إسلام ويب

تفسير سورة الفرقان [34 - 40]للشيخ : أحمد حطيبة

  •  التفريغ النصي الكامل
  • يحشر الله الكافرين إلى جهنم على وجوههم يوم القيامة، فهم شر مكاناً وأضل عن سواء السبيل، ويحشر المؤمنين إلى الجنة، فهم في خير مكان وأحسن مقيل، وقد أشار الله سبحانه في سورة الفرقان إلى الأمم السابقة وتكذيبهم لأنبيائهم وإهلاكه سبحانه لهم.

    1.   

    تفسير قوله تعالى: (الذين يحشرون على وجوههم إلى جهنم ...)

    الحمد لله رب العالمين، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، اللهم صل وسلم وبارك عليه وعلى آله وصحابته أجمعين.

    قال الله عز وجل في سورة الفرقان: الَّذِينَ يُحْشَرُونَ عَلَى وُجُوهِهِمْ إِلَى جَهَنَّمَ أُوْلَئِكَ شَرٌّ مَكَانًا وَأَضَلُّ سَبِيلًا * وَلَقَدْ آتَيْنَا مُوسَى الْكِتَابَ وَجَعَلْنَا مَعَهُ أَخَاهُ هَارُونَ وَزِيرًا * فَقُلْنَا اذْهَبَا إِلَى الْقَوْمِ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِآيَاتِنَا فَدَمَّرْنَاهُمْ تَدْمِيرًا * وَقَوْمَ نُوحٍ لَمَّا كَذَّبُوا الرُّسُلَ أَغْرَقْنَاهُمْ وَجَعَلْنَاهُمْ لِلنَّاسِ آيَةً وَأَعْتَدْنَا لِلظَّالِمِينَ عَذَابًا أَلِيمًا * وَعَادًا وَثَمُودَ وَأَصْحَابَ الرَّسِّ وَقُرُونًا بَيْنَ ذَلِكَ كَثِيرًا * وَكُلًّا ضَرَبْنَا لَهُ الأَمْثَالَ وَكُلًّا تَبَّرْنَا تَتْبِيرًا [الفرقان:34-39]، وَما أَرْسَلْنَا قَبْلَكَ مِنْ الْمُرْسَلِينَ إِلاَّ إِنَّهُمْ لَيَأْكُلُونَ الطَّعَامَ وَيَمْشُونَ فِي الأَسْوَاقِ وَجَعَلْنَا بَعْضَكُمْ لِبَعْضٍ فِتْنَةً أَتَصْبِرُونَ وَكَانَ رَبُّكَ بَصِيراً [الفرقان:20].

    يخبر الله سبحانه وتعالى في هذه الآيات من سورة الفرقان عن قوم يحشرهم الله يوم القيامة على وجوههم، وهم الكفار الذين كذبوا بآيات الله سبحانه وكفروا بلقائه، فأخبر أن حشرهم يوم القيامة يكون كذلك: الَّذِينَ يُحْشَرُونَ عَلَى وُجُوهِهِمْ [الفرقان:34].

    فالإنسان يوم القيامة يبعثه الله عز وجل من قبره ويحشره إلى يوم القيامة، ويجمع الله عز وجل الخلق كلهم فيقفون في صعيد واحد، فإذا انتهى الحساب، يساق أهل النار إلى النار، ويدخل أهل الجنة الجنة، فأهل النار يدخلون النار على هذا الحال والعياذ بالله، إذ يحشرون على وجوههم إلى جهنم، فيدفعون ويكبون على وجوههم، فيتقون النار بوجوههم والعياذ بالله.

    جاء في حديث الصحيحين من حديث أنس بن مالك : أن رجلاً سأل النبي صلى الله عليه وسلم فقال: يا نبي الله! يحشر الكافر على وجهه يوم القيامة؟ فقال النبي صلى الله عليه وسلم: (أليس الذي أمشاه على رجليه في الدنيا قادراً على أن يمشيه على وجهه يوم القيامة؟) بلى، فالله على كل شيء قدير.

