إسلام ويب

الحرب على الثوابت [2]للشيخ : محمد حسان

  •  التفريغ النصي الكامل
  • هناك حرب سافرة ضد ثوابت الإسلام وأصوله تلبس قناع حرية الفكر والرأي، وتدعي أن الإسلام يتناقض مع العلم الحديث، وهي حرب يقوم بها أعداء الإسلام من الكفار وأذنابهم من العلمانيين والمستغربين، وقد تصدى لهم علماء الإسلام فكشفوا زيفهم، وبينوا كذبهم وتدليسهم بما لا يدع مجالاً للشك أبداً.

    1.   

    خطر المفكرين المتلوثين بزبالة أفكار الملحدين

    الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم على نبينا محمد، وعلى آله وأصحابه وأحبابه وأتباعه وعلى كل من اهتدى بهديه واستن بسنته واقتفى أثره إلى يوم الدين. أما بعد: فحياكم الله جميعاً أيها الإخوة الفضلاء الأعزاء! وطبتم وطاب ممشاكم، وتبوأتم جميعاً من الجنة منزلاً، وأسأل الله العظيم الكريم جل وعلا الذي جمعنا في هذا البيت الطيب المبارك على طاعته، أن يجمعنا في الآخرة مع سيد الدعاة المصطفى في جنته ودار مقامته، إنه ولي ذلك والقادر عليه. أحبتي في الله! (الحرب على الثوابت) سلسلة منهجية أفند فيها شبهات خطيرة تثار الآن ضد الإسلام، لا على الفرعيات والجزئيات بل على الثوابت والأصول والكليات، ولا يتولى كبرها الملحدون والمستشرقون كما كان الحال قديماً، بل يتولى كبرها ويشعل نيرانها رجال من جلدتنا ويتكلمون بألسنتنا! وصدق ربي جل وعلا إذ يقول: وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يُعْجِبُكَ قَوْلُهُ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَيُشْهِدُ اللَّهَ عَلَى مَا فِي قَلْبِهِ وَهُوَ أَلَدُّ الْخِصَامِ * وَإِذَا تَوَلَّى سَعَى فِي الأَرْضِ لِيُفْسِدَ فِيهَا وَيُهْلِكَ الْحَرْثَ وَالنَّسْلَ وَاللَّهُ لا يُحِبُّ الْفَسَادَ * وَإِذَا قِيلَ لَهُ اتَّقِ اللَّهَ أَخَذَتْهُ الْعِزَّةُ بِالإِثْمِ فَحَسْبُهُ جَهَنَّمُ وَلَبِئْسَ الْمِهَادُ [البقرة:204-206]. وقد وصف النبي هذا الصنف وصفاً دقيقاً في حديثه الصحيح الذي رواه البخاري ومسلم من حديث حذيفة بن اليمان رضي الله عنه قال: (كان الناس يسألون رسول الله عن الخير، وكنت أسأله عن الشر مخافة أن يدركني، فقلت: يا رسول الله! إنا كنا في جاهلية وشر فجاءنا الله بهذا الخير، فهل بعد هذا الخير من شر؟ قال: نعم، قلت: فهل بعد ذلك الشر من خير؟ قال: نعم وفيه دخن، قلت: وما دخنه يا رسول الله؟! قال: قوم يهدون بغير هديي، تعرف منهم وتنكر، قلت: فهل بعد ذلك الخير -أي الذي شابه الدخن- من شر؟ قال: نعم، دعاة على أبواب جهنم، من أجابهم إليها قذفوه فيها، قلت: صفهم لنا يا رسول الله! قال: هم من جلدتنا، ويتكلمون بألسنتنا)، وفي لفظ مسلم قال: (هم رجال قلوبهم قلوب الشياطين في جثمان إنس). أيها الأحبة! لقد ابتلينا في هذه السنوات الماضية بمجموعة من أصحاب الشذوذ الفكري، ممن يسمون -وبكل أسف- بالنخبة من رجال الفكر والفن والأدب، ممن ملئوا أقلامهم بمداد عفن قذر، ووجدوا في