إسلام ويب

رسالة العبودية [10]للشيخ : عبد الرحيم السلمي

  •  التفريغ النصي الكامل
  • لقد كثرت المصطلحات عند المتأخرين كثرة كبيرة، وأغلبها أراد بها أصحابها التلبس بالحق للوصول إلى الباطل، تحقيقاً لأهوائهم المريضة، وعقولهم السقيمة، وأكثر من جاء بهذه المصطلحات هم أهل البدع المحدثة، الذين أرادوا التلبيس على أهل المنهج الحق، ومن هذه المصطلحات مصطلح (الفناء) وقد بين شيخ الإسلام هنا هذا المصطلح، وحقيقته وأقسامه، وما يجوز منه وما لا يجوز.

    1.   

    مصطلح الفناء والمقصود به

    بسم الله الرحمن الرحيم

    الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه وسلم تسليماً كثيراً إلى يوم الدين.

    اللهم علمنا ما ينفعنا، وانفعنا بما علمتنا، وزدنا علماً، إنك أنت العليم الحكيم.

    أما بعد:

    فنكمل ما تبقى من هذا الدرس وهو شرح كتاب العبودية لشيخ الإسلام تقي الدين أحمد بن عبد الحليم بن عبد السلام ابن تيمية ، المتوفى في سنة (728هـ)، وفي الدرس الماضي توقفنا على رأس موضوع الفناء، وسنكمل إن شاء الله ما يتعلق بموضوع الفناء في هذا اللقاء.

    والفناء: اصطلاح صوفي، وهو متعلق بالتعبد ونتيجته عند الصوفية، ونتيجة التعبد عندما يشتغل به الإنسان -حسب فهمهم وطريقتهم- أن يصل إلى مرحلة الفناء.

    والمقصود بالفناء: الغيبة، أي: أن يغيب عقل الإنسان الخارجي وحسه الظاهري الذي يستشعر به من حوله، فلا تكون عنده قدرة على استشعار ما حوله من الأشخاص والأماكن والأحوال التي حوله.

    1.   

    الشريعة والحقيقة والفرق بينهما عند الصوفية

    قال المصنف رحمه الله تعالى: [مثال ذلك: اسم الفناء].

    وبدأ بالمثال على قضية الفرق بين الحقيقة والشريعة فإن الشريعة -كما هو معلوم- ما أمر الله سبحانه وتعالى به، وما نهى عنه، والالتزام بالشريعة، فجاء الصوفيون وقالوا: إن هناك قدراً زائداً وقضية أهم وهي الالتزام بالحقيقة، والحقيقة المقصود بها عندهم هي: التعبد بطريقة معينة للوصول إلى نتائج محددة ومعينة، مخالفة للأحكام الشرعية الظاهرة، ولهذا يقولون: إذا تعارضت الحقيقة والشريعة فإننا نقدم الحقيقة؛ لأن الحقيقة يقينية والشريعة نقلت بالظن.

    وهذا فهم فاسد لأحكام الله سبحانه وتعالى، فإن الأنبياء بعثهم الله عز وجل بأوامر وأرسلهم إلى الناس، وطالب الأنبياء بأن يشرحوا هذه الأوامر للناس، وقام الأنبياء بذلك، فما أتى به الصوفيون من كون الإنسان يمكن له أن يترك الشريعة لوجود الحقيقة، أو يترك الأحكام، أو تلغى ظواهر النصوص الشرعية من أجل الحقيقة فاسد وباطل، وإلغاء للشريعة، وكما قال ابن الجوزي في (تلبيس إبليس): حقيقته طي لبساط الشريعة، وهذا يشبه قول الباطنية: بأن النصوص لها ظاهر وباطن، ثم يفسرون الباطن بالطريقة التي يرونها.

    1.   

    أنواع الفناء

    قال المؤلف رحمه الله تعالى: [قال مثال: اسم الفناء، فإن الفناء ثلاثة أنواع: نوع للكاملين من الأنبياء والأولياء، ونوع للقاصدين من الأولياء والصالحين، ونوع للمنافقين الملحدين المشبهين].

    بيان أن الفناء ليس مذموماً كله

    فليس الفناء كله مذموم، وإن كان الاصطلاح أصلاً اصطلاحاً صوفياً، ولكن كون الإنسان يغيب عمن حوله هذا في حد ذاته ليس مذموماً؛ لأنه قد يستغرق الإنسان في التعبد إلى درجة أنه لا يشعر بمن حوله، وهذا الاستغراق في التعبد وفق ما أمر الله سبحانه وتعالى به وعلى طريقة النبي صلى الله عليه وسلم في العبادة ليس فيه إشكال، وهذا مثل: قصة عروة بن الزبير عندما قطعت وبترت رجله وهو يصلي، فهذا نوع من الأنواع، وهو أن يستغرق في التعبد إلى درجة لا يشعر فيها بما حوله، ويروى عن بعض الصالحين: أنه سقط الجدار من خلفه، فلما قضى صلاته قيل له: كاد الجدار أن يقتلك، فأخبرهم بأنه لم يشعر بكون الجدار سقط. وهذا أمر عادي وليس فيه تثريب إذا جاء الإنسان في تعبده بما يوافق شريعة الله عز وجل، وأوامر الله سبحانه وتعالى، وليس فيه خطأ، ولكن الخطأ هو عندما ينطلق الإنسان من بدعة ويصل إلى نتيجة فاسدة، مثل: أن يعرف الفناء بأنه: اختفاء عن الأمور الظاهرية لاندماجه بها، وأن هذه هي حقيقة الألوهية، كما يقول دعاة وحدة الوجود.

