من أطاعك أحببته، ومن تذلل إليك قرِّبته، ومن حاربك أدَّبته، ومن ناوأك خذلته.
لك الحمد حتى ترضى، ولك الحمد إذا رضيت، ولك الحمد بعد الرضا.
أشهد أنك الملك الحق وأن ما سواك باطل، وأشهد أنك الباقي وأن ما سواك فان، وأشهد أنك قوي وما سواك ضعيف، وأشهد أنك الغني وما سواك فقير، وأشهد أنك الدائم وما سواك زائل.
أشهد أن محمداً خاتم، وصادق، وناصح، بلغ الرسالة، وأدى الأمانة، ونصح الأمة، وجاهد في الله حتى أتاه اليقين، صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم تسليماً كثيراً.
أشكر لأهل الفضل فضلهم، وعلى رأسهم القائمون على هذه القاعدة، أسأل الله أن يثبتهم على الحق، وأن يرزقهم القبول، وأن يسددهم إلى طريق الطاعة.
عنوان المحاضرة: حتى لا نتخلف عن الركب.
ركب من؟!
ركب محمد عليه الصلاة والسلام.
ومسيرة من؟! مسيرة محمد صلى الله عليه وسلم.
طريق من؟! طريق محمد صلى الله عليه وسلم.
لكن قبل ذلك من واجبي التحية إلى أحباب أحببتهم في الله، وهم أحبوني فيه، فأشهد الله في هذه الليلة -وهو يسمع ويرى- أني أحبكم فيه، وأسأله سبحانه بأسمائه الحسنى وصفاته العلا أن يجمعني بكم في دار الكرامة: فِي مَقْعَدِ صِدْقٍ عِنْدَ مَلِيكٍ مُقْتَدِرٍ [القمر:55] يوم يجمع الأشقياء الخونة العملاء في دار الضلال والشقاء، جهنم وبئس المصير:
سلامٌ على الأحباب ما بارقٌ سرى أرصعه مسكاً وأرويه عنبرا |
لمن سكن الدمام من كل ماجدٍ بنفسي تلك الدار ما أحسن القرى |
أتيتك من أرض الجنوب مسلماً على ملة التوحيد لا نهج قيصرا |
إذا نحن سرنا فالرسول إمامنا دم الجيل من أجل المبادئ قد جرى |
رضينا بك اللهم رباً وخالقاً وبالمصطفى المختار شهماً وهاديا |
أيها الأخيار: يا حملة المبادئ! يا من باعوا أنفسهم من الله! حتى لا نتخلف عن الركب.. أرويها قصة وأربطها بواقعنا، ونعيشها كلمة نسأل عنها عند الله يوم القيامة.
وقف عليه الصلاة والسلام بعاصمته المقدسة المدينة المنورة يعلن الحرب على الروم، ويخبر أنه سوف يرتحل إلى تبوك فمن شاء فليذهب معه، ليقطع هذه الجزيرة التي تصهرها الشمس في سبيل الله، والتعب في سبيله راحة، والظمأ في سبيله رواء، والجوع في سبيله شبع:
جزى الله الطريق إليك خيراً وإن كنا تعبنا في الطريق |
فكم بالجهد بتنا قد نراعي نجوم الليل من أجل الصديق |
وقف على المنبر فقال: من يجهز جيش تبوك وله الجنة؟ وهو الذي يضمن وغيره لا يضمن، وهو الصادق وغيره قد لا يصدق في هذه المواقف، وهو المتكلم عن الله بشرعه، على المنبر؟ فقال عثمان: أنا يا رسول الله! -الجيش بجماله وبأحلاسه وبدراهمه وبدنانيره- فدمعت عيناه عليه الصلاة والسلام، الدموع الصادقة الحارة التي لا تعرف الكذب وقال: ما ضر عثمان ما فعل بعد اليوم، اللهم ارض عن عثمان فإني عنه راضٍ، ثم نزل من المنبر عليه الصلاة والسلام، ومشى الجيش.
جاءوا يستأذنون، يقول أحدهم: يا رسول الله! زوجتي مريضة. قال: معذور! وهذه أعذار تافهة، لكن عذرهم صلى الله عليه وسلم على الظاهر.
وقال الثاني: طفلي مريض! قال: معذور.
وقال الثالث: رأسي يؤلمني! قال: معذور.
وقال الرابع: أنا لا أستطيع الحرب، قال: معذور.
قال الخامس: أنا رجل إذا رأيت بنات الروم أفتتن، قال: معذور.
قال الله عز وجل من فوق سبع سموات: عَفَا اللَّهُ عَنْكَ لِمَ أَذِنْتَ لَهُمْ [التوبة:43] أما تعلم أنهم خونة؟
أما تعلم أنهم ما صدقوا في إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ [الفاتحة:5]؟
أما تعلم أنهم ما صدقوا في لا إله إلا الله؟
الآن يزعم أن عدد العالم الإسلامي مليار، لكن أين المليار أمام إسرائيل؟!
عدد الحصى والرمل في تعدادهم فإذا حسبت وجدهم أصفارا |
من كل مفتونٍ على قيثارةٍ كلٌ رأيت بفنه بيطارا |
أو كاذبٍ خدع الشعوب بدجله عاش السنين بعمره ثرثارا |
أو عالم لو مالقوه بدرهمٍ رد النصوص وكذَّب الأخبارا |
أذن لهم صلى الله عليه وسلم إلا ثلاثة:
منهم كعب بن مالك؛ يروي معاناته، وأنا أرويها لكم هذه الليلة، وهي رواية أبكت أهل العلم، وأبكت الفضلاء على مر التاريخ.
إنها حسرة، وإنها دمعة أن يتخلف الإنسان عن الصلاة، أو عن الجهاد، أو عن فعل الخير.
تخلف رضي الله عنه ولم يكن له عذر، فقد ارتحل صلى الله عليه وسلم، وقال كعب بن مالك الشاعر -وهو من الأنصار الصادقين لكن أراد الله أن يتخلف لحكمة أرادها- والله ما كان لي من عذر، وقد قلت: سوف أرتحل غداً وألحق بالرسول عليه الصلاة والسلام، وقد ارتحل عليه الصلاة والسلام حين طابت الثمار في المدينة، وحين أصبح البلح يتدلى من نخل المدينة، وكان حر الجزيرة يلتهب، فالصحراء تخرج قذائف كالبراكين، والشمس تصهر الناس، ولكن يقول الله عزوجل لهؤلاء الخونة، المارقين المنافقين: وَقَالُوا لا تَنْفِرُوا فِي الْحَرِّ [التوبة:81] يقول بعضهم لبعض: انتظروا لا تخرجوا في الحر، الحر مؤذي، قال الله عزوجل: قُلْ نَارُ جَهَنَّمَ أَشَدُّ حَرّاً لَوْ كَانُوا يَفْقَهُونَ [التوبة:81] بالله يا مسلمون! يا أخيار! يا أحفاد محمد عليه الصلاة والسلام! أي حر أشد الجزيرة العربية في الظهيرة أم حر جهنم:
تفر من الهجير وتتقيه فهلاَّ من جهنم قد فررت |
وتشفق للمصِّر على الخطايا وترحمه ونفسك ما رحمت |
مشيت القهقرى وخبطت عشوى لعمرك لو وصلت لما رجعت |
مشى صلى الله عليه وسلم بجيش عداده عشرة آلاف يخترق وسط الجزيرة العربية إلى شمالها في اتجاه تبوك، ليطرد المستعمرين والمحتلين والخونة عن حدود الجزيرة؛ لأنه يريد أن يطهرها لتبقى جزيرة لا إله إلا الله، جزيرة (إياك نعبد وإياك نستعين) جزيرة محمد رسول الله:
أنا الجزيرة في عيني عباقرة المجد والفجر والتاريخ والشرف |
أنا الجزيرة بيت الله قبلتها وفي ربى عرفات دهرنا يقف |
ومشى عليه الصلاة والسلام ولما اقترب من تبوك تخلف أبو ذر الغفاري، فقال: أين أبو ذر؟
قالوا: تخلف يا رسول الله! قال: إن يرد الله به خيراً يلحقه معنا، وإن لم يرد الله به خيراً لا يلحقه بنا.
كان أبو ذر له جملاً، فضربه وأراده أن يرتحل ولكن الجمل ما فعل، فأخذ متاعه على ظهره وترك الجمل، وأتى يقتلع خطاه في الصحراء، ليلحق بالرسول عليه الصلاة والسلام، فلما اقترب قال صلى الله عليه وسلم: {كن
وكان صلى الله عليه وسلم ودموعه تهراق من عينيه يقول: {رحمك الله يا تعيش وحدك، وتموت وحدك، وتبعث وحدك
يقول: أحد الفضلاء المعاصرين: " تعيش وحدك؛ لأن مبادئك وحسناتك لا تترك لك من يزاحكمك، وتموت وحدك؛ لأن ميثاقك واحد، وتبعث وحدك؛ لأنك صادق أمة واحدة ".
ونزل صلى الله عليه وسلم في تبوك، وتمر به صلى الله عليه وسلم قصص هائلة يجدها من يتدبر السيرة.
