إسلام ويب

شرح كتاب السنة للبربهاري [10]للشيخ : عبد العزيز بن عبد الله الراجحي

  •  التفريغ النصي الكامل
  • الشهادتان مفتاح الإسلام، والمسلم يعبد الله بالمحبة والخوف والرجاء، ويؤمن بجميع شرائع الإسلام، ولا يصغي إلى شبهات أهل الكلام.

    1.   

    خطر علم الكلام على الناس في أديانهم

    قال المصنف رحمه الله تعالى: [ واعلم رحمك الله أنه ما كانت زندقة قط ولا كفر ولا شك ولا بدعة ولا ضلالة ولا حيرة في الدين إلا من الكلام وأهل الكلام والجدال والمراء والخصومة، والعجب كيف يجترئ الرجل على المراء والخصومة والجدال والله تعالى يقول: مَا يُجَادِلُ فِي آيَاتِ اللَّهِ إِلَّا الَّذِينَ كَفَرُوا [غافر:4]، فعليك بالتسليم والرضا بالآثار وأهل الآثار، والكف والسكوت ].

    الزندقة معناها: النفاق، والزنديق هو المنافق، وهي كلمة فارسية، والزنديق هو من يظهر الإيمان ويبطن الكفر، وقد كان يقال له في زمن النبي صلى الله عليه وسلم: منافق، كـعبد الله بن أبي وأصحابه، فقد كانوا يظهرون الإيمان والإسلام، ويصلون مع النبي صلى الله عليه وسلم، ويجاهدون معه وهم في الباطن مكذبون، فهم في الدرك الأسفل من النار، قال الله تعالى فيهم: إِنَّ الْمُنَافِقِينَ فِي الدَّرْكِ الأَسْفَلِ مِنَ النَّارِ [النساء:145].

    ويطلق الزنديق على المتحلل من الدين، وأصلها كلمة فارسية ثم عربت، وفي زمننا هذا يسمى المنافق علمانياً، فالعلماني هو المنافق الذي يظهر الإسلام ويبطن الكفر، فتجده يتستر باسم الإسلام وهو ينشر الإلحاد والزندقة، وينشر الفساد بين المسلمين.

    قوله: (واعلم رحمك الله أنه ما كانت زندقة) يعني: نفاق (ولا كفر) أي: الكفر المعلن، فالكافر الذي أعلن كفره يقال له: كافر، والذي أخفى كفره يسمى زنديقاً أو منافقاً، (ولا شك) يعني: لا شك في الدين، أو لا شك في ما هو معلوم من الدين بالضرورة (ولا بدعة ولا ضلالة ولا حيرة في الدين إلا من الكلام) أي: بسبب أهل الكلام كالجهمية والمعتزلة والأشاعرة، فقد تكلموا في الصفات وفي الأفعال بالباطل فنشأ من ذلك الكفر والزندقة والنفاق والشك والحيرة.

    إذاً: فينبغي للإنسان أن يحذر من الكلام؛ لأن الكلام وأهل الكلام هم الذين تكلموا في الأسماء والصفات بغير بصيرة فنشأ من كلامهم الزندقة والكفر والشك والبدعة والضلال والحيرة في الدين.

    وأصحاب الكلام هم أصحاب الجدال والمراء والخصومة في الصفات، وفي القدر وفي مسمى الإيمان، وهكذا حصلت الحيرة والنفاق والزندقة والجدال والمراء والخصومة بسببت هذا النفاق، فسببت الزندقة والحيرة والشك والبدعة والضلالة.

    يقول المؤلف: (والعجب كيف يجترئ الرجل على المراء والخصومة والجدال والله تعالى قد ذم المجادلين: مَا يُجَادِلُ فِي آيَاتِ اللَّهِ إِلَّا الَّذِينَ كَفَرُوا فَلا يَغْرُرْكَ تَقَلُّبُهُمْ فِي الْبِلادِ [غافر:4]، فعليك بالتسليم والرضا بالآثار وأهل الآثار والكف والسكوت)، أي: عليك أيها المسلم! التسليم لأمر الله وأمر رسوله، فإذا جاءك حديث فقل: سلمت ورضيت وقبلت، وكف واسكت عن الخوض والجدال في الدين بغير بصيرة، وعليك بالتسليم لأمر الله وأمر رسوله صلى الله عليه وسلم والرضا بالآثار.

    قال المصنف رحمه الله تعالى: [ والإيمان بأن الله تبارك وتعالى يعذب الخلق في النار في الأغلال والأنكال والسلاسل، والنار في أجوافهم وفوقهم وتحتهم، وذلك أن الجهمية -منهم هشام الفوطي - قال: إنما يعذب الله عند النار، ردّ على الله وعلى رسوله ].

    يجب على المؤمن أن يؤمن بهذا: أن الله يعذب الخلق في النار في الأغلال والأنكال والسلاسل، وقد أخبر الله تعالى أن النار تغمرهم، وأن النار في أجوافهم وفوقهم وتحتهم، قال الله تعالى: لَهُمْ مِنْ جَهَنَّمَ مِهَادٌ وَمِنْ فَوْقِهِمْ غَوَاشٍ [الأعراف:41] أي: وطاء وغطاء، فهم يفترشون النار ويتخذونها غطاء، وقال سبحانه: وَالَّذِينَ كَفَرُوا لَهُمْ نَارُ جَهَنَّمَ لا يُقْضَى عَلَيْهِمْ فَيَمُوتُوا وَلا يُخَفَّفُ عَنْهُمْ مِنْ عَذَابِهَا كَذَلِكَ نَجْزِي كُلَّ كَفُورٍ [فاطر:36]، وقال سبحانه: إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا بِآيَاتِنَا سَوْفَ نُصْلِيهِمْ نَارًا كُلَّمَا نَضِجَتْ جُلُودُهُمْ بَدَّلْنَاهُمْ جُلُودًا غَيْرَهَا لِيَذُوقُوا الْعَذَابَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَزِيزًا حَكِيمًا [النساء:56]، وقال تعالى:أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ يُجَادِلُونَ فِي آيَاتِ اللَّهِ أَنَّى يُصْرَفُونَ * الَّذِينَ كَذَّبُوا بِالْكِتَابِ وَبِمَا أَرْسَلْنَا بِهِ رُسُلَنَا فَسَوْفَ يَعْلَمُونَ * إِذِ الأَغْلالُ فِي أَعْنَاقِهِمْ وَالسَّلاسِلُ يُسْحَبُونَ * فِي الْحَمِيمِ ثُمَّ فِي النَّارِ يُسْجَرُونَ [غافر:69-72]، نسأل الله السلامة والعافية، فلابد من الإيمان بهذا.

