إسلام ويب

رفقاً بالقواريرللشيخ : خالد الراشد

  •  التفريغ النصي الكامل
  • إن العلاقة القائمة بين الرجل والمرأة ستكون أكثر ثباتاً، وأدوم مودةً، وأغزر عطفاً، إذا كانت قائمة على التفاهم والتعاون والتكامل بينهما. ولن يتأتَّى هذا كله إلا إذا كان الرجل صاحب خلق ودين، وينبغي للرجل أن يعلم أن الزواج هو: مودة ورحمة، وأنه يعيش مع امرأة تسيطر عليها المشاعر والعواطف والأحاسيس، فعليه أن يتودد لها بأجمل العبارات، وأن ينتقي أفضل الألفاظ، وأن يشعرها بعظم قيمتها في حياته، كأن يأخذ مشورتها في بعض الأمور، وأن لا يتعامل معها بجفاء وغلظة، لئلا تستحيل حياتها إلى أشبه ما تكون بالعذاب.

    1.   

    الإيمان أساس عمارة البيوت وسعادتها

    إن الحمد لله، نحمده ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأشهد أن محمداً عبده ورسوله.

    يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ [آل عمران:102].

    يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالًا كَثِيرًا وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا [النساء:1].

    يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا * يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا [الأحزاب:70-71].

    أما بعد:

    فإن أصدق الحديث كلام الله، وخير الهدي هدي محمد صلى الله عليه وسلم، وشر الأمور محدثاتها، وكل محدثة بدعة، وكل بدعة ضلالة، وكل ضلالة في النار، ثم أما بعد:

    سأل مسلم أحد المجوس: أي امرأة أنكح؟ فقال: ديننا ودين اليهود والنصارى كل له مواصفات في الزوجة، قال: في الجاهلية كانت تنكح للنسب، وعند النصارى تنكح للجمال، وعند اليهود تنكح للمال، ونبيكم ينكح للدين، فاختر أنت، فهذا هو الضابط للمرأة، أن تكون صاحبة خلق ودين.

    ونفس الشيء للرجل: (إذا أتاكم من ترضون دينه وخلقه فزوجوه، إلا تفعلوا تكن فتنة في الأرض وفساد عريض).

    إذا وضعت المرأة في يد الرجل الصالح الأمين، إن أحبها أكرمها، وإن لم يحبها لم يهنها، إما سيمسكها بمعروف، أو سيفارقها بإحسان.

    اليوم تحصل إهانات في البيوت وأحوال لا يعلم بها إلا الله، وقد اتصلت بي أحد النساء تقول: يريدون أن يزوجوني من ولد عمي، قلت: هذا أمر طيب وخير وبركة، قالت: لكنه لا يصلي، وأعرف تماماً أنه لا يركع ولا يسجد.

    هل يجوز أن نزوج مثل هذا يا إخوان؟! حتى لو كان ولد عمها، أو ولد خالها، أو قريباً من أقاربها، لا يجوز. لماذا نقدم العادات والتقاليد القبلية البائدة على أوامر الدين؟ هذا هو سبب التأخر والمشاكل التي تحدث في البيوت الآن، فقلت لها: الجئي إلى وليك بعد الله، قالت: لجأت له بعد الله، ولكن للأسف! قال لها: إن شاء الله هدايته تكون على يديك.

    تقول: قلت له: وما يدريك لعل انحرافي يكون على يديه هو؟ فأنا أحتاج إلى من يعينني لا أن أعينه.

    سبحان الله! البيوت -في بعض الأحيان- إذا لم توضع لها هدفاً منذ بُنيت والله لن تستمر الحياة الزوجية، وإن استمرت فستستمر وفيها أخطاء وملابسات، وفيها أشياء لا يعلم بها إلا الله، إن لم تقم هذه البيوت على قوله تعالى: قُوا أَنفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَارًا وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ [التحريم:6]، ويضع أصحاب البيوت هذا الهدف نصب أعينهم، ويسعون من أجل تحقيق هذا الهدف، وإلا والله كل البيوت ستتلاعب بها الشياطين صباح مساء.

    كتبت إلي إحداهن تقول: تزوجنا منذ سنتين، وكنا في حال لا يعلم بها إلا الله، وكنا لا نصلي إلا نادراً (الزوج والزوجة)، وأصوات الأغاني دائماً تتردد على مسامعنا؛ فبفضل الله وبرحمته اهتدى زوجي إلى طريق الحق والصواب والثبات، وتغيرت أحوالنا تماماً، فاستبدلنا أشرطة الأغاني بأشرطة الحديث والقرآن، وحافظنا على الصلوات والصيام، ولم يكن يقف أمامنا عائقٌ إلا الدش، قاتل الله هذه الأطباق!

    تقول: اقترحت على زوجي أن يحذف جميع القنوات ويبقي لنا بعض القنوات التي تبث البرامج الدينية، ولكن هذه ليست وسيلة للتخلص، فالقنوات لا تزال موجودة، وكل ما عليك: أن تغير الرقم السري وتفتح التشفير مرة أخرى، فأنت لم تتخلص منها، والشيطان لا يزال يوسوس لك، ويقول لك: غير وافتح وبدل، لكن التخلص من المعصية أن تتخلص منها تماماً وألاَّ تبقي لها أثراً أمامك.

    تقول: اقترحت عليه أن يحذف جميع القنوات، ويبقي لنا بعض القنوات التي تبث بعض البرامج الدينية، وانتقلنا إلى بيت ثانٍ بحكم أن البيت الأول لم يكن قريباً من المسجد.

