إسلام ويب

سلسلة إيمانية - نهاية العالمللشيخ : محمد حسان

  •  التفريغ النصي الكامل
  • من أمور الغيب التي لا يعلمها إلا الله عز وجل: قيام الساعة، وعلى هذا فكل قول بتحديد موعد قيام الساعة فهو ظن وتخريف، بل كذب لا يجوز تصديقه، إلا أن النبي صلى الله عليه وسلم قد أخبرنا بعلاماتها الصغرى والكبرى، فهذه العلامات يجب الإيمان بها، وقد ظهرت كثير من علامات الساعة الصغرى، ولم تبق إلا الكبرى.

    1.   

    تحديد نهاية العالم ظن وتخمين باطل

    بسم الله الرحمن الرحيم الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم على نبينا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين. أما بعد: المقدم: أعزاءنا المشاهدين والمشاهدات السلام عليكم ورحمة الله وبركاته. أحداث العالم الآن جعلت أناساً كثيراً يتكلمون عن النهاية، وأن القيامة اقتربت، وظهرت كتب تحدثت عن سنة (99) وأن القيامة ستقوم فيها، وأن أمريكا ستدمر، ولا أدري كيف؟! وهناك أحداث كثيرة وقعت جعلت الناس تتنبأ بأشياء كثيرة! ومعنا فضيلة الشيخ محمد حسان الداعية الإسلامي الكبير، فضيلة الشيخ! ما رأيك في الأحداث الموجودة الآن في العالم؟ حيث نجد أهل الكتاب سواء أهل التوراة أو أهل الإنجيل كلهم يسيرون على (سيناريو) واحد، وأعتقد أن الله سبحانه وتعالى كلما أرسل رسولاً كان ينبئ قومه بالأحداث وبالبداية والنهاية، وتجد أيضاً أن الأفلام الأمريكية تتكلم عن حرب (هرمجدون) وأغانيهم كذلك تتكلم عن (صن ريسس) يعني: أنهم ينادون سيدنا عيسى عليه السلام، وسنجد أن عندهم وجهة نظر معينة؛ لأنهم يعتقدون أن التوراة والإنجيل أشارت إلى أحداث معينة هم يعرفونها، لكننا لا ندري ما هي نظرتهم؟! وكيف يخططون؟! فيا ترى! هل يوجد في السنة وقول الرسول صلى الله عليه وسلم إخبار بالأحداث المستقبلية؟ الشيخ: الحمد لله رب العالمين، وصل اللهم وسلم وبارك على نبينا محمد، وعلى آله وأصحابه أجمعين. أيها الإخوة الكرام! أيتها الأخوات الفاضلات! أسأل الله تعالى أن يجنبنا وإياكم الفتن ما ظهر منها وما بطن، وأن يرزقنا الصدق والإخلاص في القول والعمل، إنه ولي ذلك والقادر عليه. هذا الموضوع الذي نود أن نطرحه للنقاش موضوع شائك، وموضوع ساخن في الوقت ذاته، لاسيما ونحن نعيش هذه الأحداث المؤلمة، وهي أحداث عالمية ليست محلية، واسمح لي أن أستهل الجواب على أسئلتك التي طرحتها بهذا التأصيل العلمي المهم؛ لأني أرجو ألا ينسى المسلم وألا تنسى المسلمة هذا التأصيل. أقول: لا يستطيع عاقل فضلاً عن عالم بالقرآن والسنة أن يقطع بوقت محدد معلوم لنهاية العالم أو لقيام الساعة، فالقول بأن القيامة ستقوم سنة (1998) وسنة (2002) وسنة (2010) كل هذا ظن وتخمين وقول باطل؛ لأن علم الساعة علم اختص الله تبارك وتعالى به نفسه، فلا يعلمه ملك مقرب، ولا نبي مرسل، ولا حتى المصطفى صلى الله عليه وسلم، قال الله جل وعلا لحبيبنا عليه الصلاة والسلام: يَسْأَلُكَ النَّاسُ عَنِ السَّاعَةِ قُلْ إِنَّمَا عِلْمُهَا عِنْدَ اللَّهِ [الأحزاب:63] ، وقال سبحانه وتعالى: يَسْأَلُونَكَ عَنِ السَّاعَةِ أَيَّانَ مُرْسَاهَا * فِيمَ أَنْتَ مِنْ ذِكْرَاهَا * إِلَى رَبِّكَ مُنتَهَاهَا * إِنَّمَا أَنْتَ مُنذِرُ مَنْ يَخْشَاهَا * كَأَنَّهُمْ يَوْمَ يَرَوْنَهَا لَمْ يَلْبَثُوا إِلَّا عَشِيَّةً أَوْ ضُحَاهَا [النازعات:42-46].

    1.   

