إسلام ويب

المرأة والدعوة [2]للشيخ : علي بن عمر بادحدح

  •  التفريغ النصي الكامل
  • وجود المرأة الداعية بين بنات جنسها لا يقل أهمية عن وجود الرجل الداعية في المجتمع، وذلك لأن المرأة أعرف بهموم المرأة ومشاكلها واهتماماتها وما يؤثر عليها، وبالتالي تكون أجدر من الرجل في معالجة قضايا النساء ودعوتهن إلى الله، وينبغي للداعية المسلمة أن تعرف أهداف دعوتها، وما قد يعوقها، والصفات التي ينبغي أن تتحلى بها كداعية، وغير ذلك مما يجعل لدعوتها الأثر الأكبير ويزيل ما يعترضها من عوائق وعقبات.

    1.   

    أهداف الدعوة النسائية

    الحمد الله، نحمده ونستغفره ونستهديه، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، ونصلي ونسلم على خير خلق الله وخاتم رسل الله نبينا محمد بن عبد الله، وعلى آله وصحبه ومن والاه، وعلى من اتبع سنته واقتفى أثره وسار على هداه، وعلينا وعلى سائر عباد الله الصالحين من العاملين والدعاة.

    أما بعد:

    فحديثنا هو عن الدعوة بالنسبة للمرأة المسلمة، أي: ما يتعلق بالأسس والأهداف، وبالفوائد والعوائد، وبالمواصفات والسمات، وبالعوائق والعقبات، وبالميادين والمجالات، وبما يتعلق أيضاً بذلك من الموضوعات.

    وأول هذه الأمور: أسس وأهداف، أي: الأسس والأهداف المهمة والرئيسة للدعوة بالنسبة للمرأة المسلمة.

    وهذا أمر تهم معرفته، سيما للنساء الداعيات على وجه الخصوص؛ لأن تحديد الأسس والركائز والأهداف هو المنطلق الذي يمكن بعد فهمه وإدراكه تعيين الأساليب وتحديد الخطط التي توصل إلى تحقيق هذه الأهداف.

    ولا شك أن الأهداف كثيرة من حيث التفريع، ولكنني أجملها في أصول تجمعها بإذن الله عز وجل.

    إحياء الإيمان وتصحيح العقيدة

    الأصل الأول: إحياء العقيدة والإيمان وتصحيح ما قد يكون من الانحرافات الشائعة والبدع الذائعة في صفوف المسلمات.

    ولا نشك أبداً في أن ضعف الإيمان سمة قد غلبت على كثير من المسلمين ذكوراً وإناثاً، وأن ألواناً من الانحراف قد سرت إلى مجتمعات المسلمين، ولذلك يعد هذا التصحيح وهذا التحريك والزيادة للإيمان هو أهم الأهداف والأسس والمنطلقات.

    ونرى في واقعنا أن هناك أموراً تفشو وتسري بين النساء أكثر من الرجال، سيما فيما يتعلق بالمعتقدات التي تتصل بالضر والنفع، فنجد بعض النساء -سيما الكبار منهن- ربما تعتقد في الحروز أو التمائم، وقد سرى -أيضاً- بين الناس أمر خطير بدأ ينتشر ويفشو، وهو ما يتعلق بالتعلق بالسحرة أو الكهنة ونحو ذلك.

    وهنا -أيضاً- صور من إفراط وتفريط متعلقة بمسائل الإيمان ينبغي مراعاتها وتصحيحها، وكذلك ما يتعلق بتقوية هذا الإيمان وزيادته وإحيائه وربطه بآثاره، فإن الإيمان ليس مجرد معرفة فحسب، وليس هو العلم المجرد، بل هو مرتبط بالعمل ارتباطاً وثيقاً، وقد جعل العمل جزءاً من الإيمان، كما في حديث المصطفى صلى الله عليه وسلم: (الإيمان بعض وستون أو بضع وسبعون شعبة أعلاها لا إله إلا الله، وأدناها إماطة الأذى من الطريق، والحياء شعبة من الإيمان) أي: جزء منه لا يتجزأ.

    وقد ذكر النبي صلى الله عليه وسلم في أحاديث كثيرة نفي الإيمان عمن لم يقم ببعض الأعمال، وذكر أهل العلم أن هذا النفي يعني نفي كمال الإيمان عمن لم يقم بمثل هذه الأعمال.

    ومن أهم ما يمكن أن يعين على ذلك الترغيب والترهيب بالنسبة للمرأة على وجه الخصوص، فتأثيره فيها أكبر ووقعه على نفسها أعظم، وهذا ميدان رحب واسع وأساس مهم عظيم.

    تقوية الصلة بالله

    الأصل الثاني: تقوية الصلة بالله عز وجل من خلال العبادة مع رعاية تصحيحها وخلوها من الأخطاء، وتعلم أحكامها، وفهم مقاصدها، وكذلك طرائق استغلال الوقت فيما هو عائد على القلب والإيمان بالحياة والزيادة في الخير، وما هو عائد على الأجر بالزيادة عند الله سبحانه وتعالى.

    فلابد من أن يكون هناك تذكير للنساء المسلمات بأن عندهن من الوقت والفراغ ما ليس عند الرجال بحكم طبيعة أعمال الرجال وانشغالهم وكثرة عوارضهم ومشكلاتهم، فالمرأة في بيتها أقدر -وربما أكثر وقتاً وأكثر فسحة- على أن تقوم بتلاوة القرآن، والمواظبة على الأذكار، والمحافظة على السنن الرواتب وصلاة الضحى وصلاة الليل، فإن لها من فراغها ما يعينها على ذلك بشكل أكبر.

    ولا شك أن ركيزة العبادة من أهم الركائز، ولها آثارها السلوكية في حياة الفرد وفي حياة المرأة على وجه الخصوص، فالله عز وجل قد ذكر أن الصلاة تنهى عن الفحشاء والمنكر.

    وقال في شأن الزكاة: خُذْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ صَدَقَةً تُطَهِّرُهُمْ وَتُزَكِّيهِمْ بِهَا [التوبة:103].

    وقال في شأن الحج: فَمَنْ فَرَضَ فِيهِنَّ الْحَجَّ فَلا رَفَثَ وَلا فُسُوقَ وَلا جِدَالَ فِي الْحَجِّ [البقرة:197].

    وقال عز وجل في شأن الأضحية والفدية في الحج: لَنْ يَنَالَ اللَّهَ لُحُومُهَا وَلا دِمَاؤُهَا وَلَكِنْ يَنَالُهُ التَّقْوَى مِنْكُمْ [الحج:37].

    وذكر في شأن الصيام أنه مفض إلى التقوى ومحقق لها: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمْ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ [البقرة:183].

    فالعبادة تهذيب للنفس وتطهير لها من أوضارها، وغرس للفضائل فيها، وانعكاس لكثير من الخيرات والفضائل على سائر الجوارح من نظر وسمع ونطق، وممارسة بكل جارحة من الجوارح.

    الحث على فضائل الأخلاق

    الأصل الثالث: الحث والتشجيع على فضائل الأخلاق المتصلة بالمرأة المسلمة على وجه الخصوص.

    وهذا ميدان مهم وأساس ركين فيما يتعلق بالدعوة في صفوف المسلمات، ولابد من أن يكون هناك جهد لرسم الصورة المشرقة للمرأة في المنهج الإسلامي، وبيان أنها درة مصونة محفوظة لها شخصيتها المستقلة ومشاركتها المنضبطة وحقوقها المحفوظة ورأيها المعتبر، وكل ذلك ينبغي أن يحاط بشأن الأخلاق من الحجاب والبعد عن الاختلاط والترفع عن كل ما نهى الله سبحانه وتعالى عنه بعداً واجتناباً وحيطة وحذراً، فإن هذا الجانب الأخلاقي يعد من أهم الركائز أيضاً.

    تقويم طرائق التفكير وترتيب سلم الأولويات

    الأصل الرابع: تعديل وتقويم طرائق التفكير، وترتيب سلم الأولويات، وتوضيح المهمات وغير المهمات.

    فإن الفكر والتوجه العقلي هو الذي ينبني عليه كثير من الأعمال، ونحن نعلم أن المرأة بفطرتها وطبيعتها قد تغلب عليها عاطفتها، ثم نعلم كذلك أن هناك غزواً مكثفاً لأفكار المرأة ينشأ عن هذا الغزو تلك الأنماط من الانحرافات السلوكية.

    فإذا كان هناك تركيز في الدعوة النسائية على تعديل طرائق التفكير وترتيب سلم الأولويات ومعرفة المهم وغير المهم فلا شك أن صياغة هذه العقلية وتشكيلها في ضوء منهج الإسلام ومن خلال ضرب الأمثلة من سير الصحابيات والمسلمات الصالحات في تاريخ الأمة المسلمة، لا شك أن هذا سيكون له أثر كبير في التوجه النفسي، فضلاً عن أثره العظيم فيما يتعلق بالممارسة السلوكية.

    ولا شك أن هذا أمر مهم جداً لابد فيه من التركيز على ضرورة تميز المرأة المسلمة ولفت نظرها إلى أن ما يشاع حولها من قضايا حرية المرأة أو شخصيتها أنه في الحقيقة مسخ لتفكيرها، فإن ما يشاع اليوم وما يمنح ويقدم للمرأة المسلمة عبر مجلات ثقافية أو نواد أدبية معظمه الأكبر يتعلق بأمور تافهة، فهو يجعل المرأة لا هم لها إلا أدوات التجميل وخطوط الموضة والأزياء، وما يتعلق بالأمور الطبية من عيادات التجميل أو شد الوجه أو غير ذلك.

    وليس هذا أمراً تتميز به المرأة في عقلها وتفكيرها، بل ينبغي أن يرقى تفكيرها إلى أمور أهم، ولذلك فإن صياغة هذا الجانب من الأمور المهمة أيضاً.

    التعريف بالأحكام الشرعية

    الأصل الخامس: التعليم والتعريف بالأحكام الشرعية المتعلقة بالنساء على وجه الخصوص، ومعرفة دقائقها ومنافعها، والتوعية بقضايا المرأة التي تنتشر في مجتمعات المسلمين، كقضية تحديد النسل، وتأخير الزواج، وتعارض الدراسة مع الزواج، والتنبيه على موقع الأسرة في بناء المجتمع المسلم وأهميتها.

