إسلام ويب

الاستقامة وأسباب الانحرافللشيخ : عبد الله الجلالي

  •  التفريغ النصي الكامل
  • إن الاستقامة نعمة عظيمة وفلاح في الدنيا والآخرة، وإن الانحراف وبال على صاحبه في الدنيا والآخرة، ومن أراد الاستقامة وتجنب الانحراف فلا بد من أن يعمل بأسباب الاستقامة ويتجنب أسباب الانحراف، ويجاهد نفسه على الكف عن الشهوات.

    1.   

    تعريف الاستقامة والانحراف

    الحمد لله رب العالمين، ولا عدوان إلا على الظالمين، ونشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، أمر بالاستقامة حتى الموت، ونهى عن التغيير والتبديل، ونصلي ونسلم على عبد الله ورسوله محمد صلى الله عليه وسلم، البشير النذير والسراج المنير الذي أرسله ربه رحمة للعالمين، وقال له: فَاسْتَقِمْ كَمَا أُمِرْتَ وَمَنْ تَابَ مَعَكَ وَلا تَطْغَوْا إِنَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ [هود:112]، أما بعد:

    فإن حديثنا يتعلق بالاستقامة وأسباب الانحراف، وقبل أن ندخل في هذا الموضوع نريد أن نعرف أموراً:

    أولاً: معنى الاستقامة، ومعنى الانحراف.

    ثانياً: هل الأصل في هذه الحياة الاستقامة، أم الانحراف.

    ثالثاً: جزاء الاستقامة وعقوبة الانحراف.

    رابعاً: عوامل الانحراف.

    أما عندما نتحدث عن الاستقامة في معناها اللغوي فمعناها: أن تلتزم الطريق المستقيم، والطريق المستقيم هو الذي أخبر الله عز وجل عنه في قوله: وَأَنَّ هَذَا صِرَاطِي مُسْتَقِيمًا فَاتَّبِعُوهُ وَلا تَتَّبِعُوا السُّبُلَ فَتَفَرَّقَ بِكُمْ عَنْ سَبِيلِهِ [الأنعام:153]، وهو الذي رسمه رسول الله صلى الله عليه وسلم بيده يوم كان يحدث أصحابه، فرسم خطاً طويلاً مستقيماً وقال: (هذا صراط الله) ورسم عن يمينه وعن شماله طرقاً وعليها سبل وقال: (هذه هي السبل، وعليها ستر مرخاة، وعلى كل واحد منها شيطان يدعو إليه، وعلى الصراط المستقيم داع يقول: يا عبد الله! لا تلجه؛ فإنك إن تلجه لا تخرج منه إلى يوم القيامة)، ولقد تبين لنا في دنيا الناس اليوم هذه السبل وانكشفت أمام العيان، ورأينا دعاة الباطل الذين يقفون على أبواب هذه الطرق يريدون أن يزيحوا هذه الأستار عن هذه الطرق حتى يلجها الناس فيتورطوا بها إلى يوم القيامة.

    هذا هو معنى الاستقامة.

    أما معنى الانحراف فهو الاتجاه إلى إحدى هذه الطرق التي رسمها رسول الله صلى الله عليه وسلم، وهي التي قال عنها الله عز وجل: وَلا تَتَّبِعُوا السُّبُلَ فَتَفَرَّقَ بِكُمْ عَنْ سَبِيلِهِ ذَلِكُمْ وَصَّاكُمْ بِهِ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ [الأنعام:153].

    1.   

    الاستقامة هي الأصل والانحراف أمر طارئ

    وبعد أن عرفنا معنى الاستقامة ومعنى الانحراف نتجه إلى بيان أيهما الأصل: الاستقامة أم الانحراف.

    الأصل هو الاستقامة، ولذلك يقول الله تعالى: كَانَ النَّاسُ أُمَّةً وَاحِدَةً [البقرة:213]، أي: على التوحيد وعلى الإيمان فَبَعَثَ اللَّهُ النَّبِيِّينَ مُبَشِّرِينَ وَمُنذِرِينَ [البقرة:213]، والمفسرون يقولون: قبل (بعث) كلمة محذوفة تقديرها: فانحرف الناس فبعث الله النبيين مبشرين ومنذرين. ولعل هذا هو أرجح الآراء التي ذكرها المفسرون في معنى قوله تعالى: (كَانَ النَّاسُ أُمَّةً وَاحِدَةً)، أي: على دين الإسلام وعلى الفطرة وعلى التوحيد، فانحرفوا (فَبَعَثَ اللَّهُ النَّبِيِّينَ مُبَشِّرِينَ وَمُنذِرِينَ وَأَنزَلَ مَعَهُمُ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ لِيَحْكُمَ بَيْنَ النَّاسِ فِيمَا اخْتَلَفُوا فِيهِ).

    ويؤيد أن الأصل هو الاستقامة لا الانحراف قول الله عز وجل: وَإِذْ أَخَذَ رَبُّكَ مِنْ بَنِي آدَمَ مِنْ ظُهُورِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ وَأَشْهَدَهُمْ عَلَى أَنفُسِهِمْ أَلَسْتُ بِرَبِّكُمْ قَالُوا بَلَى شَهِدْنَا أَنْ تَقُولُوا يَوْمَ الْقِيَامَةِ إِنَّا كُنَّا عَنْ هَذَا غَافِلِينَ * أَوْ تَقُولُوا إِنَّمَا أَشْرَكَ آبَاؤُنَا مِنْ قَبْلُ وَكُنَّا ذُرِّيَّةً مِنْ بَعْدِهِمْ أَفَتُهْلِكُنَا بِمَا فَعَلَ الْمُبْطِلُونَ [الأعراف:172-173]، ويقول رسول الله صلى الله عليه وسلم في معنى هذه الآية: (إن الله استخرج ذرية آدم كالذر، فأخذ قبضة بيمينه وقال: هؤلاء إلى الجنة ولا أبال. وأخذ قبضة أخرى فقال: هؤلاء إلى النار ولا أبالي. فقالوا: يا رسول الله! ففيم العمل؟ قال: اعملوا فكل ميسر لما خلق له).

    ويبين هذا أيضاً ما جاء عن رسول الله صلى الله عليه وسلم في الحديث القدسي عن الله عز وجل: (إني خلقت عبادي حنفاء - أي: على الفطرة وعلى التوحيد- فاجتالتهم الشياطين عن دينهم)، وفي حديث آخر يقول عليه الصلاة والسلام: (كل مولود يولد على الفطرة، فأبواه يهودانه أو ينصرانه أو يمجسانه).

    وبمجموع هذه الأدلة كلها ندرك أن الإنسان خلق على الفطرة، وأن الأصل هو الاستقامة، وأن الانحراف يعتبر هو الطارئ وهو الذي حدث على حياة الناس، ولذلك فإن الله عز وجل قد حذر الناس من الانحراف وأمرهم بالاستقامة.

    1.   

    فوائد الاستقامة وحقيقتها

    ندخل إلى العنصر الثالث من عناصر الموضوع وهو فوائد الاستقامة وحقيقتها.

    أما حقيقة الاستقامة فهو أن يثبت الإنسان على دينه، فلا يغير ولا يبدل ولا يتأثر بالحياة من حوله، ولا بالعوامل التي تسعى جادة في سبيل انحراف هذا الإنسان عن مبادئه وعن أخلاقه وعن دينه وعن عقيدته، ولذلك فإن الله عز وجل وعد المستقيمين بسعادة في الدنيا، وسعادة عند الموت، وسعادة في الحياة الآخرة.

    السعادة في الدنيا

    أما سعادة الدنيا فإن الله تعالى يقول: وَأَلَّوِ اسْتَقَامُوا عَلَى الطَّرِيقَةِ لَأَسْقَيْنَاهُمْ مَاءً غَدَقًا [الجن:16]، والمراد: أعطيناهم متع الحياة كلها ويسرنا لهم سبيل العيش. وليس بين هذه الآية تعارض وبين الأدلة الأخرى التي تبين أن الناس إذا انحرفوا -أيضاً- فتح الله عليهم أبواب الدنيا، وهناك فرق بعيد بين هذا النعيم وبين المتاع الثاني الذي يعطيه الله عز وجل للمنحرفين من الناس.

    أما هذا المتاع فإنه متاع إلى سعادة أفضل، وأما المتاع الثاني فإنه استدارج من الله عز وجل واختبار حتى يدنيهم من العذاب درجة بعد درجة، ولذلك يقول الله تعالى: سَنَسْتَدْرِجُهُمْ مِنْ حَيْثُ لا يَعْلَمُونَ [القلم:44] أي: نعطيهم من أنواع النعيم ونحن ندنيهم من العذاب درجة بعد درجة، ولذلك يقول الله بعد ذلك: وَأُمْلِي لَهُمْ [الأعراف:183] أي: أمهلهم إِنَّ كَيْدِي مَتِينٌ [الأعراف:183] فيبين الله تعالى أنه من كيده وأنه من مكره بهؤلاء الكافرين، ولذلك يبين في مكان آخر أن الناس إذا أعرضوا عن دين الله فإنه يفتح لهم أبواب النعيم ويعطيهم من الدنيا فوق ما يفكرون به، وذلك استدراج من الله عز وجل حتى تقوم عليهم الحجة: فَلَمَّا نَسُوا مَا ذُكِّرُوا بِهِ فَتَحْنَا عَلَيْهِمْ أَبْوَابَ كُلِّ شَيْءٍ حَتَّى إِذَا فَرِحُوا بِمَا أُوتُوا أَخَذْنَاهُمْ بَغْتَةً فَإِذَا هُمْ مُبْلِسُونَ * فَقُطِعَ دَابِرُ الْقَوْمِ الَّذِينَ ظَلَمُوا وَالْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ [الأنعام:44-45].

