إسلام ويب

تفسير سورة السجدة [6 - 7]للشيخ : أحمد حطيبة

  •  التفريغ النصي الكامل
  • إن الله تعالى له العلم المطلق سبحانه، فلا يخفى عليه شيء في الأرض ولا في السماء، يعلم كل ما غاب ويعلم كل ما حضر سبحانه، فعلمه بخلقه دقيق، ولذا كان كل خلقه حسن، وكان الإنسان المخلوق من طين أحسن الخلائق على وضاعة أصله، فسبحان الله الخالق الحكيم!

    1.   

    تفسير قوله تعالى: (ذلك عالم الغيب والشهادة ...)

    الحمد لله رب العالمين، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله.

    اللهم صل وسلم وبارك عليه وعلى آله وصحابته أجمعين.

    قال الله عز وجل في سورة السجدة: ذَلِكَ عَالِمُ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ الْعَزِيزُ الرَّحِيمُ * الَّذِي أَحْسَنَ كُلَّ شَيْءٍ خَلَقَهُ وَبَدَأَ خَلْقَ الإِنسَانِ مِنْ طِينٍ * ثُمَّ جَعَلَ نَسْلَهُ مِنْ سُلالَةٍ مِنْ مَاءٍ مَهِينٍ [السجدة:6-8].

    يخبر الله سبحانه تبارك وتعالى عن نفسه سبحانه أنه: عَالِمُ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ ، الذي يعلم ما خفي عن الخلق وما ظهر لهم، الذي يعلم كل شيء ظاهراً وباطناً سبحانه، وأخبر أنه الْعَزِيزُ ، الذي يقدر على كل شيء، ولا يعجزه شيء، ولا يمتنع منه شيء، وأنه (الرحيم) الذي يرحم من يشاء من خلقه سبحانه.

    قال سبحانه عن سعة رحمته: وَرَحْمَتِي وَسِعَتْ كُلَّ شَيْءٍ [الأعراف:156]، فهو الرحيم الذي يسع برحمته كل شيء، وقد خلق آدم وذريته، ليري عباده مقتضى أسمائه الحسنى وصفاته العلى، فإنه هو الذي يخلق، وهو الذي يرزق، وهو الذي يحيي، وهو الذي يميت، وهو الذي يرشد ويهدي، وهو الذي يضل من يشاء، ويهدي من يشاء، ثم يميتهم ثم يبعثهم من قبورهم، ويحاسبهم يوم القيامة على أعمالهم.

    مقتضى أسماء الله الحسنى سبحانه تبارك وتعالى أفعال وصفات له سبحانه يفعلها الله عز وجل فيرينا قدرته الباهرة وعظمته القاهرة، ولو سئل العبد عن ذلك كله؟ يجيبه القرآن: ذَلِكَ عَالِمُ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ الْعَزِيزُ الرَّحِيمُ [السجدة:6].

    1.   

    تفسير قوله تعالى:(الذي أحسن كل شيء خلقه ...)

    قال تعالى: الَّذِي أَحْسَنَ كُلَّ شَيْءٍ خَلَقَهُ وَبَدَأَ خَلْقَ الإِنسَانِ مِنْ طِينٍ [السجدة:7]، كل خلق لله عز وجل حسن، وكل خلق الله عز وجل إذا تأمله العبد وجد القدرة العظيمة، والخلق البديع له سبحانه تبارك وتعالى، يجد ذلك في الصغير والكبير؛ في القليل والكثير، في الشيء الذي يراه الإنسان كبيراً عظيماً أو صغيراً حقيراً، فقدرة الله عز وجل ظاهرة في كل شيء، فهو الَّذِي أَحْسَنَ كُلَّ شَيْءٍ خَلَقَهُ وَبَدَأَ خَلْقَ الإِنسَانِ مِنْ طِينٍ [السجدة:7] فالطين هو أصل الإنسان، منه خلق آدم على نبينا وعليه الصلاة والسلام بعد أن كان عدماً، فقد أوجد الله عز وجل الماء ثم أوجد التراب ثم أوجد الطين، ومنه خلق آدم على نبينا وعليه الصلاة والسلام، والله عز وجل يباين بين خلقه أصلاً وشكلاً ونوعاً وكماً، فهو يخلق خلقه مما يشاء، فقد خلق الملائكة من نور وَخَلَقَ الْجَانَّ مِنْ مَارِجٍ مِنْ نَارٍ [الرحمن:15]، وخلق آدم من تراب، ثم خلق ذريته منه، وقد وصف الله سبحانه آدم عليه السلام في أكثر من موطن في القرآن الكريم منها قوله سبحانه: مِنْ سُلالَةٍ مِنْ طِينٍ [المؤمنون:12]، وقوله: مِنْ صَلْصَالٍ مِنْ حَمَإٍ مَسْنُونٍ [الحجر:26]، وقوله: مِنْ صَلْصَالٍ كَالْفَخَّارِ [الرحمن:14]، وقوله: وَبَدَأَ خَلْقَ الإِنسَانِ [السجدة:7] أي: جنس الإنسان.

