إسلام ويب

تفسير سورة الفتح [10-15]للشيخ : المنتصر الكتاني

  •  التفريغ النصي الكامل
  • لقد كانت معاهدة الحديبية فتحاً مبيناً للمؤمنين على المدى القريب والبعيد، ولكن المشركين لم ينتبهوا للحكمة منها، وقد بايع الصحابة رسول الله صلى الله عليه وسلم في الحديبية على القتال وعدم الفرار عندما بلغهم نبأ مقتل عثمان، وكان هذا النبأ غير صحيح، فرضي الله عن هؤلاء المبايعين، ووعدهم بالأجر العظيم.

    1.   

    تفسير قوله تعالى: (إن الذين يبايعونك إنما يبايعون الله ...)

    قال تعالى: إِنَّ الَّذِينَ يُبَايِعُونَكَ إِنَّمَا يُبَايِعُونَ اللَّهَ يَدُ اللَّهِ فَوْقَ أَيْدِيهِمْ فَمَنْ نَكَثَ فَإِنَّمَا يَنْكُثُ عَلَى نَفْسِهِ وَمَنْ أَوْفَى بِمَا عَاهَدَ عَلَيْهُ اللَّهَ فَسَيُؤْتِيهِ أَجْرًا عَظِيمًا [الفتح:10] .

    سبب نزول السورة هو معاهدة الحديبية والصد القرشي المكي لرسول الله والمؤمنين عن العمرة في تلك السنة، ثم بعد ذلك أرسلوا رسلاً وهم: مكرز وحليس وعروة بن مسعود الثقفي وسهيل بن عمرو، وقبل وصول سهيل لم تتم الأمور، فأخذ بدوره عليه الصلاة والسلام يرسل رسله إليهم، فأرسل عثمان يقول لهم: إن محمداً عليه الصلاة والسلام لم يأت مقاتلاً ولا محارباً، وإنما أتى والسيوف في أغمادها، ولن نناجزكم حرباً ما لم تناجزونا، وما دعوتموني لصلة رحم ولا إلى احترام المقدسات والحرمات إلا استجبت لكم.

    فوصل عثمان رضي الله عنه فحماه وأجاره أبان بن سعيد بن العاص، وبلّغ الرسالة لقادة قريش، فقالوا له: طف بالبيت إن شئت، قال: لا أطوف حتى يطوف رسول الله صلى الله عليه وسلم، ثم أمسكوه فشاع في الجيش النبوي أن عثمان قد قُتل، وإذا بالنبي عليه الصلاة والسلام يقيم تحت شجرة سمرة عند الحديبية، ويقول لقومه وقد جمّعهم حوله وحلّقهم عليه: إن كان هذا حقاً فسنناجز قريش الحرب والقتال، فتعالوا بايعوني.

    فتقدم إليه (1400) وقيل (1300) وقيل (1500) ولكن الذي في الصحيح وأكّدته رواية الصحابة أنهم (1400) فبايعوه، قال البعض: بايعناه على الموت، وقال البعض: بايعناه على ألا نفر، والمؤدى واحد، فإذا بايعوه على عدم الفرار فسيبقون في المعركة ولا يفرون إلى أن يقتلوا أو يُهزموا أو ينتصروا، وإذا عاهدوا على الموت فسيبقون في المعركة ما لم يموتوا أو ينتصروا.

    فقال النبي عليه الصلاة والسلام: (كلكم مغفور له إلا صاحب الجمل الأحمر) فالتفت الأصحاب يبحثون عن صاحب الجمل الأحمر فوجدوا رجلاً في مؤخرة القوم، فذهبوا إليه وقالوا له: ويلك تقدّم إلى رسول الله فبايعه، قال: لا حاجة لي في بيعة، فقد فر جملي وأنا أبحث عنه، قالوا له: ويحك تقدّم بايع، فقال: لا حاجة لي في بيعة، فلم يكن منهم وإنما أُلحق بهم يبحث عن جمله الضائع منه، ولذلك قال لهم النبي: (كلكم مغفور له إلا صاحب الجمل الأحمر) فهذا الذي دخل فيهم ليس مؤمناً.

    ولما جاءت البيعة باسم عثمان مد رسول الله يده وبايع نفسه وضرب بيده على يده الثانية، وقال: (هذه عن عثمان ، اللهم إنه ذهب في طاعتك ورسالة رسولك) ، وما فعل رسول الله ذلك إلا وقد اطمئن على أن عثمان لم يُقتل، ولو علم أنه قُتل لم يبايع له، فإنه لا يُبايع عن مقتول، وفي هذه البيعة إشادة له ورفع لمقامه.

