إسلام ويب

سلسلة إيمانية - حق الزوجللشيخ : محمد حسان

  •  التفريغ النصي الكامل
  • لقد أمر الله سبحانه وتعالى المرأة بطاعة زوجها، وحرم عليها عصيانه ومخالفة أمره، وأوجب له عليها حقوقاً من أعظمها: حسن الخلق، وطيب العشرة، ولقد قرن الشارع الحكيم طاعة المرأة لزوجها بالصلاة والصيام وإحصان الفرج، ورتب على ذلك الجزاء العظيم وهو دخول الجنة، أما العقوبة العظيمة فهي غضب الرب سبحانه عند عصيانه ومخالفة أمره، فعلى المرأة أن تدرك واجبها تجاه زوجها وأن تقوم به خير قيام.

    1.   

    حقوق الزوج على زوجته

    الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد، وعلى آله وأصحابه أجمعين. وبعد: فحياكم الله جميعاً أيها الإخوة الفضلاء! وأيتها الأخوات الفاضلات! وأسأل الله سبحانه وتعالى أن يجمعنا في الدنيا على طاعته، وفي الآخرة في جنته، إنه ولي ذلك والقادر عليه. بالفعل لقد وفينا حق الزوجة في اللقاء الماضي، وبدأنا به تأدباً منا بأمر نبينا صلى الله عليه وسلم: (استوصوا بالنساء خيراً)، ونحن اليوم على موعد مع حق الزوج، ويجب على كل زوجة مسلمة أن تفتح قلبها قبل أن تفتح أذنها؛ لتتعرف على حق زوجها عليها إن كانت تريد رضوان الله عز وجل عليها في الدنيا والآخرة، فسفينة الحياة الزوجية التي تخوض بحر الحياة بسكينة وهدوء، يقودها حتماً زوج صالح، وتقف وراءه وإلى جنبه في آن واحد زوجة صالحة عاقلة، بل دعني أؤكد أن السكن والاستقرار والأمن النفسي وراحة البال؛ وراءه زوجة صالحة عاقلة وفية، عرفت حق الله سبحانه وتعالى، وعرفت حق النبي صلى الله عليه وسلم، ثم بعد ذلك عرفت حق زوجها.

    حسن الخلق والعشرة الطيبة

    إن أول وأعظم حق للزوج على زوجته: أن تكون الزوجة حسنة الخلق والعشرة مع زوجها، فحسن الخلق من الزوجة بلسم يداوي كل الجراح، ودواء لكل داء يصيب الحياة الزوجية من آن لآخر. من حسن العشرة الكلمة الطيبة .. إلجام اللسان عن الكلمة البذيئة .. الكف عن الجدال والمراء والمناقشة الصاخبة بصوت مرتفع .. الكف عن العناد .. الكف عن تكسير طلبات وأوامر الزوج بسبب وبدون سبب. هذا من حسن العشرة، وإلا فما قيمة جمال المرأة، وما قيمة شهادتها العلمية، وما قيمة نسبها، إن كانت لا تحسن المعاملة الطيبة مع الزوج .. إن كانت لا تحسن الخلق الحسن مع الزوج، والنبي صلى الله عليه وسلم يعلمنا، كما في الحديث الصحيح الذي رواه الترمذي وابن حبان وغيرهما من حديث أبي الدرداء ، قال صلى الله عليه وسلم: (ما من شيء أثقل في ميزان المؤمن يوم القيامة من حسن الخلق). وكذلك المؤمنة، فكل حكم للرجل هو في نفس الوقت حكم للمرأة المسلمة، ما لم يأتِ دليل خاص يبين أن هذا الحكم للرجل وحده أو للمرأة وحدها. وفي الحديث الذي رواه أبو داود وابن حبان وغيرهما بسند صحيح، من حديث عائشة رضي الله عنها، أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (إن المؤمن ليدرك بحسن خلقه درجة الصائم القائم). فأول حق للزوج على زوجته: أن تعامله معاملة كريمة، وأن تحسن عشرته، والتخاطب معه، وأن تحسن الرد عليه، فقد تعكر الزوجة صفو البيت، ولا يجد الزوج في بيته سكينة ولا سكناً ولا راحة ولا هدوءاً؛ لأن الزوجة تعكر عليه صفو هذا البيت بردودها .. بسوء خلقها .. بلسانها، فاللسان خطير، بل ربما تتقدم الزوجة لتعتذر -كما سأبين إن شاء الله تعالى- للزوج، فتعتذر بأسلوب منفر، يستشعر فيه الزوج الكبرياء والخيلاء، وأنها لا تريد أن تتنازل أبداً، وتتعامل معه كأنها تتعامل مع شخص غريب، أو أنها تتعامل مع ند أو نظير أو مثيل أو شبيه لها، وهذا لا يجوز أبداً. إذاً: أول حق للزوج على زوجته: أن تعامله معاملة كريمة طيبة، وأن تكون حسنة الخلق .. حسنة العشرة.

