إسلام ويب

تفسير سورة العنكبوت [2 - 7]للشيخ : أحمد حطيبة

  •  التفريغ النصي الكامل
  • يكشف الله سبحانه في هذه الآيات الكريمات سنة من سننه في هذا الكون، وهي: أن من ادعى الإيمان من الناس فلا بد أن يبتلى ويفتن ليظهر صدقه من كذبه، وقد فتن الله تعالى السابقين ليظهر مكنون سرائرهم، ثم لما كان من الناس من يعمل السيئات ذكر الله أن من هذا حاله فلن يفوت ربه؛ بل إن ظن ذلك فهو حكم سيئ على مولاه القادر عليه، ثم بين أن من كان يخاف أو يطمع في لقاء ربه فاللقاء آت لا محالة، ومن عمل صالحاً فإنما يعود نفعه عليه.

    1.   

    سبب تسمية هذه السورة بسورة العنكبوت

    الحمد لله رب العالمين، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، اللهم صل وسلم وبارك عليه وعلى آله وصحابته أجمعين.

    هذه سورة العنكبوت كما ذكرنا في الحديث السابق، واشتهرت بهذا الاسم من عهد النبي صلى الله عليه وسلم لكونها اشتملت على ذكر العنكبوت في قوله تعالى: مَثَلُ الَّذِينَ اتَّخَذُوا مِنْ دُونِ اللَّهِ أَوْلِيَاءَ كَمَثَلِ الْعَنكَبُوتِ اتَّخَذَتْ بَيْتًا وَإِنَّ أَوْهَنَ الْبُيُوتِ لَبَيْتُ الْعَنْكَبُوتِ لَوْ كَانُوا يَعْلَمُونَ [العنكبوت:41].

    وكان المشركون كما يقول عكرمة رحمه الله إذا سمعوا تسمية سورة العنكبوت يستهزئون بالتسمية وبالقرآن ويستهزئون بالنبي صلى الله عليه وسلم، فأنزل الله عز وجل على نبيه صلى الله عليه وسلم: إِنَّا كَفَيْنَاكَ الْمُسْتَهْزِئِينَ [الحجر:95]، يعني: المستهزئين بهذا ومثله.

    وقال سبحانه وتعالى: إِنَّ اللَّهَ لا يَسْتَحْيِي أَنْ يَضْرِبَ مَثَلًا مَا بَعُوضَةً فَمَا فَوْقَهَا [البقرة:26].

    فالله عز وجل لا يستحيي أن يضرب المثل للشيء الصغير الذي هو في نظر الناس حقير.

    والإنسان عدو ما جهل، بل ويستهزئ بما يجهله، فإذا تبين له بعد ذلك حقيقتة رجع إلى الأمر وتاب إلى ربه سبحانه وتعالى.

    لكن المشركين نظروا إلى قوله سبحانه: مَثَلُ الَّذِينَ اتَّخَذُوا مِنْ دُونِ اللَّهِ أَوْلِيَاءَ كَمَثَلِ الْعَنكَبُوتِ اتَّخَذَتْ بَيْتًا [العنكبوت:41].

    فالله عز وجل ذكر مثلهم في اتخاذهم أولياء وناصرين ينصرونهم من دون الله، وتعززوا بالشياطين وبأصنامهم وأوثانهم، فمثلهم في استنصارهم بذلك كمثل الذي يحتمي ببيت وواهن ضعيف.

    فهم يحتمون بشركائهم ويستنصرون بهذه الطواغيت التي لا تملك لنفسها فضلاً عن غيرها شيئاً، فمثلهم كإنسان هجم عليه أعداؤه، فدخل يختبئ من الأعداء ويحتمي من ضرباتهم ببيت العنكبوت الذي هو أوهن البيوت.

    وأي إنسان هذا الذي يحتمي ببيت العنكبوت فيحميه؟! فهذا مثل هؤلاء الكفار.