    قال الله لمحمد وصحبه: إِنَّ الَّذِينَ يُبَايِعُونَكَ إِنَّمَا يُبَايِعُونَ اللَّهَ يَدُ اللَّهِ فَوْقَ أَيْدِيهِمْ [الفتح:10] أي: هؤلاء الذين بايعوك ووضعوا يدهم على يدك إنما بايعوا الله، ويد الله على أيديهم، وكقوله تعالى: مَنْ يُطِعِ الرَّسُولَ فَقَدْ أَطَاعَ اللَّهَ [النساء:80] فبيعة رسول الله هي بيعة لله، وطاعة رسول الله هي طاعة لله، ويده المبايعة نائبة عن الله، وهم في الحقيقة قد بايعوا الله على أن يموتوا في سبيله، وعلى ألا يفروا من الزحف؛ إعلاء لكلمة الله، وطاعة لرسوله المرسل محمد صلى الله عليه وسلم.

    وقوله تعالى: يَدُ اللَّهِ فَوْقَ أَيْدِيهِمْ [الفتح:10] أي: يد النبي صلى الله عليه وسلم هي يد الله النائبة عن يده؛ لأن البيعة في حقيقتها كانت بيعة لله وطاعة لله وامتثال لأمر الله.

    عن عبد الله بن عباس رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الحجر الأسود: (سيأتي يوم القيامة وله عينان ينظر بهما، ولسان ينطق به، يشهد على من لامسه بالحق، ومن لامسه فكأنما بايع الله) فهذا الحجر يشهد لله يوم القيامة ويُعطيه الله عينين يُبصر بهما من مسحه ومن التمسه ومن قبّله، ويقول النبي عليه الصلاة والسلام: (ومن لامسه فكأنما بايع الله).

    معنى البيعة

    والبيعة معناها أن يبيعوا نفوسهم وحياتهم لله، كما قال ربنا: إِنَّ اللَّهَ اشْتَرَى مِنَ الْمُؤْمِنِينَ أَنفُسَهُمْ وَأَمْوَالَهُمْ بِأَنَّ لَهُمُ الْجَنَّةَ يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَيَقْتُلُونَ وَيُقْتَلُونَ وَعْدًا عَلَيْهِ حَقًّا فِي التَّوْرَاةِ وَالإِنجِيلِ وَالْقُرْآنِ وَمَنْ أَوْفَى بِعَهْدِهِ مِنَ اللَّهِ فَاسْتَبْشِرُوا بِبَيْعِكُمُ الَّذِي بَايَعْتُمْ بِهِ وَذَلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ [التوبة:111] فهذه البيعة كتلك، والله جل جلاله يعلم الصادق من الكاذب، والكاذب إنما يفر بنفسه ويُحرم هذا الخير، والصادق قد فعل هذا فما عليه إلا أن يلتزم به ويقف عنده، فالله اشترى أنفسنا وبذل لنا الثمن وأغلى فيه، أعطانا الثمن الجنة، وهذه الأرواح والنفوس هي ميتة لا محالة بعناها لله أو لم نبعها؛ ولكننا عندما نبيعها لله نقبض عليها الثمن، ويكون الثمن الجنة والرضا والرحمة.

    قال تعالى: يَدُ اللَّهِ فَوْقَ أَيْدِيهِمْ فَمَنْ نَكَثَ فَإِنَّمَا يَنْكُثُ عَلَى نَفْسِهِ [الفتح:10] فمن نكث البيعة، ومن غدر العهد، ومن رجع عن الميثاق فإنما يغدر بنفسه، وينقض العهد على نفسه، وسيلقى جزاءه فلا يدخل الجنة لأنه لا يستحقها.

    وقوله تعالى: وَمَنْ أَوْفَى بِمَا عَاهَدَ عَلَيْهُ اللَّهَ فَسَيُؤْتِيهِ أَجْرًا عَظِيمًا [الفتح:10] أي: لم ينقض العهد، وإنما ثبت عليه، وقام بما أوجب على نفسه، وثبت على بيعته لله ورسوله، فسيأتيه الله يوم القيامة الأجر الكبير العظيم والثواب العالي، وهو ما بينته الآية: إِنَّ اللَّهَ اشْتَرَى مِنَ الْمُؤْمِنِينَ أَنفُسَهُمْ وَأَمْوَالَهُمْ بِأَنَّ لَهُمُ الْجَنَّةَ [التوبة:111]، فالثواب العظيم والأجر الكبير هو الجنة، ويا سعادة من قال ذلك وعاهد عليه، وأوفى به، وأخذ الثمن من الله رضاً ورحمة وجنة.