    النوع الأول: الفناء عن إرادة ما سوى الله

    قال المؤلف رحمه الله: [فأما الأول: فهو الفناء عن إرادة ما سوى الله، بحيث لا يحب إلا الله، ولا يعبد إلا إياه، ولا يتوكل إلا عليه].

    وهذا الفناء مطلوب، فالفناء عن إرادة ما سوى الله يعني: أن يترك إرادة ما سوى الله، فلا يحب إلا الله، ولا يتعبد إلا له، ولا يتوكل إلا عليه، ولا يتعلق إلا به، ولا يريد إلا الله سبحانه وتعالى، فهذا هو حقيقة التوحيد.

    قال المؤلف رحمه الله: [فهو الفناء عن إرادة ما سوى الله، بحيث لا يحب إلا الله، ولا يعبد إلا إياه، ولا يتوكل إلا عليه، ولا يطلب غيره. وهو المعنى الذي يجب أن يقصد بقول الشيخ أبي يزيد حيث قال: أريد ألا أريد إلا ما يريد، أي: المراد المحبوب المرضي، وهو المراد بالإرادة الدينية].

    وهنا قضية مهمة وهي: أن أصحاب التصوف المتأخرين الذين وصل بهم التصوف إلى درجة الزندقة -والعياذ بالله- يعتمدون على بعض العبارات المنقولة عن بعض الزهاد والعباد الأوائل، ثم يؤولونها ويحرفون معناها إلى معنى يهوونه، مثل أبي يزيد البسطامي ، وقد يوجد عند بعض المتأخرين كذب على هؤلاء الأئمة، فقد ينسبون للجنيد أو لـأبي يزيد أقوالاً لم يقولوها ولم تثبت عنهم، علماً أنه قد يوجد في بعض عبارات هؤلاء الفضلاء من العباد ما يكون فيه مخالفة للسنة فيرد، ولكن المتأخرين يوظفون هذه النصوص بطريقة غير سليمة وغير صحيحة، مثاله: قول أبي يزيد : أريد ألا أريد إلا ما يريد. يعني: هو يتمنى ألا تتعلق إرادته إلا بما يريد الله عز وجل، فكأنه يقول: أريد أن أصل إلى ألا أريد إلا ما يريده الله سبحانه وتعالى.

    بيان أن هذا النوع من الفناء هو حقيقة التوحيد

    قال المؤلف رحمه الله: [وكمال العبد ألا يريد ولا يحب ولا يرضى إلا ما أراده الله ورضيه وأحبه، وهو ما أمر به أمر إيجاب أو استحباب، ولا يحب إلا ما يحبه الله كالملائكة والأنبياء والصالحين، وهذا معنى قولهم في قوله: إِلَّا مَنْ أَتَى اللَّهَ بِقَلْبٍ سَلِيمٍ [الشعراء:89]، قالوا: هو السليم مما سوى الله، أو مما سوى عبادة الله، أو مما سوى إرادة الله، أو مما سوى محبة الله، فالمعنى واحد، وهذا المعنى إن سمي فناء أو لم يسم هو أول الإسلام وآخره، وباطن الدين وظاهره].

    وهذا أمر واضح، يعني: إذا كان الإنسان لا يريد إلا ما أراد الله عز وجل، ولا تتعلق نفسه إلا بما يريد الله خوفاً ورجاء ومحبة وإنابة فإنه يكون قد حقق التوحيد، وهذا هو حقيقة التوحيد، فسواء سمي فناء أو لم يسم فناء، فهذا هو التوحيد الخالص.

    بيان الطريقة الصحيحة للتعامل مع ألفاظ وعبارات المتأخرين

    وهنا قاعدة مهمة جداً، وهي: أن الألفاظ والعبارات التي عند المتأخرين يجب ألا ينكرها الإنسان جملة ولا يقبلها جملة، وإنما يستفصل عنها، فإذا كانت العبارة صحيحة في المعنى وتوصل إلى معنى صحيح فإنه يقبلها، وإن كانت تشتمل على معنيين: معنى صحيح ومعنى باطل فإنه يقبل الصحيح ويرد الباطل، ويعترض على هذه العبارة التي لبست الحق بالباطل، وإن كانت تدل على معنى باطل فإنه يردها، وإن كان الأصل الشرعي هو أن التعبير يكون بالألفاظ الواردة في النصوص الشرعية، كمؤمن وفاسق وشرك وكفر ونفاق، ونحو ذلك من العبارات.

    النوع الثاني: الفناء عن شهود السوى

    قال المؤلف رحمه الله: [وأما النوع الثاني: فهو الفناء عن شهود السوى، وهذا يحصل لكثير من السالكين].

    والشهود معناه: المشاهدة، والسوى المقصود به: سوى الله، فمعنى الفناء عن شهود السوى: أن يفنى الإنسان عن مشاهدة غير الله، فلا يشاهد غير الله، يعني: لا يستحضر في قلبه ولا يشاهد في قلبه إلا الله سبحانه وتعالى.