    قال المؤلف رحمه الله رداً على هشام الفوطي وهو ابن عمرو من أصحاب أبي هذيل العلاف شيخ المعتزلة في القرن الثالث الهجري، يقول هشام الفوطي : إنما يعذب الله عند النار، رد على الله وعلى رسوله صلى الله عليه وسلم، يعني: أن الله يعذب عند النار لا بالنار، وهذا يشبه مذهب الأشاعرة الذين ينكرون الأسباب، ويقولون: السكين لا تقطع وإنما أوجد الله القطع عند إجراء السكين لا بالسكين، وهذا نفي للأسباب، فالأشاعرة يقولون: ليس هناك أسباب ولا غرائز ولا طباع، فالله هو الذي يفعل، فالسكين مثلاً ليس لها تأثير عندهم، فإذا قيل لهم: إن السكين تقطع، قالوا: لا، السكين لا تقطع، وإنما يوجد الله تعالى القطع عند إمرار السكين، فالقطع يحصل عند السكين لا بالسكين، وإذا قيل لهم: النار تحرق، قالوا: لا، النار لا تحرق، بل الله يوجد الإحراق عند النار لا بالنار، وإذا قيل لهم: الأكل يشبع، قالوا: لا، الأكل لا يشبع، ولكن الله يوجد الشبع عند الأكل لا بالأكل، وإذا قيل لهم: الماء يروي، قالوا: الماء لا يروي، لكن الله يوجد الري عند الشرب لا بالشرب، وقصدهم من هذا إنكار الأسباب والغرائز والطبائع؛ حتى لا يكون هناك مؤثر إلا الله.

    والقرآن والسنة مملوءان بذكر الأسباب والغرائز قال: وَهُوَ الَّذِي أَنزَلَ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَأَخْرَجْنَا بِهِ [الأنعام:99] فهذا سبب، وقوله: وَمَا مَنَعَنَا أَنْ نُرْسِلَ بِالآيَاتِ إِلَّا أَنْ كَذَّبَ بِهَا الأَوَّلُونَ [الإسراء:59] فهذه علة، وقوله: مِنْ أَجْلِ ذَلِكَ كَتَبْنَا عَلَى بَنِي إِسْرَائِيلَ [المائدة:32]، وقوله: إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ [النحل:79]، لِقَوْمٍ يَعْقِلُونَ [الرعد:4]، لِقَوْمٍ يَذَّكَّرُونَ [الأنعام:126] وهكذا فالنصوص من الكتاب والسنة كثيرة في بيان الأسباب والطبائع والغرائز، فـهشام الفوطي يقول: إنما يعذب الله عند النار، يعني: لا بالنار، ردّ على الله وعلى رسوله صلى الله عليه وسلم، وقوله هذا باطل، وقد بين المؤلف بطلان قوله.

    1.   

    الالتزام بالصلوات وأوقاتها بدون زيادة ولا نقصان

    قال المصنف رحمه الله تعالى: [ واعلم أن صلاة الفريضة خمس صلوات لا يزاد فيهن ولا ينقص في مواقيتها، وفي السفر ركعتان إلا المغرب، فمن قال: أكثر من خمس فقد ابتدع، ومن قال: أقل من خمس فقد ابتدع، لا يقبل الله شيئاً منها إلا لوقتها إلا أن يكون نسياناً فإنه معذور يأتي بها إذا ذكرها، أو يكون مسافراً فيجمع بين الصلاتين إن شاء ].

    قوله: (واعلم أن صلاة الفريضة خمس صلوات لا يزاد فيهن ولا ينقص في مواقيتها) كما في الحديث: (خمس صلوات كتبهن الله على العباد)، وفي قصة الرجل الذي جاء وسأل النبي صلى الله عليه وسلم عما أوجب الله عليه فقال له: (خمس صلوات في اليوم والليلة، قال: هل علي غيرها؟ قال: لا إلا أن تطوع).

    قوله: (وفي السفر ركعتان) يعني: أن الرباعية تقصر إلى ركعتين؛ لقول عائشة : (فرضت صلاة الحضر أربع ركعات، وصلاة السفر ركعتين)، فالرباعية تقصر في السفر وهي: الظهر والعصر والعشاء، وأما المغرب والفجر فلا تقصران.

    قوله: (فمن قال: أكثر من خمس فقد ابتدع ومن قال: أقل من خمس فقد ابتدع) أي: من قال: إن الله أوجب أكثر من خمس صلوات فقد ابتدع بدعة مكفرة؛ لأنه زاد في الدين، ومن قال: إن الله لم يفرض إلا أربع صلوات في اليوم والليلة فقد كفر أيضاً، فالبدعة قد تكون مكفرة وقد تكون غير مكفرة.

    وقوله: (فمن قال: أكثر فقد ابتدع) المقصود بذلك الخمس الفرائض، ولا يعترض على ذلك بأن الإمام أبا حنيفة يرى أن الوتر واجب؛ لأنه ليس من الصلوات الخمس.

    قوله: (لا يقبل الله منها شيئاً إلا لوقتها) مثل الذي يجمع الظهر والعصر أو المغرب والعشاء من غير عذر فإنه يكون قد صلاها في غير وقت، إلا أن يكون نسياناً فإنه معذور، وعليه أن يأتي بها إذا ذكرها، والدليل قول النبي صلى الله عليه وسلم: (من نام عن صلاة أو نسيها فليصلها إذا ذكرها لا كفارة لها إلا ذلك)، أو يكون مسافراً فيجمع بين الصلاتين إن شاء، فقد أباح الله للمسافر وكذلك للمريض الجمع بين الصلاتين.

    1.   

    جواز أن يخرج الرجل زكاة ماله بنفسه أو أن يدفعها للسلطان

    قال المصنف رحمه الله تعالى: [ والزكاة من الذهب والفضة والتمر والحبوب والدواب على ما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم، فإن قسمها فجائر، وإن أعطاها الإمام فجائز ].

    نصاب الذهب عشرون مثقالاً، ونصاب الفضة مائتا درهم، ونصاب الثمر والحبوب خمسة أوسق، ولا زكاة فيما دون ذلك، جاء في الحديث: (ليس فيما دون خمسة أوسق صدقة)، والأنعام فيها زكاة، فالإبل إذا كانت سائمة ترعى وبلغت النصاب ففيها خمس من الإبل، والبقر نصابها ثلاثون، والغنم نصابها أربعون.

    فالزكاة من الذهب والفضة والثمر والحبوب والدواب على ما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم، فإن قسمها بنفسه فهو جائز، وإذا طلبها الإمام ودفعها إليه برئت ذمته.

    1.   

    الشهادتان مفتاح الإسلام

    قال المصنف رحمه الله تعالى: [ واعلم أن أول الإسلام شهادة أن لا إله إلا الله وأن محمداً عبده ورسوله، وأن ما قال الله كما قال، ولا خلف لما قال، وهو عند ما قال ].

