إسلام ويب

تفسير سورة الأنبياء [16 - 24]للشيخ : أحمد حطيبة

  •  التفريغ النصي الكامل
  • يخبر تعالى أنه خلق السماوات والأرض بالحق والعدل والقسط، ليجزي الذين أساءوا بما عملوا ويجزي الذين أحسنوا بالحسنى، وأنه لم يخلق ذلك عبثاً ولا لعباً، وينكر سبحانه على من اتخذ من دونه آلهة، وأخبر أنه لو كان في الوجود آلهة غيره لفسدت السماوات والأرض، فتقدس سبحانه عن الشريك وعن كل نقص وعيب، وتعالى عما يفترون ويأفكون علواً كبيراً.

    1.   

    تفسير قوله تعالى: (وما خلقنا السماء والأرض وما بينهما لاعبين)

    الحمد لله رب العالمين، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، اللهم صل وسلم وبارك عليه وعلى آله وصحابته أجمعين.

    قال الله عز وجل: وَمَا خَلَقْنَا السَّمَاءَ وَالأَرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا لاعِبِينَ [الأنبياء:16].

    يخبرنا ربنا سبحانه وتعالى أنه ما خلق السماء والأرض وما بينهما لاعباً، وقد قال الله عز وجل: إِنَّ فِي خَلْقِ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ وَاخْتِلافِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ لَآيَاتٍ لِأُولِي الأَلْبَابِ [آل عمران:190] وقال سبحانه: إِنَّ فِي خَلْقِ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ وَاخْتِلافِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ وَالْفُلْكِ الَّتِي تَجْرِي فِي الْبَحْرِ بِمَا يَنفَعُ النَّاسَ وَمَا أَنزَلَ اللَّهُ مِنَ السَّمَاءِ مِنْ مَاءٍ فَأَحْيَا بِهِ الأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِهَا وَبَثَّ فِيهَا مِنْ كُلِّ دَابَّةٍ وَتَصْرِيفِ الرِّيَاحِ وَالسَّحَابِ الْمُسَخَّرِ بَيْنَ السَّمَاءِ وَالأَرْضِ لَآيَاتٍ لِقَوْمٍ يَعْقِلُونَ [البقرة:164].

    أي: خلق الله عز وجل هذا كله وجعله آيات بينات معجزات لمن يعقل ويتفكر، أي: لأصحاب الألباب والقلوب السليمة والعقول المستقيمة.

    وأولو الألباب يتفكرون ويقولون: سبحانك ما خلقت هذا باطلاً، فيعرف الإنسان أن هذه السماوات العظيمة وما فيها من الأفلاك العظيمة الكثيرة الواسعة، وهذه الأرض وما خلق الله عز وجل فيها، مستحيل أن يخلق هذا بهذه الدقة، وبهذا النظام العظيم لعباً ولهواً وعبثاً، حاشا لله سبحانه وتعالى وهو العليم الحكيم الحليم سبحانه.

    والسماوات هذه التي لا نرى منها إلا السماء الدنيا، ولا نرى السماء كسماء حقيقة، وإنما نرى النجوم التي فيها؛ لأن السماء بعيدة عنها جداً، فدلنا الله عز وجل بهذه الأشياء القريبة إلينا، أن ننظر فيها ونتفكر فيها.

    وما علاك وكان فوقك فهو سماؤك، قال تعالى: وَأَنزَلْنَا مِنَ السَّمَاءِ مَاءً طَهُورًا [الفرقان:48]، أي: أنزله من السحاب الذي فوقنا لا من السماء حقيقة.

    فالمتفكر في هذه السماوات يجدها سبع سماوات طباقاً، ما بين السماء والسماء خمسمائة عام، وسمك السماء الواحدة خمسمائة عام، والله سبحانه وتعالى جعل لنا السماء الدنيا لنتفكر فيها، وجعل النجوم مصابيح وحفظاً، ولنتدبر في خلق النجوم، وفي خلق الشمس، وفي خلق القمر، وفي خلق الأرض، من خلق هذه الأشياء؟ إنه الله سبحانه وتعالى الذي أحاط بكل شيء علماً، يعلم ما في السماوات وما في الأرض وما بينهما، وما فوق ذلك وما تحت ذلك، ولا يخفى عليه شيء سبحانه وتعالى.

