إسلام ويب

تفسير سورة غافر [60 - 64]للشيخ : أحمد حطيبة

  •  التفريغ النصي الكامل
  • يحث الله عباده المؤمنين أن يتوجهوا إليه بالدعاء، وسماه الله عبادة لأهميته ومنزلته العالية، وتوعد الله الذين يستكبرون عن دعائه وعن عبادته بنار مستعرة، ويذكر الله في مواضع كثيرة عباده بالنعم الكثيرة والخيرات الوفيرة التي أسبغها عليهم؛ امتناناً وفضلاً منه سبحانه وتعالى، حتى يعبدوه وحده ولا يشركوا به شيئاً.

    1.   

    تفسير قوله تعالى: (وقال ربكم ادعوني أستجب لكم...)

    بسم الله الرحمن الرحيم.

    الحمد لله رب العالمين، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، اللهم صل وسلم وبارك عليه وعلى آله وصحابته أجمعين.

    قال الله عز وجل في سورة غافر:

    وَقَالَ رَبُّكُمُ ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ إِنَّ الَّذِينَ يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبَادَتِي سَيَدْخُلُونَ جَهَنَّمَ دَاخِرِينَ * اللَّهُ الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ اللَّيْلَ لِتَسْكُنُوا فِيهِ وَالنَّهَارَ مُبْصِرًا إِنَّ اللَّهَ لَذُو فَضْلٍ عَلَى النَّاسِ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لا يَشْكُرُونَ * ذَلِكُمُ اللَّهُ رَبُّكُمْ خَالِقُ كُلِّ شَيْءٍ لا إِلَهَ إِلَّا هُوَ فَأَنَّى تُؤْفَكُونَ * كَذَلِكَ يُؤْفَكُ الَّذِينَ كَانُوا بِآيَاتِ اللَّهِ يَجْحَدُونَ * اللَّهُ الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ الأَرْضَ قَرَارًا وَالسَّمَاءَ بِنَاءً وَصَوَّرَكُمْ فَأَحْسَنَ صُوَرَكُمْ وَرَزَقَكُمْ مِنَ الطَّيِّبَاتِ ذَلِكُمُ اللَّهُ رَبُّكُمْ فَتَبَارَكَ اللَّهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ * هُوَ الْحَيُّ لا إِلَهَ إِلَّا هُوَ فَادْعُوهُ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ [غافر:60-65].

    لما أمر الله سبحانه وتعالى عباده في هذه الآيات بدعائه بقوله: وَقَالَ رَبُّكُمُ ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ [غافر:60]، وعد بالإجابة على الدعاء فقال: أَسْتَجِبْ لَكُمْ [غافر:60]، وأخبر عن الذين يستكبرون عن الدعاء فقال: إِنَّ الَّذِينَ يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبَادَتِي سَيَدْخُلُونَ جَهَنَّمَ دَاخِرِينَ [غافر:60]، فالمتكبر عن توحيد الله سبحانه، والمتكبر على ربه سبحانه هو الذي لا يدعوه ولا يطلب منه سبحانه وتعالى، والمتكبر على دين النبي صلى الله عليه وسلم لا يدخل فيه ولا يتابعه عليه.

    قال تعالى: سَيَدْخُلُونَ جَهَنَّمَ دَاخِرِينَ [غافر:60]، أي: سوف يدخلهم الله سبحانه نار جهنم، قال تعالى: يَوَمَ يُدَعُّونَ إِلَى نَارِ جَهَنَّمَ دَعًّا [الطور:13]، فيساقون إليها تسوقهم الملائكة فيدخلون جهنم وهم يدفعون إليها.

    وقوله: سَيَدْخُلُونَ جَهَنَّمَ [غافر:60]، هذه قراءة الجمهور، وقرئ: (سيُدخَلون جهنم) وهي قراءة ابن كثير وشعبة عن عاصم .

    أي: يدخلهم ربنا سبحانه أو تدخلهم الملائكة.

    وجهنم هي نار الآخرة، وسميت بذلك لبعد قعرها، فالحجر يلقى من فوق شفيرها ولا يصل إلى قعرها إلا بعد سبعين سنة، وقد خلقها الله عز وجل ليعذب بها من عصاه، نسأل الله العفو والعافية وأن يجيرنا من عذاب النار.