    الرضا والقناعة

    مقدم البرنامج: نحن في عصر كثرت فيه الملهيات من تلفاز ودش وغيرها من مظاهر الحياة الصاخبة، وكثرت مطالب الزوجات بتوفير هذه الأشياء وغيرها، والزوج يلاقي من المرأة ضغوطاً بسبب ذلك، فما الحل؟! الشيخ: الرضا كنز ثمين، ولن تشعر الزوجة بالسعادة ولا بالراحة مع زوجها إن كان فقيراً أو متواضعاً في جماله أو ماله أو وجاهته أو جاهه أو علمه، لن تشعر الزوجة بالسعادة ولا بالطمأنينة إلا بالرضا، فالرضا كنز ثمين، وهذا من حق الزوج على زوجته، فالأيام دول، فكم من زوج كان غنياً فأصبح فقيراً؟! وكم من زوج كان قوياً فأصبح ضعيفاً؟! وكم من زوج كان صحيحاً فأصبح مريضاً؟! إن الزوجة الصالحة تعلم يقيناً أن كل شيء بقدر، وتتضرع إلى الله سبحانه وتعالى أن يرزقها الرضا، وترضى بما قسم الله عز وجل لها، فإن النبي صلى الله عليه وسلم يقول -كما في الحديث الذي رواه مسلم من حديث عبدالله بن عمر-: (قد أفلح من رزق كفافاً، وقنّعه الله بما آتاه). أيها الأحبة: القناعة والرضا كنز لا يفنى، فلا تنظر الزوجة إلى من منّ الله عز وجل عليهم من أموال وعمارات ووجاهات، فهذه أرزاق قسمها الله بين خلقه وعباده، بحكمته وعدله سبحانه وتعالى؛ لذلك يأمرنا النبي صلى الله عليه وسلم حتى لا نشعر بشيء من الهم والحزن. يأمرنا أن ننظر في أمر الدنيا إلى من هو أسفل منا، ويأمرنا أن ننظر في أمر الدين إلى من هو أعلى منا، فقال صلى الله عليه وسلم، كما في الصحيحين من حديث أبي هريرة : (انظروا إلى من هو أسفل منكم في أمر الدنيا، وانظروا إلى من هو أعلى منكم في أمر الدين؛ فإنه أجدر أن لا تزدروا نعمة الله عز وجل). فالزوجة الصالحة عليها بالرضا لتشعر بالسعادة، فالرضا يذهب الهموم والأحزان والآلام، بل ويوسع العيش إن كان العيش ضيقاً، ويوسع البيت إن كان البيت ضيقاً. وأنا لا أقصد المعنى المادي، وإنما أقصد المعنى المعنوي، فالسعة والضيق لا تكون في المكان، وإنما تكون في الصدور، فإذا شعرت الزوجة بالرضا وبالطمأنينة، ورضيت بما قسم الله عز وجل لها، عاشت وزوجها في سعادة، وشعر الزوج هو الآخر بسعادة غامرة مع زوجة راضية رضية، تقبل أي شيء، ولا تدفعه دفعاً إلى الحرام من أجل أن يأتي لها بكل ما تحتاج إليه من رغبات ولو هذه الرغبات خارجة على قدراته وطاقاته. كم من زوجة تدفع زوجها إلى الحرام من أجل أن يوفر لها المال ليأتي لها بكماليات قد لا تحتاج إليها؟! وكم من زوجة تحول بين زوجها وبين الحرام برضاها وقناعتها وبغضها للحرام! وتقول له: يا أبا فلان! اتق الله فينا، لا تدخل علينا الحرام أبداً، فإن الحرام يدخل إلى الحلال ليبعثره، ولو كان قليلاً. وترضى الزوجة بما قسم الله عز وجل؛ فتعيش سعيدة آمنة مطمئنة، ويعيش الزوج هو الآخر في غاية السعادة والرضا مع هذه الزوجة، التي تذوقت طعم الرضا وحلاوته .. فالرضا يوسع العيش إن كان ضيقاً. انظري أيتها الزوجة إلى من حرمت من الزوج .. إلى من حرم من الأولاد، إلى من حرم من البيت، إلى من حرم من الصحة والعافية، فما دام الله سبحانه وتعالى قد رزقك زوجاً، وقد رزقك بيتاً يؤويك، وقد رزقك أولاداً؛ فاحمدي الله سبحانه وتعالى على هذه النعم التي حرم منها كثير من الناس، قال الله عز وجل: وَآتَاكُمْ مِنْ كُلِّ مَا سَأَلْتُمُوهُ وَإِنْ تَعُدُّوا نِعْمَةَ اللَّهِ لا تُحْصُوهَا إِنَّ الإِنسَانَ لَظَلُومٌ كَفَّارٌ [إبراهيم:34]. فالزوج يعيش سعيداً غاية السعادة، وتستطيع الزوجة أن تفتح قلب الزوج، بل تستطيع أن تملك قلب الزوج إن أشعرته بأنها راضية بما قسم الله سبحانه وتعالى. إن الرضا بقضاء الله وقدره من أعظم نعم الله سبحانه وتعالى على الزوج والزوجة على السواء، وأصول الرضا أن يقول العبد للرب سبحانه: يا رب! إن أعطيتني قبلت، وإن منعتني رضيت، وإن تركتني عبدت، وإن دعوتني أجبت.