    فالإنسان في الدنيا يتقي الأشياء بكفه، وسمي الكف كفاً؛ لأنه يكف بها عن نفسه، أي: يدفع بها عن نفسه، فعندما يسقط يتكئ بيده، وعندما ترميه بحجر يتقيها ويكفها بيده، أما في نار جنهم فلا يقدر على ذلك، وإنما يكف عن نفسه بوجهه، فيمشي في نار جهنم وبدلاً من المشي على رجليه يزحف على وجهه، والله على كل شيء قدير، فهؤلاء الكفار الذين كذبوا في الدنيا، وأعرضوا عن النبي صلوات الله وسلامه عليه، وجادلوا بالباطل، هذا مصيرهم يوم القيامة، فهم يحشرون على وجوههم إلى جهنم، قال تعالى: أُوْلَئِكَ شَرٌّ مَكَانًا [المائدة:60]، يعني: هذا المكان الذي هم فيه هو شر مكان، فهو المكان الرديء الخبيث، وهو المكان الذي يستحقونه: جَزَاءً وِفَاقًا [النبأ:26].

    وإذا كان هؤلاء شر مكاناً فإن أهل الجنة هم خير مكاناً، فإن الله عز وجل يكرمهم ويحشرهم إلى الجنة ركوباً أو مشياً، أو كما يشاء الله سبحانه وتعالى، فيدخلهم جنته بفضله وبرحمته، أما أهل النار فإن الله يقول فيهم: أُوْلَئِكَ شَرٌّ مَكَانًا وَأَضَلُّ عَنْ سَوَاءِ السَّبِيلِ [المائدة:60].

    فهم شر في المكان وأضل عن السبيل، أي: ابتعدوا عن الطريق الحق، ولم يمشوا في طريق الهدى، فتاهوا وضلوا، وكذلك أضلهم الله عز وجل عن طريق الجنة، فإذا بهم يدخلون النار، فهم أضل عن السبيل في الدنيا، وأضل يوم القيامة، فيضلون طريقهم فيذهبون إلى النار.

    1.   

    تفسير قوله تعالى: ( ولقد آتينا موسى الكتاب ... فدمرناهم تدميراً )

    ثم يخبرنا ربنا سبحانه: وَلَقَدْ آتَيْنَا مُوسَى الْكِتَابَ وَجَعَلْنَا مَعَهُ أَخَاهُ هَارُونَ وَزِيرًا * فَقُلْنَا اذْهَبَا إِلَى الْقَوْمِ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِآيَاتِنَا فَدَمَّرْنَاهُمْ تَدْمِيرًا [الفرقان:35-36].

    هذه السورة من السور المكية، ففي السور المكية خصائص معروفة منها: تقرير أمر العقيدة، وتقرير أمر توحيد الله سبحانه وتعالى، والإيمان باليوم الآخر، والإيمان بالجنة والإيمان بالنار، وذكر أهل الجنة وذكر أهل النار، كذلك يقص على نبينا صلى الله عليه وسلم في السور المكية قصص المرسلين عليهم الصلاة والسلام وتكذيب أقوامهم لهم، إما بإطالة واستفاضة، وإما باختصار وتفصيل، فهنا يذكر الله عز وجل إشارات إلى ذلك، فإنك لست وحدك الذي أوذيت في الله سبحانه أو الذي كذبك قومك، بل من قبلك موسى وغيره عليهم الصلاة والسلام، قد كذبهم أقوامهم.

    قال الله تعالى: وَلَقَدْ آتَيْنَا مُوسَى الْكِتَابَ [الفرقان:35]، أي: المعهود المعروف وهو التوراة، وقوله تعالى: وَجَعَلْنَا مَعَهُ أَخَاهُ هَارُونَ وَزِيرًا [الفرقان:35]، أي: جعلنا له معيناً أخاه هارون، دعا موسى ربه سبحانه أن يشد أزره بأخيه، ويجعله معه وزيراً، فاستجاب الله سبحانه وتعالى، لما قال: هَارُونَ أَخِي * اشْدُدْ بِهِ أَزْرِي * وَأَشْرِكْهُ فِي أَمْرِي * كَيْ نُسَبِّحَكَ كَثِيرًا * وَنَذْكُرَكَ كَثِيرًا * إِنَّكَ كُنْتَ بِنَا بَصِيرًا * قَالَ قَدْ أُوتِيتَ سُؤْلَكَ يَا مُوسَى [طه:30-36]، فاستجاب له ربه سبحانه، وجعل معه أخاه هارون وزيراً.