    هذا التعليم والتثقيف بهذه الأحكام هو من أعظم أسس الدعوة في مجال المرأة المسلمة؛ لأنه في الوقت نفسه من أعظم أسباب غزوها وتشكيكها في دينها أو ضعف صلتها بمنهج ربها.

    فلابد من رعاية هذا الجانب والتعليم لهذه الأحكام التفصيلية في نواح شتى ليس هذا مجال ذكرها.

    تعرية المنكرات وبيان مفاسدها

    الأصل السادس: تعرية المنكرات وبيان مفاسدها الاجتماعية وآثارها السلبية على المرأة نفسها.

    فإنه لابد من أن توجه الأضواء لكشف المعايب على المنكرات التي فشت في مجتمعات المسلمين، وإظهار أن لها آثاراً سلبية تنتقص من شخصية المرأة ومن قيمتها ومن كرامتها، إضافة إلى ما يترتب عليها بعد ذلك من آثار مادية وحسية تنال من راحتها وهدوئها، بل تنال من شرفها وعفتها، بل تنال من حياتها وأمنها.

    ونحن نعلم ما تلقاه المرأة التي أعرضت عن أمر الله عز وجل، سواء في مجتمعات كافرة -غربية كانت أم شرقية- أو في مجتمعات إسلامية أعرضت عن أمر الله عز وجل نرى فيها كيف كثر الاعتداء على النساء، وكيف كثرت الجرائم.

    فهذه التعرية والتوعية من أهم ركائز وأسس الدعوة في صفوف النساء، ويستعان في ذلك بالإحصاءات وأحوال المجتمعات الغربية، ويركز على قضايا التبرج والاختلاط والسفر إلى الخارج، ونحو ذلك من هذه الموضوعات.

    كشف مخططات الأعداء في المكر بالمرأة

    الأصل السابع: كشف مخططات الأعداء واستهدافهم للمرأة المسلمة وتوفير جهودهم وتكثيفها للمكر بها.

    وهذا جانب مهم، وعندما يثار من خلال دعوة النساء يكون له أثره المحمود، فإن بعض النساء تمارس كثيراً من الأخطاء وهي لا تدرك أنها تحقق مخططات الأعداء.

    ولذلك -أيضاً- مجال واسع في نصوص كثيرة، وفي تجارب عملية يمكن للمرأة الداعية أن تضرب بها الأمثلة، وأن تذكر الصور الحية التي حلت ووقعت في مجتمعات المسلمين لتنبه المرأة إلى هذه المخططات.

    إحياء روح المشاركة والاهتمام بأحوال المسلمين

    الأصل الثامن: إحياء روح المشاركة والاهتمام بأحوال المسلمين وأوضاعهم، واستشعار الواجب نحو النصرة لهم والإصلاح لمجتمعاتهم، ومعرفة ضرورة العمل وإيجابيته وعموم متطلباته للرجل والمرأة.

    فلابد من أن يكون هناك ربط للمرأة بهموم مجتمعها وأمتها المسلمة، وإذا ترسخ هذا الاهتمام فإنه بالمقابل تضمر الاهتمامات التافهة السخيفة التي ليست جديرة بأن تكون مشغلة لوقت المرأة ولا مضيعة لجهدها أو مالها.

    فإن هذا الجانب عندما يسلط الضوء عليه، وعندما تذكر حقائقه، وعندما تتابع أخباره، وعندما تتجسد من خلاله المأساة المتعلقة بأحوال المسلمين وما يلقون من المعاناة والأذى والإجرام وتسلط الأعداء عليهم، ثم من خلال بيان ما وقع في هذه المجتمعات من مخالفات لشرع الله عز وجل، وتنكب عن الصراط المستقيم، وإعراض عن هدي الرسول صلى الله عليه وسلم، هذه الصورة تجسد عند المرأة المسلمة توجهاً نحو المشاركة، وأن تدرك أن عليها واجباً، وأنه لا يكتفى في هذه الأمور بدور الرجل وحده، بل لابد للمرأة من أن يكون لها دورها في صفوف بنات جنسها.

    التركيز على رسالة المرأة في تربية الأبناء

    الأصل التاسع: التركيز على الرسالة الكبرى للمرأة في بيتها وتربية أبنائها وصيانة أسرتها ورعاية زوجها.

    وهذا وإن كان قد يندرج في بعض ما مضى إلا أنه مستقل بذاته؛ لأنه يشكل الركيزة المهمة لتلافي كثير من الأخطاء في المجتمع المسلم، والإعداد لتغيير إيجابي جذري مستمر في مستقبل الأمة المسلمة، كما أنه هو الركيزة التي استهدفها الأعداء واستطاعوا من خلال إخراج المرأة ومن خلال قضايا تحديد النسل وغيرها أن يزعزعوا هذا البنيان وهذه اللبنة والوحدة الأساسية، فتزعزعت كثير من أركان المجتمع.

    ولذلك لابد من أن نعرف أن الأسرة ركن أساسي من أهم أهداف الدعوة في صفوف النساء.

    العمل لمواجهة التيار الغربي

    الأصل العاشر: ضرورة مواجهة التيار من خلال العمل والدعوة، وتشكيل رأي عام مواجه.

    فلابد من أن تدرك المرأة أن عليها واجباً في العمل والدعوة إلى الله، وأن التيار الجارف في شأن المرأة المسلمة على وجه الخصوص هو تيار تغريبي يعارض ويخالف تعاليم هذا الدين.

    وتدرك المرأة ذلك من خلال ضخامة هذه الموجة، فهي تعلم أن الموجة الإعلامية عبر الإذاعة المسموعة، والصورة المنظورة، والكلمة المكتوبة، والصور المطبوعة في المجلات؛ أنها كلها تشكل تياراً عنيفاً عاصفاً قوياً متعدد الوسائل عظيم الإمكانيات، لمسخ شخصية المرأة المسلمة وإبعادها عن دينها.

    هذا التيار لابد من أن تستشعر المرأة، وأن تركز أثناء دعوتها على أنه لابد من مواجهة هذا التيار، ولا تمكن مواجهة هذا التيار من خلال جهد الرجال أو دعوتهم فحسب، بل لابد من أن يكون للمرأة الدور الرائد في هذا؛ لأن لها تميزاً خاصاً في هذا الميدان تتفوق فيه من ناحية التأثير على المرأة والتغيير في أعمالها وتصوراتها أكثر من الرجل، فإنها أبصر بطبيعة بنات جنسها، ولسانها أبلغ في التأثير فيهن.

    فهذه أسس وأهداف الدعوة بين النساء.

    1.   

    الفوائد العائدة من وجود المرأة الداعية عليها وعلى المجتمع

    الأمر الثاني: فوائد وعوائد.

    أي: الفوائد التي تعود على المرأة وعلى المجتمع وعلينا جميعاً من خلال وجود المرأة الداعية وممارستها لدورها.

    إن كثيراً من الرجال ينظرون إلى مشاركة المرأة في ميدان الدعوة نظرة قاصرة فيها كثير من الخلل، ويمنعونها من قيامها بهذا الدور، أو يكونون سبباً من أسباب إضعاف هذا الدور، ولو كان ذلك من خلال موازنة معتدلة أو تقديم للأولويات لكان مقبولاً، لكنه في كثير من الأحوال يكون إعاقة ليس لها مقابل يفيد وينفع، وليست إعاقة في مجال ليركز الجهد في مجال آخر، بل إعاقة في مجال دون أن يكون هناك استثمار لطاقة المرأة.

    ونحن نريد بناتنا أن يكن ملتزمات صالحات، ونريد زوجاتنا أو زوجات أبنائنا في المستقبل أن يكن كذلك، ونريد أن يشيع الصلاح في صفوف المجتمع النسائي واللقاءات النسائية والمناسبات النسائية، وأن تكون مناسبات لمجتمعات إسلامية، فكيف يمكن أن يتحقق ذلك إذا لم يكن هناك المرأة المسلمة الداعية.

    وهذه الفوائد نجملها في عشر نقاط، بعضها متعلق بالمرأة الداعية نفسها وبعضها بالمجتمع.

    شعور المرأة بالقيمة والفعالية

    أولاً: القيمة والفعالية.

    تشعر المرأة التي تقوم بواجب الدعوة أن لها قيمة وأن لها فعالية يمكن من خلالها أن تشارك في الإصلاح، وأن تسهم في حل المشكلات وعلاج الأمراض، إن الحركة والدعوة تشعرها بأنها يمكن أن تقدم شيئاً، وعندما تقدم شيئاً وترى آثاره الإيجابية لاشك أن مردود هذا في ثقتها بنفسها وشعورها بقيمتها، وإحساسها بأن لها تأثيراً من أهم العوائد والفوائد التي تعود على المرأة الداعية.

    اكتساب المرأة للعلم والثقافة

    ثانياً: العلم والثقافة.

    إن ميدان الدعوة يتطلب من المرأة اطلاعاً دائماً وتزوداً ثقافياً مستمراً، وعندما تريد أن تعد لدرس أو تلقي محاضرة في المجتمع النسائي فإنها تحتاج إلى أن تستحضر الآيات والأحاديث والأحكام وسير النساء الصالحات، وهذا يدفعها إلى مزيد من التحصيل، ولا تبقى منشغلة في كل وقتها بسفاسف الأمور، أو بالقراءة في مجلات، أو بحل الكلمات المتقاطعة، أو غير ذلك مما يشغل كثيراً من النساء اللاتي لا يرتبطن بالدعوة ولا يبذلن شيئاً من جهودهن ووقتهن فيها، فإن ذلك يجعلهن بعيدات عن ذلك التحصيل.

    اكتساب المرأة للحيوية والنشاط

    ثالثاً: الحيوية والنشاط.