    الوفاء مع الزوج

    مقدم البرنامج: الرسول صلى الله عليه وسلم أخبرنا أن أكثر أهل النار النساء؛ وذلك بأنهن يكفرن العشير، فما معنى يكفرن العشير؟ الشيخ: إنه عكس الوفاء، ما أحلى الوفاء، وما أجملها وأروعها من كلمة، وهذا هو الحق الثالث للزوج المسلم على زوجته المسلمة، أن تكون زوجته وفية، فقد يصير الزوج الغني فقيراً، وقد يصير الزوج القوي ضعيفاً، وقد يصير الزوج الصحيح مريضاً، ويذهب مرضه وتذهب همومه وأحزانه وآلامه إذا وجد زوجة وفية تقف إلى جواره، لا تنسى ما كانت تعيش فيه معه من نعيم، فتشعره بأن الأيام دول، وتبين له أن الدنيا إلى زوال، وكما أنعم الله عز وجل علينا فإنه يختبرنا، والله سبحانه وتعالى يقول: وَنَبْلُوكُمْ بِالشَّرِّ وَالْخَيْرِ فِتْنَةً [الأنبياء:35]، ويقول: اعْلَمُوا أَنَّمَا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا لَعِبٌ وَلَهْوٌ وَزِينَةٌ وَتَفَاخُرٌ بَيْنَكُمْ وَتَكَاثُرٌ فِي الأَمْوَالِ وَالأَوْلادِ كَمَثَلِ غَيْثٍ أَعْجَبَ الْكُفَّارَ نَبَاتُهُ ثُمَّ يَهِيجُ فَتَرَاهُ مُصْفَرّاً ثُمَّ يَكُونُ حُطَاماً وَفِي الآخِرَةِ عَذَابٌ شَدِيدٌ وَمَغْفِرَةٌ مِنْ اللَّهِ وَرِضْوَانٌ وَمَا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا إِلاَّ مَتَاعُ الْغُرُورِ [الحديد:20]. تذكّره بأن المال ظل زائل، وعارية مسترجعة ما دام أن ربنا سبحانه وتعالى قد منّ عليها بنعمة الدين ونعمة الإيمان، ونعمة الأولاد، وما دام الله عز وجل قد منّ عليها بقلب حي شاكر، وبلسان ذاكر، وما دام الله عز وجل قد رزقها الرضا، ورزقها زوجاً ما بخل عليها يوماً مما أعطاه الله .. كل هذه المعاني تحول ألم الزوج العضوي والنفسي إلى راحة، يشعر أنه في هذا البيت في واحة غنَّاء، يستشعر قيمة الوفاء وعظمته إذ رأى في هذه الهموم والأحزان زوجته وفية له، ولا تتنكر لفضله ولعطائه، ولم تنسَ قوته يوم كان قوياً، ولم تنسَ غناه يوم كان غنياً، ولم تنسَ رجولته وفحولته وإن حبسه المرض الآن، لم تنسَ كل هذا، فترد الزوجة بهذا الوفاء لزوجها كل معنى جميل، وتذكره بكل المعاني الجميلة، فيستشعر الزوج أصالة هذه الزوجة. إن مما يحطم أي زوج ويقصم ظهره إذا كان كريماً مع امرأته سخياً في كل شيء، في كل لون من ألوان الحياة، إن تبدلت به الأيام وتحول الغنى إلى فقر، والقوة إلى ضعف، والصحة إلى مرض فإذا بامرأته هي الأخرى قد تحولت مع هذا التحول الخطير فتكون القاصمة. قد لا يتأثر الزوج بكل ما سبق بقدر ما يتأثر إذا تغيرت زوجته هي الأخرى فتنسى كل صور الإحسان! انظر إلى هذه الصورة التي تناقض تماماً صورة الوفاء، فلا يشعر الزوج بشيء من الأمان، ويفقد الثقة في كل شيء؛ لأنه لم يجد هذا الوفاء وهذه الثقة في أقرب الناس إليه .. فيمن منحها كل ما يملك، من حب ووفاء وعطاء وسخاء ورجولة وبذل، فتتنكر له وتنسى كل شيء. انظر بهذه النظرة لحديث رسول الله صلى الله عليه وسلم كما في الصحيحين من حديث زينب قالت: (خطبنا رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: إني رأيت النار ورأيت أكثر أهلها النساء. قالوا: يا رسول الله، يكفرن بالله؟ قال: بل يكفرن العشير، ويكفرن الإحسان). أود من أحبابنا الذين ينظرون إلى الأحاديث النبوية نظرة عقلية متجردة، أن ينظروا إلى هذا الحديث من هذا المنظور، وأود أن لو خاطب كل واحد منهم نفسه بهذا الخطاب الذي ذكرت، ماذا يقول لو أعطى امرأته كل ما يملك ولم يبخل عليها بشيء، وفي لحظة من اللحظات لما تداولت به الأيام، وتحول غناه إلى فقر، وقوته إلى ضعف، ورأى امرأته هي الأخرى تتنكر له، وتنسى كل صور الإحسان التي بذلها إليها قبل ذلك؟! أرجو أن ينظر إلى حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم بهذا المنظور؛ حتى لا يرد أحد حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم بمجرد النظرة العقلية المجردة، ( يكفرن العشير، ويكفرن الإحسان)، فالمرأة التي تكفر العشير وتكفر الإحسان امرأة لم تذق طعم الوفاء، ولم تعرف شيئاً عن الوفاء، وإن لم تتب إلى الله سبحانه وتعالى فهذا مصيرها الذي أخبر عنه سيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم، وهو الصادق الذي لا ينطق عن الهوى. لماذا يكفرن العشير ويكفرن الإحسان؟ قال: ( لو أحسنت إلى إحداهن الدهر ثم رأت منك شيئاً قالت: ما رأيت منك خيراً قط)؛ إنه اللؤم .. إنه خلق قبيح ذميم، يقصم ظهر أي زوج لكن إذا رأى الزوج زوجته وفية كريمة، صاحبة أصل كريم؛ فإنها تذهب آلامه وأحزانه، وتضمد جراحه. نسأل الله عز وجل أن يرزقنا جميعاً الوفاء.