الطعن في ثوابت الإسلام أقصر الطرق للوصول إلى الشهرة المزيفة الحقيرة، فما نال سلمان رشدي جائزة الدولة النمساوية إلا إيماناً بآياته الشيطانية، وما نال الطاهر بن جولون جائزة جنكور الفرنسية إلا بروايته الخبيثة التي أسماها: بليلة القدر، وما نال نجيب محفوظ جائزة نوبل إلا بروايته الخبيثة التي أسماها: بأولاد حارتنا، وما نال نصر أبو زيد هذه الشهرة العالمية، وبكى عليه الحاقدون على الإسلام من أمثاله بكاءً مريراً إلا لأنه طعن في ثوابت الإسلام كله من أوله إلى آخره. كل ذلك تحت شعارات رنانة كحرية الفكر والرأي، والخروج من الظلامية والرجعية، وفتح آفاق المعرفة، إلى آخر هذه الشعارات، وأنا قررت من اللقاء الماضي أننا جميعاً مع حرية الفكر والرأي، ونبغض من كل قلوبنا العصبية والرجعية والتزمت، ونرفض أن نعيش في الظلامية والانغلاقية والانهزامية والرجعية. لكن هل التطاول على ذات الله جل وعلا من حرية الفكر والرأي؟! هل الطعن في ثوابت الإسلام وأصوله وكلياته من حرية الفكر والرأي؟! هل السخرية بالملائكة الكرام البررة من حرية الفكر والرأي؟! هل التشكيك في القرآن الكريم من حرية الفكر والرأي؟! هل التطاول على مقام المصطفى صلى الله عليه وسلم من حرية الفكر والرأي؟! هل الغمز واللمز للسنة والتشكيك فيها من حرية الفكر والرأي؟! هل الطعن في أصحاب النبي الأطهار من حرية الفكر والرأي؟! هل الدعوة إلى الدعارة العلنية والشذوذ الجنسي -حين يسمونه بالأدب المكشوف- من حرية الفكر والرأي؟! نحتاج قليلاً من الإنصاف والعدل -يا سادة- لنصل إلى الحقيقة، هذا إن كنا نريد بصدق أن نصل إلى الحقيقة، فإن الله جل وعلا يقول: إِنَّ الَّذِينَ يُؤْذُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ لَعَنَهُمُ اللَّهُ فِي الدُّنْيَا وَالآخِرَةِ وَأَعَدَّ لَهُمْ عَذَابًا مُهِينًا [الأحزاب:57]، وقال الله جل وعلا: مَا لَكُمْ لا تَرْجُونَ لِلَّهِ وَقَارًا [نوح:13]، وقال الله جل وعلا: قُلْ أَبِاللَّهِ وَآيَاتِهِ وَرَسُولِهِ كُنتُمْ تَسْتَهْزِئُونَ * لا تَعْتَذِرُوا قَدْ كَفَرْتُمْ بَعْدَ إِيمَانِكُمْ [التوبة:65-66]. وكان لقاؤنا الماضي من لقاءات هذه السلسلة التي سأقدم لها بهذه المقدمة الثابتة في كل لقاء بإذن الله تعالى، كان لقاؤنا الماضي عن الحرب على أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم، ونحن اليوم على موعد مع اللقاء الثاني من لقاءات هذه السلسلة ألا وهو: (الحرب على السنة) وكعادتي حتى لا ينسحب بساط الوقت سريعاً من تحت أقدامنا فسوف أركز الحديث مع حضراتكم في هذا الموضوع الخطير في هذه العناصر المحددة السريعة: أولاً: السنة والحرية. ثانياً: السنة والعقل والعلم الحديث. ثالثاً: السنة والحضارة. فأعيروني القلوب والأسماع جيداً، فإن الموضوع اليوم من الأهمية والخطورة بمكان، لاسيما ونحن نشهد الآن حرباً سافرة فاجرة على الأصل الثاني من أصول الإسلام، ألا وهو: سنة النبي عليه الصلاة والسلام.