    وقوله تعالى: يَدُ اللَّهِ فَوْقَ أَيْدِيهِمْ [الفتح:10] أي: أن يد النبي صلى الله عليه وسلم نائبة عن الله، وهذا من نيابة الرسول عن المرسل.

    1.   

    تفسير قوله تعالى: (سيقول لك المخلفون من الأعراب شغلتنا أموالنا وأهلونا فاستغفر لنا ...)

    قال الله تعالى : سَيَقُولُ لَكَ الْمُخَلَّفُونَ مِنَ الأَعْرَابِ شَغَلَتْنَا أَمْوَالُنَا وَأَهْلُونَا فَاسْتَغْفِرْ لَنَا يَقُولُونَ بِأَلْسِنَتِهِمْ مَا لَيْسَ فِي قُلُوبِهِمْ قُلْ فَمَنْ يَمْلِكُ لَكُمْ مِنَ اللَّهِ شَيْئًا إِنْ أَرَادَ بِكُمْ ضَرًّا أَوْ أَرَادَ بِكُمْ نَفْعًا بَلْ كَانَ اللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرًا [الفتح:11].

    نقول: عربي، أي: حضري من العرب، ونقول: أعرابي، أي: بدوي من بلاد العرب، فالأعراب هم البدو، والعرب حضر الجزيرة، وأما في زماننا فقد تحضرت البلاد الناطقة بالعربية مشرقاً ومغرباً.

    وقد ذكرنا في سبب نزول السورة بأن النبي عليه الصلاة والسلام عندما دعا قومه المهاجرين والأنصار للخروج معه، وأرسل إلى القبائل المحيطة بالمدينة ومدن الحجاز يدعوهم للذهاب معه للعمرة بمكة، حضر من كان مخلص الإيمان، وتأخر من كان منافقاً في إيمانه.

    وهؤلاء المخلفون الذين تركوا أنفسهم خلف ووراء ولم يحضروا مع رسول الله هذا الفتح العظيم، وهذه المعاهدة الفاتحة المعززة المؤزرة الموقرة، فقال الله لنبيه ذلك قبل أن يلتقي بهم وقبل أن يصل إليهم، ونزلت سورة الفتح في الطريق إلى المدينة قبل وصوله صلى الله عليه وسلم إليها، قال الله لنبيه: سَيَقُولُ لَكَ الْمُخَلَّفُونَ مِنَ الأَعْرَابِ شَغَلَتْنَا أَمْوَالُنَا وَأَهْلُونَا فَاسْتَغْفِرْ لَنَا [الفتح:11] أي: عندما تؤنبهم وتوبخهم وتعتب عليهم: لِمَ لمْ تخرجوا معي عندما أمرتكم؟ فسيقول لك هؤلاء المخلفون الذين خلفوا أجراً وديناً وحضوراً عن بركة هذا الفتح العظيم.

    كنا في شغل في مزارعنا، وتجارتنا، فلم نجد من يخلفنا على الأهل والأولاد والزراعة والتجارة، فاستغفر لنا تخلفنا وسامحنا على عدم حضورنا، فهذا الذي منعنا عنك وخلفنا وراءك.

    يقول الله لنبيه قبل أن يجيبوه، وقبل أن يلتقي بهم، وقبل أن يصلوا إليه: يَقُولُونَ بِأَفْواهِهِمْ مَا لَيْسَ فِي قُلُوبِهِمْ [الفتح:11].

    يقول الله جل جلاله عنهم: هم منافقون، تقول الألسنة - جمع لسان - ما لا يعتقدونه في القلوب - جمع قلب -، فقالوا لك شيئاً وأبطنوا سواه، وأظهروا ما لم يكن حقيقة وأبطنوا الحقيقة، فلم يكن لهم عذر في هذا التخلف لا من مال ولا من زراعة ولا من تجارة.

    هؤلاء الذين تخلفوا قالوا: ليس محمد وصحبه إلا أكلة رأس، أي: قلة قليلة يكفيهم رأس للطعام، ومعناه: أنهم ذهبوا لقريش في عقر دارها، ولهم قيادة العرب وقوة ومناعة وغنى وحضارة، فذهب إليهم بهذا العدد القليل وهم هالكون ومستأصلون وميتون لا محالة، ونحن لا نريد أن نموت معهم، ولا أن نقضي على أنفسنا.