    1.   

    صور من طاعة الزوجة لزوجها وضوابطها

    مقدم البرنامج: هناك أزواج كثيرون يفهمون أن طاعة الزوجة طاعة مطلقة في كل ما يطلبه الزوج، حتى ولو كانت الطاعة في معصية الله سبحانه وتعالى، فهل الزوجة لها حق في أن ترفض هذه الطاعة المطلقة؟ الشيخ: طاعة الزوجة لزوجها واجب عليها، وهو حق مطلق للزوج ما دام لم يأمرها الزوج بمعصية الله جل وعلا، لكن الحياة الزوجية تنبني على المودة والرحمة، فيجب على الزوج بالمقابل إذا أمر زوجته أن يأمرها بأسلوب مؤدب، وبالخلق الذي تعلمناه من رسول الله صلى الله عليه وسلم، وأنا أقول: شتان بين زوج يطلب من زوجته ما يريد بأسلوب يجبر به الزوجة أن تفعل له ما يريد بنفس راضية، وبين زوج آخر يصدر الأوامر لامرأته، وكأنه يسوق أمامه أمة من الإماء؛ فلا تقبل الزوجة، فينطلق الزوج ليشكو زوجته بعد ذلك. أقول: إن طاعة الزوج واجبة على الزوجة، وحق للزوج على زوجته ما لم يأمرها بمعصية الله، وأود أن أهمس في آذان أحبابنا من الرجال والأزواج وأقول: الزوج العاقل هو الذي يعلم الوقت الذي يأمر فيه زوجته فتطيعه. اختر الوقت فهذه مسألة في غاية الأهمية، فلا تأتِ في وقت ترى فيه الزوجة غاضبة ومنفعلة ثم تصدر لها الأوامر، افعلي كذا وكذا وكذا وإلا فأنت طالق، فهذا أسلوب لا يمكن على الإطلاق أن يضمن للحياة الزوجية السعادة والأمن والهدوء والاستقرار، بل ربما ينفعل الزوج على امرأته لأتفه الأسباب. وأود أن أحذر بأن أخطر ما يحدث في كثير من بيوت المسلمين: أن يشهر الزوج سيف الطلاق لأي خطأ، ولأي تقصير من الزوجة. إذاً: يجب على الزوجة أن تطيع زوجها ما لم يأمرها بمعصية الله سبحانه وتعالى، والنبي صلى الله عليه وسلم يقول كما في الحديث الصحيح الذي رواه ابن حبان والطبراني وغيرهما، من حديث أبي هريرة رضي الله عنه، قال صلى الله عليه وسلم: (إذا صلت المرأة خمسها، وصامت شهرها، وحصنت فرجها، وأطاعت زوجها؛ قيل لها يوم القيامة: ادخلي من أي أبواب الجنة شئت). ودعنا نكرر الحديث مرة ثانية لجلاله وجماله، فلتستمعي أيتها الزوجة الفاضلة لسيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم: (إذا صلت المرأة خمسها) حافظي على الصلاة، ولا تضيعي الصلاة لأي سبب، ولو كان لإعداد الطعام لزوجك، فحق الله عز وجل مقدم على حق الزوج، ولا ينبغي أن تعتذر الزوجة بتأخير الصلاة بدعوى أنها تعد الطعام للزوج وللأولاد، لا، بل تقدم حق الله سبحانه وتعالى. (إذا صلت المرأة خمسها، وصامت شهرها) ما لم يكن عندها عذر شرعي معلوم. (وحصنت فرجها) حفظت نفسها من الوقوع -والعياذ بالله- فيما يغضب الله جل وعلا. (وأطاعت زوجها) أي: في غير معصية الله. ( قيل لها يوم القيامة: ادخلي من أي أبواب الجنة شئت).

