إسلام ويب

سلسلة من أعلام السلف الإمام أيوب السختيانيللشيخ : أحمد فريد

  •  التفريغ النصي الكامل
  • أيوب بن أبي تميمة السختياني إمام من أئمة السلف الكرام، سيد شباب أهل البصرة في زمانه، أثنى عليه العلماء ثناءً حسناً، كان متميزاً في عبادته لله وخشيته له، وكان زاهداً ورعاً مؤثراً للخمول، متبعاً للسنة وذاماً للبدعة وأهلها، فرحمه الله تعالى رحمة واسعة.

    1.   

    نسب أيوب السختياني ومولده وصفته

    إن الحمد لله، نحمده ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له.

    وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم تسليماً.

    ثم أما بعد:

    فما زلنا -بحمد الله- سعداء بصحبة العلماء، ومع علم من الأعلام وإمام من أئمة السلف الكرام مع سيد شباب أهل البصرة في زمانه، وإمام من أئمة الحديث في أوانه، إمام في الورع والزهد والفرار من الشهرة.

    قال فيه شيخ المؤرخين الإمام الذهبي : إليه المنتهى في الإتقان. إنه أيوب السختياني .

    فرحم الله أئمتنا الأعلام ونفعنا بعلمهم وزهدهم وورعهم، وصلى الله وسلم وبارك على محمد وآله وصحبه وسلم تسليماً.

    اسمه ومولده وصفته:

    اسمه: أيوب بن أبي تميمة كيسان السختياني أبو بكر البصري مولى عنزة، ويقال: مولى جهينة، وعنزة وجهينة اسما قبيلتين.

    مولده:

    قال إسماعيل بن علية : ولد أيوب سنة ست وستين.

    وقال غيره: ولد قبل الجارف سنة ثمان وستين. والجارف: اسم طاعون، أي: طاعون الجارف، وكان سنة تسع وستين.

    قال الذهبي : مولده عام توفي ابن عباس سنة ثمان وستين.

    فسنة ثمان وستين توفي فيها ابن عباس رضي الله عنهما وولد فيها أيوب السختياني سيد شباب أهل البصرة.

    وقد رأى أنس بن مالك رضي الله عنه، وما وجدنا له عنه رواية مع كونه كان معه في بلد، وكونه أدركه وهو ابن بضع وعشرين سنة، فلعله لم يكن قد طلب الحديث في هذا الوقت.

    صفته:

    عن حماد بن زيد قال: ما كنت تسقي أيوب شربة من ماء على القراءة إلا أن تعرفه، كان شعره وافراً، يحلقه من السنة إلى السنة، قال: فكان ربما طال فينسجه هكذا، كأنه يفرقه.

    1.   

    ثناء العلماء على أيوب السختياني

    ثناء العلماء عليه:

    عن الحسن قال: أيوب سيد شباب أهل البصرة.

    و الحسن رحمه الله كان أكبر منه ويعتبر من شيوخه.

    وكان محمد بن سيرين إذا حدثه أيوب بالحديث يقول: حدثني الصدوق.

    وعن هشام بن عروة قال: ما قدم علينا من العراق أحد أفضل من ذاك السختياني أيوب .

    وعن أيوب بن سليمان بن بلال قال: قلت لـعبيد الله بن عمر : أراك تتحرى لقاء العراقيين في الموسم؟ يعني في الحج. قال: فقال: والله ما أفرح في سنتي إلا أيام الموسم، ألقى أقواماً قد نور الله قلوبهم بالإيمان، فإذا رأيتهم ارتاح قلبي، فمنهم أيوب .

    وقال محمد بن سعد : وكان أيوب ثقة ثبتاً في الحديث، جامعاً عدلاً ورعاً كثير الحديث، حجة.

    وعن شعبة قال: حدثني أيوب سيد الفقهاء.

    وعن سلام بن أبي مطيع قال: ما فقنا أهل الأمصار في عصر قط إلا في زمن أيوب ويونس وابن عون ، لم يكن في الأرض مثلهم. يعني: فاق أهل البصرة سائر الأمصار لوجود هؤلاء الأئمة.

    وقال الذهبي : إليه المنتهى في الإتقان.

    وقال النسائي : ثقة ثبت.

    وقال أبو حاتم : سئل ابن المديني من أثبت أصحاب نافع مولى ابن عمر ؟ قال: أيوب وفضله ، ومالك وإتقانه، وعبيد الله وحفظه.