    فهذه الشمس هي أقرب الكواكب من هذه النجوم إلينا، هذه الشمس يصل إلينا ضوءها خلال ثمان دقائق، والمسافة التي بيننا وبينها حوالي مائة وخمسين مليون كيلو متراً، والضوء يقطع مائة وخمسين مليون كيلو متراً في حوالي ثمان دقائق وثلث دقيقة، هذا في الشمس، فيا ترى النجوم التي فوقها كم المسافة بيننا وبين هذه النجوم؟

    يقولون: إن ضوء بعض النجوم يصل إلينا في حوالي أربع سنوات، فكم تكون المسافة بيننا وبين النجوم؟ فنحن عندما ننظر إلى النجم يكون النجم قد تحرك من مكانه، ولا نرى الموقع الذي هو فيه الآن، وهذه النجوم كم عددها؟

    أيضاً هذه المجرة التي نحن فيها يسمونها مجرة درب التبانة، وهذه الأرض بما فيها هي جزء من هذه المجرة، فكم عدد المجرات، يقولون: ألف مليون مجرة، فهذه المجرة التي نحن فيها هي واحدة من ألف مليون مجرة، فكم في هذه المجرات من كوكب وشمس وقمر ونجم؟ أعداد كثيرة جداً، يذكر العلماء أنها تحوي أكثر من مائة ألف مليون نجم في المجرة الواحدة، فإذا قلنا: كم في الأرض من مخلوقات: من أشجار وأنهار وبحار وجبال وطير وحشرات وإنسان وجان وملائكة؟ أحصى الله عز وجل كل شيء عدداً، وباقي هذه الكواكب والنجوم أحصى كل ما فيها من خلق لا نعلمه ويعلمه هو سبحانه وتعالى.

    هذا في السماء الدنيا، أما السماوات السبع التي تكلم ربنا عنها فيا ترى كم فيها من المخلوقات؟! فالله خلق هذا كله ويعلم ما فيه ويحصي كل شيء عدداً، فهل خلق ذلك لعباً ولهواً وغفلة؟ قال تعالى حاكياً عن عباده المؤمنين: رَبنْا مَا خَلَقْتَ هَذَا بَاطِلًا سُبْحَانَكَ فَقِنَا عَذَابَ النَّارِ [آل عمران:191].

    هذا الذي ينبغي أن يقوله الإنسان، لذلك أمرنا بأن نتفكر في المخلوقات، فقد جاء في الحديث الذي رواه الطبراني في الأوسط والبيهقي في الشعب عن ابن عمر ، أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (تفكروا في آلاء الله ولا تتفكروا في الله).

    أي: تفكروا في نعم الله عز وجل عليكم، وفيما خلق لكم من أشياء وتفضل وأنعم بها عليكم، تفكروا في هذه الآلاء وفي هذه النعم، ولا تتفكروا في الله، من الذي يتفكر بالله ويحيط بالله عز وجل علماً؟!

    تفكر في آلاء الله؛ حتى تستدل على قدرة الله العظيمة الباهرة، وتعرف حقارة المخلوق كيف أنه يرى هذه النعم العظيمة، ويرى هذه الآيات الباهرة والقدرة القاهرة، ويرى في هذا الكون العظيم آيات رب العالمين، ومع ذلك يكفر بالله ويشرك بالله، فقال الله عز وجل لنا هنا: وَمَا خَلَقْنَا السَّمَاءَ وَالأَرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا لاعِبِينَ [الأنبياء:16] .

    1.   

    تفسير قوله تعالى: (لو أردنا أن نتخذ لهواً لاتخذناه من لدنا ...)

    قال الله تعالى: لَوْ أَرَدْنَا أَنْ نَتَّخِذَ لَهْوًا لاتَّخَذْنَاهُ مِنْ لَدُنَّا إِنْ كُنَّا فَاعِلِينَ [الأنبياء:17].

    (لو) حرف يدل على امتناع وقوع الجواب لامتناع وجود الشرط أفضل، يعني: لا يحصل ولا يكون، ولكن على افتراض أنه يكون.

    فقال هنا: (لَوْ أَرَدْنَا) ولم يقل: إن أردنا؛ لأن (إن) شرطية تفيد أنه ممكن أن يحدث هذا الشيء، أما (لو) فتفيد أنه مستحيل أن يحصل هذا الشيء، ولكن قال ذلك على افتراض وقوعه، وحاشا له سبحانه وتعالى.

    فقوله: (لَوْ أَرَدْنَا أَنْ نَتَّخِذَ لَهْوًا) قال أكثر المفسرين إن معنى اللهو هنا الزوجة، وهي لغة من لغات العرب، ففي لغة اليمن تسمي الزوجة لهواً وتوصف بذلك، يقول امرؤ القيس :

    ألا زعمت بسباسة اليوم أنني كبرت وألا يحسن اللهو أمثالي

    هذه امرأة اسمها بسباسة ، يقول: هل زعمت هذه المراة أني كبرت في السن وأني لا أحسن التزوج؟ فقوله: وأن لا يحسن اللهو، معناه: الزواج، فهنا قالوا: معنى ذلك أن الله عز وجل يقول: لَوْ أَرَدْنَا أَنْ نَتَّخِذَ لَهْوًا [الأنبياء:17]، أي: أن يتخذ زوجة وصاحبة وأن يتخذ ولداً وحاشا له سبحانه.

    لاتَّخَذْنَاهُ مِنْ لَدُنَّا [الأنبياء:17] لو أردنا أن نتخذ ولداً لاتخذناه من الملائكة على طريق التبني، فأنت أيها الإنسان الحقير الضعيف، يا من خلقت من نطفة مذرة، ومن تراب ومن طين، تأتي وتنسب لله الولد.