    قال سبحانه: وَلَقَدْ آتَيْنَا مُوسَى الْكِتَابَ [الفرقان:35]، أي: التوراة؛ وقوله تعالى: وَجَعَلْنَا مَعَهُ أَخَاهُ هَارُونَ وَزِيرًا [الفرقان:35]، والوزير بمعنى: المعين والمساعد، أي: فجعلناه معه معيناً ومساعداً يحمل معه أثقال الدعوة إلى الله سبحانه وتعالى.

    قال الله تعالى: فَقُلْنَا اذْهَبَا [الفرقان:36]، يأمر الله موسى وهارون: اذْهَبَا إِلَى الْقَوْمِ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِآيَاتِنَا [الفرقان:36]، أي: اذهبا إلى فرعون وملئه، قال: فَدَمَّرْنَاهُمْ تَدْمِيرًا [الفرقان:36].

    واختصر القصة جداً هنا في هذه السورة، إشارة فقط إلى أنك إذا كذبك قومك، فليس هذا بجديد، بل هم ينتظرون ما جاء لفرعون وجنوده من عند رب العالمين سبحانه، فقد كذبوا فدمرناهم، وكذلك هؤلاء، إن كذبوا وأعرضوا فنحن نفعل بهم ذلك، أو يرحم سبحانه وتعالى ويفعل ما يشاء، قال: فَقُلْنَا اذْهَبَا إِلَى الْقَوْمِ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِآيَاتِنَا فَدَمَّرْنَاهُمْ تَدْمِيرًا [الفرقان:36]، أي: إلى هؤلاء القوم فدعوهم إلى الله سبحانه، فلما كذبوا الرسل دمرناهم تدميراً، وعرفنا كيف أن الله سبحانه أغرق فرعون وجنوده في اليم فكان تدميرهم بإغراقهم وإهلاكهم، فرعون وقول: آمَنْتُ أَنَّهُ لا إِلَهَ إِلَّا الَّذِي آمَنَتْ بِهِ بَنُوا إِسْرَائِيلَ وَأَنَا مِنَ الْمُسْلِمِينَ [يونس:90]، فلم ينفعه إيمانه في وقت غرقه هو ومن معه.

    1.   

    تفسير قوله تعالى: ( وقوم نوح لما كذبوا الرسل أغرقناهم ... )

    ومن قبل ذلك أول المكذبين قوم نوح، فقد كذبوا الرسل، قال تعالى: وَقَوْمَ نُوحٍ لَمَّا كَذَّبُوا الرُّسُلَ أَغْرَقْنَاهُمْ وَجَعَلْنَاهُمْ لِلنَّاسِ آيَةً [الفرقان:37].