    إخبار النبي صلى الله عليه وسلم بأمارات الساعة

    علم الساعة، وأنها سوف تقوم في اليوم الفلاني، وفي الساعة الفلانية، وفي الدقيقة الفلانية، هذا علمه عند الرب العلي الأعلى تبارك وتعالى ، ومع ذلك فقد أطلع الله نبيه صلى الله عليه وسلم على كل أمارات الساعة، وعلى كل علامات الساعة، وعلى كل ما يحدث في الكون من فتن وحروب وملاحم بين يدي الساعة، قال الله جل وعلا: وَلا يُحِيطُونَ بِشَيْءٍ مِنْ عِلْمِهِ إِلَّا بِمَا شَاءَ [البقرة:255] حتى لا يشعر أحد بأن هناك تعارضاً؛ لأنه قال: (إِلَّا بِمَا شَاءَ) وقال الله جل وعلا: عَالِمُ الْغَيْبِ فَلا يُظْهِرُ عَلَى غَيْبِهِ أَحَدًا * إِلَّا مَنِ ارْتَضَى مِنْ رَسُولٍ [الجن:26-27]، وقال جل وعلا: وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا [الحشر:7]، وقال جل وعلا في حق نبينا صلى الله عليه وسلم وهو الصادق الذي لا ينطق عن الهوى: وَالنَّجْمِ إِذَا هَوَى * مَا ضَلَّ صَاحِبُكُمْ وَمَا غَوَى * وَمَا يَنْطِقُ عَنِ الْهَوَى * إِنْ هُوَ إِلَّا وَحْيٌ يُوحَى * عَلَّمَهُ شَدِيدُ الْقُوَى [النجم:1-5]، ولن نذكر -بإذن الله تعالى- حديثاً إلا وقد صح عن النبي صلى الله عليه وسلم؛ لأن هذا من الغيب الذي لا ينبغي أن نتكلم فيه إلا بدليل من الملك الجليل، أو من البشير النذير الذي يبلغ أمر ربه تبارك وتعالى، ففي الحديث الطويل الذي رواه مسلم من حديث عمر بن الخطاب رضي الله عنه أن جبريل عليه السلام نزل إلى النبي صلى الله عليه وسلم وسأله عن الإسلام والإيمان والإحسان، ثم سأله عن الساعة، قال جبريل: متى الساعة؟ أمين السماء يسأل أمين أهل الأرض: متى الساعة؟ فقال حبيبنا صلى الله عليه وسلم: (ما المسئول عنها بأعلم من السائل، فقال جبريل: فأخبرني عن أماراتها. فقال صلى الله عليه وسلم: أن تلد الأمة ربتها، وأن ترى الحفاة العراة العالة رعاء الشاء يتطاولون في البنيان.) إلى آخره، فذكر في هذا الحديث بعض العلامات، وذكر علامات كثيرة في أحاديث أخرى. فالشاهد أيها الإخوة والأخوات! أن النبي صلى الله عليه وسلم قد أخبرنا عن كل أمارات الساعة، وعن كل ما يحدث في الكون بين يدي الساعة، وهو الصادق الذي لا ينطق عن الهوى، روى الإمام أحمد في مسنده بسند صحيح من حديث عبد الله بن عمرو رضي الله عنهما قال: كنت أكتب كل شيء أسمعه من رسول الله صلى الله عليه وسلم أريد حفظه، يعني: إذا أراد أن يحفظ حديثاً لرسول الله صلى الله عليه وسلم كتبه، ولا يقيد العلم إلا بالكتابة، قال: فنهتني قريش، فقالوا: إن رسول الله بشر يتكلم في الغضب والرضا، قال: فأمسكت عن الكتابة -أي: امتنعت- حتى ذكرت ذلك لرسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال له النبي صلى الله عليه وسلم: (اكتب، فوالذي نفسي بيده! ما خرج مني إلا الحق). فهيا بنا ندخل على أحداث الواقع التي تعيشها الأمة، فالنبي صلى الله عليه وسلم قد تكلم عن شيء من الأحداث التي تحدث الآن، والأحداث التي ستقع بعد ذلك، فهذا سيدنا حذيفة رضوان الله عليه يقول في الحديث الذي رواه البخاري ومسلم : (لقد خطبنا النبي صلى الله عليه وسلم خطبة ما ترك فيها شيئاً إلى قيام الساعة إلا ذكره، علمه من علمه، وجهله من جهله) ، وأنت الآن تنظر إلى شاشة التلفزيون عبر الأقمار الاصطناعية فترى الحدث يقع في أمريكا في التو واللحظة، بل في أي موقع في العالم، وقد رأينا ذلك بأم أعيننا في زماننا هذا، وكان المشركون يستكثرون أن يري الله نبيه المسجد الأقصى أمام عينيه؛ ليصف للمشركين أبوابه ونوافذه، وها نحن قد رأينا الآن على هذه الشاشة الصغيرة ما يحدث هنالك في التو واللحظة، فنبينا صلى الله عليه وسلم يكشف الله له الحجب، ويطلعه الله تبارك وتعالى على أحداث الكون، يقول حذيفة : (لقد خطبنا النبي صلى الله عليه وسلم خطبة ما ترك فيها شيئاً إلى قيام الساعة إلا ذكره، علمه من علمه، وجهله من جهله) ، وتدبر أعجب خطبة خطبها رسول الله! إنها أطول خطبة في التاريخ كله! والحديث رواه الإمام مسلم من حديث أبي زيد عمرو بن أخطب رضي الله عنه قال: (صلى بنا رسول الله صلى الله عليه وسلم صلاة الفجر ثم صعد المنبر؛ فخطبنا حتى حضرت الظهر) تصوروا! النبي عليه الصلاة والسلام يقف على المنبر من الفجر إلى الظهر يتكلم عن الأحداث التي كانت والتي ستكون! (فنزل فصلى بنا الظهر، ثم صعد المنبر، فخطبنا حتى حضرت العصر، ثم نزل فصلى العصر، وصعد المنبر، فخطبنا حتى غربت الشمس، فأخبرنا بما كان وبما هو كائن وبما سيكون، فأعلمنا أحفظنا) أي: أعلمنا بكلام رسول الله صلى الله عليه وسلم، هو أحفظنا لما ذكره عليه الصلاة والسلام. فهذا الواقع الذي تحياه الأمة من تداعي كل أمم الأرض عليها، وحال الهوان والذل التي تحياها الأمة، قد أخبرنا بها نبينا صلى الله عليه وسلم ووصفها وصفاً دقيقاً عجيباً، فتدبر معي ما رواه الإمام أحمد في مسنده والإمام أبو داود في سننه بسند صحيح من حديث ثوبان رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (يوشك أن تتداعى عليكم الأمم كما تتداعى الأكلة إلى قصعتها) فهلا تذكرت معي قليلاً طبقاً كنا نقدمه للطيور في بيوتنا في القرى، وتصور مشهد الطيور وهي تتسابق وتتقاتل؛ ليصل كل طائر إلى حبة أرز في هذا الطبق مثلاً، فقد صارت الأمة قصعة مستباحة لكل أمم الأرض، وتسابقت كل أمم الأرض؛ لتنهب من هذه الأمة الممزقة الذليلة المهينة، وتدبر كلامه صلى الله عليه وسلم: (يوشك أن تتداعى عليكم الأمم كما تتداعى الأكلة إلى قصعتها، قالوا: أومن قلة نحن يومئذ يا رسول الله؟! قال: كلا، ولكنكم يومئذ كثير -الآن الأمة أكثر من مليار وربع- ولكنكم غثاء كغثاء السيل، وليوشكن الله أن ينزع المهابة من قلوب عدوكم، وليقذفن في قلوبكم الوهن، قيل: وما الوهن يا رسول الله؟! قال: حب الدنيا، وكراهية الموت) لا توجد مهابة ولا توجد كرامة ولا توجد قيمة لهذه الأمة الآن، فالنبي صلى الله عليه وسلم يجسد الواقع الذي نعيشه اليوم.