ليس يخلو المرء من ضد ولو حاول العزلة في رأس الجبل |
والله يقول: وَكَذَلِكَ جَعَلْنَا لِكُلِّ نَبِيٍّ عَدُوّاً مِنَ الْمُجْرِمِينَ وَكَفَى بِرَبِّكَ هَادِياً وَنَصِيراً [الفرقان:31] وهو الصراع العالمي: وَلَوْلا دَفْعُ اللَّهِ النَّاسَ بَعْضَهُمْ بِبَعْضٍ لَفَسَدَتِ الْأَرْضُ [البقرة:251].
في النادي مصارعة بين الحق والباطل، وفي الملعب حرب بين الحق والباطل، وفي الحارة، والحديقة، والشاطئ، والساحة، والجامعة، والمدرسة، وحول المسجد، وفي كل مكان صراع بين الحق والباطل، فقد أراد الله أن يتصارع الحق والباطل، وأراد الله معتركاً عالمياً بين (لا إله إلا الله) (ولا إله والحياة مادة) مثل عراك النور والظلمة، والحلو والحامض، والحار والبارد.
جلس المنافقون يتشفون في محمد صلى الله عليه وسلم، يسبون ويسخرون مثل من يسخر الآن بالأخيار؛ يصفونهم بالتطرف وبالفضوليين وبالأصوليين وبالمتزمتين، وغيرها من التهم التي لا توجه إلا لليهود والنصارى.
فقالوا: ما رأينا كقرائنا هؤلاء أرغب بطوناً، ولا أكذب ألسنة ولا أجبن عند اللقاء؛ يقصدون الصحابة أنهم جبناء ويأكلون كثيراً.
وكان المنافقون مندسين في الصف، والرسول صلى الله عليه وسلم لا يعلم الغيب، وإنما يعلمه الله الذي يعلم السر وأخفى.
نزل جبريل عليه السلام يقول: في الصف دخلاء وعملاء وخونة، استدعهم الآن واسألهم ماذا قالوا البارحة، فاستدعاهم صلى الله عليه وسلم فكانوا يتعلقون بناقته، ويقولون: يا رسول الله! إنما كنا نمزح البارحة، ونخوض ونلعب، ونقطع الطريق، ما أردنا الإساءة: وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ لَيَقُولُنَّ إِنَّمَا كُنَّا نَخُوضُ وَنَلْعَبُ قُلْ أبلله وَآيَاتِهِ وَرَسُولِهِ كُنْتُمْ تَسْتَهْزِئُونَ * لا تَعْتَذِرُوا قَدْ كَفَرْتُمْ بَعْدَ إِيمَانِكُمْ [التوبة:65-66] فالمسألة ليست مسألة استهزاء باللحى والثياب القصيرة والخطب والوعاظ والعلماء، المسألة مسألة هجوم ساحق على الإسلام وعلى الدين، وعلى شباب الصحوة.
إذاً: الحرب شعواء منذ القدم، فالذي يحاربني ويحاربك الآن قد حارب محمداً عليه الصلاة والسلام، فوالله لقد نجح محمد عليه الصلاة والسلام في حرب الإغراء والابتلاء؛ والوسائل التي يجربها دائماً أهل الباطل هي نفسها، جربوا معه الدراهم والدنانير فأبى عليهم، قالوا له: نزوجك أجمل فتاة؟ قال: لا. قالوا: نملكك على العرب؟ قال: لا. قالوا: نجمع لك مالاً حتى تكون أغنى الناس؟ قال: لا. قالوا: أتترك مبادئك وعقيدتك؟ قال: {والذي نفسي بيده! لو وضعتم الشمس في يميني والقمر في يساري على أن أترك هذا الأمر ما تركته حتى يظهره الله أو أهلك دونه} فلله درك، هكذا فلتكن التضحيات والشجاعة، وجربوا معه الإيذاء.
سجد عند الكعبة فأتوا بسلى الناقة فوضعوه على رأسه، فقام يبعد الدم عنه، ويقول: {اللهم اغفر لقومي فإنهم لا يعلمون}.
أخذوا بناته يضربونهن في وجوههن أمامه، فقال: {اللهم اغفر لقومي فإنهم لا يعلمون}.
أخرجوه من مكة وحاصروه، فقال: {اللهم اغفر لقومي فإنهم لا يعلمون}.
طردوه إلى الطائف فطرده أهل الطائف وأدموا قدميه، فقال: {اللهم اغفر لقومي فإنهم لا يعلمون}.
يقول له ملك الجبال، أتريد أن أطبق عليهم الأخشبين؟ -جبلي مكة -فيقول: {إني أسأل من الله أن يخرج من أصلابهم من يعبد الله لا يشرك به شيئاً} هذا الذي نجح فيه صلى الله عليه وسلم.
هؤلاء استهزءوا فكفرهم الله: قُلْ أَبِاللَّهِ وَآيَاتِهِ وَرَسُولِهِ كُنْتُمْ تَسْتَهْزِئُونَ * لا تَعْتَذِرُوا قَدْ كَفَرْتُمْ بَعْدَ إِيمَانِكُمْ [التوبة:65-66].
أما كعب بن مالك فهو في المدينة يعيش أياماً سوداء في حياته، قال: [[كنت أخرج بعد ذهاب الرسول عليه الصلاة والسلام، وبعد ذهاب الصحابة فلا أرى إلا شيخاً كبيراً في السن، أو عجوزاً، أو امرأة، أو رجلاً مغموساً عليه في النفاق، فلما اقترب عليه الصلاة والسلام من المدينة قال: حضرني بثي وحزني]] وكان كعب بن مالك شاعراً بليغاً، يجهز المعاذير لكنها سوف تتساقط، ويأتي بحجج يتحفظها في صدره لكنها سوف تهوي.
واقترب صلى الله عليه وسلم من المدينة، وكان إذا اقترب من المدينة يدخلها وقت الضحى فيستقبله أهل المدينة كأعظم ما يستقبل الأخيار إمامهم وعظيمهم وفاتحهم.
والصحيح عند أهل السير أن الأطفال خرجوا يحيونه بـ(طلع البدر علينا) يوم أتى من تبوك، خرج الأطفال من المدينة والجواري -البنات الصغار- خرجن على أسقفة المنازل يحيون أعظم قائد عرفه تاريخ الإنسان، فقد أخرج الناس من عبودية الإنسان للإنسان لعبودية الإنسان لرب الإنسان، وأخذوا يهتفون:
طلع البدر علينا من ثنيات الوداع |
وجب الشكر علينا ما دعا لله داع |
أيها المبعوث فينا جئت بالأمر المطاع |
جئت شرفت المدينة مرحباً يا خير داع |
فوصل صلى الله عليه وسلم ودخل المسجد فصلى ركعتين، فأما المنافقون فاعتذروا فعذرهم صلى الله عليه وسلم وخرج، وأما كعب بن مالك فجلس أمام الرسول صلى الله عليه وسلم والحسرة تملأ قلبه.
وانظر إلى عِظَم الحسرة! وهي أن يتخلف تلميذٌ عن شيخه في إحدى مقامات التضحية، لم يكن هناك تحضير للأسماء، لكن الله يعلم الغيب وأخفى، سجل عشرة آلاف الله يعلمهم واحداً واحداً، وأخبر رسوله أن ثلاثة تخلفوا، لكن هؤلاء الثلاثة لهم مكانة في الإسلام.
أتى كعب بن مالك فجلس أمام الرسول عليه الصلاة والسلام، وقال: [[يا رسول الله! والله لو جلست أمام أحدٍ من أهل الدنيا غيرك لظننت أني سوف أخرج بحجة، فإن الله آتاني بياناً وجدلاً، ولكن يا رسول الله! والله إن اعتذرت لك اليوم بعذر كاذب وترضى عني، فإني أخشى أن يسخطك الله عليَّ ويسخط الله عليَّ، وإن اعتذرت لك بعذر صادق وتغضب عليَّ أسأل الله أن يرضيك ويرضى عني، أما أنا فلا عذر لي. قال: قم ويقضي الله في شأنك ما شاء، فقام فتلقته قبيلة بني سلمة، قالوا: ما رأيناك فعلت فعلاً أقبح من فعلك إلا عذرك، عد إليه واعتذر ولو كنت كاذباً. قال: فأردت أن أعود فأكذب نفسي، فذكروا لي رجلين من أهل بدر تخلفا معي واعتذرا بمثل عذري. فقلت: لا ولم ألتفت إليهم]].
وسمع كعب بن مالك فضاقت عليه الدنيا بما رحبت، لا إله إلا الله! وهذا تأديب من الله لهم.
لعل عتبك محمود عواقبه وربما صحت الأجسام بالعلل |
وهذا تأديب يفعله الزعماء الأخيار، والفاتحون العظماء -الذين هم على بصيرة من الله عز وجل- لكي يكون دواءً.
وهكذا يفعل بأهل المعاصي، فمن وعظته ونصحته ولنت له وبينت له الحق ثم لم يستجب لك فاهجره، حتى يرى أنك على دين الله عز وجل.
أما أن تُآكل أهل المعاصي، وتشاربهم، وتستقبلهم في بيتك، فهذا معناه: أنك تتضامن وتتكاتف معهم، ومعناها: أنك تتوحد معهم ضد الله عز وجل: لا تَجِدُ قَوْماً يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ يُوَادُّونَ مَنْ حَادَّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ [المجادلة:22].