    فذكر الله أول من أهلك الله عز وجل، وآخر من أهلك الله سبحانه وتعالى قبل النبي صلوات الله وسلامه عليه، فكان قوم موسى الذين كذبوا، فأغرق الله عز وجل فرعون وجنوده، ومن قبل ذلك أول من أهلك الله سبحانه وتعالى من القرون قوم نوح، قال: وَقَوْمَ نُوحٍ [الفرقان:37]، يعني: واذكر قوم نوح لَمَّا كَذَّبُوا الرُّسُل [الفرقان:37]، مع أن رسولهم نوح فقط، الذي جاءهم من عند رب العالمين سبحانه، فدعاهم إلى الله ليل نهار، والذي يكذب رسولاً واحدا فمعناه: أنه مكذب لجميع الرسل، فإن دعوة الرسل دعوة واحدة إلى رب العالمين سبحانه، فهم يدعون إلى عبادة الله وحده لا شريك له، ويدعون إلى الإيمان بالله سبحانه، ويأخذون على الأقوام العهود والمواثيق، آمنوا بالله سبحانه، فإن جاءكم رسول مصدقٌ لما معكم فآمنوا بهذا الرسول، فالإيمان بالله عز وجل مقتضاه: أن تؤمن بالله وملائكته وكتبه ورسله واليوم الآخر والقضاء والقدر خيره وشره، حلوه ومره، فإذا كذب الإنسان رسولاً واحداً فقد كذب بالرسالة، وكذب بكل ذلك، فلذلك جعلهم الله عز وجل مكذبين لجميع رسله، قال تعالى: وَقَوْمَ نُوحٍ لَمَّا كَذَّبُوا الرُّسُل [الفرقان:37]، وقد قام فيهم نوح عليه الصلاة السلام ألف سنة إلا خمسين عاماً يدعوهم إلى الله عز وجل، قال تعالى: قَالَ رَبِّ إِنِّي دَعَوْتُ قَوْمِي لَيْلًا وَنَهَارًا [نوح:5]، أي: بالليل يدعوهم، وبالنهار يدعوهم، وبالسر يدعوهم، وبالجهر يدعوهم، وأمام الناس يدعوهم، وفي الخفاء يدعوهم، وهم لا يستجيبون لله سبحانه وتعالى، فاستحقوا أن يغرقهم الله سبحانه، فكأن ذكر فرعون وذكر قوم نوح المقصود منه: بيان الإغراق، فقد أغرق الله عز وجل قوم نوح وأغرق قوم فرعون، فجاء العذاب من عند رب العالمين على صورة واحدة، وإن كان هذا الإغراق لقوم نوح إغراقاً عاماً، فالإغراق لفرعون وجنوده كان خاصاً، أما قوم نوح فقد أمر الله عز وجل الأرض أن يخرج منها الماء، وأمر السماء أن ينزل منها الماء، فأغرق من على وجه الأرض، إلا من كان في السفينة مع نوح، أما فرعون فقد أغرقه الله عز وجل وجنوده في اليم كما عرفتم في قصته، قال تعالى: أَغْرَقْنَاهُمْ وَجَعَلْنَاهُمْ لِلنَّاسِ آيَةً [الفرقان:37]، أي: جعلناهم عظة وعبرة للناس وللخلق جميعهم، فقوم نوح أغرقوا جميعهم، ولم يعش بعدهم إلا المؤمنون فقط، فالكفار جميعهم أهلكهم الله سبحانه، والمؤمنون يحدثون الذين من بعدهم، أنهم كانوا قوماً كافرين أغرقهم الله سبحانه وتعالى، فأخبروا عن ذلك إخبار صدق، فقد أخبر الله عز وجل، وأخبر نبيهم عليه الصلاة السلام، وأخبر بذلك المؤمنون، فكانت عبرة وعظة للخلق جميعهم.

    وقوله تعالى: وَجَعَلْنَاهُمْ لِلنَّاسِ [الفرقان:37]، أي: لجميع الناس آيَةً وَأَعْتَدْنَا لِلظَّالِمِينَ عَذَابًا أَلِيمًا [الفرقان:37]، أي: فقد جهز الله عز وجل وأعد لهم العذاب الشديد.

    1.   

    تفسير قوله تعالى: وعاداً وثمود وأصحاب الرس ... )

    وهنا يذكر لنا عاداً وثمود: وَعَادًا وَثَمُودَ وَأَصْحَابَ الرَّسِّ وَقُرُونًا بَيْنَ ذَلِكَ كَثِيرًا [الفرقان:38].

    يذكر الله عز وجل إشارات في هذه السورة، فنحن نرى أنه في سورة الأعراف مثلاً وفي سورة هود يطيل في ذكر قصصهم، وهنا يشير إشارات إلى هؤلاء، فيقول للنبي صلى الله عليه وسلم: قد كذب قوم نوح فأهلكناهم، وكذب قوم موسى فأهلكناهم، وكذبت عاد فأهلكناهم، وكذبت ثمود فأهلكناهم، وكذب أصحاب الرس فأهلكناهم، وهؤلاء جميعهم يذكرهم الله سبحانه وتعالى مطمئناً للنبي صلى الله عليه وسلم أن الله على كل شيء قدير، وأنه قادرٌ على أن يهلك هؤلاء أيضاً إذا أصروا على عنادهم وتكذيبهم للنبي صلى الله عليه وسلم، قال تعالى: وَعَادًا وَثَمُودَ وَأَصْحَابَ الرَّسِّ [الفرقان:38]، وثمود يجوز فيها الصرف، ويجوز عدم الصرف فيها؛ فلذلك تقرأ بقراءتين هنا: وَعَادًا وَثَمُودَ وَأَصْحَابَ الرَّسِّ [الفرقان:38].

    والقراءة الأخرى: (وَعَادًا وَثَمُودَّاً وَأَصْحَابَ الرَّسِّ )، بالنصب فيها والتنوين.