    قال المؤلف رحمه الله تعالى: [فإنهم لفرط انجذاب قلوبهم إلى ذكر الله وعبادته ومحبته، وضعف قلوبهم عن أن تشهد غير ما تعبد، وترى غير ما تقصد، لا يخطر بقلوبهم غير الله، بل ولا يشعرون كما قيل في قوله تعالى: وَأَصْبَحَ فُؤَادُ أُمِّ مُوسَى فَارِغًا إِنْ كَادَتْ لَتُبْدِي بِهِ لَوْلا أَنْ رَبَطْنَا عَلَى قَلْبِهَا [القصص:10]، قالوا: فارغاً من كل شيء إلا من ذكر موسى، وهذا كثيراً ما يعرض لمن فقمه أمر من الأمور، إما حب وإما خوف وإما رجاء، يبقى قلبه منصرفاً عن كل شيء إلا عما قد أحبه أو خافه أو طلبه].

    وهذا أمر قد يكون في طبائع الأشياء وطبائع الناس، والإنسان عندما يفاجأ بخبر أو بأمر من الأمور قد يصدم لمدة معينة، يختلف الناس فيها، فقد تطول عند بعض الناس، وتقصر عند آخرين، ويكون مندهشاً منذهلاً، وقد لا يشعر بما حوله، وبعض الناس عندما يواجه بخبر صعب قد يبحث عن طاقيته وهي على رأسه، وقد يبحث عن قلمه وهو في جيبه، وقد يبحث عن حذائه وهو في رجليه، ومع هذا لا يشعر به، فهذا أمر طبيعي، فمثل هؤلاء عندما يجتهدون في التعبد فقد يصلون إلى مرحلة اندهاش وعدم شعور بأي شيء من حولهم إلا بالله سبحانه وتعالى.

    قال المؤلف رحمه الله تعالى: [بحيث يكون عند استغراقه في ذلك لا يشعر بغيره، فإذا قوي على صاحب الفناء هذا فإنه يغيب بموجوده عن وجوده، وبمشهوده عن شهوده، وبمذكوره عن ذكره].

    والمقصود قوله: فإنه يغيب بموجوده يعني: بالشيء الذي وجده، عن وجوده يعني: عن وجود نفسه وما حوله، وبمشهوده يعني: الذي شاهده واستغرق قلبه به، ومذكوره يعني: الذي يذكره ويتعلق قلبه به، وبمعروفه يعني: الذي يستغرق في معرفته.

    ضلال الصوفية في الفناء عن شهود السوى

    قال المؤلف رحمه الله تعالى: [فإنه يغيب بموجوده عن وجوده، وبمشهوده عن شهوده، وبمذكوره عن ذكره، وبمعروفه عن معرفته، حتى يفنى من لم يكن، وهي المخلوقات المعبدة ممن سواه، ويبقى من لم يزل وهو الرب تعالى.

    والمراد: فناؤها في شهود العبد وذكره، وفناؤه عن أن يدركها أو يشهدها، وإذا قوي هذا ضعف المحب حتى اضطرب في تمييزه، فقد يظن أنه هو محبوبه. كما يذكر: أن رجلاً ألقى نفسه في اليم فألقى محبه نفسه خلفه، فقال: أنا وقعت فما أوقعك خلفي؟ قال: غبت بك عني فظننت أنك أني. وهذا الموضع زل فيه أقوام وظنوا أنه اتحاد، وإن المحب يتحد بالمحبوب حتى لا يكون بينهما فرق في نفس وجودهما].

    يعني: أن هذا النوع درجات، وليس درجة واحدة، فبعض الناس قد يستغرق في ذكر الله وفي التفكر في الله سبحانه وتعالى إلى درجة أن يغيب بالله عز وجل أو بموجوده عن وجوده هو، وقد يزيد هذا الفناء إلى درجة أنه لا يشعر بما حوله، وقد يزيد إلى درجة أنه لا يفهم شيئاً مما حوله، وقد يكلمه الناس فلا يعيهم، وقد يحركون بعض أجزائه فلا يتحرك، كأنه مغشي عليه، أو كأنه مصروع، أو مريض، وهذه لا تحصل للكاملين، وإنما تحصل للناقصين ضعاف النفوس، فقد يكون صاحب هذه الحال إذا لم توجد عنده عقائد باطلة طيباً في نفسه، ومن شدة ذكره وتعلقه بربه وتفكيره في صفاته وفي أسمائه قد يغيب عما حوله، وهذا الذكر والفكر والتعلق قد حصل لأئمة وسادات الأولياء، مثل: الأنبياء والصالحين، وعلى رأسهم أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم، ومع ذلك لم يرد مثلاً أن أحداً منهم إذا تقدم للصلاة وصلى سقط مغشياً عليه، بينما ورد هذا عن بعض المتأخرين ممن جاء بعد الصحابة، فكانوا من شدة تعلقهم بالله وخوفهم منه ورغبتهم فيما عنده جاءوا إلى الصلاة وكبروا ربما لا يستطيعون أن يتمالكوا شيئاً من أعصابهم، فيسقطون مغشياً عليهم، وهذه كلها أخبار صحيحة، وربما يتلى على بعضهم الآية أو يذكر له الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم فيتأمل فيه فيسقط مغشياً عليه، وهذه الحال ليست عيباً في مثل هذا الشخص من ناحية دينه، فقد يكون تدينه قوياً، وقد تكون معرفته بربه صحيحة، وليس من أهل البدع ولا علاقة له بها، ولكنها ترجع إلى النفسيات، وإلى قوة الشخصية، فبعض الناس لديه من قوة الشخصية ما لو استغرق وعرف فلا يؤثر ذلك على نفسه، ومن الناس من يكون ضعيفاً.

