إسلام ويب

مجالس رمضان فضائل شهر الصيامللشيخ : أحمد فريد

  •  التفريغ النصي الكامل
  • جعل الله تعالى أوقاتاً ومواسم للخيرات، يزيد فيها الأجور، ويضاعف فيها الحسنات، رحمة منه سبحانه وتعالى بعباده وتفضلاً منه تعالى عليهم، ثم دعاهم سبحانه إلى اغتنام هذه الأوقات والمبادرة بالأعمال الصالحة فيها، ومن هذه المواسم شهر رمضان المبارك، فهو غنيمة المسلم وفرصته التي يتزود فيها بما يقربه إلى ربه ويوصله إلى مرضاته.

    1.   

    الحث على اغتنام شهر رمضان

    الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين.

    أما بعد:

    يا من طالت غيبته عنا قد قربت أيام المصالحة!

    يا من دامت خسارته! قد أقبلت أيام التجارة الرابحة، من لم يربح في هذا الشهر ففي أي وقت يربح؟

    من لم يقرب فيه من مولاه فهو على بعده لا يبرح.

    عباد الله! هبّت اليوم على القلوب نفحة من نفحات نسيم القرب، وسعى سمسار المواعظ للمهجورين في الصلح، ووصلت البشارة للمذنبين بالعفو، وللمنقطعين بالوصل، وللمستوجبين النار بالعتق.

    لما سلسل الشيطان في شهر رمضان وخمدت نيران الشهوات بالصيام انعزل سلطان الهوى، وصارت الدولة لحاكم العقل بالعدل، فلم يبق للعاصي عذر.

    يا غيوم الغفلة! عن القلوب تقشعي، يا شموس التقوى والإيمان! اطلعي، يا صحائف أعمال الصائمين! ارتفعي، يا عيون المتهجدين! لا تهجعي، يا أقدام المتهجدين! اسجدي لربك واركعي، يا ذنوب التائبين! لا ترجعي، يا أرض الهوى! ابلعي ماءك، ويا سماء النفوس أقلعي، يا همم العارفين! ارتعي، يا قلوب المحبين! بغير الله لا تقنعي.

    قد مدت في هذه الأيام موائد الإنعام للصوّام، فما منكم أحد إلا وقد دعي، يَا قَوْمَنَا أَجِيبُوا دَاعِيَ اللَّهِ [الأحقاف:31]، فطوبى لمن أجاب فأصاب، وويل لمن صُد عن الباب وما دُعي.

    1.   

    فضل شهر رمضان

    عباد الله! قد أظلنا شهر كريم مبارك، شهر تفتّح فيه أبواب الجنان فلا يُغلق منها باب، وتُغلّق فيه أبواب الجحيم فلا يُفتح منها باب، وتسلسل فيه الشياطين.

    شهر تفتّح فيه أبواب السماء، وتفتّح فيه أبواب الرحمة، قال النبي صلى الله عليه وسلم: (إذا دخل رمضان فُتّحت أبواب الجنة)، وفي رواية (فُتّحت أبواب الرحمة)، وفي رواية: (فُتّحت أبواب السماء، وغُلّقت أبواب النار، وصفّدت الشياطين، ونادى مناد: يا باغي الخير! أقبل، ويا باغي الشر! أقصر) فكيف لا يفرح المسلمون بفتح أبواب الجنة وأبواب السماء وأبواب الرحمة؟ وكيف لا يفرحون بغلق أبواب جهنم وبتصفيد الشياطين؟

    وينادي مناد في كل يوم من هذا الشهر الكريم: يا باغي الخير! أقبل ويا باغي الشر! أقصر، فتجدون أهل الخير والصلاح أشد اجتهاداً في طاعة الله عز وجل، وفي طلب مرضاته في هذا الشهر الكريم، وتجدون أهل الشر والفساد تقل غوايتهم وشرهم، فيزداد أهل الإيمان إيماناً وإقبالاً على الله عز وجل وطاعة له عز وجل، وتقل غواية أهل الغي والفساد.

    فهو شهر كريم عباد الله، موسم من مواسم المغفرة والرحمة، مدرسة ربانية رحمانية تفتح أبوابها كل عام، يتدرب فيها العباد على تقوى الله عز وجل وعلى طاعته عز وجل؛ لعلهم عندما ينسلخ الشهر الكريم يصيرون من المتقين ومن عباد الله عز وجل الصالحين.

    1.   

    الغاية من الصيام

    شهر رمضان كله تدريب على تقوى الله عز وجل وعلى طاعته عز وجل، وعلى التشبه بالصالحين وبالمحسنين، قال الله عز وجل: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ [البقرة:183] فالعباد المسلمون في نهار هذا الشهر الكريم صائمون صابرون لله عز وجل، تركوا الطعام والشراب لله عز وجل، وبالأولى تركوا كل معصية لله عز وجل.

