إسلام ويب

شرح باب توحيد الألوهية من فتاوى ابن تيمية [14]للشيخ : ناصر بن عبد الكريم العقل

  •  التفريغ النصي الكامل
  • الواسطة بين الله وبين خلقه نوعان: واسطة ممنوعة، وواسطة مشروعة، فالواسطة الممنوعة هي الشريك الذي يتخذ مع الله في العبادة وغير ذلك، أما المشروعة فهي واسطة الأنبياء والمرسلين وذلك بتبليغ شرع الله إلى من أرسلوا إليهم، وبيان ما ينفعهم، والتحذير مما يضرهم في دينهم ودنياهم، ويتبعهم العلماء فهم ورثة الأنبياء.

    1.   

    المفهوم الصحيح والسليم للواسطة بين الله وبين خلقه

    الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.

    أما بعد:

    فبعون الله وتوفيقه نستأنف دروسنا، وقد وصلنا في الفتاوى إلى فقرة: جواب شيخ الإسلام على سؤال يتعلق بمفهوم الواسطة، وهذه المسألة في الحقيقة مهمة جداً؛ لأن فيها بياناً لوجوه الفرق بين الواسطة المشروعة والواسطة الممنوعة في عبادة الله عز وجل، وبيان مفهوم الواسطة أو الوسيلة التي اختلف فيها الناس، وذلك أن كثيراً ممن يقع في البدع في مسألة الوسيلة، والذين ابتدعوا وسائط ووسائل في عبادة الله عز وجل لم تُشرع، كثيراً منهم يكون من أسباب بدعته ووقوعه في الممنوع أنه لم يفهم المفهوم الشرعي للواسطة أو الوسيلة، وعلى هذا لم يميزوا بين الوسيلة المشروعة والوسيلة الممنوعة، والشيخ هنا أراد أن يبين الفرق بين الواسطة المشروعة وغير المشروعة، فالواسطة المشروعة بين الله وبين خلقه هو الذي يبلّغ عن الله عز وجل، وهذه الوساطة هي وساطة تبليغ فحسب، ولا يمكن أن ترتقي إلى أن يصرف لها أي نوع من أنواع العبادة، وكون النبي واسطة بين الله وبين الخلق، يعني: أنه مبلّغ عن الله فحسب، ولا يعني هذا أنه قد امتاز بسبب هذا التبليغ أو هذا الاصطفاء بأي خصيصة من خصائص الألوهية التي تقتضي اتخاذه معبوداً، أو وسيطاً في العبادة بين الله والخلق، وإنما هو وسيط في التبليغ.

    وأما الواسطة الممنوعة فهي الشريك الذي يتخذ مع الله، سواء كان هذا الشريك في العبادة أو وسيط فيما لم يشرعه الله عز وجل، كمن يتبرك به، لكنها وساطة أخف من وساطة العبادة، والمهم أن الشيخ سيبين في هذا الفصل المفهوم الصحيح للواسطة بين الله وبين الخلق، والمفهوم البدعي والشركي للواسطة.

    قال رحمه الله:

    [ سُئل شيخ الإسلام قدس الله روحه:

    عن رجلين تناظرا فقال أحدهما: لا بد لنا من واسطة بيننا وبين الله، فإنا لا نقدر أن نصل إليه بغير ذلك؟

    فأجاب:

    الحمد لله رب العالمين، إن أراد بذلك أنه لا بد من واسطة تبلغنا أمر الله فهذا حق، فإن الخلق لا يعلمون ما يحبه الله ويرضاه، وما أمر به وما نهى عنه، وما أعده لأوليائه من كرامته وما وعد به أعداءه من عذابه، ولا يعرفون ما يستحقه الله تعالى من أسمائه الحسنى وصفاته العليا التي تعجز العقول عن معرفتها وأمثال ذلك إلا بالرسل، الذين أرسلهم الله إلى عباده ].

    إذاً: هذا هو المفهوم الصحيح والسليم للواسطة بين الله وبين الخلق، وهو ما يبعثه الله عز وجل ويصطفي من عباده من الأنبياء والرسل يبلغون رسالات الله، وما أمر به العباد من عبادته وطاعته، فحسب، مع أن هؤلاء في جانب التوجه إلى الله عز وجل ليس لهم أي دخل إلا أن يبلغونا كيف نعبد الله فقط، وهم بذواتهم ليسوا واسطة بين الله وبين الخلق.

    قال رحمه الله تعالى: [ فالمؤمنون بالرسل المتبعون لهم هم المهتدون الذين يقربهم لديه زلفى ويرفع درجاتهم، ويكرمهم في الدنيا والآخرة، وأما المخالفون للرسل فإنهم ملعونون، وهم عن ربهم ضالون محجوبون، قال تعالى: يَا بَنِي آدَمَ إِمَّا يَأْتِيَنَّكُمْ رُسُلٌ مِنْكُمْ يَقُصُّونَ عَلَيْكُمْ آيَاتِي فَمَنِ اتَّقَى وَأَصْلَحَ فَلا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلا هُمْ يَحْزَنُونَ * وَالَّذِينَ كَذَّبُوا بِآيَاتِنَا وَاسْتَكْبَرُوا عَنْهَا أُوْلَئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ [الأعراف:35-36]، وقال تعالى: فَإِمَّا يَأْتِيَنَّكُمْ مِنِّي هُدًى فَمَنِ اتَّبَعَ هُدَايَ فَلا يَضِلُّ وَلا يَشْقَى * وَمَنْ أَعْرَضَ عَنْ ذِكْرِي فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنكًا وَنَحْشُرُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَعْمَى * قَالَ رَبِّ لِمَ حَشَرْتَنِي أَعْمَى وَقَدْ كُنتُ بَصِيرًا * قَالَ كَذَلِكَ أَتَتْكَ آيَاتُنَا فَنَسِيتَهَا وَكَذَلِكَ الْيَوْمَ تُنسَى [طه:123-126]، قال ابن عباس رضي الله عنهما: تكفل الله لمن قرأ القرآن وعمل بما فيه ألا يضل في الدنيا ولا يشقى في الآخرة.