    بل يبين الله تعالى في مكان آخر أن الناس يمتحنهم الله تعالى بالعذاب وبشظف العيش وبالخوف وبالقلق إذا عصوا الله تعالى، فإذا لم تجد فيهم المواعظ فإن الله يختبرهم بالنعيم بعد ذلك، فيقول: وَمَا أَرْسَلْنَا فِي قَرْيَةٍ مِنْ نَبِيٍّ إِلَّا أَخَذْنَا أَهْلَهَا بِالْبَأْسَاءِ وَالضَّرَّاءِ لَعَلَّهُمْ يَضَّرَّعُونَ * ثُمَّ بَدَّلْنَا مَكَانَ السَّيِّئَةِ الْحَسَنَةَ [الأعراف:94-95] أعطيناهم بدل الخوف أمناً، وبدل الجوع مالاً، وفجرنا لهم من وراء آلاف الأقدام ينابيع الأرض حتى يتمتعوا في هذه الحياة ليختبرهم الله عز وجل بالنعيم، حَتَّى عَفَوا [الأعراف:95] نسوا ما مضى وَقَالُوا قَدْ مَسَّ آبَاءَنَا الضَّرَّاءُ وَالسَّرَّاءُ [الأعراف:95] أي: كان آباؤنا بالأمس يعيشون في شظف من العيش، وهذه النعمة التي بأيدينا هي بدل شظف العيش الذي كان يعيش فيه آباؤنا بالأمس.

    هذا هو حديث الناس اليوم في البلاد التي فتح الله تعالى عليها الخيرات وأنعم عليها وفجر لها ينابيع الخيرات من وراء آلاف الأقدام، ما هي النتيجة: فَأَخَذْنَاهُمْ بَغْتَةً وَهُمْ لا يَشْعُرُونَ [الأعراف:95].

    ومن هنا نعرف أن النعيم قد يأتي استدراجاً وامتحاناً من الله تعالى، بل قد يأتي عقوبة: وَلَوْلا أَنْ يَكُونَ النَّاسُ أُمَّةً وَاحِدَةً [الزخرف:33] أي: على الكفر لَجَعَلْنَا لِمَنْ يَكْفُرُ بِالرَّحْمَنِ لِبُيُوتِهِمْ سُقُفًا مِنْ فَضَّةٍ وَمَعَارِجَ عَلَيْهَا يَظْهَرُونَ * وَلِبُيُوتِهِمْ أَبْوَابًا وَسُرُرًا عَلَيْهَا يَتَّكِئُونَ * وَزُخْرُفًا وَإِنْ كُلُّ ذَلِكَ لَمَّا مَتَاعُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَالآخِرَةُ عِنْدَ رَبِّكَ لِلْمُتَّقِينَ [الزخرف:33-35].

    إذاً ليس انفتاح الدنيا على الناس دليل الرضا، ولذلك يخطئ الإنسان إذا استعمل المقاييس المادية التي استعملها الجبابرة والطغاة بالأمس، ومنهم فرعون الذي يقول: أَلَيْسَ لِي مُلْكُ مِصْرَ وَهَذِهِ الأَنْهَارُ تَجْرِي مِنْ تَحْتِي أَفَلا تُبْصِرُونَ * أَمْ أَنَا خَيْرٌ مِنْ هَذَا الَّذِي هُوَ مَهِينٌ وَلا يَكَادُ يُبِينُ * فَلَوْلا أُلْقِيَ عَلَيْهِ أَسْوِرَةٌ مِنْ ذَهَبٍ أَوْ جَاءَ مَعَهُ الْمَلائِكَةُ مُقْتَرِنِينَ [الزخرف:51-53]، فكانوا يظنون أن المقياس هو الثروة وهو المادة، ولكن الله سبحانه وتعالى يبين أن المقياس غير ذلك: فَأَمَّا الإِنسَانُ إِذَا مَا ابْتَلاهُ رَبُّهُ فَأَكْرَمَهُ وَنَعَّمَهُ فَيَقُولُ رَبِّي أَكْرَمَنِ * (وَأَمَّا إِذَا مَا ابْتَلاهُ فَقَدَرَ عَلَيْهِ رِزْقَهُ فَيَقُولُ رَبِّي أَهَانَنِ * كَلَّا [الفجر:15-17] أي: ليس ذاك إكراماً وليس هذا إهانة، بل كلاهما اختبار من الله سبحانه وتعالى.

    هذه هي نتائج الاستقامة في الحياة الدنيا، تأتي الدنيا وهي راغمة وتكون متاعاً إلى حين، ولذلك أخبر الله تعالى في كتابه أن هذه الأرض خلقت من أجل المؤمن، وأن هذا الرزق الذي أرسله الله تعالى في هذه الحياة إنما جاء من أجل المؤمن، وإذا كانت الأرض خلقت من أجل المؤمن فإن الله تعالى يقول: إِنَّ الأَرْضَ لِلَّهِ يُورِثُهَا مَنْ يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ [الأعراف:128]، وإذا كان الرزق للمؤمن وحده ويشاركه الكفرة كما تشارك البهائم الإنسان في متاع الحياة الدنيا فإن هذا المتاع يكون خالصاً للمؤمن يوم القيامة: قُلْ مَنْ حَرَّمَ زِينَةَ اللَّهِ الَّتِي أَخْرَجَ لِعِبَادِهِ وَالطَّيِّبَاتِ مِنَ الرِّزْقِ قُلْ هِيَ لِلَّذِينَ آمَنُوا فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا خَالِصَةً يَوْمَ الْقِيَامَةِ [الأعراف:32]، ومن لطف الله عز وجل بعباده أن جعل الدنيا يأكل منها المؤمن والكافر، والبر والفاجر، ولكن الحياة الآخرة لا تكون إلا للمؤمنين، ولذلك يقول الله تعالى: وَالآخِرَةُ عِنْدَ رَبِّكَ لِلْمُتَّقِينَ [الزخرف:35].

    السعادة عند الموت

    أما جزاء الاستقامة في آخر لحظة من لحظات الحياة الدنيا فهي طمأنينة النفس وسعة الصدر، يضع الإنسان قدماً في الدنيا وقدماً في الآخرة أو في حياة البرزخ وهو مطمئن القلب، وهو مرتاح النفس، تنزل عليه ملائكته تبشره وتطمئنه، تبشره بما أمامه وتطمئنه على ما خلفه؛ لأنه استقام على دين الله، قال تعالى: إِنَّ الَّذِينَ قَالُوا رَبُّنَا اللَّهُ ثُمَّ اسْتَقَامُوا تَتَنَزَّلُ عَلَيْهِمُ الْمَلائِكَةُ [فصلت:30] أي: في ساعة الموت أَلاَّ تَخَافُوا [فصلت:30] مما أمامكم من أهوال يوم القيامة وَلا تَحْزَنُوا [فصلت:30] على ما خلفتموه من ورائكم من الأولاد والأهل والذرية والمال، فما عند الله تعالى خير وأبقى مما خلفتموه وراءكم.

    ولذلك فإن الإنسان في ساعة الموت بين هذين الجانبين يتنازعه الخوف والحزن، خوف مما أمامه من القبر والحياة الآخرة والحساب والميزان والصراط، ووراءه أيضاً متاع سيخلفه وراءه ، فهو سينتقل من سعة الدنيا ومن قصورها ورياشها وأثاثها وخيراتها إلى قبر ضيق مظلم، فإنها تبشره وتقول: (وَلا تَحْزَنُوا) فإن الله تعالى سيعوضكم عما في الحياة الدنيا ما هو خير، ولذلك فإن الإنسان إذا كان يعيش في غرفة في هذه الحياة الدنيا فإن المؤمن سيفسح له في قبره مد بصره، وسيأتيه من روح الجنة وطيبها إلى أن تقوم الساعة، وسيتحول هذا القبر إلى روضة من رياض الجنة، وهذه نتيجة من نتائج الاستقامة.

    السعادة في الآخرة

    أما النتيجة الكبرى فإنها تكون يوم القيامة، فسيجد الإنسان جزاء هذه الاستقامة، فجزاؤه كما قال الله تعالى: إِنَّ الَّذِينَ قَالُوا رَبُّنَا اللَّهُ ثُمَّ اسْتَقَامُوا فَلا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلا هُمْ يَحْزَنُونَ * أُوْلَئِكَ أَصْحَابُ الْجَنَّةِ خَالِدِينَ فِيهَا جَزَاءً بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ [الأحقاف:13-14]، هذا هو جزاء من يستقيم على دين الله، يتغير الناس حسب الأهواء والشهوات والمؤمن ثابت لا يتغير، مهما غلا الثمن ومهما عز المطلب ومهما نكص الناس على أعقابهم، فإن المؤمن يعلن إيمانه في وقت قوة إيمان الناس وفي وقت ضعف إيمانهم، لا يبالي بما حوله، ودائماً هو يتمثل بقول الشاعر مع ربه عز وجل:

    فليتك تحلو والحياة مريرة وليتك ترضى والأنام غضاب

    وليت الذي بيني وبينك عامر وبيني وبين العالمين خراب

    يقول هذا فيما بينه وبين ربه عز وجل، لا يغير ولا يبدل، لا يمشي مع الأهواء، ولا يخاف من المخلوقين حينما يخاف الناس، ولكنه رسم لنفسه طريقاً يعرف بأن هذه الطريق تنتهي بجنة عرضها السماوات والأرض، لذلك فقد باع نفسه وسلم الثمن وأخذ المثمن فهو ينتظر المثمن يوم القيامة؛ لأن الله عز وجل اشترى من المؤمنين أنفسهم وأموالهم بأن لهم الجنة.

    1.   

    مصيبة التقلب والانحراف عن الاستقامة

    لقد منينا بفترة كثر فيها التقلب وقلت فيها الاستقامة وكثرت فيها عوامل الانحراف، فأصبحنا نلاحظ ما أخبر عنه رسول الله صلى الله عليه وسلم من فتن كقطع الليل المظلم، يصبح الرجل مؤمناً ويمسي كافراً، ويمسي مؤمناً ويصبح كافراً يبيع دينه بعرض من الدنيا، فلا نكاد نسر برجل من المؤمنين تعجبنا أخلاقه وفضائله وسلوكه ودينه حتى نفاجأ بانحراف أصاب هذا الإنسان، ولا أكتمك سراً إذا قلت لك: إن كثيراً من الرجال الذين كانوا بالأمس تعلق عليهم آمال بعد الله عز وجل، وكانوا مضرب المثل في الخلق والاستقامة رأينا كثيراً منهم قد غير وبدل وأصيب في نفسه، أو أصيب في بيته بشيء من الانحراف أو بكثير من الانحرافات التي أصابت كثيراً من الناس.