يقول عليه الصلاة والسلام فيما يروى عنه: {إنما أهلك بني إسرائيل أنهم كان أحدهم يلقى أخاه على المنكر فيقول له: اتق الله لا تفعل، ثم لا يمنعه ذلك أن يكون أكيله وشريبه من آخر النهار} أي: تمييع الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وتضييعه، يسمونه الآن جرح للمشاعر، ويسمونه التدخل في شئون الغير، ويسمونه بتسميات حتى يصفونه بأنه فتنة وهو الحق الصُرَاح.
مقاطعة أعداء الله عزوجل أو من فيه معصية أو انحراف لا بد أن يكون لكي يكون هناك بيان واضح للناس.
وبقي كعب لا يكلمه أحد، فاسمع الآن لمعاناته، يقول: أنزل إلى السوق فأسلم على الناس فلا يردون عليَّ السلام.
وفيه درس امتثال المسلمين لرسولهم عليه الصلاة والسلام، وإلا ليس هناك مراقبة لهم بتجسس، أو بطريقة بوليسية تخبر الرسول صلى الله عليه وسلم من الذي يرد على كعب أو يسلم عليه، السوق لا تنقل أخباره إلى الرسول عليه الصلاة والسلام.
بل يقول صلى الله عليه وسلم: لا تكلموهم، فينزل كعب فيقول: السلام عليكم ورحمة الله، فلا يرد عليه أحد من أهل السوق؛ لأن الرسول صلى الله عليه وسلم أعلن مقاطعته، وحضر السلام عليه واستقباله ومبايعته ومشاراته.
يأتي بسمن يريد أن يبيعه في السوق، فيقولون: لا نشتري منك. قال: أريد سمناً، قالوا: لا نبيعك. فقال: أريد ثوباً؟ قالوا: لا نبيعك أبداً، منع الرسول عليه الصلاة والسلام.
قال: فلما ضاقت عليَّ الأرض بما رحبت تسورت -أي: تسلقت- حائط ابن عمي أبي قتادة.
وهو أحد الأبطال، وفارس الرسول صلى الله عليه وسلم، وهو جار كعب وابن عمه ومن أحب الناس إليه، وقد تسور عليه كعب؛ لأنه لا يفتح له الباب أبداً، فصعد عليه من الجدار وسقط في حوش بيته، فخرج أبو قتادة، وقال كعب: السلام عليك ورحمة الله وبركاته، فما رد أبو قتادة عليه السلام، قال يا أبا قتادة: أنشدك الله عزوجل هل تعلم أني أحب الله ورسوله؟
فسكت أبو قتادة، فأعاد عليه ثانية، فسكت، فأعاد عليه ثالثة، فقال كلمة في منتهى البرودة والجفاء -ولو أنه قريبه ومع أن الرسول صلى الله عليه وسلم لا يدري إلا أن يخبره الله- قال: الله ورسوله أعلم، ففاضت دموع كعب وبكى.
فهذا موقف مؤثر، لكن إن دل على شيء فإنما يدل على مدى النفس الإيمانية التي عاشها السلف، ومدى اتباعهم للرسول عليه الصلاة والسلام وصدقهم معه.
فالرسول صلى الله عليه وسلم يقول للناس: اجلسوا؛ فيجلس ابن رواحة خارج المسجد في الشمس.
قالوا: لماذا تجلس في الشمس؟ قال: لأن الرسول صلى الله عليه وسلم قال: اجلسوا.
ويستمر بـكعب وبقية الثلاثة الحال وقد ضاقت عليهم الأرض بما رحبت كما ذكر الله في محكم التنزيل.
فتغيرت الأرض، فما هي بالأرض التي يعرفونها، وتغير لون الشجر، وهذا كما قال ابن القيم: "المعصية تغير البصائر والأبصار"، والله تعالى يقول: وَنُقَلِّبُ أَفْئِدَتَهُمْ وَأَبْصَارَهُمْ كَمَا لَمْ يُؤْمِنُوا بِهِ أَوَّلَ مَرَّةٍ وَنَذَرُهُمْ فِي طُغْيَانِهِمْ يَعْمَهُون [الأنعام:110] وفيه دليل عند الفضلاء المتأخرين من أهل التفسير: أن الشيوعية سوف تسقط، قالوا هذا: قبل خمس وعشرين سنة، وسقط قبل أيام الحزب الشيوعي، وخرجوا عراة الأجساد أمام الدبابات يطرحونها، فهم يريدون أن تعود لهم حرية التنفس والرأي، ويقولون: الموت والخزي والعار للشيوعية.
والله يقول: فِطْرَتَ اللَّهِ الَّتِي فَطَرَ النَّاسَ عَلَيْهَا لا تَبْدِيلَ لِخَلْقِ اللَّهِ ذَلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لا يَعْلَمُونَ [الروم:30] فهم خالفوا الفطرة، فقال سبحانه: وَنُقَلِّبُ أَفْئِدَتَهُمْ وَأَبْصَارَهُمْ كَمَا لَمْ يُؤْمِنُوا بِهِ أَوَّلَ مَرَّةٍ وَنَذَرُهُمْ فِي طُغْيَانِهِمْ يَعْمَهُونَ [الأنعام:110].
فقومية العرب بلا إسلام، فالذين حاربوا الرسول صلى الله عليه وسلم في بدر وفي أحد وفي الأحزاب وأهل صبرا وشاتيلا، وأيلول الأسود، واحتلال الكويت، هم بلا إله إلا الله محمد رسول الله.
فأتى الرجل برسالة من ملك الغساسنة لـكعب بن مالك، قال: فأخذت الرسالة فإذا هو يقول: من ملك الغساسنة إلى كعب بن مالك أمَّا بَعْد: فسمعنا أن صاحبك قد جفاك -أي: الرسول صلى الله عليه وسلم، وانظر إلى تلهف أهل الباطل- ولم يجعلك الله بدار هوان، فالحق بنا نواسك.
فتعال نكرمك، ونحترمك، وننزلك منزلتك، لا إله إلا الله، والله لو كان كعب بن مالك من أهل الدنيا، والذين يبحثون عن المناصب، والذين ضيعوا حياتهم في الوظائف والسيارات الفخمة والقصور بلا مبادئ لركب راحلته وذهب إلى ملك الغساسنة، ولقال: ماذا أفعل بالرسول صلى الله عليه وسلم؟ فقد قاطعني في المدينة، وحجبني عن أهلي وأصحابي وزملائي؛ ولذلك نرى بعض الناس ينضم إلى معسكرات الكفر بمجرد كلمة، وهذا من ضعف الولاء والبراء، وضعف الانقياد لله عزوجل، فماذا فعل ابن مالك؟
كان بإمكانه أن يشقق الرسالة، لكن أراد أن يصهرها بالنار ليعلم الله أنه صادق.
قال: [[فتيممت بها التنور فسجرته بها]] إلى حيث ألقت رحلها أم قشعم.
وهذه مبادئ أهل الباطل دائماً تحرق، وأعلامهم دائماً تمزق: بَلْ نَقْذِفُ بِالْحَقِّ عَلَى الْبَاطِلِ فَيَدْمَغُهُ فَإِذَا هُوَ زَاهِقٌ وَلَكُمُ الْوَيْلُ مِمَّا تَصِفُونَ [الأنبياء:18].
الله أكبر! فذهبوا إلى الثلاثة فأخبروهم، فقال: كعب بن مالك: ماذا نفعل: أنخرجهنَّ من بيوتنا؟ قال: لا. بل لا تقربوهن، فهي تبقى عندك في البيت ولكن لا تقربها أبداً؛ جزاءً ونكالاً حتى يتحرر هذا الإنسان ويكون عبداً لله عز وجل؛ لئلا يكون للشيطان فيه حظ وللرحمن حظ، لأننا نجد كثيراً من الناس أن للمجلة الخليعة وللمصحف منه حظ، وللمقهى وللمسجد منه حظ، وللموسيقى وللتلاوة منه حظ، ولأولياء الله وللشيطان والشريرين في العالم منه حظ، لا. بل لا تكون عبداً لله حتى لا يكون لأحدٍ سوى الله منك حظ.
كان عمر يسجد، ويقول: [[اللهم اجعلني عبداً لك وحدك]] لله درك فما أحسن هذا الكلام.
فإنك ترى من الناس من هو عبد للسيارة، وعبد للوظيفة، وللمنصب، وللأغنية، وللكرة، وللمجلة، وللفيديو، وللمسلسل، وللهواية: أَفَرَأَيْتَ مَنِ اتَّخَذَ إِلَهَهُ هَوَاهُ وَأَضَلَّهُ اللَّهُ عَلَى عِلْمٍ وَخَتَمَ عَلَى سَمْعِهِ وَقَلْبِهِ وَجَعَلَ عَلَى بَصَرِهِ غِشَاوَةً [الجاثـية:23] ويقول عليه الصلاة والسلام في الصحيح: {تعس عبد الدينار -بعض الناس يعبد المال، وهو أحب إليه من الله- تعس عبد الخميصة، تعس عبد الخميلة، تعس وانتكس وإذا شيك فلا انتقش} وبعضهم يعبد العمارة والتخطيط والصبة والخلطة والحديد ولبن البناء.
وبعضهم يعبد السيارة، فتجد اعتناءه بشخصيته وسيارته أكثر من اعتنائه بصلاته، وهؤلاء يسمون الهامشيون في الحياة، أو الذين هم خارج الخارطة.