    ويوم أن جاءت الهداية وجاءت الاستقامة تغيرت الأحوال، يريدون بيتاً بجوار المسجد وغيروا القنوات، هكذا يصنع الإيمان! لكن حتى الإيمان إذا لم نحفظه فإنه يذهب، الإيمان تارة يرتفع إذا حافظنا على الطاعات، وإذا ارتكبنا المعاصي والمنكرات انخفض، فليس من الصعب أن تصل إلى قمة الجبل، لكن الصعب أن تمكث في القمة، محتمل أن تنزل، لكن إن نزلت وراجعت الحسابات تستطيع أن ترجع مرة ثانية وبسرعة، لكن إذا استمر الانحدار، ولم تراجع الحسابات، ثم إذا التفت إلى القمة فإذا هي بعيدة فالرجوع إليها يكون صعباً؛ لذا من صفات الجادين المحاسبة، ومن صفات الصادق الجاد الذي عنده هدف أنه يجرد حساباته من حين إلى حين، فإذا راجع الحسابات أولاً بأول، فإنه سيرتقي بإيمانه مرة أخرى، وكثير من الناس من ينتكس ثم يهمل نفسه، وفي داخله منادٍ يناديه: ارجع فلا يستجيب، ارجع فلا يستجيب، ثم يأتي في يوم من الأيام يفكر أن يرجع لكن المسافة قد صارت بعيدة، والفجوة صارت سحيقة، لكنه إذا راجع حساباته من أول مرة سيرجع بإذن الله.

    تقول: بعد مرور سنة على حالنا هذه صارت لزوجي ظروف عمل، واضطر إلى أن يسافر عدة أشهر، وكان من الصعب أن يتركني وحدي في البيت، بحكم أننا لم نرزق بأطفال، ففكرت في أن أذهب إلى أهلي إلى أن يعود، وبالفعل ذهبت.

    ثم صارت ظروف في العمل واختاروا شخصاً آخر، ورجع هو قبل إتمام المهمة، وكان المفروض أننا إذا سافرنا أن نؤثر على الآخرين لا أن يؤثروا علينا.

    ومنذ أن سافر انغسلت الأفكار وتغيرت الوجهات، تقول: منذ أن رجع وبعد دخوله البيت بأسبوع أدخل لنا الإنترنت، ونحن لسنا ضد الإنترنت، ففيه خير كثير، لكن نحن ضد الاستخدام السيئ للإنترنت ما وقياساً على الحديث: ما خلا رجل أو امرأة بالإنترنت إلا كان الشيطان ثالثهما، فكم أفسدت الشبكات العنكبوتية؟! وكم دمرت من بيوت؟! وكم من عفيفة أصبحت زانية؟ وكم من شاب مستقيم أصبح من المنحرفين؟

    السبب: الاستخدام الخاطئ، وضعف الوازع الديني، وقلة المراقبة في الخلوات، كل ذلك يؤدي بكثير من الشباب إلى الانحرافات نسأل الله العفو والعافية، ارتق بإيمانك، بأن تعبد الله كأنك تراه، فإن لم تكن تراه فإنه يراك.

    بعض الشباب تضعه في مكان يؤثر على الجميع، ولله دره ما عندنا من هؤلاء إلا قليل، في أي مكان تضعه فهو يؤثر ولا يتأثر، وبعضهم بمجرد أن ينتقل من بيئة إلى بيئة إذا به يرجع لنا بأفكار أخرى.

    أقول: قس مدى حقيقة إيمانك، ليس أمام الناس؛ لأن أمام الناس الكل يتزين، والكل يدعي أمام الناس أنه عابد زاهد، لكن من أشد الناس عذاباً يوم القيامة رجل يجر أقتابه في النار -نسأل الله العفو والعافية- فيقول له أهل النار: أما كنت تأمرنا بالمعروف وتنهانا عن المنكر؟ قال: بلى، كنت آمركم بالمعروف ولا آتيه، وأنهاكم عن المنكر وآتيه.

    ومن أشد الناس عذاباً يوم القيامة أقوام إذا خلوا بمحارم الله انتهكوها، قس إيمانك -بارك الله فيك- إذا كنت خلف الجدران أترى سارقاً يسرق والناس يرونه؟ أتراه يزني والأبصار تشاهده؟

    أبداً والله، لكن الذي يستشعر عظمة الله، ودعته امرأة ذات حسن وجمال، (وغلقت الأبواب وقالت هيت لك) ماذا قال لها؟! مَعَاذَ اللَّهِ [يوسف:23]، يستشعر رقابة الله.

    أيها الإخوة! ساعة مع الإنترنت تهدم إيمان سنة، وساعة واحدة فقط أمام صور إباحية ومناظر خليعة تهدم طاعات وقيام ليل وصيام، أي إيمان هذا؟! أي شيء لا ينبني على أساس متين فمصيره إلى الزوال، النبي صلى الله عليه وسلم يقول: (إن الرجل ليعمل بعمل أهل الجنة) فيما يظهر للناس لكنه إذا خلا وجلس أمام الإنترنت يتصفح صفحة صفحة، يا ليت أنه يتصفح الطيب، وإنما يتصفح الخبيث، نسأل الله العفو والعافية.

    فلماذا تخاطر بدينك؟

    أعجبني ذلك الشاب ولله دره، قال: عرضت علي دورة عمل -وكان حديث استقامة، ولم يمض على استقامته إلا شهور- قلت: ما هي الآثار المترتبة على هذه الدورة؟ قال: يا شيخ! الوظيفة ستتغير رأساً على عقب، وراتبي سيتضاعف من ستة آلاف إلى اثني عشر ألفاً، والمميزات التي سأحصل عليها بعد حصولي على الشهادة ستختلف تماماً، لكني أخاف على ديني، ولست أضمن إن ذهبت إلى هناك أني أرجع وأنا ملتزم.