    وقد ذكر الله عز وجل في القرآن، وذكر النبي صلى الله عليه وسلم في السنة أن الله عز وجل خلق آدم بيده، وأنه نفخ فيه من روحه سبحانه تبارك وتعالى.

    فبيان القرآن وبيان السنة يدل على أن آدم عليه السلام معجزة من المعجزات العظيمة، وآية من الآيات الباهرة التي تشهد بقدرة الخالق العظيم سبحانه تبارك وتعالى.

    وإذا كان كل إنسان مخلوق من أبوين: أب وأم، فقد يرينا الله عز وجل قدرته العظيمة بأن يجعل من البشر من يخلق بغير أب كالمسيح على نبينا وعليه الصلاة والسلام، فهو مخلوق من أم فقط، فأرانا الله عز وجل في خلقه آية من عظيم آياته.

    وإذا تعجب الإنسان من أن الله عز وجل خلق المسيح عليه الصلاة والسلام من أم فقط فإن الله عز وجل يقول: إن هذا ليس بأعجب من خلق آدم، فقد خلقته من غير أب ولا أم!

    شبهة القول أن لآدم أباً والرد عليها

    من العجب ما تسمعه من بعض المتحذلقين الذين يتكلمون في خلق آدم عليه السلام ويقولون: إن آدم له أب وأم قبل ذلك، وكأنه ينكر ما يقوله القرآن! ومما يزيد الأمر عجباً أن الذي يتكلم بذلك رجل من الدكاترة وأستاذ في القراءات!

    وصدق معاذ رضي الله تبارك وتعالى عنه حين كان يقول: اتقوا زيغة الحكيم، فقد يكون الإنسان عالماً من العلماء وفجأة يخترع شيئاً من الأشياء العجيبة التي لم يقلها أحد قبله، فتعجب! ويقول قولاً يعارض القرآن كقول من يقول: إن آدم له أب وأم معارضاً قوله عز وجل: بَدَأَ خَلْقَ الإِنسَانِ مِنْ طِينٍ [السجدة:7]، والإنسان الذي خلق من طين هو آدم عليه السلام، وهو الذي خلقه الله بيده ونفخ فيه من روحه سبحانه تبارك وتعالى، كما يدل على أنه لم يكن قبله بشر، وإنما خلق قبل آدم على نبينا وعليه الصلاة والسلام الملائكة والجان، ويدل على أن الجن خلقوا قبل الإنس أنه لما أراد الله أن يخلق آدم أعلم الملائكة بذلك، فاعترضت وقالت لربها: أَتَجْعَلُ فِيهَا مَنْ يُفْسِدُ فِيهَا وَيَسْفِكُ الدِّمَاءَ وَنَحْنُ نُسَبِّحُ بِحَمْدِكَ وَنُقَدِّسُ لَكَ [البقرة:30]، فقد ذكر أهل التفسير أن الجن سكنوا الأرض قبل الإنس وسفكوا الدماء وكان هذا سبب اعتراض الملائكة كما تقدم، ولكنهم في اعتراضهم لم يذكروا أن إنساناً جديداً قد قطن الأرض، فلا حاجة لخلق إنسان آخر.

    ثم بعد أن خلق آدم عليه السلام من الطين من غير أب ولا أم خلق حواء من ضلع من أضلاعه، وليس معنى أنه خلق حواء من ضلع من أضلاع آدم أن يكون الذكور نقص من أضلاعهم ضلع، ولكن خلقت من ضلع من أضلاع آدم، وكيف خلقت منه؟ هذا أمر الله عز وجل لم يطلعنا عليه، وليس بالضروري أنه إذا خلقت من ضلع من أضلاع آدم أن يكون نقص من آدم ومن ذريته شيء! إذ لم يثبت في ذلك شيء.