    وهذه الحال انتشرت عند المتأخرين من بعد زمن الصحابة رضوان الله عليهم، مع أن الصحابة أفضل وأعرف بالله منهم، وأشد خوفاً من الله وتوكلاً عليه منهم، وأشد جهاداً منهم، وكانوا في كل باب من أبواب التعبد أشد منهم في التعبد لله عز وجل، ومع ذلك كانت نفوس الصحابة نفوساً قوية، تتحمل مثل هذه الأمور، فلا تؤثر على أعصابهم، بينما المتأخرين كان في نفوسهم ضعف، وهذا وارد في الناس، فمثلاً: النساء لسن في قوة التحمل مثل الرجال، وكذلك الرجال يختلفون، فبعض الناس تكون قوة تحمله النفسية ضعيفة، وبعض الناس يكون عنده قوة تحمل، حتى أنه قد تأتيه القضايا الكبيرة والعظيمة فلا تؤثر فيه، في حين أن بعض الناس قد تأتيه القضايا الصغيرة البسيطة فتقلب كيانه بأكمله، فبعض الناس قد يمرض ابنه فيتغير شعوره، وقد يضعف، وقد يسقط مغشياً عليه، وبعض الناس ربما يؤتى له بابنه مقتولاً فلا يتأثر تأثراً كبيراً، فهذه راجعة إلى الأمور الشخصية أكثر من رجوعها إلى الأمور الدينية، فينبغي إدراك هذه القضية، فمثلاً: الأحنف بن قيس كان محتبياً فجيء له بابنه مقتولاً قتله ابن عمه، وقد أمسكوه وأتوا به معهم، وكان الأحنف محتبياً فما فك الحبوة التي كانت تربط جسده، وقال: أطلقوه، إنما هي بضعة منك قطعتها -يكلم ابن عمه- أعطوا أمه -يعني: زوجته- مائة من الإبل، فإنها غريبة، وأكمل حديثه، فهذه النفوس ليست عادية، وإنما هي نفوس عظيمة وكبيرة، وتدل على علو في الهمة، وعلى صفات شخصية قوية غير عادية.

    وهذه المظاهر الغريبة التي قد تحصل عند البعض قد يفسرها المتأخرون بأنها هي نفسها: وحدة الوجود، وهي: التعلق بالمخلوق، والاتصال التام بين الخالق والمخلوق إلى درجة أنهما شيء واحد، وقد قال ابن تيمية رحمه الله عن هذا: وهذا غلط، وهو صادق بأن هذا غلط، فليس الخالق مثل المخلوق، وهناك فارق بين المخلوق والخالق.

    قال المؤلف رحمه الله: [وهذا غلط، فإن الخالق لا يتحد به شيء أصلاً].

    لأنه: لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ البَصِيرُ [الشورى:11] وهو الأحد الصمد، الذي لَمْ يَلِدْ وَلَمْ يُولَدْ * وَلَمْ يَكُنْ لَهُ كُفُوًا أَحَدٌ [الإخلاص:3-4].

    قال المؤلف رحمه الله تعالى: [بل لا يمكن أن يتحد شيء بشيء إلا إذا استحالا وفسدت حقيقة كل منهما، وحصل من اتحادهما أمر ثالث لا هو هذا ولا هذا].

    أي: إلا إذا تغيرت حقيقة كل واحد منهما، فمثلاً: الذين يقولون: بأنه اتحد العبد في الله فمعنى هذا أنه يلزمهم أن العبد تغيرت حقيقته فصار شيئاً آخر، وأن الله تغيرت حقيقته فصار شيئاً آخر، فتكون نتيجة الاتحاد شيئاً آخر غير العبد وغير الله، ولا شك أن هذا كما أنه باطل فهو في الواقع كفر مبين.

    قال المؤلف رحمه الله تعالى: [بل لا يمكن أن يتحد شيء بشيء إلا إذا استحالا وفسدت حقيقة كل منهما، وحصل من اتحادهما أمر ثالث لا هو هذا ولا هذا، كما إذا اتحد الماء واللبن، والماء والخمر، ونحو ذلك، ولكن يتحد المراد والمحبوب، والمراد والمكروه، ويتفقان في نوع الإرادة والكراهة، فيحب هذا ما يحب هذا، ويبغض هذا ما يبغض هذا، ويرضى ما يرضى، ويسخط ما يسخط، ويكره ما يكره، ويوالي من يوالي، ويعادي من يعادي، وهذا الفناء كله فيه نقص.

    وأكابر الأولياء كـأبي بكر وعمر والسابقين الأولين من المهاجرين والأنصار لم يقعوا في هذا الفناء، فضلاً عمن هو فوقهم من الأنبياء، وإنما وقع شيء من هذا بعد الصحابة وكذلك كل ما كان من هذا النمط مما فيه غيبة العقل والتمييز لما يرد على القلب من أحوال الإيمان، فإن الصحابة رضي الله عنهم كانوا أكمل وأقوى وأثبت في الأحوال الإيمانية من أن تغيب عقولهم، أو يحصل لهم غشي أو صعق أو سكر أو فناء أو وله أو جنون، وإنما كان مبادئ هذه الأمور في التابعين من عباد البصرة، فإنه كان فيهم من يغشى عليه إذا سمع القرآن، ومنهم من يموت: كـأبي جهير الضرير وزرارة بن أبي أوفى قاضي البصرة.