    إخبار النبي صلى الله عليه وسلم عن الرويبضة

    وأسوق لك حديثاً آخر يجسد به النبي صلى الله عليه وسلم الحال الآن تجسيداً دقيقاً، والحديث رواه الإمام أحمد في مسنده والحاكم في مستدركه بسند صحيح من حديث أبي هريرة رضي الله عنه أنه صلى الله عليه وسلم قال: (سيأتي على الناس سنوات خداعات، يصدق فيها الكاذب، ويكذب فيها الصادق، ويؤتمن فيها الخائن، ويخون فيها الأمين، وينطق فيها الرويبضة، قيل: ما الرويبضة يا رسول الله؟! قال: الرجل التافه -وفي لفظ: الرجل السفيه- يتكلم في أمر العامة) فمن يحكم العالم الآن؟ إنه السفاح شارون ، وبوش وبوتن ، فرسولنا صلى الله عليه وسلم يجسد حال وواقع الأمة من مهانة وذل وتبعية.

    إخبار النبي صلى الله عليه وسلم بالإرهاصات التي تكون بين يدي الساعة

    وفي الوقت ذاته أخبر النبي صلى الله عليه وسلم عن زوال هذه الغمة -أسأل الله أن يعجل بزوالها- فلا تيأس، ولا تقنط، فقد أخبر الصادق صلى الله عليه وسلم عن زوال هذه الغمة وعن كشفها، وأبشر الإخوة والأخوات بأن ذلك -ورب الكعبة- سيكون قريباً إن شاء الله؛ لأن الذي يهيئ الكون كله الآن -ليقع فيه ما أخبر به الصادق الذي لا ينطق عن الهوى- هو مالك الملك ومدبر الكون تبارك وتعالى. فتدبر معي! النبي صلى الله عليه وسلم أخبرنا بأن إرهاصات ما بين يدي النهاية ستبدأ بهدنة بين المسلمين وبين الروم، والروم كما يقول كل أهل التاريخ: هم سلالة العيص بن إسحاق بن إبراهيم على نبينا وعليهما الصلاة والسلام، وامتدادهم الآن هم الأوروبيون والأمريكيون، فأخبرنا الصادق أن إرهاصات ما بين يدي الساعة ستبدأ بهدنة بين المسلمين وبين الروم، وأظن أننا الآن نعيش هذه المرحلة، مرحلة الهدنة بين المسلمين وبين الروم من الأوروبيين والأمريكيين، فماذا قال النبي عليه الصلاة والسلام؟ روى البخاري ومسلم وغيرهما من حديث عوف بن مالك رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (اعدد ستاً بين يدي الساعة: موتي) أي: موت الحبيب صلى الله عليه وسلم، ولقد مات نبينا عليه الصلاة والسلام: (ثم فتح بيت المقدس) وقد فتح بيت المقدس في عهد عمر بن الخطاب رضي الله عنه على يدي أبي عبيدة بن الجراح ، وأسأل الله أن يأذن في فتحه من جديد: (ثم مُوتان -بضم الميم- يأخذ فيكم كقعاص أو كعقاص الغنم) يعني: الطاعون، وأنه ينتشر فيكم كما ينتشر الطاعون أو الوباء في الغنم، فيهلكها جماعات، وقد ظهر هذا الطاعون في بلاد الشام في طاعون عمواس، وقتل فيه عدد كثير جداً من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم، منهم أبو عبيدة ومعاذ بن جبل وغيرهما: (ثم استفاضة المال بحيث يعطى الرجل مائة دينار فيظل ساخطاً) وها أنت تعطي الرجل الآن مائة جنيه أو مائتين فيظل الرجل ساخطاً إما لعدم القناعة والرضا، وإما لأنها لا تكفي: (ثم فتنة لا تدع بيتاً من بيوت العرب إلا دخلته) يرى كثير من أهل العلم أنها متمثلة في وسائل الإعلام بصورها وأشكالها المختلفة بما فيها من خير وشر. وانظر إلى العلامة الأخيرة وهي السادسة: (ثم تكون هدنة بينكم وبين الروم، فيغدرون، فيأتونكم تحت ثمانين غاية) أي: تحت ثمانين راية، وسميت الغاية بالراية؛ لأنها غاية الجيش، فإن سقطت الراية ذهبت الغاية (فيأتونكم تحت ثمانين غاية، تحت كل غاية اثنا عشر ألفاً) يعني: جيش مكون -تقريباً- من مليون إلا قليلاً. وفي الحديث الصحيح الذي رواه أحمد في مسنده والطبراني والبزار وابن ماجة وأبو داود وغيرهم أنه صلى الله عليه وسلم قال: (ستصالحون الروم صلحاً آمنا) وتدبر معي هذا الحديث! (وستغزون أنتم وهم -أي الروم- عدواً من ورائهم) ولم يقل: من ورائكم أيها المسلمون! (فتسلمون، وتغنمون، ثم تنزلون بمرج ذي تلول) المرج الذي فيه التلول مكان أخضر تكثر فيه المياه والخضرة، وسأبين من كلام النبي صلى الله عليه وسلم أين هذا المرج، (ثم تنزلون بمرج ذي تلول، فيقوم رجل من الروم فيرفع الصليب ويقول: غلب الصليب، فيقوم إليه رجل من المسلمين فيقتله، فعندئذ يغدر الروم ويأتونكم تحت ثمانين غاية، تحت كل غاية اثنا عشر ألفاً)، سؤال: يا ترى! من هو هذا العدو الذي سيشارك المسلمون الروم في قتاله؟! هل هو الإرهاب على حد تعبير وسائل الإعلام كلها في الخارج والداخل؟! أو هل هو المعسكر الشرقي: روسيا أو الصين أو اليابان؟ الجواب: الله أعلم بمراد نبيه صلى الله عليه وسلم.

    1.   