    فربنا سبحانه وتعالى يذكر أنه مستحيل أن يكون له الولد وأن تكون له صاحبة، إنما الولد يكون للمخلوق الذي يحتاج إلى أن يمتد عمره، فابنه يكمل له ما بدأه، الله خلق الإنسان ليعمر الأرض، وعمارتها تحتاج إلى عمر طويل جداً، والإنسان ليس له هذا الأمر، فإذا أردنا أن تدوم عمارة الأرض فلابد من التناسل، وهنا لضعفه وعجزه واحتياجه احتاج للولد، وقبل ذلك احتاج للصاحبة، فخلق الله عز وجل له الأنثى ليكون منها الولد، فيخلفه الولد عندما يموت وهكذا.

    إذاً: فهنا للضعف والعجز احتاجوا أن يكون لهم الولد والصاحبة؛ حتى يستمر الجنس البشري في إعمار هذه الأرض، وليعبد الله سبحانه وتعالى.

    أما الله سبحانه وتعالى فحاشا أن يكون له ولد أو تكون له صاحبه؛ لأنه الباقي أبداً سبحانه وتعالى، ولأن حياته حياة دائمة أزلية دائمة سرمدية لا بداية لها ولا نهاية، وهو القادر على كل شيء، القاهر لكل شيء، فلا حاجة به إلى صاحبة أو إلى ولد، سبحانه وتعالى عما يقولون علواً كبيراً.

    فإذاً: قوله سبحانه: (لَوْ أَرَدْنَا) وهذا لا يكون، (أَنْ نَتَّخِذَ لَهْوًا لاتَّخَذْنَاهُ من لدنا) من عندنا من الملائكة، وليس منكم أنتم يا أهل الشرك ويا أهل الأرض، (إِنْ كُنَّا فَاعِلِينَ).

    وهنا بدأ بلو، والمعنى: أنه لا يكون ذلك، وقال المفسرون: (إن) هنا بمعنى (ما) التي تأتي للجحود، والمعنى وما كنا فاعلين ذلك أبداً، وهذا لا يكون منه سبحانه وتعالى.

    وهذا مثل قول الله عز وجل: إِنْ أَنْتَ إِلَّا نَذِيرٌ [فاطر:23]، يعني: ما أنت إلا نذير، وكقوله سبحانه وتعالى: قُلْ إِنْ كَانَ لِلرَّحْمَنِ وَلَدٌ فَأَنَا أَوَّلُ الْعَابِدِينَ [الزخرف:81] أي: قل ما كان للرحمن ولد، وأنا أول العابدين لله سبحانه وتعالى، و(إن) احتمل في معناها أن تكون شرطية، يعني: أني أفترض المستحيل؛ لو كان للرحمن ولد فأنا أول من يعبده، وهذا لا يكون لله عز وجل، فأنا أعبد الله وحده وأنفي وجود الولد له سبحانه وتعالى.

    1.   

    تفسير قوله تعالى: (بل نقذف بالحق على الباطل فيدمغه ...)

    قال الله تعالى: بَلْ نَقْذِفُ بِالْحَقِّ عَلَى الْبَاطِلِ فَيَدْمَغُهُ فَإِذَا هُوَ زَاهِقٌ وَلَكُمُ الْوَيْلُ مِمَّا تَصِفُونَ [الأنبياء:18].

    الله عز وجل يقذف الحق، والحق كلمات الله عز وجل، وأوامر الله، وتشريع الله سبحانه، والقرآن العظيم هو الحق من رب العالمين، وهو المواعظ والتشريعات التي جاءت من عند رب العالمين، يقذفها ويلقيها على باطل هؤلاء فتحرق صواعقها ما هم فيه من باطل، وما هم فيه من هزل، وما هم فيه من شرك بالله سبحانه وتعالى.

    قوله: (فَيَدْمَغُهُ) أي: يهلكه ويمحقه ويذله ويزيله.

    قوله: (فَإِذَا هُوَ زَاهِقٌ) أي: إذا هو زاهق مهلك مبعد، (وَلَكُمُ الْوَيْلُ مِمَّا تَصِفُونَ) أي: للمشركين، فهؤلاء يحذرهم الله عز وجل ويخبرهم بمآلهم إن أصروا على باطلهم، ويقول لهم: (ولكم الويل) أي: العقوبة في نار جهنم، (مما تصفون) أي: مما تدعون لله عز وجل من الصاحبة والولد، وتتخذون أصناماً تقربكم إلى الله بزعمكم الباطل.

    1.   

    تفسير قوله تعالى: (وله من في السموات والأرض ... يسبحون الليل والنهار لا يفترون)

    قال الله تعالى: وَلَهُ مَنْ فِي السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ وَمَنْ عِنْدَهُ لا يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبَادَتِهِ وَلا يَسْتَحْسِرُونَ [الأنبياء:19].