    يقول لي ببسيط عبارته: أنا لم أكد أتمكن من الدين وأسلك الطريق المستقيم، حتى أرجع على ما كنت عليه مرة أخرى.

    والله لن أقبل هذه الدورة مهما أعطوني، ومهما بينوا لي.

    الله أكبر يخاف على ماذا؟ إنه يخاف على دينه، ونحن أيها الإخوة! نجازف بديننا في مثل هذه الأمور وكأن الدين رخيص، وكل مصائب الدنيا تهون إلا مصيبة الدين.

    تقول المرأة: منذ رجع أدخل الإنترنت بدون علمي حتى بدون أن يستشيرني، وبدأ يوم بعد يوم يهمل الصلاة، وترك الدروس والمحاضرات نهائياً: بِئْسَ لِلظَّالِمِينَ بَدَلًا [الكهف:50]، بدل الصلوات وقراءة القرآن صار أمام الشاشات والقنوات والصور الخليعة والصور الإباحية، وصار شغله الشاغل الإنترنت، فيجلس عليه طوال الوقت، وكنت أقوم بالليل ولا أجده بالفراش، وإنما جالساً ساعات وساعات أمام الشاشات والقنوات، ولا يجلس معي، ولا يكلمني إلا إذا احتاج إلى شيء، هاتي لي .. أو افعلي لي!

    لكن طالب الحور العين، والذي يتذكر تلك التي لو ضحكت غطى نور وجهها نور الشمس والقمر، يبدل هذا بذاك، بعد ذلك.. ما هي المتعة أو اللذة المترتبة على هذا؟ أليس النظر إلى المحرمات موت بطيء، ونار تحترق في الداخل، لماذا أخاطر بنفسي؟! أمرنا الله بغض الأبصار لكي يعذبنا؟ أبداً، وإنما أمرنا حتى نرتاح وتطمئن النفوس؛ لأن المعاصي تنكت في القلب، فإذا أطلق النظر، وأطلق السمع، وأطلق الكلام، ماذا بقي؟ سيبدأ يتبع خطوات الشيطان خطوة خطوة.

    تقول: لا أذكر أنه كلمني بكلام طيب منذ أن أدخل الإنترنت، إذا كلمته لا يرد علي، تقول: بدأت أعانده، وأجلس معه عند الإنترنت ولا أتحرك، حتى لا يستخدمه كيف ما شاء، وبدأ يصرخ علي ويطردني ويهددني بالضرب، وفي النهاية ضربني، لماذا ضربها؟ هل لأنها خالفت أمر الله؟! لا، ولكن لأنها حالت بينه وبين معصية الله جل في علاه.

    تقول: ضربني وبدون شعور، وصب علي جام غضبه، ثم بعد أن أصبحت حاملاً أصبح يخاصمني فقط، ولم يعد يضربني نهائياً، وإنما فقط يرفع علي صوته بالسب والشتم واللعان، وكانت نفسيتي مرهقة جداً، وهو لا يقدر هذا، لا اهتمام ولا رعاية بل صراخ وسب وشتيمة.

    وفي بعض الأحيان أطلب منه أن يذهب بي إلى المستشفى وهو مشغول على شاشة الإنترنت.

    ثم بعد شهرين من الآلام والهموم سقط حملي، وكان هو السبب الرئيسي في ذلك، ثم ساءت حالتي النفسية، ثم بعدها تقول: أخذ يلومني، يقول: أنتِ لم تهتمي، وأنتِ السبب في إسقاط هذا الجنين.

    يا إخوان! الكلمة الطيبة ترفع المعنويات، والكلمة الطيبة تغير في حياة الكثير، فكيف بالكلمة السيئة؟! نسأل الله العفو والعافية.

    تقول: أصبح يقول: أنتِ لو انتبهتِ على نفسك وأكلت جيداً، واهتممت بنفسك ما حصل هذا، قلت: أخِرج الإنترنت من البيت وإلا فسأخرج أنا، قال: اخرجي أنت.

    مع العلم يا إخوان! أنها زوجة طاهرة عفيفة، توفر له كل شيء، إن أراد طعاماً وفرت له الطعام، وإن أراد الشراب وفرت له الشراب، وثيابه نظيفة، وحتى النكاح إذا أرادها وجدها، ماذا يريد هؤلاء من الجلوس أمام الشاشات والقنوات؟! ماذا يريد هؤلاء؟! هذه خطوات المعاصي، وهذه هي الخطوات التي تهدم الدين، نسأل الله العفو والعافية.

    تقول: رضيت وبقيت وأنا غير راضية، وحاولت بقدر استطاعتي أن أساعده في تحدي هذه المحنة، لكن للأسف لم يكن يعطيني فرصة، كتبت له نصائح.. وضعت له أوراق.. وضعت له أشرطة، ولكنه كان يرميها في المهملات.

    سبحان الله! أما كان يصلي؟ أما كان يقرأ القرآن؟ لكن بدأ الانحدار شيئا فشيئاً، لو راجع الحسابات لرجع إلى ما كان عليه، لكنه أهمل نفسه حتى وصل إلى الحضيض.

    تقول: كتبت له نصائح.. كتبت له أوراق.. حاولت أمنعه.. أجلس معه.. أشغله.. كان دائماً يقف في وجهي ولا يلتفت إلىَّ.

    الآن صار يقول لي: وقتي فارغ، وما عندي شيء يشغلني إلا الإنترنت، يقول لي: دائماً أنا فارغ، ولا يشغلني إلا الإنترنت، وإذا قعد معي قليلاً تأفف وقال: لقد مللت.