    لذلك لما وجدوا أن القرآن يذكرهم بذلك، وأنهم كالذي يحتمي ببيت العنكبوت، إذا بهم يستهزئون، ولم ينظروا إلى حقيقة الأمر أن أولياءهم لا تنفع ولا تشفع ولا تضر ولا تملك لنفسها ولا لغيرها شيئاً، ولكنهم تجاهلوا ذلك، وتغافلوا عنه، وزعموا أن هذه الآلهة تنفعهم وتقربهم إلى الله زلفى.

    فلما سمعوا كلمة العنكبوت ضحكوا واستهزءوا من النبي صلى الله عليه وسلم ومما ذكر الله عز وجل، وعندما نأتي إلى قوله سبحانه وتعالى: كَمَثَلِ الْعَنكَبُوتِ اتَّخَذَتْ بَيْتًا [العنكبوت:41] سنجد أنها آية من آيات الله سبحانه وتعالى العظيمة، ومعجزة من المعجزات التي لم يفهموها، ولم يعرفوا حقيقتها إلا بعد أن تقدم العلم، فظهر لهم هذا الشيء, وإن كان هذا المثال واضحاً: إنكم تحتمون بآلهتكم، وما الذي تصنعه لكم آلهتكم؟! ولو جاء إنسان من الكفار على آخر منهم وضربه بالسيف أمام هذه الآلهة ما أغنت عنه شيئاً، فكيف تعبدونها من دون الله سبحانه، وهي لا تملك لنفسها ولا لكم شيئاً؟!

    وكذلك ذكر الله عز وجل البعوضة والنمل، وهذه أشياء لا يذكرها الله تعالى إلا لحكمة، وأهل الجاهلية مع كفرهم وشركهم فعقولهم في عمى وضلالة، لا يفهمون ولا يحاولون الفهم لما جاء في كتاب الله سبحانه وتعالى.

    إن هذه السورة بدأها الله عز وجل بالحروف (ألف، لام، ميم) فيتحدى هؤلاء الكفار: إن كلامكم مكون من هذه الحروف، فائتوا بمثل هذه القرآن، أو بعشر سورٍ من مثله، أو سورة واحدة من مثله.

    فهم سخروا من القرآن لأنه ذكر الله عز وجل فيه العنكبوت والنمل والبعوض، ولكنه لما تحداهم لم يقبلوا هذا التحدي، والأكثرون لم يفعلوا ذلك، وعادة الإنسان العربي أن فيه عصبية، وفيه عناد، فإذا تحداه أحد قبل التحدي، ولكن من إعجاز القرآن أن الغالبية العظمى من هؤلاء لم يقدروا أن يقبلوا هذا التحدي، ومن رءوس هؤلاء الكفار الوليد بن المغيرة الذي كان يعد من أفصحهم وأبلغهم، وأكثرهم مالاً وبنين، ومع ذلك كان كلامه عن هذا القرآن: إنه قرآن عجيب وإن له لحلاوة، وإن عليه لطلاوة، وإن أعلاه لمثمر، وإن أسفله لمغدق, وما هو بقول البشر.

    وبعضهم حاول أن يؤلف مثل هذا القرآن، فبدأ يتكلم بكلام فيه تخاريف، فيذكر أشياء فيضحك عليه من حوله منه، كما فعل مسيلمة الكذاب ، لما سمع سورة العصر من النبي صلى الله عليه وسلم، ثم قال بعد ذلك: وأنا أنزل علي، ثم تكلم عن الضب بكلام فارغ يصفه به، فجعل أصحابه يضحكون من الكلام الذي قاله، وقال له قائلهم: والله إنك لتعلم أني أعلم أنك كاذب. ومع ذلك تبعوه لكونه منهم، لا لكونه صادقاً.

    فالغرض من ذلك بيان أن العرب الذين كذبوا النبي صلى الله عليه وسلم قد قال الله عز وجل عنهم: فَإِنَّهُمْ لا يُكَذِّبُونَكَ وَلَكِنَّ الظَّالِمِينَ بِآيَاتِ اللَّهِ يَجْحَدُونَ [الأنعام:33].