    قوله: (واعلم) أي: تيقن أن أول الإسلام شهادة أن لا إله إلا الله وأن محمداً عبده ورسوله، والشهادة لله تعالى بالوحدانية ولنبيه صلى الله عليه وسلم بالرسالة هي أصل الدين وأساس الملة، فلابد أن ينطق الشهادتين بلبسانه، ويعتقد معناهما بقلبه، ويعمل بمقتضاهما بجوارحه، وهذا هو الإسلام.

    فالإسلام أن تنطق بالشهادتين بلسانك، وتصدق بمعناهما بقلبك، وتقر وتعترف وتعمل بمقتضاهما بجوارحك، فإذا نطقت بالشهادتين وأقررت وصدقت وعملت بمقتضاهما، فأديت الأوامر، وتركت النواهي، فهذا هو الإسلام.

    قوله: (وأن ما قال الله كما قال ولا خلف لما قال وهو عند ما قال) يعني: يجب على المسلم أن يعلم أن ما قاله الله فهو كما قال، فلا يحرف كلام الله، ولا ينبغي لأحدٍ أن يخلف ما قال الله، ويحتمل أن المعنى: أن الله لا يُخلف وعده، وَعْدَ اللَّهِ لا يُخْلِفُ اللَّهُ وَعْدَهُ [الروم:6]، ولكن الوعيد للعصاة قد يخلفه الله تعالى فيعفو عن العاصي، فالوعيد للعاصي فيه تفصيل: فقد ينفذه الله وقد لا ينفذه، والوعد للمؤمن لا بد أن يحصل.

    1.   

    الإيمان بشرائع الإسلام كلها

    قال المصنف رحمه الله تعالى: [ والإيمان بالشرائع كلها ].

    يجب على المسلم أن يؤمن بالشرائع كلها، سواء كانت مما أنزلها الله على نبيه في الحدود والقصاص والمعاملات، أو الشرائع التي أنزلها على أنبيائه السابقين، وهذه يؤمن بها إجمالاً.

    فيؤمن بشريعة الله في الحدود والقصاص وفي المعاملات كالبيع والشراء والصلح والإجارة والمساقاة والمزارعة والنكاح والخلع والطلاق.

    قال المصنف رحمه الله تعالى: [ واعلم أن الشراء والبيع ما بيع في أسواق المسلمين حلال ما بيع على حكم الكتاب والإسلام والسنة من غير أن يدخله تغيير أو ظلم أو جور أو غدر، أو خلاف للقرآن، أو خلاف للعلم ].

    قوله: (واعلم) أي: تيقن، فالعلم هو اليقين، والأصل أن البيع والشراء حلال إلا إذا اختل شرط من شروط البيع كأن يجهل المبيع، أو يغش، أو يخفي عيب السلعة، أو يرابي، وإلا فالأصل فيما بيع في أسواق المسلمين أنه حلال، فلا تشك وتقول: أخشى أن يكون حراماً، وأخشى أن تكون هذه السعلة التي اشتريتها مسروقة، وأخشى أن فيها كذا، فالأصل الحل، والحمد لله.

    والأصل أن ما بيع في أسواق المسلمين فهو حلال إذا لم يدخله تغيير ولا ظلم ولا جور ولا غدر، وكذلك بشرط ألا يخالف القرآن، قال الله تعالى: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَأْكُلُوا أَمْوَالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْبَاطِلِ إِلَّا أَنْ تَكُونَ تِجَارَةً عَنْ تَرَاضٍ مِنْكُمْ [النساء:29]، ولا يكتم عيوب السلعة، فحرام عليه أن يخفي العيب، بل لا بد أن يخبره بالعيب الذي يعلمه، فقوله: (خلاف للعلم)، أي: ما تعلمه من العيب فلا تخفيه، فالسلعة التي فيها عيب وأنت تعلمه فلابد أن تبينه، قال عليه الصلاة والسلام: (البيعان بالخيار ما لم يتفرقا، فإن صدقا وبينا بورك لهما في بيعهما، وإن كتما وكذبا محقت بركة بيعهما).

    1.   

    الخوف والشفقة من سوء الخاتمة

    قال المصنف رحمه الله تعالى: [ واعلم رحمك الله أنه ينبغي للعبد أن تصحبه الشفقة أبداً ما صحب الدنيا؛ لأنه لا يدري علام يموت، وبم يختم له، وعلام يلقى الله عز وجل، وإن عمل كل عمل من الخير ].

    قوله: (واعلم) أي: تيقن، وقوله: (رحمك الله) سؤال الرحمة من الله تعالى للمتعلم.

    وقوله: (أنه ينبغي للعبد أن تصحبه الشفقة أبداً ما صحب الدنيا) أي: أن يصحبه الخوف من أن تحيط به ذنوبه، والخوف من سوء الخاتمة، فعلى الإنسان أن يرجو ما عند الله لكن عليه أن يغلب جانب الخوف؛ حتى يحمله على أداء الفرائض وترك المحارم.

    فإذا كان الإنسان خائفاً فإن هذا الخوف يحدوه ويحثه على أداء الفرائض وترك المحارم، فعلى العبد دائماً أن يكون بين الرجاء والخوف، لكنه يغلب جانب الخوف في حال الصحة، قال بعض العلماء: الخوف والرجاء للعبد كجناحي الطائر، فالطائر إذا استقام جناحاه استقام طيرانه، وإذا تلف الجناحان صار في عداد الموتى، فكذلك الإنسان يعبد الله بين الخوف والرجاء، فيخاف خوفاً لا يوصله إلا التشاؤم وسوء الظن بالله، ويرجو ما عند الله رجاءً لا يجعله يستغرق في المعاصي.

    فالعبد تصحبه الشفقة والخوف أبداً ما صحب الدنيا؛ لأنه لا يدري علام يموت عليه، فيحمله خوفه على أداء الفرائض وترك المحارم، وإن عمل كل الخير فلابد له من الخوف والرجاء.

    1.   

    الرجاء فيما عند الله وحسن الظن به

    قال المصنف رحمه الله تعالى: [ وينبغي للرجل المسرف على نفسه ألا يقطع رجاءه من الله تعالى عند الموت، ويحسن ظنه بالله تبارك وتعالى، ويخاف ذنوبه، فإن رحمه الله فبفضل، وإن عذبه فبذنب ].

    الفقرة السابقة في الشفقة والخوف وهي قوله: (ينبغي للعبد أن تصحبه الشفقة والخوف)، وهذه الفقرة في الرجاء، إذاً فلابد من الأمرين: الخوف والرجاء، قال تعالى عن المتقين: يَدْعُونَ رَبَّهُمْ خَوْفًا وَطَمَعًا [السجدة:16] أي: يعبدون الله بالخوف والرجاء، وهذا حال المؤمن أنه يعبد الله بالحب والخوف والرجاء.