    وكذلك صار في شيوخ الصوفية من يعرض له من الفناء والسكر ما يضعف معه تمييزه، حتى يقول في تلك الحال من الأقوال ما إذا صحا عرف أنه غالط فيه، كما يحكى نحو ذلك عن مثل أبي يزيد البسطامي وأبي الحسن النوري وأبي بكر الشبلي، وأمثالهم، بخلاف أبي سليمان الداراني ومعروف الكرخي والفضيل بن عياض ، بل وبخلاف الجنيد ، وأمثالهم ممن كانت عقولهم وتمييزهم يصحبهم في أحوالهم فلا يقعون في مثل هذا الفناء والسكر ونحوه، بل الكمل من المؤمنين الذين لا يهتدون إلا بهدي الكتاب والسنة لا يكون في قلوبهم سوى محبة الله وإرادته وعبادته، وعندهم من سعة العلم والتمييز ما يشهدون به الأمور على ما هي عليه، بل يشهدون المخلوقات قائمة بأمر الله، مدبرة بمشيئته، بل مسبحة له قانتة له، فيكون لهم فيها تبصرة وذكرى، ويكون ما يشهدونه من ذلك مؤيداً وممداً لما في قلوبهم من إخلاص الدين، وتجريد التوحيد لله، والعبادة له وحده لا شريك له.

    وهذه هي الحقيقة التي دعا إليها القرآن، وقام بها أهل تحقيق الإيمان، والكمل من أهل العرفان، ونبينا صلى الله عليه وسلم إمام هؤلاء وأكملهم، ولهذا لما عرج به إلى السموات وعاين ما هنالك من الآيات، وأوحى إليه ربه من أنواع المناجاة ما أوحى أصبح فيهم وهو لم يتغير حاله، ولا ظهر عليه ذلك، بخلاف ما كان يظهر على موسى من التغشي، صلى الله عليهم وسلم أجمعين].

    فالنوع الأول من الفناء -سواء سمي فناء أو لم يسم- هو حقيقة التوحيد، وهو: فناء الإنسان عن إرادة ما سوى الله، فلا يريد إلا الله، ولا يريد شيئاً من المخلوقين، ولا يحب ولا يبتغي إلا الله سبحانه وتعالى.

    والنوع الثاني هو: فناء عن شهود السوى، ومعناه: أن الإنسان يفنى عن مشاهدة ما حوله مما هو سوى الله سبحانه وتعالى؛ لتعلقه بالله سبحانه وتعالى، وهذا حصل عند بعض العباد المتأخرين بسبب شيء من الضعف الموجود عندهم.

    بيان أن كثرة الكرامات للشخص لا تدل على فضله على غيره

    وقد ذكر ابن تيمية رحمه الله في (الفرقان) وفي غيره: أن المتأخرين كثرت عندهم الكرامات أكثر من المتقدمين؛ لأن هذه الكرامات كانت عبارة عن تشجيع لهم؛ لأنهم أقل منزلة من المتقدمين الذين كانوا يتعبدون لله عز وجل على الغيب، بينما المتأخرون لضعف قدرتهم عن قدرة أولئك صارت الكرامات عبارة عن تشجيع لهم، فكثرة الكرامات عند بعض المتأخرين ليست دليلاً على أنه أفضل من غيره، بل هي علامة على أنه أقل من غيره.

    النوع الثالث: وحدة الوجود

    قال المؤلف رحمه الله تعالى: [وأما النوع الثالث مما قد يسمى فناء فهو: أن يشهد أن لا موجود إلا الله، وأن وجود الخالق هو وجود المخلوق].

    وهذا هو الكفر المبين، وهو عقيدة أصحاب وحدة الوجود، فهم يشهدون أنه لا موجود إلا الله سبحانه وتعالى، ويفسرون لا إله إلا الله بمعنى: لا موجود إلا الله سبحانه وتعالى، وأنه ليس هناك مخلوقات، وإنما هو خالق يأتي في صور متعددة، ومن هذه الصور: صورة بني الإنسان، وصورة بقية الكائنات.

    قال المؤلف رحمه الله تعالى: [فلا فرق بين الرب والعبد، فهذا فناء أهل الضلال والإلحاد الواقعين في الحلول والاتحاد وهذا يبرأ منه المشايخ المستقيمون على هدي الكتاب والسنة، كالصحابة والأئمة المهتدين، فإنهم إذا قال أحدهم: ما أرى غير الله، أو: لا أنظر إلى غير الله ونحو ذلك فمرادهم بذلك: ما أرى رباً غيره، ولا خالقاً غيره ولا مدبراً غيره، ولا إلهاً غيره، ولا أنظر إلى غيره محبة له أو خوفاً منه أو رجاء له، فإن العين تنظر إلى ما يتعلق به القلب، فمن أحب شيئاً أو رجاه أو خافه التفت إليه، وإذا لم يكن في القلب محبة له ولا رجاء له ولا خوف منه ولا بغض له ولا غير ذلك من تعلق القلب له لم يقصد القلب أن يلتفت إليه، ولا أن ينظر إليه، ولا أن يراه، وإن رآه اتفاقاً رؤية مجردة كان كما لو رأى حائطاً ونحوه، مما ليس في قلبه تعلق به.