    وقال محمد بن أحمد بن البراء عن علي بن المديني : وليس في القوم -يعني: هشام بن حسان وسلمة بن علقمة وعاصماً الأحوال وخالداً الحذَّاء - مثل أيوب وابن عون ، وأيوب أثبت من ابن سيرين ومن خالد الحذاء .

    وعن أشعث قال: كان أيوب جهبذ العلماء.

    1.   

    عبادة أيوب السختياني وخشيته لله تعالى

    عبادته وخشيته رحمه الله:

    عن إسحاق بن محمد قال: سمعت مالك بن أنس يقول: كنا ندخل على أيوب السختياني ، فإذا ذكرنا له حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم بكى حتى نرحمه.

    كان الإمام مالك لا يروي عن أيوب السختياني حتى رآه في الموسم، فكان أيوب إذا حدث بالحديث فذكر النبي صلى الله عليه وسلم بكى حتى يرحم، فكان بعد ذلك يروي عنه.

    وعن سعيد بن عامر عن سلام قال: كان أيوب السختياني يقوم الليل كله فيخفي ذلك، وإذا كان عند الصباح رفع صوته كأنه قام تلك الساعة.

    فالسلف كانوا يخفون أعمالهم الصالحة كما نخفي أعمالنا السيئة.

    كان إبراهيم بن أدهم إذا دخل عليه داخل وهو يقرأ في المصحف غطاه.

    وروى سليمان بن حرب عن حماد بن زيد قال: كان أيوب في مجلس فجاءته عبرة -أي: دمعة أو بكاء - فجعل يتمخط ويقول: ما أشد الزكام!

    وعن ابن شوذب قال: كان أيوب يؤم أهل مسجده في شهر رمضان ويصلي بهم في الركعة قدر ثلاثين آية، ويصلي لنفسه ما بين الترويحتين بقدر ثلاثين آية، وكان يقول هو بنفسه للناس: الصلاة، ويوتر بهم، ويدعو بدعاء القرآن، ويؤمن من خلفه، وآخر ذلك يصلي على النبي صلى الله عليه وسلم ويقول: اللهم استعملنا بسنته، وأوزعنا بهديه، واجعلنا للمتقين إماماً ثم يسجد، وإذا فرغ من الصلاة دعا بدعوات.

    1.   

    زهد أيوب السختياني وورعه

    زهده وورعه رحمه الله:

    عن ابن شوذب قال: كان أيوب - يعني: السختياني - إذا سئل عن الشيء ليس عنده فيه شيء؟ قال: سل أهل العلم، وكأنه ليس من أهل العلم.

    وعن حماد عن أيوب قال: أدركت الناس هاهنا ، وكلامهم: إن قضي وإن قدر.

    وكان يقول: ليتق الله رجل، فإن زهد فلا يجعلن زهده عذاباً على الناس، فلأن يخفي الرجل زهده خير من أن يعلنه. يعني: إذا كان يأخذ نفسه بالشدة فلا يظهر ذلك؛ شفقة على الناس.

    قال: وكان أيوب ممن يخفي زهده، دخلنا عليه فإذا هو على فراش مخمس أحمر فرفعته أو رفعه بعض أصحابنا فإذا خصفة محشوة بليف.

    وعن شعبة قال: ما واعدت أيوب موعداً قط إلا قال حين يفارقني: ليس بيني وبينك موعد، فإذا جئت وجدته قد سبقني.

    يعني: أنه كان يخشى أن يطرأ له عذر، فكان يقول: ليس بيني وبينك ميعاد احتياطاً.

    وعن بشر بن منصور قال: كنا عند أيوب فوعظنا وتكلمنا فقال لنا: كفوا، لو أردت أن أخبركم بكل شيء تكلمت به اليوم لفعلت.

    لأنه كان يجتهد في الطاعة والعبادة والعمل الصالح، وكانوا يعدون كلامهم فلا يتكلمون كلاماً كثيراً كما نتكلم نحن، وإنما كان وقتهم في الطاعة والعبادة والعمل الصالح، وكان في التابعين من هو أكثر عملاً من الصحابة رضي الله عنهم، حتى قال ابن مسعود للتابعين: لأنتم أكثر عملاً من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم ولكنهم كانوا خيراً منكم، كانوا أزهد في الدنيا وأرغب في الآخرة.