    وأضرب مثلاً: كان هناك بالأمس أناس ينهون عن المنكر ويأمرون بالمعروف، ولا نكاد نصدق حينما نجد في بيوت هؤلاء الذين كانوا بالأمس يأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر كثيراً من المنكرات، بل أكبر من المنكرات التي كانوا ينهون عنها بالأمس، وهذه هي المصيبة العظمى التي لا تساويها مصيبة، وذلك حينما رأينا الانحراف بدأ في بيوت هؤلاء الصلحاء ووصل إليها في وقت كنا نتطلع إلى أن يشمروا عن سواعد الجد حينما يكثر الانحراف في المسلمين في مثل هذه الفترة العصيبة من فترات التاريخ.

    فلو رأيت ما في بيته فلا يكاد يسرك في كثير من أحواله، وعلى سبيل المثال وسائل الانحراف التي جاءت عن طريق الإعلام في كثير من العالم الإسلامي تسربت إلى بيوت الصلحاء والمؤمنين، فلا نكاد في هذه الأيام نفرق بين بيوت الصلحاء والمنحرفين في كثير من البلاد، حتى أمر النساء الأجنبيات والخادمات والسائقون الذين يقودون السيارات، والذين تسلم لهم بنات المسلمين يكاد أن يعم ويطم في هذه الأيام، فما الذي حدث؟

    لم يحدث شيء بعد إلا أن الله تعالى امتحننا بالنعيم بعد أن كنا نعيش في شظف من العيش، وهذه هي مصيبة الترف، وهذه هي مصيبة النعمة تأتي بعد الفقر، فلا يكاد يتحملها كثير من الناس.

    1.   

    أسباب الانحراف عن الاستقامة

    لما سبق فإني سأحدد -فيما أعتقد- عوامل الانحراف أو أسباب الانحراف التي أصابت المسلمين اليوم، وسألخصها في أربعة أشياء:

    الفتن

    الأمر الأول: الفتن.

    وقد أخبر الرسول صلى الله عليه وسلم بأنها ستغزو المسلمين وستخترق عليهم أسوار بيوتهم بحيث تصل إلى قعر البيوت، ثم يصاب كثير من المسلمين في دينه وفي قعر بيته، ولو فعل كثيراً من الاحتياطات، وهذه الفتن هي التي يقول عنها الرسول صلى الله عليه وسلم: (فتناً كقطع الليل المظلم)، ولعل من أهم هذه الفتن التي أحدثت هذا الانحراف فتنة الدنيا، ونلخصها فيما هو أهمها الذي هو فتنة المال وفتنة النساء.

    أما فتنة المال فإن الله تعالى قد وسع على كثير من الناس ولم يستطيعوا أن يتحملوا هذا النعيم بعد الفقر، فصاروا ينهلون منه حتى الثمالة، وزادت الثروة في أيدي كثير من الناس فتعاطوا الربا وجاءوا بكثير من المحرمات فأدخلوها في قعر بيوتهم، فكان هذا المال سبباً من أسباب الانحراف، وكان ذلك مصداقاً لقول الرسول صلى الله عليه وسلم: لما جاء مرة مال من البحرين مع أبي عبيدة فعلم الأنصار بهذا المال فوافوا رسول الله صلى الله عليه وسلم في صلاة الفجر، فلما رآهم علم ما في نفوسهم وأنهم جاءوا يريدون شيئاً من هذا المال، فابتسم رسول الله صلى الله عليه وسلم وقال: (لعلكم سمعتم بمجيء أبي عبيدة بشيء من المال من البحرين. قالوا: أجل يا رسول الله. فقال: أبشروا، فوالله ما الفقر أخشى عليكم، ولكن أخشى أن تبسط عليكم الدنيا كما بسطت على الذين من قبلكم فتتنافسوها كما تنافسوها فتهلككم كما أهلكتهم)، ومن هنا صار لبسط الدنيا أثر كبير.

    أضف إلى ذلك شهوة النساء التي أصبحت من أكبر عوامل الفتنة في أيامنا الحاضرة، والتي عرف عدونا كيف يغزو أخلاق المسلمين وأبناء المسلمين بها حتى يوصلها إلى قعر بيوت المسلمين، فدخلت صورة الفتاة في المجلة، وفي الصحيفة، وفي الوسائل المرئية من تلفاز وفيديو وما أشبه ذلك، وجاءت هذه الصورة على أبشع ما تكون، فكان لها أثر في نفوس الشباب، فحركت كثيراً من الشباب، ولربما دخلت في شكلها العام في صورة مربية أو خادمة أو ما أشبه ذلك، وحينئذ أثرت على كثير من نفوس الشباب، فصار هذا الشباب يتطلع إلى هذه الجريمة التي وصلت إليه بطريق هذه الصورة المرئية أو غير المرئية، أو بواسطة هذا الصوت الجميل الذي عشقه بالأمس، أو بواسطة هذه الأفلام التي وصلت إليه فحركت شهوته فصار يبحث عنها، ومن هنا مهدت كل السبل للمسلمين بحيث يسافرون إلى بلاد لا ترعى في دين الله إلاً ولا ذمة، ولا تعرف شيئاً من الاستقامة، ولا تعرف شيئاً من الأخلاق والفضائل، بل تبذل الجريمة للناس علناً.

    ولقد توافرت كثير من وسائل الحياة في سبيل تحقيق هذا المطلب، حتى الطيران صار يُخفض للشاب بنصف قيمة التذكرة، حيث يسافر إلى هناك من أجل أن يحقق رغبته وشهوته ليأتي هنا بهذا السم الزعاف لينثره في مجتمعه، ولربما تذهب الأسرة بمجموعها فتأتي بكثير من هذه الرذائل وكثير من هذه الأفلام، وهذا سببه كله ما متعنا الله به من زينة الحياة الدنيا ومن المال، وهو الذي أشار الله عز وجل إليه بقوله: فَلَمَّا نَسُوا مَا ذُكِّرُوا بِهِ فَتَحْنَا عَلَيْهِمْ أَبْوَابَ كُلِّ شَيْءٍ [الأنعام:44]، ولعله المقصود في قوله تعالى: ثُمَّ بَدَّلْنَا مَكَانَ السَّيِّئَةِ الْحَسَنَةَ حَتَّى عَفَوا وَقَالُوا قَدْ مَسَّ آبَاءَنَا الضَّرَّاءُ وَالسَّرَّاءُ فَأَخَذْنَاهُمْ بَغْتَةً [الأعراف:95] لأن هذا المال أصبح جناحاً يطير به هذا الإنسان حيث يشاء وحيث يريد، ويوم كنا فقراء كنا أتقى لله عز وجل، ولذلك كانت وصية أحد الأنبياء لقومه: وَاتَّقُوا الَّذِي أَمَدَّكُمْ بِمَا تَعْلَمُونَ * أَمَدَّكُمْ بِأَنْعَامٍ وَبَنِينَ * وَجَنَّاتٍ وَعُيُونٍ * إِنِّي أَخَافُ عَلَيْكُمْ عَذَابَ يَوْمٍ عَظِيمٍ [الشعراء:132-135].

    فهذا المال إذا لم يصادف عقلية كبيرة تزن الأمور بميزان الشرع صار خطراً على هذه الأمة أو على أي أمة من الأمم، وهذا هو ما عناه رسول الله صلى الله عليه وسلم بقوله: (ولكن أخشى عليكم الدنيا)، وجعل فتنة النساء تساوي فتنة الدنيا كلها فقال: (فاتقوا الدنيا واتقوا النساء).

    وأعتقد أن هذا من أكبر العوامل التي سببت انحراف كثير من المسلمين.

    الخوف من المخلوق

    هناك عامل آخر لا يقل أهمية عن هذا، وهو عامل الخوف من المخلوق، بحيث يتراجع الإنسان من منتصف الطريق حينما يخاف من مخلوق من المخلوقين؛ لأن خشية الله صارت أقل من خشية مخلوق من المخلوقين في قلب هذا المسلم؛ لأن الإيمان ضعف في قلبه، وهذا أيضاً عامل من عوامل الانحراف، ولكم كنا نعلق آمالاً بعد الله عز وجل على كثير من المصلحين حتى رجعوا من منتصف الطريق لما رأوا الأمر بواقع يخافون منه، ولذلك أخبر الله تعالى بأن هؤلاء ليسوا بمؤمنين حقاً، فإن الذي يرجع إذا خاف من المخلوق بحيث يقدم خشية المخلوق على خشية الخالق ضعيف الإيمان أو فاقد الإيمان، قال تعالى: وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَقُولُ آمَنَّا بِاللَّهِ فَإِذَا أُوذِيَ فِي اللَّهِ جَعَلَ فِتْنَةَ النَّاسِ كَعَذَابِ اللَّهِ وَلَئِنْ جَاءَ نَصْرٌ مِنْ رَبِّكَ لَيَقُولُنَّ إِنَّا كُنَّا مَعَكُمْ [العنكبوت:10] يترقبون المؤمنين، فإذا وجدوا المؤمنين يعيشون في عزة وفي قوة كانوا معهم، وإذا وجدوا الإسلام يضرب في مكان من الأرض انحرفوا حيث يخافون من هذه الضربة أو من هذا العدو أو من هذا المخلوق، ويفرون من عذاب الدنيا إلى عذاب الآخرة، وهذه هي المصيبة، ولذلك يقول الله تعالى: أَحَسِبَ النَّاسُ أَنْ يُتْرَكُوا أَنْ يَقُولُوا آمَنَّا وَهُمْ لا يُفْتَنُونَ [العنكبوت:2] ثم أقسم الله تعالى فقال: وَلَقَدْ فَتَنَّا الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ فَلَيَعْلَمَنَّ اللَّهُ الَّذِينَ صَدَقُوا وَلَيَعْلَمَنَّ الْكَاذِبِينَ [العنكبوت:3].