    فقراءة حفص عن عاصم وحمزة ويعقوب أيضاً: وَعَادًا وَثَمُودَ وَأَصْحَابَ الرَّسِّ [الفرقان:38]، وباقي القراء يقرءون: وَعَادًا وثموداً وَأَصْحَابَ الرَّسِّ وَقُرُونًا بَيْنَ ذَلِكَ كَثِيرًا.

    فعادٌ أرسل الله عز وجل إليهم هوداً، قال تعالى: وَإِلَى عَادٍ أَخَاهُمْ هُودًا قَالَ يَا قَوْمِ اعْبُدُوا اللَّهَ مَا لَكُمْ مِنْ إِلَهٍ غَيْرُهُ [الأعراف:65].

    ثم ذكرهم بنعم الله عز وجل عليهم، وقال: أَتَبْنُونَ بِكُلِّ رِيعٍ آيَةً تَعْبَثُونَ * وَتَتَّخِذُونَ مَصَانِعَ لَعَلَّكُمْ تَخْلُدُونَ [الشعراء:128-129].

    وذكرهم بنعم الله عز وجل عليهم وقال لهم: إن الله عز وجل قد أَمَدَّكُمْ بِأَنْعَامٍ وَبَنِينَ * وَجَنَّاتٍ وَعُيُونٍ * إِنِّي أَخَافُ عَلَيْكُمْ عَذَابَ يَوْمٍ عَظِيمٍ [الشعراء:133-135]، ومع ذلك لم يصدقوا، بل كذبوا رسولهم عليه الصلاة السلام، فجاء العذاب من عند رب العالمين فأهلكهم الله سبحانه وتعالى. وقوله تعالى: وَثَمُودَ [الفرقان:38]، أي: قوم صالح، فعاد كانوا في جنوب الجزيرة، يبنهم وبين اليمن، وثمود في شمال الجزيرة بينهم وبين الشام، ففي رحلة الشتاء والصيف يذهبون إلى اليمن ويذهبون إلى الشام، ويمرون على ديار ثمود، ويمرون على قوم عاد، فيعرفون هؤلاء، ويعرفون كيف أهلكهم الله سبحانه.

    فقوم صالح الذين كذبوا صالحاً عليه الصلاة والسلام، دعاهم إلى الله، وتنطعوا وطلبوا آية يرونها أمامهم، وكانت الآية التي أرادوها ناقة تخرج من الجبل، فانشق الجبل وخرجت منه ناقة، والناقة معها فصيلها، وآتاهم الله عز وجل هذه الآية، بعد أن أخذ منهم العهود والمواثيق أنهم إن جاءتهم الآية يؤمنون بها، فلما رأوا الآية كادوا يؤمنون، ولكن كاد القوم بعضهم لبعض فإذا بهم يكفرون ويجحدون ويعقرون الناقة، فجاء العذاب من عند رب العالمين سبحانه، فأهلك الجميع بعدما أهلكوا الناقة، وأرادوا قتل نبيهم عليه الصلاة والسلام، فجاءهم العذاب كما عرفنا.

    وقوله تعالى: وَأَصْحَابَ الرَّسِّ [الفرقان:38]، هم قوم من الأقوام ذكرهم الله عز وجل بهذه الإشارة: أصحاب الرس، وقد ذكر كثير من المفسرين أن أصحاب الرس بمعنى: البئر، فقالوا: هم قوم أرسل الله عز وجل إليهم نبياً فدعاهم إليه، فكذبوه وأخذوه فرسوه في البئر، يعني أخذوه وحطوه في البئر، وأقفلوا عليه البئر، فأهلكهم الله سبحانه وتعالى، وأشار إليهم هنا أنهم أصحاب الرس، قال تعالى: وَقُرُونًا بَيْنَ ذَلِكَ كَثِيرًا [الفرقان:38] أي: قرون كثيرة وأمم عظيمة منهم من قصصهم على النبي ومنهم قصصنا عليك ومنهم من لم نقصص عليك، وليس كل الأنبياء ولا كل الرسل يذكرهم الله عز وجل، بل الكثيرون جداً جداً من الأنبياء والكثيرون من الرسل لم يذكرهم لنا ربنا سبحانه وتعالى في كتابه، إلا عدداً محصوراً محدوداً لبيان أنه قد وعظ الخلق وأقام عليهم الحجج، وأنه أرسل الرسل عليهم الصلاة والسلام يدعون الأقوام إلى الله، فكذبوا رسل الله فأهلكهم سبحانه، فقوله سبحانه: وَقُرُونًا [الفرقان:38]، أي: أمماً بَيْنَ ذَلِكَ كَثِيرًا [الفرقان:38] أي: بين نوح وبين النبي صلى الله عليه وسلم.