    النبي صلى الله عليه وسلم يوم أن أسري به: رأى الجنة ورأى النار، ورأى من أصناف النار أقواماً بين أيديهم لحم طيب، وبين أيديهم لحم خبيث، فإذا هم يتركون اللحم الطيب ويأكلون من اللحم الخبيث، قلت: سبحان الله، ما هذا؟ قال: هذا الرجل أوتي الحلال فيتركه ويذهب إلى الحرام.

    إنها امرأة طاهرة عفيفة بين يديه، فيتركها ويجلس أمام الشاشات والقنوات والإنترنت، وتضييع الأعمار والأوقات.

    ألم يستشعر كلمة: الله يراني؟ ألم يستشعر الَّذِي يَرَاكَ حِينَ تَقُومُ [الشعراء:218]؟ والله ما استشعرها، ولو استشعرها ما خطى مثل هذه الخطوات، تقول: كلما جلست معه تأفف وقال لي: لا تكلميني، بل لا تجلسي أمام وجهي، إذا سألته لماذا؟ يقول دعيني أجلس أمام الإنترنت، وبعد ذلك أرتاح وأجلس معك.

    احترت! ماذا أفعل؟! ماذا أقول له؟!

    تقول: تكلم عن مشكلتي فهي موجودة في كثير من البيوت، بل أرجو أن تخرج لنا شريطاً يعالج مثل هذه المشكلة وهذا فيض من غيض.

    وقد جاءتني مثلها رسالة في الجوال أيضاً، تشتكي سوء أدب الزوج مع زوجته، فتقول: قبل أن تُقدم على الزواج اعرف أن الزواج مسئولية، وأنه أمانة ستسأل عنها أمام الله، يقول صلى الله عليه وسلم: (كلكم راعٍ وكلكم مسئول عن رعيته)، فهل تظن أن كلمة (مسئول) قضية سهلة؟! لن تزول قدما عبد يوم القيامة إلى الجنة أو إلى النار حتى يسأل، لماذا الله سمى يوم القيامة يوم الفرار يَوْمَ يَفِرُّ الْمَرْءُ مِنْ أَخِيهِ * وَأُمِّهِ وَأَبِيهِ * وَصَاحِبَتِهِ وَبَنِيهِ * لِكُلِّ امْرِئٍ مِنْهُمْ يَوْمَئِذٍ شَأْنٌ يُغْنِيهِ [عبس:34-37]؟

    لأنه يوم الحقوق.

    والدواوين عند الله يوم القيامة ثلاثة:

    ديوان شرك لا يغفر.

    ديوان بين العبد وبين ربه، لا ينظر الله إليه إلا إذا تاب العبد.

    ديوان بين الخلق لا يتركه الله حتى يعطي كل ذي حق حقه.

    وحتى الشاة القرناء تقتص من الشاة التي نطحتها يوم إعطاء الحقوق، فالزوجة ستطالب بحقها في ذلك اليوم، والأبناء سيطالبون بحقوقهم في ذلك اليوم، والموظف الكفيل سيطالب بحقه في ذلك اليوم، فهو يوم أداء الحقوق، وستسأل عن كل صغيرة كبيرة.

    1.   

    بعض عيوب المتزوجين

    لعلٍّي في عجالة أذكر بعض عيوب المتزوجين. فبعضهم هاش باش في الشارع، يضحك مع هذا، ويضحك مع ذاك، وإذا دخل إلى بيته لا تكاد تراه يتبسم في وجه أهله!

    كثير من يظن -نسأل الله العفو والعافية- أنه يوم نقرأ أحاديث السلام، أو أحاديث المصافحة، أو أحاديث الخصومة، أو أحاديث كذا أننا نطبقها على الناس ولا نطبقها على أهلنا (تبسمك في وجه أخيك صدقة)، لكن تبسمك في وجه أهلك أعظم، حين تتصدق على الفقير فالأمر عظيم، لكن حين تتصدق على أهلك الأمر أعظم، حين تصافح فلاناً وفلاناً الأمر عظيم، وتحط خطاياكم، لكن حين تصافح أهلك فالأمر أعظم.

    سبحان الله! كثير من النساء يشتكين: ما عرفنا كلام الحب والغرام إلا أيام الملكة، فإذا أخذها في داره ومضى الشهر ثم الشهران فلا تسمع مثل هذا الكلام، كلمة (أحبك) غير موجودة في قاموس كثير من الشباب اليوم.

    أقسم بالله العظيم أني خاطبت مجموعة من الشباب يوماً بينما كنا نتبادل أطراف الحديث، قلت: متى آخر مرة قلت لزوجتك: أنا أحبك؟ قال: لماذا أقول لها أصلاً، هي تعلم أني أحبها، أين أثر الكلمة الطيبة؟ اسألها: ألا تريدين أن أقول لك مثل هذا الكلام؟!

    اتصلت بي امرأة باكية بعد محاضرة من المحاضرات، فقالت: الحمد لله الذي أنقذني! لقد كنت على شفا حفرة من النار وأنا متزوجة، تقول: أقسم بالله العظيم أنه أصبحت لي علاقات هاتفية، ولولا أن الله ستر علي لخرجت معهم.

    لكن الحمد لله، الله أنقذني؛ بقي أن تنصحوا أزواجنا بأن يتلطفوا معنا في العبارات، قولوا لأزواجنا: أن يتلطفوا معنا بالعبارات، وأن يقولوا لنا كلاماً فيه حنان ومودة ولطف، لماذا نسمع هذا الكلام من الذئاب؟! أيها الإخوة! المرأة تسيطر عليها المشاعر فهي تحتاج إلى أن تسمع مثل هذا الكلام منك، مثل: أحبك! أودك! أنت أغلى ما عندي! أنت أم عيالي! زوجتي العزيزة! زوجتي الحبيبة! وتعالوا نفتح قاموساً جديداً، ونضع فيه مثل هذه العبارات.