    وقال تعالى عن أهل النار: كُلَّمَا أُلْقِيَ فِيهَا فَوْجٌ سَأَلَهُمْ خَزَنَتُهَا أَلَمْ يَأْتِكُمْ نَذِيرٌ * قَالُوا بَلَى قَدْ جَاءَنَا نَذِيرٌ فَكَذَّبْنَا وَقُلْنَا مَا نَزَّلَ اللَّهُ مِنْ شَيْءٍ إِنْ أَنْتُمْ إِلَّا فِي ضَلالٍ كَبِيرٍ [الملك:8-9]، وقال تعالى: وَسِيقَ الَّذِينَ كَفَرُوا إِلَى جَهَنَّمَ زُمَرًا حَتَّى إِذَا جَاءُوهَا فُتِحَتْ أَبْوَابُهَا وَقَالَ لَهُمْ خَزَنَتُهَا أَلَمْ يَأْتِكُمْ رُسُلٌ مِنْكُمْ يَتْلُونَ عَلَيْكُمْ آيَاتِ رَبِّكُمْ وَيُنْذِرُونَكُمْ لِقَاءَ يَوْمِكُمْ هَذَا قَالُوا بَلَى وَلَكِنْ حَقَّتْ كَلِمَةُ الْعَذَابِ عَلَى الْكَافِرِينَ [الزمر:71]، وقال تعالى: وَمَا نُرْسِلُ الْمُرْسَلِينَ إِلَّا مُبَشِّرِينَ وَمُنذِرِينَ فَمَنْ آمَنَ وَأَصْلَحَ فَلا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلا هُمْ يَحْزَنُونَ * وَالَّذِينَ كَذَّبُوا بِآيَاتِنَا يَمَسُّهُمُ الْعَذَابُ بِمَا كَانُوا يَفْسُقُونَ [الأنعام:48-49]، وقال تعالى: إِنَّا أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ كَمَا أَوْحَيْنَا إِلَى نُوحٍ وَالنَّبِيِّينَ مِنْ بَعْدِهِ وَأَوْحَيْنَا إِلَى إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ وَإِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ وَالأَسْبَاطِ وَعِيسَى وَأَيُّوبَ وَيُونُسَ وَهَارُونَ وَسُلَيْمَانَ وَآتَيْنَا دَاوُدَ زَبُورًا * وَرُسُلًا قَدْ قَصَصْنَاهُمْ عَلَيْكَ مِنْ قَبْلُ وَرُسُلًا لَمْ نَقْصُصْهُمْ عَلَيْكَ وَكَلَّمَ اللَّهُ مُوسَى تَكْلِيمًا * رُسُلًا مُبَشِّرِينَ وَمُنذِرِينَ لِئَلَّا يَكُونَ لِلنَّاسِ عَلَى اللَّهِ حُجَّةٌ بَعْدَ الرُّسُلِ [النساء:163-165]، ومثل هذا في القرآن كثير ].

    خلاصة الدلالة من الآيات: أن هذه الآيات كلها قد دلت على أن الأنبياء مبلّغون عن الله عز وجل، وأنهم جاءوا بالهدى، وأنهم قد قامت بهم الحجة، وأنهم بشّروا وأنذروا، وأنهم أُنزلت عليهم الكتب التي تضمنت التوحيد والشرائع، وعلى هذا فليس لهم أكثر من أن يبلغوا عن الله، نعم لهم حق الطاعة والحب والتوقير، وهذا لا شك أنه من ضرورات كونهم أنبياء، لكن لا يعني ذلك أنهم جاءوا من عند أنفسهم في الدين بشيء أبداً، ولا أن لهم خصائص تزيد عما أمر الله أن يكون لهم من التوقير والطاعة والمحبة.

    وعليه فالمقصود هنا: أنه لا يجوز أن يكونوا وسائط في العبادة، كأن يتوجه إليهم بأي نوع من أنواع العبادة، بل أنهم مبلغون عن الله عز وجل فحسب.

    1.   

    حقيقة الوسائط المجمع على إثباتها بين الله وبين عباده وحكم من أنكرها

    قال رحمه الله تعالى: [ وهذا مما أجمع عليه جميع أهل الملل من المسلمين واليهود والنصارى، فإنهم يثبتون الوسائط بين الله وبين عباده ].

    يعني: أن جميع أصحاب هذه الملل -المسلمين واليهود والنصارى- كلهم يقرون بأن النبوات تعني وجود أناس من البشر اصطفاهم الله عز وجل ليبلغوا رسالات الله، وهذا في الجملة، وإلا فهناك عند التفصيل أمور في تفاصيل الإيمان بالأنبياء ضل فيها أقوام، فمثلاً: اليهود والنصارى رغم أنهم يؤمنون بمبدأ النبوات، وأن هناك وسائط وهم الأنبياء يبلغون عن الله، إلا أنهم رفعوا بعض الأنبياء إلى مقام الألوهية، وهذا ضلال طارئ عليهم، لكن لا يزالون يعترفون بمبدأ النبوات.

    قال رحمه الله تعالى: [ وهذا مما أجمع عليه جميع أهل الملل من المسلمين واليهود والنصارى، فإنهم يثبتون الوسائط بين الله وبين عباده، وهم الرسل الذين بلغوا عن الله أمره وخبره، قال تعالى: اللَّهُ يَصْطَفِي مِنَ الْمَلائِكَةِ رُسُلًا وَمِنَ النَّاسِ [الحج:75]، ومن أنكر هذه الوسائط فهو كافر بإجماع أهل الملل.

    والسور التي أنزلها الله بمكة مثل: الأنعام، والأعراف، وذوات: الر و حم و طس .. ونحو ذلك، هي متضمنة لأصول الدين، كالإيمان بالله ورسله واليوم الآخر.

    وقد قص الله قصص الكفار الذين كذبوا الرسل، وكيف أهلكهم ونصر رسله والذين آمنوا، قال تعالى: وَلَقَدْ سَبَقَتْ كَلِمَتُنَا لِعِبَادِنَا الْمُرْسَلِينَ * إِنَّهُمْ لَهُمُ الْمَنصُورُونَ * وَإِنَّ جُندَنَا لَهُمُ الْغَالِبُونَ [الصافات:171-173]، وقال: إِنَّا لَنَنصُرُ رُسُلَنَا وَالَّذِينَ آمَنُوا فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَيَوْمَ يَقُومُ الأَشْهَادُ [غافر:51].

    فهذه الوسائط تُطاع وتتبع ويُقتدى بها، كما قال تعالى: وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ رَسُولٍ إِلَّا لِيُطَاعَ بِإِذْنِ اللَّهِ [النساء:64]، وقال تعالى: مَنْ يُطِعِ الرَّسُولَ فَقَدْ أَطَاعَ اللَّهَ [النساء:80]، وقال تعالى: قُلْ إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللَّهُ [آل عمران:31]، وقال: فَالَّذِينَ آمَنُوا بِهِ وَعَزَّرُوهُ وَنَصَرُوهُ وَاتَّبَعُوا النُّورَ الَّذِي أُنزِلَ مَعَهُ أُوْلَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ [الأعراف:157]، وقال تعالى: لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِمَنْ كَانَ يَرْجُو اللَّهَ وَالْيَوْمَ الآخِرَ وَذَكَرَ اللَّهَ كَثِيرًا [الأحزاب:21] ].

    المفهوم الخاطئ للواسطة بين الله وبين عباده

    هنا أتى الشيخ بالنوع الثاني من الواسطة، أعني: الواسطة الممنوعة والمحرمة، وقد سبق الواسطة المبلغة عن الله عز وجل المتمثلة في الرسل، فهنا أراد أن يبيّن الفهم الخاطئ أو المفهوم الخاطئ للواسطة من أولئك الذين زعموا أن الواسطة تعني: اتخاذ هذا الوسيط من دون الله عز وجل، أو صرف شيء من العبادة لغيره، أو أن يُطلب منهم ما لا يقدر عليه إلا الله، فهذا المفهوم هو مفهوم كثير من أهل البدع، بل كل أهل البدع الذين صرفوا شيئاً من أنواع العبادة لغير الله عز وجل.