    فهذا عامل من عوامل الانحراف التي أصيب بها كثير من الناس، ولربما أصيب طائفة من الدعاة والمصلحين بسبب خوف المخلوق وتقديمه على خوف الخالق سبحانه وتعالى.

    قوة دعاة الباطل ونشاطهم

    ومن عوامل الانحراف قوة ونشاط دعاة الباطل.

    فقد كرسوا جهودهم وبذلوا قصاراها في سبيل حرف أبناء المسلمين عن دينهم، وهؤلاء هم شياطين الإنس الذين يقول الله عز وجل عنهم: شَيَاطِينَ الإِنسِ وَالْجِنِّ [الأنعام:112] وقدم شياطين الإنس أولاً يُوحِي بَعْضُهُمْ إِلَى بَعْضٍ زُخْرُفَ الْقَوْلِ غُرُورًا [الأنعام:112]، هؤلاء الشياطين الذين لم يدخروا وسعاً في سبيل انحراف أبناء المسلمين عن دينهم وعن الفطرة السليمة المستقيمة التي فطر الله عز وجل الناس عليها.

    هؤلاء ينقسمون إلى قسمين: قسم من أعدائنا المكشوفين، والذين كانوا بالأمس يستعمرون كثيراً من بلاد الإسلام، ولكنهم لم يرحلوا منها حتى تأكدوا بأنهم حرفوا كثيراً من المسلمين عن دينهم، وأنهم أوقعوهم على حافة الهاوية، ولربما لم يرحلوا حتى تركوا أفراخاً لهم وأوصوهم أن يقوموا بهذه المهمة، وهؤلاء هم الذين يشكلون القسم الثاني من عوامل دعاة الباطل وهم أبناء جلدتنا، وهم الذين ورد ذكرهم في حديث طويل رواه حذيفة بن اليمان رضي الله عنه قال: (كان الناس يسألون رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الخير، وكنت أسأله عن الشر مخافة أن يدركني. قلت: يا رسول الله! كنا في جاهلية وشر فجاء الله بهذا الخير، فهل بعد هذا الخير من شر؟ قال: نعم. فقلت: يا سول الله! وهل بعد هذا الشر من خير؟ قال: نعم. وفيه دخن. قلت: وما دخنه؟ قال: قوم يستنون بغير سنتي ويهدون بغير هديي، تعرف منهم وتنكر. فقلت: يا رسول الله! وهل بعد هذا الخير من شر؟ قال: نعم. دعاة على أبواب جهنم، من أجابهم إليها قذفوه فيها. قال حذيفة رضي الله عنه قلت: يا رسول الله! صفهم لنا: قال: قوم من جلدتنا ويتكلمون بألسنتنا).

    وإذا كان الإسلام بالأمس يحارب بـ أبي جهل وأبي لهب فإنه اليوم يحارب بأحمد ومحمد وعبد الله، وإذا كان بالأمس يحاول أعداء الإسلام قطع شجرة الإسلام بفأس الكفر فإنهم يقولون: اليوم لا تستطيعون أن تقطعوا شجرة الإسلام إلا بغصن من أغصانها.

    ولذلك فإننا لا نستغرب هذه الدعايات المضللة التي يتبناها كثير من المتمسلمين، والذين ينتسبون إلى الإسلام والإسلام منهم براء، والذين يحاولون أن يشككوا المسلمين في دينهم وأخلاقهم وفضائلهم، فمرة يتكلمون عن الحجاب ويصفون الحجاب بأنه تخلف وقوقعة، ومرة يصفون الحدود ويقولون إنها تخلف ووحشية، ومرة يصفون القصاص ويقولون: هذا لا يناسب هذا العصر. ويكتبون في صحف المسلمين بين فترة وفترة يشككون المسلمين في دينهم.

    ولم يعمل أعداء الإسلام أكثر من ذلك، بل لقد كان عمل هؤلاء أكثر وأخطر على الإسلام من عمل أعداء الإسلام المكشوفين، لماذا؟

    لأن هؤلاء يندسون في صفوف المسلمين، ويحسبون على الإسلام، ويتسمون بأسماء المسلمين ويحملون في جيوبهم هويات مسلمة، والمسلمون قد لا يتقون شرهم؛ لأنهم يطمئنون إليهم في كثير من الأحيان، ومن هنا أصبح الخطر أكبر، وأصبحت المصيبة أبدع، ولذلك فإن دعاة الباطل من أبناء جلدتنا أخطر بكثير على الإسلام من دعاة الباطل الذين نعرف بأنهم أعداء للإسلام.

    فهذا جانب مهم من جوانب الانحراف، ولذلك فقد أثرت دعوة هؤلاء في كثير من ضعاف العقول، وفي هذا نحن لا نتناسى هذه الصحوة الإسلامية -والحمد لله- التي ملأت الدنيا، والتي قطعت نياط قلوب الكافرين في كل مكان من الأرض، سواء أكان هؤلاء الكافرون من أبناء جلدتنا أم من أعدائنا الذين يحيطون بنا من الخارج، والذين صاروا يصفون هؤلاء بالرجعية، ويصفون هؤلاء بالتطرف، ويصفون هؤلاء بالتخلف.

    وما هو -والله- بتطرف ولا هو بتخلف، ولكنه الدين الحق، بل هؤلاء الشباب هم الذين قال الله فيهم: وَلَمَّا رَأَى الْمُؤْمِنُونَ الأَحْزَابَ قَالُوا هَذَا مَا وَعَدَنَا اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَصَدَقَ اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَمَا زَادَهُمْ إِلَّا إِيمَانًا وَتَسْلِيمًا * مِنَ الْمُؤْمِنِينَ رِجَالٌ صَدَقُوا مَا عَاهَدُوا اللَّهَ عَلَيْهِ فَمِنْهُمْ مَنْ قَضَى نَحْبَهُ وَمِنْهُمْ مَنْ يَنْتَظِرُ وَمَا بَدَّلُوا تَبْدِيلًا [الأحزاب:22-23]، ومن هنا نعرف قدر هذه الصحوة، وعلينا أن نقدر لها قدرها، ونمد أكف الضراعة لله عز وجل في أن يثبت أقدام هؤلاء الشباب المؤمنين، وأن يرزقهم الاتزان، وأن يرزقهم الصراحة في الحق والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر حتى يكون الدين كله لله، وحتى يعود الخير إلى مجاريه.

    ضعف دعاة الحق

    أما العامل الأخير من عوامل هذا الانحراف فيتمثل في ضعف دعاة الحق.

    ففي أيامنا الحاضرة ضعف كثير من دعاة الحق، ولربما ترك كثيرٌ منهم الأمر كله، ولربما كان هناك منهم من يئس ومنهم من خاف ومنهم من ضعف، وكل هؤلاء وهؤلاء وأولئك لن يضروا دين الله عز وجل، فإن الله غالب على أمره ولكن أكثر الناس لا يعلمون، والله متم نوره ولو كره الكافرون، هُوَ الَّذِي أَرْسَلَ رَسُولَهُ بِالْهُدَى وَدِينِ الْحَقِّ لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ وَلَوْ كَرِهَ الْمُشْرِكُونَ [التوبة:33].

    ومن هنا فنحن لا نخاف على الإسلام حينما نرى أن كثيراً من دعاة الحق قد تركوا الواجب المناط بهم، ولكننا نخاف على هؤلاء؛ لأن الله عز وجل يقول: ذَلِكَ وَلَوْ يَشَاءُ اللَّهُ لانتَصَرَ مِنْهُمْ [محمد:4]، أي من أعدائه وَلَكِنْ لِيَبْلُوَ بَعْضَكُمْ بِبَعْضٍ وَالَّذِينَ قُتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَلَنْ يُضِلَّ أَعْمَالَهُمْ * سَيَهْدِيهِمْ وَيُصْلِحُ بَالَهُمْ [محمد:4-5].

    ترك الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر

    اعلم أن هذا العامل هو من أكبر العوامل وأهمها، واعلم أن الباطل منذ أن خلق الله الأرض وإلى يوم القيامة باق في هذه الأرض، ولكن لابد من أن تكون هناك دعوة حق تكافح هذا السوء وتقف في وجه هذا المنكر؛ لأن الله عز وجل يقول: فَلَوْلا كَانَ مِنَ الْقُرُونِ مِنْ قَبْلِكُمْ أُوْلُوا بَقِيَّةٍ يَنْهَوْنَ عَنِ الْفَسَادِ فِي الأَرْضِ [هود:116] مما يدل على أن الفساد في الأرض كان قديماً إِلَّا قَلِيلًا مِمَّنْ أَنْجَيْنَا مِنْهُمْ وَاتَّبَعَ الَّذِينَ ظَلَمُوا مَا أُتْرِفُوا فِيهِ وَكَانُوا مُجْرِمِينَ [هود:116]، ولذلك فإن الله عز وجل قسم الناس إلى ثلاثة أقسام: فقسمان هالكان وقسم ناج، أما القسم الأول الهالك فهو فاعل الجريمة، والقسم الثاني هو الساكت عن الجريمة ويسميه العلماء شيطاناً أخرس، ولا ينجو إلا الذي ينهى عن السوء، وهو القسم الناجي.

    فمن أغمض عينيه عن منكر فإنه سيسأل عن هذا المنكر يوم القيامة، وليس معنى ذلك التهور في إنكار المنكر، ولكن يجب إنكاره بحكمة، وليس معنى الحكمة اللين أيضاً، ولكن الحكمة هي وضع الأمور في مواضعها.