    إن الحركة في الدعوة تبعد عن المرأة الكسل والخمول، وبعض النساء بطبيعة المجتمعات -خاصة التي ليس لها ارتباط بعمل في تدريس وغير ذلك- تقضي سحابة نهارها طريحة الفراش كأنما أقعدها المرض، فلا تستيقظ إلا قرب الظهر، ثم لا يكون عندها إلا قليل من العمل، خاصة إذا كانت تعتمد على الخادمة، فتبقى في كسل دائم وضعف مستمر كأنها شلاء عاجزة لا يمكن أن تتحرك ولا أن تنشط، بينما عملها في ميدان الدعوة يكسبها الحيوية والنشاط.

    كما أنها تدفع الملل عن حياتها الرتيبة التي لا تتجاوز حدود اهتماماتها، فهي عندما تشارك في الدعوة تحضر درساً في وقت، وفي وقت آخر تناقش مشكلة، وفي مرة ثالثة تدرس حالة من الحالات، وفي مرة رابعة تجمع المعلومات عن بعض المشكلات الاجتماعية، فيكون هناك حيوية ونشاط ودفع للملل، لا ذلك الكسل والخمول والرتابة التي تقتل شخصيتها وتطمر إمكانياتها وتهدد طاقاتها.

    اكتساب المرأة للجدية والطموح

    رابعاً: الجدية والطموح.

    إن العمل الدعوي إذا خاضته المرأة وشاركت في بعض ميادينه ومجالاته يدفعها إلى استثمار الأوقات والجد في الحياة، فليس عندها وقت تضيعه؛ لأن عندها متطلبات، فهناك شيء يحتاج إلى تحضير، وهناك نساء يحتجن إلى أن تزورهن وأن تذكرهن بأمور دينهن، وهناك ما يستدعي منها بذل جهد أو وقت أو تفكير أو كتابة، فهذا يجعلها جادة.

    ويغلب علينا وعلى كثير من النساء في المجتمع أن النظرة للمرأة أنها ليست جدية في أمر من الأمور مطلقاً، وأنها لا تهتم إلا بالأمور التافهة، وأنها قد تبذل وقتاً طويلاً وفكراً عميقاً لتفكر في ابتكار تسريحة لشعرها أو لتمزج بين موضة وأخرى أو نحو ذلك.

    لكن عندما يكون هناك عمل دعوي تكون هناك جدية وارتفاع في الطموح، فلا تكون نظرتها في سفاسف الأمور، بل تكون نظرتها في قضايا الأمة وأحوالها وما نخر في مجتمع المسلمين من البلاء والفساد، وما سرى إلى بنات جنسها من الانحراف والتلوث الفكري والممارسة السلوكية البعيدة عن شرع الله عز وجل، ذلك كله يكون عندما تكون مرتبطة بالدعوة.

    فليس عندها الوقت للمبالغة في الزينة أو متابعة مستجداتها أولاً بأول ولحظة بلحظة، وكذلك ليس عندها حزن على ما يفوتها من هذه الأمور، بل تحزن إذا فاتتها فرصة الإسهام في نصرة هذا الدين والدعوة إليه.

    محافظة المرأة على دينها وتنمية حسناتها

    خامساً: المحافظة والنماء.

    إن محافظة المرأة على إيمانها أمر مهم، ونحن نعلم أن المرأة بحكم طبيعتها لا تشهد كثيراً من الجماعات، ولا تحضر كثيراً من الجمع، وقد لا تستطيع حضور كثير من الدروس، وفترة حيضها تحول بينها وبين الصلاة والصيام، فإذا كانت في ميدان الدعوة منشغلة به فإنها تبقى على ذكر من دينها، وتبقى محافظة على إيمانها وصلتها بربها، بل هي في نماء وزيادة؛ لأن معاناة الدعوة والغيرة على دين الله والحرقة على حرمات الله من أعظم الأسباب التي تغذي الإيمان وتزيده وتحافظ عليه.

    تميز المرأة الداعية ومقاومتها للعادات الخاطئة

    سادساً: المقاومة والتميز.

    عندما ترتبط المرأة بالدعوة يدفعها ذلك إلى مقاومة العادات والتقاليد الاجتماعية الخاطئة، ويجعلها أيضاً متميزة، فلا تكون مرتبطة بكل ما ترتبط به النساء من الأعراف والتقاليد، مثل أن لا تزور فلانة من الناس إلا إذا زارتها.

    فالمرأة عندما تنشغل بالدعوة وتعرف أن الناس غافلون، وتستحضر حديث النبي صلى الله عليه وسلم عندما ضرب لنفسه المثل وللمعرضين فقال: (إنما مثلي ومثلكم كمثل رجل استوقد ناراً فجعلت الفراش والهوام يقعن فيها، وجعل يذبهن عنها، فأنا آخذ بحجزكم من النار) وكما قال الله عز وجل في وصفه عليه الصلاة والسلام: فَلَعَلَّكَ بَاخِعٌ نَفْسَكَ عَلَى آثَارِهِمْ إِنْ لَمْ يُؤْمِنُوا بِهَذَا الْحَدِيثِ أَسَفاً [الكهف:6] أي: أنت مهلك نفسك وأنت تتبع آثار القوم، وتغشى مجالسهم، وتذهب إلى بلادهم وديارهم، كأنك أنت المنتفع دونهم. عندما تستحضر ذلك لا تقيدها العادات والتقاليد عن الحركة والنشاط الدعوي.

    فالداعية من الرجال أو النساء عندما يتشرب مبدأ الدعوة يعلم حاجة الناس، فلا تنتظر المرأة أن لا تزور فلانة حتى تزورها، أو إذا أخطأت في حقها امرأة تقول: لابد من أن تعتذر. فعندما تتشرب المرأة فهم الدعوة وأهميتها يجعلها تتجاوز عن مثل هذه الأمور وتكون متميزة في شخصيتها.

    فإننا نعلم من طبائع بعض النساء في الأوضاع الاجتماعية المعاصرة أن عندهن أموراً عارضة تافهة تحول بينهن وبين كثير من الخير لأجل قضية بسيطة، مثل أن فلانة لم تسلم عليها أو لم تبتسم لها، ويمكن أن تقاطعها مقاطعة أبدية، أما الداعية فإنها تتجاوز مثل هذه الأمور.

    الإقناع والإشباع

    سابعاً: الإقناع والإشباع.

    وهذه مسألة مهمة، فوجود المرأة الداعية يقنع اللواتي ينظرن إلى المرأة في ظل الإسلام نظرة خاطئة ويغير هذه النظرة عندهن، ويثبت لهن أن منهج الإسلام يشبع حاجات الإنسان، ويحقق كيان المرأة، ويمكن من خلال منهج الإسلام أن تتعلم المرأة وأن تنشط، وأن تمارس دوراً في المجتمع.

    فهذا يكون له دوره الأكبر في إقناع هؤلاء النساء؛ لأن بعض النساء يغلب على أذهانهن أن الإسلام جعل المرأة مقيدة تقييداً كاملاً وليس لها أدنى مشاركة، وأنه حجر على عقلها ومنع مشاركتها برأيها ووأد طموحاتها.

    فعندما تتحرك المرأة في ميدان الدعوة فيراها النسوة امرأة متعلمة متكلمة متحركة إيجابية، تسعى إلى التغيير، وتبذل وتضحي؛ يكون هناك إقناع عملي وإشباع لهؤلاء النساء، فيتبين لهؤلاء النساء أن الإسلام جاء بالمنهج الكامل الذي يخدم جميع جوانب الحياة على جميع المستويات، للرجال والنساء، للصغار والكبار، للمادة والروح، وفقاً لما ذكر الله عز وجل: الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الإِسْلامَ دِينًا [المائدة:3].

    الحجة والإفحام

    ثامناً: الحجة والإفحام.

    هناك مقولة يشيعها من ليسوا راغبين في المنهج الإسلامي وتطبيقه، يقولون: أنتم تتحدثون عن المرأة وعن حقوقها وعن حجابها، فمن الذي جعلكم أوصياء عليها؟ لماذا تتحدثون باسمها؟ نريد أن نسمع كلمتها ورأيها.

    وقد يتجاوزون الحد فيقولون: إن المرأة التي تريدونها أن تتحجب هي لا تريد ذلك، بل ترغب في التحرر والانفتاح.

    ولذلك إذا وجدت المرأة الداعية كان هذا إقامة للحجة وإفحاماً لهؤلاء الخصوم، فإن الرجل عندما يدعو المرأة إلى تطبيق الآداب فذلك يختلف عما إذا كانت المرأة نفسها تطلب وتؤكد أنها مقتنعة بهذا الحجاب، وأنها متدينة لله عز وجل بذلك، وأنها ترغب في عدم الاختلاط، وأن ذلك فيه مصلحتها، فعندما تتكلم بلسانها تقطع حجة أولئك القوم وتفحمهم.

    ولذلك فوجود المرأة الداعية من أبلغ أسباب إقامة الحجة على العلمانيين والمتكلمين بغير منهج الإسلام؛ لأنهم -كما أشرت- يدَّعون أننا نتحدث بلسان المرأة بغير رأيها، وبغير ما تريد وما ترغب، فلنسكت نحن ولتنطق المرأة الداعية، ولتتكلم بلسانها ولسان بنات جنسها، ولتجعل هذا الكلام والمطالبة بتطبيق شرع الله هو الذي يجري على لسان كل امرأة مسلمة، حتى تخرس ألسن أولئك المستغربين والعلمانيين.

    القوة والانتشار

    تاسعاً: القوة والانتشار.

    إن الفساد الذي سرى في مجتمعات المسلمين فساد عريض كبير، وتراكم عبر سنوات طويلة، فإذا أردنا تغييره فلابد من أن يكون التغيير قوياً، ولابد من أن يكون منتشراً، فاقتصار هذا التغيير على أن يكون من مهمة الرجل وبدعوته فقط يجعل قوة التغيير وانتشاره محدودة، لكن عندما تشترك المرأة ويكون هناك الرجل الداعية والمرأة الداعية يعطي ذلك للتغيير قوة ومدىً في الانتشار أوسع، فإن الرجل لا يستطيع أن يتعامل في كثير من الأوقات مع الطفولة في مراحلها الأولى، بينما المرأة تستطيع، والرجل لا يستطيع أن يشبع الحاجات الدعوية والتعليمية والتوجيهية للمرأة؛ لأن لسانه واختلاطه بها لا يمكن أن يكون مثل لسان المرأة واختلاطها ببنات جنسها، ولأنه توجد صور من الانحراف بين النساء لا يمكن أن يعرفها الرجل، ولا أن يدرك غورها وتأثيرها وانتشارها وتغلغلها بين النساء كما تدرك ذلك المرأة، فإذا أردنا قوة في التغيير وانتشاره ومواجهته لذلك الانحراف العظيم الذي تراكم عبر السنين فلندرك أن من مصلحة المجتمع أن تكون المرأة مشاركة فيه بالدعوة إلى الله عز وجل بين بنات جنسها.