    معركة هرمجدون من عقائد أهل الكتاب

    ثم إن أهل الكتاب يعتقدون اعتقاداً جازماً في هذا اليوم الذي تفضلت بالسؤال عنه، ويعتقدون قدوم هذه المعركة التي تسمى: بمعركة (هرمجدون)، وكلمة (هرمجدون) كلمة عبرية، مكونة من مقطعين: (هر) و(مجدون) وكلمة (هر) تعني: جبل، و(مجدون) تعني: واد في فلسطين، وقد تكلمت كتب أهل الكتاب كما ذكرت، وتكلم علماؤهم عن هذه المعركة، وهذه اللفظة ليست من كلمات نبينا الصادق صلى الله عليه وسلم، وإنما هي لفظة موجودة عند أهل الكتاب، وهم يؤمنون بها، ويعتقدون هذه المعركة، بل وينتظرونها، ولو رجعت إلى الإصحاح السادس عشر من سفر (الرؤيا) لوجدت الإصحاح يقول: وجمعت جيوش العالم كلها في مكان يسمى (هرمجدون)! ثم إنك تفضلت وسألت: كيف يفكر هؤلاء الناس؟ يقول الرئيس الأمريكي الأسبق رونالد ريجن: إن هذا الجيل بالتحديد هو الجيل الذي سيرى (هرمجدون) وليس بالضرورة أن يكون بالتوقيت السنوي المراد، وإنما هذا على حسب قوله. ويقول: أورل ردتسن صاحب كتاب (دراما نهاية الزمن) وسيمضي كل شيء في بضع سنوات، فستقوم المعركة العالمية الكبرى: معركة (هرمجدون). وتقول الكاتبة الأمريكية المشهورة: جيلس هالسن : إننا نؤمن كمسيحيين -هذا على حد تعبيرها- بأن تاريخ الإنسانية سوف ينتهي بمعركة كبيرة تدعى (هرمجدون) وسوف تتوج هذه المعركة بعودة المسيح إلى الأرض مرة أخرى. ويقول القس الأمريكي الشهير سويجرت الذي كان يناظر الشيخ أحمد ديدات: كنت أستطيع القول بأننا سنحصل على السلام؛ لأن (هرمجدون) مقبلة، وسيخاض غمارها في وادي (مجيدو) أي: في قلب فلسطين، فدعهم يوقعون ما شاءوا من اتفاقيات السلام، إنهم لن يحققوا شيئاً، وهناك أيام سوداء. وهذا كلام قوي. ولكن نبينا الصادق عليه الصلاة والسلام أخبرنا أننا سنشترك مع الروم في حرب عدو مشترك، الله تبارك وتعالى أعلم بهذا العدو المشترك، هل هو الإرهاب؟! أو هل هو المعسكر الشرقي كما ذكرت؟ الله أعلم ، لكنه صلى الله عليه وسلم أخبرنا أن هناك مرحلة سيغدر فيها الروم، ويجمعون الجيوش الجرارة لاستئصال شأفة الأمة بالكلية، وللقضاء عليها.

    1.   

    خروج المهدي عليه السلام

    أخبرنا الصادق الذي لا ينطق عن الهوى أن أمراً كونياً قدرياً سيحدث بدون تدخل من بشر، إنه أمر قدره الله وقضاه، وسيقع في الكون، كما سينزل عيسى بن مريم، وكما سيخرج الدجال، وكما سيظهر يأجوج ومأجوج، ألا وهو ظهور محمد بن عبد الله المهدي عليه السلام، ولقد بلغت الأحاديث في شأن المهدي مبلغ التواتر، ولو خرج علينا من ينكر هذه الأحاديث فقد خرج علينا من ينكر وجود الله أصلاً، وخرج علينا من رد أحاديث المهدي، وقد خرج علينا قبل ذلك من رد كثيراً من الأحاديث الصحيحة الثابتة عن رسول الله، لكن جمهور أهل السنة من علماء الأمة يقولون: إن الأحاديث في شأن محمد بن عبد الله المهدي قد بلغت مبلغ التواتر، والحديث المتواتر عند جماهير علماء السنة يفيد العلم القطعي، ومن ثم فالعلم به واجب، والعمل به لازم، وفي الحديث الصحيح الذي رواه أحمد في مسنده وغيره حديث علي رضي الله عنه قال: قال صلى الله عليه وسلم: (المهدي منا أهل البيت، يصلحه الله في ليلة) يعني: نستيقظ في صبيحة ليلة من الليالي؛ فيفتح أحدنا التلفاز، أو الإذاعة، أو يقرأ في الجرائد والمجلات، فيجد هذا الخبر قد تصدر كل وكالات الأنباء: خبر ظهور محمد بن عبد الله المهدي في بيت الله الحرام، يقول رسول الله صلى الله عليه وسلم كما في الحديث الصحيح الذي رواه أحمد وغيره من حديث حذيفة بن اليمان : (تكون النبوة فيكم ما شاء الله أن تكون، ثم يرفعها الله إذا شاء أن يرفعها، ثم تكون خلافة على منهاج النبوة، فتكون ما شاء الله أن تكون، ثم يرفعها إذا شاء الله أن يرفعها، ثم تكون ملكاً عاضاً، فيكون ما شاء الله أن يكون، ثم يرفعها الله إذا شاء أن يرفعها، ثم تكون ملكاً جبرياً، فتكون ما شاء الله أن تكون، ثم يرفعها الله إذا شاء أن يرفعها، ثم تكون خلافة على منهاج النبوة...) هذا وعد الصادق صلى الله عليه وسلم، وإن الأمة الآن تعيش مرحلة ملك جبري. وروى البزار والطبراني وأبو داود وابن حبان بسند صحيح من حديث أبي سعيد الخدري رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (لتملأن الأرض جوراً وظلماً، فإذا ملئت الأرض جوراً وظلماً يبعث الله رجلاً مني اسمه اسمي، واسم أبيه اسم أبي، فيملأ الأرض قسطاً وعدلاً، كما ملئت الأرض جوراً وظلماً، فلا تحبس السماء شيئاً من قطرها، ولا الأرض شيئاً من نباتها، يمكث فيكم سبعاً أو ثمانياً فإن أكثر فتسعاً).

    1.   