    يقول الله عز وجل: فَلَمَّا نَسُوا مَا ذُكِّرُوا بِهِ أَنْجَيْنَا الَّذِينَ يَنْهَوْنَ عَنِ السُّوءِ [الأعراف:165] ذكر الله ثلاث طوائف في بني إسرائيل: طائفة فعلت المنكر وصارت تصيد السمك يوم السبت، وقد نهاهم الله عز وجل عن صيد السمك يوم السبت، ولم يصيدوه مباشرة وإنما استعملوا الحيلة، يضعون الشباك يوم الجمعة وينزعونها يوم الأحد، وبالرغم من أنهم يعملون الجريمة بطريقة غير مباشرة، فإن الله عز وجل أخذهم، وأخذ معهم قوماً يقولون: لِمَ تَعِظُونَ قَوْمًا اللَّهُ مُهْلِكُهُمْ أَوْ مُعَذِّبُهُمْ عَذَابًا شَدِيدًا [الأعراف:164]، ونجى أمة واحدة هي التي قالت: اتركوا هذا المنكر واتقوا الله واحذروا سخطه. فَلَمَّا نَسُوا مَا ذُكِّرُوا بِهِ أَنْجَيْنَا الَّذِينَ يَنْهَوْنَ عَنِ السُّوءِ وَأَخَذْنَا الَّذِينَ ظَلَمُوا بِعَذَابٍ بَئِيسٍ بِمَا كَانُوا يَفْسُقُونَ [الأعراف:165].

    وأنت -يا أخي المسلم- إذا كنت تكره الانحراف الذي أصيب به العالم اليوم فإنه لا سبيل إلى الإصلاح إلا أن تأمر بالمعروف وتنهى عن المنكر، وتعتبر نفسك جندياً من جنود الله شاء الناس أم أبوا، وتعاهد الله عز وجل على أن تنكر هذا المنكر مهما عز المطلب ومهما غلا الثمن، وإلا فإنه يخشى عليك أن تكون من الذين يقول الله عز وجل فيهم: وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَقُولُ آمَنَّا بِاللَّهِ فَإِذَا أُوذِيَ فِي اللَّهِ جَعَلَ فِتْنَةَ النَّاسِ كَعَذَابِ اللَّهِ [العنكبوت:10].

    وأنت -يا أخي- حينما تهرب من عقوبة الناس عليك أن تقارن بين عقوبة الناس وبين عذاب النار، إن أكثر ما يستطيع أن يفعله الناس بالناس حينما ينكرون المنكر ويقفون في وجوه الطغاة الذين كثير منهم اليوم يتسنم مراكز العالم الإسلامي إن أكثر ما يفعلونه هو القتل واغتيال هذه الروح، وهي لن تموت إلا بأجل بإذن الله عز وجل، والرزق أيضاً مقدر من عند الله سبحانه وتعالى، فأيهما أهون: هذا العذاب أم عذاب الآخرة الذي لا ينتهي أبداً؟

    وهذا هو معنى قول الله تعالى: وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَقُولُ آمَنَّا بِاللَّهِ فَإِذَا أُوذِيَ فِي اللَّهِ جَعَلَ فِتْنَةَ النَّاسِ [العنكبوت:10] أي: عقوبتهم كَعَذَابِ اللَّهِ [العنكبوت:10] أي: عذاب يوم القيامة.

    إذاً عليك -أخي المسلم- أن تكون جندياً من جنود الله، وأن تكون داعياً إلى الاستقامة على دين الله، محارباً للانحراف بجميع صنوفه وملله وأنواعه.

    وأسأل الله سبحانه وتعالى أن يثبتني وإياك على هذا الأمر، وأن يتوفانا ونحن على ثغور الإسلام، وأن يهدي ضال المسلمين إلى الحق، وأن يوفق قادة بلدنا وقادة العالم الإسلامي أجمع لأن يكونوا من الذين قال الله عز وجل فيهم: الَّذِينَ إِنْ مَكَّنَّاهُمْ فِي الأَرْضِ أَقَامُوا الصَّلاةَ وَآتَوُا الزَّكَاةَ وَأَمَرُوا بِالْمَعْرُوفِ وَنَهَوْا عَنِ الْمُنْكَرِ وَلِلَّهِ عَاقِبَةُ الأُمُورِ [الحج:41]، وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين.

    1.   

    الأسئلة

    الزواج هو العلاج الوحيد للشهوة

    السؤال: أنا من أول عمري أحب الخير وأسعى إليه، وأستمع إلى المحاضرات والأشرطة الدينية، وأدافع عن الدين أمام الشباب، ولكن عندي مشكلة أقلقت راحتي، وهي دافع الشهوة القوي حيث ألجأ إلى المعصية، وأنا الآن أفكر في الزواج، ولن يتم الزواج لوجود بعض الظروف، ولا أستطيع الصيام، وأنا أرتدع أمام المواعظ، ولكن عندما أقدم على هذه المعصية لا أبالي، فما رأي فضيلتكم؟

    الجواب: لقد أرشدت نفسك إلى طريق العلاج وهو الزواج، والزواج هو العلاج الوحيد لسد شهوة الإنسان؛ لأنك وأنت تقرأ سورة النور تجد ثاني آية تتحدث عن جريمة الزنا وعقوبته، ثم بعد ذلك تبين عوامل الجريمة، ثم تبين في آخر آية العلاج الصحيح وهو الزواج: وَأَنكِحُوا الأَيَامَى مِنْكُم وَالصَّالِحِينَ مِنْ عِبَادِكُمْ وَإِمَائِكُمْ [النور:32].

    وعلى هذا فإن الزواج سنة من سنن المرسلين، وهو العلاج الوحيد لهذه الشهوة التي تشتكي منها، ولربما أصيب بها كثير من الناس وأصبحت تقلق راحته، والزواج -والحمد لله- الآن شبه ميسر، فهناك أهل الخير، وهناك الجمعيات الخيرية، وهناك المحسنون كلهم يتعاونون مع الشاب إذا عزم على الزواج، ولذلك فإني أدعوك للزواج بحيث تصرف هذه الشهوة التي أقلقت راحتك مصارفها المباحة لتسلم من آثامها ومصائبها.

    علاج التفكر في ذات الله

    السؤال: إني كثير التفكير في ذات الله، أرجو أن أرشد إلى داوء أو قول يبعدني عن هذا التفكير؟

    الجواب: التفكير في ذات الله من الشيطان، ولكنه حقيقة الإيمان، ولكن الاستجابة مع هذا التفكير والانصياع له بطريقة شديدة قد يؤثر على عقيدة المسلم، ولذلك الصحابة لما سألوا الرسول صلى الله عليه وسلم فقالوا: إن أحدنا يجد في نفسه ما يتعاظم أن يتكلم به قال: (ذاك صريح الإيمان) ثم أمر المسلم بأنه إذا فكر في هذا يقول: قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ * اللَّهُ الصَّمَدُ * لَمْ يَلِدْ وَلَمْ يُولَدْ * وَلَمْ يَكُنْ لَهُ كُفُوًا أَحَدٌ [الإخلاص:1-4].

    وأرشدك -يا أخي- إلى التفكر في مخلوقات الله لتعرف فيها عظمة الله بدل أن تفكر في ذات الله تعالى؛ لأن مخلوقات الله هي التي تعرض أمامك في الليل وفي النهار، وفي كل لحظة من لحظات حياتك، بل وفي نفسك، وإذا فكرت في نفسك وفي خلقك وفي دقة صنعك عرفت قدرة الله سبحانه وتعالى، ولو رفعت نظرك إلى السماء في الليل فرأيت النجوم والقمر، أو في النهار ورأيت الشمس وهذا النظام البديع لأدركت عظمة الخالق سبحانه وتعالى، والتفكير في عظمة الله وفي مخلوقاته يغنيك عن التفكير في ذات الله الذي يجب عليك أن تنتهي عنه بقولك: قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ * اللَّهُ الصَّمَدُ * لَمْ يَلِدْ وَلَمْ يُولَدْ * وَلَمْ يَكُنْ لَهُ كُفُوًا أَحَدٌ [الإخلاص:1-4].

    حرمة شرب الدخان وحرمة انتهار الأم

    السؤال: هل شرب الدخان من سبل الانحراف؟ وإذا دخلت إلى البيت وأنت غضبان فكلمتك والدتك لترسلك إلى السوق -مثلاً- فنهرتها فهل هو حرام؟

    الجواب: أما بالنسبة للدخان فقد ثبت ضرره طبياً واجتماعياً وأخلاقياً، ولذلك فإنه يعتبر من الفسق، وأنا لا أستطيع أن أقول: إنه محرم وأجزم بأنه محرم، ولكن من خلال أضراره التي نسمع عنها نستطيع أن نقول: بمقدار أضراره يكون محرماً. فإذا كان فيه ضرر على الصحة فإن الله تعالى يقول: وَلا تَقْتُلُوا أَنفُسَكُمْ إِنَّ اللَّهَ كَانَ بِكُمْ رَحِيمًا [النساء:29]، ولذلك فإن الرجل الذي حز يده قال الله عز وجل: (عبدي بادرني بنفسه! حرمت عليه الجنة) وذلك عندما قتل نفسه، فإذا كان الدخان يؤدي إلى قتل النفس فإنه من أكبر المحرمات، وفيه خطر أيضاً أنه قد يكون سبباً للخلود في النار؛ لأن الله تعالى يقول: (حرمت عليه الجنة)، وهذا من باب الوعيد.

    وعلى كل فهو من الفسق، وهو من أسباب الانحراف، ولربما يجر شرب الدخان إلى الشاب الحدث مصائب أكبر من شرب الدخان، بحيث يحتاج إلى شيء من المال فلربما يتنازل عن شرفه وعرضه، ولربما يخالط أراذل الناس بسبب شربه للدخان، ولذلك فإني أدعو الشباب إلى أن يبتعدوا عنه، وأن يتقوا الله.

    أما بالنسبة للأم فإن الله تعالى حرم التأفف في وجهي الوالدين، فقال: فَلا تَقُلْ لَهُمَا أُفٍّ [الإسراء:23] و(أف) معناها تضجر، يعني: لا يجوز أن تتضجر في وجهيهما، فإذا طلبت منك حاجة كأن تذهب إلى السوق لمصلحة أو ما أشبه ذلك وليس هناك ضرر فإنك ملزم بطاعتها بقدر الاستطاعة، وهذا من البر؛ لأن البر معناه الطاعة للوالدين بالمعروف.

