إسلام ويب

تفسير سورة الأحزاب الآية [35]للشيخ : أحمد حطيبة

  •  التفريغ النصي الكامل
  • ذكر الله سبحانه في سورة الأحزاب عشرة أصناف وعد الله بدخولهم الجنة ومغفرة ذنوبهم، ومنهم المتصدقون والمنفقون في سبيل الله، وقد حث الإسلام على الإحسان إلى الفقراء والمساكين ومراعاة أحوالهم.

    1.   

    ذكر عشرة أصناف وعد الله سبحانه بدخولهم الجنة

    أعوذ بالله السميع العليم من الشيطان الرجيم.

    بسم الله الرحمن الرحيم.

    الحمد لله رب العالمين، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، اللهم صل وسلم وبارك عليه وعلى آله وصحابته أجمعين.

    قال الله عز وجل في سورة الأحزاب: إِنَّ الْمُسْلِمِينَ وَالْمُسْلِمَاتِ وَالْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ وَالْقَانِتِينَ وَالْقَانِتَاتِ وَالصَّادِقِينَ وَالصَّادِقَاتِ وَالصَّابِرِينَ وَالصَّابِرَاتِ وَالْخَاشِعِينَ وَالْخَاشِعَاتِ وَالْمُتَصَدِّقِينَ وَالْمُتَصَدِّقَاتِ وَالصَّائِمِينَ وَالصَّائِمَاتِ وَالْحَافِظِينَ فُرُوجَهُمْ وَالْحَافِظَاتِ وَالذَّاكِرِينَ اللَّهَ كَثِيرًا وَالذَّاكِرَاتِ أَعَدَّ اللَّهُ لَهُمْ مَغْفِرَةً وَأَجْرًا عَظِيمًا [الأحزاب:35].

    يذكر الله سبحانه وتعالى في هذه الآية صفات ينبغي أن يتحلى بها كل إنسان مؤمن، وهي طاعة الله سبحانه وتعالى وطاعة رسول الله صلوات الله وسلامه عليه، والاتصاف بهذه الأوصاف العشرة التي ذكرها الله عز وجل في قوله تعالى: إِنَّ الْمُسْلِمِينَ وَالْمُسْلِمَاتِ [الأحزاب:35] إلى قوله سبحانه: وَالذَّاكِرِينَ اللَّهَ كَثِيرًا وَالذَّاكِرَاتِ [الأحزاب:35] والناظر في هذه الآية يجد صفات بعضها أعلى من بعض، والمفترض أن تكون جميعها في كل إنسان مؤمن يخاف الله سبحانه ويرجو رحمته.

    فمن يرد جنة الله فليتصف بذلك، أو ليكن فيه قدر عظيم من كل صفة.

    الصنف الأول والثاني المسلمون والمسلمات والمؤمنون والمؤمنات

    فهو المسلم الذي دخل في دين الله وأظهر شعائره سبحانه، وهو المؤمن الذي في قلبه الإيمان الذي يحركه، ويدفعه إلى أن يأتي جميع وجوه الخير والبر والإحسان.

    الصنف الثالث القانتون والقانتات

    وهو القانت لله سبحانه المذعن الخاشع له، وهو الذي يقوم في الصلاة باستقامة، فيتصل بربه سبحانه في صلاته، كما قال الله سبحانه: وَقُومُوا لِلَّهِ قَانِتِينَ [البقرة:238].

    الصنف الرابع الصادقون والصادقات

    الصادق مع نفسه، والصادق مع ربه، والصادق مع الخلق، فالصدق من الأمور الواجبة في دين الله سبحانه وتعالى، ومن صحة إيمان الإنسان أن يكون صادقاً في إيمانه، وصادقاً في قوله: (لا إله إلا الله)، وصادقاً في حبه لله سبحانه وفي حبه لرسول الله صلى الله عليه وسلم.

    كذلك من الصدق أن يكون صادقاً مع نفسه وصادقاً مع الخلق، فلا يرائي ولا ينافق ولا يسمع بهتاناً ولا يقول شيئاً ويقصد شيئاً آخر إلا أن يكون في حرب ونحوه، كذلك لا يجادل الناس، فإذا أخطأ رجع على نفسه باللوم، ورجع إلى ربه سبحانه وتعالى بالتوبة، واعتذر لمن أخطأ في حقه.