    قال رحمه الله تعالى: [ وإن أراد بالواسطة: أنه لا بد من واسطة في جلب المنافع ودفع المضار، مثل: أن يكون واسطة في رزق العباد ونصرهم وهداهم، يسألونه ذلك ويرجون إليه فيه، فهذا من أعظم الشرك الذي كفر الله به المشركين، حيث اتخذوا من دون الله أولياء وشفعاء، يجتلبون بهم المنافع ويجتنبون المضار ].

    ضرورة التميز بين الشفاعة المثبتة والشفاعة المنفية ومعرفة زمان ومكان وقوعهما

    قال رحمه الله تعالى: [ لكن الشفاعة لمن يأذن الله له فيها ].

    الإذن في الشفاعة لا يكون إلا يوم القيامة، وعلى هذا فينبغي أن نميّز بين مسألة شروط الشفاعة والاستثناءات فيها، بين الشفاعة المثبتة والمنفية، وأن المنفية تقع في الدنيا وفي الآخرة، بمعنى: أن هناك من يطلب الشفاعة بغير وجهها في الدنيا وفي الآخرة، لكنها لا تُقبل، بينما الشفاعة المثبتة لا تكون إلا في الآخرة؛ لأن الدنيا دار ابتلاء وامتحان، وكل إنسان ينبغي أن يعمل لنفسه، وليس بينه وبين الله واسطة، لكن في الآخرة في بعض الأمور قد يأذن الله عز وجل لبعض العباد بأن يشفعوا، بل الله عز وجل يسخّر الشفعاء ثم يستأذنون فيؤذن لهم بشروط أيضاً، والشروط ستأتي فيما بعد مفصّلة.

    المهم أن وجود الواسطة التي هي الشفاعة المثبتة في الآخرة بشروطها لا تعني وجود أي نوع من أنواع الشفاعة المشروعة في الدنيا، بل الشفاعة التي هي عند الله عز وجل في مصائر العباد، أو فيما لا يقدر عليه إلا الله عز وجل، لكن هناك أمور قد تسمى شفاعة أو قد تشتبه بالشفاعة، مثل: الاستشفاع بدعاء الصالحين، أو بدعاء النبي صلى الله عليه وسلم وهو حي، فهذا في الحقيقة لا يعد من اتخاذ الشفيع عند الله عز وجل، وإنما هو من باب طلب الإنسان بأن يدعو الله عز وجل، وهذا الداعي الذي طلب منه الدعاء سواء كان النبي صلى الله عليه وسلم أو غيره لا يعتبر شفيعاً من دون الله عز وجل، بل هو طالب من الله عز وجل جلب نفع أو دفع ضر .. أو نحو ذلك، لكنه لم يتخذ بذاته واسطة، كما سيأتي في مفهوم الشفاعة في الدعاء.

    والشفاعة المنفية تكون في الدنيا والآخرة، لكن الآن أهل البدع يطلبون الشفاعة المنفية حتى في الدنيا والآخرة؛ لأن بعض الناس قد يطلب شفاعة ولا يقبل منه، فالمثبتة تكون في الآخرة إلا بعض صور الوسيلة، أو في بعض صور الشفاعة، لكن معناها ليس على المعنى الشرعي أو المفهوم الشرعي للشفاعة التي لها شروطها؛ لأن بعض الناس قد يدخل صورة طلب الدعاء من أنواع الشفاعات، وهي ليست حقيقة من أنواع الشفاعات، وإنما هي نوع من أنواع صرف العبادة لله عز وجل من جهة عبد من عباده دعاه، فكون الإنسان المطلوب منه الدعاء قد طلب من الله عز وجل أن ينفع آخرين، فهذا لا يعني أنه هو بذاته اتخذ واسطة، والدليل أن الداعي لم يتخذ بينه وبين الله واسطة، وإنما طلب تعدي النفع إلى الآخرين، وهذا مطلوب حتى ممن لم يطلب الدعاء، فأنت إذا دعوت ينبغي أن تدعو لعموم المسلمين حتى ولو لم يطلبوا منك ذلك، وصورته واحدة ليس من أنواع الشفاعة التي عليها النزاع، ولا من أنواع التوسل الذي عليه النزاع، لكن أهل الأهواء لبّسوا على الناس، فأدخلوا هذه الصورة على أنها صورة تنطبق عليها جميع صور الشفاعات الممنوعة، وعلى أي حال فلا نستعجل الأمر؛ لأن هذا سيأتي في (التوسل والوسيلة) عندما نبدأ به إن شاء الله مفصلاً.

    قال رحمه الله تعالى: [ حتى قال تعالى: اللَّهُ الَّذِي خَلَقَ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ مَا لَكُمْ مِنْ دُونِهِ مِن وَلِيٍّ وَلا شَفِيعٍ أَفَلا تَتَذَكَّرُونَ [السجدة:4]، وقال تعالى: وَأَنذِرْ بِهِ الَّذِينَ يَخَافُونَ أَنْ يُحْشَرُوا إِلَى رَبِّهِمْ لَيْسَ لَهُمْ مِنْ دُونِهِ وَلِيٌّ وَلا شَفِيعٌ لَعَلَّهُمْ يَتَّقُونَ [الأنعام:51]، وقال: قُلِ ادْعُوا الَّذِينَ زَعَمْتُمْ مِنْ دُونِهِ فَلا يَمْلِكُونَ كَشْفَ الضُّرِّ عَنكُمْ وَلا تَحْوِيلًا * أُوْلَئِكَ الَّذِينَ يَدْعُونَ يَبْتَغُونَ إِلَى رَبِّهِمُ الْوَسِيلَةَ أَيُّهُمْ أَقْرَبُ وَيَرْجُونَ رَحْمَتَهُ وَيَخَافُونَ عَذَابَهُ إِنَّ عَذَابَ رَبِّكَ كَانَ مَحْذُورًا [الإسراء:56-57]، وقال تعالى: قُلِ ادْعُوا الَّذِينَ زَعَمْتُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ لا يَمْلِكُونَ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ فِي السَّمَوَاتِ وَلا فِي الأَرْضِ وَمَا لَهُمْ فِيهِمَا مِنْ شِرْكٍ وَمَا لَهُ مِنْهُمْ مِنْ ظَهِيرٍ * وَلا تَنفَعُ الشَّفَاعَةُ عِنْدَهُ إِلَّا لِمَنْ أَذِنَ لَهُ [سبأ:22-23].

    وقالت طائفة من السلف: كان أقوام يدعون المسيح والعزير والملائكة: فبيّن الله لهم أن الملائكة والأنبياء لا يملكون كشف الضر عنهم ولا تحويلاً، وأنهم يتقربون إلى الله ويرجون رحمته ويخافون عذابه ].