    وهذه هي أركان العبادة: المحبة والخوف والرجاء، وهذه الأركان موجودة في سورة الفاتحة، فقوله: الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ [الفاتحة:2] هذه المحبة، الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ [الفاتحة:3] هذا الرجاء، مَالِكِ يَوْمِ الدِّينِ [الفاتحة:4] هذا الخوف، فينبغي للرجل المسرف على نفسه ألا يقطع رجاءه من الله عند الموت، وليحسن ظنه بالله، وليخف من ذنوبه، قال في الحديث: (لا يموتن أحدكم إلا هو يحسن الظن بالله عز وجل)، فهو يخاف ويرجو، فيخاف خوفاً لا يصل به إلى سوء الظن؛ لأنه يرجو، ويرجو رجاءً لا يجعله يتمادى في المعاصي؛ لأنه يخاف، فإن رحمه الله فبفضل، وإن عذبه فبذنب.

    1.   

    إطلاع النبي على ما سيكون في أمته إلى يوم القيامة

    قال المصنف رحمه الله تعالى: [ والإيمان بأن الله تبارك وتعالى أطلع نبيه صلى الله عليه وسلم على ما يكون في أمته إلى يوم القيامة ].

    أي: أن الله أخبر نبيه بما يكون في أمته في آخر الزمان، فأخبره بأشراط الساعة، وأخبره بانتشار الإسلام، (ليبلغن هذا الدين ما بلغ الليل والنهار بعز عزيز أو بذل ذليل).

    وقال عليه الصلاة والسلام: (والله ليتمنّ الله هذا الأمر حتى يسير الراكب من صنعاء إلى حضرموت لا يخاف إلا الله والذئبَ على غنمه).

    وقال عليه الصلاة والسلام: (إن الله زوى لي الأرض فرأيت مشارقها ومغاربها، وإنه سيبلغ ملك أمتي ما زوي لي منها).

    ولما وقت المواقيت عليه الصلاة والسلام في الحج وقت لأهل الشام والمغرب الجحفة، ووقت لأهل اليمن يلملم، ووقت لأهل العراق ذات عرق، مع أن العراق في ذلك الوقت لم تفتح بعد، وهذا من علامات النبوة، ففيه دليل على أنهم سيسلمون ويحجون ويعتمرون من هذا الميقات، وهذا مما أطلع الله عليه نبيه مما سيكون في أمته إلى يوم القيامة.

    وأما القول: بأن النبي يعلم أعمال أمته، وأن أعمال أمته تعرض عليه، وأن النبي صلى الله عليه وسلم يعلم ماذا عمل كل شخص؛ فهذا جاء في حديث ضعيف لا يصح.

    1.   

    ما حصل في هذه الأمة من الفتن والافتراق

    قال المصنف رحمه الله تعالى: [ واعلم أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (ستفترق أمتي على ثلاث وسبعين فرقة كلها في النار إلا واحدة، وهي الجماعة، قيل: يا رسول الله! من هم؟ قال: ما أنا عليه اليوم وأصحابي)، وهكذا كان الدين إلى خلافة عمر بن الخطاب ، وهكذا كان في زمن عثمان ، فلما قتل عثمان رضي الله عنه جاء الاختلاف والبدع، وصار الناس أحزاباً وصاروا فرقاً، فمن الناس من ثبت على الحق عند أول التغيير وقال به وعمل به ودعا الناس إليه، فكان الأمر مستقيماً حتى كانت الطبقة الرابعة في خلافة بني فلان انقلب الزمان، وتغير الناس جداً، وفشت البدع، وكثر الدعاة إلى غير سبيل الحق والجماعة، ووقعت المحن في كل شيء لم يتكلم به رسول الله صلى الله عليه وسلم ولا أصحابه، ودعوا إلى الفرقة -ونهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الفرقة- وكفر بعضهم بعضاً، وكل داعٍ إلى رأيه وإلى تكفير من خالفه، فضل الجهال والرعاع ومن لا علم له، وأطمعوا الناس في شيء من أمر الدنيا، وخوفوهم من عقاب الدنيا، فاتبعهم الخلق على خوف في دنياهم ورغبة في دنياهم، فصارت السنة وأهلها مكتومين، وظهرت البدع وفشت، وكفروا من حيث لا يعلمون من وجوه شتى، ووضعوا القياس، وحملوا قدرة الرب وآياته وأحكامه وأمره ونهيه على عقولهم وآرائهم، فما وافق عقولهم قبلوه، وما لم يوافق ردوه، فصار الإسلام غريباً، والسنة غريبة، وأهل السنة غرباء في جوف ديارهم ].

    هذا فيه بيان الاختلاف الذي حصل في الأمة، يقول المؤلف رحمه الله: (واعلم أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (ستفترق أمتي على ثلاث وسبعين فرقة كلها في النار إلا واحدة، قيل: يا رسول الله! من هم؟ قال: ما أنا عليه اليوم وأصحابي)، وهذا الحديث حديث حسن أخرجه الترمذي في الإيمان والآجري في الشريعة والحاكم وغيرهم.

    ويقول النبي صلى الله عليه وسلم: (افترقت اليهود على إحدى وسبعين فرقة، وافترقت النصارى على ثنتين وسبعين فرقة، وستفترق هذه الأمة على ثلاث وسبعين فرقة كلها في النار إلا واحدة)، وفي لفظ: (وهي الجماعة)، وفي لفظ: (قيل: من هي يا رسول الله؟! قال: من كان على مثل ما أنا عليه اليوم وأصحابي)، فهذه الفرق كلها من الفرق المبتدعة متوعدة بالنار إلا واحدة وهي الجماعة، وهم أهل السنة والجماعة، وهم الفرقة الناجية، وهم أهل الحق، وقد أخرج العلماء الجهميةَ والقدريةَ الأولى والرافضة من الثنتين والسبعين فرقة؛ لكفرهم وضلالهم.

    قوله: (وهكذا كان الدين إلى خلافة عمر بن الخطاب ) أي: كلهم كانوا على الحق مستقيمين.

    (وهكذا كان في زمن عثمان ، فلما قتل جاء الاختلاف والبدع، وصار الناس أحزاباً وصاروا فرقاً) والذي أثارها هو عبد الله بن سبأ اليهودي الحميري ، وأشاع أن أهل البيت مظلومين، وأن علياً أحق بالخلافة، وجعل يثير هذا في الشام وفي مصر وفي الكوفة، فتبعه السفهاء وصاروا ينشرون مساوئ عثمان رضي الله عنه بين الناس، وصاروا يقولون: عثمان فعل كذا وخفض صوته بالتكبير، وعثمان أتم الصلاة في السفر، وعثمان أخذ الزكاة على الخيل وخالف ما كان عليه الشيخان أبو بكر وعمر وهكذا، فتبعه كثير من الشباب السفهاء، فجاءوا وأحاطوا ببيته وقتلوه.