    قال تعالى: إِنَّ الَّذِينَ يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبَادَتِي [غافر:60]، أي: يستكبرون عن توحيد الله، وعن دعاء الله، وعن متابعة كتاب الله وسنة نبيه صلى الله عليه وسلم، سَيَدْخُلُونَ جَهَنَّمَ دَاخِرِينَ [غافر:60]، وقد أخبر النبي صلى الله عليه وسلم كيف يدخلون النار وأنهم يحشرون كأمثال الذر في صور الرجال، فالذي يستكبر ويرى نفسه كبيراً عن أن يتابع كتاب الله وسنة النبي صلى الله عليه وسلم، فاستكبر في نفسه، ووجد نفسه أكبر من الخلق، فالله يحقره ويذله ويهينه، ويجعله يوم القيامة مثل النملة، فيحشر على مثل هذه الصورة، والله يفعل ما يشاء سبحانه وتعالى، وقد جاء في الحديث الذي رواه الترمذي وهو حديث صحيح: (إن الله عز وجل يحشر المتكبرين كأمثال الذر في صور الرجال حتى يدخلهم نار الأنيار)، أي: أشد جزء في النار سعيراً والتهاباً يدخل الله عز وجل فيه المتكبرين عن عبادته سبحانه وتعالى.

    1.   

    تفسير قوله تعالى: (الله الذي جعل لكم الليل لتسكنوا فيه...)

    ثم أخبر الله عن نفسه سبحانه، وعن فضله على عباده، وعن قوته وقدرته سبحانه، فقال: اللَّهُ الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ اللَّيْلَ لِتَسْكُنُوا فِيهِ وَالنَّهَارَ مُبْصِرًا إِنَّ اللَّهَ لَذُو فَضْلٍ عَلَى النَّاسِ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لا يَشْكُرُونَ [غافر:61] فالله هو المستحق للعبادة وحده لا شريك له، فعبر عن ألوهيته بلفظ الجلالة (الله)؛ لأنه يفرد بالعبادة سبحانه، وعبر عن ربوبيته بقدرته سبحانه وخلقه وصنعه لهذه الأشياء، فالله هو الذي جعل لكم الليل لتسكنوا فيه، وكلمة (جعل) تأتي بمعان: فمن معانيها: الخلق، وهذا هو المقصود هنا، وقد تأتي بمعنى التصدير، أي: تصدير الشيء كذا، فإذا تعدت لمفعول واحد فهي بمعنى الخلق، وإذا تعدت لأكثر من مفعول فلها معنى آخر كما يذكر الله سبحانه وتعالى.

    قال تعالى: إِنَّا جَعَلْنَاهُ قُرْآنًا عَرَبِيًّا [الزخرف:3]، وهنا ليس معناها الخلق، فقد تعدت لمفعولين، والمعنى أي: جعله لتفهموه ولتعملوا به، فجعله لكم قرآناً عربياً، وهو كلامه سبحانه وتعالى، وهو صفة من صفاته سبحانه، فجعل الكلام عربياً لتفهموه، وقد خلق جميع الألسنة التي يتكلم بها الخلق فكلام الخلق مخلوق، وأما كلام الخالق سبحانه فهو صفة من صفاته.

    و(جعل) في هذه الآية: اللَّهُ الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ اللَّيْلَ [غافر:61] بمعنى الخلق، أي: خلق لكم الليل وخلق لكم النهار، فخلق لكم الليل رحمة بكم لتسكنوا فيه، قال تعالى: اللَّهُ الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ اللَّيْلَ لِتَسْكُنُوا فِيهِ وَالنَّهَارَ مُبْصِرًا [غافر:61]، رحمة من الله سبحانه، كما قال تعالى: وَهُوَ الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ اللَّيْلَ لِبَاسًا وَالنَّوْمَ سُبَاتًا وَجَعَلَ النَّهَارَ نُشُورًا [الفرقان:47].