    خطورة مخالطة المنحرفين

    السؤال: هناك بعض الشباب مستقيمون ولكنهم يخالطون أناساً منحرفين، ويحتجون بأنهم مستقيمون وأن هذا لا يضرهم، فهل هذا صحيح أم لا؟

    الجواب: الاختلاط بالناس على نوعين:

    فمن كان يعرف من نفسه الاستقامة ولا يخشى عليها الانحراف من مخالطة هؤلاء، بحيث تكون شخصيته أكبر من شخصية من يخالطه وأقوى، ويعرف بأنه بمخالطة هذا المنحرف يستطيع أن يقوم أخلاقه فإن هذا سنة، وقد نقول: إنه واجب؛ لأن هذا من الدعوة إلى الله ومن الإصلاح.

    أما إذا كان يخشى على نفسه من ضرر هذا المختلط به لأنه أقوى شخصية منه فإنه يحرم عليه أن يختلط به؛ لأن هذا سبب من أسباب الانحراف.

    أما إذا كان يجهل الأمر فلا يدري أيستطيع أن يؤثر على صاحبه أم صاحبه يستطيع أن يؤثر عليه فإن الاحتياط أن لا يقرب؛ لأنه سيؤثر عليه؛ ولأنه ربما يكون خطراً عليه، وهذه مخاطرة في دينه، وعلى هذا فإن عليه أن يبتعد ويعَتَبِر هذا من أكبر المنكرات.

    توجيه للشاب إذا كان في بيته منكرات

    السؤال: توجد استقامة عند بعض الشباب مع فساد البيت الذي يعيش فيه، ولا يستطيع إزالة ما في البيت من منكر، فما هو الحل لهذا الشاب حتى لا يتأثر بهذا المنكر؟

    الجواب: ما ورد في السؤال صحيح، خاصة في هذه الأيام، فقد وجد في كثير من البيوت الإسلامية شباب مستقيمون خالفوا في استقامتهم منهج كثير من أفراد الأسرة، ولربما يكون من أفضل فضائل هذا العصر أن كثيراً من الأبناء صاروا أفضل من آبائهم استقامة.

    وبقيت مشكلة ما يعانونه في هذا البيت من انحراف، فأقول للشباب: إن كان هذا الانحراف لن يؤثر عليك في نفسك فإن عليك أن تبقى في هذا البيت من أجل إصلاح هذا البيت، ومن أجل أن تبذل كل ما في وسعك في سبيل تقويم هذا البيت وإصلاح أهلك وإخوانك وأبيك وأمك، ومن كان في البيت.

    أما إذا كنت لا تطيق ذلك حيث إن هذا خطر ربما يصل إليك في يوم من الأيام، وبذلت كل الجهود في سبيل الاستقامة فإن عليك أن تهرب بدينك وأن تلزم جماعة المسلمين، لكن بعد أن تتأكد من أنك مهدد بالخطر في دينك، أما إذا كنت تشك في ذلك فإن بقاءك بين أهلك وذويك خير لك، خصوصاً وأنك مطالب بإصلاحهم؛ لأن الله تعالى يقول: وَأَنذِرْ عَشِيرَتَكَ الأَقْرَبِينَ [الشعراء:214].

    موقف الإنسان من الانحرافات والفتن والمضايقات

    السؤال: ما هو موقف الإنسان تجاه الانحراف والفتن والضغوط التي تحصل له بسبب الاستقامة؟

    الجواب: موقف المسلم هو الثبات وعدم التأثر؛ لأن الله تعالى يقول: فَاسْتَقِمْ كَمَا أُمِرْتَ [هود:112]، إِنَّ الَّذِينَ قَالُوا رَبُّنَا اللَّهُ ثُمَّ اسْتَقَامُوا [الأحقاف:13]، وسأل رجل رسول الله صلى الله عليه وسلم عن قولٍ لا يسأل عنه أحداً غيره فقال: (قل آمنت بالله ثم استقم)، وهذا يدل على أهمية الاستقامة.

    وعلى هذا فإن المسلم مطالب بأن لا يتأثر بالأجواء التي تحيط به، سواء أكانت في بيته أم في مجتمعه أم في العالم أجمع؛ لأن المسلم إذا اقتنع بطريقه ومبدئه وعرف أنه على حق وعلى طريق مستقيم فإنه لا يضره ما حوله، وحينئذ فإني أوصي الشاب الذي يقع في مثل هذا بأن يثبت على دين الله، وأن لا يتأثر بما يحيط به من دعوات مضللة وأفكار منحرفة، وحينئذ فإنه سيجد الخير في نهاية هذا الطريق.

    الصبر على الاستقامة والثبات عليها

    السؤال: بعض الشباب المتدينين يلاقون بعض المضايقات من بعض الناس بإطلاق الكلمات القبيحة التي قد تؤثر على الشاب الذي هو في بداية الاستقامة، فما هي الآيات القرآنية التي نقرؤها من أجل أن يتقوى إيمان هؤلاء الشباب؟

    الجواب: هذا المبدأ قديم وليس بجديد، فالمسلمون الأوائل كانوا يلاقون مثل هذه الضغوط وأشد من ذلك، كان الواحد منهم كـبلال رضي الله عنه توضع حجارة حارة على بطنه، ولا يصده ذلك عن دينه، وكان عمار وأبوه ياسر وأمه سمية وأناس غيرهم يلاقون صنوف الأذى في سبيل دينهم ولا يصدهم ذلك عن دين الله.

    وممن لاقى الصد عن الدين سعد بن أبي وقاص رضي الله عنه، وذلك أنه اعتنق الإسلام فقالت أمه: يا سعد! والله لا آكل طعاماً ولا شراباً حتى تكفر بدين محمد. فجلس هذا الرجل بين عاملين -عامل الإيمان والعقل وعامل العاطفة- ينظر إلى أمه ونفسها تتقعقع من شدة الجوع، ولكن العقل غلب العاطفة فقال: اسمعي يا أماه: والله لو كانت لك مائة نفس فخرجت واحدة بعد الأخرى ما تركت ديني، فإن شئت فكلي وإن شئت فلا تأكلي. فأكلت، وأنزل الله تعالى فيه قوله: وَوَصَّيْنَا الإِنسَانَ بِوَالِدَيْهِ حَمَلَتْهُ أُمُّهُ وَهْناً عَلَى وَهْنٍ ... [لقمان:14] إلى قوله تعالى: وَإِنْ جَاهَدَاكَ عَلى أَنْ تُشْرِكَ بِي مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ فَلا تُطِعْهُمَا وَصَاحِبْهُمَا فِي الدُّنْيَا مَعْرُوفاً وَاتَّبِعْ سَبِيلَ مَنْ أَنَابَ إِلَيَّ [لقمان:15].

    أما ما يلاقيه المسلمون من التعب في أيامنا الحاضرة فإنا نعزيهم فيه بقول الله تعالى: وَالَّذِينَ اتَّقَوْا فَوْقَهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ [البقرة:212]، ونعزيهم بقول الله تعالى: إِنَّ الَّذِينَ أَجْرَمُوا كَانُوا مِنَ الَّذِينَ آمَنُوا يَضْحَكُونَ * وَإِذَا مَرُّوا بِهِمْ يَتَغَامَزُونَ * وَإِذَا انقَلَبُوا إِلَى أَهْلِهِمُ انقَلَبُوا فَكِهِينَ * وَإِذَا رَأَوْهُمْ قَالُوا إِنَّ هَؤُلاءِ لَضَالُّونَ [المطففين:29-32] يقولون: هذا لحيته طويلة. هذا ثوبه قصير. هذا رجعي. هذا فيه كذا. أما النتيجة: فَالْيَوْمَ الَّذِينَ آمَنُوا مِنَ الْكُفَّارِ يَضْحَكُونَ * عَلَى الأَرَائِكِ يَنظُرُونَ * هَلْ ثُوِّبَ الْكُفَّارُ مَا كَانُوا يَفْعَلُونَ [المطففين:34-36].

    وحينئذ فيكفيك فخراً -أيها الأخ المسلم- أن يقول الله لك بأنك مؤمن إِنَّ الَّذِينَ أَجْرَمُوا كَانُوا مِنَ الَّذِينَ آمَنُوا يَضْحَكُونَ [المطففين:29]، ويقول الله تعالى عن يوم القيامة حينما يجمع الله الناس ثم يكون فريق في الجنة وفريق في السعير، ويبدأ الخصام بين هؤلاء الذين يسخرون من المتدينين ويضحكون منهم ويتخذونهم سخرياً، يقول الله تعالى لما يلقي أولئك في النار: إِنَّهُ كَانَ فَرِيقٌ مِنْ عِبَادِي يَقُولُونَ رَبَّنَا آمَنَّا فَاغْفِرْ لَنَا وَارْحَمْنَا وَأَنْتَ خَيْرُ الرَّاحِمِينَ * فَاتَّخَذْتُمُوهُمْ سِخْرِيًّا حَتَّى أَنسَوْكُمْ ذِكْرِي وَكُنتُمْ مِنْهُمْ تَضْحَكُونَ * إِنِّي جَزَيْتُهُمُ الْيَوْمَ بِمَا صَبَرُوا أَنَّهُمْ هُمُ الْفَائِزُونَ [المؤمنون:109-111].

    ومن هنا لا يجوز لمسلم أن يتأثر بمثل هذه الدعايات التي تكال اليوم لكثير من المسلمين، والذين أصبحوا غرباء، ويكفيهم أنهم غرباء، وطوبى للغرباء الذين يصلحون إذا فسد الناس.