    1.   

    الحرب على السنة

    فإن من المصائب الكبيرة التي تهز القلب وتحطم الفؤاد، أن نعيش زماناً نحتاج فيه إلى أن نوضح مكانة السنة في الإسلام، وهل الإسلام إلا كتاب منزل ونبي مرسل يبين مراد الله جل وعلا، وذلك من خلال تفسيره وتوضيحه لكلام الله المنزل تارة، وبقوله وعمله وهديه وسمته وخلقه تارة أخرى؟! فالمصدران الأصليان الرئيسيان للشريعة هما: القرآن والسنة.

    المحاربون للسنة فريقان

    ونحن نشهد الآن حرباً عاتية على الأصل الثاني الذي هو السنة، وأستطيع باطمئنان كامل أن أقول: إن الذين يعلنون الحرب على السنة الآن ينقسمون إلى فريقين: الفريق الأول: فريق مرق من الدين مروق السهم من الرمية، وذلك لإنكاره حجية السنة بالكلية، وزعمه أن الإسلام هو القرآن فقط دون سنة سيد البشرية. الفريق الثاني: لا ينكر حجية السنة، ولكنه بدعوى التمحيص والتحقيق والعقلانية يطعن في بعض الأحاديث الصحيحة الثابتة في سنة سيد البشرية صلى الله عليه وسلم.

    حجية السنة

    هذان فريقان: فريق ينكر السنة بالكلية، وفريق يشكك في السنة بالطعن في بعض الأحاديث الثابتة الصحيحة بدعوى العقل أو التمحيص أو التحقيق، والله تبارك وتعالى قد بين لنا في قرآنه مكانة السنة، وأنه لا غنى أبداً للقرآن عن السنة، وأن السنة لها حجية ملزمة، قال الإمام الشوكاني في إرشاد الفحول: إن ثبوت حجية السنة واستقلالها بتشريع الأحكام ضرورة دينية، ولا يخالف ذلك إلا من لا حظ له في الإسلام. قال تعالى: وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ [الحشر:7]، وقال تعالى: فَلا وَرَبِّكَ لا يُؤْمِنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لا يَجِدُوا فِي أَنفُسِهِمْ حَرَجًا مِمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُوا تَسْلِيمًا [النساء:65]. وقال تعالى: وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ وَلا مُؤْمِنَةٍ إِذَا قَضَى اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَمْرًا أَنْ يَكُونَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ مِنْ أَمْرِهِمْ وَمَنْ يَعْصِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ ضَلَّ ضَلالًا مُبِينًا [الأحزاب:36]، وقال تعالى: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا آمِنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَالْكِتَابِ الَّذِي نَزَّلَ عَلَى رَسُولِهِ وَالْكِتَابِ الَّذِي أَنزَلَ مِنْ قَبْلُ وَمَنْ يَكْفُرْ بِاللَّهِ وَمَلائِكَتِهِ وَكُتُبِهِ وَرُسُلِهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ فَقَدْ ضَلَّ ضَلالًا بَعِيدًا [النساء:136]. وقال تعالى: أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ يَزْعُمُونَ أَنَّهُمْ آمَنُوا بِمَا أُنزِلَ إِلَيْكَ وَمَا أُنزِلَ مِنْ قَبْلِكَ يُرِيدُونَ أَنْ يَتَحَاكَمُوا إِلَى الطَّاغُوتِ وَقَدْ أُمِرُوا أَنْ يَكْفُرُوا بِهِ وَيُرِيدُ الشَّيْطَانُ أَنْ يُضِلَّهُمْ ضَلالًا بَعِيدًا * وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ تَعَالَوْا إِلَى مَا أَنزَلَ اللَّهُ وَإِلَى الرَّسُولِ رَأَيْتَ الْمُنَافِقِينَ يَصُدُّونَ عَنْكَ صُدُودًا [النساء:60-61]. وقال تعالى: إِنَّمَا كَانَ قَوْلَ الْمُؤْمِنِينَ إِذَا دُعُوا إِلَى اللَّهِ وَرَسُولِهِ لِيَحْكُمَ بَيْنَهُمْ أَنْ يَقُولُوا سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا وَأُوْلَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ * وَمَنْ يُطِعْ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَيَخْشَ اللَّهَ وَيَتَّقْهِ فَأُوْلَئِكَ هُمُ الْفَائِزُونَ [النور:51-52]. وقال تعالى: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُوْلِي الأَمْرِ مِنْكُمْ فَإِنْ تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّهِ وَالرَّسُولِ إِنْ كُنتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ ذَلِكَ خَيْرٌ وَأَحْسَنُ تَأْوِيلًا [النساء:59]. قال ميمون بن مهران رحمه الله: الرد إلى الله هو الرجوع إلى كتابه، والرد إلى الرسول هو الرجوع إليه في حياته وإلى سنته بعد مماته. وقال تعالى: قُلْ إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللَّهُ [آل عمران:31]، وقال تعالى: إِنَّ الَّذِينَ يُبَايِعُونَكَ إِنَّمَا يُبَايِعُونَ اللَّهَ [الفتح:10]، وقال تعالى: مَنْ يُطِعِ الرَّسُولَ فَقَدْ أَطَاعَ اللَّهَ [النساء:80]. آيات كثيرة تبين لنا حجية السنة ومكانة السنة، وأن رسول الله لا ينطق عن الهوى، وقال تعالى: وَالنَّجْمِ إِذَا هَوَى * مَا ضَلَّ صَاحِبُكُمْ وَمَا غَوَى* وَمَا يَنْطِقُ عَنِ الْهَوَى * إِنْ هُوَ إِلَّا وَحْيٌ يُوحَى [النجم:1-4]. وقال تعالى: فَلا أُقْسِمُ بِمَا تُبْصِرُونَ * وَمَا لا تُبْصِرُونَ * إِنَّهُ لَقَوْلُ رَسُولٍ كَرِيمٍ * وَمَا هُوَ بِقَوْلِ شَاعِرٍ قَلِيلًا مَا تُؤْمِنُونَ * وَلا بِقَوْلِ كَاهِنٍ قَلِيلًا مَا تَذَكَّرُونَ * تَنزِيلٌ مِنْ رَبِّ الْعَالَمِينَ * وَلَوْ تَقَوَّلَ عَلَيْنَا بَعْضَ الأَقَاوِيلِ * لَأَخَذْنَا مِنْهُ بِالْيَمِينِ * ثُمَّ لَقَطَعْنَا مِنْهُ الْوَتِينَ * فَمَا مِنْكُمْ مِنْ أَحَدٍ عَنْهُ حَاجِزِينَ [الحاقة:38-47].