    والمؤمن الصادق لا يظهر شيئاً ويبطن خلافه؛ لأن صدق الكلام وصدق النية وصدق الإخلاص من علامات إيمان الإنسان الصادق مع ربه سبحانه.

    الصنف الخامس الصابرون والصابرات

    قال تعالى: وَالصَّابِرِينَ وَالصَّابِرَاتِ [الأحزاب:35] فهم صبروا على قضاء الله وقدره، وصبروا على أوامر الله فأطاعوه، وصبروا عن نواهي الله سبحانه فاجتنبوها، وانزجروا عنها وتركوها؛ لأنهم يخافون الله سبحانه وتعالى، وإيمانهم ولد في قلوبهم الخشية التي تدفعهم للرضا بقضاء الله سبحانه وقدره، فالإنسان قد يحزن لنزول بلاء به ولا مانع من ذلك، وقد يبكي من ذلك ولا مانع من ذلك أيضاً، لكن أن يتضجر أو أن يتسخط على الله أو أن يتلفظ بما لا يليق فهذا الذي يمنع منه.

    ومعلوم أن عين الإنسان تدمع، وقلبه يحزن، ولكن لسانه لا يتكلم إلا بما يرضي ربه سبحانه وتعالى، كما قال النبي صلى الله عليه وسلم، وقد مات ابنه إبراهيم وهو ينظر إليه: (إن العين لتدمع وإن القلب ليحزن ولا نقول إلا ما يرضي ربنا سبحانه وإنا لفراقك يا إبراهيم لمحزونون).

    فقوله تعالى: وَالصَّابِرِينَ وَالصَّابِرَاتِ [الأحزاب:35] أي: أن يصبر المؤمن وأن تصبر المؤمنة على البلاء إذا نزل، فلا تصرخ المرأة المؤمنة ولا تنوح، ولا تشق الجيب من شدة المصيبة التي نزلت بها، بل تصبر وتتصبر؛ لأن الله تعالى يقول: وَاسْتَعِينُوا بِالصَّبْرِ وَالصَّلاةِ وَإِنَّهَا لَكَبِيرَةٌ إِلَّا عَلَى الْخَاشِعِينَ [البقرة:45].

    فمن صفات الإنسان الخاشع أن يرجع إلى الله في مصيبته ويقول: إنا لله وإنا إليه راجعون، ولا يتكلم إلا بخير، فإذا وجد في نفسه شيء سكت عن الكلام وانتظر حتى يذهب عنه بعض ما هو فيه، ويشكر الله سبحانه ويقول: إنا لله وإنا إليه راجعون.

    والصابر إن صبر على فقد قريب فله عند الله عز وجل الأجر العظيم على صبره فقد يوفقه الله للقائه، فهو لا يدري متى يموت، وكم من إنسان فقد من يحبه ثم مات والتقى بمن يحبه؛ توفيقاً منه سبحانه؛ لذلك فالإنسان المؤمن يصبر لأمر الله سبحانه وتعالى.

    وقد علم الإمام الشافعي رحمه الله أن عبد الرحمن بن مهدي رحمه الله توفي ابن له، وعلم أنه حزن على فراق ابنه، فأرسل الإمام الشافعي إليه يعزيه ويقول له رحمه الله:

    إني معزيك لا أني على طمع من البقاء ولكن سنة الدين

    فما المعزى بباق بعد صاحبه ولا المعزي وإن عاشا إلى حين

    فالإنسان إذا حزن على فراق حبيب له قد يموت بعده، والفرقة لن تكون طويلة جداً، وإن عاش في الدنيا وصبر فله الأجر عند الله سبحانه.

    ونحن نعلم أن النبي صلى الله عليه وسلم مات، ومات الصحابة الأفاضل رضوان الله عليهم، فلابد أن نجعل النبي صلى الله عليه وسلم الأسوة الحسنة، ونقتدي به صلى الله عليه وسلم، فقد مات كل أولاده في حياته صلى الله عليه وسلم عدا فاطمة رضي الله تبارك وتعالى عنها، ماتت بعده، فكانت من أعظم الصابرين بعد النبي صلوات الله وسلامه عليه، كيف لا وهي التي فقدت أمها وجميع أخواتها وإخوتها في حياتها رضي الله عنها، وقد أوذي النبي صلى الله عليه وسلم بمكة وكان لا يجرؤ أحد أن يقرب منه وهو يؤذى من أهل مكة إلا فاطمة رضي الله عنها، فكانت تخرج لترفع عن أبيها صلوات الله وسلامه عليه ما ألقاه عليه الكفار من سلا بعير ونحوه، وترد عليهم وتشتمهم رضي الله تبارك وتعالى عنها.