    والمشايخ الصالحون -رضي الله عنهم- يذكرون شيئاً من تجريد التوحيد وتحقيق إخلاص الدين كله، بحيث لا يكون العبد ملتفتاً إلى غير الله، ولا ناظراً إلى ما سواه، لا حباً له، ولا خوفاً منه، ولا رجاء له، بل يكون القلب فارغاً من المخلوقات، خالياً منها، لا ينظر إليها إلا بنور الله، فبالحق يسمع، وبالحق يبصر، وبالحق يبطش، وبالحق يمشي، فيحب منها ما يحبه الله، ويبغض منها ما يبغضه الله، ويوالي منها ما والاه الله، ويعادي منها ما عاداه الله، ويخاف الله فيها ولا يخافها في الله، ويرجو الله فيها ولا يرجوها في الله، فهذا هو القلب السليم الحنيف الموحد المسلم المؤمن العارف المحقق الموجد بمعرفة الأنبياء والمرسلين، وبحقيقتهم وتوحيدهم.

    وأما النوع الثالث وهو: الفناء في الموجود فهو تحقيق آل فرعون، ومعرفتهم وتوحيدهم كالقرامطة وأمثالهم.

    وهذا النوع الذي عليه أتباع الأنبياء فهو الفناء المحمود الذي يكون صاحبه به ممن أثنى الله عليهم من أوليائه المتقين وحزبه المفلحين وجنده الغالبين.

    وليس مراد المشايخ والصالحين بهذا القول: أن الذي أراه بعيني من المخلوقات هو رب الأرض والسموات، فإن هذا لا يقوله إلا من هو في غاية الضلال والفساد].

    فهناك بعض العبارات عند بعض المشايخ من العباد والزهاد والصالحين التي قد تفسر على غير وجهها الصحيح، وكلام الشيخ كله الآن منصب على هذه القضية، وعلى ما ينقل عن بعض الشيوخ أنه قال: ما أرى غير الله، أو قال: لا أنظر إلى غير الله، فقوله: لا يرى غير الله، ليس مقصوده بأنه لا يرى بعينيه إلا الله، فيكون معنى كلامه: أن المخلوقات هي الله، وإنما المقصود بقوله: لا أرى غير الله، يعني: لا أرى ولا أفكر ولا أعمل شيئاً إلا بالله سبحانه وتعالى، وهذا هو معنى ما جاء في حديث النبي صلى الله عليه وسلم: (كنت سمعه الذي يسمع به، وبصره الذي يبصر به، ويده التي يبطش بها، ورجله التي يمشي عليها). فالمقصود: أنه تكون كل حركاته لله وبالله، وليس للمخلوق فيها شيء، فأتى المتأخرون من أصحاب وحدة الوجود الضالين الملحدين وقالوا: إن معنى قوله: ما أرى غير الله: أن كل المخلوقات هي الله، ولهذا جاء عند بعضهم: ما في الجبة إلا الله، والجبة هي: اللباس فكأنه يدعي الألوهية لنفسه.

    قال المؤلف رحمه الله تعالى: [وليس مراد المشايخ والصالحين بهذا القول: أن الذي أراه بعيني من المخلوقات هو رب الأرض والسموات، فإن هذا لا يقوله إلا من هو في غاية الضلال والفساد، إما فساد العقل وإما فساد الاعتقاد، فهو متردد بين الجنون والإلحاد.

    وكل المشايخ الذين يقتدى بهم في الدين متفقون على ما اتفق عليه سلف الأمة وأئمتها، من أن الخالق سبحانه مباين للمخلوقات، وليس في مخلوقاته شيء من ذاته، ولا في ذاته شيء من مخلوقاته، وأنه يجب إفراد القديم عن الحادث، وتمييز الخالق عن المخلوق، وهذا في كلامهم أكثر من أن يمكن ذكره هنا، وهم قد تكلموا على ما يعرض للقلوب من الأمراض والشبهات، وإن بعض الناس قد يشهد وجود المخلوقات فيظنه خالق الأرض والسموات؛ لعدم التمييز والفرقان في قلبه، بمنزلة من رأى شعاع الشمس فظن أن ذلك هو الشمس التي في السماء، وهم قد يتكلمون في الفرق والجمع، ويدخل في ذلك من العبارات المتلفة نظير ما دخل في الفناء، فإن العبد إذا شهد التفرقة والكثرة في المخلوقات يبقى قلبه متعلقا بها، متشتتاً ناظراً إليها متعلقاً بها، إما محبة وإما خوفاً وإما رجاء، فإذا انتقل إلى الجمع اجتمع قلبه على توحيد الله وعبادته وحده لا شريك له].

    يقصد شيخ الإسلام رحمه الله: أن مثل المصطلحات: الجمع والفرق والفناء، ونحو ذلك من المصطلحات التي تفهم على أكثر من وجه، وربما رددها بعض الشيوخ الأوائل من العباد الزهاد، وأرادوا بها معانٍ ودلالات صحيحة، لكن المتأخرين من المتصوفة الذين يقولون: بوحدة الوجود فسروها تفسيراً باطلاً، مثل قضية الفناء، فقد ذكر أنها ثلاثة أنواع، منها نوع هو حقيقة التوحيد، وهو النوع الأول: الفناء عن إرادة السوى، ومنها نوع ليس فيه تثريب ديني، وإنما هو راجع إلى قوة شخصية الإنسان، وهذا ما يسمى بالفناء عن شهود السوى، ومنها نوع هو الإلحاد والكفر المبين، وهو: الفناء واعتقاد أنه لا موجود إلا الله سبحانه وتعالى، وأن المخلوقات هي الله، تعالى الله عما يقولون علواً كبيراً.