    كفر من جعل الملائكة والأنبياء وسائط يدعوهم ويتوكل عليهم

    قال رحمه الله تعالى: [وقال تعالى: مَا كَانَ لِبَشَرٍ أَنْ يُؤْتِيَهُ اللَّهُ الْكِتَابَ وَالْحُكْمَ وَالنُّبُوَّةَ ثُمَّ يَقُولَ لِلنَّاسِ كُونُوا عِبَادًا لِي مِنْ دُونِ اللَّهِ وَلَكِنْ كُونُوا رَبَّانِيِّينَ بِمَا كُنْتُمْ تُعَلِّمُونَ الْكِتَابَ وَبِمَا كُنتُمْ تَدْرُسُونَ * وَلا يَأْمُرَكُمْ أَنْ تَتَّخِذُوا الْمَلائِكَةَ وَالنَّبِيِّينَ أَرْبَابًا أَيَأْمُرُكُمْ بِالْكُفْرِ بَعْدَ إِذْ أَنْتُمْ مُسْلِمُونَ [آل عمران:79-80]].

    هذه الآيات من أوضح الأدلة على رد شبهات أهل البدع في مسألة الشفاعة وطلب الشفعاء، أو دعواهم أنهم إنما تعلقوا بالأحياء أو الأموات أو الأشجار أو الأحجار .. أو غيرها من معبوداتهم إنما ذلك لأن لها مكانة عند الله، أو لأنها وسائط وليست شفعاء، فيجادل بعضهم فيقول: نحن لا نتخذها وسيطاً، وإنما هي شفعاء، فهذه الآية محكمة في الرد على هذه الفئة كما سيأتي الاستدلال بها تفصيلاً فيما بعد إن شاء الله.

    قال رحمه الله تعالى: [ فبيّن سبحانه: أن اتخاذ الملائكة والنبيين أرباباً كفر ].

    أشار الشيخ هنا إلى منع الله أن تكون الملائكة أو الأنبياء وسائط، ومن باب أولى دونهم من المخلوقات، من الصالحين وغير الصالحين، والأشجار، والأحجار، والمشاهد، والآثار .. وغيرها، فمن جعل هذه المخلوقات وسائط من دون الله فقد أشرك من باب أولى؛ لأنه إذا كان اتخاذ الملائكة والرسل وهم مقربون وسائط من دون الله عز وجل شركاً، إذاً فاتخاذ الوسائط من غير هؤلاء شركاً من باب أولى.

    قال رحمه الله تعالى: [ فمن جعل الملائكة والأنبياء وسائط يدعوهم ويتوكل عليهم، ويسألهم جلب المنافع ودفع المضار، مثل: أن يسألهم غفران الذنب، وهداية القلوب، وتفريج الكروب، وسد الفاقات، فهو كافر بإجماع المسلمين.

    وقد قال تعالى: وَقَالُوا اتَّخَذَ الرَّحْمَنُ وَلَدًا سُبْحَانَهُ بَلْ عِبَادٌ مُكْرَمُونَ * لا يَسْبِقُونَهُ بِالْقَوْلِ وَهُمْ بِأَمْرِهِ يَعْمَلُونَ * يَعْلَمُ مَا بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَمَا خَلْفَهُمْ وَلا يَشْفَعُونَ إِلَّا لِمَنِ ارْتَضَى وَهُمْ مِنْ خَشْيَتِهِ مُشْفِقُونَ * وَمَنْ يَقُلْ مِنْهُمْ إِنِّي إِلَهٌ مِنْ دُونِهِ فَذَلِكَ نَجْزِيهِ جَهَنَّمَ كَذَلِكَ نَجْزِي الظَّالِمِينَ [الأنبياء:26-29]، وقال تعالى: لَنْ يَسْتَنكِفَ الْمَسِيحُ أَنْ يَكُونَ عَبْدًا لِلَّهِ وَلا الْمَلائِكَةُ الْمُقَرَّبُونَ وَمَنْ يَسْتَنكِفْ عَنْ عِبَادَتِهِ وَيَسْتَكْبِرْ فَسَيَحْشُرُهُمْ إِلَيْهِ جَمِيعًا [النساء:172]، وقال تعالى: وَقَالُوا اتَّخَذَ الرَّحْمَنُ وَلَدًا * لَقَدْ جِئْتُمْ شَيْئًا إِدًّا * تَكَادُ السَّمَوَاتُ يَتَفَطَّرْنَ مِنْهُ وَتَنشَقُّ الأَرْضُ وَتَخِرُّ الْجِبَالُ هَدًّا * أَنْ دَعَوْا لِلرَّحْمَنِ وَلَدًا * وَمَا يَنْبَغِي لِلرَّحْمَنِ أَنْ يَتَّخِذَ وَلَدًا * إِنْ كُلُّ مَنْ فِي السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ إِلَّا آتِي الرَّحْمَنِ عَبْدًا * لَقَدْ أَحْصَاهُمْ وَعَدَّهُمْ عَدًّا * وَكُلُّهُمْ آتِيهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فَرْدًا [مريم:88-95]، وقال تعالى: وَيَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ مَا لا يَضُرُّهُمْ وَلا يَنْفَعُهُمْ وَيَقُولُونَ هَؤُلاءِ شُفَعَاؤُنَا عِنْدَ اللَّهِ قُلْ أَتُنَبِّئُونَ اللَّهَ بِمَا لا يَعْلَمُ فِي السَّمَوَاتِ وَلا فِي الأَرْضِ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى عَمَّا يُشْرِكُونَ [يونس:18]، وقال تعالى: وَكَمْ مِنْ مَلَكٍ فِي السَّمَوَاتِ لا تُغْنِي شَفَاعَتُهُمْ شَيْئًا إِلَّا مِنْ بَعْدِ أَنْ يَأْذَنَ اللَّهُ لِمَنْ يَشَاءُ وَيَرْضَى [النجم:26]، وقال تعالى: مَنْ ذَا الَّذِي يَشْفَعُ عِنْدَهُ إِلَّا بِإِذْنِهِ [البقرة:255]، وقال: وَإِنْ يَمْسَسْكَ اللَّهُ بِضُرٍّ فَلا كَاشِفَ لَهُ إِلَّا هُوَ وَإِنْ يُرِدْكَ بِخَيْرٍ فَلا رَادَّ لِفَضْلِهِ [يونس:107]، وقال تعالى: مَا يَفْتَحِ اللَّهُ لِلنَّاسِ مِنْ رَحْمَةٍ فَلا مُمْسِكَ لَهَا وَمَا يُمْسِكْ فَلا مُرْسِلَ لَهُ مِنْ بَعْدِهِ [فاطر:2]، وقال تعالى: قُلْ أَفَرَأَيْتُمْ مَا تَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ إِنْ أَرَادَنِيَ اللَّهُ بِضُرٍّ هَلْ هُنَّ كَاشِفَاتُ ضُرِّهِ أَوْ أَرَادَنِي بِرَحْمَةٍ هَلْ هُنَّ مُمْسِكَاتُ رَحْمَتِهِ قُلْ حَسْبِيَ اللَّهُ عَلَيْهِ يَتَوَكَّلُ الْمُتَوَكِّلُونَ [الزمر:38]، ومثل هذا كثير في القرآن ].