    إذاً فنشر الناس مساوئ الحاكم وولي الأمر صار سبباً في الفرقة، فصار الناس أحزاباً وفرقاً، فظهرت الخوارج والشيعة، وصار الناس فرقاً وأحزاباً: شيعة وخوارج وقدرية.

    (فمن الناس من ثبت على الحق) وهم أهل السنة والجماعة، الصحابة ومن تبعهم.

    (فكان الأمر مستقيماً حتى كانت الطبقة الرابعة في خلافة بني فلان) لم يذكر هذه الخلافة، فتحتمل أنها خلافة بني العباس أو بني أمية، فهناك اختلاف في بني أمية أيضاً، فقوله: (الطبقة الرابعة) إن كان المراد به القرون المفضلة فقد قال النبي صلى الله عليه وسلم: (خير الناس قرني، ثم الذين يلونهم، ثم الذين يلونهم، ثم يأتي قوم يشهدون ولا يستشهدون، وينذرون ولا يوفون، ويخونون ولا يؤتمنون).

    (في خلافة بني فلان انقلب الزمان، وتغير الناس جداً، وفشت البدع، وكثر الدعاة إلى غير سبيل الحق والجماعة، ووقعت المحن في كل شيء لم يتكلم به رسول الله صلى الله عليه وسلم ولا أصحابه، ودعوا إلى الفرقة ونهى رسول صلى الله عليه وسلم عن الفرقة) والاختلاف، وقد أمر الله تعالى بالاجتماع فقال: وَلا تَكُونُوا كَالَّذِينَ تَفَرَّقُوا وَاخْتَلَفُوا [آل عمران:105]، وَمَا تَفَرَّقَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ إِلَّا مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَتْهُمُ الْبَيِّنَةُ [البينة:4]، (وكفر بعضهم بعضاً، وكل داع إلى رأيه وإلى تكفير من خالفه، فضل الجهال والرعاع ومن لا علم له، وأطمعوا الناس في شيء من أمر الدنيا وخوفوهم عقاب الدنيا، فاتبعهم الخلق على خوف في دنياهم ورغبة في دنياهم، فصارت السنة وأهلها مكتومين، وظهرت البدع وفشت، وكفروا من حيث لا يعلمون من وجوه شتى، ووضعوا القياس) يعني: الآراء في مقابلة النصوص، (وحملوا قدرة الرب وآياته وأحكامه وأمره ونهيه على عقولهم وآرائهم) يعني: فسروا النصوص بآرائهم، فما وافق عقولهم قبلوه وما لم يوافق عقولهم ردوه.

    وهذا لما انتشرت البدع والخوارج، وكان أصلها في أوائل المائة الثانية وقد ظهرت في أواخر عهد الصحابة، وكذلك ظهرت القدرية والشيعة، بل بعد قتل عثمان رضي الله عنه ظهرت الخوارج والشيعة، وفي أواخر عهد الصحابة ظهرت القدرية، ثم في أوائل المائة الثالثة ظهرت الجهمية والمعتزلة.

    (فصار الإسلام غريباً والسنة غريبة وأهل السنة غرباء في جوف ديارهم)، والمقصود من كلام المؤلف رحمه الله هذا التحذير من البدع والاختلاف في الدين، وأن على المسلم أن يحذر البدع، وأن يلزم السنة والجماعة، فالبدع بريد الكفر، فهي توصل إلى الكفر، والبدعة أحب إلى الشيطان من الكبيرة؛ فإن صاحب الكبيرة كالزاني والسارق وشارب الخمر والمرابي يعلم أنه عاصٍ على باطل لذلك فقد يفكر في التوبة، وأما المبتدع فيظن أنه على حق.

    1.   

    الأسئلة

    معنى البشارات الثلاث التي ذكرها المؤلف

    السؤال: هل يحمل كلام المصنف عن البشارات على ما في آخر سورة الواقعة؟

    ويمكن حمل كلام المصنف في الثلاث البشارات التي عند الموت على التفصيل الذي جاء في آخر سورة الواقعة: فَأَمَّا إِنْ كَانَ مِنَ الْمُقَرَّبِينَ * فَرَوْحٌ وَرَيْحَانٌ وَجَنَّةُ نَعِيمٍ * فَسَلامٌ لَكَ مِنْ أَصْحَابِ الْيَمِينِ * وَأَمَّا إِنْ كَانَ مِنَ الْمُكَذِّبِينَ الضَّالِّينَ * فَنُزُلٌ مِنْ حَمِيمٍ * وَتَصْلِيَةُ جَحِيمٍ [الواقعة:88-94]، فيها ثلاث بشارات أيضاً: بشارة للمقربين السابقين، وبشارة لأصحاب اليمين، وبشارة لأصحاب الشمال، والمقربين هم الذي أدوا الفرائض والواجبات والنوافل، وتركوا المحرمات والمكروهات وفضول المباحات، وأصحاب اليمين هم الذين أدوا الفرائض وتركوا المحارم، وليس عندهم نشاط في فعل النوافل وترك المكروهات.

    حكم الصلاة على الرافضة الذين يعيشون بين أظهرنا ويصلون صلاتنا، وحكم أكل طعامهم

    السؤال: ذكر المصنف: أن الصلاة تكون على من مات من أهل القبلة سنة، فهل يصلى على الرافضة الذين يعيشون بين أظهرنا ويصلون صلاتنا؟ وهل يجوز أكل الطعام الذي يقومون على تجهيزه؟

    الجواب: القاعدة في هذا: أن من عرف كفره فلا يصلى عليه، ومن لم يعرف كفره فإنه يصلى عليه، قال الله تعالى: وَلا تُصَلِّ عَلَى أَحَدٍ مِنْهُمْ مَاتَ أَبَدًا وَلا تَقُمْ عَلَى قَبْرِهِ إِنَّهُمْ كَفَرُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ [التوبة:84]، فالكافر لا يصلى عليه، والمؤمن يصلى عليه ولو كان فاسقاً أو ضعيف الإيمان، والمنافق لا يصلى عليه، وإذا عرف أنه منافق، أو زنديق، أو أنه يسب الله ورسوله، أو يترك الصلاة، أو يعبد آل البيت، أو يكفر الصحابة ويفسقهم، أو يقول: إن القرآن ذهب ثلثاه ولم يبق إلا الثلث؛ فهذا لا يصلى عليه؛ لأنه كافر، وأما أكل طعامهم فما أدري ما مقصوده بذلك هل يعني: الطعام الذي يصنع عند الموت؟ فهذا من النياحة، أم أنه يقصد طعام من يسب الله أو يسب الرسول أو يسب الصحابة، فهذا إذا كان سيقوم بذبح الذبائح فلا يأكل منها، وأما إذا كان هناك طعام طبخه كافر فلا بأس به، أو كانت فاكهة، وأما الذبيحة إذا ذبحها الكافر فلا تقربها إلا إذا كان من أهل الكتاب يهودياً أو نصرانياً وجهلنا الحال ولم يذبح بالصعق الكهربائي ولا بالخنق ولم يذبح باسم المسيح؛ لقول الله تعالى: وَطَعَامُ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ حِلٌّ لَكُمْ [المائدة:5]يعني: ذبائحهم.