    فأي صبر أعظم من صبر السيدة فاطمة رضي الله تبارك وتعالى عنها؟! هذه امرأة تقتدي النساء بها رضي الله عنها، لأنها اقتدت برسول الله صلوات الله وسلامه عليه.

    كذلك يصبر على الفتن التي يراها أمامه، ويواسي نفسه أنه غداً يلقى الله سبحانه وتعالى، كما كان الصحابة يقولون: غداً نلقى الأحبة محمداً وصحبه.

    وكل مصيبة لا بد أن تنقضي، فليس هناك شيء يدوم، فإما أن تزول المصيبة وإما أن يموت الإنسان ويستريح من الدنيا وما فيها، كذلك يستعين الإنسان على الصبر بكثرة قراءته لكتاب الله سبحانه وسنة النبي صلى الله عليه وسلم.

    الصنف السادس الخاشعون والخاشعات

    قوله تعالى: وَالْخَاشِعِينَ وَالْخَاشِعَاتِ [الأحزاب:35] فيتعلم الإنسان الخشوع إذا قرأ القرآن، ويستحضر المعاني العظيمة والجليلة في كتاب الله عز وجل، وإذا قرأ القرآن بكى، فإن لم يبك تباك ويقتدي بفعل النبي صلى الله عليه وسلم، فإنه كان يقرأ القرآن ويسمع لصدره أزيز صلوات الله وسلامه عليه من بكائه وخوفه من الله سبحانه وتعالى.

    ويفعل الإنسان ذلك شيئاً فشيئاً حتى يرق قلبه؛ بكثرة قراءته للقرآن، وقراءته لسنة النبي صلى الله عليه وسلم، وسيرته الطيبة العظيمة، وبكثرة استغفاره ربه سبحانه وتعالى، فبذكر الله تطمئن القلوب وترق.

    وإذا أراد الإنسان أن يخشع ويرق قلبه فليستشعر جلال الله سبحانه، وعظمته سبحانه، وينظر إلى الفقراء وإلى الأيتام ويمسح على رءوسهم، كما قال النبي صلى الله عليه وسلم: (إن أردت أن يرق قلبك فاربت على رأس اليتيم).

    والذي لا ينهر المسكين، ولا الأرملة، ولا ينهر الذي يطلب منه شيئاً من معونة ونحوها يرق قلبه، ويخشع لله سبحانه وتعالى.

    والإسلام دين عمل وتطبيق، فتطبق ما يقوله الله سبحانه، ليس كلاماً فقط، فكم من إنسان يتكلم عن الرقة وعن الخشوع ولا يرق قلبه ولا يبكي من خشية الله سبحانه وتعالى، وكم من إنسان يتكلم عن المساكين وعن الأيتام وعن الأرامل، فإذا جاءه المسكين أو اليتيم أو الأرملة نهره ولم يعطه شيئاً وقد يكون المال معه.

    وأبأس من هذا البائس من يكون لديه مال لغيره فيبخل به عن اليتيم وعن المسكين وعن الأرملة وعمن يحتاج، بل محروم من خير الله سبحانه من يأتيه مسكين يطلب منه شيئاً وهو يقدر أن يعينه ويعلم أنه مسكين ويحرمه ولا يعطيه.

    وأبأس من هذا من معه مال لغيره قد وكله في توزيعه على الفقراء، فيأتيه الفقير والمسكين فلا يعطيه شيئاً.

    إن الخشوع والخوف من الله عز وجل شيئان لا يقالان باللسان وإنما يخرجان من القلب ويصدقهما عمل الإنسان.

    لقد أوقفتني هذه الآية مع شيء حدث، وهو أن جاءت امرأة مسكينة إلى المسجد وابنها محتاج إلى نقل دم وتقول: إن ابنها في القاهرة يريد أن يعمل عملية في القلب، وهي تحتاج إلى مال، فلم يعطها أحد شيئاً، وبعد أيام أعطاها أحد الإخوة مالاً لذلك، فلما جاء إليها مات ابنها، وجاءت تطلب كفناً من أحد يعينها.