    قال النبي صلى الله عليه وسلم: (من لم يدع قول الزور والعمل به فليس لله حاجة في أن يدع طعامه وشرابه) فالمسلم الذي ترك الطعام والشراب وما أباحه الله عز وجل في غير نهار هذا الشهر الكريم ينبغي له من باب أولى إذا كان يفهم حكمة الصيام أن يدع كل معصية للواحد العلام؛ لأنه إذا ترك ما أباحه الله عز وجل في غير نهار الشهر الكريم فبالأولى أن يترك ما حرمه الله عز وجل في هذا الشهر وغير هذا الشهر، لأن من لم يدع قول الزور والعمل به فليس لله حاجة في أن يدع طعامه وشرابه، فإذا استمر على قول الزور والعمل بالزور فهو لم يفهم حكمة الصيام، ولم يفهم أن الصيام هو تدريب على تقوى الله عز وجل، وعلى ترك المعاصي، وعلى ترك إطلاق البصر وفضول الكلام والسماع المحرم وغير ذلك، كما قال جابر: إذا صمت فليصم سمعك وبصرك ولسانك، ودع أذى الجار، وليكن عليك سكينة ووقار، ولا تجعل يوم صومك ويوم فطرك سواء.

    وكان السلف إذا صاموا جلسوا في المساجد، وقالوا: نحفظ صومنا ولا نغتاب أحداً.

    1.   

    أحوال الصائمين في نهارهم وليلهم

    المسلم -عباد الله- في نهار رمضان ملتزم بأخلاق الصيام، كما قال النبي صلى الله عليه وسلم: (فإذا كان يوم صوم أحدكم فلا يرفث ولا يفسق، وإن سابه أحد أو قاتله فليقل: إني صائم، إني صائم) فهو يتشبه بالمحسنين الذين يدرءون بالحسنة السيئة، فلا يجهل على الجاهل بمثل جهله، ولا يسفه على السفيه بمثل سفهه، (فإن سابه أحد أو قاتله فليقل: إني صائم، إني صائم) يتدرب على أخلاق المحسنين؛ لأن أخلاق الصائم هي أخلاق المحسنين، فإذا أتى الليل فهو فيه طاعم شاكر كما كان في النهار صائماً صابراً، وكما ترك الطعام والشراب والشهوة لله عز وجل في نهار هذا الشهر فإنه إذا أقبل عليه الليل يبادر بالإفطار، لأن أحب عباد الله عز وجل إليه أعجلهم فطراً، فيبادر بالإفطار طاعة لله عز وجل، ويفرح عند فطره؛ لأنه وفِّق لصيام هذا اليوم، ولأنه أتم العبادة كما أحبها الله عز وجل، فيفرح شرعاً ويفرح طبعاً، لأن العبد الذي منع من شيء تميل النفس إليه ثم رُخِّص له فيه وأُذِن له فيه يفرح بذلك بطبيعة الحال. فللصائم فرحتان: فرحة عند فطره، وفرحة عند لقاء ربه، عندما يرى أجر الصيام مدخوراً موفوراً عند الله عز وجل.

    فإذا كان الليل فلا يجلس المسلم أمام الأجهزة الخبيثة ولا يتمتع بالشهوات المحرمة، بل كما شُغل في النهار بالصيام فإنه يُشغل في الليل بالقيام، قال النبي صلى الله عليه وسلم: (من صام رمضان إيماناً واحتساباً غُفر له ما تقدم من ذنبه، ومن قام رمضان إيماناً واحتساباً غُفر له ما تقدم من ذنبه) فالمسلم في النهار صائم صابر، وفي الليل طاعم شاكر، فهو ينتقل من طاعة إلى طاعة، من عبادة إلى عبادة، ومن سعادة إلى سعادة، وجزاء الحسنة الحسنة بعدها، وهذا أمر من الأمور التربوية، فينبغي للعبد أن يُشغل نفسه دائماً بالطاعات، وألا يترك لنفسه فرصة لأن تعصي الله عز وجل، فإذا كان العبد مشغولاً بطاعة الله عز وجل فلن يكون محلاً للوساوس، وإذا غفل القلب ساعة عن ذكر الله عز وجل جثم عليه الشيطان، وأخذ يعده ويمنيه، فرمضان تدريب على الطاعة ودخول في عبادة الله عز وجل، وتدرب على أخلاق الصالحين والمحسنين.