    الطاعة في فراش الزوجية

    ومن أعظم صور الطاعة التي يجب على الزوجة المسلمة أن تحققها لزوجها: إذا أمرها أن تأتيه لفراش الزوجية أن تطيعه، كم من الرسائل والشكاوى والاتصالات والأسئلة، يشكو فيها كثير من الأزواج امتناع الزوجات عن الفراش، قد تتدلل الزوجة على زوجها بالامتناع، وهذا حرام، وقد تمتنع لتجبر الزوج على أن يفعل لها أمراً تريده، أو على أن يقدم بالطلب الذي طلبته منه، وهذا حرام لا يجوز للزوجة المسلمة أن تفعله، يقول النبي صلى الله عليه وسلم: (أيما امرأة دعاها زوجها إلى فراشه فأبت؛ باتت والذي في السماء غاضب عليها حتى يرضى عنها زوجها). مقدم البرنامج: حتى لو كانت مريضة أو مرهقة؟ الشيخ: لا، وهذا تنبيه جميل ومداخلة هادفة، وأود أيضاً أن أبينها للزوج، فإن كثيراً من الأزواج قد لا يعذر امرأته لأي سبب، وهذا أيضاً من الظلم، فينبغي على الزوج المسلم أن يكون عادلاً منصفاً، فإذا رأى الزوج امرأته مريضة بالفعل، ولا تتعذر لتدلل أو لأي أمر من الأمور التي ذكرت؛ وإنما تمتنع لأنها لا تستطيع ذلك، فيجب على الزوج أن يعذر امرأته، وأن يعاملها بالرحمة. وقد بينت أن الحياة الزوجية تنبني على الحب والرحمة، فإذا ذبلت وردة الحب فتبقى الرحمة لتظلل سماء البيوت لتستمر الحياة، فيرحم الزوج زوجته وترحم الزوجة زوجها، لكن لا ينبغي للزوج أن يقف لامرأته وقفة شديدة، فليست هذه هي أخلاق الرجال، فضلاً عن أخلاق الأزواج المسلمين الصالحين الذين ينطلقون في حياتهم الزوجية امتثالاً لرب العالمين، ولأمر سيد المرسلين صلى الله عليه وسلم. إذاً: من أعظم حقوق الزوج على زوجته: أن تطيع الزوجة المسلمة زوجها في كل ما يطلبه منها ما لم يأمرها بمعصية الله سبحانه وتعالى بالضوابط والشروط التي ذكرت بعضها الآن. مقدم البرنامج: قلت: إن على الزوجة أن تطيع الزوج في غير معصية الله، فما حدود هذه الطاعة وضوابطها؟ الشيخ: نعم، يقول النبي صلى الله عليه وسلم كما في الصحيحين من حديث أبي هريرة رضي الله عنه: (لا يحل لامرأة أن تصوم إلا بإذن زوجها) والمراد بالصيام هنا: صيام النفل، وليس صيام الفريضة (ولا يحل لها أن تدخل بيته إلا من يريد)، لا يحل للزوجة أن تدخل أو أن تأذن في بيته إلا لمن يريد الزوج فقط، فطاعة الزوجة لزوجها مطلقة في غير معصية الله سبحانه وتعالى. أي: إذا طلب الزوج من امرأته معصية كأن طلب أن يأتيها في غير ما أمر الله عز وجل فلترفض، ورفضها ذلك ليس معصية للزوج؛ لأنها طاعة لله سبحانه وتعالى، وإن طلب الزوج من امرأته أن تعري جسدها فلترفض، ورفضها ذلك ليس معصية للزوج بل هو طاعة لله جل وعلا. مقدم البرنامج: حتى لو هددها بالطلاق؟ الشيخ: هذه مسألة ينبغي على الزوجين أن يعرضاها بعينها على رجل من أهل العلم؛ ليقدر المسألة تقديراً دقيقاً، وليوازن موازنة دقيقة بين المفاسد والمصالح، وتكون الفتوى هنا فردية وليست جماعية، فنحن نتكلم بصفة عامة، وأنه لا يجوز أبداً للزوج أن يأمر زوجته بمعصية الله ولو قلَّت، ولو عصت الزوجة زوجها في هذا الأمر الذي هو مخالف لأمر الله ورسوله؛ فليست بذلك عاصية لله ولا عاصية لزوجها، وإنما هي مطيعة لله ورسوله صلى الله عليه وسلم.