    أي: أنهم لا يقولون عنك كذاب، بل هم يجحدون آيات الله، وفي قرارة أنفسهم يعرفون أنك على الحق تماماً، ولكنهم يظهرون خلاف ما يبطنون.

    1.   

    تفسير قوله تعالى: (أحسب الناس أن يتركوا أن يقولوا آمنا وهم لا يفتنون)

    قال سبحانه: أَحَسِبَ النَّاسُ أَنْ يُتْرَكُوا أَنْ يَقُولُوا آمَنَّا وَهُمْ لا يُفْتَنُونَ [العنكبوت:2].

    (الناس) المقصود بهم هنا المسلمون، أو بعض المسلمين، فهو من العموم الذي يراد به الخصوص، أي: أحسب المؤمنون الذين دخلوا في هذا الدين أن يتركهم الله عز وجل على ذلك من غير أن يبتليهم ومن غير أن يمتحن قوة إيمانهم، فيرفع درجاتهم بهذا الذي يبتلون به في الدنيا؟!

    فليس الأمر سهلاً بمجرد أن الإنسان يقول: لا إله إلا الله، أو يا الله، فينزل عليه الرزق من السماء، ويفتح له أبواب الرزق من الأرض، ويفتح له الحب من الناس، والخير الذي يراه أمامه كل يوم من غير أي بلاء ولا عناء، فيكون في جنة في الدنيا، وهذا لا يكون للمؤمن أبداً، أنه في الدنيا منعم مرفه، وفي الآخرة كذلك؛ بل لا بد أن يبتلى في الدينا حتى ينال النصيب الأوفى والحظ العظيم من النعيم يوم القيامة، لذلك لا بد في الدنيا من البلاء.

    1.   

    تفسير قوله تعالى: (ولقد فتنا الذين من قبلهم ...)

    قال سبحانه: وَلَقَدْ فَتَنَّا الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ [العنكبوت:3].

    أي: ابتليناهم واختبرناهم وامتحناهم بالآيات في الدنيا، وبالتعذيب فيها، حتى نجحوا ونجاهم الله عز وجل، وأدخلهم الجنة.

    قال تعالى: فَلَيَعْلَمَنَّ اللَّهُ الَّذِينَ صَدَقُوا وَلَيَعْلَمَنَّ الْكَاذِبِينَ [العنكبوت:3].

    في قوله: (فليعملن) (وليعلمن) اللام للتوكيد، والنون للتوكيد، فدخلت اللام على أول المضارع والنون المثقلة على آخره وهذا دليل على القسم، كأنه يقول: والله ليعلمن الله عز وجل ذلك، والله يعلم علم غيب، ويعلم علم الشهادة، و(ليعلمن) تفيد الاستقبال، فكأنه علم مخصوص، وقبل ذلك كان الله عز وجل يعلم كل شيء قبل أن يخلق البشر، فخلق الله عز وجل القلم وأمره أن يكتب ما يكون إلى يوم القيامة، فكتب هذا كله.

    فالله عز وجل علم ما في اللوح المحفوظ؛ من أنه سيكون كذا وكذا، فلان مؤمن وفلان كافر .. وهكذا، لكن هنا علم آخر معناه: علم المشاهد، يعني: أن يحدث ذلك، فالله عز وجل في علمه أن فلاناً لو عاش يكون مؤمناً، أو لو عاش يكون كافراً، ولكنه قبضه قبل أن يكون كافراً، فعلم الله علم غيب، والعلم في الشهادة أن يحدث ذلك، وهذا الذي تكلم عنه سبحانه تبارك وتعالى (فليعلمن) أي: ليكونن ذلك، فقد علمه غيباً فقدره وسيعلمه حين يفعله هذا الإنسان، ويكتب كذلك بأنه فعل ذلك ليجازيه عليه.