    فالصحابة سبقوا بأحوال القلوب، فالأحوال الإيمانية كانت عندهم مرتفعة جداً في الزهد والورع والتقوى والمحبة لله عز وجل ولرسوله صلى الله عليه وسلم، فالعبد يسبق بقلبه من هو أكثر اجتهاداً ببدنه، والسبق سبق القلوب وسبق الهمم.

    من لي بمثل سيرك المدلل تسير رويداً وتجيء في الأول

    والصحابة تهيأت لهم ظروف لم تتهيأ لمن بعدهم؛ فهم عاصروا النبي صلى الله عليه وسلم واكتحلوا برؤيته، وكان يفيض عليهم مما يفيض الله عز وجل على قلبه، ولذلك يقول أنس : ما نفضنا أيدينا من دفن رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى أنكرنا قلوبنا. أي: أنهم فقدوا مصدراً عظيماً من مصادر الرقي الإيماني فأحسوا بتغير القلوب بمجرد أن دفنوا الجسد الشريف.

    وقال حماد بن زيد : كان أيوب صديقاً لـيزيد بن الوليد ، فلما ولي الخلافة قال أيوب : اللهم أنسه ذكري.

    كان بعض السلف إذا تولى صاحب أحدهم الإمامة يقول: اللهم أنسه ذكرنا حتى يصير لا يعرفنا ولا نعرفه.

    1.   

    أدب أيوب السختياني وفراره من الشهرة

    أدبه وفراره من الشهرة:

    عن حماد بن زيد قال: ما رأيت رجلاً قط أشد تبسماً في وجوه الرجال من أيوب.

    وقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (وتبسمك في وجه أخيك صدقة)، فمن حق أخيك عليك أن تبتسم في وجهه حتى لو كان عندك مشاكل وعليك ديون، وما ذنب أخيك أن تلقاه بغير الوجه الطلق.

    وعن حماد قال: رأيت أيوب لا ينصرف من سوقه إلا معه شيء يحمله لعياله، حتى رأيت قارورة الدهن بيده يحملها - يعني: الطيب - فقلت له في ذلك، فقال: إني سمعت الحسن يقول: إن المؤمن أخذ عن الله عز وجل أدباً حسناً، فإذا أوسع عليه أوسع، وإذا أمسك عليه أمسك.

    فالمؤمن إذا أتاه رزق يوسع على أولاده، وإذا أمسك عليه أمسك.

    وقال شعبة : قال أيوب: ذُكرت ولا أحب أن أُذكر.

    فكان العلماء يفرون من الشهرة ومن الذكر ومن المدح، وكما يقولون: من أحب أن يذكر لم يذكر، ومن كره أن يذكر ذكر.

    فالإنسان الذي يهرب من الذكر والشهرة والمدح هو الذي يذكر ويكون له شأن، أما من يسعى للذكر والشهرة فلا يذكر.

    وقال حماد بن زيد : كان لـأيوب برد أحمر يلبسه إذا أحرم، وكان يعده كفناً، وكنت أمشي معه فيأخذ في طرق، إني لأعجب له كيف يهتدي لها؛ فراراً من الناس أن يقولوا: هذا أيوب.

    فكان يفر من أن يراه الناس حتى لا يقولوا: هذا أيوب .

    وقال شعبة: ربما ذهبت مع أيوب لحاجة فلا يدعني أمشي معه، ويخرج من هاهنا وهاهنا لكي لا يفطن له.

    وكان أيوب إذا دخل السوق ورآه أهل السوق سبحوا وهللوا وكبروا؛ لما يرون عليه على وجهه من أنوار الطاعة والعبادة والإقبال على الله عز وجل.

    فالعبد إذا أقبل على الله عز وجل بكليته أقبل الله عز وجل عليه، ومن أقبل الله عز وجل عليه أضاءت ساحاته واستنارت جوانبه، والأولياء إذا رءوا ذكر الله، فهم يذكرون الناس بالله عز وجل برؤيتهم.

    1.   

    اتباع أيوب السختياني للسنة وذمه للبدع وأهلها

    اتباعه للسنة وذمه للبدع وأهلها:

    قال حماد بن زيد : أيوب عندي أفضل من جالسته.

    وحماد بن زيد من طبقة الإمام مالك ، فهو من كبار أتباع التابعين، فكان حماد بن زيد بالبصرة ومالك بالمدينة والليث بن سعد بمصر وسفيان الثوري بالكوفة وابن عيينة بمكة، ومع هذا يقول حماد بن زيد : أيوب عندي أفضل من جالسته وأشدهم اتباعاً للسنة.