يقول كعب بن مالك عن المعاناة: [[فنزلت إلى المسجد، فكنت أسارق الرسول صلى الله عليه وسلم النظر، فإذا أتيت إليه، قلت: السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، فألتفت إليه هل يحرك شفتيه بالسلام عليَّ فلا أسمعه يقول شيئاً، فإذا أقبلت على صلاتي أقبل عليَّ، وإذا سلمت انحرف عني]] تصور معلم البشر عليه الصلاة والسلام أفضل من خلق الله، وأصدقهم وأخلصهم يعامل هذه المعاملة.
يأتي يسلم عليه فلا يرد، فيقبل كعب بن مالك على صلاته فينظر إليه الرسول صلى الله عليه وسلم، فينظر في قامته وفي وجهه ويتأمل فيه صلى الله عليه وسلم، وذاك يشعر في الصلاة أن الرسول صلى الله عليه وسلم ينظر إليه، فإذا نظر إليه كعب رجع صلى الله عليه وسلم ونكس ببصره الشريف إلى الأرض.
واستمرت الليالي تلو الليالي، واستمرت المعاناة:
أيها المحرقون في كفى دار فالدموع التي تركت غزار |
كلها ومضة إلى المصطفى الهادي وفي كفنا العظيم انتصار |
يعرفها الأعرابي البسيط الذي علمه محمد صلى الله عليه وسلم، أعرابي يصلي مع الناقة لكنه مثقف ثقافة إيمانية أوصلته إلى أن يعرف الله عز وجل، فيصلي ركعتين في الصحراء للواحد الأحد.
قال له أحد الوثنيين الملحدين: "لمن تصلي؟ قال: لله. قال: هل رأيته حتى تصلي له.
قال: البعرة تدل على البعير، والأثر يدل على المسير، فسماء ذات أبراج، وليل داج، ونجوم تزهر، وبحر يزخر، ألا يدل على السميع البصير" بلى، هذه عقيدة التوحيد التي أخرجها صلى الله عليه وسلم إلى الناس.
إنها ثقافة الإنسان يحملها الأعرابي في الصحراء.
أعرابي بدوي صلى مع عمر بن الخطاب في آخر الصفوف، ومعه سيف بتار، فخطب عمر، وعلى عادته يفتح مجال الشورى، وسماع الحوار، والنصيحة، والرأي الآخر.
قال عمر: [[أيها الناس! كيف أنتم لو رأيتموني ملت عن الطريق هكذا -يشير بيده على المنبر- يعني: ما رأيكم لو اعوججت عن الطريق، أي: ملت، أو خنت، أو تركت شرع الله، أو حكمت بغير ما أنزل الله. فسكت الصحابة، وقام الأعرابي من آخر المسجد -أقلهم ثقافة، أو يعرف بمستوى عصرنا الإسلام، لا من أعرفهم- وسل سيفه، وأشاح به في آخر المسجد، وقال: والله يا أمير المؤمنين! لو رأيناك ملت عن الطريق هكذا، لقلنا بالسيوف هكذا، فتبسم
وحدويون: هم هذا العرب بدون إسلام.
وحدويون والبلاد شظايا كل جزء من لحمها أجزاء |
ماركسيون والجماهير جوعى فلماذا لا يشبع الفقراء |
لو قرأنا التاريخ ما ضاعت القدس وضاعت من قبلها الحمراء |
ماركسيون في عدن يقولون: أتينا نحرر الإنسان، أتى رجل عدني مسلم يحج ويعتمر فقال له أحد العلماء في المسجد الحرام: "كيف حالكم مع الماركسية والشيوعية؟ قال: القائم سدحوه، والقادح قدحوه".
هذه هي شيوعية الغاز، وشيوعية السكر، وشيوعية الخطوط المزفلتة، يقف الواحد عندهم طابوراً بالبطاقة يأخذ كيلو سكر في ساعتين؛ ولذلك خرجوا ثائرين في موسكو ضد هذه الخيانة والظلم والتعسف وكسروا الحديد.
يقول أحد العلماء: سافرت إلى موسكو في عهد برجنيف في مهمة في جمع مخطوطات ومعلومات، قال: "مررت بالحدائق ذات الأسلاك، وقد وضع فيها الناس كالحيوانات، عندهم ماء وخبز وصناديق تظللهم من الشمس؛ لأنهم خرجوا على الحزب الشيوعي "مثل معاملة الحمير، كأنها حظيرة حمير.
فالرسول صلى الله عليه وسلم أوقفهم أمام الأمر الواقع حتى يأتي العفو من الله، لأنه إذا عفا عنك البشر ولم يعفُ عنك الله فلن ينفعك، والله يقول: وَالَّذِينَ إِذَا فَعَلُوا فَاحِشَةً أَوْ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ ذَكَرُوا اللَّهَ فَاسْتَغْفَرُوا لِذُنُوبِهِمْ [آل عمران:135] ثم قال: وَمَنْ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ إِلَّا اللَّهُ [آل عمران:135].
هل سمعتم أن أحداً من الناس يملك أن يغفر ذنبك إلا الله؟
هل سمعت أن باستطاعة أي إنسان أن يمحو خطيئتك إلا الله؟
لا. وَمَنْ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ إِلَّا اللَّهُ [آل عمران:135].
ثم ذكر سُبحَانَهُ وَتَعَالى أنه يجيب المضطر، وهذه من الأمور التي تقصم ظهور الشيوعية، أنه لا يجيب المضطر إلا الله، وفي حالة من اضطرار الإنسان يعرف أن هناك إلهاً واحداً مدبراً رازقاً خالقاً متصرفاً في الكون.
يركب الوثني العربي سفينته في البحر الأحمر، فإذا هزته الريح -وهذا قبل مبعث الرسول عليه الصلاة والسلام- يقول: يا الله! يا الله! يا الله! فالله يذكرهم، يقول: فَإِذَا رَكِبُوا فِي الْفُلْكِ دَعَوُا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ [العنكبوت:65].
ولذلك مجموعة الأمريكان الذين ألفوا كتاب: الله يتجلَّى في عصر العلم، إنما أسلموا بسبب رسو سفينة في المحيط الأطلنطي وأخرجهم الله؛ لأنهم نادوا الله.
لأن الإنسان على الفطرة، إذا ضاقت به الحيل التفت إلى الله ودعا الله سُبحَانَهُ وَتَعَالى، قال تعالى: أَمَّنْ يُجِيبُ الْمُضْطَرَّ إِذَا دَعَاهُ [النمل:62].
وزائرتي كأن بها حياء فليس تزور إلا في الظلام |
بذلت لها المطارف والحشايا فعافتها وباتت في عظام |
أبنت الدهر عندي كل بنتٍ فكيف نجوتِ أنت من الزحام |
وبعد ذلك أتى الفرج من الله، ونزل جبريل على الرسول صلى الله عليه وسلم بقوله تعال: وَعَلَى الثَّلاثَةِ الَّذِينَ خُلِّفُوا حَتَّى إِذَا ضَاقَتْ عَلَيْهِمُ الْأَرْضُ بِمَا رَحُبَتْ وَضَاقَتْ عَلَيْهِمْ أَنْفُسُهُمْ وَظَنُّوا أَنْ لا مَلْجَأَ مِنَ اللَّهِ إِلَّا إِلَيْهِ ثُمَّ تَابَ عَلَيْهِمْ لِيَتُوبُوا [التوبة:118] وعاد برحمته ليعودوا، وهداهم إلى التوبة ليهتدوا إلى صراط الله المستقيم.
أيها الفضلاء: يا أبناء الأمة! يا أمة التوحيد: من أراد الله وجده، يعرف ذلك من جرب الدعاء في الضوائق والشدائد أن الله قريب، وأنه يكشف الكرب، وأنه أقوى قوة تنصر الإنسان حين يلتجئ إليه: وَالَّذِينَ جَاهَدُوا فِينَا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنَا وَإِنَّ اللَّهَ لَمَعَ الْمُحْسِنِينَ [العنكبوت:69] والله يقول: إِنَّا لَنَنْصُرُ رُسُلَنَا وَالَّذِينَ آمَنُوا فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَيَوْمَ يَقُومُ الْأَشْهَادُ * يَوْمَ لا يَنْفَعُ الظَّالِمِينَ مَعْذِرَتُهُمْ وَلَهُمُ اللَّعْنَةُ وَلَهُمْ سُوءُ الدَّارِ [غافر:51-52] والله يقول: أَلَيْسَ اللَّهُ بِكَافٍ عَبْدَهُ وَيُخَوِّفُونَكَ بِالَّذِينَ مِنْ دُونِهِ [الزمر:36] ويقول: يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ حَسْبُكَ اللَّهُ وَمَنِ اتَّبَعَكَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ [الأنفال:64] أي: يكفيك الله، ومن ركن إلى الله فلا يخاف.
قال بعض الفضلاء: نزلت قبل صلاة الفجر؛ لأن هذا الوقت وقت نزول الرحمات، ولأن الله سُبحَانَهُ وَتَعَالَى في كل ليلة -كما هو معتقد أهل السنة والجماعة - يتنزل إلى سماء الدنيا، فيقول:
هل من سائل فأعطيه؟
هل من مستغفر فأغفر له؟
هل من داعٍ فأجيبه؟
وأنا أقول: إن على الإنسان أن يعرض نفسه أمام هذا الفيض الإلهي، وأمام الرحمة المباركة التي لا تنقطع، وأن يعرض نفسه على ربه، وإن وقع في زنا أو مخدرات أو ترك الصلاة، أو ارتكاب فواحش ومنكرات، أو تخلف عن الصلوات، أو قطيعة لميثاق الله، أو غير ذلك، ليقول: أخطأت وعدت.