    الإبداع والإصلاح

    عاشراً: الإبداع والإصلاح.

    فهناك -من خلال الحركات التحررية النسائية التي جاءت في أوائل هذا القرن، والاتحادات النسائية في كثير من البلاد العربية- ظن هناك وتوهم أن القدرات والإبداعات والأقلام السيالة والألسن الفصيحة ليست إلا عند هؤلاء النساء من غير الملتزمات من متبرجات أو متحللات أو منحرفات في فكرهن، ولذلك انظر اليوم لترى يميناً وشمالاً، فربما لا تجد من تكتب في الصحافة أو تنظم الشعر أو تشارك في بعض الميادين إلا من غير الملتزمات بدين الله.

    فوجود المرأة الداعية وظهور إمكاناتها يدل على أن هناك إبداعاً عند المرأة المسلمة، وإمكانية لتطوير فكرها وإعطائها صورة من القدرة على التخطيط والتنفيذ، والتنظيم، وإقامة المشروعات الإسلامية، وإيجاد الصور الاجتماعية الإيجابية، كل ذلك يمكن أن يوجد، فبدلاً من أن يكون في ظل غير الإسلام يمكن أن يوجد أيضاً في ظل الإسلام!

    فهذا إبداع يكون هدفه الإصلاح؛ لإن هناك في الطرف المقابل بعض صور الإبداع، لكنه إبداع انحرافي وليس إبداعاً إصلاحياً.

    فهناك -مثلاً-: نساء أديبات شاعرات عندهن قوة في الكلمة وقوة في البيان، وربما ممن يكتبن القصص، لكنهن يجعلن ذلك موجهاً إلى الانحراف والبعد عن دين الله عز وجل، فعندما توجد المرأة المسلمة وتتبلور شخصيتها من خلال مشاركتها ستوجد الكاتبة المسلمة والشاعرة المسلمة والمخططة المسلمة والإدارية المسلمة، وهذا سيجعل هناك إبداعاً لا يتعارض مع الإسلام، بل يكون في إطاره وضمن حدوده، ويتوجه نحو الإصلاح.

    وقد رأينا شاعرات مسلمات، فأين الكاتبات المسلمات؟ وأين القاصات المسلمات؟ أين ذلك الخطاب النسائي بلسان المرأة وكتابتها لبنات جنسها؟

    غالب هذا الموجود في مجتمعاتنا لا يمثل وجهة الإسلام ولا يدعو إلى أهدافه وأحكامه.

    فهذه بعض الفوائد والعوائد التي تعود على المرأة والمجتمع من وجود المرأة الداعية، فلا يظنن ظان أننا يمكن أن نستغني عن وجود المرأة الداعية، وإذا استغنينا فإننا سنفقد كثيراً من هذه الصور، ولن نجد من يعلم بناتنا ولا من يكون قدوة لهن، ولا من تحسن التخطيط والتدبير والقدرة على التغيير، إلى غير ذلك مما أشرت إليه سابقاً.

    1.   

    صفات المرأة الداعية

    الأمر الثالث: مواصفات وسمات.

    أي مواصفات وسمات تتعلق بالمرأة الداعية، لتحاول المرأة التي تسير في نهج الدعوة أن تلتزم هذه المواصفات، وهذه الأمور فيها تفريعات كثيرة، لكنني أحاول أن أذكر أصولاً تجمع ما يتفرق من هذه الفروع.

    الإيمان والالتزام

    أولاً: الإيمان والالتزام.

    لابد من أن يكون عند المرأة الداعية إيمان صحيح لا تشوبه شوائب الابتداع ولا تنقضه بعض صور الشرك والانحراف، وأن يكون عندها إخلاص صادق ونية خالصة ابتغاء وجه الله عز وجل، وليس هناك رياء ولا سمعة ولا طلب لحظوظ الدنيا، وأن يكون عندها صدق توكل على الله، والتجاء إليه سبحانه وتعالى عندما تمر بها بعض المشكلات أو العوائق، فإن من مستلزمات الإيمان ومن صوره المشرقة صدق التوكل على الله وعظمة الثقة بالله سبحانه وتعالى.

    وأن يكون لها صورة الالتزام بالأحكام الشرعية وعلى رأسها العبادة من الفرائض والنوافل والصلة الدائمة بالله سبحانه وتعالى، فلا شك في أن هذا الأمر هو الأساس، وفكر بدون هذا الالتزام، أو علم بدون هذا الالتزام، أو تحرك بدون هذا الالتزام لا يمكن أن يكون له قيمة ولا أثر؛ لأن هذا هو الأصل الذي يبنى عليه ما بعده.

    التصون والاحتشام

    الأمر الثاني: التصون والاحتشام.

    وقد يندرج فيما سبق، لكن تمييزه مهم جداً، فإن المرأة الداعية منظور إليها من قبل النساء، فكما أن الرجل الذي يدعو هو تحت المجهر فينظر إليه في كلامه وأفعاله كيف يكون، فإن أحسن كان لذلك أثر إيجابي، وإن أخطأ وجد أثر ذلك في انصراف الناس عنه، إذا كان ذلك حال الرجل فإن المرأة كذلك، وأعظم سمة ينبغي أن تتميز بها المرأة في ظل هذه الحملات التغريبية والصورة الانحرافية لبعض نساء المسلمين أن تكون حريصة على حجابها وتصونها واحتشامها، وأن لا تخرجها دعوتها عن حد الاحتشام، ولا تسلبها صفة الحياء، ولا تفقدها سمة الأنوثية، ولا يطغى هذا الجانب الدعوي فيجعلها تترخص في بعض هذه الأمور، بل ينبغي أن يكون هذا الأمر آكد أمر عندها وألزم واجب في حقها.

    التفقه والمؤاخاة

    الأمر الثالث: التفقه والمؤاخاة.

    لابد للمرأة الداعية من أن تكون على علم بشرع الله عز وجل، سيما ما يتعلق بشئون المرأة والأسرة، والأحكام المتعلقة بذلك من أحكام الحيض والنفاس والحجاب والطهارة وحقوق الزوجة على زوجها والزوج على زوجته، وأحكام الطلاق والعدة والإحداد.

    فهذا لابد للمرأة الداعية من أن تحرص قدر استطاعتها على أن تحوز أكبر قدر ممكن من العلم به، لأن سؤال النساء عنه كثير، فإذا كان عندها حظ من العلم فإنها كلما سألتها سائلة وجدت عندها جواباً، فيكون ذلك أدعى إلى ارتباط النساء بها وجعلها قدوة بينهن، وشعورهن بأن عندها من العلم ما يستحق أن يلجأن بسببه إليها إذا تعلمن على يديها.

    وهذا التفقه أساس يكمله الفهم والبصيرة في مقاصد الدين وكلياته، وكذلك الإدراك للواقع والوعي به، فإن هذا جانب والجانب الثاني يكمله وهو مهم.

    فلابد للمرأة المسلمة من أن تحيط قدر المستطاع بأخبار المسلمين وما يحل بهم، وكذلك ما يتعلق بالمرأة المسلمة على وجه الخصوص في هذه الأحداث، وليس من المقبول أن تكون المرأة منعزلة عن واقع المجتمع وما يجري في بيئة ودول الإسلام، بل ينبغي أن تكون محيطة بذلك ولو بحده الأدنى، لتحرك النساء وليشعرن أيضاً أن عندها من التميز والمتابعة ما ليس عندهن.

    ولو ركزت على جانب النساء فهو أفضل أيضاً، فعلى سبيل المثال:

    في محنة البوسنة والهرسك وفلسطين صور شتى، لكن يمكن أن تركز على صور العناء الذي يقع على النساء، وما وقع لهن من الاغتصاب وما جرى عليهن من الاعتداء، إلى غير ذلك من الأمور.

    ولابد أيضاً من أن يكون عندها نوع من الإدراك والمعرفة بواقع المرأة في المجتمعات الغربية والأوروبية والأمريكية، حتى يمكن أن تستثمر ذلك وأن توظفه في مجال الدعوة، ولابد من أن تدرك بعض الآثار التي وقعت للمرأة المسلمة من جراء الغزو التغريبي والعلمنة التي سرت في بيئات المسلمين، وتحرص في ذلك على أن يكون عندها متابعة للدراسات والإحصاءات والأخبار التي تنشر في بعض الصحف والمجلات، فإن هذا من أهم الأمور التي إذا حصلتها قد يكون لها تأثير في صفوف النساء كبير.

    وهذا أمر واسع جداً، ويمكن أن تكتسبه المرأة من خلال مطالعتها لبعض الكتب أو متابعتها لبعض الصحف، والأرقام والإحصاءات كثيراً ما تكون ذات تأثير بالغ، فإن هناك أرقاماً وإحصاءات عن الاعتداء على النساء في المجتمعات الغربية، وعن مناداتهن بالرجوع إلى البيت، وعن بعض الآثار من شيوع الفواحش ومن كثرة الاغتصاب ومن أولاد الزنا، هذا كله له أثره في ثقافتها وتفقهها ومعاصرتها لواقعها، مما يجعل لها شخصية يمكن أن تكون أكثر تأثيراً في النساء.

    التميز والاستعلاء

    رابعاً: التميز والاستعلاء.