    الدخان حرام بحسب ما فيه من الضرر

    السؤال: ما معنى قولك: لا أجزم بتحريم الدخان؟

    الجواب: أنا لست أقول: إن الدخان ليس بمحرم. وهناك فرق بين من يقول: احتاج إلى أن أتأكد من تحريمه ومن يقول: إنه محرم. لأن الله تعالى يقول: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تُحَرِّمُوا طَيِّبَاتِ مَا أَحَلَّ اللَّهُ لَكُمْ وَلا تَعْتَدُوا [المائدة:87]، فالإنسان الذي يحرم الشيء ولم يتأكد منه أعظم جرماً ممن يفعل حراماً، فالذي يفعل حراماً فعل معصية والذي يحرم شيئاً لا يجزم بتحريمه تعدى على شرع الله تعالى وتعدى على التشريع الذي هو لله تعالى، ولكني أقول: إن الدخان قد ثبتت مضاره، فظهرت دلائل الحرمة من خلال هذه المضار، سواء في ذلك المضار الاجتماعية -فإنه لا يتعاطاه في الغالب إلا الساقط من الناس- أو الأضرار الأخلاقية -قد خربت أخلاق كثير من الشباب بشرب الدخان- أو الأضرار الصحية أيضاً، فقد ثبت طبياً بأنه ضار، ومن هنا نستطيع أن نقول: إنه محرم بمقدار ما فيه من المضار. أما أن نقول: هو محرم لذاته فلا أحد يستطيع أن يقول: إنه محرم لذاته؛ لأن الدخان لم يرد فيه شيء من شرع الله، ولأنه من الأمور المحدثة، ولكن تحريمه معلق بالأضرار التي تترتب عليه، ولذلك فإني أصحح مفهومك -يا أخي- بأني لم أقل بأن الدخان حلال، أو أن الدخان غير محرم، ولكني أقول: أنا لا أجزم بتحريمه إلا بمقدار ما فيه من الأضرار. فإذا ثبتت هذه الأضرار التي نسمع بها أو جزء منها فحينئذ يكون محرماً لا لذاته، وإنما لما يترتب عليه.

    حكم الخجل من إنكار المنكر

    السؤال: أنا شاب أبلغ من العمر خمسة عشر عاماً، أرى بعض الناس المسبلين وغيرهم من العصاة، ولكن لا أنصحهم؛ لأنني شديد الخجل، فهل علي إثم؟ وما علاج ذلك؟

    الجواب: الرسول صلى الله عليه وسلم يقول: (من رأى) و(من) هنا اسم موصول من ألفاظ العموم، أي: جميع الناس (من رأى منكم منكراً فليغيره بيده، فإن لم يستطع فبلسانه، فإن لم يستطع فبقلبه)، والمسألة ليست مسألة تخيير وإنما هي مسألة ترتيب، فإذا كان الإنسان يستطيع أن ينكر المنكر بيده فإنه مطالب بذلك، والله تعالى أعطى المسلمين قوة، كما قال تعالى: لَقَدْ أَرْسَلْنَا رُسُلَنَا بِالْبَيِّنَاتِ [الحديد:25]، ثم قال بعد ذلك: وَأَنْزَلْنَا الْحَدِيدَ فِيهِ بَأْسٌ شَدِيدٌ [الحديد:25]، فالقوة يجب أن تصحب الكتب السماوية.

    ثانياً: إذا عجزت عن الإنكار بيدك فإنك مطالب بأن تنكر بلسانك، وإذا كان يمنعك الخجل فهذا خطأ كبير؛ لأن الحياء يجب أن يكون من المعصية لا من الطاعة، ومن هو الذي يخجل من أن يطيع الله عز وجل؟! بل المسلم مطالب بأن يستحيي من أن يفعل معصية، أما الطاعة فإنه لا يجوز أن يمنعك الخجل منها، والإنكار بالقلب لا يجوز أن نلجأ إليه في مثل هذه الفترة، ونحن -والحمد لله- نعيش في حكم إسلامي وفي دولة إسلامية لا تعارض الذين ينكرون المنكر، فإذاً أصبح الإنكار بالقلب لا مجال له في بلادنا.

    لبس الحجاب شرع لا عادة

    السؤال: كثير من الناس يعتبر أن الحجاب عادة وليس واجباً، وأن العلماء يأمرون به لئلا ينتشر الفساد، فهل هذا صحيح؟ وهل ولي الأمر آثم إذا لم تتحجب نساؤه؟

    الجواب: الحجاب ليس بعادة، وهذه من السموم التي دسها أبناء جلدتنا، فقد كتبت صحف كثيرة في بلادنا بأن الحجاب موروث عن العصور المتخلفة، وأن الحجاب تقوقع وتخلف، وقرأنا كثيراً في كثير من صحفنا حينما مرت بها فترة سيطر عليها فيها طائفة ممن نخشى أن يكونوا من تلك الفئة التي أخبر عنها الرسول صلى الله عليه وسلم. فالحجاب واجب بكتاب الله وبسنة رسول الله صلى الله عليه وسلم وبإجماع المسلمين، ويمكن أن نقسم الحجاب إلى قسمين حتى لا نتعدى على شرع الله:

    فهناك حجاب لتغطية الوجه واليدين مع بقية الجسد، وهناك حجاب بمعنى ستر العورة التي ذكرها الله عز وجل في قوله: وَلا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلَّا لِبُعُولَتِهِنَّ أَوْ آبَائِهِنَّ أَوْ آبَاءِ بُعُولَتِهِنّ.. [النور:31] إلى آخر الآية.

    أما الأول فهو وإن كان قد اختلف طائفة من العلماء في حكم ستر الوجه والكفين إلا أن العلماء أجمعوا إجماعاً على أن الفتنة إذا خيفت فإنه يجب تغطية الوجه والكفين، وحينئذ يصبح ذلك الرأي لا أثر له؛ لأن الفتنة متوقعة ومتأكدة في كشف الوجه والكفين، خصوصاً الوجه الذي هو موضع جمال المرأة، وعلى هذا فإنه يصبح الخلاف لغوياً ولا أثر له في الشرع، فإذا كان هناك من الأئمة الأربعة من قال: يجوز كشف الوجه والكفين فقد أجمع الأربعة وأجمع المسلمون على أنه إذا خشيت الفتنة فلا يجوز كشف الوجه، وحينئذ أصبح كشف الوجه -خاصة في أيامنا الحاضرة- موضع فتنة، ومن المؤكد أنه يثير الفتنة، إذاً نستطيع أن نقول: أجمع المسلمون على تغطية الوجه في زمننا؛ لأنه موضع للفتنة بالإجماع.

    أما بالنسبة لما زاد على الوجه والكفين فلا أحد يستطيع أن يقول بأنه ليس في شرع الله، بل جاءت به الأدلة القرآنية، كقوله تعالى: يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ قُلْ لِأَزْوَاجِكَ وَبَنَاتِكَ وَنِسَاءِ الْمُؤْمِنِينَ يُدْنِينَ عَلَيْهِنَّ مِنْ جَلابِيبِهِنَّ [الأحزاب:59]، ثم قال بعد ذلك: لَئِنْ لَمْ يَنْتَهِ الْمُنَافِقُونَ وَالَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ وَالْمُرْجِفُونَ فِي الْمَدِينَةِ لَنُغْرِيَنَّكَ بِهِمْ ثُمَّ لا يُجَاوِرُونَكَ فِيهَا إِلَّا قَلِيلًا [الأحزاب:60] وأحاديث كثيرة عن رسول صلى الله عليه وسلم كلها تدل على ذلك.

    إذاً هذه التي تخرج شعرها أو ساقيها أو عضدها أو نحرها أو ما أشبه ذلك كيف تستطيع أن تقول بأنها أخذت دليلاً من شرع الله تعالى على ذلك؟! وقد أجمع المسلمون على تحريم هذا الأمر بنص القرآن الكريم وفي نص السنة المطهرة، والخلاف إنما هو في الوجه والكفين، وإجمع المسلمين على أنها إذا خشيت الفتنة فلا يجوز كشف الوجه.

    إذاً يكاد أن يكون الحجاب واجباً إجماعاً.

    حكم تأخير الصلاة عن وقتها لمشاهدة المباريات

    السؤال: أحضر بعض المباريات وتكون في أوقات الصلاة، فيخرج الوقت، فهل أنا آثم بذلك؟

    الجواب: نعم أنت آثم، وما هذه المباريات وما وزنها في دنيا الناس اليوم إذا كان الرسول صلى الله عليه وسلم يوقف المعركة من أجل أن يقيم الصلاة؟! فكان يغير شيئاً من نظم الصلاة من أجل أن تقام الصلاة جماعة لا فرادى، كما في قوله تعالى: وَإِذَا كُنتَ فِيهِمْ فَأَقَمْتَ لَهُمُ الصَّلاةَ فَلْتَقُمْ طَائِفَةٌ مِنْهُمْ مَعَكَ وَلْيَأْخُذُوا أَسْلِحَتَهُمْ فَإِذَا سَجَدُوا فَلْيَكُونُوا مِنْ وَرَائِكُمْ وَلْتَأْتِ طَائِفَةٌ أُخْرَى لَمْ يُصَلُّوا فَلْيُصَلُّوا مَعَكَ وَلْيَأْخُذُوا حِذْرَهُمْ وَأَسْلِحَتَهُمْ [النساء:102]، ثم يقول بعد ذلك: فَإِنْ خِفْتُمْ فَرِجَالًا [البقرة:239] أي: صلوا وأنتم تركضون على أقدامكم أَوْ رُكْبَانًا [البقرة:239] وأنتم على الإبل والخيل. إذاً ما هو عذرك -يا أخي- وأنت في سفاسف الأمور كلعب الكرة؟

    تريد أن تؤخر الصلاة عن وقتها والرسول صلى الله عليه وسلم في ساحة الجهاد في سبيل الله يأمره الله تعالى بأن يقيم الصلاة جماعة، وأن يغير شيئاً من نظم الصلاة من أجل أن تقام الصلاة جماعة فمثلاً: كان يصف المسلمين صفين، فيسجد الصف الأول ويقف الصف الثاني ولا يسجد مع الرسول صلى الله عليه وسلم، ثم يسجد الصف الثاني في الركعة الثانية ويبقى الأول، ثم بعد ذلك كل يكمل ركعة أخرى ويسلمون مع الرسول صلى الله عليه وسلم ، أين هذا من ذاك؟! وأين هذا الواقع الذي تصطف فيه آلاف البشر من المسلمين وتمر بهم الصلاة تلو الصلاة لا يرفعون بها رأساً، من واقع الرسول صلى الله عليه وسلم حين يأمره الله تعالى أن يقيمها في ساعة المعركة؟

    إذاً عليك -يا أخي- أن تعلن الأذان، وأن تقطع كل شيء حتى تقام الصلاة جماعة، ولا عذر للمسلمين في أن يمضي الوقت وهم في أي عمل من الأعمال دون أن يقيموا الصلاة.