    علامة خروج المهدي عليه السلام

    وإن النبي عليه الصلاة والسلام أخبرنا بعلامة نبوية أكيدة إن وقعت علمنا أن هذا الذي خرج في مكة شرفها الله هو المهدي عليه السلام. وأما كيف نعرفه؟ فقد روى البخاري ومسلم من حديث عائشة رضي الله عنها قالت: (عبث رسول الله صلى الله عليه وسلم يوماً في منامه، فقلت: يا رسول الله! رأيتك صنعت شيئاً لم تكن تفعله -أي: إن الحركة هذه على غير عادتك -فجلس النبي صلى الله عليه وسلم وقال: العجب أن ناساً من أمتي يؤمون البيت الحرام -يعني: يقصدون البيت الحرام- لرجل من قريش عائذاً بالبيت، -يعني: ملتجئاً بالبيت- حتى إذا كانوا- يعني: الناس الذين خرجوا- ببيداء من الأرض -أي: في صحراء- خسف الله بهم) فهذه هي العلامة النبوية، وهي: الخسف، والسيدة عائشة الفقيهة البليغة تقول: (يا رسول الله! إن الطريق قد يجمع الناس، قال: نعم ، فيهم المستبصر والمجبور وابن السبيل، يهلكون مهلكاً واحدا،ً ويصدرون مصادر شتى، يبعثهم الله على نياتهم) فكل يبعث على نيته التي مات عليها، وفي رواية مسلم من حديث حفصة أم المؤمنين رضي الله عليها أنه صلى الله عليه وسلم قال: (يعوذ قوم من أمتي بالبيت -يعني: يلجئون إلى البيت- ليست لهم منعة -مساكين- ولا عدد ولا عدة، فيبعث إليهم جيش، حتى إذا كانوا ببيداء من الأرض خسف بهم) ، وفي رواية في صحيح مسلم: (فلا يبقى منهم إلا الشهيد -أي: إلا رجل أو رجلان- يدلان على ما حدث بالجيش، وما رآه كل منهما بعينه) . فهذه العلامة إن حدثت علم كل مسلم على وجه الأرض ممن يصدقون الحبيب صلى الله عليه وسلم أن الذي خرج هو محمد بن عبد الله المهدي عليه السلام، فحينئذ يخرج إلى المهدي كل مسلم قادر على الخروج إليه، ويبايعه كل من وصل إليه على القتال في سبيل الله؛ ليحصل النصر أو الشهادة، وحينئذ يعلن العالم كله الحرب على المهدي والموحدين معه، فيخوض المهدي عليه السلام ومعه الموحدون حروباً وينصر الله عز وجل المهدي ؛ فلا تهزم له راية، ولا يهزم في معركة بإذن الله تبارك وتعالى.

    1.   

    المعارك التي يخوضها المهدي

    وأما ما هي هذه المعارك؟ فالنبي عليه الصلاة والسلام يصف لنا هذه المعارك كأننا نراها الآن على شاشة التلفاز. فيقول صلى الله عليه وسلم كما في صحيح مسلم من حديث نافع بن عتبة: (تغزون جزيرة العرب فيفتحها الله، ثم تغزون فارس فيفتحها الله ثم تغزون الروم فيفتحها الله، ثم الدجال فيفتحه الله) وأول جيش يطلع على المهدي يطلع من جزيرة العرب، فينصر الله المهدي عليه، فيخرج إليه الجيش الثاني من فارس، إذا علموا أن الذي خرج ليس هو المهدي الذي ينتظرونه، فينصر الله المهدي والموحدين معه على هذا الجيش؛ ليخوض المهدي المعركة الثالثة وهي أخطر معارك التاريخ على ظهر الأرض! ألا وهي معركة المهدي والموحدين في الأرض مع الروم، والنبي صلى الله عليه وسلم يصف المعركة وصفاً عجيباً، ويبين أين ستقع؟ وهكذا اليوم الأول ماذا يكون فيه، واليوم الثاني والثالث؛ لأن أيام المعركة أربعة أيام. روى مسلم من حديث أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (لا تقوم الساعة حتى ينزل الروم بالأعماق أو بدابق) والأعماق ودابق: موضعان أو مكانان بين حلب في سوريا وأنطاكيا في تركيا، وانظر الآن إلى القواعد العسكرية في تركيا، وانظر إلى العلاقات المتوترة بين تركيا وسوريا، وانظر إلى العلاقة بين تركيا وبين دولة اليهود الصهاينة! وأيضاً فقد وضعت سوريا في قائمة الدول الراعية للإرهاب، ووضعت المنظمات الجهادية الإسلامية في فلسطين ضمن قائمة المنظمات الإرهابية! انظر إلى كلام الصادق، واعلم أن الذي يهيئ الكون؛ ليقع فيه ما أخبر به النبي صلى الله عليه وسلم هو الله جل وعلا، وهانحن نرى الأحداث تتلاحق بشكل عجيب في السنوات القليلة الماضية!