    لابد أن تكون المرأة الداعية متميزة على غيرها، مستعلية على سفاسف الأمور التي تشيع بين الناس، وأعني بذلك صورة التميز في الجانب الاجتماعي على وجه الخصوص، فينبغي أن لا تكون مرتبطة بكل العادات والتقاليد التي فيها كثير من ضياع الأوقات، وبعض المخالفات أيضاً، فلا تكون منشغلة بمظهرها وزينتها، وإن كان هذا من حق المرأة، لكن هناك مبالغة بين صفوف النساء.

    فالمرأة الداعية لابد لها من أن تتميز في هذا الجانب، وأن تأخذ بحد مقبول أو حد أدنى، ولا يشغلها ذلك بصورة كبرى، فتكون عندما تنظر إليها الأخريات يقلن: إن فلانة -في الحقيقة- متميزة بجديتها مستعلية على هذه الأمور زاهدة في دنياها. فهذا بصورة أو بأخرى يعطيها قدراً من التميز.

    ولابد مع التميز من القدرة على الاستيعاب، لابد من أن تبتعد عن الحساسية المفرطة التي تقع بين النساء، فإذا سمعت كلمة أو رأت موقفاً ينبغي أن يكون عندها من سعة الأفق ورحابة الصدر ما تتعالى به عن هذه الأمور، ويكون عندها قدرة على الاستيعاب، فيكون عندها الابتسامة المشرقة الدائمة، والنفس التي تتلقى المشكلات وتمتصها، فإن هذا مهم جداً، ولا تكون ذات تدقيق في الأمور التي لا داعي لها، فلابد من أن يكون عندها بعد عن حظوظ النفس، وقدوة في الكلام والمظهر، وبعد عن الغضب والانفعال والقضايا العاطفية التي تقع في بعض المواقف النسائية.

    البذل والعطاء

    خامساً: البذل والعطاء.

    من أهم السمات التي تتميز بها المرأة المسلمة بذلها من جهدها ووقتها ومالها في سبيل الله عز وجل نصرة للمسلمين ودعوة لبنات جنسها، فعندما تنظر النساء إلى امرأة تبرعت بحليها تكون صورتها بينهن صورة القدوة التي تحتذى، وكذلك عندما يجدن أن المرأة قد تركت بعض زينتها لتبذل ذلك الوقت للدعوة إلى الله عز وجل وعندما يجدن أنها تشارك أحياناً مشاركة عملية مع زوجها أو مع محرم لها فتنجد المسلمات وتتفقد أحوالهن في بعض الميادين، ويكون ذلك على سبيل راحتها، وعلى سبيل سعادتها الدنيوية، فإن هذا مهم جداً في شخصيتها لتكوينها النفسي والإيماني والعملي، وكذلك هو مهم في صورتها التي تجعلها قدوة بين النساء.

    الموازنة والاعتدال

    سادساً: الموازنة والاعتدال.

    من أهم هذه الصفات صفة الموازنة والاعتدال، فإن على المرأة حقوقاً تجاه زوجها، وتجاه أبنائها وتجاه بيتها، وتجاه دعوتها، فينبغي أن لا تفرط في جانب على حساب جانب؛ لأن ذلك سيربك حياتها كلها، وسيعطل جميع مناحي مشاركتها، فإذا اندفعت مع دعوتها وأهملت زوجها، فلاشك أنه سيطالب بحقه وسيكون محقاً في منعها أو في معارضتها في هذا المجال الذي تكون فيه، وإذا اعتنت بشأن بيتها وزوجها، وقصرت وامتنعت ولم تشارك من قريب ولا من بعيد، ولا بقليل ولا بكثير في أمر دعوة النساء وتذكيرهن وتعليمهن، وعندها الإمكانات وعندها العلم وعندها الفهم والإدراك فلا شك أنها تكون قد قصرت في ذلك.

    لذلك لابد للمرأة الداعية من ترتيب الأولويات، ولابد لها من استغلال الأوقات، ولابد لها من التنظيم والتخطيط، فلا تكون المرأة الداعية عفوية، ولا عاطفية، ولا تجعل نفسها دون ترتيب، فإذا اتصلت بها امرأة لتدعوها إلى دعوة أجابت مباشرة، فينبغي أن تكون عندها أولويات وتخصيص وترتيب للأوقات، وموازنة في هذا الجانب، فهي إذا رتبت أمرها بحيث يكون عندها درس في الأسبوع، ومحاضرة في الشهر، فإذا جاءتها دعوة من غير ترتيب مسبق، ومن غير وقت كاف، فإنها ترفض هذه الدعوة ولو كانت مهمة في بعض الأحيان؛ لأنها ينبغي أن تكون عندها أولويات وتخصيص وترتيب للأوقات، وموازنة في هذا الجانب.

    فإذا رتبت أمرها ثم جاءتها دعوة من غير ترتيب مسبق، ومن غير وقت كاف فإنها ترفض هذه الدعوة ولو كانت مهمة في بعض الأحيان؛ لأنها سوف تربك أولوياتها، وتخلط أوراقها، بل قد تجعلها تقصر في بعض حقوقها، وهذه مسألة قد يقع فيها تجاوز نظراً للحالة بعينها، لكن في الإطار العام لابد من هذا الترتيب؛ لأن المرأة ليست مثل الرجل يمكن أن تخرج في أي وقت، ويمكن أن تشارك في أي عمل، فلابد من أن ترتب نفسها وأن تعد برنامجها بالموازنة والاعتدال، حتى تستطيع أن تشارك وأن تؤدي الدور من دون حيف ولا تقصير.

    المعرفة والمبادرة

    سابعاً: المعرفة والمبادرة.

    وأعني بالمعرفة معرفة الأوضاع النسائية على وجه التفصيل والدقة، فلا ينبغي للمرأة الداعية أن تكون بعيدة غير مختلطة ولا عارفة بما يجري في مجتمعات النساء، والمصطلحات اللاتي يتداولنها، والمسميات التي يستخدمنها، والعادات التي تجري بينهن، فإن علمها بهذا من أعظم أسباب قدرتها على التوجيه والإصلاح.

    ولابد من أن يكون عندها روح المبادرة، فإن الطبيعة التي تغلب على بعض النساء من الحياء أو الإحراج أو غير ذلك، قد تمنعها من أن تؤدي دورها وأن تقوم بواجبها في الدعوة، ولا يعني ذلك أن تكون مندفعة أو متهورة، لكن ينبغي أن لا يكون عندها ذلك التحسس والإحراج الذي يمنع كثيراً من النساء من العمل الدعوي والقيام بواجب الدعوة.

    التعقل والاتزان

    ثامناً: التعقل والاتزان.

    أعني به التفكير والتخطيط والبعد عن الاندفاع العاطفي، ومعرفة الاستعدادات والإمكانيات، فينبغي أن تعرف استعدادات النساء وإمكانياتهن، وأن تجعل لكل فئة من النساء أسلوباً معيناً وخطاباً محدداً، فالكبيرات في السن من النساء لهن خطاب وإمكانات غير ما للصغيرات من طالبات المدارس والجامعات، واللواتي سبقن إلى الصلاح لَسْن مثل غيرهن من اللواتي انحرفن أو انجرفن في بعض مجاري ومسالك الفساد.

    فلذلك لابد من أن يكون عندها تعقل فيما تطرح من أمور الدعوة، ولابد من أن يكون عندها معرفة بأنه لابد من التدرج في بعض أساليب الدعوة، سيما في التنفيذ والتغيير، ولابد من أن يكون عندها تعقل في النظرة المستقبلية ودراسة للسلبيات والإيجابيات المتوقعة أثناء مسيرتها في عمل الدعوة، وهذه أمور تخضع لجوانب كثيرة تحتاج إليها المرأة المسلمة الداعية تستكمل من خلال ما سلف من الأمور.

    فإذا كانت مؤمنة ملتزمة وعالمة مدركة للواقع، وكانت متميزة متابعة مستوعبة بطبيعتها النفسية والفطرية قادها ذلك إلى أن تكون متعقلة قادرة على ترتيب وتخطيط الأمور.

    التجديد والابتكار

    تاسعاً: التجديد والابتكار.

    فإن المرأة عندها قدرة على التجديد والابتكار والتنويع، فلتجعل هذه القدرة في الدعوة، وبدلاً من أن يصرف التجديد والابتكار في الموضة والأزياء وديكور المنزل فحسب، فليصرف في أساليب الدعوة، فمرة عبر بطاقات، ومرة عبر شريط، ومرة عبر حوار، ومرة عبر مشهد، ومرة عبر أسلوب آخر من أساليب الإهداء، فهذا التجديد والابتكار يجعل للدعوة قبولاً عند النساء، ويجعل هناك الحيوية التي لا تجعل الملل يتسرب إلى العمل الدعوي في صفوف النساء.

    1.   

    ميادين ومجالات الدعوة للمرأة

    رابعاً: ميادين ومجالات:

    وأعني بها ميادين ومجالات الدعوة للمرأة المسلمة.

    فهناك مجالات كثيرة جداً، وهذه المجالات تجعل حديثنا إلى المرأة المسلمة حديث من يعتب عليها في عدم استغلالها لهذه المجالات، ومن لا يعذرها في أن تقوم بواجبها في هذه الميادين.

    المجال التعليمي

    أولاً: المجال التعليمي.

    تكتظ المدارس بالطالبات، وتمتلئ الجامعات بهن أيضاً، وهذه الفئة من الشابات هن أمهات المستقبل القريب، وهذا المجال التعليمي من أهم المجالات التي ينبغي أن تطرقها المرأة المسلمة الداعية، فالمُدرِّسةُ التي حباها الله عز وجل علماً وإيماناً والتزاماً لابد من أن تستشعر أن هؤلاء البنات أمانة في عنقها، وأن توجيههن وإرشادهن إلى الخير واجب لازم عليها، وأنها لابد من أن تستغل كل صورة ممكنة وكل وقت متاح للتأثير عليهن، سيما مدرسات التربية الإسلامية اللواتي يدرسن مواد الدين من توحيد وفقه وحديث وثقافة إسلامية، لابد من أن يكون هناك استغلال لهذا المجال، وأنشطة إسلامية توجه الفتيات المسلمات في مجال التعليم.