    عدد النفخات في الصور

    السؤال: هل هناك نفخ في الصور بعد قيام الأجساد؟

    الجواب: النفخ في الصور يكون بعد أن ينزل المطر، فينفخ إسرافيل بأمر الله نفختين: النفخة الأولى: نفخة صعق وهلاك، فإذا مات الخلائق أنزل الله مطراً فنبتت منه أجساد الناس، ويعيد الله الذرات التي استحالت، وتنبت الأجساد، وتبدل الصفات وتنشأ تنشئة قوية، فإذا كمل نباتهم وخلْقهم أذن الله لإسرافيل فنفخ في الصور فعادت الأرواح إلى أجسادها، فقام الناس من قبورهم ينفضون التراب عن رءوسهم، ثم يقفون بين يدي الله.

    الجواب عن تأويل عائشة لسماع أصحاب قليب بدر بالعلم

    السؤال: قال المصنف: (الإيمان بأن رسول الله صلى الله عليه وسلم حين كلم أهل القليب كانوا يسمعون كلامه)، فما الجواب عن تأويل عائشة رضي الله عنها حيث أولت السماع بالعلم؟

    الجواب: عائشة رضي الله عنها أنكرت هذا ووهمت بعض الصحابة، وهي التي غلطت ووهمت رضي الله عنها، والأحاديث ثابتة في هذا، كما أنها أنكرت أيضاً أن يعذب الميت ببكاء أهله عليه، واستدلت بالآية: وَلا تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى [الأنعام:164]، ووهمت عمر في رواية الحديث، وقالت: إنه لم يقل: إنه يعذب، وإنما قال: إن الكافر يعذب، وهذا من اجتهادها رضي الله عنها وأوهامها.

    توضيح لمسألة الظلم التي سار فيها المؤلف على مذهب الجبرية

    السؤال: نرجو من فضيلتكم إعادة توضيح مسألة الظلم التي مشى فيها المؤلف على قول الجبرية؟

    الجواب: الظلم في قول الجبرية هو: تصرف المالك في غير ملكه، فالمؤلف يقول: إن الله يتصرف في ملكه فلا يسأل؛ لأنه يتصرف في ملكه والخلق كلهم ملكه؛ وعلى هذا فيجوز له أن يتصرف فيهم بأن يقلب التشريعات والجزاءات، وأن يحمل الأنبياء والمتقين أوزار الفجار والكفار ولا يكون ظلماً، وهذا باطل، بل الظلم هو وضع الشيء في غير موضعه، كأن يحمّل أحداً أوزار غيره، أو يمنعه ثواب عمله، فهذا هو الظلم الذي نفاه الله عن نفسه، والظلم مقدور لله، لهذا حرمه على نفسه ونزه نفسه عنه ونفاه، ولو كان الظلم مستحيلاً على الله كما تقول الجبرية فكيف يحرم الله على نفسه شيئاً مستحيلاً؟! وما الفائدة من تحريم المستحيل؟ وكيف ينفي الظلم عن نفسه وهو غير مقدور له؟ فهذا باطل، وقوله: لا يُسْأَلُ عَمَّا يَفْعَلُ [الأنبياء:23]، أي: لكمال حكمته لا لأنه صاحب القدرة والمشيئة كما تقول الجبرية.

    الأجر والمثوبة على الأمراض والأسقام

    السؤال: هل يؤجر المريض على مرضه ولو لم يحتسب ذلك، بل وربما جزع من ذلك المرض؟

    الجواب: نعم يؤجر المريض على ذلك ويكفر المرض من خطاياه، وبعد ذلك إذا صبر واحتسب أثابه الله أجراً آخر على ذلك الصبر، وإن جزع وتسخط أثم على جزعه وسخطه، فيكون المرض إذاً كفارة للمريض، ثم بعد المرض إن صبر فله أجر الصابرين، وإن جزع وتسخط فعليه وزر المتسخطين الجازعين.

    حكم وصف المقتول في سبيل الله بالشهادة

    السؤال: هل لنا أن نسمي المقتول في سبيل الله شهيداً، وكذلك الغريق والمبطون والمطعون؟

    الجواب: نعم نسميه شهيداً باعتبار أحكام الدنيا، وأما في أحكام الآخرة فالله أعلم بذلك؛ ولهذا بوب البخاري رحمه الله قال: (باب لا يقال فلان شهيد)، يعني: لا يقال فلان شهيد في أحكام الآخرة، وأما في أحكام الدنيا فيصح أن نسميه شهيداً إذا قتل في المعركة، فلا يغسل ولا يصلى عليه.

    وأما الغريق والمبطون والحريق فهم شهداء باعتبار الأجر والثواب، لكنهم يغسلون ويصلى عليهم، وليسوا شهداء كشهداء المعركة، فشهيد المعركة هو الذي لا يغسل ولا يصلى عليه.

    التحلل من المظالم شرط في التوبة

    السؤال: عندي مظالم كثيرة لأشخاص يعسر علي الاتصال بهم، ويصعب عليّ التحلل منهم وقد تبت منها، فهل هذا كافٍ مع الدعاء الكثير؟

    الجواب: ليس بكاف، فلابد أن ترد المظلمة إلى أهلها إذا كنت تعرف صاحب المظلمة وكانت المظلمة مالاً مثلاً، فلا تبرأ ذمتك، ولا تصح توبتك إلا بإيصال المال إليهم، سواء سرقته أو غششته أو اختلسته أو أخفيته، ولا يلزم من ذلك أن تأتي بنفسك وتقول: هذا مال سرقته منكم، وإنما تقول: عندي لك استحقاق من شخص، وأنت صادق في ذلك، أو تعطي رجلاً وكيلاً يوصل المال إليه ويقول له: هذا استحقاق من شخص، والمهم هو إيصال المال بأي طريقة سواء بنفسك أو بوكيل، ثم تتوب من ذلك، فهذا إذا عرفته.

    وأما إذا لم تعرفه وعجزتَ وأيستَ فإنك تتصدق عنه بنيته، أو تنفقه في المساجد والمصالح العامة بالنية عنه، والله تعالى يوصله إليه، وكذلك إذا كانت المظلمة غيبة فإنك تستحله، فإن كان يترتب على هذا شر فادع له في ظهر الغيب ويكفي ذلك.

    وكذلك الاعتداء على بدن شخص فإنك تسلّم نفسك إليه تستحله، أو تعطيه مالاً حتى يسمح عنك، أو يقتص منك بأخذ حقه منك، وأما إذا كانت معصية بينك وبين الله فيكفي فيه التوبة، وأما حقوق الخلق فلابد من أدائها.