    فلم تجد أحداً في المسجد، ومن الناس من يقول لها: الأكفان في المخزن، لكن الأكفان كبيرة، فلم تجد كفناً على مقاسه؛ فحزنت جداً مما حدث، هذه امرأة وابنها ميت وتريد كفناً، فيقال لها: إن الأكفان الموجودة في المسجد كبيرة، وهذه مأساة، فقد كان بإمكانها أن تأخذ كفناً كبيراً وتقصه وترمي ما بقي منه بعيداً أو تتصدق به.

    فلابد للإنسان أن ينظر للفقير ويضع نفسه مكانه، فالطبيب الجراح قد تعود على أن يعمل عمليات جراحية؛ لذلك فإن قلبه شديد.

    وكذلك الإنسان الذي يتعامل مع الفقراء والمساكين فمن كثرة تعوده على أن يأتي الفقراء والمساكين إليه يصبح الأمر بالنسبة له سهلاً، فأين رقة القلب؟ وأين الخوف من الله سبحانه.

    لكن إذا جاء الفقير أو المسكين الذي يكذب على الناس فجزاء أمثال هؤلاء أن لا أحد يعطيهم شيئاً، لكن الإنسان الذي ابنه في المستشفى وهو مريض محتاج ولا يسأل الناس فهذا الذي يستحق أن يعطى.

    وإذا مات إنسان فإن تكفينه ودفنه فرض كفاية، وإذا لم يقم به أحد أثم الجميع، وإذا لم يكن هناك مقبرة فلابد أن يتعاون الجميع على دفنه وإلا يأثم الجميع على ذلك؛ لأن هذه من فروض الكفاية التي تدرس في أحكام الجنائز.

    ولا يستحق الإعانة من يقف على باب المسجد، فهم كذابون وأدعياء، وقد يكونون خاطفين للأطفال، فمثل هؤلاء لا نساعدهم.

    ومن الناس من يدافع عنهم، وهل يدافع عن إنسان تارك للصلاة؟! حيث إن الناس يصلون وهو واقف خارج المسجد لا يصلي، وينتظر الناس حتى إذا أتموا الصلاة أخذ يطلب منهم، فليس هذا المسكين الذي نقصده، إنما المسكين والفقير هو الإنسان المحتاج الذي تعرفه، قال تعالى: تَعْرِفُهُمْ بِسِيمَاهُمْ لا يَسْأَلُونَ النَّاسَ إِلْحَافًا [البقرة:273] ولقد رأيت امرأة مسكينة جاءت تطلب وهي تحكي قصتها، وبجوارها أحد الإخوة الأفاضل يسمع قصتها ويبكي لبكائها.

    فأنت تتقرب إلى الله عز وجل بإعانة هؤلاء، وتطلب الجنة من الله بهم فلا يكن قلبك قاسياً، إذا جاءك الفقير لا تعطيه شيئاً، فإن هذا لا يليق أبداً ولا نحب أن نسمع مثل هذا أبداً.

    وكم من إنسان كان يطلب من الناس وصار مليونيراً بعد ذلك، والله أعلم متى تتقلب الموازين؛ لذلك فإن رقة القلب وخشوعه يدفع الإنسان للعمل، ويدفعه إلى أن يشفق على المحتاج.

    الصنف السابع المتصدقون والمتصدقات

    فقوله تعالى: وَالْخَاشِعِينَ وَالْخَاشِعَاتِ [الأحزاب:35] عقبها الله بقوله: وَالْمُتَصَدِّقِينَ وَالْمُتَصَدِّقَاتِ [الأحزاب:35] فلن يتصدق الإنسان إلا إذا كان في قلبه الخشوع لله سبحانه والخوف من العذاب ومن العقوبة ومن السؤال يوم القيامة.

    ومن الأسئلة يوم القيامة: جاءك فلان يطلب منك كذا فلم تعطه، وطلب فلان منك كذا فلم تعطه، ومرض عبدي فلان فلم تعده، ومات فلان فلم تصل عليه، فماذا يكون الجواب على ذلك؟ فأعدوا للسؤال جواباً واحذروا من غضب الله سبحانه وتعالى، واخشعوا لله كما أمر.

    نسأل الله عز وجل أن يعيننا على ذكره وشكره وحسن عبادته، أقول قولي هذا وأستغفر الله العظيم، وصل اللهم وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.

    مكتبتك الصوتية

    أو الدخول بحساب

    البث المباشر

    المزيد

    من الفعاليات والمحاضرات الأرشيفية من خدمة البث المباشر

    عدد مرات الاستماع

    3086718663

    عدد مرات الحفظ

    756004990