    كان رسول الله صلى الله عليه وسلم أول ما يدخل على أهله يستاك ويتطيب، واليوم الواحد منا يدخل على أهله وله رائحة كريهة يا إخوان! والله البعض يترفع أن يبتسم، بل إن البعض حين يتكلم عن أمه أو عن أخته أو عن زوجته يقول: المرأة أعزكم الله، فهو إذا تكلم عن المرأة يظن أنها أمر مهان، أبداً إنها مخلوق مكرم من عند الله، بل إن الله قال: وَلَهُنَّ مِثْلُ الَّذِي عَلَيْهِنَّ [البقرة:228]، فوضع لها حقوقاً وواجبات.

    ويوم حجة الوداع خصص النبي صلى الله عليه وسلم جزءاً كبيراً من الخطبة في ذلك اليوم العظيم للمرأة، وكان أكثر ما تكلم عن حقوق المرأة، ثم أرشد الأمة فقال: (ألا هل بلغت؟ اللهم فاشهد) لماذا؟ لأن الجاهلية كانت تهين المرأة، ولا تضع لها اعتباراً، وليس لها قيمة، فكانت لا تستشار ولا يؤخذ برأيها، بل كان يتم التعامل معها كمتاع من أمتعة البيت، فجاء الإسلام ليغير هذا المفهوم، فقال: (استوصوا بالنساء خيراً) في آخر وصاياه وهو يودع الحياة.

    ثم تأمل في هذه العبارات الجميلة: (رفقاً بالقوارير) واسمع بارك الله فيك! وهو يتلطف مع النساء: (رفقاً بالقوارير) إنه قائد أمة -أيها الإخوة- وعنده تسعة بيوت، ويتعاهد البيوت كل يوم، ويلاطف نساءه التسع، وأنت عندك زوجة واحدة، ولم تستطع أن تلاطفها بالليل وبالنهار، ألست تطالبها بالتزين والزينة أمامك؟

    أنا لست أدافع، لكني أرد لكل ذي حق حقه، فعند النساء كثيراً من الأخطاء وسنتكلم في أخطاء النساء، لكن الرجل بيده التغيير يا إخوان! والرجل أكثر صبراً وتحملاً، يقول النبي صلى الله عليه وسلم: (استمتعوا بهن على عوج).

    والظروف التي تمر بها هي، أو هل تدري ماذا يعني حمل ونفاس؟ والله أحوال لا يعلمها إلا الله، فتخيل وأنت تحمل في يدك قطعة وزنها كيلو واحد، وأنت حامل لها لمدة ساعة أو ساعتين أو ثلاث، فهل تستطيع أن تتحمل؟ وكم ستتعب؟ وكم ستضايقك؟ وتأمل في حملها تسعة أشهر الثلاثة أربعة أو إلى خمسة كيلو في بعض الأحيان، ثم هي تصبر وتتحمل، ثم يأتي من يهينها بعد صبرها وتحملها.

    بعض الأزواج يضحك ويتبسم في الشارع، فإذا دخل إلى بيته لا تكاد تسمعه، تقول عائشة : (كان بساماً في بيته يضاحك أهله ويلاعب أهله) بل أصبح تعدد الزوجات اليوم فضيحة من الفضائح، ومصيبة من المصائب في المجتمع الإسلامي، والسبب: الظلم.

    إن زواجه صلى الله عليه وسلم من تسع لم يمنعه من أن يعطي كل بيت حقه، بل كان يجمع النساء ويلاعبهن، وقد اجتمعت عنده سودة وعائشة يوماً من الأيام، فأخذ يضاحك هذه ويضاحك هذه حتى قامت عائشة مرة بحريرة ولطخت بها وجه سودة ، ولأن سودة امرأة أضعف من عائشة ، فمسك النبي صلى الله عليه وسلم بـعائشة وأخذت سودة تلطخ وجهها.

    ويعملن هذا وهن ضرائر! لكن من الذي قام بالمسئولية؟ ومن الذي ألف بين القلوب؟ إنه الرجل، فهو الذي يؤلف بين القلوب.

    وأنت عندك امرأة واحدة فاكسب قلبها بارك الله فيك! وأنت إما زوج وإما ستكون زوجاً في القريب العاجل، فتعلم أدب الزواج قبل الزواج.

    وبعضهم قد يتزين للناس ولا يتزين لأهله، ويلبس للناس أحسن الثياب، فإذا جاء أمام أهله لبس أرداها.

    يقول ابن عباس : والله إني لألبس لها أغلى ثيابي، وإني لأتزين أشد مما هي تتزين لي.

    واليوم وقت شاشات ومغريات، والمصيبة العظمى: ضياع الغيرة من قلوب الرجال، فيجلس هو وإياها وهي تشاهد الرجال، وهو يشاهد النساء.

    ثق تمام الثقة بأي منظار أنت تنظر للمرأة، بنظرة الإعجاب في طولها! في قوامها! في شعرها! ثق تمام الثقة أنها تنظر للرجال بنفس النظرة.

    لما دخل ابن أم مكتوم الأعمى، وكانت حفصة وعائشة جلوس عند النبي صلى الله عليه وسلم، فلما جلس قال النبي صلى الله عليه وسلم لـعائشة وحفصة : (انصرفا، فقالتا: يا رسول الله! إنه أعمى، قال: أعمياوان أنتما؟!).