    حكم عذر من جهل التوحيد

    السؤال: هل يعذر جاهل التوحيد بجهله في مسألة دعاء غير الله، وعبادة القبور؟

    الجواب: لا يعذر بذلك، قال الله تعالى: وَمَا كُنَّا مُعَذِّبِينَ حَتَّى نَبْعَثَ رَسُولًا [الإسراء:15]، وقد بعث الرسول، وقال: وَأُوحِيَ إِلَيَّ هَذَا الْقُرْآنُ لِأُنذِرَكُمْ بِهِ وَمَنْ بَلَغَ [الأنعام:19]، فمن بلغه القرآن فقد قامت عليه الحجة، والعذر إنما يكون في أهل الفترات قبل بعثة الرسول، فقد بعث الله الرسول بالتوحيد والقرآن وكان يدعو إلى التوحيد وينهى عن الشرك، فلا عذر لأحد في ذلك، لكن يعذر الإنسان في الأمور الدقيقة الخفية التي يجهلها مثله كأهل الفترات البعيدين الذين لم يسمعوا القرآن.

    حكم اعتبار قول التابعي في مسألة غيبية

    السؤال: هل يعتبر قول التابعي حجة في إثبات مسألة غيبية كقول الحسن في المطر: إن مع كل قطرة ملكاً؟

    الجواب: لا يكفي هذا، وإنما إذا قال الصحابي قولاً في أمر من أمور الغيب التي لا مجال للرأي فيها وبشرط ألا يأخذ الصحابي عن بني إسرائيل، فيكون لقوله حكم الرفع، فمثلاً: ابن عباس كان يأخذ عن بني إسرائيل، فإذا ذكر أمراً غيبياً فيحتمل أنه أخذه عن بني إسرائيل.

    موضع حديث الرؤية في كتب السنة

    السؤال: نريد منكم أن تذكروا لنا موضع الحديث الذي فيه: (أنكم ترون ربكم كما ترون الشمس ساطعة

    الجواب: جاء في حديث جرير بن عبد الله البجلي : (إنكم ترون ربكم كما ترون القمر ليلة البدر لا تضامون في رأيته)، وهذا في صحيح البخاري ، وفي حديث أبي سعيد : (إنكم ترون ربكم كما ترون الشمس صحواً ليس دونها سحاب)، وارجع إلى الصحيحين وإلى السنن الأربع وانظر أحاديث الرؤية، وارجع إلى كتاب الروح لـابن القيم فإنه ساق أحاديث الرؤية وقال: رواها عن النبي ثلاثون صحابياً في الصحاح وفي السنن والمسانيد.

    المراد بالميزان في الآخرة

    السؤال: ما هو المراد بالميزان يوم القيامة؟

    الجواب: هو ميزان حسي عظيم له كفتان، وأطباقه كأطباق السموات والأرض؛ توزن فيها أعمال العباد، ويوزن فيه الأشخاص على حسب الأعمال.

    حكم من مات بحادث سيارة

    السؤال: الذي يتوفى بحادث سيارة هل يعتبر شهيداً؟

    الجواب: يرجى ذلك، وقد كان شيخنا سماحة الشيخ عبد العزيز بن باز رحمة الله عليه يقول: يرجى أن يكون الصدم مثل الهدم، وأن يكون ذلك الشخص مثل صاحب الهدم؛ لأنه الصدم قريب من الهدم.

    حكم السلام على ميت بعينه

    السؤال: هل يجوز السلام على ميت بعينه؟

    الجواب: نعم، يجوز ذلك إذا كنت تعرف موضعه، فتقول: السلام عليك يا فلان ورحمة الله وبركاته، غفر الله لك، وتترحم عليه وتدعو له، وتنصرف.

    حكم من قال بجواز تبديل الشرع بالقوانين الغربية

    السؤال: ما حكم من قال: إن تبديل الشرع بالقوانين الغربية ليس كفراً، وهل يصح أن نأخذ العلم عمن يقول هذا؟

    الجواب: لا يؤخذ العلم ممن يقول هذا، وإذا لم يكن استبدال الشريعة بالقوانين كفراً فماذا يكون؟ ولا يوجد أحد يقول بأن إبدال القوانين مكان الشرع من الإسلام، فالله تعالى يقول: وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِمَا أَنزَلَ اللَّهُ فَأُوْلَئِكَ هُمُ الْكَافِرُونَ [المائدة:44].

    وقد صادم الذين يقولون إن تبديل الشريعة بالقوانين ليس كفراً قول الله: وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِمَا أَنزَلَ اللَّهُ فَأُوْلَئِكَ هُمُ الْكَافِرُونَ ، بل هو كفر وظلم وفسق، وقد يكون هذا كفراً أكبر وقد يكون كفراً أصغر, فقد يكون الحاكم جاهلاً فلابد أن تقوم عليه الحجة.

    حكم التعاون مع الجماعات الإسلامية

    السؤال: بعض الناس ينتمون لبعض الجماعات الإسلامية، فهل يجوز التعاون معهم في الأعمال الخيرية مثلاً, أو غير ذلك من طرق التعاون؟

    الجواب: عليك أن تنظر في هذه الجماعات فإن كانت الجماعة على حق فتعاون معهم, وإن كانوا على باطل أو على بدعة فلا تتعاون معهم، والميزان في ذلك هو الشرع، فإذا أشكل عليك شيء فاسأل أهل العلم، واتصل بلجنة الإفتاء في المملكة العربية السعودية واسألهم عما أشكل عليك، أو سل أحد المفتين المعتبرين.

    بيان أن الأشاعرة أنكروا الجهة دون الرؤية

    السؤال: هل أنكر الأشاعرة رؤية الله عز وجل؟

    الجواب: الأشاعرة ما أنكروا الرؤية فقد أثبتوا الرؤية، وإنما أنكروا الجهة فقط, فيقولون: يرى وليس في جهة، والذين أنكروا الرؤية هم المعتزلة والجهمية.

    بيان أن المنافق لا يكون زنديقاً في جميع أحواله

    السؤال: كيف يكون الزنديق بمعنى المنافق, مع أن المنافقين كانوا كثيرين في عهد الصحابة والتابعين، والمؤلف قد نفى وجود المنافقين إلا بعد وجود أهل الكلام؟

    الجواب: ما نفى وجودهم, فالمؤلف يقول: إن النفاق موجود في عهد النبي صلى الله عليه وسلم وموجود بعد ذلك، ولكنه يقول: بعد ما حدث الكلام كثر النفاق في أهل الكلام، وليس معنى ذلك أنه لا يوجد قبل ذلك, فقد وجد النفاق في عهد الصحابة ووجد بعدهم، ولما كثر الكلام نشأ النفاق من الكلام والجدال والخصومة، وقد نهى عن الجدال والخصومة في الدين وفي الصفات وفي القدر؛ لأنه ينشأ منه النفاق.