فالله عزوجل في الثلث الأخير من الليل -يوم لا يقوم إلا الخواص من أوليائه- يبارك في تلك الدقائق وفي تلك الساعات.
نزلت توبتهم على الرسول عليه الصلاة والسلام، فتسابق الناس من يخبرهم أولاً؛ فأتاه فارس على فرس، ورجل يسعى وآخر يمشي.
صلى كعب بن مالك الفجر ثم جلس على سقف بيته -وبيته وبين الرسول صلى الله عليه وسلم جبل سلع- يسبح الله عز وجل في حالة من الضنك والأسى واللوعة والهم والغم كما وصفه الله، وإذا برجل على جبل سلع، يقول: يا كعب بن مالك! أبشر بتوبة الله عليك، فيسجد على التراب سجدة الشكر لله:
وحسان الكون لما أن بدت أقبلت نحوي وقالت لي إلي |
فتعاميت كأن لم أرها حينما أبصرت مقصودي لديّ |
وإذا الحسن همى فاسجد له فسجود الشكر فرض يا أخي |
سجد لله عزوجل، ثم رفع رأسه ودعا الله وانهلت ودموع الفرح تنهل من عينيه:
طفح السرور عليَّ حتى إنني من عظم ما قد سرني أبكاني |
وهي دموع باردة ليست دموعاً حارة كدموع الأسى واللوعة والحزن، لكن دموع باردة هي دموع الفرح، ودموع التائبين، ودموع تحصل على أعظم جائزة يطمح إليها البشر وهي جائزة رضوان الله، لا جائزة نوبل ولا غيره، جائزة رضوان الواحد الأحد أن يرضى عنك.
يقول أحد الناس: ليتني كنت مع الصحابة تحت الشجرة؛ لأعيش مشاعرهم يوم بايعوا الرسول صلى الله عليه وسلم على الموت، ثم أنزل الله جبريل من السماء، يقول: لَقَدْ رَضِيَ اللَّهُ عَنِ الْمُؤْمِنِينَ إِذْ يُبَايِعُونَكَ تَحْتَ الشَّجَرَةِ [الفتح:18] حتى تدري أنت باسمك واسم أبيك أنك من الذين بايعوا تحت الشجرة وأن الله رضي عنك، لا إله إلا الله.
قال: وأتى الفارس على الفرس لكن صاحب الصوت الذي في الجبل سبقه، قال: فأردت أن أكرمه -هذا المبشر الذي يبشرك بشيء لا بد أن تكرمه، وأعظم ما يبشرك أن الله تاب عليك- فخلعت ثوبي له وبقيت في إزار وأعطيته، لم يكونوا يملكون من الدنيا شيئاً، حكموا ثلاثة أرباع الكرة الأرضية بالرماح الممشوقة، والسيوف المثلمة، ودخلوا يصلون ويكبرون في قرطبة، وخطبوا في الحمراء، وسجدوا لله في أسبانيا وسيبيريا والأندلس والسند والهند وطاشقند وغيرها.
هذه الجمهوريات الروسية التي تنفصل عن الاتحاد السوفيتي فتحها أجدادنا بالرمح والسيف والبغال، جمهوريات كازخستان جمهورية البخاري، وجمهورية أزبيكان جمهورية الترمذي وسيبويه والكسائي وعلماء الإسلام، نعم!
قال: وذهبت إلى ابن جاري فاستعرت ثوباً لأقابل الرسول عليه الصلاة والسلام، لم يجد ثوباً آخر ليحمله أو ليرتديه، فأخذ ثوباً آخر من ابن جاره.
قال فدخلت المسجد، فقام لي طلحة بن عبيد الله، والله ما قام لي إلا هو ولا أنساها لـطلحة؛ يعني: من التبجيل أنه قام له وعانقه.
أحد العلماء يمشي وأحد الأدباء جالس، فقام الأديب فقال العالم لا تقم، قال:
قيامي والإله إليك حقٌ وترك الحق ما لا يستقيمُ |
وهل رجلٌ له لبٌ وعقلٌ يراك تجي إليه ولا يقوم |
عانقه طلحة، فأما الرسول صلى الله عليه وسلم فهش وبش، عاش السرور كله عليه الصلاة والسلام كأن الفيض له وحده، وكأن الفرح له وحده، قال: فتهلل وجهه عليه الصلاة والسلام حتى استنار، والذي نفسي بيده إني أرى أباريق وأسارير وجهه عليه الصلاة والسلام، وكان إذا استنار وجهه أصبح كالقمر ليلة أربعة عشر، فرحاً بأن أحد محبيه تاب الله عليه، والله يقول له: لَقَدْ جَاءَكُمْ رَسُولٌ مِنْ أَنْفُسِكُمْ عَزِيزٌ عَلَيْهِ مَا عَنِتُّمْ حَرِيصٌ عَلَيْكُمْ بِالْمُؤْمِنِينَ رَؤُوفٌ رَحِيمٌ [التوبة:128].
رجل من بني إسرائيل قال لأحد الفسقة: {تب إلى الله، قال: اتركني وربي -يقول الفاسق للعابد: اتركني وربي، أنا أصطلح مع الله- قال: والله لا يغفر الله لك -أصدر حكماً من الأرض، والذي في السماء يرفض هذا الحكم- فأوحى الله عز وجل إلى موسى: من الذي يتألى عليَّ -من الذي يحلف علي: وَاللَّهُ يَحْكُمُ لا مُعَقِّبَ لِحُكْمِهِ [الرعد:41] ويقول: وَاللَّهُ غَالِبٌ عَلَى أَمْرِهِ [يوسف:21]- أشهدكم يا ملائكتي أني قد أحبطت عمل هذا العابد، وغفرت لهذا الفاسق، فليستأنف العمل}.
صلى عليه الصلاة والسلام إحدى الصلوات -إما الظهر أو العصر- فصلى معه أعرابي أتى من البادية وكان يتحملهم صلى الله عليه وسلم كثيراً وقبل أن يسلم الأعرابي من التحيات قال: " اللهم ارحمني ومحمداً ولا ترحم معنا أحداً " انظر العبارة ما أحسنها.
ضاقت عليه الأدعية إلا هذا الدعاء، فسلم عليه الصلاة والسلام- ولم يكن ينادي بالأسماء -قال: من القائل، وهو يعرف أنه هذا؛ لأن أبا بكر لا يقول هذا، ولا عمر، ولا أُبي، قال من القائل آنفاً: اللهم ارحمني ومحمداً ولا ترحم معنا أحداً، فسكتوا، وقال الأعرابي: أنا يا رسول الله! قال: {لقد تحجرت واسعاً} والله رحمت الله وسعت كل شيء، يقول: وَرَحْمَتِي وَسِعَتْ كُلَّ شَيْءٍ [الأعراف:156].
تهلل وجهه صلى الله عليه وسلم وارتاح عند رؤية كعب، وهذا واجب إيماني أن ترتاح إذا تاب الله على أخيك، أو عاد ضالٌ من ضلاله، أو رجع علماني، أو تاب حداثي، أو كان هناك متخلفاً عن المسجد ثم صلى وسلك الهدى، أو كان هناك من يتناول المخدرات فتاب الله عليه، أما أن تكون مصدر إزعاج وتشهير عليه، وتقول: أنت الذي كنت تفعل وتفعل، هذا خطأ ولا يقره الإسلام، بل تفرح وتحمد الله على هذا الفضل، وتشاركه السرور.
وفيه: أن الخطايا يكفرها الله لمن تاب.
وفيه: أن الله لا يتعاظمه ذنب.
وفيه: أن العبد عليه أن يصلح حاله بعد الذنب ليدرأ بالحسنة السيئة... إلى غير ذلك من القضايا.
قال كعب: [[يا رسول الله! أمن عندك أم من عند الله؟]] يريد أن يتأكد من الخبر، يقول: التوبة من عندك يا رسول الله! أو من عند الله عز وجل؟ قال: {بل من عند الله} لأنه هو الذي يتوب على من تاب، وهو الرحمن الرحيم.
قال: يا رسول الله! فإن من توبتي أن أنسلخ من مالي.
يقول: مالي أدفعه يا رسول الله! مزارعه وأملاكه وماله ودراهمه ودنانيره، يدفعه للرسول عليه الصلاة والسلام في سبيل الله، لا إله إلا الله! أي قدرات تلك القدرات، أي تضحيات أن يبلغ بالإنسان أن يتخلى في لحظة واحدة عن كل ما يملك، تصور وأنت جالس تتوب أمام الله، وتقول: لا أعود بشيء وأتوب إلى الله وأنسلخ من مالي.
قال صلى الله عليه وسلم: {أمسك عليك بعض مالك فهو خيرٌ لك} وهذه حكمته عليه الصلاة والسلام ألا يتخلى الإنسان ويضيع أمواله، أو ينفقها مرة واحدة ويبقى متكففاً للناس، لأن الحياة تحتاج والأسرة والأطفال محتاجون إليه، ولا بد أن يبقى معه شيء من قوام عيش ومن عصب حياة.
