لا أعرف ما هي المناظر التي تخفيها عنا؟!

    وقال في يوم السبت: (8/11/97) محاضرة الفرقة الثالثة: المسيح -عليه السلام- كان يركب الحمار، ويدلدل رجليه المقشَّفتين، فلما رأى اليهود حاله أعطوه (كريماً) لعلاج التقشف.

    ويوم الثلاثاء: (11/11/97) في محاضرة الفرقة الرابعة قال للطالبات المنتقبات: لا أدري ما قصة هذه الملايات التي تضعنها فوق رءوسكن؟! من الذي قال لكن: إن الله أمر النساء أن يفعلن ذلك؟! إن آباءكن لو أدخلوكن في مدارس محترمة لما فعلتن ذلك. يعني: مدارس أجنبية، لغات. إن الخادمة في زماننا الماضي كانت تضع (الخيش) على رأسها حتى لا يقع القمل على الطعام الذي تصنعه.

    ويوم الثلاثاء: (18/11/97) قال للمسيحيين في المحاضرة: نحن يوم القيامة سنقعد في الجنة نتفرج عليكم وأنتم في جهنم تتلسعون، فنغيظكم ونخرج ألسنتنا!

    وقال يوم الثلاثاء: (18/11/97) محاضرة في الفرقة الرابعة عن حديث: (لعن الله شارب الخمر) قال: من أنفع المنافع وحكمها حرام؟! يعترض على الله عز وجل.

    وتم تسليم نسخة من هذه الرسالة إلى جميع أساتذة الكلية وإلى عميد الكلية ورئيس الجامعة، وما زلنا في انتظار القرار.

    الفرق الضالة

    الصنف الثاني من أهل الأهواء: الفرق الضالة كالرافضة وفرقهم، والصوفية الحلولية والاتحادية وفرقهم، والبهائية والقاديانية والفابية، وهم موجودون اليوم بيننا، وللأسف لهم كلمة مسموعة وسطوة في بلاد كثيرة، وكذلك في بلادنا لهم كلمة مسموعة ويبجلون ويحترمون أشد الاحترام، بخلاف أهل السنة والجماعة، وتجاهلهم من أعظم الأخطاء التي تفتك بالأمة؛ لأن هذا الصنف يستعين بعدوك وبخصمك، فإذا بك تنظر في يوم ما أنه أكبر منك وأقوى، فلا تستطيع أن تحاربه، بل لا تستطيع أن تنقم عليه شيئاً من عقيدته أو مسلكه وخلقه؛ لأنك تخاف حينئذ، وأكبر دليل على ذلك انتشار الشيعة في بلاد العرب، وإذا أراد داعية أن يتكلم في محاضرة ما عن الشيعة الرافضة غمزوه وشدوا على ثوبه، وقد فعلوا ذلك معي عدة مرات، فقد تكلمت في محاضرة عن الالتزام بالسنة ونبذ البدعة، فأتاني رجل وأخذ أذني والتقمها وقال: يا شيخ! مالك وللشيعة، دعهم! قلت: أعندكم شيعة؟ قال: (20%) من السكان شيعة، فلو كانوا هؤلاء أقوياء بإيمانهم لما خافوا من الشيعة حتى لو كانوا (100%)، ولكن الذي يتخلى عن منهج الله ورسوله يجبن ويخاف من كل شيء حتى من الفئران والقطط.

    قد يقول قائل: لماذا تدرسون معتقدات هذه الفرق؟! أوليس قد مضوا وانتهوا؟!

    أقول: هذه الفرق الأصلية موجودة في زماننا، وستكون موجودة إلى قيام الساعة، وإن اختلفت أشكالها وألوانها ومسمياتها، وأنتم تعلمون الآن ما يطلق على ألسنة أهل العلم: المدرسة العقلية، فهذه التسمية شرعية ويقصد بهم المعتزلة، ومعظم الناس الآن يقعون بجهل في الإرجاء، تقول لأحدهم: صم يا فلان، فيقول لك: إن الله غفور رحيم، وسأدخل الجنة مباشرة، فتراه مفرطاً في العمل ويتمنى أن يدخل الجنة، ويتمنى على الله الأماني، وهذا كله ضلال وانحراف.