    هذه الآيات المحكمات البينات فيها رد على الشفاعة والوسيلة الممنوعة، بل إن كل آية بحد ذاتها ترد رداً صريحاً ظاهراً على الذين اتخذوا الوسائط من دون الله عز وجل، وإن زعموا أنهم لا يعبدونهم، ولذلك فإن مشكلة كثير من الذين وقعوا في الشرك من هذه الأمة من المتأخرين عندهم شيء من المراوغة في الحجة، فهم يزعمون أنهم لا يعبدون هذه الأشياء، مع أنهم يصرفون لها أنواع العبادة صراحة، لكنهم لا يسمون أعمالهم عبادة، إما لخلل في مفهوم العبادة عندهم، وإما لأنهم يلبّسون وهو الغالب، فكل هذه الأمور التي نهى الله عز وجل عنها، أو نفاها وأثبت ضدها، قد وقعت فيها بعض الفرق من أهل الأهواء ومبتدعة المقابرية ومن سلك سبيلهم.

    الواسطة المشروعة بين الرسول صلى الله عليه وسلم وبين أمته

    قال رحمه الله تعالى: [ ومن سوى الأنبياء -من مشايخ العلم والدين- فمن أثبتهم وسائط بين الرسول وأمته، يبلغونهم ويعلمونهم ويؤدبونهم ويقتدون بهم فقد أصاب في ذلك ].

    هذه المسألة متفرعة عن النوع الأول، فالشيخ عندما ذكر أن الواسطة على نوعين، ذكر أن الواسطة الصحيحة هي واسطة الأنبياء الذين يبلغون عن الله عز وجل، وأن وساطتهم إنما هي في التبليغ فقط، وأن الله عز وجل أيضاً أوصى لهم بحقوق من المحبة والاتباع، وهي واجبة على المسلم، إذاً فهذه الواسطة مشروعة، لكن ليست في باب العبادة ولا التبرك .. ولا غير ذلك من البدع التي يعملها المبتدعون.

    ثم جاء بالنوع الثاني وهو الواسطة الممنوعة، وهي اتخاذ الوسائط من دون الله عز وجل في صرف العبادة لغيره أو التقديس أو التوجه .. أو غير ذلك.

    ثم فرّع هذه المسألة الأخيرة على المسألة الأولى، وهي أنه كما أنا نقول: بأن الأنبياء مبلّغون عن الله عز وجل، فكذلك بعد وفاة النبي صلى الله عليه وسلم العلماء يبلّغون عن الرسول صلى الله عليه وسلم؛ لأن العلماء ورثة الأنبياء، لكنهم لا يأتون بتشريع من عند الله، وليس لهم في ذلك عصمة ولا قداسة، وإنما يطاعون بطاعة الله عز وجل، وبتبليغ ما أمر الله به ورسوله صلى الله عليه وسلم، فهم ورثة الأنبياء فيما ورثوا من الحق.

    ثم رتب على هذه المسألة نتيجة أو قاعدة عظيمة جداً، فقال رحمه الله: [ وهؤلاء إذا أجمعوا فإجماعهم حجة قاطعة، لا يجتمعون على ضلالة ].

    هذه قاعدة مهمة جداً ينبغي أن يفهمها طلاب العلم؛ لأن من المسائل التي خفيت على كثير من الناس اليوم أنه إذا قلنا: بأن العلماء هم المبلّغون عن الرسول صلى الله عليه وسلم، وهم ورثة النبي صلى الله عليه وسلم في نقل العلم، فلا يعني ذلك أنهم معصومون، لكن أيضاً لا يمكن أن يجمعوا على ضلالة لأسباب:

    أولها: أن الله قد تكفّل بحفظ الدين، ولو أجمعوا على ضلالة فقد انخرمت هذه القاعدة.

    ثانيها: أن الله عز وجل جعل الكتاب المحفوظ والسنة بينة واضحة، وما دامت السنة بيّنة واضحة فلا يمكن أن يقع إجماع العلماء على الضلال؛ لأن الإجماع على الضلال لا يكون إلا عن جهل، ومع بيان الحق لا يمكن أن يتأتى الجهل على الجميع.

    فإذاً: هذه ضمانة من الله عز وجل بأن أهل العلم إذا أجمعوا فإن إجماعهم حجة قاطعة؛ لأنهم لا يجمعون على ضلالة، لكن قد يخالفهم بعضهم، وهذه مسألة واردة جداً، وقد تقول الأكثرية أحياناً بغير الحق، وأحياناً قلة جداً لا تحدث إلا عند الفتن .. ونحو ذلك، لكن لا يكون الإجماع، وأحياناً قد يخفى الحق على الأكثرين ويتبين لقليلين، فهذه ينبغي أن نفهمها جيداً، لكن لا يقع الإجماع؛ لأنه ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: (لن يجمع الله أمتي على ضلالة)، فأهل العلم الذين يمثلون الأمة لا يجتمعون على ضلالة، وغيرهم من بقية الأمة تبع لهم، وبحمد الله هذه القاعدة مستمرة وإلى أن تقوم الساعة واضحة جلية، ولم يحدث إجماع في يوم من الأيام على ضلالة، أو تبيّن أن الأمة في يوم من الأيام، أو في عصر من العصور قد اجتمع علماؤها على ضلالة، لم يحدث هذا أبداً ولن يحدث.

    والعصمة ليست لأفرادهم، وإنما العصمة للدين ولمجموع العلماء إذا أجمعوا لا لذواتهم؛ لكن لأنهم استندوا على الحق، فبه يقع الإجماع.

    لكن بعد توزع الأمة ووجود المسلمين في أمكنة كثيرة مختلفة، ووجود البلاد على شكل دول، فيبدو لي والله أعلم أنه لا يعتبر إلا في حالات نادرة لا أتصورها الآن، فلو افترضنا أن البلاد تشمل أهل السنة والجماعة مثلاً، وأن فيها أغلبية العلماء فربما لا يقع الإجماع، لكن لا ينطبق على القاعدة، فالقاعدة تعني عموم الأمة؛ لأنا إذا خضنا في التفصيلات فقد نقع في شبهات ليس لنا فيها دليل، والمقصود العموم، والعموم يحدث بعموم الأمة.

    قال رحمه الله تعالى: [ وإن تنازعوا في شيء ردوه إلى الله والرسول، إذ الواحد منهم ليس بمعصوم على الإطلاق، بل كل أحد من الناس يؤخذ من كلامه ويترك إلا رسول الله صلى الله عليه وسلم، وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم: (العلماء ورثة الأنبياء، فإن الأنبياء لم يورثوا ديناراً ولا درهماً، وإنما ورثوا العلم، فمن أخذه فقد أخذ بحظ وافر) ].

    بعض صور المفهوم الخاطئ السائد عند أهل البدع في الواسطة بين الله وبين خلقه

    سيقرر الشيخ هنا صورة من صور المفهوم الخاطئ للوسيلة عند غالب أهل البدع، وليست هي مجموعة، لكنها صورة من صور المفهوم الخاطئ، وسيقررها الشيخ الآن ويبينها، ويبين وجه الخطأ فيها.