    وهناك -بحمد الله عز وجل- قنوات متاحة، فهناك وحدات للتربية الإسلامية، أو مجالات لأنشطة الدعوة الإسلامية، مثلما يكون هناك جمعيات علمية وغيرها، فهناك -أيضاً- نشاط الدعوة الإسلامية في المدارس وفي الجامعات ينبغي بذل الجهد والطاقة بكل وسيلة ممكنة لاستغلاله واستثماره، فنحن نشكوا ويشكو غيرنا من وجود صور من الانحراف وتبادل الصور والرسائل وغير ذلك في مدارس الطالبات، وكذا في الجامعات، فهؤلاء سوف تنتشر هذه الممارسات الخاطئة والسيئة إلى غيرهن إن لم تقم المرأة الداعية من مدرسة أو طالبة بدورها الإيجابي في الدعوة، ويمكن أن نذكر هنا بعض الأمور:

    أولاً: القدوة، سيما في المُدرِّسة، فالمُدرِّسة وشخصيتها لها أثر كبير في الدعوة في هذا المجال، ونحن نعلم أن الجانب العاطفي في المرأة يجعلها إذا أعجبت تعلقت، فالطالبة التي تعجب بالمدرسة وترى فيها تميزاً في علمها وسمتاً وحرصاً من هذه المعلمة على الإرشاد والتوجيه تتعلق بها، وإذا تعلقت بها فإنها في غالب الأمر تتقبل منها وتجعلها مستودع سرها، وتجعلها المرجع لحل مشكلاتها، وتجعلها المستشار لرأيها عندما تعرض لها أية قضية تحتاج فيها إلى رأي أو إلى قرار، وهذا يجعل المدرسة قادرة على التوجيه والتربية، فلتحرص المدرسة على أن تكون قدوة وأن تكون متحببة متقربة إلى الطالبات مختلطة بهن حتى تكسب قلوبهن، وتستطيع أن تؤثر على عقولهن، وأن تغير من سلوكهن، ولا بأس في هذا الصدد أن يكون للمدرسة علاقة بأم تلك الطالبة، حتى تعرف منها بعض الأخبار، وأن تتعرف على أسرتها إذا استطاعت، ولو من خلال المحادثة الهاتفية، فإن ذلك يعمق القدرة على التأثير في هذا الجانب.

    الجانب الثاني: استغلال الأنشطة والقيام بها من خلال بعض الدروس والمحاضرات وتوزيع الأشرطة والكتيبات والمشاركات الاجتماعية من خلال أمور أخرى سيأتي ذكرها، فيمكن أن تمارس في المدارس وفي الجامعات، وهذا مهم جداً، ويكفي أن نعلم أن عدد الطالبات في المدارس الثانوية أكثر من عدد الطلاب، وعلى سبيل المثال: يبلغ عدد الطالبات في المرحلة الثانوية -فقط- في مدينة جدة وحدها أكثر من ثماني عشرة ألف وخمسمائة طالبة، فانظر إلى هذا الكم لو أحسنت المدرسات أو الداعيات من غير المدرسات عبر بعض الأنشطة الرسمية من المحاضرات والندوات، لو أحسن وبذلن الجهد في التحضير والإعداد وفي المشاركة والإلقاء وفي المتابعة والتقويم، فلاشك أن هذا التأثير سيؤتي -إن شاء الله عز وجل- ثماراً جيدة وحسنة.

    المجال الدعوي

    ثانياً: الميدان أو المجال الدعوي.

    وأعني به مؤسسات من طبيعة عملها الدعوة، مثل قسم النساء في الإغاثة، أو قسم النساء في الندوة، أو القسم النسائي في جماعة تحفيظ القرآن، فإن هذه الأقسام من طبيعة عملها أن تقدم المحاضرات والندوات، وأن توزع الأشرطة والكتيبات، وأن تقيم الأنشطة التي تعرف بأوضاع المسلمين وما جرى لهم، والأحداث الواقعة في مواقع ومواطن شتى، هذا كله ينبغي أن تستنفذ الداعيات الجهد فيه، خاصة في مجال تحفيظ القرآن ونشره بين النساء وبذل الجهد لأن يكن مدرسات في هذه المدارس، وأن يقمن بإعداد برامج للمحاضرات والدروس العلمية، والدورات التخصصية من خلال هذه الميادين النسائية وما يلحقها من أنشطة أخرى، مثل بعض المراكز الصيفية، أو المدارس التي تعد بعض الدورات الخاصة بالنساء، والبرامج الثقافية المستمرة مثل المحاضرات الأسبوعية أو الشهرية، فهذا ميدان رحب خصب لابد من أن تبذل النساء الداعيات فيه جهداً مضاعفاً قدر المستطاع.

    المجال الاجتماعي

    ثالثاً: المجال الاجتماعي.

    وأعني به بعض جمعيات النفع العام، وهذا خطاب إلى المرأة المسلمة الداعية على وجه الخصوص، فلابد من أن تشارك في هذا المجال، والجمعيات النسائية يغلب عليها أنها تهتم ببعض الظواهر البسيطة وبعض المعارض الخيرية، مثل ما يسمونه (يوم الطفولة).

    فينبغي للنساء المسلمات أن يشاركن في هذه الجمعيات، وأن يكون لهن دور في تقديم المنهج الإسلامي عبر الكلمة وعبر المشاركة في بعض هذه البرامج، إضافة إلى مناسبات اجتماعية كثيرة فيها صور شتى لممارسة الدعوة، مثل الأفراح، ونحن نرى اليوم -بحمد الله عز وجل- بعض الصور الإيجابية بدلاً مما كان فيما سلف، فقد كان هناك مغنية أو راقصة أو غير ذلك، وأصبح هناك اليوم كلمة من امرأة داعية وإنشاد إسلامي وبعد عن المحرمات، فهذه المشاركة -أيضاً- من أهم المشاركات؛ لأنها تتصل بقطاع عريض من النساء، وتنبههن إلى خطر تلك المخالفات الشرعية، مع التركيز وانتهاز الفرصة لبيان مزايا الأسرة المسلمة وواجباتها، إلى غير ذلك من الصور التي يمكن استغلالها.

    أيضاً من المناسبات الاجتماعية العزاء، وقد يجتمع النساء في العزاء أكثر من اجتماع الرجال، وجلوسهن أكثرُ وقتاً من جلوس الرجال، ووقتهن يكون أنسب أحياناً، فاستغلال هذا من الداعيات لتذكير النساء بالموت وبالآخرة وتنبيههن إلى واجباتهن وغير ذلك أمر مهم محمود، وهو -بحمد الله عز وجل- بدأ يشكل ظاهرة في كثير من مجالس أو مجامع النساء في العزاء، فأصبحت الداعيات -بحمد الله- يبذلن جهداً في هذا لمجال.

    هذا إضافة إلى صور أخرى من صور الدعوة غير المباشرة من خلال أمور اجتماعية، مثل الأسواق الخيرية أو الطبق الخيري أو المعارض الإسلامية، أو استغلال المناسبات الأسرية على مستوى العائلة كلها، فهذا -أيضاً- مجال واسع وخصب.

    المجال الإعلامي

    رابعاً: المجال الإعلامي.

    لابد من أن تشارك المرأة في مجال الكتابة، سيما في الصحافة الإسلامية النسائية، فإن كتابة المرأة عن موضوعات المرأة أبلغ، والنساء يقرأن ما تكتبه النساء أكثر مما يقرأن ما يكتبه الرجال، فلماذا لا تشارك المرأة في هذا المجال؟ حتى من خلال تأليف الكتب والرسائل، فإن الكتابة أيضاً وسيلة إعلامية يمكن أن توصل بها المرأة الداعية كثيراً من الأفكار والتوجيهات والإرشادات إلى قطاع عريض من النساء.

    وهنا تقصير غير قليل في هذا الجانب، فنحن لا نرى الكم الكافي ولا المشاركة الفعالة من النساء الداعيات في هذا الميدان، وتركت الساحة لغيرهن، وربما اشتهر بعضهن ممن كثرت مشاركاتهن وراجت بين كثير من النساء.

    وهناك ميادين شتى، فكل مجلة إسلامية فيها قسم للمرأة المسلمة، بل بعض المجلات -مثل مجلة النور السعودية- نصفها مخصص للمرأة المسلمة والطفولة وغير ذلك، والمرأة أخبر بهذا، فلماذا لا تشارك ولا تكتب ولا تجعل مشاركتها في الدعوة متنوعة عبر اللسان ومن خلال القلم، وأيضاً من خلال الصورة العملية؟!

    المجال الأسري

    خامساً: المجال الأسري.

    وهو من أهم المجالات، وما أخرته لأنه أقل أهمية، لكن لأنه من الأمور البدهية التي نعتبر أن ممارستها لا تحتاج إلى التنصيص عليها، فالمرأة يمكن أن تكون داعية لزوجها، وكثير من النساء الصالحات ربما كان أزواجهن من المقصرين ومن الذين يضيعون أوقاتهم في السهر واللعب ومن المقصرين في أداء العبادات، ويمكن للمرأة بأسلوبها الحسن وبطريقتها الحكيمة أن تكون داعية لزوجها.

    ولاشك أن أبناءها هم أهم ميدان لدعوتها من خلال تربيتهم وتحفيظهم لكتاب الله عز وجل، وتحفيظهم للأذكار من صغرهم، وتعليمهم الآداب الإسلامية، وتحذيرهم من المخاطر المترتبة على الانحراف والبعد عن دين الله عز وجل، سيما النساء أو الفتيات أيضاً، فالمرأة عندما يكبر الأطفال ويصيرون شباناً ربما يكون دورها معهم أقل، ويكون دورها مع الفتيات أكبر، فلتعتن بهذا الجانب.

    حتى المنزل يمكن أن تجعله المرأة صورة من صور الدعوة، فلماذا لا تجعل في مجلس الضيوف حاملاً توضع فيه بعض الكتيبات وبعض النشرات المطوية، فإذا جاء الرجال إلى زوجها وجدوا هذا؟! وأحياناً يكثر الانتظار في بعض المناسبات، أو يمكن أن يكون هناك مجال للمشاركات، فلماذا -أيضاً- لا تعمل في موضع ضيافة النساء بعض الآيات أو بعض اللوحات والتذكيرات؟! ولتستخدم في ذلك بعض الأساليب مثل اللوحات الحائطية، وليست مجلة حائطية، حتى لا يقال: إنها ستحول البيت إلى مدرسة! لكن هناك صور شتى يمكن أن تلفت النظر، كأن تجعل البيت ليس فيه شيء من المحظورات الشرعية مثل التماثيل أو الصور المعلقة أو غير ذلك، فهذا كله له أثر وانطباع في كون بيتها يمثل الدعوة أو يعكس صورة الدعوة على الآخرين.