    وقال تعالى: َمَا خَلَقْنَا السَّمَاءَ وَالأَرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا بَاطِلًا [ص:27]، أي: خلق السماوات فهو يملكها بما فيها.

    وقال هنا: (وَلَهُ مَنْ) (من) للعاقل، أي: له كل من يعقل في السماوات وكل من يعقل في الأرضين، وهنا غلب العقلاء وإلا فهو يملك سبحانه من يعقل ومن لا يعقل.

    وأحياناً يذكر ما في السماوات وأحياناً يذكر من في السماوات والأرض، فقوله: (وَلَهُ مَنْ فِي السَّمَوَاتِ) اللام هنا تفيد الملك، فهو سبحانه يملك من في السماوات والأرض، كما تقول: هذا الكتاب لي وأنا أملكه.

    فقوله: (وَلَهُ مَنْ فِي السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ) أي: أن الله سبحانه وتعالى يملك الخلائق كلها ويعلم أفعالهم وما يقولون.

    ثم قال: (وَمَنْ عِنْدَهُ) هنا تفضيل للملائكة على البشر؛ لأن البشر فيهم من يعصون وفيهم من يطيعون، أما الملائكة الذين عند الله فهم لا يعصون الله سبحانه وتعالى ما أمره.

    فهذه الآية مما يحتج بها على أن الملائكة أفضل من البشر، وخلق الله عز وجل البشر من طين، وخلق الملائكة من نور، ففضلهم بخلقتهم، وإن كان قد خلق الله من البشر من هو أفضل من الملائكة، وأقرب إلى الله عز وجل من الملائكة، وهو نبينا صلوات الله وسلامه عليه، لقد ارتفع جبريل إلى أقصى سدرة المنتهى وما استطاع أن يجاوز، ونبينا صلى الله عليه وسلم رفعه الله عز وجل وجاوز به ما شاء سبحانه وتعالى.

    فإذا كان سبحانه قد فضل محمداً صلى الله عليه وسلم على الملائكة فلا مانع من أن يفضل غيره من الأنبياء على الملائكة، ولكن ليس معنى ذلك أن نفضل جنس البشر على الملائكة؛ لأن الملائكة جنس لا يعصون الله ما أمرهم ويفعلون ما يؤمرون، أما البشر ففيهم من يطيع ويعصي، فجنس الملائكة أفضل، ولكن هناك آحاد من البشر فضلهم الله عز وجل على الملائكة.

    فهؤلاء الملائكة الذين عند رب العالمين سبحانه لا يستكبرون عن عبادته ولا يستحسرون، فهم يعبدون الله عز وجل ولا ينقطعون إعياءً، ولا يصيبهم الملل والسآمة والتعب والمرض، إنما يعبدون الله عز وجل إلى ما يشاء الله سبحانه، فهم منذ خلقهم الله عز وجل مستمرون على عبادته سبحانه، فمنهم من هم قائمون يذكرون الله، ومنهم من هم راكعون يسبحون الله، ومنهم من هم ساجدون لله، وذلك إلى أن تقوم الساعة، ومع ذلك يقولون: سبحانك ما عبدناك حق عبادتك، وهم الذين لم يعصوا ربهم سبحانه وتعالى أبداً.

    قوله: (وَلا يَسْتَحْسِرُونَ) منه: حسر نظر الإنسان حسوراً أي: كلَّ وانقطع من طول المدى، فهذا هو الاستحسار، وتقول: إن البعير أحسر، بمعنى أعيا وتعب من كثرة المشي، فالملائكة لا يتعبون ولا ينقطعون عن عبادة ربهم سبحانه.

    قوله: (لا يَسْتَكْبِرُونَ) أي: لا يستنكفون ولا يستكبرون عن عبادة الله ولا يملون.

    قال تعالى: يُسَبِّحُونَ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ لا يَفْتُرُونَ [الأنبياء:20] أي: يسبحون الله تعالى الليل والنهار، وينزهون الله سبحانه وتعالى، فيقولون: سبحان الله.

    قوله: (لا يفترون) يعتري الإنسان فتور فهو يريد أن يستريح قليلاً، فتراه يترك ما هو فيه، والإنسان إذا أكثر من الذكر والكلام تعب لسانه، أما الملائكة فلا يتعبون من ذلك، ولذلك قال رجل من التابعين وهو عبد الله بن الحارث : جلست إلى كعب الأحبار وأنا غلام، فقلت له: أرأيت قول الله تعالى للملائكة : يُسَبِّحُونَ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ لا يَفْتُرُونَ [الأنبياء:20] أما يشغلهم عن التسبيح الكلام والرسالة والعمل؟ فقال: من هذا الغلام؟ فقالوا: من بني عبد المطلب، قال: فقبل رأسي ثم قال: يا بني! إنه جعل لهم التسبيح كما جعل لكم النفس، أليس تتكلم وأنت تتنفس وتمشي وأنت تتنفس؟!