    ولذلك ذكر الله ذلك لنبيه صلى الله عليه وسلم وكشف عن دخائل هؤلاء المنافقين: قُلْ فَمَنْ يَمْلِكُ لَكُمْ مِنَ اللَّهِ شَيْئًا إِنْ أَرَادَ بِكُمْ ضَرًّا أَوْ أَرَادَ بِكُمْ نَفْعًا [الفتح:11] أي: لو أراد الله بكم ضرراً فسيلحقكم هذا الضرر وهذا الهلاك وأنتم على فرشكم، وفي عقر داركم، حضرتم أو غبتم، ولو أراد بكم خيراً فسيصلكم وأنتم داخل المعركة والسيوف تصلصل والخيول تصهل، ولن يضركم ذلك شيئاً، ولكنكم نافقتم وأردتم لرسول الله صلى الله عليه وسلم الهلاك، وحدثتكم أنفسكم بذلك، واشتهت نفوسكم ذلك، فأردتم أن تنجوا بأنفسكم وتبعدوها عن هذا الهلاك الذي ظننتموه وهيهات .. هيهات، فليست إلا أوهام خطرت في أنفسكم المريضة الضعيفة.

    وقوله تعالى: بَلْ كَانَ اللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرًا [الفتح:11]، فيا هؤلاء! إن اعتذاركم كذب، وطلبكم المغفرة من رسول الله صلى الله عليه وسلم كذب، فلا يهمكم استغفار رسول الله صلى الله عليه وسلم ولا عدم استغفاره، ولكن تخلفتم عن الحضور إلى الحديبية خوف الضرر والهلاك، وأنتم تظنون محمداً هالكاً هو ومن معه؛ لقلة عددهم، وهيهات .. هيهات! تلك الأماني الباطلة سيعود ضررها وبلاؤها عليكم، فالله خبير بقلوبكم وبظواهركم، وبما تكتمون وبما تعلنون، فلا تخفى على الله خافية.

    1.   

    تفسير قوله تعالى: (بل ظننتم أن لن ينقلب الرسول والمؤمنون إلى أهليهم أبداً ...)

    قال الله تعالى: بَلْ ظَنَنْتُمْ أَنْ لَنْ يَنْقَلِبَ الرَّسُولُ وَالْمُؤْمِنُونَ إِلَى أَهْلِيهِمْ أَبَدًا وَزُيِّنَ ذَلِكَ فِي قُلُوبِكُمْ وَظَنَنْتُمْ ظَنَّ السَّوْءِ وَكُنْتُمْ قَوْمًا بُورًا [الفتح:12].

    بَلْ ظَنَنْتُمْ أَنْ لَنْ يَنْقَلِبَ الرَّسُولُ وَالْمُؤْمِنُونَ إِلَى أَهْلِيهِمْ أَبَدًا [الفتح:12] أي: لن يعودوا للمدينة، ولن تراهم زوجاتهم ولا أولادهم، فقد ذهبوا ليسلموا أنفسهم -لقلتهم وضعفهم- أسرى لقريش، هكذا حدثتم أنفسكم وهكذا تمنيتم.

    وقوله تعالى: وَزُيِّنَ ذَلِكَ فِي قُلُوبِكُمْ [الفتح:12] أي: زينوا ذلك وأعجبهم واشتهوه وتمنوه في نفوسهم؛ لحقدهم على رسول الله صلى الله عليه وسلم ولنفاقهم، وكانوا يتظاهرون بالإسلام وهم كفرة كذبة، والله خلفهم ليتطهر الذين مع رسول الله صلى الله عليه وسلم من وجود منافق أو مشرك.

    وأما الذين خرجوا معه فهم أهل الجنة، وهم مغفور لهم، إلا صاحب الجمل الأحمر الذي جاء معهم باحثاً عن جمله الذي ضاع، وعندما قال له أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم: ويلك! بائع رسول الله صلى الله عليه وسلم، قال: لا حاجة لي ببيعته، إنما أريد جملي، فاستثناه الله من المغفرة والجنة، كما أبعد هؤلاء المنافقين فلم يحضروا ولا يستحقون ذلك.

    فزين لهم الشيطان وحسنه في نفوسهم وتمنوا ألا يرجع، وظنوا أن في ذلك فلاحهم ونجاحهم وغناهم، وهم في الحالة هذه في الذل والهوان وغضب الله.