    فالمرأة تنظر إلى الرجل بنفس النظرة التي أنت تنظر إلى المرأة، والأدهى والأطم عندما يجلس هو وإياها يشاهدان المصارعة الحرة، فتخيل رجلاً مفتول العضلات! فهم يأتون بأناس مفتولين العضلات كالمنافقين، هيئات وشعور طويلة، وهي تنظر إلى زوجها تقول: الله ابتلاني بهذا، تشاهد رجلاً ذا طول وعرض وعضلات، وشعر طويل وحركات، ثم ماذا يلبس أمامها؟ إنه شبه عار، ثم ترى هذا يكحكح أمامها بسبب الدخان، والسمنة قد أهلكته!

    لماذا الله أخبرنا أن من كمال نساء الجنة أنهن قاصرات الطرف؟ من كمال جمال المرأة في الجنة أنها قاصرة الطرف لا تنظر إلى أحد من الرجال غير زوجها، وهذا هو المطلوب من المرأة اليوم، أنها لا تلتفت إلى أحد من الرجال غيره.

    اسمع هذه دعابة وخذها مني: امرأة تقول: أنام مع زوجي ونضع الشاشات والقنوات معنا في غرفة النوم، وهو يسهر وأنا أنام، وكلما قمت أحسست ببلل على وجهي! وفي اليوم الثاني أجد ثيابي مبللة، ووجهي مبللاً، فقلت: سأنظر ماذا يصنع زوجي؟ ومن أين يأتي هذا البلل؟ فكان الزوج يا إخوان! كلما نظر إلى امرأة على شاشة التلفاز بصق على زوجته. ولو نمت أنت واستيقظت وهي تشاهد الرجال، والله ستملأ وجهك مثلما ملأْت وجهها.

    نعم يا إخوان! الله أمر الرجال بغض الأبصار، وفي المقابل أمر النساء كذلك، هذا يغض البصر، وهذا يغض البصر، حتى لا يسقط كل واحد من عين صاحبه، وحتى لا تسقط زوجتك من عينك، ولا يسقط زوجك أنت من عينك، قال تعالى: حُورٌ مَقْصُورَاتٌ فِي الْخِيَامِ [الرحمن:72]، لَمْ يَطْمِثْهُنَّ إِنسٌ قَبْلَهُمْ وَلا جَانٌّ [الرحمن:74].

    لما مات النبي صلى الله عليه وسلم وقرئ على سودة أم المؤمنين رضي الله عنه قول الله: وَقَرْنَ فِي بُيُوتِكُنَّ وَلا تَبَرَّجْنَ تَبَرُّجَ الْجَاهِلِيَّةِ الأُولَى [الأحزاب:33]، ما خرجت من بيتها إلا إلى المقبرة، لماذا؟ لأنها قصرت الطرف، ومات حبيبها فما عادت الدنيا تغنيها، فالرجل يحتاط لأهل بيته.

    تقول لي إحداهن: له شهر ما يكلمني، ونحن نعرف الحديث الذي فيه: (لا يحل لامرئ مسلم أن يهجر أخاه فوق ثلاث) هذه زوجته، تقول: حتى السلام لا يسلم علينا، وبعضهم يهجرها أطول من هذا، وقد تستمر الخصومات في البيوت لأشهر طويلة، نسأل الله العفو العافية.

    1.   

    خيركم خيركم لأهله

    إننا ندعي أننا أتباع محمد، فكثير ادعوا أنهم يحبونه وأنهم أتباعه، فطلب الله منهم الحجة والبينة، فقال: إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللَّهُ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ [آل عمران:31]، فصدق المحبة في صدق الاتباع، كيف كان مع أهله؟ يقول صلى الله عليه وسلم: (خيركم خيركم لأهله، وأنا خيركم لأهلي).

    سئلت عائشة : ماذا يصنع في بيتكم سيد البشر؟ ليس برئيس شركة، ولا أمير دولة، ولا ملك، ولا وزير، لا، بل سيد البشرية كلها، وخير من وطئ الأرض من البشر كلهم، يقال لـعائشة : ماذا يصنع عندكم؟ فقالت: (كان يقوم خدمتنا فيكنس بيتنا، ويصلح طعامنا، ويغسل ثيابنا).

    أسألك بالله متى آخر مرة غسلت الصحون؟! هل هو عيب؟ لماذا نضطر لإحضار خادمات؟ لماذا الرجل لا يتلطف مع زوجته ويقف معها؟ لماذا دائماً نحب الأوامر والنواهي؟ بل إن التربية تبدأ بـ: (جي وهاتي) من ليلة العرس ومن يسيطر من ليلة الدخلة!

    هذه بنت تعطيها أمها التعاليم، ورجل تعطيه أمه التعليمات والبيانات، فالمرأة قالت لها أمها: من أول ليلة إما أن تركبينه، وإلا ستفقدين السيطرة، فافرضي شخصيتك من أول ليلة، قالت: وماذا أعمل يا أمي؟ قالت: إذا جلستم وغيرتم ثيابكم، وجلستم على فراش الزوجية، ضعي كأساً من الماء بعيداً عنك، فإذا جاء يريد أن يجلس بجوارك، قولي: لو سمحت! هات كأس الماء، أعطيه الأوامر من أول ليلة، وهو أمه قد وصته، فجاءت البنت تطبق الخطة التي علمتها أمها فتزينت وتعطرت وغيرت ثيابها، ثم وضعت كأس الماء وأبعدته يوم جاء وقرب، قالت له: لو سمحت هات كأس الماء، قال: (يلعن أبو وجهك) ولطمها على وجهها، قالت له أمه: أول أمر تعطيك لابد بأن تُجيب عليه بصفعة.