    كذلك أهل الجنة يتفضل الله عز وجل عليهم ويكافئهم بأن يلهمهم التسبيح كما يلهمهم النفس.

    فإذاً: إذا كان الإنسان يأكل ويشرب ويتنفس ولا يحس أنه يتنفس، فكذلك التسبيح والذكر بالنسبة للملائكة وأهل الجنة، فأهل الجنة يلهمون التسبيح فلا يشغلهم شيء عن هذا.

    1.   

    تفسير قوله تعالى: (أم اتخذوا آلهة من الأرض هم ينشرون)

    قال الله تعالى: أَمِ اتَّخَذُوا آلِهَةً مِنَ الأَرْضِ هُمْ يُنشِرُونَ [الأنبياء:21].

    معنى هذه الآية سيكرر مرتين، فهنا يقول لنا: (أَمِ اتَّخَذُوا آلِهَةً مِنَ الأَرْضِ هُمْ يُنشِرُونَ) وبعد هذا يقول: أَمِ اتَّخَذُوا مِنْ دُونِهِ آلِهَةً قُلْ هَاتُوا بُرْهَانَكُمْ [الأنبياء:24]، يعني: هل اتخذوا آلهة من الأرض يحيون الموتى؟ قل هاتوا حججكم العقلية أو النقلية التي تثبت ذلك.

    فكأنه يكرر ويقول أولاً: انظروا بعقولكم، هل ترون غير ما ذكرنا؟ الأمر الثاني: هاتوا أدلة على ما تقولون في ذلك، فقال سبحانه وتعالى: (أَمِ اتَّخَذُوا آلِهَةً مِنَ الأَرْضِ هُمْ يُنشِرُونَ) يعني: هذه الآلهة التي صنعتموها من حجارة ومن رمال ومن تراب ومن عجوة ومن غيرها؛ هل هذه الآلهة تنشر وتخلق وتحيي بعد الإماتة؟

    هذا دليل عقلي، فأنت فكر وانظر ماذا تعبد من دون الله؟

    وهذا سيدنا إبراهيم لما كسر الأصنام وناظر قومه صلوات الله وسلامه عليه قالوا: مَنْ فَعَلَ هَذَا بِآلِهَتِنَا إِنَّهُ لَمِنَ الظَّالِمِينَ * قَالُوا سَمِعْنَا فَتًى يَذْكُرُهُمْ يُقَالُ لَهُ إِبْرَاهِيمُ * قَالُوا فَأْتُوا بِهِ عَلَى أَعْيُنِ النَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَشْهَدُونَ [الأنبياء:59-61] أي: يشهدون عليه أنه فعل هذا الشيء، قَالُوا أَأَنْتَ فَعَلْتَ هَذَا بِآلِهَتِنَا يَا إِبْرَاهِيمُ * قَالَ بَلْ فَعَلَهُ كَبِيرُهُمْ هَذَا فَاسْأَلُوهُمْ إِنْ كَانُوا يَنطِقُونَ [الأنبياء:62-63] هذا دليل عقلي (اسْأَلُوهُمْ إِنْ كَانُوا يَنطِقُونَ).

    فهنا رجعوا إلى عقولهم، فَرَجَعُوا إِلَى أَنفُسِهِمْ فَقَالُوا إِنَّكُمْ أَنْتُمُ الظَّالِمُونَ [الأنبياء:64]، أي: في ترككم لها مهملة لا حافظ عندها، ثُمَّ نُكِسُوا عَلَى رُءُوسِهِمْ لَقَدْ عَلِمْتَ مَا هَؤُلاءِ يَنطِقُونَ [الأنبياء:65]، يعني: أقاموا الحجة على أنفسهم واعترفوا بعجز آلهتهم.

    فقال لهم إبراهيم: فكما أنها لا تنطق وتكسرت فكيف تعبدونها من دون الله؟ هذه هي الحجة العقلية، فهنا قال لهم الله تعالى: أَمِ اتَّخَذُوا آلِهَةً مِنَ الأَرْضِ هُمْ يُنشِرُونَ [الأنبياء:21] .

    1.   

    تفسير قوله تعالى: (لو كان فيهما آلهة إلا الله لفسدتا ...)

    قال الله تعالى: لَوْ كَانَ فِيهِمَا آلِهَةٌ إِلَّا اللَّهُ لَفَسَدَتَا فَسُبْحَانَ اللَّهِ رَبِّ الْعَرْشِ عَمَّا يَصِفُونَ [الأنبياء:22].