    وقوله تعالى: وَظَنَنْتُمْ ظَنَّ السَّوْءِ وَكُنْتُمْ قَوْمًا بُورًا [الفتح:12] أي: ظننتم ظن الشر والبلاء، وهو ظنكم بالله أنه غير ناصر عبده وعبيده، وظنكم بمحمد أن ليس له من الفكر والدهاء ما يخدع به أعداءه حتى ينتصر عليهم النصر العزيز المؤزر، وأنه سيهلك مع أصحابه المؤمنين، وكنتم قوماً هلكى لا خير فيكم، يقال: فلان بائر، أي: هالك لا خير فيه، فلا ينتظر خيره ولا الاستفادة منه، فـ (بوراً) جمع بائر، والبائر: الهالك الذي لا خير فيه.

    أي: كنتم قوماً لا خير فيكم؛ لأنكم لم تؤيدوا جيشاً، ولم تقاتلوا عدواً، ولم تؤمنوا بدين، ولم تتخلقوا بخلق، وكنتم أهون من الدواب، بل كانت الدواب خيراً منكم.

    1.   

    تفسير قوله تعالى: (ومن لم يؤمن بالله ورسوله فإنا أعتدنا للكافرين سعيراً)

    قال الله تعالى: وَمَنْ لَمْ يُؤْمِنْ بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ فَإِنَّا أَعْتَدْنَا لِلْكَافِرِينَ سَعِيرًا [الفتح:13].

    يخاطب الله كفار الأرض ومنافقيها منذ نزول الآية وإلى قيام الساعة: من لم يؤمن بالله رباً، وبمحمد نبياً، وبالقرآن إماماً، وبالكعبة قبلة، وبالإسلام ديناً، وبالمؤمنين إخوة، فإن الله أعد له جهنم سعيراً يتسعر فيها ويحترق، كُلَّمَا نَضِجَتْ جُلُودُهُمْ بَدَّلْنَاهُمْ جُلُودًا غَيْرَهَا لِيَذُوقُوا الْعَذَابَ [النساء:56].

    وما خلق الله الجن والأنس إلا للعبادة، قال تعالى: وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالإِنسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ [الذاريات:56]، فمن ترك العبادة، وترك الغاية من وجوده كان عليه الغضب واللعنة، ومأواه النار خالداً مخلداً فيها أبداً.

    1.   

    تفسير قوله تعالى: (ولله ملك السماوات والأرض يغفر لمن يشاء ويعذب من يشاء ... )

    قال الله تعالى: وَلِلَّهِ مُلْكُ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ يَغْفِرُ لِمَنْ يَشَاءُ وَيُعَذِّبُ مَنْ يَشَاءُ وَكَانَ اللَّهُ غَفُورًا رَحِيمًا [الفتح:14].

    يقول الله للخلق كلهم وهو في غنى عنهم: من آمن فلنفسه، ومن كفر فعليها، فله ما في السماوات وله الأرض وما عليها وما بينهما، فالكل ملك له وعبد له وتحت ربوبيته وجلاله وقدرته.

    وقوله تعالى: يَغْفِرُ لِمَنْ يَشَاءُ وَيُعَذِّبُ مَنْ يَشَاءُ [الفتح:14] أي: يغفر لمن تاب وأناب وقال: ربي اغفر لي خطيئتي يوم الدين، ويغفر لمن رجع عن الكفر إلى الإيمان، والإسلام يجب ما قبله.

    وأما الكافر فلا مغفرة ولا توبة له، قال الله تعالى: إِنَّ اللَّهَ لا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَنْ يَشَاءُ [النساء:48] أي: يغفر ما دون الكفر لمن شاء الله مغفرته، إما أن يغفر له ولا يدخل النار، وإما أن يغفر له بعد أن يمحص قليلاً أو كثيراً ثم يدخله الجنة، ولن يبقى في النار من يقول: لا إله إلا الله، ومن يعتقد أن لا إله إلا الله، وَكَانَ اللَّهُ غَفُورًا [الفتح:14] للمستغفرين التائبين، رَحِيمًا [الفتح:14] بالمؤمنين، يرحمهم ولا يعذبهم، ويرضى عنهم فيغفر لهم.

    مكتبتك الصوتية

    أو الدخول بحساب

    البث المباشر

    المزيد

    من الفعاليات والمحاضرات الأرشيفية من خدمة البث المباشر

    عدد مرات الاستماع

    3086718659

    عدد مرات الحفظ

    755790901