    لكن أقول: خير الهدي هدي محمد، فإذا دخل على زوجته في أول ليلة وضع يده على رأسها: (اللهم إني أسألك خيرها وخير ما جبلت عليه)، وبعضهم لا يدري لماذا نصنع هذا؟

    دخل النبي صلى الله عليه وسلم على إحدى زوجاته وقد كان أهلها أعطوها وصايا؛ لكن وصاياهم لم تكن في محلها، قالوا لها: إذا أردت أن يحبك النبي صلى الله عليه وسلم أول ما ترينه قولي: أعوذ بالله منك، فلما دخل عليها النبي صلى الله عليه وسلم وقالت له هذا، قال لها: (لقد عذت بعظيم، الحقي بأهلك).

    هي آداب، فإذا اتبعنا الهدي النبوي فإن البركة تحل من أول ليلة، والهدي النبوي أولاً يكون في الاختيار، قال صلى الله عليه وسلم: (إذا أتاكم من ترضون دينه وخلقه فزوجوه)، وقال: (تخيروا لنطفكم فإن العرق دساس)، وقال: (إياكم وخضراء الدمن! قيل: وما خضراء الدمن؟ قال: المرأة الحسنة في المنبت السوء)، نختار، ثم إذا اخترنا نطبق الهدي النبوي، كيف كان في بيته؟ قالت عائشة : (كان يخدمنا فيغسل ثيابنا، ويصلح طعامنا، حتى إذا سمع النداء كأنه لا يعرفنا).

    لبعض سبحان الله! إحساس يعرف متى يلاطف أهله؟ ومتى يتجنب ذلك؟ ويعرف ساعات غضبهم، ويعرف ساعات انفعالهم، ويراعي مثل هذا، النبي صلى الله عليه وسلم يقول: (والله يا عائشة! إني لأعرف غضبك ورضاك قالت: كيف يا رسول الله؟ قال: إذا غضبت تهجرين اسمي، فبدل ما تقولين: والذي بعث محمداً بالحق، تقولين: والذي بعث إبراهيم بالحق -وهي صادقة إبراهيم مبعوث بالحق- فتقول: أجل يا رسول الله لا أهجر إلا اسمك)، فهو يعرف أن زوجته غاضبة عندما تهجر اسمه.

    وبعضهم إذا قيل له: راض زوجتك، يقول: دعها تنفجر، لماذا لا تنفجر؟ انفجر أنت والله، هي دم ولحم ومشاعر، وما أعطيناك إياها لكي تقول: دعها تنفجر، إذا لم يكن عندك استعداد لترضيها فلماذا أخذتها؟ وهل تظن أن الحياة كلها ضحك؟ بل سبحان الله! الحب الحقيقي بعد الغضب في البيوت الصادقة يرجع أحسن مما كان.

    البيوت الصادقة تغضب، والغضب مثل الملح في الطعام، ينقي الشوائب، ويطهر البيوت، ويرجعها أحسن مما كانت عليه، اليوم أتباع محمد أبعد ما يكونون عن تطبيق سنة محمد صلى الله عليه وسلم وهديه في الزواج، سب.. شتم.. إهانات.. مقاطعات.. وحتى الضرب يحصل لأتفه الأسباب، وقلة الغيرة، وشك في كل الأمور، أين نحن من قوله صلى الله عليه وسلم (استوصوا بالنساء خيراً)؟!

    البيوت اليوم تهدم لأتفه الأسباب، امرأة ضُرِبت، وتشتكي فتقول: ضربني ضرباً حتى أمسكوه، ووصلت إلى درجة تقول: إن عيني عليها سواد، ووجهي كله اخضرار من كثرة الضرب، فهل هذه حلبة ملاكمة؟ وهل أتيت تفتل عضلاتك عليها! وما وجدت إلا هذه الضعيفة تظهر عليها قوتك، لكن ثق تمام الثقة أن الله سيسلط عليك من لا يخافك فيه ولا يرحمك.

    أتدري لماذا ضربها؟ ليتهمها بأنها ارتكبت جريمة، قلت: لماذا فعل هذا بك؟ اسمع -بارك الله فيك- حتى تعلم أنه تافه، إن كثيراً من الرجال تافه نسأل الله العفو والعافية، بل قل حقير في بعض الأحيان.

    تقول: كان عنده ثوب صوف اشتراه بأربعمائة ريال، وهو يغسل بالبخار، فقال لي: لا تغسليه مع الثياب، تقول: فاختلط مع الثياب فغسلته، فلما رآه كال لي الضرب والسب واللعان بأربعمائة ريال، فكسر رأسي ! هذه أم عيالك يا أخي! والمفروض أن تقول لها: فداكِ المال والعيال والحلال لو كنت صادقاً في الحب، أما أن تضربها مثل هذا الضرب فما جاءت بفاحشة مبينة يا إخوان!

    فهل هذا هدي محمد؟ أم هل هذا هدي القرآن؟ بل إن القرآن في حالة نشوز المرأة وعدم طاعة زوجها، وضع لنا حلولاً، قال تعالى: وَاللَّاتِي تَخَافُونَ نُشُوزَهُنَّ فَعِظُوهُنَّ [النساء:34] أول حلٍ: الموعظة، ثم قال: وَاهْجُرُوهُنَّ فِي الْمَضَاجِعِ وَاضْرِبُوهُنَّ [النساء:34]، ثم السنة بيَّنت كيف يكون الضرب؟ بأن يكون ضرباً بسيطاً غير مبرح، أي: ضرب تأديب لا ضرب إهانة وإيلام، حتى تراجع حساباتها بارك الله فيك، لكن أن تضرب على ثوب -نسأل الله العفو والعافية- فلا يعقل ذلك.

    وحتى الطلاق أصبح اليوم يقع لأتفه الأسباب.