    قتال المهدي للروم

    قال صلى الله عليه وسلم: (لا تقوم الساعة حتى ينزل الروم بالأعماق أو بدابق، فإذا تصافوا للقتال قال الروم للمسلمين: خلوا بيننا وبين الذين سبوا منا نقاتلهم) أي: أن هناك من سيسلم من الأوروبيين، وسينضمون إلى صفوف الموحدين كما نرى الآن، ألا تعلم أن بعد أحداث (11) سبتمبر أسلم ما يزيد عن خمسة وعشرين ألفاً من الأمريكيين، ألا تعلم أنه لا توجد نسخة من المصاحف المترجمة إلى اللغة الإنجليزية والفرنسية والألمانية؛ لأنها قد نفدت من السوق، فالكل الآن متطلع ليتعرف على الإسلام؛ لأن زعماء العالم قد تحدثوا عن الإسلام، وعن عظمته، وعن سماحته، وعن براءته من الإرهاب والتطرف كبراءة الذئب من دم ابن يعقوب، فشاء الله عز وجل أن يسمع العالم كله عن الإسلام بما قدره تبارك وتعالى من أحداث، فيقول الروم للمسلمين: (خلوا بيننا وبين الذين سبوا منا نقاتلهم) أي: اتركوا لنا أولاً هؤلاء الذين تركوا صفوفنا وتركوا ديننا وذهبوا إليكم، (فيقول المسلمون: لا والله! لا نخلي بينكم وبين إخواننا، قال: فيقتتلون، فينهزم ثلث من المسلمين لا يتوب الله عليهم) لأنهم خونة ارتدوا وخانوا الله ورسوله والمؤمنين، (ويقتل ثلث هم أفضل الشهداء عند الله، ويفتح الثلث الأخير لا يفتنون أبداً). إذاً: يرتد ثلث لا يتوب الله عليهم أبداً، ويُقتل الثلث، وهم أفضل الشهداء عند الله، ويبقى ثلث المسلمين من كتائب التوحيد مع المهدي عليه السلام، وهؤلاء يمكن الله لهم، وينصرهم الله، ولا يفتنون أبداً، هم أولياؤه وأصفياؤه جل وعلا في الأرض كلها. وفي رواية أخرى في صحيح مسلم : أن رجلاً جاء إلى عبد الله بن مسعود ليس له ديدن إلا: يا عبد الله بن مسعود ! يا عبد الله بن مسعود ! جاءت الساعة جاءت الساعة؛ لأن ريحاً حمراء هاجت بالكوفة، فظن الرجل أن هذه الريح هي الريح التي تكون بين يدي الساعة، فكان ابن مسعود متكئاً فجلس، وانظر كيف العلماء! جلس بهدوء؛ لأنه يعلم أن للساعة أمارات وعلامات، فجلس ابن مسعود وقال: (لا تقوم الساعة حتى لا يقسم ميراث، ولا يفرح بغنيمة، ثم أشار بيده نحو الشام، وقال: عدو يجمعون لأهل الإسلام، ويجمع لهم أهل الإسلام، فقلت: الروم تعني؟! قال: نعم، وعند ذاكم القتال تكون ردة شديدة) قال عليه الصلاة والسلام: (فيقتتلون مقتلة عظيمة فيشترط المسلمون شرطة للموت لا ترجع إلا غالبة، فيقتتلون حتى يحجز بينهم الليل، هؤلاء وهؤلاء وكل غير غالب -أي: أن الحرب في أول يوم تكون سجالاً- فيشترط المسلمون في اليوم الثاني شرطة للموت لا ترجع إلا غالبة، فيقتتلون حتى يحجز بينهم الليل، فيرجع هؤلاء وهؤلاء كل غير غالب، فيشترط المسلمون في اليوم الثالث شرطة للموت لا ترجع إلا غالبة، فيقتتلون حتى يحجز بينهم الليل، فيرجع هؤلاء وهؤلاء كل غير غالب، حتى إذا كان اليوم الرابع نهد إليهم بقية أهل الإسلام -أي: نهضوا وتقدموا- فيجعل الله الدائرة على الروم، فيقتتلون مقتلة لم يُرَ مثلها، حتى إن الطائر ليمر بجنباتهم فما يخلفهم حتى يخر ميتاً -أي: لشدة نتنهم، ورائحة الجثث في أرض المعركة- وينظر أهل البيت كانوا مائة، فلا يجدون قد بقي منهم إلا الرجل الواحد، فبأي غنيمة يُفرح؟! وأي ميراث يقسم؟! فبينما هم كذلك إذا وقع بهم بأس هو أكبر من ذلك: إذا جاءهم الصريخ -أي: من يصرخ فيهم- لقد خلفكم الدجال في ذراريكم، قال: فيرفضون ما في أيديهم من الغنائم، ويبعثون عشرة فوارس طليعة) أي: ينظرون ما الذي وقع، وما الذي حدث، قال الصادق: (والله! إني لأعرف أسماءهم وأسماء آبائهم وألوان خيولهم، هم خير فوارس على ظهر الأرض يومئذ) هذا الثلث الذي لا يفتن أبداً هو الذي كتب الله له النصر، وهو الذي يخوض المعركة الرابعة، وهي كرامة من الله للموحدين وللأولياء الأصفياء، فيفتح الله عز وجل لهم القسطنطينية بلا قتال، روى الإمام مسلم في صحيحه أن النبي صلى الله عليه وسلم سأل الصحابة رضوان الله عليهم يوماً وقال: (هل سمعتم بمدينة جانب منها في البر وجانب منها في البحر؟ قالوا: نعم، يا رسول الله! قال: لا تقوم الساعة حتى يغزوها سبعون ألفاً من بني إسحاق ) أي: ممن أسلموا لله تبارك وتعالى، وشرفهم الله بالقتال مع كتائب التوحيد في الملاحم والفتن الأخيرة، قال صلى الله عليه وسلم: (لا تقوم الساعة حتى يغزوها -أي: مع الموحدين- سبعون ألفاً من بني إسحاق، فإذا جاءوها لم يقاتلوا بسلاح، ولم يرموا بسهم، وإنما قالوا: لا إله إلا الله، والله أكبر) وأظن أن من رأى الأحداث الأخيرة في أمريكا يصدق خبر الصادق صلى الله عليه وسلم؛ فبين غمضة عين وانتباهتها تغير الوضع من حال إلى حال! قال: (فإذا جاءوها لم يقاتلوا بسلاح، ولم يرموا بسهم، وإنما قالوا: لا إله إلا الله، والله أكبر، فيسقط جانبها الذي في البحر، ثم يقولون الثانية: لا إله إلا الله، والله أكبر، فيسقط جانبها الذي في البر، ثم يقولون الثالثة: لا إله إلا الله، والله أكبر فيفرج لهم، فيدخلونها فيغنمون... ).