إذا سمعت عن المحاضرة والدرس واللقاء العلمي والفائدة وكل عمل فيه خير فلا تتوقف بل بادر فإن الشيطان سوف يثبطك، وهذا درس من هذه القصة لأن الله لام من تخلف.
يا عامراً لخراب الدار مجتهداً بالله هل لخراب الدار عمران |
ويا حريصاً على الأموال تجمعها أقصر فإن سرور المال أحزان |
ومن الدروس أيضاً: أن على المسلم أن يجاهد بنفسه، وأنه مهما تعرض له من ألم أو أذى أو مشقة أو تشهير أو تبكيت أو تعنيف في جانب الله وفي سبيل الله فهو سهلٌ ميسر، وعذب وزلال.
حتى يقول ابن القيم: "يا ضعيف العزم! ناح في هذا الطريق نوح، وذبح فيه يحيى، وقتل زكرياء وضرج عمر بدمه في المحراب، وذبح عثمان، وقطع رأس علي -لماذا؟ لأنهم حملة المبادئ- وسجن الأئمة، وجلدت ظهور العلماء، وأودعوا السجون؛ لماذا؟ لقوله تعالى: أَحَسِبَ النَّاسُ أَنْ يُتْرَكُوا أَنْ يَقُولُوا آمَنَّا وَهُمْ لا يُفْتَنُونَ * وَلَقَدْ فَتَنَّا الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ فَلَيَعْلَمَنَّ اللَّهُ الَّذِينَ صَدَقُوا وَلَيَعْلَمَنَّ الْكَاذِبِينَ [العنكبوت:2-3] لا يظن مسلم ولا مسلمة، ولا يظن صالح أو داعية، أو من يحمل هموم هذا الدين أن الطريق سوف تفرش له بالياسمين والورد بل هي بالشوك مفروشة؛ لأن الله أراد أن يمحص أولياءه الذين يريدون طريق الجنة:
قد حفت الجنة بالمكاره والنار بالذي النفوس تشتهي |
مع كون كل منهما أدنى إلينا من الشراك في نعلينا |
وكذبوا لعمر الله؛ لأنه كان دخل في مسألة في الدين يقول: ممنوع الاكتناز؛ لأنه فهم الآية على غير ما فهمها الصحابة، يقول الله عز وجل: وَالَّذِينَ يَكْنِزُونَ الذَّهَبَ وَالْفِضَّةَ وَلا يُنْفِقُونَهَا فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَبَشِّرْهُمْ بِعَذَابٍ أَلِيمٍ [التوبة:34] وقد أخطأ الكاتب الأستاذ: خالد محمد خالد في كتابه رجال حول الرسول في ترجمة أبي ذر، وهو يقول أنه مدبر الثورات، وعدو الثروات، فهذا ليس بصحيح، بل أبو ذر أخطأ في هذه المسألة، ولكن رعى الله أبا ذر وحماه، لم يكن في المعسكر الشيوعي أبداً بل كان مسلماً حنيفاً صادقاً ولم يكن من المشركين.
وسمعت والعياذ بالله أن بعض الناس يقلد أصوات العلماء ويستهزئ بفتاويهم، ويقلد نغمات صوتهم، وهيكلهم بالمشي وبالجلوس، ويستهزئ ببعض أصوات المؤذنين والأئمة وخطباء المساجد؛ فحسيبه الله ونسأل الله أن يهديه، لكن الإنسان لا يمكن بحال أن يجلس في مجلس يطعن فيه بالدين، وقد نسمع ويأتينا من الأخبار العجيبة التي يندى لها الجبين، ويتمعض لها القلب، ويقذف الإنسان دم، ومع ذلك يصبر والله تعالى يقول: لَتُبْلَوُنَّ فِي أَمْوَالِكُمْ وَأَنْفُسِكُمْ وَلَتَسْمَعُنَّ مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِنْ قَبْلِكُمْ وَمِنَ الَّذِينَ أَشْرَكُوا أَذىً كَثِيراً وَإِنْ تَصْبِرُوا وَتَتَّقُوا فَإِنَّ ذَلِكَ مِنْ عَزْمِ الْأُمُورِ [آل عمران:186].
ولكن المطلوب منا أن نرد، فمن حمى عرض أخيه المسلم حمى الله عرضه في مكانٍ ينتهك فيه الأعراض، ومن أسلم عرض أخيه المسلم أسلم الله عرضه للطامعين والحاقدين: {ومن تتبع عورة مسلم تتبع الله عورته، ومن تتبع الله عورته فضحه ولو في عقر داره}.
يؤخذ ذلك من قوله تعالى: قُلْ أَبِاللَّهِ وَآيَاتِهِ وَرَسُولِهِ كُنْتُمْ تَسْتَهْزِئُونَ ) * لا تَعْتَذِرُوا قَدْ كَفَرْتُمَْ [التوبة:65-66] حتى إن بعض الفضلاء من أهل العلم يرون أنه من استهزأ بمجرد اللحية لأنها سنة؛ فقد كفر وخرج من الملة؛ لأنها لحية وسنة؛ ولأن محمداً صلى الله عليه وسلم هو من أتى بها ولم يأتِ بها موشي ديان ولا هتلر، وإنما أتى بها محمد عليه الصلاة والسلام، والله يقول للأمة ويقول لكل تابع على وجه الأرض: فَلا وَرَبِّكَ لا يُؤْمِنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لا يَجِدُوا فِي أَنْفُسِهِمْ حَرَجاً مِمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُوا تَسْلِيماً [النساء:65].
ومن الدروس أيضاً: أن العبد لا يطمع إلا في رحمة الله عزوجل، كما قال إبراهيم عليه السلام: وَالَّذِي أَطْمَعُ أَنْ يَغْفِرَ لِي خَطِيئَتِي يَوْمَ الدِّينِ [الشعراء:82] فيطمع في فضل الله تعالى وفي رحمته.
ومن الدروس أيضاً: أن على الأمة أن تهجر العصاة الذين بلغتهم الدعوة واستمروا على فجورهم ومعصيتهم لتأدبهم، وهذا مثل العزل الصحي حتى لا يختلطوا بالمجتمع فيؤثروا فيه؛ لأن الجرباء تعدي الصحيحة، والصحيحة لا تعدي الجرباء، هكذا قال أهل فن الطب.
ومنها أيضاً: تبشير التائبين بتوبة الله عليهم، وتبشير أهل الالتزام أنهم على خير، وتشد من عضدهم، وتَحْبوهم، وتقف بجانبهم، وتدلهم على الخير: {من دل على خير فله مثل أجر فاعله}.
ومنها أيضاً: أن على العبد أن يفرح برحمة الله ويستبشر: قُلْ بِفَضْلِ اللَّهِ وَبِرَحْمَتِهِ فَبِذَلِكَ فَلْيَفْرَحُوا هُوَ خَيْرٌ مِمَّا يَجْمَعُونَ [يونس:58] فأنت ترى حملة المبادئ يفرحون بنصر الدين، ولا يفرحون بشيء آخر، وإنا نعلم من الصادقين لله عزوجل أنهم إذا سمعوا انتشار الإسلام في بقعة من بقاع الأرض والله يتهلل وجه أحدهم مثل ما يتهلل وجه أحدكم إذا سمع أنه زاد راتبه، أو نجح ابنه، أو حصل على أرض، أو على سيارة، أو على قصر، يقول القاضي الزبيري:
خذوا كل دنياكم واتركوا فؤادي حراً طليقاً غريبا |
فإني أعظمكم ثروة وإن خلتموني وحيداً سليبا |
قرأت في أحد الجرائد قصيدة لرجل نبطي موحد مؤمن داعية، يتحدى الأشرار في أنه سوف يعلن مبادئه مهما كان الثمن، هذه الشجاعة الإيمانية، يقول:
أنا يا كرى مثلك أحب العلا شجعان يراهن براسه ما يخاف الشماليه |
أنا بعت راسي من محمد ولد عدنان قبضت الثمن والله يشهد على النيه |
هذا بطل، فهذه تصلح في عقيدة الطحاوية معتقد أهل السنة والجماعة تكتب في الأخير، وتدرس في الجامعات.
يقول: أنا يا كرى؛ أي: يا صاحب الباطل، يا أيها اليهودي، أو النصراني، أو البعثي، أو الوثني، أو العلماني، أنا أشجع منك، أنت تموت تحت الدبابة من أجل مبادئ ميشيل عفلق، وأنا من أجل مبادئ محمد صلى الله عليه وسلم، فلماذا لا أضحي؟ أنا يا كرى مثلك أحب العلا شجعان، يراهن برأسه -هذا ما عند الإنسان إلا رأس واحد- ما يخاف الشمالية أي: دار أبى سفيان.