    تريد تضحك، اسمع: صلى رجل الفجر ثم عاد -لا أقول إنه مجنون وإنما هو شخص عاقل، لكن في تلك اللحظة ذهب العقل- جاءها وهي جالسة مسرورة تنتظر رجوعه، يضحك وإياها، فقال لها: هل تريدين أن أطلقك؟ قالت: أتحداك، قال لها: أنت طالق.

    أقسم بالله يا إخوان! أني أعرفه تمام المعرفة، وأقسم بالله العظيم إنه جاءها وهي تضحك! وهو الآن في ذمة الله، لكن العقول تزيغ يمنة ويسرة!

    ثم يقول: بعدما قلتها استشعرت ما الذي قلته؟ فجاءني أحد الشباب فقال: أريد أن أتزوج؛ لأني طلقت التي قبل، فقلت له: تريد تتزوج وتطلق، لماذا طلقتها؟ قال: زعلتني!! فثلاثة أمور جدهن جد وهزلهن جد؛ العتاق والطلاق والزواج، فلماذا نتلاعب بمثل هذه الكلمة؟ يقول: أنا كنت غاضب، وهل يطلق واحد وهو يضحك؟ هل يطلق وهو بيده كأس شاي وهو يضحك، ويقول لها: أنت طالق، إلا أخونا هذا صاحب صلاة الفجر.

    امرأة قالت لزوجها: أنا سأشتري خيلاً من تبوك، قال لها: والله لن يركبها أحدٌ سواي، قالت: والله لن تركبها -لاحظ أن الخيل ليست موجودةً- قال: علي الطلاق، والله أنت طالق.

    أين الخيل؟ إنها غير موجودة، وطلقت المرأة على أسباب تافهة، وهذا يحدث كثيراً، فتُهدم البيوت على أتفه من هذه الأسباب.

    ولاحظ أنه من شدة الكلمة ومن ثقل الكلمة ترتبط أسرة بكلمة، بل بكلمة تدخل الجنة أو بكلمة تدخل النار. وهذا حتى تعرف مسئولية الكلمة إن لم تكن أهلاً لها فلا تجني على الآخرين.

    من المتضرر إذا طلقت النساء؟ إنهم الأطفال.

    ليتنا نستشعر مسئولية الآخرين، ثم على فرض أنها وصلت الأمور إلى نقطة مسدودة تسمى الطلاق، ما تلاحظون يا إخوان؟! إن العلاقات بين الأسر تنقلب عداوات؛ بل بعضهم لو طُلقت أخته -وهو متزوج أخت المطلق- لطلق زوجته، لأن أخته طُلقت يقول الله: وَلا تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى [الأنعام:164]، هو مع هذه وصل إلى درجة لا يستطيع العيش معها، فتأخذهم نعرات الجاهلية والقبلية، ويطلقون الفتيات بسبب أن هذا طلق هذه، يا إخوان! هذا لا يجوز، لا في عرف ولا في شرع ولا في كتاب أنزله الله.

    لابد أن نعرف قيمة عقد الزواج وشعار الزوجية حتى نقوم بحقه كما ينبغي؛ نستشيرها -ليس شرطاً أن تأخذ برأيها- لتشعر أن لها مكانة ومنزلة، وأنك ستأخذ برأيها، ووالله إن بعض النساء عندهن من الرأي والمشورة أحسن مما عند كثير من الرجال.

    والله إن بعض النساء عندهن من الرأي والمشورة والحكمة والتدبير ما ليس عند كثير من الرجال، أما كان النبي صلى الله عليه وسلم يستشير نساءه، ولم ينقص من قدره ولا من قيمته؛ لأنه يعرف أن بعض النساء عندهن من الرأي السليم والمشورة الحسنة ما الله به عليم.

    أمر أصحابه فقال: (انحروا هديكم واحلقوا رءوسكم)، إنهم أتوا يريدون الطواف والعمرة، منذ أن خرجوا من المدينة وهم في شوق إلى الطواف، وببنود جائرة جارت بها قريش على المسلمين، من هذه البنود: أنهم يرجعون ولا يعتمرون هذه السنة، يرجعون السنة المقبلة وتخلي قريش الحرم، ثم يدخل المسلمون يعتمرون، قالوا: يا رسول الله! كيف نرضى أن نرجع وقد أتينا؟! قال: (أنا رسول الله ولن يخذلني) ثم قال لهم: (انحروا هديكم، واحلقوا رءوسكم) فلم يفعلوا، وليس معصية إنما ظناً منهم أن النبي صلى الله عليه وسلم قد يرجع عن كلامه، فرجع إلى أم سلمة ، وقد كانت رفيقته في تلك الرحلة، قال لها: (هلك المسلمون أقول لهم: افعلوا كذا وكذا وهم لا يفعلون)، قالت: يا رسول الله -اسمع المرأة- اخرج ولا تتكلم وانحر هديك، واحلق رأسك، فخرج بمشورة أم سلمة رضي الله عنها وأرضاها.

    اللهم إنا نسألك العافية في الدنيا والآخرة، اللهم احفظنا في ديننا ودنيانا وأهلينا وأموالنا، اللهم استر عوراتنا، وآمن روعاتنا، اللهم آمنا في أوطاننا، وأصلح أئمتنا وولاة أمورنا، اللهم هيئ لهم البطانة الصالحة التي تدلهم على الخير وتحثهم عليه، وجنبهم البطانة الظالمة التي تدلهم على الشر وتحثهم عليه.

    وصلى الله وسلم على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.

    مكتبتك الصوتية

    أو الدخول بحساب

    البث المباشر

    المزيد

    من الفعاليات والمحاضرات الأرشيفية من خدمة البث المباشر

    عدد مرات الاستماع

    3086718659

    عدد مرات الحفظ

    755812986