    الاعتذار عند الخطأ

    ومن صور الطاعة أيضاً: إن غضب الزوج فعلى الزوجة الوفية إن كان الخطأ منها، وكان هذا الخطأ سبباً في غضب الزوج أن تعجل وتبادر بالاعتذار بأسلوب جميل حتى يستشعر منه الزوج الأسف والندم الحقيقي، ولا يستشعر فيه الكبرياء والاستعلاء، أو أنها تريد أن تحصل حصيلة فقط، ولا يعنيها أن يرضى أو لا يرضى، فهذا الفعل منها ربما يغضب الزوج بسببه غضباً يفوق غضبه الأول، فإن كان الخطأ من الزوجة وكان هذا الخطأ سبباً في غضب الزوج؛ فلتبادر الزوجة بتواضع ورفق، فهذا زوجها وأقرب الناس إليها، بل ربما لا تستطيع المرأة أن تتجرد من ثيابها أمام أمها بعد الزواج وأمام أبيها، لكنها تعطي كل شيء وكل ما تملك لزوجها، وهذا هو الذي قال الله فيه: هُنَّ لِبَاسٌ لَكُمْ وَأَنْتُمْ لِبَاسٌ لَهُنَّ [البقرة:187]، هذا هو الميثاق الغليظ بين الزوج وزوجه، فالعلاقة الزوجية علاقة لا يستطيع عالم مهما أوتي من البلاغة والأدب والفصاحة والبيان أن يصفها؛ لأنها علاقة في غاية السمو .. في غاية الرقة. إذاً: إن أخطأت الزوجة وأغضبت زوجها، فلتبادر بالاعتذار بأسلوب رقراق جميل، يستشعر منه الزوج فعلاً أن الزوجة حزينة لما بدر منها، أما إذا كان الخطأ من الزوج نفسه، وأنا أتصور أن الزوجة العاقلة المسلمة إن أخطأ الزوج لا تعاتبه في وقت غضبه؛ لأنها ستخسر القضية مرتين، لكن فلتصبر، بمعنى: أن تترك له المكان، وأن تخرج من الغرفة التي دار الحوار فيها واشتد وأخطأ الزوج بهذه الكلمات في حق زوجته، فلتترك المكان ولتنتظر قليلاً، وأنا على يقين أن الزوج إن كان مسلماً منصفاً عاقلاً فإنه بعد قليل جد سيراجع نفسه؛ لأن المؤمن سريع الغضب سريع الرضا، يغضب سريعاً ويرضى سريعاً، فسرعان ما يرجع هذا الزوج المسلم الوفي العاقل إلى زوجته بكلمات رقيقة: سامحيني يا أم فلان. وإن عاد الزوج مغضباً وهي لا تعرف ما السبب، فعلى الزوجة العاقلة أن لا تتعمد وأن لا تلح على زوجها لتعرف سر غضبه، وما الذي حصل؟ لأن هذه الأسئلة ربما تزعجه وتغضبه، بل وربما تكون هذه الأسئلة بهذا الطرح سبباً جديداً من أسباب غضبه وانفعاله على الزوجة مرة أخرى، ولتتعلم الزوجة المسلمة العاقلة من أم المؤمنين خديجة رضي الله عنها، يوم أن عاد إليها سيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم يرتعد ويرتجف جسده: (زملوني زملوني)، (دثروني دثروني)، بعدما عاد من الغار ونزل عليه جبريل بأولى كلمات السماء: (اقرأ)، فغطته ودثرته، ولم تتكلم حتى استيقظ رسول الله صلى الله عليه وسلم من نومه وهدأت نفسه، واستقرت جوارحه، وبدأ يقص هو عليها ما حدث، يقول: (إني خشيت على نفسي يا خديجة، تقول له: كلا، والله لا يخزيك الله أبداً). فـخديجة رمز الوفاء، وسكن سيد الأنبياء، فيجب على كل مسلمة أن تتعلم من هذه القمة الشامخة، ومن زوجات رسول الله صلى الله عليه وسلم، ومن الصالحات في كل زمان وفي كل حين, وأمة النبي صلى الله عليه وسلم أمة معطاءة، لا تخلو أبداً من هذا الفضل والخير والنساء الصالحات القانتات المؤمنات. إذا كات الزوجة لا تعرف سر غضب زوجها فلتصبر قليلاً، حتى إذا هدأ فسيبدأ هو بنفسه؛ لأنه في أمس الحاجة إلى من يخاطبه ويحدثه، ويريد أن يتحدث مع نفسه، وأنتِ نفسه إن استشعر الزوج في زوجته العقل وسداد الرأي فإنه يأنس جداً بالحديث إليها، بل ويخرج لها كل ما في جوفه، وكل ما في صدره، ويبثها همومه وأحزانه وأشجانه وآلامه؛ لأنه ينتظر منها الكلمة الوقورة الهادئة الهادفة التي تبدد كثيراً من أحزانه وهمومه وآلامه. تصوري لو أن زوجاً حدث بينه وبين رئيسه في العمل إشكال، وعاد إلى زوجته وهو مهموم، ودخل إلى فراشه، فصمتت واستقبلته بكلمات طيبة وابتسامة حانية، وتركته حتى ينام، ثم استيقظ من نومه فوجدها قد أعدت له طعامه وشرابه الذي يحب أن يشربه، ثم جلست إليه وقد هيأت نفسها بثوبها الحسن وطيبها الجميل، وجلست إلى جواره في لحظات تشعر فيها أنه قد استقر، وقالت له: يا أبا فلان! ما لي أراك مهموماً حزيناً؟ فسيبدأ الزوج في إخراج كل ما عنده. هذه هي حدود الطاعة للزوج. وأسأل الله سبحانه أن يرزق الأزواج والزوجات الطاعة، إنه ولي ذلك والقادر عليه.

    حكم طاعة الزوجة في منع أهلها من دخول بيت زوجها

    مداخلة: لو أن الزوج -مثلاً- وقع في مشاحنة مع أهل الزوجة، وطلب منها أن لا تدخلهم بيته: هل امتثالها لأمره يكون طاعة؟ الشيخ: يجب على الزوجة في هذه الحالة أن تطيع زوجها، ولو وجد الزوج في زوجته الطاعة في الصورة الودودة المشرقة التي ذكرت؛ فسيتغير حتماً إن شاء الله، ولكن لا يجوز للزوج في هذه الحالة أن يمنع زوجته من أن تذهب إلى أهلها، وإن امتنع هو عن زيارة أهلها، فليس من حقه أن يحول بينها وبين أهلها؛ لأن هذه قطيعة رحم، ولا يقبل الزوج المسلم لنفسه أبداً أن يكون قاطعاً للرحم.