    والصالحون عباد الله يقومون السنة كلها، كما قال النبي صلى الله عليه وسلم: (عليكم بقيام الليل فإنه دأب الصالحين قبلكم، ومقربة إلى ربكم، ومنهاة عن الإثم، ومطردة للداء عن الجسد) فالصالحون يقومون السنة كلها، ونحن نتدرب في هذا الشهر الكريم على أخلاق الصالحين، فنقوم شهراً كاملاً لعل الشهر ينسلخ وقد صرنا من الصالحين الذين يقومون طوال السنة، كما قال الله عز وجل: أَمَّنْ هُوَ قَانِتٌ آنَاءَ اللَّيْلِ سَاجِدًا وَقَائِمًا يَحْذَرُ الآخِرَةَ وَيَرْجُوا رَحْمَةَ رَبِّهِ قُلْ هَلْ يَسْتَوِي الَّذِينَ يَعْلَمُونَ وَالَّذِينَ لا يَعْلَمُونَ [الزمر:9].

    1.   

    فضل قراءة القرآن وأداء العمرة في شهر رمضان وسائر أعمال الخير

    وشهر رمضان -عباد الله- شهر اتصال بالقرآن؛ لأن شهر رمضان له خصوصية بنزول القرآن فيه، قال تعالى: شَهْرُ رَمَضَانَ الَّذِي أُنزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُ هُدًى لِلنَّاسِ وَبَيِّنَاتٍ مِنَ الْهُدَى وَالْفُرْقَانِ [البقرة:185].

    وكان السلف إذا دخل الشهر الكريم يتركون مجالسة أهل العلم ويقبلون على قراءة القرآن من المصحف.

    وقال بعضهم: إنما هو إطعام الطعام وقراءة القرآن.

    فالشهر له خصوصية بالقرآن، وكان النبي صلى الله عليه وسلم يدارس جبريل القرآن كل ليلة في رمضان، وكان يعارضه القرآن كل ليلة في رمضان.

    فمن السنة عباد الله أن يتدارس المسلم القرآن مع من هو أحفظ وأتقن له منه، وأن يراجع محفوظه من القرآن.

    وهو شهر الصدقة، وكان النبي صلى الله عليه وسلم أجود الناس، وكان أجود ما يكون في رمضان حين يلقاه جبريل فيدارسه القرآن، وكان جبريل يلقاه كل ليلة في رمضان، فلرسول الله صلى الله عليه وسلم حين يلقاه جبريل أجود بالخير من الريح المرسلة، فكان أجود الناس صلى الله عليه وسلم، ومع ذلك يزداد جوده في هذا الشهر الكريم.

    وكذلك هو شهر العمرة، كما قال النبي صلى الله عليه وسلم: (عمرة في رمضان تعدل حجة)، (وعمرة في رمضان كحجة معي) فالعمرة في هذا الشهر الكريم لشرف الزمان يبلغ أجرها أجر حجة مع النبي صلى الله عليه وسلم؛ لأن العمل يشرف بشرف الزمان أو بشرف المكان.

    وكذلك هو شهر الاعتكاف، وكان النبي صلى الله عليه وسلم يعتكف في العشر الأواخر من رمضان.

    وهو شهر الدعاء والاستغفار، والتوبة والرجوع إلى الله عز وجل، وقد كثرت في هذا الشهر الكريم أسباب المغفرة والرحمة، قال النبي صلى الله عليه وسلم: (من صام رمضان إيماناً واحتساباً غُفر له ما تقدم من ذنبه).

    وقال صلى الله عليه وسلم: (ومن قام رمضان إيماناً واحتساباً غُفر له ما تقدم من ذنبه).

    وقال النبي صلى الله عليه وسلم: (رغم أنف رجل دخل عليه رمضان ثم انسلخ ولم يُغفر له)؛ لكثرة أسباب المغفرة في هذا الشهر الكريم، فالشقي عباد الله من حُرم مغفرة الله عز وجل في هذا الشهر الكريم.

    وكان السلف رضي الله عنهم يدعون الله عز وجل ستة أشهر أن يبلغهم رمضان، ثم يدعونه ستة أشهر أن يتقبله منهم، وكان من دعاء بعضهم: اللهم سلمني إلى رمضان، وتسلمه مني متقبلاً.

    نسأل الله تعالى أن يتقبل منا صيامنا وقيامنا، وأن يوفقنا لطاعته، وأن يجعل خير أعمالنا خواتمها، وخير أيامنا يوم نلقاه.

    أقول قولي هذا وأستغفر الله لي ولكم.

    وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم.

    سبحانك اللهم وبحمدك، أشهد أن لا إله إلا أنت، أستغفرك وأتوب إليك.

    مكتبتك الصوتية

    أو الدخول بحساب

    البث المباشر

    المزيد

    من الفعاليات والمحاضرات الأرشيفية من خدمة البث المباشر

    عدد مرات الاستماع

    3086718659

    عدد مرات الحفظ

    755826105