    قال رحمه الله تعالى: [ وإن أثبتم وسائط بين الله وبين خلقه -كالحجاب الذين بين الملك ورعيته- بحيث يكونون هم يرفعون إلى الله حوائج خلقه، فالله إنما يهدي عباده ويرزقهم بتوسطهم، فالخلق يسألونهم وهم يسألون الله، كما أن الوسائط عند الملوك يسألون الملوك الحوائج للناس؛ لقربهم منهم، والناس يسألونهم أدباً منهم أن يباشروا سؤال الملك، أو لأن طلبهم من الوسائط أنفع لهم من طلبهم من الملك؛ لكونهم أقرب إلى الملك من الطالب للحوائج، فمن أثبتهم وسائط على هذا الوجه فهو كافر مشرك يجب أن يستتاب، فإن تاب وإلا قتل، وهؤلاء مشبهون لله، شبهوا المخلوق بالخالق، وجعلوا لله أنداداً، وفي القرآن من الرد على هؤلاء ما لم تتسع له هذه الفتوى.

    فإن الوسائط التي بين الملوك وبين الناس يكونون على أحد وجوه ثلاثة:

    إما لإخبارهم من أحوال الناس بما لا يعرفونه.

    ومن قال: إن الله لا يعلم أحوال عباده حتى يخبره بتلك بعض الملائكة أو الأنبياء أو غيرهم فهو كافر، بل هو سبحانه يعلم السر وأخفى، لا تخفى عليه خافية في الأرض ولا في السماء وهو السميع البصير، يسمع ضجيج الأصوات باختلاف اللغات على تفنن الحاجات، لا يشغله سمع عن سمع، ولا تغلطه المسائل، ولا يتبرم بإلحاح الملحين.

    الوجه الثاني: أن يكون الملك عاجزاً عن تدبير رعيته، ودفع أعدائه -إلا بأعوان يعينونه- فلا بد له من أنصار وأعوان لذله وعجزه، والله سبحانه ليس له ظهير ولا ولي من الذل، قال تعالى: قُلِ ادْعُوا الَّذِينَ زَعَمْتُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ لا يَمْلِكُونَ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ فِي السَّمَوَاتِ وَلا فِي الأَرْضِ وَمَا لَهُمْ فِيهِمَا مِنْ شِرْكٍ وَمَا لَهُ مِنْهُمْ مِنْ ظَهِيرٍ [سبأ:22]، وقال تعالى: وَقُلِ الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي لَمْ يَتَّخِذْ وَلَدًا وَلَمْ يَكُنْ لَهُ شَرِيكٌ فِي الْمُلْكِ وَلَمْ يَكُنْ لَهُ وَلِيٌّ مِنَ الذُّلِّ وَكَبِّرْهُ تَكْبِيرًا [الإسراء:111].

    وكل ما في الوجود من الأسباب فهو خالقه وربه ومليكه، فهو الغني عن كل ما سواه، وكل ما سواه فقير إليه، بخلاف الملوك المحتاجين إلى ظهرائهم وهم -في الحقيقة- شركاؤهم في الملك.

    والله تعالى ليس له شريك في الملك، بل لا إله إلا الله وحده لا شريك له، له الملك وله الحمد وهو على كل شيء قدير.

    والوجه الثالث: أن يكون الملك ليس مريداً لنفع رعيته والإحسان إليهم ورحمتهم، إلا بمحرك يحركه من خارج، فإذا خاطب الملك من ينصحه ويعظّمه أو من يدل عليه، بحيث يكون يرجوه ويخافه، تحركت إرادة الملك وهمته في قضاء حوائج رعيته، إما لما حصل في قلبه من كلام الناصح الواعظ المشير، وإما لما يحصل من الرغبة أو الرهبة من كلام المدل عليه.

    والله تعالى هو رب كل شيء ومليكه، وهو أرحم بعباده من الوالدة بولدها، وكل الأشياء إنما تكون بمشيئته، فما شاء كان وما لم يشأ لم يكن، وهو إذا أجرى نفع العباد بعضهم على بعض، فجعل هذا يحسن إلى هذا ويدعو له ويشفع فيه .. ونحو ذلك، فهو الذي خلق ذلك كله، وهو الذي خلق في قلب هذا المحسن الداعي الشافع إرادة الإحسان والدعاء والشفاعة، ولا يجوز أن يكون في الوجود من يكرهه على خلاف مراده، أو يعلمه ما لم يكن يعلم، أو من يرجوه الرب ويخافه.

    ولهذا قال النبي صلى الله عليه وسلم: (لا يقولن أحدكم: اللهم اغفر لي إن شئت، اللهم ارحمني إن شئت، ولكن ليعزم المسألة، فإنه لا مكره له)].

    لا يزال الشيخ يسترسل في رد الشبهة، أعني: شبهة قياس الواسطة عند الله عز وجل على الواسطة عند المخلوق، مع أن هذا قياس تنفر منه النفوس؛ لأن الله عز وجل هو الغني، ولا يجوز أن يتخذ ما اعتاده الناس من اتخاذ الوسطاء عند الوجهاء والملوك ذريعة لاتخاذ الوسطاء عند الله عز وجل، لأن الله هو الغني، وهو الذي أمر عباده بأن يدعوه دون غيره، وهو الذي أيضاً يحب أن يدعوه العباد، ولا يمل من دعائه ولا يستكثر، بينما العبد لو دعي مرة أو مرتين أو كرر عليه الطلب سئم مهما كان عنده من القوة والسلطان.

    إذاً: فقياسهم هذا قياس فاسد تنفر منه النفوس والعقول السليمة فضلاً عن أن يعرف ذلك بالشرع، لكن الشيخ رحمه الله كان يستطرد في دفع مثل هذه الشبهات؛ لأنها كانت شبهات قد ملأت عقول وقلوب العامة والدهماء الذين يتبعون رءوسهم في هذه البدع، نسأل الله العافية.

    وأما الأعرابي الذي جاء إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال: (أستشفع بالله عليك). أليس هذا من الشفاعة المثبتة في الدنيا؟

    والجواب: أن النبي صلى الله عليه وسلم قد أنكر بمن استشفع بالله عليه؛ لأن الله عز وجل هو صاحب الغنى المطلق، وهذه من الشفاعة المثبتة في الدنيا، والمعروف أن النبي صلى الله عليه وسلم قد استشفع به أناس كثيرون، لكن استشفعوا بدعائه عليه الصلاة والسلام، ومثال ذلك: قصة الأعمى، واستغاثة الأعرابي بالنبي صلى الله عليه وسلم .. وغير ذلك، وهذا أمر مشروع، ولم يكن الاستشفاع بذاته صلى الله عليه وسلم، ولا بمعنى الشفاعة الممنوعة.

    إذاً: الاستشفاع بالنبي صلى الله عليه وسلم بمعنى طلب دعائه -كما حصل في وقته- أمر مشروع، أما بعد وفاته فلا يجيب أحداً في هذا الأمر، فقد انقطع هذا الوجه؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم قد مات.