    أهمية تجمل الزوجة وتطيبها لزوجها في دوام المحبة والألفة

    مقدم البرنامج: الأزواج يقولون: إن الزوجة في بداية الزواج كان منظرها جميلاً ورائحتها طيبة ولطيفة، لكن بعد الزواج بفترة لم تعد تهتم بجمالها ولا بنظافتها فما رأيكم في هذا؟ الشيخ: هذا أيضاً من أعظم حقوق الزوج على زوجته، فينبغي أن تكون الزوجة باستمرار متجملة متطيبة؛ فالأنوثة والزينة والطيب من آكد حقوق الزوج على زوجته، وقد ذكرت أن الزوجة قد تقول: زوجي لن يطلقني، فنقول: لا، ولو لم يطلق فإنه قد يهجر البيت، فكم من الأزواج يشكون من هذا، لأن الزوجة تظن أنه بمجرد أنه صار زوجاً فهو لا يحتاج أن تتزين له أو تتطيب أو تتجمل، وبالفعل فإن كثيراً من المسلمات لا تضع الزينة ولا تضع الطيب إلا إذا أرادت أن تخرج، ولا حول ولا قوة وإلا بالله، وإذا ما جلست مع زوجها في البيت لا يراها دوماً إلا بثياب المطبخ، أو بثوب عادي تنبعث منه رائحة الثوم والبصل، فيتألم الزوج، مع أن المرأة قد جبلت أصلاً على حب الزينة، يقول سبحانه: أَوَمَنْ يُنَشَّأُ فِي الْحِلْيَةِ وَهُوَ فِي الْخِصَامِ غَيْرُ مُبِينٍ [الزخرف:18]، جبلت المرأة على حب الزينة والجمال، وهذا أمر فطري، فتصر المرأة أن تعكس هذه الفطرة فلا تتزين لأقرب الناس إليها، الذي يجب عليها أن تتزين له في كل وقت وحين، والرسول صلى الله عليه وسلم يقول: (إن الله جميل يحب الجمال). قد تقول لي زوجة الآن: يا أخي! أنا لا أملك الثياب، ولا أملك الطيب والعطور، أنا امرأة فقيرة، فأقول: يا أختاه! والله ما كانت الزينة والجمال بهذا الثراء، فقد تظهر الزوجة لزوجها بثوب متواضع لا يزيد ثمنه عن عشرين جنيهاً، لكنه جميل، مكوي معطر مطيب يظهر جمالها، تظهر بتسريحة جميلة لشعرها جمال وجهها، تضع أي لون من ألوان الطيب، وتقبل على زوجها برائحة جميلة لفمها ولجسدها ولشعرها ولثوبها؛ فيشعر الزوج دوماً بالانجذاب إليها، لكن إذا نظر الزوج إلى زوجته فرآها لا تعيره اهتماماً، ولا تهتم بالثوب، ولا بالطيب، ولا بتسريحة الشعر؛ فلتثق الزوجة تماماً أنه سيهجر البيت وسيفر منه، وهي تعلم يقيناً أنه سيخرج إلى الشوارع والطرقات؛ ليرى فتناً بكل أشكالها وألوانها، فلا تلومن الزوجة حينئذ إلا نفسها إن وجدت قلب الزوج قد تغير، ولتفتش هي عن الأسباب الحقيقية التي جعلت زوجها يتغير. أسال الله عز وجل أن يرزق أخواتنا الفهم لهذه الجزئية؛ فإنها من أخطر الأسباب التي تعكر صفو البيوت.

    1.   

    إكرام الزوجة لأهل زوجها سبب في سعادته

    مقدم البرنامج: في وقتنا الآن تجد أن الصراع قائم بين أم الزوج والزوجة، والزوجة دائماً تشعر أن الأم هي المسيطرة على الزوج، والأم أيضاً تشعر أن ابنها قد امتلكته الزوجة، ويبقى الصراع قائماً، ويصل إلى مرحلة قطع الرحم من الزوج مع أهله، فما الحلول لمثل هذه المشاكل؟ الشيخ: قد بينا أن من حقوق الزوجة على زوجها أن يكرم الزوج أهل الزوجة، وكذلك من حق الزوج على زوجته أن تكرم الزوجة أهل الزوج، ولا ينبغي أبداً للزوجة المسلمة أن تكون فتنة على زوجها، أو أن تكون سبباً في أن يقطع هذا الزوج رحمه، وأن تقول له في كل لحظة من اللحظات: (أمك أمك، أبوك، إخوانك، أهلك) لا ينبغي أبداً للزوجة المسلمة أن تكون كذلك، وفي المقابل لا ينبغي للزوج أن يظلم زوجته لصالح والديه أو لصالح أهله إطلاقا، بل يجب على الزوج أن يعطي كل ذي حق حقه، بعدل وإنصاف، ولتكرم الزوجة أهل الزوج، والنبي صلى الله عليه وسلم يقول كما في الحديث الذي رواه الحاكم والبزار بسند حسن، من حديث عائشة قالت: (قلت: يا رسول الله! أي الناس أعظم حقاً على المرأة؟ قال: زوجها)، وأنا أريد من الزوجة أن تعي وتفهم هذا الحديث. فـعائشة رضوان الله عليها تريد أن تعرف الحقوق والواجبات، تقول رضي الله عنها: (قلت: يا رسول الله! أي الناس أعظم حقاً على المرأة؟ قال: زوجها، قالت: يا رسول الله! وأي الناس أعظم حقاً على الرجل؟ قال: أمه)، فالزوجة المسلمة لا ينبغي أبداً أن تجعل من نفسها نداً للأم، فبهذا ستفسد الحياة، وسيفسد البيت، وربما تزداد المشكلة إن كان الزوج قد تزوج امرأته في بيت والديه، وهنا تكون المشكلة أكبر، ولكنني أنصح الزوج في هذه الحالة أن يعقد اتفاقاً مع زوجته في غرفتهما، وأن يصير هذا الاتفاق سائداً وأصيلاً بينهما، فيقول: اسمحي لي أيتها الزوجة الحبيبة إن دخلت يوماً واشتكت منك أمي لي أن أرضي أمي بكلمات، وثقي تمام الثقة أن مكانتك في القلب كبيرة، وأن صمتك في هذه اللحظات يزيد من مكانتك وقدرك عندي، ولتكن هذه الكلمات بمثابة اتفاق، ولتعلم الزوجة أن زوجها بهذه الكلمات لا يريد أن يجرح مشاعرها، وإنما يريد أن يرضي أمه، فإذا ما دخل الزوج العاقل الوفي إلى غرفته مع امرأته؛ فليكن بينهما ما يكون بين زوجين حبيبين وفيين، يحرص كل واحد منهما أن يكرم الآخر، وألا يحرجه ويضع كل واحد منهما الآخر في أعلى مكانة، وبهذا الوصف الذي وصفت قبل ذلك لكثير من إخواننا وأخوتنا زالت كثير من المشكلات، أما إن دخل الزوج وسمع كلمات قليلة من أمه في حق زوجته؛ فآذى زوجته أمام أمه بكلمات ظالمة متهورة، بدعوى أنه يريد أن يرضي أمه، ولو على حساب ظلم امرأته؛ فهذا لا يجوز أبداً ولا يليق، وإنما يجب عليه أن يعطي حق والديه وأن يعطي حق زوجته بلا إفراط ولا تفريط، ومن الحق على الزوجة المسلمة الوفية أن تكرم أهل زوجها، كما كان من حقها على زوجها أن يكرم أهلها.