أنا بعت رأسي من محمد ولد عدنان قبضت الثمن والله يشهد على النيه |
قال تعالى: إِنَّ اللَّهَ اشْتَرَى مِنَ الْمُؤْمِنِينَ أَنْفُسَهُمْ وَأَمْوَالَهُمْ بِأَنَّ لَهُمُ الْجَنَّةَ يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَيَقْتُلُونَ وَيُقْتَلُونَ وَعْداً عَلَيْهِ حَقّاً فِي التَّوْرَاةِ وَالْأِنْجِيلِ [التوبة:111] والله تعالى يقول: إِنْ تَكُونُوا تَأْلَمُونَ فَإِنَّهُمْ يَأْلَمُونَ كَمَا تَأْلَمُونَ وَتَرْجُونَ مِنَ اللَّهِ مَا لا يَرْجُونَ [النساء:104] ويقول تعالى: إِنْ يَمْسَسْكُمْ قَرْحٌ فَقَدْ مَسَّ الْقَوْمَ قَرْحٌ مِثْلُهُ [آل عمران:140].
حدثنا الشيخ عبد الله عزام رحمه الله قبل أن يستشهد بقليل: "أن امرأة فرنسية كانت في جبال أفغانستان تبشر بالدين النصراني وهي بملابسها وبمتاعها في الجبال والثلوج، وتهبط وتنام على البعوض وفي المستنقعات من أجل أن تبشر بالدين المسيحي المحرف" ثم إذا جئت تقارن بين أهل الإسلام وأهل الدعوة حتى شباب الصحوة، أين البذل، وأين التضحيات؟ وأين تقديم الدين للناس؟ وأين التأثير في البشر؟ وأين كسر الحواجز؟ حتى نصل إلى الناس في نواديهم، وفي ملاعبهم، وفي مقاهيهم، وعلى الشواطئ، ونبلغ دين الله عزوجل، أين التضحيات؟!
بل إنك تجد من الفجرة والخونة على مر التاريخ من يضحى لمبادئه الفاجرة أكثر من تضحية أهل الإيمان لمبادئهم، فنشكو الحال إلى الله.
ثانياً: أن على الإنسان أن لا يتشاغل بعيوب إخوانه المسلمين، يقول شيخ الإسلام: "بعض الناس مثل الذبابة لا يقع إلا على الجرح" وهذا مثل بعض الناس يشهر بالذنوب والخطايا، وينسى الحسنات ولم يراجع نفسه، ولم يشتغل بعيوبه، فيجازيه الله أن يشغل الناس بعيوبه فيتحدثون فيه:
ومن دعا الناس إلى ذمه ذموه بالحق وبالباطل |
رابعاً: أن تصبر أمام العواصف، مثل السخرية والاستهزاء والسب والشتم، واعلم أنها في درجات حسناتك، وأنها من ذخيرتك عند الله وتكفير سيئاتك.
خامساً: على المرأة المسلمة أن تعيش دورها الذي جعلها الإسلام فيه، وهي مسئوليتها أمام الله وأمام رسوله عليه الصلاة والسلام وأمام المسلمين، فعلى المرأة أن تكون داعية في بنات جنسها، داعية إلى منهج الله، وإلى جنة عرضها السموات والأرض، ملتزمة بشرعه، عاملة بالكتاب والسنة، مؤثرة تحمل هموم الدعوة؛ لأننا قصرنا كثيراً في جانب تعليم النساء، وتثقيفهن وتفقيههن ومدارسة العلم معهنَّ، هذا تقصيرٌ حاصل، وهو كثير ومستقرأ ومستفيض.
فأنا أوصي المرأة الآن أن تقوم بدورها في الحياة فهي مستهدفة، ويريد أهل الباطل أن يدخلوا من طريقها لهدم هذا الدين الذي بعث به محمد صلى الله عليه وسلم.
ولسنا على الأعقاب تدمى كلومنا ولكن على أقدامنا تقطر الدما |
تأخرت أستبقي الحياة فلم أجد لنفسي حياة مثل أن أتقدما |
فقدم على ما قدم، ولقي الذي يطمح إليه، فنسأل الله أن يجمعنا بالصالحين في دار الكرامة.
فعلى الإخوة ألا يتحدثوا في مثل هذه المسائل حتى تتضح ويصدر فيها شيء من أهل العلم بعد التبين، وبعد أخذ الحيطة، وبعد معرفة الأخبار، ومصدر الأخبار: وَلا تَقْفُ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ إِنَّ السَّمْعَ وَالْبَصَرَ وَالْفُؤَادَ كُلُّ أُولَئِكَ كَانَ عَنْهُ مَسْؤُولاً [الإسراء:36] لأني سمعت أن بعض الناس تعجل في بعض كلماته، واتهم بعض الناس، ونحن نبرأ إلى الله عزوجل من اتهام المسلمين أنهم يريدون دماء المسلمين؛ لأن دم المسلم ليس بالرخيص، في حديث صحيح قدسي،يقول الله سُبحَانَهُ وَتَعَالَى: {وعزتي وجلالي لو اجتمع أهل السموات والأرض على قتل امرئٍ مسلمٍ لكببتهم على وجوههم في النار} ويقول عليه الصلاة والسلام: {ولزوال الدنيا بأسرها أهون عند الله من قتل امرئٍ مسلم}.
يقال ابن تيمية استقبل القبلة قبل أن يموت وقال: "تبت عن كل من كفرت من أهل القبلة" مع ذلك يُنسب أن فلاناً سفك دم فلان.
ثم أقول لكم إن الفتنة وقعت بين طائفتين من المسلمين في عهد علي ومعاوية رضي الله عنهم أجمعين، والله تعالى يقول: وَإِنْ طَائِفَتَانِ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ اقْتَتَلُوا [الحجرات:9] فأثبت أنهم يقتتلون، وقال: فَأَصْلِحُوا بَيْنَ أَخَوَيْكُمْ [الحجرات:10] فسماهم إخوان ولم يخرجهم من الإسلام، وقد اقتتل الصحابة في الجمل وصفين فلم يكفروا بالقتال، وما خرجوا من الملة، وما خرجوا من الدين.
ثم إني أطالب من الإخوة ألا يسافروا في هذه الفترة إلى أفغانستان، وقد رأى كثير من أهل العلم وأهل الفضل أن السفر في هذه الأيام ليس بسديد، وينتظر العبد حتى تصفوا الأمور وتظهر، وأرى أن يسددوا من جهود إخوانهم، وأن يدعوا للمجاهدين بأن يجمع الله شملهم وينصرهم على الباطل، ثم لا يشهرون بأحد، ثم لا يكونون مصدر إزعاج، ثم لا يكونون دخيلاً ومعيناً للمنافقين والحاسدين والحاقدين في ضرب الجهاد.
هذه مسائل أحببت أن أعرضها على إخواني فإن أصبت فمن الله، وإن أخطأت فمن نفسي، والله سُبحَانَهُ وَتَعَالَى هو الحسيب، ونسأله سُبحَانَهُ وَتَعَالَى أن يتقبل منا ومنكم صالح الأعمال، وأن يغفر لنا ولكم الخطأ والزلل، وأن يجمعنا بكم في دار الكرامة، وأن يرحمنا وإياكم رحمة عامة وخاصة ظاهرة وباطنة، وأن يهدينا وإياكم سواء السبيل، وأن يوفق كل من في صلاحه صلاح للإسلام والمسلمين، وأن يهدم كل من في هدمه صلاح للإسلام والمسلمين.
سبحان ربك رب العزة عما يصفون، وسلام على المرسلين، والحمد لله رب العالمين.
ولا يفوتني أن أشكر باسمكم جميعاً المقدم سعيد الدخيل وإخوانه وزملاءه والحضور أجمعين.
الجواب: الأمر الأول: مُكن المشركون في الأرض، وأنا لا أسميه تمكين، بل هو شيءٌ من البقاء الوقتي الطارئ الذي سوف يزول، أما التمكين فلأولياء الله: وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُمْ فِي الْأَرْضِ [النور:55] وقال سُبحَانَهُ وَتَعَالَى: الَّذِينَ إِنْ مَكَّنَّاهُمْ فِي الْأَرْضِ أَقَامُوا الصَّلاةَ وَآتَوُا الزَّكَاةَ [الحج:41] فالتمكين للمؤمنين.
لكن نقول: لماذا الكفار مكنوا؟ تقول: مكنوا أولاً: هذا ابتلاء، فهي سنة المدافعة، أن يدفع بها الله عزوجل أولياءه، ويدفع أولياءه بالكافر، فهم أخذوا وملكوا من الأسباب ما جعلتهم يبقون ردحاً من الدهر، أو يحكمون قطعة من الأرض.
الأمر الثاني: تَخَلى المسلمون عن أسباب التمكين، فحوصروا في أنحاء الدنيا وفي أنحاء الكرة الأرضية، وأخذت عليهم حتى بلادهم التي فتحوها بالإسلام.
الجواب: اسمع كلمات حتى لا يفوتك الركب، هي تلخيص المحاضرة، ولو أنها وردت فيها:
أولاً: أن تتوب وتعلن توبتك من الليلة، وتركب في ركب محمد صلى الله عليه وسلم، يقول الإمام مالك: "السنة كسفينة نوح من ركب فيها نجا، ومن تركها هلك"، وليس هناك سفينة إلا سفينة محمد صلى الله عليه وسلم:
إذا نحن أدلجنا وأنت إمامنا كفى بالمطايا طيب ذكراك حاديا |
وإني لأستغشي وما بي غشوة لعل خيالاً منك يلقى خياليا |
فإما حياة نظم الوحي سيرها وإلا فموت لا يسر الأعاديا |
الجواب: جماعة الدعوة والتبليغ؛ جماعة في مجموعها تعمل وتريد الخير، ولها جهود تشكر عليها مثل: الصبر، والتحمل في الدعوة، والحلم، وأنهم جابوا الأقاليم ووصلوا إلى كثير من الأمكنة، وأن الله هدى بهم كثيراً من العصاة نعرفهم، حتى إني رأيت كثيراً منهم في بلاد خارجية ورأيت كثيراً منهم هدى به الله ملأ من الناس، عندهم روحانيات، وعندهم أذكار، وعمل صالح، لكن لا بد أن نناصحهم في مسائل:
المسألة الأولى: أن يهتموا بالعلم الشرعي؛ علم محمد صلى الله عليه وسلم، علم الكتاب والسنة.