    المجال العملي

    أخيراً: المجال العملي الذي تمارس فيه المرأة مع النساء مشروعات عملية تنفيذية، ويمكن أن تشارك في هذا من خلال إعداد بعض البحوث والدراسات والإحصاءات للظواهر المتعلقة بالنساء كظاهرة الطلاق، فهي تنتشر وتزيد، والمرأة هي الأقدر على أن تقوم بعمل ميداني في معرفة هذه الظاهرة واستفتاء النساء فيها وإعداد الدراسات حولها، ويمكن أن تشكل مع بعض أخواتها جمعية أو مشروعاً عملياً لتشجيع الزواج المبكر، أو لمنع أسباب الطلاق، أو لغير ذلك من صور عملية أخرى.

    ويمكن أن تشكل -أيضاً- أعمالاً اجتماعية خيرية فتدعو أخواتها لمشاركة في كفالة الأيتام، أو لمشاركة في طباعة الكتب ونشر الأشرطة بين النساء، أو غير ذلك من الصور العملية الإيجابية التي تتركز في الجوانب السابقة التي أشرت إليها، ولا بأس بأن نلحق بذلك الموضوعات التي يمكن أن تطرقها المرأة الداعية في أثناء دعوتها، وربما لها تعلق بما سبق، ولذلك لا أذكرها إلا على سبيل السرد فحسب، لأنها من الموضوعات التي لو أحسنت المرأة الداعية تحضيرها فيها لأمكن أن تفيد الأخريات معها إن شاء الله عز وجل.

    فمن ذلك: قضايا المرأة الشخصية والاجتماعية والنفسية والتربوية، وموضوعات تربية الأبناء، وموضوعات العلاقات الزوجية، وقضية تعليم المرأة، وقضية عمل المرأة، وقصص النساء في القرآن الكريم، وقصص الأبناء في القرآن الكريم، وموضوعات إيمانية، وموضوعات المناسبات كرمضان والحج وغيره، والموضوعات التربوية، والحقائق والأرقام فيما يتعلق بالعفة، ودور المرأة في تكوين الأمة، وما يتعلق بحكم الدعوة بين النساء. فهذه بعض الموضوعات التي يمكن أن تطرقها المرأة.

    1.   

    عوائق وعقبات تعترض الداعية المسلمة

    وآخر نقاط هذا الموضوع الأساسية: عوائق وعقبات تعترض طريق المرأة الداعية.

    وهذه أيضاً نقطة مهمة لابد من تسليط الضوء عليها؛ لأن هذه العوائق مشتركة بين المرأة والرجال متمثلين في الأزواج والمجتمع -أيضاً- بشكل عام.

    عائق الضعف

    هناك عوائق متعددة، منها ما يتعلق بالمرأة نفسها، ومن أهم هذه العوائق الضعف.

    وأعني بذلك صوراً كثيرة من الضعف سأسردها سرداً دون تفصيل، فهناك ضعف في الإيمان عند بعض النساء اللواتي يرغبن في الدعوة وربما ينبعثن لها، يتمثل هذا الضعف في الركون إلى الدنيا والخوف على المصالح والوظائف، والحرج من الخروج عن المألوف.

    وهناك جانب آخر وهو ضعف الثقة في النفس.

    وهذا من أهم المعوقات، فإن بعض النساء عندهن قدرة وعلم، وقد تخرجن من جامعات في كليات شرعية وغير ذلك، لكنها تهضم نفسها حقها وتحتقر نفسها، وترى أنها لا يمكن أن تقوم بواجب، ولا شك أن هذا الشعور وأد لكل طاقة وإيجابية، ونحن لا نريد الاعتداء في مجال الدعوة، لكن لاشك أن البدء يكون صعباً، فلتكن المرأة مبادرة ولتعل همتها وسوف يفتح لها إن شاء الله عز وجل.

    وكذلك الضعف في الشعور بالمسئولية.

    فبعض الداعيات تجعل الدعوة أمراً عارضاً ولا تعطيه الأهمية الكبرى، وترى أن غيرها قد كفاها، وأن الرجال لابد من أن يوسعوا الدائرة وأن يقوموا بالواجب بشكل أكبر، وهي معفية في ذلك إلا في صور محدودة ودائرة ضيقة، وهذا أيضاً له أثره في هذا الجانب.

    ومن الصور المتعلقة بالضعف ضعف الهمة.

    فبعض النساء تريد أن تقوم بالدعوة، لكن دون أن تتعب ولا أن تجهد ولا أن تبذل وتضحي، وهذا لاشك أنه ضعف في الهمة، فينبغي أن تكون همتها وطموحها أعلى وأوسع.

    وهناك -أيضاً- ما يتعلق بصور أخرى من الأمور الذاتية المتعلقة بعدم الحرص على التحصيل العلمي المطلوب، إضافة إلى نقطة ثالثة مهمة، وهي قلة وجود الداعيات اللواتي يمكن أن يكن قدوة ومعلمات ومربيات للداعيات، فنحن نعلم أن في صفوف الرجال من يسمون رموز الدعوة، ومن يسمون قادة العمل الإسلامي، وهناك شخصيات من العلماء العاملين والدعاة المصلحين بارزين وجهودهم مذكورة مشكورة تجعل الاقتداء بهم والتأسي بهم بين الشباب والراغبين في خدمة هذا الدين أمراً له إيجابياته وتحققه في الواقع، بينما لا نجد ذلك بين النساء بالكثرة اللازمة والموجودة، وهذا عائق من العوائق؛ لأن المرأة في غالب الأمر تحتاج إلى ممهد للطريق، فإذا وجد بين النساء من انتدبت للدعوة وبذلت جهدها وساعدتها ظروفها فإنها عندما تكون في هذا الميدان سيكون هناك وجود لعدد من النساء الداعيات المتميزات في العلم الشرعي والمعرفة المعاصرة والمخالطة والقدرة على التأثير والعقلية المنظمة، وغيرها من المواصفات التي ذكرناها، عندئذ سيكون أولئك النساء محط أنظار الملتزمات اللواتي عندهن خير في أنفسهن وصلاح في بيوتهن لكنهن لم يبدأن خطوة الانتقال من الصلاح الذاتي إلى الإصلاح للأخريات، فالحرص على وجود هذه القيادات النسائية والقدوات النسائية في ميدان الدعوة لعله يعطي ثماراً مهمة ونافعة في هذا الجانب.

    العوائق الأسرية

    وقسم آخر من العوائق متعلق بالعوائق الأسرية، ويمكن أن نسلط الضوء عليها من جانبين:

    الجانب الأول: جانب الوالدين، فكثير من الآباء والأمهات لا ينظرون إلى المرأة النظرة الإسلامية المتكاملة الصحيحة، وبالتالي لا يحرصون على تعليمها وتوعيتها، وتربيتها وتثقفيها بحيث تكون مؤهلة لتؤسس أسرة ولتمارس دعوة، فإن بعض الآباء -إن لم نقل: كثيراً منهم- ينظرون إلى الفتيات نظرة يغلب عليها صورة الامتهان والاحتقار، أو عدم إيجاد أي فرصة لها لتشكل شخصيتها أو لتنتفع بعملها أو شيء من ذلك، وبالتالي تهمل هذه الفتاة فلا تكون حينئذ مؤهلة للالتزام والدعوة.

    ونحن نرى من الآباء الصالحين من يعنى بأبنائه فيحضهم على حضور المحاضرات والمشاركة في الدروس والانخراط في الأنشطة الإسلامية، ولا نجد عنده مثل هذا الاهتمام ولا قريباً منه ببناته، وهذا يشكل عائقاً أولياً يمنع وجود الخامات التي تصلح لأن أن تكون ميداناً للعمل الدعوي، ومن ثم وجود الداعيات.

    العوائق الزوجية

    وهناك عائق آخر، وهم الأزواج.

    فإن الزوج له دور مهم في تيسير أمر الدعوة لزوجته، وتجيئني بعض الأسئلة ممن يشير إلى أن هذه القضية واردة بشكل كبير.

    وقد سبق أن ذكرت أنه لابد للمرأة من موازنة واعتدال، وأن لا يطغى جانب على جانب، وأن لا يدفعها انشغالها بدعوتها إلى إهمال حق زوجها أو رعاية أسرتها، وفي الوقت نفسه لابد للرجل من أن يدرك دور المرأة الداعية -وقد أسلفنا تفصيلاً واسعاً فيه- وأن يدرك الأثر الإيجابي الذي يدُرُّ عليه أجراً من عند الله عز وجل وإصلاحاً لهذا المجتمع الذي في آخر الأمر تتكامل دوائره، فإن الإصلاح إذا اتسعت دوائره سيصل إلى بيتي وبيتك، وإلى أختي وأختك، وإلى والدتي ووالدتك، وزوجتي وزوجتك، والفساد إذا انتشر فسيصل إلى بيتك حتى ولو كنت من الصالحين؛ فإن بنتي التي تدرس في المدرسة أو التي تذهب إلى الجامعة أو زوجتي التي تختلط بالنساء إذا توسعت دوائر الفساد فإنه سيلحقها لعدم وجود الدعوة بين صفوف النساء، أفلا يكون عند الرجل المسلم توجه إلى أن ينفع أخواته ومجتمعه المسلم من خلال إتاحة الفرصة لزوجته لأن تمارس بعض صور الدعوة ما دامت مؤهلة لذلك؟!

    ولذلك قد نجد بعض النساء يطالبن بأن يكون هناك دروس للنساء في المساجد، أي: تقوم بها النساء. فالدروس للنساء من الرجال موجودة، ولكن فائدتها قد لا تكون كاملة كما لو كانت المرأة هي التي ستدرس النساء.