    1.   

    تفسير قوله تعالى: ( وكلاً ضربنا له الأمثال ... )

    وَكُلًّا ضَرَبْنَا لَهُ الأَمْثَالَ وَكُلًّا تَبَّرْنَا تَتْبِيرًا [الفرقان:39].

    يعني: لم نضرب الأمثال لكم أنتم فقط، بل كل الأمم ضربنا لهم الأمثال، ووعظناهم ونصحناهم وذكرناهم، فأبوا إلا التكذيب، قال تعالى: وَكُلًّا تَبَّرْنَا تَتْبِيرًا [الفرقان:39]، أي: دمرنا تدميراً، وأهلكناهم إهلاكاً عظيماً.

    1.   

    تفسير قوله تعالى: ( ولقد أتوا على القرية التي أمطرت مطر السوء ...)

    وَلَقَدْ أَتَوْا عَلَى الْقَرْيَةِ الَّتِي أُمْطِرَتْ مَطَرَ السَّوْءِ [الفرقان:40]، أي: رأوا هذه القرية قرية قوم لوط وهم ذاهبون إلى الشام، فهم يرون ويعرفون أن هنا مكان قوم لوط، أهلكهم الله، وجعل مكانهم بحيرات مالحة متعفنة، ويعرف المارة هناك أن الله عز وجل أهلك قوم لوط وأخذهم أخذ عزيز مقتدر؛ لتكذيبهم رسولهم عليه الصلاة والسلام، ولإتيانهم الفاحشة، فكان الرجال يقعون في الرجال، فأهلكهم الله سبحانه، وأمطر عليهم مطر السوء، وهو المطر السيئ الشديد، فليس من جنس المطر الذي نعرفه، وإنما مطر من نار جهنم، فأتتهم حجارة من السماء، فأهلكهم الله بهاِ: جَزَاءً وِفَاقًا [النبأ:26]، وهم حتى الآن يرون هذه القرية ويعرفون مكان قوم لوط الذين أهلكهم الله عز وجل بفلسطين، قال تعالى: أَفَلَمْ يَكُونُوا يَرَوْنَهَا بَلْ كَانُوا لا يَرْجُونَ نُشُورًا [الفرقان:40].

    يعني: أن الكفار كانوا لا يخافون من ربهم ولا يرجون أن يحشروا يوم القيامة؛ لذلك لا يتذكرون ولا يعترفون بالأمم السابقة، ويقولون: مَا هِيَ إِلَّا حَيَاتُنَا الدُّنْيَا نَمُوتُ وَنَحْيَا وَمَا يُهْلِكُنَا إِلَّا الدَّهْرُ [الجاثية:24].

    وقد عرف هؤلاء الكفار إبراهيم النبي عليه الصلاة السلام، وعرفوا أنه أبو الأنبياء، وأنه جدهم عليه الصلاة والسلام، ومع ذلك كذبوا محمداً صلوات الله وسلامه عليه، ولم يرجوا النشور والبعث يوم القيامة، وإنما يفتخرون لأنهم في أرض إبراهيم وأن عندهم الكعبة، ويطوفون ويشركون بالله سبحانه، ولا ينتظرون النشور يوم القيامة، فقال الله عز وجل: بَلْ كَانُوا لا يَرْجُونَ نُشُورًا [الفرقان:40]، فيستحقون العذاب.

    نسأل الله العفو والعافية في الدين والدنيا والآخرة.

    أقول قولي هذا، وأستغفر الله العظيم، وصل اللهم وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.

    مكتبتك الصوتية

    أو الدخول بحساب

    البث المباشر

    المزيد

    من الفعاليات والمحاضرات الأرشيفية من خدمة البث المباشر

    عدد مرات الاستماع

    3086718663

    عدد مرات الحفظ

    756005211