    والنبي عليه الصلاة والسلام كان رأس التكليف في هذه الأمة، فقد كان يصوم ويصلي ويزكي ويحج ويأتي بكل الطاعات حتى لفظ آخر نفس من حياته، وهو الذي غفر الله تعالى له ما تقدم من ذنبه وما تأخر، ومع هذا كان يقوم الليل نافلة حتى تورمت قدماه، وأشفقت عليه إحدى نسائه عائشة رضي الله عنها وقالت: أما غفر الله لك يا رسول الله! أشفق على نفسك، فقال: (أفلا أكون عبداً شكوراً) .

    ولكن الأمة وقعت فيما حذر منه النبي عليه الصلاة والسلام.

    أصحاب النزعات البدعية

    الصنف الثالث: أصحاب النزعات البدعية، وإن لم ينتموا إلى فرقة من الفرق، وهي نزعات في طريق الدعوة إلى الله عز وجل، أو في كيفية الدعوة إلى الله عز وجل، أو في كيفية عبادة من العبادات، كأن تكون نزعة شخصية لشخص لا علاقة له بالصوفية ولا بغيرها، لكنه يبتدع بدعة لنفسه، ويتقرب بها إلى الله عز وجل، فهي طريقة في العبادة اخترعها من عند نفسه ليس عليها دليل سابق، ويزعم أنه يتقرب بها إلى الله عز وجل، فهذا كذلك صاحب هوى بعيد عن الدليل.

    ومما ساعد على انتشارهم سكوت بعض الدعاة عن نصحهم تأليفاً للمسلمين ولم الشمل بزعمهم، فلماذا لا يكون الشمل على أسس متينة من كتاب الله ومن سنة النبي عليه الصلاة والسلام؟! كم من بدعة أطلت برأسها وسكت عنها العلماء؛ لأنهم لا يستطيعون أمام الانتشار وهذا المد العظيم أن ينكروها أو يبينوا خطرها؛ ولأنهم إن أنكروا قامت الخلافات وتبادلوا سهام السباب والشتام.

    وقد بلغني أن كبير جماعة من الجماعات قال: والله أقسم بربي أن من ترك الخروج أربعين يوماً، أو ثلاثة أيام أو أربعة أشهر؛ فهو مشرك مرتد عن ملة الإسلام، ورب السماء الذي رفعها وبسط الأرض قال هذا، وهو كبيرهم الذي يشار إليه بالبنان هنا وهناك.

    فلو أن الأمة أنكرت من أول الأمر على صاحب البدعة ما كان وصل الأمر إلى هذا الحد، ولكن على أية حال نقول: لا ننسى أن هذه الجماعة لها فضل في السمت والهدي والأخلاق والسلوك والعبادة وقيام الليل وغير ذلك، وندعو الله تبارك وتعالى أن يمن عليهم بنعمة الالتزام بالعلم الشرعي والعقيدة الصحيحة، والدعوة إلى الله تبارك وتعالى على بصيرة كما كان النبي عليه الصلاة والسلام يفعل.

    أصحاب الشعارات الحزبية

    الصنف الرابع من أصحاب الأهواء: هم أصحاب الشعارات الحزبية والدعوية والتعصب لها دون الكتاب والسنة، والرجوع لأهل العلم الثقات، ولابد من معالجة هذه الأخطاء خاصة في الشباب الناشئ.

    بعض أرباب الثقافة

    الصنف الخامس: طائفة من أرباب الثقافة الذين يظنون أنهم أئمة هدى، يتحدثون بلغة: أنا ونحن، أنا دكتور في الأزهر، أنا أبي كذا، يقولون ذلك وهم من أجهل الناس، ويتهكمون بذلك على أعلم الناس.

    مكتبتك الصوتية

    أو الدخول بحساب

    البث المباشر

    المزيد

    من الفعاليات والمحاضرات الأرشيفية من خدمة البث المباشر

    عدد مرات الاستماع

    3086718663

    عدد مرات الحفظ

    755999058