    قال سعيد بن عامر الضبعي : عن سلام بن أبي مطيع قال: رأى أيوب رجلاً من أصحاب الأهواء فقال: إني لأعرف الذلة في وجهه، ثم تلا: سَيَنَالُهُمْ غَضَبٌ مِنْ رَبِّهِمْ وَذِلَّةٌ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَكَذَلِكَ نَجْزِي الْمُفْتَرِينَ [الأعراف:152].

    فكل من افترى على الشرع فهو من أهل الأهواء والبدع، وكل مبتدع مفترٍ على الشرع إما بزيادة أو بنقصان فلابد أن ينال نصيباً من الذلة، كما أن كل من عصى أمر الله عز وجل وأمر رسوله صلى الله عليه وسلم لا بد أن ينال من الذلة بحسب معصيته، كما قال النبي صلى الله عليه وسلم: (وجعلت الذلة والصغار على من خالف أمري) .

    وقال الحسن : إنهم وإن طقطقت بهم البغال وهملجت بهم البراذين إن ذل المعصية لفي رقابهم، أبى الله إلا أن يذل من عصاه.

    ثم قال أيوب: هذا لكل مفترٍ، وكان يسمي أصحاب الأهواء خوارج، ويقول: إن الخوارج اختلفوا في الاسم واجتمعوا على السيف.

    وقال له رجل من أهل الأهواء: يا أبا بكر ! أسألك عن كلمة، فولى وهو يقول: ولا نصف كلمة، مرتين.

    وعن هشام بن حسان عن أيوب السختياني قال: ما ازداد صاحب بدعة اجتهاداً إلا ازداد من الله بعداً.

    وعن ابن عيينة قال: قال أيوب : إنه ليبلغني موت الرجل من أهل السنة فكأنما يسقط عضو من أعضائي.

    وكان ذلك في أزمنة متوفر فيها علماء السنة، حيث كانت الواحة لا تخلو من عالم من علماء السنة فكيف بهذه الأزمنة المتأخرة؟ والمسلمون فقدوا عدداً كبيراً من علماء السنة، نسأل الله عز وجل أن يجبر الأمة وأن يعوضها خيراً.

    1.   

    شيوخ أيوب السختياني وتلامذته

    1.   

    درر من أقوال أيوب السختياني

    درر من أقواله:

    عن عبيد الله بن شميط قال: سمعت أيوب السختياني يقول: لا يسود العبد حتى يكون فيه خصلتان: اليأس مما في أيدي الناس، والتغافل عما يكون منهم.

    يعني: العفو عن زلتهم.

    وعن حماد بن زيد قال: قال لنا أيوب : إنك لا تبصر خطأ معلمك حتى تجالس غيره وتجالس الناس.

    ويقصد بالناس: العلماء.

    وعن حماد بن سلمة قال: سمعت أيوب يقول: إن قوماً يترفعون ويأبى الله إلا أن يضعهم، وإن قوماً يتواضعون ويأبى الله إلا أن يرفعهم.

    وعن حماد بن زيد قال: قال لي أيوب : الزم سوقك؛ فإنك لا تزال كريماً على إخوانك ما لم تحتج إليهم.

    وعن مخلد بن الحسين قال: قال أيوب : ما صدق عبد فأحب الشهرة. فالله تعالى يقول: تِلْكَ الدَّارُ الآخِرَةُ نَجْعَلُهَا لِلَّذِينَ لا يُرِيدُونَ عُلُوًّا فِي الأَرْضِ وَلا فَسَادًا وَالْعَاقِبَةُ لِلْمُتَّقِينَ [القصص:83] فمحبة الشهرة محبة للعلو في الأرض.

    1.   

    وفاة أيوب السختياني رحمه الله

    وفاته:

    قال الذهبي : اتفقوا على أنه توفي سنة إحدى وثلاثين ومائة بالبصرة، زمن الطاعون وله ثلاث وستون سنة، وآخر من روى حديثه عالياً أبو الحسن بن البخاري .

    أقول قولي هذا، وأستغفر الله لي ولكم.

    وصلى الله وسلم وبارك على محمد وآله وصحبه وسلم.

    مكتبتك الصوتية

    أو الدخول بحساب

    البث المباشر

    المزيد

    من الفعاليات والمحاضرات الأرشيفية من خدمة البث المباشر

    عدد مرات الاستماع

    3086718659

    عدد مرات الحفظ

    755908763