    ومن الأدلة على أن حواء خلقت من آدم ما جاء في صحيح البخاري من حديث أبي هريرة وفي صحيح مسلم أيضاً أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (استوصوا بالنساء فإن المرأة خلقت من ضلع، وإن أعوج شيء في الضلع أعلاه، فإن ذهبت تقيمه كسرته، وإن تركته لم يزل أعوج، فاستوصوا بالنساء)، هذا لفظ البخاري ولفظ مسلم قال: (إن المرأة خلقت من ضلع لن تستقيم لك على طريقة، فإن استمتعت بها استمتعت بها وبها عوج)، فهذا حديث في الصحيحين، ومن ينكر مثل هذا الحديث ويقول: إنه عالم في القراءات، لنا أن نسأله من أين أخذ علم القراءات إلا من أحاديث النبي صلى الله عليه وسلم، كما أن الذي روى القرآن هو الذي روى لنا حديث النبي صلى الله عليه وسلم.

    فإذا جاء إنسان ينكر أحاديث النبي صلى الله عليه وسلم ويقول: لم يصح هذا الحديث نقول: هذا يشكك في سنة النبي صلى الله عليه وسلم، والذي يشكك في السنة يشكك بعد ذلك في القرآن؛ لأن الذين رووا لنا السنة هم الذين رووا لنا القرآن، فكيف يأخذ بهذا ويترك بهذا؟

    لذلك نقول ما قاله معاذ رضي الله عنه: اتقوا زيغة الحكيم، وهذا الأثر رواه أبو داود بإسناد صحيح عن أبي إدريس الخولاني - واسمه عائذ الله - عن يزيد بن عميرة وكان من أصحاب معاذ بن جبل رضي الله عنه قال: كان معاذ لا يجلس مجلساً للذكر حين يجلس إلا قال: الله حكم قسط، هلك المرتابون المتشككون في دين الله سبحانه تبارك وتعالى، قال معاذ بن جبل يوماً: إن من ورائكم فتناً يكثر فيها المال، ويفتح فيها القرآن، وهذا أثر عجيب لا يقال من قبل الرأي، فإذا قاله معاذ فإنه لا يقوله من قبل رأيه، فإنه لا يعرف الغيب لكي يقول هذا الشيء، وبذلك علم ضرورة أنه سمع من النبي صلى الله عليه وسلم هذا المعنى فساقه معاذ رضي الله عنه، والإسناد صحيح إلى معاذ بن جبل وهو سلطان العلماء رضي الله عنه، وسابق العلماء إلى الجنة.

    قال معاذ رضي الله عنه: إن من ورائكم فتناً يكثر فيها المال، ويفتح فيها القرآن حتى يأخذه المؤمن والمنافق، والرجل والمرأة، والصغير والكبير، والعبد والحر.

    وفيه أن الله عز وجل يفتح على الناس من المال، ويفتح عليهم بحفظ القرآن حتى يحفظ القرآن الصغير والكبير، والرجل والمرأة، والحر والعبد، قال: فيوشك قائل أن يقول: ما للناس لا يتبعوني وقد قرأت القرآن؟! ما هم بمتبعي حتى أبتدع لهم غيره، فإياكم وما ابتدع!

    قد يكون الإنسان حافظاً للقرآن ذا علم به، فحينما يرى الناس لا تتبعه، يفكر في إحداث شيء يلفت انتباههم إليه، كأن يغني لهم القرآن بطريقة من طرق الألحان التي لا تعرف عن النبي صلى الله عليه وسلم وعن أصحابه في قراءة القرآن.

    يقول معاذ : فإياكم ما ابتدع، فإن ما ابتدع ضلال، وأحذركم زيغة الحكيم، فإن الشيطان قد يقول كلمة الضلالة على لسان الحكيم، وقد يقول المنافق كلمة الحق، يعني: أن إنساناً قد يكون حكيماً، إلا أنه يسقط أو يهوي في براثن شبهة من الشبه، فيحدث أمراً ما جاء قبل ذلك في دين الله عز وجل، ويظن أنه أتى بشيء حسن، وقد يقع العكس فقد يكون الإنسان منافقاً، ويتكلم بالحق مرة فجأة.