    رؤية الله في الجنة

    السؤال: جاء حديث زيارة المؤمنين لله عز وجل في الجنة ورؤيتهم له، وهو قوله صلى الله عليه وسلم: (ثم يعودون إلى أهليهم فيقال: لقد ازددتم نوراً, فيقولون: رأينا ربنا) أو كما قال صلى الله عليه وسلم، فهل في هذا دليل على عدم رؤية النساء لله عز وجل؟

    الجواب: رؤية المؤمنين لربهم على حسب أعمالهم, فمنهم من يرى الله بكرة وعشياً، ويرون الله في يوم الجمعة، فيذهبون ويجلسون في مجالسهم فيتجلى لهم الرب عز وجل، فإذا احتجب عنهم سبحانه وتعالى فينصرفون إلى أهليهم، وإذا انصرفوا إلى أهليهم قال لهم أهلوهم وذووهم: ازددتم حسناً! قالوا: نعم، إنا جالسنا الجبار جل جلاله، لكن ليس معنى ذلك أن الرؤية مستمرة, فهم يرونه في يوم الجمعة، ويرونه على حسب أعمالهم، والسابقون المقربون منهم من يرى الله بكرة وأصيلاً.

    سبب إنكار الأشاعرة للأسباب

    السؤال: لماذا قالت الأشاعرة بإنكار الأسباب؟

    الجواب: لأنهم جبرية ويقولون بالجبر، فيقولون: لو قلنا بإثبات السبب لصار هناك شيء له تأثير مع الله، ونحن نقول: لا يوجد مؤثر إلا الله، فالأسباب ليس لها تأثير, حتى وصلوا إلى القول بأن العبد ليس له أفعال وأنه مجبور.

    التأويل الباطل يخرج صاحبه من أهل السنة والجماعة

    السؤال: هل تأويل بعض الأحاديث والآيات يخرج الإنسان من أهل السنة، كقوله صلى الله عليه وسلم: (الخلق عيال الله

    الجواب: إذا كان التأويل باطلاً فإنه يوصل إلى البدعة ويخرج الإنسان من أهل السنة والجماعة.

    وجود بدع الاعتقاد وبدع العبادات

    السؤال: هل هناك بدع في الاعتقاد وبدع في العبادة؟

    الجواب: نعم، يوجد بدعة في الاعتقاد مثل بدع الأشاعرة والمعتزلة والجهمية, وبدعة العبادات مثل أن ينطق الإنسان بالنية، والبدع متعددة ومتنوعة.

    حكم البدع

    السؤال: هل البدعة في الاعتقاد غير مغتفرة، والبدعة في العبادات مغتفرة، إن جاز لنا أن نقول إن هناك فرقاً؟

    الجواب: البدعة معصية، إذا كانت لا توصل إلى الكفر فهي معصية, وتختلف، فقد تغفر للعبد إذا كان جاهلاً بها.

    وعلى كل حال فالبدعة كبيرة، ومغفرة الكبائر تحت مشيئة الله.

    الفرق بين الإرادة الشرعية والكونية

    السؤال: ما هو الفرق بين الإرادة الشرعية والإرادة الكونية؟

    الجواب: الإرادة الكونية عامة للمؤمن والكافر, والإرادة الدينية أو الشرعية خاصة بالمؤمن, فالله تعالى أراد الإيمان كوناً وقدراً من أبي بكر , وأراد الكفر من أبي لهب شرعاً ولم يرده كوناً، فاجتمعت الإرادتان في حق أبي بكر وانفردت الإرادة الكونية في حق أبي لهب , فتجتمع الإرادتان في حق المؤمن وتنفرد الإرادة الكونية في حق الكافر.

    والإرادة الكونية لا يتخلف مرادها، والدينية قد تتحقق وقد لا تتحقق, فمن أراد الله منه الإيمان كوناً وقدراً لابد أن يؤمن, ومن أراد الله منه الإيمان ديناً وشرعاً قد يؤمن وقد لا يؤمن.

    حكم من عطل صفة من صفات الله وأقر بغيرها

    السؤال: ما حكم من عطل صفة من صفات الله سبحانه وأقر بباقي الصفات؟

    الجواب: هذا فيه تفصيل: فإن كان متأولاً فهو مبتدع، وإن كان جاحداً فهو كافر، كمن قال: ليس لله علم ولا قدرة ولا استواء, لكن من تأول الاستواء بمعنى الاستيلاء فهذا لا يكفر؛ لوجود الشبهة فالمتأول غير الجاحد.

    معنى الفطرة التي يولد عليها المولود

    السؤال: كيف نجمع بين أن الهداية فضل من الله, وبين أن كل مولد يولد على الهداية؟

    الجواب: كل مولود يولد على الفطرة وليس على الهداية, والفطرة تعني: أن يقر بربوبية الله ويميل إلى الخير، وهي الإسلام بمعناها العام.

    بيان أن الخوارج ليسوا كفاراً ولا بغاة

    السؤال: نرجو أن تبينوا لنا قول شيخ الإسلام في حكم الخوارج: إن الصواب أنهم ليسوا كفاراً كالمرتدين عن أصل الإسلام، وليسوا بغاة، بل هم نوع ثان؟

    الجواب: قال: إن الخوارج ليسوا كفاراً؛ لأنهم متأولون، فهم يتعبدون وهم متأولون، والصحابة عاملوهم معاملة الكفار, وهناك قول بكفرهم، وهو رواية عن الإمام أحمد.

    والبغاة: هم الذين يخرجون عن الإمام إذا فعل بعض المعاصي، والخوارج ليسوا منهم، والبغاة يختلفون عن الخوارج.

    كيفية الرد على أسئلة الأطفال المتعلقة بذات الله

    السؤال: بعض الأطفال يسألون آباءهم بكثرة عن ذات الله سبحانه, فكيف يرد عليهم؟

    الجواب: يرد عليهم بصفات الله, والقول بأن الله تعالى فوق العرش, وأن الله عليم بكل شيء, وقد قال عليه الصلاة والسلام: (تفكروا في صفات الله، ولا تتفكروا في ذات الله).

    كفر من استحل شيئاً معلوماً من الدين بالضرورة

    السؤال: إن من المعروف في زماننا وجود من يمنع الحجاب، ويستحل الدعارات, ويحارب السنة ويعذب أهلها, ويحكم بغير شرع الله، فهل هؤلاء فساق أم كفار؟

    الجواب: هذه علامات الكفر، فإذا استحل أمراً معلوماً من الدين بالضرورة فهو كافر, وأما إذا فعلها طاعة للهوى والشيطان فيكون عاصياً.

    مكتبتك الصوتية

    أو الدخول بحساب

    البث المباشر

    المزيد

    من الفعاليات والمحاضرات الأرشيفية من خدمة البث المباشر

    عدد مرات الاستماع

    3086718663

    عدد مرات الحفظ

    755950629