    فعلم الله عز وجل علمان لا يختلفان: علم غيب، وعلم شهادة.

    علم غيب: قبل أن يخلق الإنسان قد علم الله ما هو كائن إلى يوم القيامة، وأن هذا مؤمن وأن هذا كافر، وأن هذا يعيش كذا فقدر أجله وعلمه، وشقي أو سعيد، ورزقه كله مقدر عند الله سبحانه، فعندما يحدث هذا الشيء يكون علم الشهادة وعلم بالحدوث لهذا الأمر.

    قال تعالى: فَلَيَعْلَمَنَّ اللَّهُ [العنكبوت:3] أي: فليظهرن ذلك مشاهدة، فَلَيَعْلَمَنَّ اللَّهُ الَّذِينَ صَدَقُوا وَلَيَعْلَمَنَّ الْكَاذِبِينَ [العنكبوت:3]، أي: فليعلمن الله الذين صدقوا في قولهم: لا إله إلا الله، وصدقوا في إيمانهم وزعمهم أنهم يحبون الله سبحانه وتعالى، وليعلمن الكاذبين الذين قالوا: آمنا وهم لم يؤمنوا، والذين كذبوا وادعوا أنهم يجاهدون في سيبل الله، فلما جاء الجهاد لم يفعلوا ذلك.

    1.   

    تفسير قوله تعالى: (أم حسب الذين يعملون السيئات أن يسبقونا ...)

    قال سبحانه: أَمْ حَسِبَ الَّذِينَ يَعْمَلُونَ السَّيِّئَاتِ أَنْ يَسْبِقُونَا [العنكبوت:4].

    يعني: أفظن الذين يعملون السيئات ويكسبون الشرك والمعاصي، وأفظع السيئات الكفر بالله سبحانه وتعالى. فيقول لهؤلاء المشركين: هل تظنون أنكم تهربون من الله سبحانه، وتعجزون ربكم؟! وكأنه المثال الذي بين الناس: شخص يجري وراء آخر فقد يفلت من هذا الذي يجري وراءه، ولكن أتظن وأنت تتعامل مع الله عز وجل أنك سوف تهرب منه سبحانه، فتصعد إلى السماء أو تنزل إلى الأرض، أو تمشي شمالاً أو يميناً، وتفلت من الله سبحانه، فهذا لا يكون أبداً.

    قال تعالى: سَاءَ مَا يَحْكُمُونَ [العنكبوت:4]، أي: ساء ما يحكمون به على ربهم أن شبهوه بالخلق، تعالى الله عما يقولون علواً كبيراً.

    فهم في عبادتهم يشبهون خالقهم بالمخلوق؛ لذلك صنعوا الأوثان والأصنام حتى يروها أمامهم، فيعبدوها من دون الله سبحانه وتعالى، وهذا تفكيرهم الغبي، فقال سبحانه: سَاءَ مَا يَحْكُمُونَ [العنكبوت:4]، أي: على خالقهم بأنه لا يقدر عليهم، أو بأنهم يعجزونه، ولذلك لما اجتمع ثقفيان وقرشي أو قرشيان وثقفي، فتكلموا يسرون إلى بعضهم، وأسروا حديثهم، فسأل بعضهم بعضاً: أترون الله يسمعنا؟

    فقال أحد الحمقى منهم: أرى أنه يسمعنا لو جهرنا ولا يسمعنا إذا أسررنا.

    وقال الأخر: لو كان يسمعنا إذا جهرنا فهو يسمعنا في الحالين.

    فأنزل الله عز وجل يذكر في هذه الآيات أنهم كانوا يقيسون الخالق على المخلوق، إذ لو وقف أحد بعيداً عن المخلوق وأسر لآخر فإنه لن يسمعه، كذلك ربنا تعالى الله عما قالوا. فنتكلم في السر من أجل ألا يسمعنا.