    يقول الراوي عنه: قلت لـمعاذ : ما يدريني -رحمك الله- أن الحكيم قد يقول كلمة الضلالة، وأن المنافق قد يقول كلمة الحق؟ قال: بلى اجتنب من كلام الحكيم المشتهرات، يعني: قد يكون الإنسان عالماً من العلماء، وفجأة يأتي بقول جديد ما قيل قبله، كهذا الدكتور الذي ظهر علينا فجأة ليقول: آدم كان له أب وأم قبل، هل له أن يرينا أين هذا في القرآن؟ فإن قال: القرآن ما نفى، نقول: ولم يثبت القرآن ما تقول، والأصل في العلم الإثبات وليس النفي، فإذا كان القرآن لم ينف ذلك لكنه لم يثبت هذا، فنقول: القرآن سكت عن هذا أو تكلم فيه، أي هل القرآن ذكر قبل آدم وجود أب وأم لآدم قبل ذلك أم سكت عنه؟ فإذا قال: تكلم فيه، نقول له: أين في القرآن ما تكلم به؟ فإذا قال: سكت القرآن عن ذلك، نقول: إن سكت القرآن أفلا يسعك أنت السكوت، وإذا كان القرآن لم يتكلم في ذلك، أفتتكلم أنت في ذلك بغير علم أم أنك تتكلم في هذا للشهرة؛ لكي يقول الناس: قال الذي ما قيل وأتى بالذي ما أُتىَ به قبل ذلك؟ فهذا أتى بشيء في الدين لم يقله الله عز وجل، ولم يقله النبي صلى الله عليه وسلم، فوقع في مخالفة الكتاب والسنة ووقع في الضلال، وإني لأتساءل ما الذي يدفع المسلمين إلى ذلك؟ وإذا كان من يقول ذلك من علماء المسلمين فكيف بآحاد الناس، وكيف بالمستشرقين الذين لا يألون جهداً في الطعن في كتاب الله وفي سنة النبي صلى الله عليه وسلم؟ لقد اتبع الناس بعضهم في دين الله عز وجل، وتركوا سنة النبي صلى الله عليه وسلم، وإذا جاء العلماء بالبدع فقد ضاع دين الله ولا حول ولا قوة إلا بالله!

    يقول معاذ رضي الله عنه: اجتنب من كلام الحكيم المشتهرات التي يقال لها: ما هذه؟ ولا يثنينك ذلك عنه، والمراد بالمشتهرات الشيء الذي يشتهر به بين الناس ولم يقله أحد قبله، يقول معاذ : التي يقال لها: ما هذه؟ أي: التي تنكرها القلوب، وينكرها أصحاب العقول، ثم يقول: ولا يثنينك ذلك عنه فإنه لعله أن يراجع، وتلقى الحق إذا سمعته فإن على الحق نوراً أو كما قال رضي الله تبارك وتعالى عنه.

    فقد ذكر الله آدم في مواضع كثيرة من كتابه سبحانه، ولم يذكر سبحانه أن لآدم أباً ولم ينفه عنه إنما ذكر أن بدء الخلقية من البشر آدم على نبينا وعليه الصلاة والسلام، وأنه أول من علمه الله سبحانه أسماء كل شيء، وليس هناك ما يثبت ما يقوله دكتورنا المتحذلق وغاية ما يستدل به قوله تعالى: إِنَّ اللَّهَ اصْطَفَى آدَمَ [آل عمران:33] حيث يزعم أن آدم كان في مجموعة ثم اصطفى الله منهم آدم، والرد على ذلك أن نقول: اصطفى آدم من البشر كبشر، فكل البشر إذا جاءوا يوم القيامة يجدون آدم قد اصطفاه الله عز وجل وفضله على غيره، كما تدل الأحاديث عن النبي صلى الله عليه وسلم على ذلك، وليس معناه إن آدم كان موجوداً في مجموعة من البشر ثم اصطفاه الله من هذه المجموعة، بل خلقه الله عز وجل من التراب كما أخبر سبحانه، وأخبر أنه علمه الأسماء فقال: وَعَلَّمَ آدَمَ الأَسْمَاءَ كُلَّهَا ثُمَّ عَرَضَهُمْ عَلَى الْمَلائِكَةِ فَقَالَ أَنْبِئُونِي بِأَسْمَاءِ هَؤُلاءِ إِنْ كُنتُمْ صَادِقِينَ [البقرة:31].