    قتال المهدي لليهود

    وهؤلاء أيضاً هم الذين يخوضون المعركة الخامسة مع أشر أهل الأرض من اليهود، قال صلى الله عليه وسلم -كما في صحيح مسلم- : (لا تقوم الساعة حتى يقاتل المسلمون اليهود، فيقتلهم المسلمون، حتى يختبئ اليهود وراء الحجر والشجر) وهنا في هذه الأزمنة كثير من الناس يردد الحديث ولا يعلم وقته ولا زمانه، (لا تقوم الساعة حتى يقاتل المسلمون اليهود، فيقتلهم المسلمون، حتى يختبئ اليهودي وراء الحجر والشجر، فيقول الحجر والشجر: يا مسلم! يا عبد الله! -انظر إلى هاتين الكلمتين لا يقول: يا وطني! ولا يقول يا قومي! وإنما-: يا مسلم! يا عبد الله! ورائي يهودي تعال فاقتله، إلا الغرقد فإنه من شجر يهود) وبهذا يظهر الله دينه، ويهلك الله الملل كلها، ولا يبقي الله تبارك وتعالى في الأرض -كما وعد- إلا الإسلام، وبهذا الترتيب لهذه الأحداث بهذا الشكل نقول. قال الله تعالى: يُرِيدُونَ لِيُطْفِئُوا نُورَ اللَّهِ بِأَفْوَاهِهِمْ وَاللَّهُ مُتِمُّ نُورِهِ [الصف:8] وأود في ظل هذه الأزمة والأحداث الطاحنة، التي نرى فيها الدماء تسفك والأشلاء تمزق، أود أن أبشر إخواني وأخواتي بأنني أرى في هذه الأحداث خيراً عظيماً، وأرى فيها خيراً كثيراً، أنسيتم أن الله تعالى يقول لنبيه في حادثة مرت به، وهي حادثة الإفك التي رُمي فيها النبي صلى الله عليه وسلم في عرضه وشرفه! ورميت فيها عائشة الطاهرة في طهرها وعفتها وشرفها، أنسيتم أن الله قال لنبيه في هذه الحادثة: لا تَحْسَبُوهُ شَرًّا لَكُمْ بَلْ هُوَ خَيْرٌ لَكُمْ [النور:11]؟!

    1.   

    مبشرات للأمة

    وأقسم بالله أن ما يحدث الآن هو خير للأمة؛ لأن الله يربي الأمة من السماء بهذه الأحداث، وإن رأينا الدماء تسفك والأشلاء تمزق فإن الله تعالى يقول: إِنْ يَمْسَسْكُمْ قَرْحٌ فَقَدْ مَسَّ الْقَوْمَ قَرْحٌ مِثْلُهُ وَتِلْكَ الأَيَّامُ نُدَاوِلُهَا بَيْنَ النَّاسِ [آل عمران:140] وأنا أقول: لم أفهم حديث النبي صلى الله عليه وسلم الذي رواه الإمام أحمد والطبراني وغيرهما من حديث تميم الداري بسند صحيح أنه صلى الله عليه وسلم قال: (ليبلغن هذا الأمر -أي: هذا الدين- ما بلغ الليل والنهار ، ولا يتركن الله بيت مدر ولا وبر إلا أدخله الله هذا الدين، بعز عزيز أو بذل ذليل، عزاً يعز الله به الإسلام، وذلاً يذل الله به الكفر) ما فهمت هذا الحديث إلا بعد أحداث أمريكا ؛ لأنه لا يوجد الآن بيت على وجه الأرض إلا وقد سمع بالإسلام! لقد تحدث زعماء الأرض كلهم عن الإسلام، وعن سماحته، وعن عظمته، وعن براءته من الإرهاب، وعن براءته من التطرف، فسمع كل أهل الأرض بالإسلام، فما من بيت إلا ودخل فيه خبر الإسلام، وما من بيت إلا وسمع عن الإسلام، إنها إرادة الله عز وجل، إنه تقدير الله تبارك وتعالى، فهذا الدين وعد الله بإظهاره، وبهذا التسلسل الذي لابد وأن يقع، كما نرى الشمس طالعة في وضح النهار؛ لأن الذي أخبر بذلك هو الصادق، وما من شيء أخبر به إلا ووقع كما أخبر به صلى الله عليه وسلم.

    1.   