    ومن رحمته سبحانه أنه علم ضعف خلقه، والخلق لا يقدرون أن يعيشوا في هذه الحياة الدنيا والواحد منهم مستيقظ دائماً، فلا يطيق ذلك ولا يقدر، فلو أن إنساناً ظل مستيقظاً أياماً كثيرة فقد يموت من عدم النوم، فجعل الله للعباد ما يتمكنون فيه من النوم، وما يتمكنون فيه من الخروج للمعاش، فجعل الليل سكناً ولباساً يغشيهم ويغطيهم ويخفيهم ويسترهم، فيقدر الرجل في الليل أن يختبئ في بيته، وأن يختفي عن الخلق، وأن يأتي ويعاشر أهله في خفاء عن غيرهم من الخلق، فيستر الله عز وجل عباده، وجعل َالنَّوْمَ سُبَاتًا [الفرقان:47]، أي: تنامون نوماً عميقاً فتستريحون بهذا النوم، وتقدرون على العمل بعد ذلك.

    وَجَعَلَ النَّهَارَ نُشُورًا [الفرقان:47]، أي: أحياكم بعد ما أماتكم في هذا الليل، فقمتم من نومكم وقد أخذتم قسطاً من الراحة، فنشركم الله سبحانه، أي: أعادكم مرة أخرى لليقظة وللحياة.

    قال تعالى: اللَّهُ الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ اللَّيْلَ لِتَسْكُنُوا فِيْه [غافر:61]، أي: من أجل أن تسكنوا فيه، فالسكون هو الهدوء، والعشرة، ويسكن الرجل إلى أهله، ويسكن إلى بيته، فجعل الليل لكم سكناً.

    قال تعالى: وَالنَّهَارَ مُبْصِرًا [غافر:61]، أي: شديد الإضاءة، ففي النهار تشتد الإضاءة الناتجة من الشمس التي خلقها الله عز وجل للعباد، فجعل النهار يبصر فيه العباد، ومن شدة إضاءته كان النهار نفسه الذي يبصر، والمعنى: أنه جعل لكم النهار لتبصروا فيه وتعرفوا مصالحكم، وينظر بعضكم إلى بعض، وهو آية من آيات الله سبحانه وتعالى.

    قال تعالى: إِنَّ اللَّهَ لَذُو فَضْلٍ عَلَى النَّاسِ [غافر:61]، دائماً يكون التعبير بالألوهية والربوبية؛ لبيان أن الرب هو الله المستحق للعبادة وحده، والمشركون كانوا يفرقون بين ذلك، فالربوبية يصرفونها لله، فلو سألهم سائل من خلق السماوات والأرض؟ لقالوا: الله، والألوهية يصرفونها لغير الله، فلو سألهم سائل من تعبدون؟ لقالوا: غير الله.

    فيخبر الله عن ربوبيته، فالرب هو الذي يخلق: فقد خلق السماوات، والأرضين، والليل والنهار، والإنسان، فالله هو الذي يخلق والذي يصنع ويفعل، قال سبحانه: أَفَمَنْ يَخْلُقُ كَمَنْ لا يَخْلُقُ [النحل:17]، أي: الذي يخلق تتركونه وتعبدون من لا يخلق، فهل يستوي الخالق مع المخلوق سبحانه وتعالى عما يقولون علواً كبيراً؟!

    فلفظ الجلالة (الله) من معانيه: أنه المعبود الذي يعبد سبحانه وتعالى، فالله هو المستحق لأن يؤله ويعبد سبحانه وتعالى، وهو هذا الرب الذي خلق والذي رزق والذي سوى كل شيء سبحانه.

    إِنَّ اللَّهَ لَذُو فَضْلٍ عَلَى النَّاسِ [غافر:61] أي: إن الله سبحانه وتعالى صاحب الفضل العظيم، فقد تفضل على عباده فأعطاهم وأوجدهم، وتفضل عليهم فأعطاهم ما يسكنون فيه، وما يتنعمون به، وما يعيشون فوقه، وجعل لهم الجنة جزاءً على حسن العمل، وجعل العقوبة بالنار جزاءً على الإساءة.

    قال تعالى: وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لا يَشْكُرُونَ [غافر:61]، فكل الناس يعرفون نعمة الله عز وجل عليهم، قال تعالى: وَإِنْ تَعُدُّوا نِعْمَةَ اللَّهِ لا تُحْصُوهَا إِنَّ اللَّهَ لَغَفُورٌ رَحِيمٌ [النحل:18]، فهو رءوف بالعباد فأعطاهم النعم، ولكن الإنسان ظلوم وكفار، يظلم نفسه ويجحد نعم الخالق سبحانه وتعالى، ولهذا قال: وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لا يَشْكُرُونَ [غافر:61]، فالقلة من الناس هم الذين يؤمنون، والكثير من الناس يغويهم الشيطان فلا يشكرون ربهم تبارك وتعالى.