    الفرق بين الشفاعة المثبتة والشفاعة المنفية

    قال رحمه الله تعالى: [ والشفعاء الذين يشفعون عنده لا يشفعون إلا بإذنه، كما قال: مَنْ ذَا الَّذِي يَشْفَعُ عِنْدَهُ إِلَّا بِإِذْنِهِ [البقرة:255]، وقال تعالى: وَلا يَشْفَعُونَ إِلَّا لِمَنِ ارْتَضَى [الأنبياء:28]، وقال تعالى: قُلِ ادْعُوا الَّذِينَ زَعَمْتُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ لا يَمْلِكُونَ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ فِي السَّمَوَاتِ وَلا فِي الأَرْضِ وَمَا لَهُمْ فِيهِمَا مِنْ شِرْكٍ وَمَا لَهُ مِنْهُمْ مِنْ ظَهِيرٍ * وَلا تَنفَعُ الشَّفَاعَةُ عِنْدَهُ إِلَّا لِمَنْ أَذِنَ لَهُ [سبأ:22-23] ].

    إذن الله عز وجل للشفعاء يفسّر بأمرين: بمقتضى النصوص الأخرى، ومقتضى سياق نصوص الشفاعة وأحاديث الشفاعة.

    فالأمر الأول: الشفاعة المشروعة، بمعنى: أن تكون الشفاعة مشروعة على أمر مشروع، والإذن بمعنى: أن الله عز وجل يفتح الشفاعة لهذا العبد، بمعنى: أنه يرخّص له بهذه الشفاعة، فقوله عز وجل: مَنْ ذَا الَّذِي يَشْفَعُ عِنْدَهُ إِلَّا بِإِذْنِهِ [البقرة:255]، فتتضمن الأمرين: بما شرعه من شروط الشفاعة المثبتة، ويجب أن يباشر، أي: بإعطائه الفرصة للشفيع بأن يشفع، أو بصدور الإذن من الله عز وجل بكلامه وبأمره.

    ولذلك يعتبر الإذن من ضمن شروط الشفاعة، وليس الشرط الوحيد بأن يرضى الله عن الشفيع والشافع، وألا يكون المشفوع له من أهل النار الخُلّص .. إلى آخره، فهذه شروط يتضمنها معنى الإذن، بمعنى: أنه لا يكون الإذن إلا بتوافر الشروط.

    ومن هنا الإذن يشمل الأمرين: توافر الشروط، ثم صدور الأمر من الله عز وجل بالشفاعة.

    قال رحمه الله تعالى: [ فبيّن أن كل من دُعي من دونه ليس له ملك ولا شرك في الملك، ولا هو ظهير، وأن شفاعتهم لا تنفع إلا لمن أذن له.

    وهذا بخلاف الملوك، فإن الشافع عندهم قد يكون له ملك، وقد يكون شريكاً لهم في الملك، وقد يكون مظاهراً لهم معاوناً لهم على ملكهم، وهؤلاء يشفعون عند الملوك بغير إذن الملوك هم وغيرهم، والملك يقبل شفاعتهم تارة بحاجته إليهم، وتارة لخوفه منهم، وتارة لجزاء إحسانهم إليه ومكافأتهم ولإنعامهم عليه، حتى إنه يقبل شفاعة ولده وزوجته لذلك، فإنه محتاج إلى الزوجة وإلى الولد، حتى لو أعرض عنه ولده وزوجته لتضرر بذلك، ويقبل شفاعة مملوكه، فإذا لم يقبل شفاعته يخاف ألا يطيعه، أو أن يسعى في ضرره، وشفاعة العباد بعضهم عند بعض كلها من هذا الجنس، فلا يقبل أحد شفاعة أحد إلا لرغبة أو رهبة.

    والله تعالى لا يرجو أحداً ولا يخافه ولا يحتاج إلى أحد، بل هو الغني، قال تعالى: أَلا إِنَّ لِلَّهِ مَنْ فِي السَّمَوَاتِ وَمَنْ فِي الأَرْضِ وَمَا يَتَّبِعُ الَّذِينَ يَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ شُرَكَاءَ إِنْ يَتَّبِعُونَ إِلَّا الظَّنَّ وَإِنْ هُمْ إِلَّا يَخْرُصُونَ [يونس:66]إلى قوله: قَالُوا اتَّخَذَ اللَّهُ وَلَدًا سُبْحَانَهُ هُوَ الْغَنِيُّ لَهُ مَا فِي السَّمَوَاتِ وَمَا فِي الأَرْضِ [يونس:68] ].

    من أوضح الفوارق بين الشفاعة المثبتة والشفاعة المنفية، ومسألة قياس الشفاعة عند الله عز وجل بالشفاعة عند الملوك والبشر: هو أن الشافع بين البشر أنفسهم كالشفاعة عند العظماء وعند العلماء وعند الملوك والسلاطين وعند التجار وغيرهم تكون فيها الشفاعة مؤثرة في الشافع والمشفوع له، يعني: مؤثرة بأي نوع من الشفيع، ولنفرض أن المشفوع عنده والتي طلبت منه الشفاعة، أو الذي يطلب منه الشافع العمل، ولنفرض أنه ممن لا يحتاج البشر حاجة ظاهرة، لكن لا يمكن أن يؤدي خدمة للمشفوع له بناء على شفاعة الشافعين، إلا لأمر أثّر عليه، إما رحمة، وإما رجاء، وإما خوف، وإما حب التسلط، ولنفرض أن هذا المشفوع عنده ممن لا يرجو الناس ولا يخافهم، لكن لا بد حينما أطاع، وحينما عمل بمقتضى الشفاعة لا بد أن يكون هناك مؤثر فيه، ولو على الأقل إثبات الجبروت، أو إثبات أن له نعمة على الناس، ومعنى هذا: أنه لا بد أن يكون تأثر بالشفاعة، ولكن الله عز وجل هو الغني الغنى المطلق، فالشافع غير مؤثر في الله إطلاقاً بأي نوع من التأثير، من هنا لا يجوز قياس المشركين الذين قاسوا به بأن الشفاعة عند الله تماثل الشفاعة عند أصحاب السلطان وأصحاب الجاه .. وغيرها؛ لأن الشفاعة هذه فعلاً مؤثرة، والشافع المخلوق عند المخلوق لا بد أن يؤثر وإن كان المشفوع عنده أكبر وأعظم سلطاناً، فلا بد أن يكون مؤثراً بأي نوع، بينما الشفاعة عند الله عز وجل لا يكون الشافع فيها مؤثراً بأي نوع من التأثير، وإنما هي بإذن الله وبرحمته لعباده، والله عز وجل هو الغني الغنى المطلق لا يؤثر فيه شيء، ولا يرجو العباد ولا يخشاهم.

    حكم الشفاعة للمشركين وعدم جدوى شفعائهم

    قال رحمه الله تعالى: [ والمشركون يتخذون شفعاء من جنس ما يعهدونه من الشفاعة، قال تعالى: وَيَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ مَا لا يَضُرُّهُمْ وَلا يَنْفَعُهُمْ وَيَقُولُونَ هَؤُلاءِ شُفَعَاؤُنَا عِنْدَ اللَّهِ قُلْ أَتُنَبِّئُونَ اللَّهَ بِمَا لا يَعْلَمُ فِي السَّمَوَاتِ وَلا فِي الأَرْضِ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى عَمَّا يُشْرِكُونَ [يونس:18]، وقال تعالى: فَلَوْلا نَصَرَهُمُ الَّذِينَ اتَّخَذُوا مِنْ دُونِ اللَّهِ قُرْبَانًا آلِهَةً بَلْ ضَلُّوا عَنْهُمْ وَذَلِكَ إِفْكُهُمْ وَمَا كَانُوا يَفْتَرُونَ [الأحقاف:28].