    قال تعالى: سَاءَ مَا يَحْكُمُونَ [العنكبوت:4]، أي: يحكمون على خالقهم حكمهم على البشر، ويحكمون عليه أنه لا يقدر عليهم، وأنهم يعجزونه ويفلتون ويهربون منه.

    1.   

    تفسير قوله تعالى: (من كان يرجو لقاء الله فإن أجل الله لآت ...)

    ثم قال تعالى: مَنْ كَانَ يَرْجُوا لِقَاءَ اللَّهِ فَإِنَّ أَجَلَ اللَّهِ لَآتٍ [العنكبوت:5].

    (يرجو) أي: يؤمل، وإن كان أكثر المفسرين على أن معناها: يخاف، وهو من معاني الرجاء، قال الشاعر:

    إذا لسعته النحل لم يرج لسعها

    فمعنى قوله: (لم يرج لسعها): لم يخف لسعها.

    فقوله: مَنْ كَانَ يَرْجُوا لِقَاءَ اللَّهِ [العنكبوت:5]، أي: من كان يخاف من لقاء الله يوم القيامة، ويخاف من ذنوبه: فَإِنَّ أَجَلَ اللَّهِ لَآتٍ [العنكبوت:5]، فإن الموت آت آت.

    ويرجو أيضاً بمعنى: يؤمل، فالإنسان المؤمن الذي يؤمل لقاء الله سبحانه وتعالى، فليعمل عملاً حسناً فإنه ملاقيه عند الله.

    ومن كان يخاف من لقاء الله سبحانه فليحذر من النار يوم القيامة، فإن الله سبحانه وتعالى يعذب من عصاه، قال تعالى: فَإِنَّ أَجَلَ اللَّهِ لَآتٍ [العنكبوت:5]، أي: فالموت آت والبعث والنشور والقيامة آتية.

    فأكده الله عز وجل باللام هنا، فهو آت لا محالة، وهو السميع لما يقولون العليم بأحوالهم.

    1.   

    تفسير قوله تعالى: (ومن جاهد فإنما يجاهد لنفسه ... )

    قال تعالى: وَمَنْ جَاهَدَ فَإِنَّمَا يُجَاهِدُ لِنَفْسِهِ إِنَّ اللَّهَ لَغَنِيٌّ عَنِ الْعَالَمِينَ [العنكبوت:6].

    فكل إنسان يجاهد فإنما الجزاء لنفسه، ولن ينفع بجهاده ربه سبحانه وتعالى شيئاً، والإنسان الذي يذبح مضحياً أو يذبح هدياً يتقرب به لله سبحانه، قال تعالى: لَنْ يَنَالَ اللَّهَ لُحُومُهَا وَلا دِمَاؤُهَا [الحج:37].

    أي: لن يأخذ منكم فيأكل ولا ينتفع بهذا الذي تفعلوه، ولكن أنتم الذين تنتفعون بذلك، والذي يجعل ربكم سبحانه يعطيكم الثواب هو تقواكم، فأنتم المنتفعون أولاً وآخراً.

    فإياك أن تمن عليه سبحانه بعملك وبعبادتك له، فإن الله لغني عنك وعن عبادتك، قال: إِنَّ اللَّهَ لَغَنِيٌّ عَنِ الْعَالَمِينَ [العنكبوت:6].

    لكن العبد يصلي ويصوم ويرجو رحمة الله، ويصبر على الأذى، ويصبر على أقدار الله سبحانه وتعالى، وليتذكر قوله تعالى: أَحَسِبَ النَّاسُ أَنْ يُتْرَكُوا أَنْ يَقُولُوا آمَنَّا وَهُمْ لا يُفْتَنُونَ [العنكبوت:2].

    ولذلك لما قتل مهجع مولى عمر بن الخطاب رضي الله عنه في يوم بدر وجزع عليه أبوه، وجزعت عليه زوجته جزعاً شديداً إذا بالله عز وجل ينزل هذه الآية: أَحَسِبَ النَّاسُ أَنْ يُتْرَكُوا أَنْ يَقُولُوا آمَنَّا وَهُمْ لا يُفْتَنُونَ [العنكبوت:2].