المسألة الثانية: لا يغتروا بكثير من مذكرات المؤسسين مثل: محمد بن إياس الذي أسس الجماعة، أو غيره من الذين ليسوا في هذه البلد، لأني ما أعرف جماعة الدعوة في هذه البلاد هنا إلا على منهج السلف، لكن هناك قد يوجد شركيات وبدع وخرافات رأيناها وقرأنها فلينتبه لها.
المسألة الثالثة: لا يصح أن الواحد منهم إذا قام أمام الناس أن يذكر ماضيه الأسود، يكفي أنه تاب إلى الله، أما أنه يقول: كنت أفعل وأفعل وأعصي وأترك الصلاة، فليس هذا من منهج الدين، بل المنهج أن تستر نفسك.
أما أن تخرج معهم فإن كنت طالب علم، أو عندك حصيلة من العلم، وبإمكانك أن تعرف البدعة من غيرها، وأن تؤثر فأرى أن تخرج معهم.
لأنك ينفع الله بك سُبحَانَهُ وَتَعَالَى، وتكون داعية، هذا رأيي، وإن كنت لم تبلغ هذا المستوى فأرى أن تقترب من طلبة العلم، ومن المحاضرات، ومن الدعاة الصادقين.
أما إذا أنست بعقيدة أحدهم وبعلمه وبفعله وعرفت أنه يحمل عقيدة أهل السنة والجماعة، فلا بأس أن ترافقه.
هذا ما عندي في المسألة باختصار.
الجواب: لم يكن معهم طبول فيما أعلم ولم ينقل حتى في كتب الحديث، إنما هم شباب وأطفال خرجوا ينشدون، والنشيد جائز لمثل هذا المستوى، والرجز جائز، لكن لا يصاحبه دف ولا طبل للرجال، ولا مزمار ولا زير؛ لأن هذه قد حرمت على الرجال.
أما النساء فلا بأس بالدف لهن في الزواجات، فلا دليل في هذا على ما استدل به هذا الشخص، والذي يستدل بهذا على أنه يجوز استصحاب المعازف وآلات اللهو، كمن يستدل بأن الحبشة لعبوا في مسجده صلى الله عليه وسلم بالحراب فيأتي بعد كل صلاة يلعب بالحربة، فبعد الظهر يلعب وبعد العصر يلعب وبعد المغرب وبعد العشاء وبعد الفجر، فإذا سألته قال: الحبشة لعبوا، وهم ما لعبوا إلا مرة في الحياة ثم هم مؤلفة قلوبهم والرسول صلى الله عليه وسلم رأى من الحكمة أن يمكن لهم قليلاً حتى يعو الدين، ولم يكن معهم دف ولا طبل ولا مزمار، وهذا مثل هذا.
الجواب: إقامة الموالد للرسول صلى الله عليه وسلم بدعة: {من عمل عملاً ليس عليه أمرنا فهو رد} ولم يفعله أحد من السلف الصالح، وإحياءه صلى الله عليه وسلم إنما هو بإحياء ذكراه بالعمل، باتباع السنة، وبنشر مبادئه في الناس، وبتعليم سنته في العالمين، وبالمحافظة على سنته، وليس بالموالد الخرافية.
الجواب: الحق معلوم، وأرى أنه إذا اشتبه في رجل منهم أن تسأل أهل العلم والدعاة عنه بذاته، وإن كان لك بصيرة أنت وأصبحت في مستوى من العلم يمكنك أن تعرف الحق من الباطل، فلا بأس أن تقرأ.
لكن والحمد لله هناك عند أهل الإيمان من البدائل ومن الدعاة والأدباء ومن الشعراء ما يكفيك عن هؤلاء، فإن أولياء الله وأنصاره كثير، في قسم الأدب والعقيدة والفقه والتفسير والفكر والكتابات وكل أطروحة.
فأدلك على أدباء وكتاب الإسلام في الفكر: أبو الأعلى المودودي، أبو الحسن الندوي، سيد قطب، محمد قطب، وأمثال هؤلاء الأخيار، ومن علمائنا الكبار كسماحة الشيخ عبد العزيز بن باز، وفضيلة الشيخ محمد بن الصالح بن عثيمين، والشيخ حمود التويجري، ومن كتب من أمثالهم، وقبلها كتب الشيخ محمد بن عبد الوهاب وأبنائه، وقبلها كتب شيخ الإسلام ابن تيمية وابن القيم، والحمد لله الخير كثير.
ومن الشعراء مثل شعر: إقبال على بعض المآخذ فيه من أنه جعل الإسلام في قسم الفلسفة، أو أنه كان عنده شيء من التصوف لكن أفكاره في الجملة كانت مسددة، وكان نابغةً في الأدب والشعر.
ومن الشعراء العصريين الآن: الدكتور عبد الرحمن العشماوي، والدكتور أحمد بهكلي، والدكتور صالح عون، وكثير من شباب الصحوة وشباب الدعوة.
ومن الكتاب: أحمد التويجري وأمثاله من الأخيار الفضلاء الذين يستفاد بهم.
وأدلكم على الدعاة الفضلاء الذين لهم تواجد في ساحة الإسلام، وأنا ذكرت العلماء وهم علماء أيضاً: كالدكتور ناصر العمر، والدكتور سعيد آل زعير، والشيخ سلمان العودة، والشيخ سفر الحوالي، والشيخ عبد الوهاب الطريري، والدكتور محمد بن سعيد القحطاني، والدكتور عبد الله التويجري، والشيخ عوض القرني، والشيخ سعيد بن ناصر الغامدي، هؤلاء الفضلاء والأخيار أرى أن تسمعوا لهم كثيراً فإني أعرفهم، وأعرف ثقافتهم، وأعرف درايتهم، ومكانتهم ولهم قدم صدق، وقد نفع الله بهم الأمة، فأرى الاطلاع على كتاباتهم والسماع لهم كثيراً.
وأسأل الله أن يوفقنا وإياكم لما يحبه ويرضاه.
الجواب: هذا الأخ الأستاذ أنيس عبد المعطي قد رأيته في مكة وقابلته، ورأيت فيه الخير ولنا الظاهر من الناس وقد اهتدى، وهو صاحب تجربة مع أهل الفن، وقد ألف كتاباً سوف يكون له أثر ودوي وهو محاكمة أهل الفن من واقع تجربته، وهو مزود بالوثائق والحقائق عن عالمهم، وعما يدور وراء كواليسهم، ووراء حجبهم، وما يدور في حياتهم وفي دنياهم، وسوف يخرج هذا. وقد قدم له الشيخ سفر الحوالي وختمتُ له الكتاب، وعسى الله أن ينفع به، هذا بإيجاز.
الجواب: أعتذر من عاصفة الصحراء؛ لأنها انتهت عندكم وانتهت عندي، ولكني -إن شاء الله- أعوضكم مكانها قصيدة: (محمد في فؤاد الغار يرتجف) لخللٍ فني، فلا أريد لكم عاصفة الصحراء لكني أريد لكم آخر قصيدة وهي (محمد في فؤاد الغار يرتجف) أحفظ منها أبياتاً، فهي ما يقارب الخمسين بيتاً، وهي في حبيبنا وعظيمنا محمد صلى الله عليه وسلم:
محمد في فؤاد الغار يرتجف في كفه الدهر والتاريخ والصحف |
مزملٌ في رداء الوحي قد صعدت أنفاسه في ربوع الكون تأتلف |
من الصفا من سماء البيت جلله نور من الله لا صوف ولا خصف |
والكفر يا ويحه غضبان من أسفٍ لم يبقه الحقد في الدنيا ولا الأسف |
ولا حمته سيوف كلها كذبُ في صولة الحق والإيمان تنقصف |
أتى الرسول إلينا والربا جثثٌ مطمورةٌ وعليه يضحك القرف |
والمارد الفاجر المعتوه محترمٌ جماجم الجيل في أسيافه لطف |
نجوع نأكل موتانا وسهرتنا أكل الضياع وليل أحمرٌ دنف |
ومنها:
سعد وسلمان والقعقاع قد عبروا إياك نعبد من سلسالها رشفوا |
اقرأ فأنت أبو التعليم رائده من بحر علمك كل الناس يرتشف |
إن لم تصغ منك أقلام معارفها فالزور ديدنها والظلم والصلفُ |
في كفك الشهم من حبر الهدى طرف على الصراط وفي أرواحنا طرفُ |
وفي الختام! أشكركم شكراً جزيلاً، وأشكر لكم تعبكم وصبركم وعرقكم، وأسأل الله أن يبدلكم رضواناً في الجنة، وصلى الله على محمد وعلى آله وصحبه وسلم تسليماً كثيراً.
من الفعاليات والمحاضرات الأرشيفية من خدمة البث المباشر