    قوله: (لَوْ كَانَ فِيهِمَا آلِهَةٌ) أي: لو كان في السماوات والأرض آلهة غير الله سبحانه وتعالى لَفَسَدَتَا، وهذا يسمونه: دليل التمانع، يعني: أنتم تقولون: إن هناك آلهة غير الله، نقول: لو كانت هذه الآلهة موجودة فإنها ستأمر وتنهى، وستخلق، وستحيي، وستميت، كذلك سيكون هناك إله يريد أن يخلق والثاني لا يريد الخلق، إله يريد أن يخلق كوكباً والثاني لا يريده، فهنا سيتعارض الإله الأول مع الإله الثاني، وبالتالي تخترب السماوات وتخترب الأرض، فهل خربت السماوات والأرض؟ الجواب: لم تخرب، فعدم وجود هذا الخراب والفساد دليل على عدم وجود أكثر من إله، فهو إله واحد ينظم أمر الكون كله، ويدبر أمر الخلق كلهم وهو الله سبحانه لا شريك له.

    قال: (لَوْ كَانَ فِيهِمَا) أي: في السماوات والأرضين، (آلِهَةٌ إِلَّا اللَّهُ لَفَسَدَتَا) فلما لم تفسدا دل ذلك على أنه لا إله إلا الله سبحانه وتعالى.

    (فَسُبْحَانَ اللَّهِ رَبِّ الْعَرْشِ عَمَّا يَصِفُونَ) أي: أنه تعالى سبح نفسه لنسبحه سبحانه ولننزهه عن الشرك وعن أن يكون معه إله، أو تكون له صاحبة، وعن أن يكون له الولد.

    قوله: (فسُبْحَانَ اللَّهِ رَبِّ الْعَرْشِ) هذا يدل على عظمة رب العرش، ما السماوات السبع والأرضين السبع، وكل وهذه المسافات الشاسعة ليست في جنب كرسي الله عز وجل إلا كحلقة مرمية في فلاة، وهذا الكرسي الذي خلقه الله عز وجل ما هو بجوار عرش الرحمن الذي استوى عليه سبحانه إلا كحلقة في فلاة، فكيف يكون هذا العرش؟ إنه عرش عظيم، فالله عز وجل رب هذا العرش الذي خلقه لا يحتاج إليه، وهو مستغن عنه وعما دونه، وهو سبحانه منزه عما يصفونه وعما يقولونه.

    1.   

    تفسير قوله تعالى: (لا يسأل عما يفعل وهم يسألون)

    قال الله تعالى: لا يُسْأَلُ عَمَّا يَفْعَلُ وَهُمْ يُسْأَلُونَ [الأنبياء:23].

    قوله: لا يُسْأَلُ عَمَّا يَفْعَلُ يعني: لا يسأله أحد من الخلق: لم فعلت هذا الشيء؟

    فمن سأل الله عن شيء لم فعلته؟ فقد رد حكم الله، كأنه يرفض أن ربنا يقول له: (لا يُسْأَلُ عَمَّا يَفْعَلُ) فيقول: لا، أنا سأسأل، وهذا الذي يسأل ويتعنت ويعترض على قضاء الله وقدره مصيره النار.

    قال: (لا يُسْأَلُ عَمَّا يَفْعَلُ) وهنا تظهر عظمة ربنا سبحانه وتعالى، فقد أمر بالإيمان بالقضاء والقدر، الذي أذل به الرقاب، وأعجز عن معرفته جميع خلقه، لا أحد يعرف شيئاً عن قضاء الله وقدره، حتى يحقق الله عز وجل ما يريده، فالمؤمن يؤمن بالقضاء والقدر.

    قوله: (وَهُمْ يُسْأَلُونَ) لم تفعلون هذا الشيء؟ أي: إذا فعل الله الشيء فلا أحد يقدر أن يسأل الله سبحانه وتعالى على ما فعل، أما هم فيسألون ويجازون على ما فعلوا من خير أو شر؛ لأن الملك لله وهو الإله الحق سبحانه وتعالى.

    ذهب رجل إلى علي بن أبي طالب رضي الله عنه، وكأنه من القدرية الذين يتكلمون في القضاء والقدر، فقال له: يا أمير المؤمنين، أيحب ربنا أن يعصى؟

    هذا سؤال مغلف، فهو أراد أن يقول: لماذا ربنا ترك عباده يعصونه؟ وكأنه يريد أن يقول: طالما أن ربنا تركهم يعصونه فهو يريد هذا، وهم مثابون حتى في المعصية التي يفعلونها، فالرجل سأل علياً رضي الله عنه وقال: أيحب ربنا أن يعصى؟

    فماذا أجاب عليه رضي الله عنه؟ قال له: أفيعصى ربنا قهراً؟ هنا سؤال بسؤال والجواب واضح فيه.

    وأيضاً: ربنا سبحانه وتعالى خلق الكفر وخلق الإيمان، فهل خلق الكفر لأنه يحبه؟ الجواب: لا، الله يكره الكفر ولكن أراده، والإرادة يدخل فيها ما يحبه وما لا يحبه، فخلق المؤمن ويحب المؤمنين، وخلق الكافر ويبغض الكافرين.

    فالله عز وجل خلق الكفر وخلق الإيمان، وخلق المعصية وخلق الطاعة، وخلق الخير وخلق الشر، الله خالق كل شيء سبحانه وتعالى، وهو في خلقه محمود على ما يخلق سبحانه وتعالى، وفي كل شيء من خلقه آية من آياته سبحانه وتعالى، ووجودها حتمي؛ لأن الله سبحانه وتعالى أرادها.