    قال تعالى: َإِنْ تُطِعْ أَكْثَرَ مَنْ فِي الأَرْضِ يُضِلُّوكَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ [الأنعام:116]، وقال تعالى: وَمَا أَكْثَرُ النَّاسِ وَلَوْ حَرَصْتَ بِمُؤْمِنِينَ [يوسف:103]، فالأكثر من الناس في غفلة عن ربهم وعن نعم ربهم سبحانه، فإذا أعطاهم لا يشكرون، وإذا تفضل عليهم سبحانه لا يعرفونه، ولا يرجعون الفضل إليه، ولعل الإنسان ينسب الفضل إلى نفسه فيقول: بذكائي، وبقدرتي، وبكدي، وبتعبي، وبجهدي، فينسب لنفسه ما أعطاه الله سبحانه، فلا يشكر نعمة الله.

    لكن الإنسان المؤمن يحمد ربه ويشكره في كل أحواله، قال عليه الصلاة والسلام: (عجباً لأمر المؤمن إن أمره كله له خير، إن أصابته سراء شكر فكان خيراً له، وإن أصابته ضراء صبر فكان خيراً له)، فالمؤمن في كل أوقاته حامد لربه شاكر له، صابر على ما ابتلاه به.

    1.   

    تفسير قوله تعالى: (ذلكم الله ربكم خلق كل شيء ...)

    قال تعالى: ذَلِكُمْ اللَّهُ رَبُّكُمْ خَالِقُ كُلِّ شَيْءٍ لا إِلَهَ إِلاَّ هُوَ فَأَنَّا تُؤْفَكُونَ [غافر:62]، (ذلكم) اسم إشارة، ويشار به للشيء البعيد، وهنا وجه التعظيم، فالخطاب لكم أنتم، ولذلك قال: ذلك وفي آخرها ميم، وهذا الضمير يشير إليكم أنتم، فيخاطب المخاطبين بالجمع، ولذلك جاء الضمير مع اسم الإشارة (ذلك).

    قال تعالى: ذَلِكُمُ اللَّهُ خَالِقُ كُلِّ شَيْءٍ [غافر:62]، أي: ذلكم الله الذي صنع بكم هذا كله من النعم العظيمة، فهو الرب الذي يستحق أن يعبد وحده لا شريك له، قال تعالى: ذَلِكُمُ اللَّهُ رَبُّكُمْ [غافر:62]، أي: ربكم ورب غيركم، فهو رب السماوات ورب الأرض ورب كل شيء رب العالمين سبحانه وتعالى.

    قال تعالى: خَالِقُ كُلِّ شَيْءٍ [غافر:62]، فالله خلق السماوات وخلق الأرضين، وخلق ما تعلمون وما لا تعلمون، والله خالق كل شيء سبحانه وتعالى.

    قال تعالى: لا إِلَهَ إِلَّا هُوَ [غافر:62]، فانظر كيف يؤكد على الألوهية وعلى الربوبية، في التأكيد على أنه هو الذي يصنع، وهو الذي يخلق، وهو الذي يفعل، وهو الذي يستحق أن يعبد، فهو الإله سبحانه وتعالى، ويؤكد ذلك بذكر الله وبذكر الرب، وبذكر صفات الخالق سبحانه وتعالى وما يصنع، فقد قال: (ذَلِكُمُ اللَّهُ)، وفي هذا ذكر الألوهية، (رَبُّكُمْ)، وفي هذا ذكر الربوبية (خَالِقُ كُلِّ شَيْءٍ)، ذكر مقتضى الربوبية: أنه يخلق فهو الخالق وكل ما سواه مخلوق، (لا إِلَهَ إِلَّا هُوَ)، ذكر توحيد الألوهية وتقرير ذلك وتثبيت ذلك في قلوب المؤمنين أنه لا إله إلا هو سبحانه.