    1.   

    تربية الأبناء مسئولية مشتركة بين الزوجين

    مقدم البرنامج: هناك خلاف قائم ما بين الزوج والزوجة على تربية الأولاد، فالزوج يتهم الزوجة بعدم تربيتها للأبناء التربية الصحيحة، والزوجة تتهم الزوج بعدم تربية الأبناء التربية الصحيحة، فيظل الخلاف والصراع قائماً فما الحل؟ الشيخ: ذكرت أن تربية الأولاد مسئولية مشتركة تضامنية بين الزوج وزوجته، ومن حقوق الزوج على زوجته: أن تهتم الزوجة هي الأخرى بتربية الأولاد، ولا ينبغي أن تهمل الزوجة تربية الأولاد؛ فهذه أمانة عظيمة ستسأل عنها بين يدي الله، بل دعنى أؤكد لحضرتك ولأخواتنا الفضليات أن الأم هي الأصل، وأن أول من يخط على هذه الجوهرة الغالية -على قلب الطفل- هي أمه، فالطفل قلبه خال من كل نقش، فأول من ينقش فيه الأم، ولا يجوز البتة للأم أن تظن أن أمومتها تتمثل في أنها أنجبت فحسب، وتتخلى بعد ذلك عن مسئولية الأولاد، فتتركهم يجوبون الأسواق بدون حاجة أو ضرورة, أو يخرجون هنا وهناك، وتتركهم يتربون على كثير من الوسائل المختلفة التي لا تضمن لهم أبداً النصح والتوجيه والتربية السليمة الرشيدة، فقد يشعر الولد باليتم مع وجود والديه؛ لأن الوالدين تخليا عنه. ليس اليتيم من انتهى أبواه من هم الحياة وخلّفاه ذليلا إن اليتيم هو الذي تلقى له أماً تخلت أو أباً مشغـولا فيجب على الزوجة المسلمة أن تعلم أنها مسئولة مسئولية كبيرة عن الأولاد، وأذكرها بحديث رسول الله صلى الله عليه وسلم حيث يقول: (والمرأة راعية في بيت زوجها ومسئولة عن رعيتها)، وأذكرها بحديث آخر كما في الصحيحين من حديث معقل بن يسار أنه صلى الله عليه وسلم قال: (ما من عبد يسترعيه الله رعية، يموت يوم يموت وهو غاش لرعيته، إلا حرم الله عليه الجنة).

    1.   

    وصية أم لابنتها

    أرى عقارب الساعة تطاردنا بسرعة مذهلة، وأوشك اللقاء على الانتهاء، لكن اسمحوا لي أن أذكّر بوصية جامعة لأخواتي الفضليات المسلمات، إنها وصية أم عاقلة، إنها وصية أمامة بنت الحارث لابنتها أم إياس بنت عوف الشيباني ، قالت هذه الأم العاقلة لابنتها ليلة زفافها، وقدمت لها هذه الوصية الغالية والهدية الثمينة، فقالت لها: أي بنية لو تركت الوصية لفضل أدب لتركت ذلك لك، ولكنها معونة للعاقل، وتنبيه للغافل. أي بنية: اعلمي أنك ستفارقين العش الذي فيه درجت، إلى بيت لم تعرفيه، وقرين لم تألفيه، فكوني له أمة يكن لك عبداً، واحفظي له خصالاً عشراً تكن لك ذخراً: أما الأولى والثانية: فالخضوع له بالقناعة وحسن السمع له والطاعة. وأما الثالثة والرابعة: فالتفقد لمواطن عينه وأنفه، فلا تقع عينه منك على قبيح، ولا يشم منك إلا أطيب ريح، وأما الخامسة والسادسة: فالتفقد لوقت منامه وطعامه؛ فإن تواتر الجوع ملهبة، وإن تنغيص النوم مغضبة. وأما السابعة والثامنة: فالرعاية لماله وعياله، وملاك الأمر في المال حسن التدبير، وفي العيال حسن التقدير، وأما التاسعة والعاشرة: فلا تفرحي إن كان مغتماً، ولا تحزني إن كان فرحاً. ما أحوج النساء إلى مثل هذه الوصية الغالية؛ لتحيا بيوتنا حياة سعيدة. أسأل الله جل وعلا أن يسعد بيوت المسلمين، وأن يملأها رضاً وسعادة، إنه ولي ذلك والقادر عليه. أعتقد أيها الأزواج والزوجات بعد ما علمنا حق الزوج وحق الزوجة، أن حياة البيت ستكون حياة هنيئة سعيدة. وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.

    مواد ذات صلة

    مكتبتك الصوتية

    أو الدخول بحساب

    البث المباشر

    المزيد

    من الفعاليات والمحاضرات الأرشيفية من خدمة البث المباشر

    عدد مرات الاستماع

    3086718659

    عدد مرات الحفظ

    755827938