    فهذا الرجل سأل علياً رضي الله عنه: أيحب ربنا أن يعصى؟ فقال له علي رضي الله عنه: أفيعصى ربنا قهراً ؟

    يعني: ربنا لا يعصيه أحد غصباً عنه، ولا يغلبه أحد، لكن ربنا أراد أن توجد هذه المعصية، وأراد أن يوجد الكفر وأن يوجد الإيمان، ولكن القدرية يقولون: نحن نخلق أفعالنا.

    فقال له الرجل: أرأيت إن منعني الله الهدى، ومنحني الردى، أأحسن إلي أم أساء؟

    يعني: يقول له: إذا كان ربنا هو الذي منعني الهدى وجعلني ضالاً، فلماذا يعذبني؟ كذلك إن أعطاني الردى والضلال والكفر وأهلكني أأحسن إلي أم أساء؟ حاشا لله سبحانه وتعالى!

    فكان جواب علي رضي الله عنه أن قال: إن منعك حقك فقد أساء، وإن منعك فضله فهو له يؤتيه من يشاء سبحانه وتعالى.

    فالإنسان الذي يجادل ويضيع وقته سيلاقي من يجيبه كما أجاب علي رضي الله تعالى عنه هذا الإنسان وغيره، ولكن على الإنسان المؤمن أن يعرف أن العمر محسوب، وأن القضاء والقدر مكتوب، وأنه مأمور أن يؤمن بذلك ولا يقع في الذنوب، ولا يضيع وقته في الجدل ويقول: لماذا ربنا خلق؟ لماذا ربنا فعل؟ لا يسأل عن ذلك، فهنا الآية الدامغة المانعة من المحادة: لا يُسْأَلُ عَمَّا يَفْعَلُ وَهُمْ يُسْأَلُونَ [الأنبياء:23].

    1.   

    تفسير قوله تعالى: (أم اتخذوا من دون الله آلهة ...)

    قال الله تعالى: أَمِ اتَّخَذُوا مِنْ دُونِهِ آلِهَةً قُلْ هَاتُوا بُرْهَانَكُمْ هَذَا ذِكْرُ مَنْ مَعِيَ وَذِكْرُ مَنْ قَبْلِي بَلْ أَكْثَرُهُمْ لا يَعْلَمُونَ الْحَقَّ فَهُمْ مُعْرِضُونَ [الأنبياء:24].

    لقد كرر مرة ثانية: هل اتخذوا من دونه آلهة؟ الأول دليل عقلي، فقال لهم: استدلوا بعقولكم، أما الآن فهاتوا دليلاً نقلياً على ما تقولون، أين النصوص التي في أيديكم أن ربنا أمركم أن تعبدوا هذه الآلهة؟

    فهم كانوا يقولون: مَا نَعْبُدُهُمْ إِلَّا لِيُقَرِّبُونَا إِلَى اللَّهِ زُلْفَى [الزمر:3] نقول لهم: من الذي أمركم بهذا الشيء، إذا كنتم تعبدون الله سبحانه فالله نهاكم عن الشرك، وإذا كنتم تزعمون أنه أمركم بالشرك فهاتوا برهانكم وهاتوا الدليل على ما تقولونه؟

    قوله: (أَمِ اتَّخَذُوا مِنْ دُونِهِ آلِهَةً) أي: من دون الله سبحانه وتعالى (قُلْ هَاتُوا بُرْهَانَكُمْ) أي: دليلكم.

    (هَذَا ذِكْرُ مَنْ مَعِيَ وَذِكْرُ مَنْ قَبْلِي) يعني: هذه الكتب السابقة هل أمرتكم بهذا الشيء، وهل فيها هذا الشيء الذي ادعيتموه.

    (بَلْ أَكْثَرُهُمْ لا يَعْلَمُونَ الْحَقَّ فَهُمْ مُعْرِضُونَ) أي: أكثرهم معرضون عن الحق، فهم لا يحاولون أن يتعلموا هذا الحق.

    1.   

    الأسئلة

    حكم من قصر في عمل أدى إلى وفاة شخص

    السؤال: كنت أعمل في شركة تقوم بمد مواسير تحت الأرض، وأنا مسئول عن حفر خندق في الأرض؛ لأني مهندس أعرف الطول والعرض، ففي مرة من المرات أثناء حفر خندق لم أنتبه إلى الأطوال اللازمة، فدخل أحد العمال في الخندق فسقط عليه فمات، فماذا يجب علي؟

    الجواب: لا فرق بين كونه لم يأخذ الأطوال اللازمة، سواء كان إهمالاً أو تكاسلاً أو ظناً منه أن الأرض صلبة، فعليك الكفارة، وهي صيام شهرين متتابعين، والدية على عاقلتك، إلا إذا قامت الشركة بدفع هذه الدية.