    أي: لا بد أن يفتنوا بالعذاب في الدنيا بالقتل والاستشهاد فيها، ولا بد أن يفتنوا ويبتلوا بالبلاء في الدنيا حتى يرفع الله عز وجل درجاتهم يوم القيامة.

    قال تعالى: إِنَّ اللَّهَ لَغَنِيٌّ عَنِ الْعَالَمِينَ [العنكبوت:6] يعني: عن أعمال الناس.

    وقال لهم: وَإِنْ تَتَوَلَّوْا يَسْتَبْدِلْ قَوْمًا غَيْرَكُمْ ثُمَّ لا يَكُونُوا أَمْثَالَكُمْ [محمد:38].

    1.   

    تفسير قوله تعالى: (والذين آمنوا وعملوا الصالحات لنكفرن عنهم سيئاتهم ...)

    قال سبحانه: وَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَنُكَفِّرَنَّ عَنْهُمْ سَيِّئَاتِهِمْ [العنكبوت:7].

    وهذا قسم من الله عز وجل للمؤمنين، فكأنه يقول: والله لنكفرن عنكم أيها المؤمنون العاملون الصالحات سيئاتكم.

    وقوله: والذين أمنوا وعلموا الصالحات هذا قيد، فلا يأتي إنسان ويقول: أنا أقول: لا إله إلا الله، وهذا يدخلني الجنة، فلا بد من العمل، وهذا من واجبات الإيمان، فلا بد أن تعمل عملاً صالحاً.

    والتكفير: المحو، أي: نمحو عنهم سيئاتهم بالمغفرة.

    قال تعالى: وَلَنَجْزِيَنَّهُمْ أَحْسَنَ الَّذِي كَانُوا يَعْمَلُونَ [العنكبوت:7].

    والمعنى: نجزيهم أعمالهم بأحسن مما يتمنونه، فالإنسان يعمل العمل ويرجو الثواب من الله، هو يرى العمل قليلاً، فإذا جاء يوم القيامة وجد ثواباً عظيماً جداً لم يكن على باله.

    كالذي يأمر بالمعروف وينهى عن المنكر، فإذا بالناس يستجيبون ويفعلون هذا المعروف الذي أمرهم به، وهو لا يتخيل أن هذه الكلمة التي قالها توصله لهذا الثواب العظيم، فإذا به يوم القيامة يجد أعمالاً عظيمة له لم يعملها، ولكنه جوزي بعمل أصحابها.

    ولذلك الكلمة الطيبة صدقة للإنسان، وأن تبتسم في وجه أخيك فتصير لك عادة فتضحك لأخيك فتكتب لك حسنة عند الله سبحانه، فإذا جئت يوم القيامة وجدت حسنات كثيرة ليست على بالك: حسنة لأنك أمرت بالمعروف ونهيت عن المنكر، وحسنة لأنك تبسمت في وجه أخيك، وحسنة لأنك أعنت إنساناً على حاجته، وحسنة لأنك دفعت لإنسان دابته وأعنته فيها: وهكذا، ولهذا قال: وَلَنَجْزِيَنَّهُمْ أَحْسَنَ الَّذِي كَانُوا يَعْمَلُونَ [العنكبوت:7]، أي: بأحسن أعمالهم وهي الطاعة، وكذلك نكفر عنهم كل معصية.

    نسأل الله عز وجل أن يجعلنا من الذين آمنوا وعملوا الصالحات.

    أقول قولي هذا وأستغفر الله العظيم.

    وصل اللهم وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.

    مكتبتك الصوتية

    أو الدخول بحساب

    البث المباشر

    المزيد

    من الفعاليات والمحاضرات الأرشيفية من خدمة البث المباشر

    عدد مرات الاستماع

    3086718659

    عدد مرات الحفظ

    755906528