    فنريد أن يكون هناك دروس في تجمعات النساء في العزاء أو في الأفراح، ونريد أن يكون هناك اجتماعات عائلية في البيوت، وأن تلقى فيها بعض الدروس والمحاضرات والمواعظ والتذكير، فمن أين ستأتي هذه المرأة التي ستقوم بهذا الدور؟

    إنها ابنة لأب، أو زوجة لزوج، أو أخت لأخ، فإذا لم يكن هذا الرجل مدركاً لمهمتها وأنه يشاركها في هذا الأجر، ويكون عند الناس تقدير لدور هذه المرأة وما حصل من صلاح على يديها وما وجد من خير بجهودها فكيف يمكن أن تمارس هذا الدور؟

    إذاً لابد من أن ندرك أن هناك عقبات من خلال الزوج على وجه الخصوص، فمن هذه العقبات:

    أولاً: قصور فهم الزوج وعدم وضوح رؤيته لشخصية المرأة ودورها، أو عدم إدراكه لأهمية الدعوة بالنسبة للمرأة، وهذا لا شك أنه يحول دون أية ممارسة دعوية، وأكرر: نحن نريد لزوجاتنا طبيبات ولا نريد أن يكشف عليهن الأطباء، ونريد لبناتنا في المدارس وفي الجامعات مدرسات ولا نريد أن يدرسهن الرجال، ولا نريد أن نقدم أو أن نشارك بجزء! فكيف يتم لنا ما نريد؟! فلو شارك هذا بجزء من خلال مشاركة زوجته وهذا بجزء، فستكتمل الدائرة.

    ولا يستطيع حمل الأعباء عدد محدود من النساء، فإنه إذا منع هذا زوجته ومنع هذا زوجته فلن يكون هناك إلا قلة من النساء، وسيكون العبء عليهن كبيراً، ولو أردن أن يقمن بهذا العبء فسيكون ذلك على حساب بيوتهن وأزواجهن.

    حتى أنظمة التعليم والطب الآن لو نظرنا فيها لوجدنا أنه يمكن للمرأة أن تدرس في المدارس فترة معينة من الزمن، حتى إذا شغلت بأبنائها تركت هذا المجال وجاءت غيرها، فإذا سمح الرجل في ذلك الوقت فإنه يكون قد بذل وضحى، ثم يأتي غيره ويشارك، وهكذا، أما هذه الصورة فيمكن أن تكون معيقة لهذا الجانب.

    ثانياً: عدم التعاون مع المرأة.

    فهو قد يسمح لها لكنه عملياً لا يحقق الصورة التنفيذية، فيقول: لا مانع من أن تعطي درساً. لكنه لا يوصلها بسيارته، أو لا يقوم بمشاركة إيجابية في بعض الأحوال، وهو أن يأخذ الأبناء في ذلك الوقت إلى نزهة -مثلاً- أو يعللهم بأمر ما في تلك الفترة القصيرة، فالنساء ليس عندهن مشاركات دعوية طويلة المدى، إنما هو درس في حدود ساعة أو ساعة ونصف ثم ترجع إلى بيتها، ولذلك فإن المحدودية هنا من قبل المرأة ينبغي أن يقابلها تعاون من قبل الزوج.

    ونجد أن بعض الأزواج لا يقدر الظروف التي تكون للمرأة، فهي إذا شاركت وسمح لها بالمشاركة لا شك أن ذلك يتعبها، وقد يجعلها تقصر بعض التقصير في أمور يحتملها الزوج إن كان مدركاً، وإن كان راغباً فيما يصلح المجتمع وفيما يعود بالأجر عليه وعلى زوجته، فلو كان هناك تقصير في الأمور العادية قد يقع أحياناً من المرأة غير الداعية -كتقصير في الطبخ أو في الكنس- فينبغي له أن يتجاوز عن مثل هذه الأمور في سبيل ما قد احتملته المرأة في هذا الميدان من ميادين الدعوة والقيام بها.

    وينبغي أن لا يكون مطالباً بكل الحقوق؛ لأن المرأة لو طالبت بكل الحقوق فكذلك سيكون هناك تقصير، ألسنا نشكوا من أن الرجال أو الشباب الدعاة يخرجون من بزوغ الفجر الأول أو مع أول انبثاق نوره ولا يعودون حتى ينتصف الليل، فأين حق الزوجة؟ وأين حق الأبناء؟ فالمرأة تغتفر ذلك؛ لأنها تعلم أن زوجها يقوم بمهمة ورسالة، فليكن من الزوج -أيضاً- نوع من هذا التعاون، فلا يطلب أن تكون زوجته قائمة بتمام الزينة، ويريدها أن تكون دائماً في أبهى حلة وأن تتابع كل جديد من الأزياء.

    نعم إنَّ التزين مطلوب منها، لكنه إذا أراد أن تكون داعية فكيف يسوغ له أن يلفت نظرها عن أمر الدعوة إلى أمر الزينة والموضة كما قد يحصل أحياناً؟!

    أيضاً هناك أمور أخرى بالنسبة للمجتمع، فقد يُنظر أحياناً إلى المرأة التي تقوم بواجب الدعوة وتذهب إلى درس هنا، وإلى محاضرة هناك، وتشارك في برنامج هنا وبرنامج هناك -ينظر إليها أنها امرأة متفلتة متسيبة، وهذه النظرة غير صحيحة، سيما إذا التزمت المرأة بالضوابط التي أشرنا إليها من مراعاة حق زوجها وأبنائها، ومشاركتها المعدة مسبقاً حتى لا تحيف على شيء من واجباتها، أقول: هذه النظرة تعود علينا بالسلبية، فنحن نريد -كما قلنا- أن يكون في صفوف البنات في المدارس دعوة حتى يحفظن من التيار الجارف الذي يفسدهن ويغريهن بكثير من الإثارات، فمن ستقوم بهذه المهمة إلا المرأة الداعية، فإذا نظرنا إلى المرأة التي تكون مدرسة ثم تلقي محاضرة في مدرسة ومحاضرة في مدرسة من خلال برامج التوعية، إذا نظرنا إليها نظرة ازدراء فمن سيقوم بهذه المهمة بين فتياتنا وبناتنا؟!

    وهناك عوائق مادية تقع بالنسبة للمرأة، والحق أن التفهم والإدراك لطبيعة المرأة وموقعها في التصور والمنهج الإسلامي، والنظر إلى صورتها الحقيقية في عهد المصطفى صلى الله عليه وسلم يجعلنا نعرف أهمية الدعوة النسائية وما تعود به من منفعة للمجتمع وننظر إليها النظرة التي ستشكل صورة التعاون الإيجابي.

    1.   

    واجبات ومحاذير

    تبقى هناك أمور أخرى هي واجبات ينبغي أن ننتبه لها، ومحاذير ينبغي أن نتوقى منها.

    فمن الواجبات: أن يكون هناك عناية من العلماء والدعاة بشئون النساء، وأن يخصصوا من أوقاتهم دروساً ومحاضرات للنساء كما فعل رسول الله صلى الله عليه وسلم عندما خصص لهن يوماً يسألنه ويعلمهن أمر دينهن، وينبغي أن يوجد اهتمام -أيضاً- بالكتابة والتأليف في شئون المرأة المسلمة، ينبغي أن يكون هناك اهتمام في بإيجاد المحاضن والمؤسسات التي يمكن للمرأة أن تمارس من خلالها أنشطة إسلامية تربوية حتى تتهيأ هذه الجوانب، بدءاً من الصغار والفتيات في أوائل السن، ثم مروراً بالشابات، وبعد ذلك النساء المتزوجات، فإن لكل مرحلة متطلبات.

    وكذلك هناك واجبات أخرى فيها قصور شديد، بل فيها معارضة أكيدة لهذا التيار، وهي الصور التي تمارسها كثير من وسائل الإعلام، فنحن نرى المجلات وهي تعنى بالموضات وتجعل المشكلات متعلقة بهذا الجانب، وتبرز شخصيات الفنانات اللاتي لهن سمعة سيئة في مجال الانحراف، ولا تمارس دوراً في المحافظة على المجتمع، أو في المحافظة على المرأة وفي المحافظة على عفتها وكرامتها، فهذا جانب -أيضاً- مهمل، بل هو جانب فيه تيار معاكس.

    ومن المحاذير التي ينبغي للنساء الداعيات أن ينتبهن لها ما يتعلق بقضية مهمة، وهي التعلق العاطفي الزائد عن الحد بين المرأة الداعية ومن تدعوهن، سيما الطالبات في سن الشباب، فإن هناك علاقات قوية وطيدة تجعل الأمر فيه مضيعة للوقت، فلابد في كل يوم من أن تتصل بها، وإذا غابت عنها يوماً كتبت لها تلك الرسالة التي تشكو فيها أنها هجرتها! وغير ذلك من الأمور والعواطف الزائدة عن الحد.

    فهذه صورة أرى أنها موجودة، وهي سلبية من السلبيات ينبغي للداعيات أن ينتبهن لها.

    وهناك صورة أخرى من المحاذير التي ينبغي على الداعيات الالتفات إليها، وهي عدم قصر حديثهن على أمور معينة في حياة المرأة مثل الحجاب والصيانة والعفة، بل ينبغي أن يذكرن هذه الأمور ويركزن عليها، وأن يذكرن أموراً أخرى مما سبقت الإشارة إليه، سيما في مجال مشاركة الحياة العامة وقضايا الأسرة والمجتمع.

    وأمر ثالث أختم به الحديث من هذه المحاذير، وهو التوتر بين النساء الداعيات، عندما يختلف بعضهن مع بعض في أسلوب طرح أو عرض الموضوعات الدعوية، بل ينبغي التعاون والتكامل في هذا الأمر.

    والله أسأل أن يوفقنا إلى ما يحب ويرضى، وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين.

    مكتبتك الصوتية

    أو الدخول بحساب

    البث المباشر

    المزيد

    من الفعاليات والمحاضرات الأرشيفية من خدمة البث المباشر

    عدد مرات الاستماع

    3086718659

    عدد مرات الحفظ

    755914955