    حكم من احتلم وأنزل أثناء الصيام

    السؤال: نمت بعد صلاة الفجر وأنا صائم فرأيت منياً بعد استيقاظي من النوم، فما الحكم؟

    الجواب: عليك أن تغتسل فقط، وليس عليك قضاء هذا اليوم.

    حكم من فقد ماله في بيت غيره

    السؤال: ذهبت إلى منزل خالي وكان معي في حقيبتي مال خاص بي بالدولار والريال، وعندما نزلت من منزل خالي ذهبت إلى مكة للصرافة لتحويلها إلى عملة مصرية، فلم أجد المبلغ وأصابتني صدمة شديدة استمرت ثلاثة أيام، وبعد ثلاث سنوات قال لي خالي: إن الولد كان عمره اثنتي عشرة سنة وهو غير مكلف، وهو الذي سرق المال، فما عليه؟

    الجواب: طالما أنك نسيت المال في بيت خالك ومشيت صار لقطة في هذا البيت، والذي يجدها يصير هذا المال أمانة عنده، ويلزمه أن يردها إلى صاحبها، فإذا كان خالك قد لقي المال أو امرأة خالك أو أحد كبير صار هذا المال لقطة، وهذا الذي لقيه مسئول عن هذه الأمانة ويلزمه أن يردها إليك.

    لكن هذا الطفل الصغير هو الذي أخذ المال، وظل ثلاث سنين لا أحد يعرف، فهذا أمر لا يتخيل، كيف يأخذ طفل صغير خمسة عشر ألف ريال وثمانمائة دولار ولا أحد في البيت يعرف؟ وبعد ثلاث سنين أرسل يقول: أنا عرفت الآن أن الولد أخذ المال، إذاً: عليه أن يبحث أين ذهب بهذا المال، وهذا المال دين في عنق هذا الغلام، الذي كان عمره اثنتي عشرة سنة، فإذا كان الأب أو الأم مفرطين في ذلك، وقد وجدا هذا المال في يده وسكتا عنه، فهما مسئولان عن غرامة هذا المال.

    حكم الائتمام بالمسبوق

    السؤال: ذهب شخص إلى المسجد فوجد الجماعة قد انتهت، فهل له أن يأتم بمسبوق؟

    الجواب: نعم يجوز أن يأتم بمسبوق، والجمهور على جواز الجماعة الثانية، والجماعة الأولى هي الأصل، فالإنسان المسلم يحرص على الأولى؛ لأن الأجر والثواب العظيم في الجماعة الأولى، والجماعة الثانية هي جماعة ولكن ليست في الفضل كالجماعة الأولى، وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم: (لقد هممت أن آمر بالصلاة فتقام، وآمر رجلاً أن يؤم الناس، ثم أخالف إلى أقوام يتخلفون عن صلاة الجماعة فأحرق عليهم بيوتهم)، فهنا لو كان الأمر أنهم لم يتخلفوا عن صلاة الجماعة، لكان من السهل أن يقولوا: نحن نصلي جماعة ثانية في بيوتنا، ولكن النبي صلى الله عليه وسلم لم يعذرهم وما سألهم حتى يعذرهم بل قال: (فأحرق عليهم بيوتهم).

    فإذاً: الجماعة الأولى هي الأصل أن تصليها وتحافظ عليها.

    وإذا حصل لك عذر وأتيت المسجد وقد انتهوا من الصلاة، فقد ورد عن النبي صلى الله عليه وسلم أنك إذا جئت إلى المسجد فأدركته فلك الأجر، فإذا جئت فوجدتهم قد صلوا بعضاً وبقي بعضاً فصليت معهم فلك مثله، فإن أتيت وقد انتهوا فصليت وحدك فلك أجر الجماعة بنيتك، طالما أنك حريص على الجماعة الأولى.

    لكن لا تظل تتخلف عن الجماعة الأولى بزعم إنك ستصلي جماعة ثانية، وتضيعها وتقول: هي هي، فليست هي هي، والأصل هي الجماعة الأولى، ولذلك ذكر بعض الأئمة مثل الإمام الشافعي رحمه الله وغيره أنه إذا كان المسجد له إمام راتب ومؤذن فلا تجوز فيه الجماعة الثانية، ومن تأخر عنه فليصل وحده منفرداً.

    إذاً: نحرص على الجماعة الأولى حتى نصليها، فإذا كان لعذر وجئنا للمسجد ووجدنا جماعة ثانية جاز لنا أن نصلي معها، وإذا لم نجد جاز لنا أن نصلي فرادى، ولك الأجر بالنية على ذلك.

    أقول قولي هذا وأستغفر الله العظيم، وصل اللهم وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.

    مكتبتك الصوتية

    أو الدخول بحساب

    البث المباشر

    المزيد

    من الفعاليات والمحاضرات الأرشيفية من خدمة البث المباشر

    عدد مرات الاستماع

    3086718659

    عدد مرات الحفظ

    755894485