    وأخبر عن المشركين أنهم قالوا: مَا نَعْبُدُهُمْ إِلَّا لِيُقَرِّبُونَا إِلَى اللَّهِ زُلْفَى [الزمر:3]، وقال تعالى: وَلا يَأْمُرَكُمْ أَنْ تَتَّخِذُوا الْمَلائِكَةَ وَالنَّبِيِّينَ أَرْبَابًا أَيَأْمُرُكُمْ بِالْكُفْرِ بَعْدَ إِذْ أَنْتُمْ مُسْلِمُونَ [آل عمران:80]، وقال تعالى: قُلِ ادْعُوا الَّذِينَ زَعَمْتُمْ مِنْ دُونِهِ فَلا يَمْلِكُونَ كَشْفَ الضُّرِّ عَنكُمْ وَلا تَحْوِيلًا * أُوْلَئِكَ الَّذِينَ يَدْعُونَ يَبْتَغُونَ إِلَى رَبِّهِمُ الْوَسِيلَةَ أَيُّهُمْ أَقْرَبُ وَيَرْجُونَ رَحْمَتَهُ وَيَخَافُونَ عَذَابَهُ إِنَّ عَذَابَ رَبِّكَ كَانَ مَحْذُورًا [الإسراء:56-57]. فأخبر أن ما يُدعى من دونه لا يملك كشف ضر ولا تحويله، وأنهم يرجون رحمته ويخافون عذابه ويتقربون إليه، فهو سبحانه قد نفى ما من الملائكة والأنبياء، إلا من الشفاعة بإذنه، والشفاعة هي الدعاء.

    ولا ريب أن دعاء الخلق بعضهم لبعض نافع، والله قد أمر بذلك، لكن الداعي الشافع ليس له أن يدعو ويشفع إلا بإذن الله له في ذلك، فلا يشفع شفاعة نهي عنها، كالشفاعة للمشركين والدعاء لهم بالمغفرة، قال تعالى: مَا كَانَ لِلنَّبِيِّ وَالَّذِينَ آمَنُوا أَنْ يَسْتَغْفِرُوا لِلْمُشْرِكِينَ وَلَوْ كَانُوا أُوْلِي قُرْبَى مِنْ بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُمْ أَنَّهُمْ أَصْحَابُ الْجَحِيمِ * وَمَا كَانَ اسْتِغْفَارُ إِبْرَاهِيمَ لِأَبِيهِ إِلَّا عَنْ مَوْعِدَةٍ وَعَدَهَا إِيَّاهُ فَلَمَّا تَبَيَّنَ لَهُ أَنَّهُ عَدُوٌّ لِلَّهِ تَبَرَّأَ مِنْهُ [التوبة:113-114]، وقال تعالى في حق المنافقين: سَوَاءٌ عَلَيْهِمْ أَسْتَغْفَرْتَ لَهُمْ أَمْ لَمْ تَسْتَغْفِرْ لَهُمْ لَنْ يَغْفِرَ اللَّهُ لَهُمْ [المنافقون:6].

    وقد ثبت في الصحيح أن الله نهى نبيه عن الاستغفار للمشركين والمنافقين، وأخبر أنه لا يغفر لهم، كما في قوله: إِنَّ اللَّهَ لا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَنْ يَشَاءُ [النساء:48]، وقوله: وَلا تُصَلِّ عَلَى أَحَدٍ مِنْهُمْ مَاتَ أَبَدًا وَلا تَقُمْ عَلَى قَبْرِهِ إِنَّهُمْ كَفَرُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَمَاتُوا وَهُمْ فَاسِقُونَ [التوبة:84]، وقد قال تعالى: ادْعُوا رَبَّكُمْ تَضَرُّعًا وَخُفْيَةً إِنَّهُ لا يُحِبُّ الْمُعْتَدِينَ [الأعراف:55] -في الدعاء- ومن الاعتداء في الدعاء: أن يسأل العبد ما لم يكن الرب ليفعله، مثل: أن يسأله منازل الأنبياء وليس منهم، أو المغفرة للمشركين .. ونحو ذلك، أو يسأله ما فيه معصية الله، كإعانته على الكفر والفسوق والعصيان.

    فالشفيع الذي أذن الله له في الشفاعة، شفاعته في الدعاء الذي ليس فيه عدوان.

    ولو سأل أحدهم دعاء لا يصلح له لا يقر عليه، فإنهم معصومون أن يقروا على ذلك، كما قال نوح: إِنَّ ابْنِي مِنْ أَهْلِي وَإِنَّ وَعْدَكَ الْحَقُّ وَأَنْتَ أَحْكَمُ الْحَاكِمِينَ [هود:45]قال تعالى: قَالَ يَا نُوحُ إِنَّهُ لَيْسَ مِنْ أَهْلِكَ إِنَّهُ عَمَلٌ غَيْرُ صَالِحٍ فَلا تَسْأَلْنِ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ إِنِّي أَعِظُكَ أَنْ تَكُونَ مِنَ الْجَاهِلِينَ * قَالَ رَبِّ إِنِّي أَعُوذُ بِكَ أَنْ أَسْأَلَكَ مَا لَيْسَ لِي بِهِ عِلْمٌ وَإِلَّا تَغْفِرْ لِي وَتَرْحَمْنِي أَكُنْ مِنَ الْخَاسِرِينَ [هود:46-47].

    وكل داع شافع دعا الله سبحانه وتعالى وشُفّع فلا يكون دعاؤه وشفاعته إلا بقضاء الله وقدره ومشيئته، وهو الذي يجيب الدعاء ويقبل الشفاعة، فهو الذي خلق السبب والمسبب، والدعاء من جملة الأسباب التي قدرها الله سبحانه وتعالى ].

    نقف هنا، والمسألة التالية: مسألة الالتفات إلى الأسباب، مسألة مستقلة تحتاج إلى شرح مستقل.

    أيضاً: نحب أن نقول خلاصة ما سبق، أعني: الخلاصة في مسألة دعاء الغير والدعاء للغير، ودخول هذه في الشفاعة المطلوبة من عدم دخولها: يجب أن نفرق بين الدعاء للإنسان ودعائه، أو الدعاء للغير ودعاء الغير.

    فالدعاء للغير مشروع، لكن بشرط، ودعاء الغير من دون الله عز وجل ممنوع مطلقاً، ولا يدخل طلب الدعاء من الغير في دعائه؛ لأنه ما دعاه، بل طلب منه أن يدعو له.

    وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.

    مكتبتك الصوتية

    أو الدخول بحساب

    البث المباشر

    المزيد

    من الفعاليات والمحاضرات الأرشيفية من خدمة البث المباشر

    عدد مرات الاستماع

    3086718659

    عدد مرات الحفظ

    755926477