    فالملائكة لا تعلم إلا ما علمها الله سبحانه، وقد فضل الله آدم عليها وعلمه أسماء الأشياء، ولو كان قبله أب وأم لكان أبوه وأمه هما اللذان علماه هذه الأسماء كما يعلم البشر آباؤهم وأمهاتهم، ولكن لكون آدم لم يكن قبله لا أب ولا أم فقد اصطفاه الله وعلمه، فالله هو الذي خلقه من تراب وجعله آية من آياته، وهو الذي علمه أسماء كل شيء سبحانه فقال للملائكة: أَنْبِئُونِي بِأَسْمَاءِ هَؤُلاءِ إِنْ كُنتُمْ صَادِقِينَ * قَالُوا سُبْحَانَكَ لا عِلْمَ لَنَا إِلَّا مَا عَلَّمْتَنَا إِنَّكَ أَنْتَ الْعَلِيمُ الْحَكِيمُ * قَالَ يَا آدَمُ أَنْبِئْهُمْ بِأَسْمَائِهِمْ فَلَمَّا أَنْبَأَهُمْ بِأَسْمَائِهِمْ قَالَ أَلَمْ أَقُلْ لَكُمْ إِنِّي أَعْلَمُ غَيْبَ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ وَأَعْلَمُ مَا تُبْدُونَ وَمَا كُنتُمْ تَكْتُمُونَ [البقرة:31-33].

    ثم ذكر الله عز وجل في القرآن ابتلاء آدم عليه السلام فقال: وَقُلْنَا يَا آدَمُ اسْكُنْ أَنْتَ وَزَوْجُكَ [البقرة:35]، فلو كان لآدم أب لتساءلنا أكانوا في الجنة أم كانوا في الأرض أم كانوا في كوكب من الكواكب الأخرى؟ كيف عاشوا وكيف جاء آدم منهم؟ وكيف انفصل آدم عنهم على نبينا وعليه الصلاة والسلام؟ لم يذكر لنا القرآن مثل هذه الأشياء، وإنما الذي ذكره القرآن أن الله عز وجل خلق آدم من تراب هذه الأرض التي نحن عليها، وجعله الله سبحانه تبارك وتعالى في الجنة على ما يشاء الله سبحانه، ثم نفخ فيه من روحه سبحانه فأحياه كما نص القرآن على ذلك، وقال سبحانه: وَقُلْنَا يَا آدَمُ اسْكُنْ أَنْتَ وَزَوْجُكَ الْجَنَّةَ وَكُلا مِنْهَا رَغَدًا حَيْثُ شِئْتُمَا وَلا تَقْرَبَا هَذِهِ الشَّجَرَةَ فَتَكُونَا مِنَ الظَّالِمِينَ [البقرة:35].

    وذكر الله عز وجل كيف أنه أهبط آدم إلى الأرض، قال تعالى: فَتَلَقَّى آدَمُ مِنْ رَبِّهِ كَلِمَاتٍ فَتَابَ عَلَيْهِ إِنَّهُ هُوَ التَّوَّابُ الرَّحِيمُ [البقرة:37]، وذكر آدم وعيسى، وقال سبحانه: إِنَّ مَثَلَ عِيسَى عِنْدَ اللَّهِ كَمَثَلِ آدَمَ خَلَقَهُ مِنْ تُرَابٍ [آل عمران:59]، فجعل عيسى آية للناس أن خلقه وجاء به من أم فقط، وفي هذا المثل العجيب نتساءل إذا كان عيسى من أم فقط، فكيف يكون آدم على نبينا وعليه الصلاة والسلام وكيف يدعى أن أباً وأماً لآدم على نبينا وعليه الصلاة والسلام! وإذا كانوا يقرون أن المسيح لم يكن له أب وإنما كان له أم فقط، فأين تكون الآية في آدم على نبينا وعليه الصلاة والسلام، حاشا لله عز وجل وتعالى عما يقول الظالمون علو كبيراً.

    مكتبتك الصوتية

    أو الدخول بحساب

    البث المباشر

    المزيد

    من الفعاليات والمحاضرات الأرشيفية من خدمة البث المباشر

    عدد مرات الاستماع

    3086718663

    عدد مرات الحفظ

    755967264