    واجب المسلمين ودورهم تجاه الأحداث الحالية

    مداخلة: واضح من كلامك أننا في غفلة عن أحاديث الرسول صلى الله عليه وسلم والأحداث المستقبلية، المشاهدون يتساءلون: ما هو دورنا نحن الآن؟! وبماذا تنصحنا أن نعمل؟ الشيخ: أولاً: أيها الأفاضل! يجب علينا جميعاً أن نجدد التوبة، وأن نتزود للآخرة، قال عز وجل: اقْتَرَبَ لِلنَّاسِ حِسَابُهُمْ وَهُمْ فِي غَفْلَةٍ مُعْرِضُونَ [الأنبياء:1]. وقال الشاعر: دع عنك ما فات في زمن الصبا واذكر ذنوبك وابكها يا مذنب لم ينسه الملكان حين نسيته بل أثبتاه وأنت لاهٍ تلعب والروح فيك وديعة أودعتها ستردها بالرغم منك وتسلب وغرور دنياك التي تسعى لها دار حقيقتها متاع يذهب الليل فاعلم والنهار كلاهما أنفاسنا فيها وتعد وتحسب فإلى متى هذه الغفلة؟! ومتى سنرجع إلى الله عز وجل؟! إن الله يهيئ الكون الآن لأحداث عظام، فيجب علينا جميعاً أيها الإخوة! وأيتها الأخوات! أن نتزود للآخرة، كما قال تعالى: وَتَزَوَّدُوا فَإِنَّ خَيْرَ الزَّادِ التَّقْوَى [البقرة:197]، ويجب أن نجدد التوبة والأوبة ، وأن نرجع إلى الله؛ لنلقى الله تبارك وتعالى على طاعة. ثانياً: يجب علينا أن نهتم بالعلم، وأن نسأل العلماء الربانيين المتمكنين في علم الشريعة في مثل هذه المسائل؛ لأن مثل هذه المسائل لا تقدم تقديماً عقلياً بعيداً عن النقل الصحيح، فيجب علينا أن نرجع إلى نبينا صلى الله عليه وسلم؛ لنفهم أحاديثه، ولنفهم هذه الأحاديث من خلال كلام الصحابة وأهل العلم الذين تبعوهم بإحسان إلى يومنا هذا. ثالثاً: أرجو ألا يظن أخ أو أخت ظناً خاطئاً، فيقول: إن الشيخ قد بشرنا بأن الجولة المقبلة للإسلام فلمَ العمل؟! وأقول: أنسيت أن الذي أخبرنا بكل ما أصلت لك هو النبي صلى الله عليه وسلم؟! ومع ذلك هل نام صلى الله عليه وسلم واستراح؟! بل قال له ربه: قُمْ فَأَنذِرْ [المدثر:2] فقام، ولم يذق طعم الراحة حتى لقي الله جل وعلا، فيجب عليك ويجب علينا جميعاً أن نعمل لدين الله، كل في موقع إنتاجه، وكل في موطن عطائه بحسب ما يستطيع وبقدر ما يقدر، قال صلى الله عليه وسلم: (إذا قامت القيامة وفي يد أحدكم فسيلة -شجرة صغيرة- فاستطاع أن يغرسها فليغرسها) ولا تقل: هذه فسيلة متى تكبر ومتى تنمو؟! والقيامة قد قامت فمن سيأكل منها؟! هذا ليس شأننا، وإنما عملنا أن نغرس لدين الله، وإذا قامت القيامة وفي يد أحدكم فسيلة فاستطاع أن يغرسها فليغرسها، ودع النتائج إلى الله تبارك وتعالى، فيجب علينا ألا نتكاسل، وألا نتوانى، وإنما يجب أن يدفعنا هذا الأمل للعمل، فإن أملاً بغير عمل هو أمل الجهلة السفهاء. رابعاً: يجب علينا أن نجدد الإيمان، فإن قال قائل: وهل الإيمان يحتاج إلى تجديد؟! فنقول: نعم، لأن الله قال: هُوَ الَّذِي أَنْزَلَ السَّكِينَةَ فِي قُلُوبِ الْمُؤْمِنِينَ لِيَزْدَادُوا إِيمَانًا مَعَ إِيمَانِهِمْ [الفتح:4] فأثبت لهم زيادة في إيمانهم إذا نزلت السكينة، وقال صلى الله عليه وسلم كما في مستدرك الحاكم بسند حسن من حديث عبد الله بن عمرو : (إن الإيمان ليخلق في جوف أحدكم كما يخلق الثوب -أي: كما يبلى الثوب- فاسألوا الله أن يجدد الإيمان في قلوبكم) وكيف أجدد الإيمان في قلبي؟ الجواب: بتعريض القلب إلى بيئة الطاعة، بالصلوات والزكوات، والصيام والحج والعمرة والصدقة، وزيارة المرضى والإحسان إلى الفقراء والإحسان إلى اليتامى، وقراءة القرآن والصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم والاستغفار، وكل عمل صالح يجدد الله عز وجل به إيمانك. أيضاً: يجب علينا جميعاً أن نهيئ أنفسنا، وأن نهيئ أجيالنا لهذه المراحل المقبلة، ويجب علينا أن نربي في بيوتنا نشئاً على علم بكلام الله وبكلام رسول الله صلى الله عليه وسلم، وأنا أتألم غاية الألم حينما أرى كثيراً من بيوت المسلمين لا تقدم لله تبارك وتعالى إلا الرديء الزاهد، فإذا رأى الوالد ولده ذكياً ألمعياً يقول: هذا الولد سيكون طبيباً. وهذا جميل، فنحن في حاجة إلى الأطباء المسلمين ، فإذا رأى الولد يكسر، يقول: هذا الولد سيكون مهندساً، الولد دماغه دماغ مهندس ، وهذا جميل، فنحن في حاجة إلى المهندسين وإلى العلماء في كل المجالات. لكن الذي يتألم له القلب: أنه إذا خرج الولد بليداً غبياً فتسمع من يقول: هذا لربنا، أو هو لله! أو سيكون شيخاً! فيجب علينا أن نقدم أولادنا جميعاً لله عز وجل، كما قال عز وجل عن امرأة عمران : رَبِّ إِنِّي نَذَرْتُ لَكَ مَا فِي بَطْنِي مُحَرَّرًا [آل عمران:35] قالت هذا أم مريم قبل أن تلد. فيجب علينا أن نربي أبناءنا، وأن نقدم أولادنا لله تبارك وتعالى، ونحن نرى الأم الآن على أرض فلسطين تقدم أولادها جميعا لله ثم للأقصى، وقد سمعنا ورأينا جميعاً الأم التي تقول: أنا عندي سبعة أولاد نذرتهم جميعاً لله ثم للأقصى. فنريد أن نربي أبناءنا، وأن نخرج جيلاً يفهم عن الله، ويفهم عن رسول الله؛ ليكون مؤهلاً لهذه الأحداث المقبلة؛ لأن الذي سيفتن في هذه الأيام المقبلة هو الجاهل بالله وبرسوله، الذي لم يحقق الإيمان وإن حصل أرقى الشهادات، لقد أخبرنا الصادق صلى الله عليه وسلم أن الذي سيفتن بـالدجال رجل جاهل بالله وبكلام رسوله، وأول ما يرى الدجال ويرى فتن الدجال التي تأخذ القلوب والأبصار، ويقول له الدجال: أنا ربك، فيقول له: لست ربي، فيظهر له الدجال شيطانين: الأول على صورة أبيه، والآخر على صورة أمه، فيقولان له: آمن به إنه ربك! فإذا رأى الشيطانين على هيئة أبويه آمن به، ويخر ساجداً له من دون الله، فيكفر والعياذ بالله! ولا يقرأ كلمة كافر التي على جبهة الدجال إلا المؤمن، حتى ولو كان المؤمن أمياً لا يستطيع أن يقرأ أو يكتب! فنحن نحتاج إلى علم بالله، وإلى علم برسول الله، وإلى علم بهذه الفتن وبهذه الأحداث، ثم نحول هذه العلم إلى عمل، ونستعد للآخرة بتجديد التوبة والأوبة إلى الله سبحانه وتعالى. وأسأل الله عز وجل بأسمائه الحسنى وصفاته العلى أن ينجينا وإياكم جميعاً من الفتن ما ظهر منها وما بطن، وأن يقر أعيننا جميعاً بنصرة الإسلام وعز الموحدين، وأن يشفي صدور قوم مؤمنين، وأن ينصر إخواننا، ويحفظ أهلنا في فلسطين، إنه ولي ذلك والقادر عليه. وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين، والحمد لله رب العالمين.

    مكتبتك الصوتية

    أو الدخول بحساب

    البث المباشر

    المزيد

    من الفعاليات والمحاضرات الأرشيفية من خدمة البث المباشر

    عدد مرات الاستماع

    3086718663

    عدد مرات الحفظ

    756229968