    قال تعالى: (فَأَنَّى تُؤْفَكُونَ)، أي: كيف تصرفون عن توحيده سبحانه وتعالى؟! وكيف تكذبون عليه وتجحدون ما يقوله لكم سبحانه؟! (فَأَنَّى تُؤْفَكُونَ)، أي: كيف تصرفون عن دلائل توحيده فتعبدون غيره وتكذبون عليه سبحانه؟!

    ومثل هذا الإفك العظيم كمثل ذلك العبد الذي صرف عن دين الله سبحانه وتعالى، فكل إنسان غاو بعيد عن الله سبحانه وتعالى فهو يجحد بآيات الله، وهو في هذا الإفك، وفي هذا الكذب، وهو في هذا الانصراف عن دلائل توحيد الله سبحانه وتعالى.

    1.   

    تفسير قوله تعالى: (كذلك يؤفك الذين كانوا بآيات الله يجحدون)

    قال تعالى: كَذَلِكَ يُؤْفَكُ الَّذِينَ كَانُوا بِآيَاتِ اللَّهِ يَجْحَدُونَ [غافر:63] (كَذَلِكَ يُؤْفَكُ) أي: يصرف عن توحيد الله وعن فهم آيات الله كل إنسان جاحد، والجحود للشيء عكس الإقرار به، فعندما تقر بالشيء أي: تعترف به كأن تعترف أن الله هو الخالق سبحانه، وأن الله هو الذي يستحق العبادة، ويجحد الشيء أي: ينكره مع العلم والمعرفة، كأن يأخذ إنسان منك وديعة فتقول له: هات ما عندك، فيجيب عليك بالإنكار أنه لم يأخذ منك شيئاً، فهو ينكر وهو يعلم أن هذا الشيء عنده، فهؤلاء يجحدون آيات ونعم الله وهم يعرفون ربهم سبحانه وتعالى، ففي قلب كل إنسان ما يدله على ربه سبحانه، وعلى توحيده سبحانه، ولكنه ينصرف ويجحد فيختم الله على قلبه، قال تعالى: كَذَلِكَ يُؤْفَكُ الَّذِينَ كَانُوا بِآيَاتِ اللَّهِ يَجْحَدُونَ [غافر:63].

    1.   

    تفسير قوله تعالى: (الله الذي جعل لكم الأرض قراراً والسماء بناء ...)

    قال تعالى: اللَّهُ الَّذِي جَعَلَ لَكُمْ الأَرْضَ قَرَاراً وَالسَّمَاءَ بِنَاءً وَصَوَّرَكُمْ فَأَحْسَنَ صُوَرَكُمْ وَرَزَقَكُمْ مِنْ الطَّيِّبَاتِ ذَلِكُمْ اللَّهُ رَبُّكُمْ فَتَبَارَكَ اللَّهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ [غافر:64] فنعم الله كثيرة جداً، وتأمل في كل نعمة من النعم كيف لو أنه لم يوجدها لكم، فلو لم يجعل لكم الأرض قراراً كيف ستعيشون؟ ولو لم يثبت لكم هذه الأرض في أعينكم وفي شعوركم والأرض تدور والشمس تجري، لو أنه جعلكم تشعرون بدوران الأرض هل كان من الممكن أن نعيش فوقها وهي تدور بنا ونحن نشعر بذلك؟! ولكن الله من فضله وكرمه أن جعل ذلك دون شعور منا، بل نظن أن هذه الأرض ثابتة لا تدور ولا تتحرك، فالجبال راسية عليها أن تميد بكم، لئلا تضطرب وتتحرك بكم، وهذا من نعم الله، قال تعالى: وَإِنْ تَعُدُّوا نِعْمَةَ اللَّهِ لا تُحْصُوهَا إِنَّ الإِنسَانَ لَظَلُومٌ كَفَّارٌ [إبراهيم:34]

    نسأل الله من فضله ورحمته إنه لا يملكها إلا هو.

    أقول قولي هذا وأستغفر الله العظيم.

    وصل اللهم وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.

    مكتبتك الصوتية

    أو الدخول بحساب

    البث المباشر

    المزيد

    من الفعاليات والمحاضرات الأرشيفية من خدمة البث المباشر

    الأكثر استماعا لهذا الشهر

    عدد مرات الاستماع

    3086718663

    عدد مرات الحفظ

    756015158