    مصطلح الجمع والفرق عند الصوفية

    ومثلها: الجمع والفرق، فإن الجمع والفرق من المصطلحات التي حصلت عند بعض المتأخرين، وأصبحت من مصطلحات صوفية، وأصبح يرددها البعض بمعنى صحيح، والبعض بمعنى فاسد، فقد يقصد البعض بالجمع: اجتماع القلب على الله سبحانه وتعالى، وعلى ذكره وشكره وعبادته، والفرق: كثرة المشاهدات التي يراها في الواقع، وليس بينهما تعارض ولا تناقض، وقد يأتي شخص آخر فيفسر الجمع بأنه: حقيقة التعبد، وهو: اعتقاد أن المخلوقات هي الله سبحانه وتعالى، وأن الفرق هو: عبارة عن أجزاء من ذاته، ولهذا عندما قيل للتلمساني وهو من فلاسفة الصوفية المتأخرين: كيف تفسر الكثرة الموجودة في المخلوقات، وأنت تقول: أنها هي عين ذات الله عز وجل؟ قال: ألا ترون موج البحر ما أكثره، مع أنه لا يمكن أن يسمى شيئاً غير البحر؟ ففسرها بهذا التفسير، وهذا هو مقصود بعض المتأخرين، فقد يكون المعنى الذي يراد بالجمع والفرق والوحدة والكثرة معنى صحيح، وقد يكون معنى باطل، فينبغي للإنسان التنبه.

    قال المؤلف رحمه الله تعالى: [فإذا انتقل إلى الجمع اجتمع قلبه على توحيد الله وعبادته وحده لا شريك له، فالتفت قلبه إلى الله بعد التفاته إلى المخلوقين، فصارت محبته لربه، وخوفه من ربه، ورجاؤه لربه، واستعانته بربه، وهو في هذا الحال قد لا يسع قلبه النظر إلى المخلوق ليفرق بين الخالق والمخلوق، فقد يكون مجتمعاً على الحق، معرضاً عن الخلق نظراً وقصداً، وهو نظير النوع الثاني من الفناء.

    ولكن بعد ذلك الفرق الثاني وهو: أن يشهد أن المخلوقات قائمة بالله، مدبرة بأمره، ويشهد كثرتها معدومة بوحدانية الله سبحانه وتعالى، وأنه سبحانه رب المصنوعات وإلهها وخالقها ومالكها، فيكون مع اجتماع قلبه على الله -إخلاصاً له ومحبة وخوفاً ورجاء واستعانة وتوكلاً على الله، وموالاة فيه، ومعاداة فيه، وأمثال ذلك- ناظراً إلى الفرق بين الخالق والمخلوق، مميزاً بين هذا وهذا، يشهد تفرق المخلوقات وكثرتها، مع شهادته أن الله رب كل شيء ومليكه وخالقه، وأنه هو الله لا إله إلا هو، وهذا هو الشهود الصحيح المستقيم، وذلك واجب في علم القلب وشهادته وذكره ومعرفته في حال القلب وعبادته وقصده وإرادته ومحبته وموالاته وطاعته، وذلك تحقيق شهادة أن لا إله إلا الله، فإنها تنفي عن قلبه ألوهية ما سوى الحق، وتثبت في قلبه ألوهية الحق، فيكون نافياً لألوهية كل شيء من المخلوقات، مثبتاً لألوهية رب العالمين، رب الأرض والسموات، وذلك يتضمن اجتماع القلب على الله، وعلى مفارقة ما سواه، فيكون مفرقاً في علمه وقصده في شهادته وإرادته في معرفته ومحبته بين الخالق والمخلوق، بحيث يكون عالماً بالله تعالى، ذاكراً له عارفاً به، وهو مع ذلك عالم بمباينته لخلقه، وانفراده عنهم، وتوحده دونهم، ويكون محباً لله، معظماً له، عابداً له، راجياً له، خائفاً منه، موالياً فيه، معادياً فيه، مستعيناً به، متوكلاً عليه، ممتنعاً عن عبادة غيره، والتوكل عليه، والاستعانة به، والخوف منه، والرجاء له، والموالاة فيه، والمعاداة فيه، والطاعة لأمره، وأمثال ذلك، مما هو من خصائص إلهية الله سبحانه وتعالى.

    وإقراره بألوهية الله تعالى دون ما سواه يتضمن إقراره بربوبيته، وهو أنه رب كل شيء ومليكه وخالقه ومدبره، فحينئذ يكون موحداً لله].

    1.   

    العلاقة بين توحيد الربوبية وتوحيد الألوهية

    والعلاقة بين توحيد الربوبية وتوحيد الألوهية: أن توحيد الربوبية يستلزم توحيد الألوهية، والألوهية تتضمن توحيد الربوبية، فكل من وحد الله في إلهيته فإن هذا يتضمن توحيده لله عز وجل في كونه رب كل شيء، وأنه عز وجل خالق كل شيء، ومدبر كل شيء؛ لأنه لا يمكن أن يعبد الله عز وجل دون أن يعتقد مثل هذا الاعتقاد، ومن جاء بالربوبية فإنه يلزمه أن يأتي بالألوهية، وقد يأتي بها كحال المسلمين، وقد لا يأتي بها كحال الكافرين؛ لأن الكفار كثير منهم يعرف أن الله عز وجل هو خالق كل شيء ومدبر كل شيء، إلا أنه لا يلتزم بعبادة الله عز وجل والتأله له، بل تأله لغيره، مع أنه لازم له في الحقيقة.