    كثرة النعم ليست دليلاً على رضا الله

    السؤال: هل يصح لنا أن نقول: إن كثرة النعم دليل رضا الله علينا؟

    الجواب: لا، والنعم تأتي لثلاثة أمور:

    إما أن تكون علامة على الرضا؛ لأن الله تعالى يقول: وَأَلَّوِ اسْتَقَامُوا عَلَى الطَّرِيقَةِ لَأَسْقَيْنَاهُمْ مَاءً غَدَقًا [الجن:16]، وَلَوْ أَنَّ أَهْلَ الْقُرَى آمَنُوا وَاتَّقَوْا لَفَتَحْنَا عَلَيْهِمْ بَرَكَاتٍ مِنَ السَّمَاءِ وَالأَرْضِ [الأعراف:96].

    وإما أن تكون علامة غضب، كما في قول الله تعالى: فَلَمَّا نَسُوا مَا ذُكِّرُوا بِهِ فَتَحْنَا عَلَيْهِمْ أَبْوَابَ كُلِّ شَيْءٍ [الأنعام:44]، وقبلها سَنَسْتَدْرِجُهُمْ مِنْ حَيْثُ لا يَعْلَمُونَ * وَأُمْلِي لَهُمْ إِنَّ كَيْدِي مَتِينٌ [القلم:44-45].

    وإما أن تكون امتحاناً وابتلاء، أي أن الله تعالى يختبرك بالنعمة، ويعطيك المال ويعطيك الولد، ويعطيك الخيرات ورغد العيش ليختبر إيمانك هل تصبر أو لا تصبر، وهذه أكثر ما تكون في عالم الناس.

    تمييز نعمة الاستدراج عن نعمة الرضا أو الابتلاء

    السؤال: كيف نعرف إذا نزلت بنا نعمة أنها اختبار وعذاب أو رحمة ورضا من المولى عز وجل؟

    الجواب: العلامة هي الطاعة، فإذا جاءت النعمة مع الطاعة والاستقامة على دين الله فهذه علامة الرضا؛ لأن الله تعالى يقول: وَأَلَّوِ اسْتَقَامُوا عَلَى الطَّرِيقَةِ [الجن:16] أي: على المنهج السليم لَأَسْقَيْنَاهُمْ مَاءً غَدَقًا [الجن:16]، ثم قال: لِنَفْتِنَهُمْ فِيهِ [الجن:17] أيضاً، فهم يعطون النعمة جزاءً ويختبرون بها أيضاً، ولكن إذا جاءت النعمة مع المعصية فإنها علامة الاستدراج؛ لأن الله تعالى يقول: فَلَمَّا نَسُوا مَا ذُكِّرُوا بِهِ [الأنعام:44] يعني: أعرضوا عن دين الله فَتَحْنَا عَلَيْهِمْ أَبْوَابَ كُلِّ شَيْءٍ [الأنعام:44].

    فالعلامة هي واقع الناس، فإذا كان الناس تأتيهم النعم مع استقامة فهذه قد تكون علامة رضا، وإذا جاءتهم مع معصية وكفره وكلما زاد الكفر والبعد عن الله تعالى زادت النعم فهذه علامة الغضب ودنو العذاب.

    ترك فعل الخير والصوم بدعوى الصغر

    السؤال: بعض الناس يقول: أنا إنسان مستقيم. ولكنه لا يفعل الخير ولا يصوم؛ لأنه يدعي بأنه صغير، فماذا نقول له؟

    الجواب: إذا كان صغيراً فإنه لا يلزمه الصيام؛ لأن كل تكاليف الإسلام وشرائع الإسلام لا تلزم إلا بعد البلوغ، ولكن المسلم يتمرن عليها قبل البلوغ، حتى إذا بلغ يكون قد استعد، فيؤمر الصبي بالصلاة لسبع سنين، ويشدد عليه إذا بلغ عشر، لكن في السابعة إلى العاشرة إلى أن يبلغوا لا يكلفون بالصلاة ولا يعاقبون على تركها، وإنما هي من باب التمرين والتربية، وكذلك الصيام، وقد كان الصحابة يدربون أبناءهم على الصيام وهم أبناء عشر سنين وهم صغار.

    وعلى كل فإذا كان هذا الذي يدعي بأنه مستقيم ويترك العبادات وهو دون البلوغ فإنا نقول: من الاستقامة أن تؤدي هذه التكاليف لتتمرن عليها، ولكننا لا نقول بأنك عاص أو مرتد إذا تركت الصلاة وأنت لم تبلغ، ولكن المستقيم بطبيعته يتمرن على العبادات ويؤدي العبادات ولو كان صغيراً.

    حكم قراءة المجلات الماجنة

    السؤال: عندي كثير من المجلات الفاسدة فهل يحرم علي قراءتها، علماً أنني لا أريد أن أرد على ما ورد فيها، وهل إذا علم ولي الأمر أن أولاده يقرءون ذلك يكون آثماً؟

    الجواب: أما بالنسبة للشر الذي فيها أو النظر إلى الصور المثيرة فإن هذا تحرم قراءته، اللهم إلا للإنسان يريد أن يعلم هذا الشر من أجل أن يرد عليه من حيث جاء، فإن هذا يستحب إن لم يكن واجباً؛ لأن هذا من إنكار المنكر.

    أما بالنسبة للإنسان الذي يريد أن يتمتع بالشر الذي فيها أو يتمتع بالصور المنحرفة الموجودة فيها كصور الغلاف أو داخلها أو ما أشبه ذلك فهذا حرام، ولكني أنصح الشباب الذين لم ينضجوا بعد أن يبتعدوا عنها قدر المستطاع، حتى ولو كان اقتناؤها بدافع الرد عليها أو معرفة الشر كما يقولون؛ لأن هؤلاء لا يؤمن عليهم الانحراف، ولأن أعداء الإسلام قد يدسون السم في الدسم، فيأتون بأفكار سيئة مشبوهة بكلمات حسنة، ولذلك فإن هذا خطر.

    الكتاب والسنة ميزان استقامة العمل

    السؤال: إن بعض الناس يعمل ويعتقد أن عمله على استقامة، فكيف نعرف أن هذا الإنسان على استقامة في عمله؟

    الجواب: نعرض عمل هذا الإنسان على المنهج الصحيح من كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم، فإذا كان عمله موافقاً لكتاب الله وسنة النبي صلى الله عليه وسلم فهذا عمل صحيح ومقبول، وإذا كان مخالفاً للمنهج الذي جاء من عند الله وجاء به رسوله صلى الله عليه وسلم فهو غير صحيح؛ لأن الله تعالى يقول: وَمَا اخْتَلَفْتُمْ فِيهِ مِنْ شَيْءٍ فَحُكْمُهُ إِلَى اللَّهِ [الشورى:10]، فَإِنْ تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّهِ وَالرَّسُولِ إِنْ كُنتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ [النساء:59].

    طريقة نصح الشباب وكيفية إقناعهم

    السؤال: بعض الشباب في وقتنا الحاضر انحرفوا عن الطريق السليم، وإذا خاطبت واحداً من هؤلاء ناصحاً له فإنه لا يبالي بهذه النصيحة؛ لأنه قد يكون من ينصحه لم يقنعه إقناعاً تاماً، فما هي الطريقة التي يستطيع الداعي بها إدخال نصيحته إلى قلب هذا الشاب؟

    الجواب: أعتقد أن التربية في أيامنا الحاضرة أفضل من النصيحة، وأفضل من الموعظة، لأن التربية كمن يغرس شجرة ثم يتعاهدها فترة بعد أخرى، والموعظة كمن يغرس شجرة ثم ينساها مدة طويلة من الزمن حتى تذبل أو تيبس.

    وعلى هذا فإن من أفضل الطرق التي نستطيع أن نربي فيها أبناء المسلمين اليوم لمن أراد ذلك أن يحتضن مجموعة من شباب المسلمين مجموعة أخرى يعيشون معهم ويقضون مدة من الزمن مع بعضهم، ويتبع بعضهم بعضاً بالخير، ويحذر بعضهم بعضاً من الشر، ويقلد بعضهم بعضاً في الأفعال الخيرية، وأقول: يقلد، أي: يأخذ الخير منه، أما التقليد الأعمى الذي لا ينبني على قاعدة فإنه لا يصح.

    فهذه تعتبر من أفضل الطرق، والموعظة -أيضاً- لها أثر بين فترة وأخرى، ولكن التربية أفضل من الموعظة، ولذلك جاء في آخر حديث حذيفة بن اليمان رضي الله عنه: (قلت: يا رسول الله! فماذا تأمرني إن أدركني ذلك؟ قال: الزم جماعة المسلمين وإمامهم).

    فالإنسان عليه أن يلزم الجماعة المسلمة، وعليه أن يبحث عن مجموعة؛ لأن الرسول صلى الله عليه وسلم يقول: (إنما يأكل الذئب من الغنم القاصية)، فالذي يبتعد عن إخوانه وعن أهل الخير يقتنصه أعداء الإسلام، والذي يعيش مع هؤلاء يسلم في الغالب من أعداء الإسلام الذين يتربصون الدوائر بالمسلمين، قال حذيفة: (فإن لم يكن للمسلمين جماعة ولا إمام؟ قال: فاهرب بدينك ولو أن تعض على أصل شجرة حتى يدركك الموت وأنت على ذلك).

    مكتبتك الصوتية

    أو الدخول بحساب

    البث المباشر

    المزيد

    من الفعاليات والمحاضرات الأرشيفية من خدمة البث المباشر

    عدد مرات الاستماع

    3086718663

    عدد مرات الحفظ

    755988349