    قال المؤلف رحمه الله تعالى: [وذلك يبين أن أفضل الذكر: لا إله إلا الله، كما رواه الترمذي وابن أبي الدنيا ، وغيرهما، مرفوعاً إلى النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: (أفضل الذكر: لا إله إلا الله، وأفضل الدعاء: الحمد لله).

    وفي الموطأ وغيره عن طلحة بن عبد الله بن كثير أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (أفضل ما قلت أنا والنبيون من قبلي: لا إله إلا الله وحده لا شريك له، له الملك وله الحمد وهو على كل شيء قدير)].

    1.   

    الأسئلة

    هل يكون النبي في حالة فناء عند نزول الوحي عليه

    السؤال: هل كان النبي صلى الله عليه وسلم عندما يوحى إليه يكون في حالة الفناء؟

    الجواب: كلمة الفناء هي اصطلاح، وليست كلمة شرعية، فالفناء نفسها لم ترد في القرآن ولا في السنة، وإنما هي كلمة اصطلاحية حصلت عند بعض المتأخرين، فأراد الشيخ أن يشير إليها ويفصلها، وأن يميز بين المعنى الحق الذي يمكن أن يوجد في هذه الكلمة وبين المعنى الباطل الذي لا يصح، وأما النبي صلى الله عليه وسلم فإنه إذا أوحي إليه كما جاء في الحديث: (أنه كان يجد ثقلاً فيه، وكان يعرق، وتعلوه الرحضاء، فربما يتفصد جبينه عرقاً في الليلة الباردة الشاتية). وذكر زيد بن ثابت في قول الله عز وجل: إِنَّا سَنُلْقِي عَلَيْكَ قَوْلًا ثَقِيلًا [المزمل:5]، بأنه أوحي إلى النبي صلى الله عليه وسلم وفخذه كانت تحت فخذ النبي صلى الله عليه وسلم، قال: فكادت ترض يعني: كادت تنكسر من شدتها، وربما جاءه الوحي عليه الصلاة والسلام وهو على جمله وهو قائم فيبرك، وهذا لا يسمى فناء، ولكنه كان يجد منه شدة لا يتحملها إلا مثله.

    الموقف من دعاة الصوفية المعاصرين

    السؤال: ما هو موقفنا من رءوس الصوفية والمجددين لهم في هذا الزمان؟

    الجواب: الصوفية أنواع، وليسوا نوعاً واحداً، ولكن المتأخرين منهم جمعوا السوء من أطرافه، ومن الأمثلة على ذلك الجفري الذي يأتي في الإعلام وفي الفضائيات كثيراً، فهذا الرجل سمعنا له تسجيلات خطيرة جداً على العقيدة، يستحل فيها كثيراً من المحرمات، ويكذب فيها على أهل السنة كذباً واضحاً وبيناً، وقد يكون لديه أسلوب جميل في العرض والمناقشة، ولكن الأسلوب الجميل ليس كافياً في صحة العقيدة، فينبغي للإنسان أن يدرك هذه القضية.

    الفرق بين قسوة القلب وقوة الشخصية

    السؤال: الشخص الذي لا يتأثر بما حوله، كموت أحد أقاربه، هل هذا من قسوة القلب أم قوة الشخصية؟

    الجواب: إذا لم يتأثر بالمرة فلا شك أن هذا قسوة، وقوة الشخصية لا تعني عدم التأثر، بل قد يتأثر صاحبها، وقد يبكي، والأقوياء يبكون، وقد بكى النبي صلى الله عليه وسلم عند وفاة ابنه إبراهيم ، وقال: (إن القلب ليحزن، وإن العين لتدمع، وإن على فراقك يا إبراهيم ! لمحزونون)، فالإنسان قد يبكي ويتأثر ويحزن، وقوة الشخصية هو ألا يصل إلى درجة أنه إذا أخبر بموت والده مثلاً أن يموت أو يغشى عليه، أو تصيبه جلطة مثلاً، فلا شك أن هذا ضعف، ولكن هذا لا يعني أنه لا يتأثر أو لا يبكي أو لا يحزن، فهذا كله أمر طبيعي، وهو من فطرة الإنسان، فقوة الشخصية غير القسوة، فالقسوة هي: أن يتعامل الإنسان مع القضايا التي تثير الإنسان العادي بأسلوب جامد ولا يتفاعل معها، يعني: قد يسمع آيات مؤثرة ولا تبكيه، وقد يحصل له حادث مثلاً ولا يتأثر منه، وقد يموت له قريب وزميل فلا يتأثر، فهذه قسوة وليست قوة، ولكن القوة هي: أن يتمالك الإنسان نفسه، فلا يقول إلا ما يرضي الله سبحانه وتعالى وقديماً كانت النساء إذا مات ميت لهن حثين على رءوسهن التراب، ومزقن ملابسهن، وصحن وأكثرن الصياح، وعلا صوتهن بالصياح بطريقة غير صحيحة، وهذه هي النياحة التي نهى عنها النبي صلى الله عليه وسلم، وأمر الإنسان بضبط نفسه.

    وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد وآله وصحبه وسلم.

    مكتبتك الصوتية

    أو الدخول بحساب

    البث المباشر

    المزيد

    من الفعاليات والمحاضرات الأرشيفية من خدمة البث المباشر

    عدد مرات الاستماع

    3086718659

    عدد مرات الحفظ

    755834887