    السنة مع القرآن على ثلاثة أوجه

    فرسول الله صادق لا ينطق عن الهوى. قال الإمام الأوزاعي : القرآن أحوج إلى السنة من السنة إلى القرآن، وقال الإمام ابن القيم في كتابه القيم (إعلام الموقعين): السنة مع القرآن على ثلاثة أوجه: الوجه الأول: أن تكون السنة موافقة للقرآن من كل وجه، وهذا من باب توارد الأدلة وتظافرها في المسألة الواحدة. الوجه الثاني: أن تكون السنة بياناً وتفسيراً لما أجمله القرآن، فالقرآن الكريم يأمر بالصلاة، فيقول سبحانه: إِنَّ الصَّلاةَ كَانَتْ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ كِتَابًا مَوْقُوتًا [النساء:103]، ويقول سبحانه: وَأَقِيمُوا الصَّلاةَ [البقرة:43]، فتأتي السنة لتبين كيفية الصلاة وأركان الصلاة وسنن الصلاة وشروط صحة الصلاة إلى غير ذلك، فيقول صاحب السنة: (صلوا كما رأيتموني أصلي). ويأمر القرآن بالحج: وَأَتِمُّوا الْحَجَّ وَالْعُمْرَةَ لِلَّهِ [البقرة:196] فيأتي صاحب السنة ليبين مناسك الحج بالتفصيل، وأركان الحج وواجبات الحج وسنن الحج إلى آخر ذلك، ويقول عليه الصلاة والسلام: (خذوا عني مناسككم). فالوجه الثاني من أوجه السنة مع القرآن: أن تكون السنة بياناً وتفسيراً لما أجمله القرآن. الوجه الثالث من أوجه السنة مع القرآن: أن تكون السنة موجبة لما سكت القرآن عن إيجابه، أو محرمة لما سكت القرآن عن تحريمه. قال المصطفى -كما في الحديث الصحيح الذي رواه أبو داود والترمذي وابن ماجة من حديث المقدام بن معد يكرب -: (ألا إني أوتيت الكتاب ومثله معه، ألا يوشك رجل شبعان متكئ على أريكته يقول: عليكم بهذا القرآن، فما وجدتم فيه من حلال فأحلوه، وما وجدتم فيه من حرام فحرموه ألا لا يحل الحمار الأهلي، ولا كل ذي ناب من السباع، ولا لقطة المعاهد)، وفي لفظ: (فإن ما حرم رسول الله كما حرم الله عز وجل).

    مكانة السنة

    قد بينت السنة مكانتها مع القرآن، فيقول صاحب السنة كما في الحديث الذي رواه الحاكم في المستدرك، وصححه على شرط الشيخين، وأقره الذهبي والألباني من حديث أبي هريرة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (تركت فيكم شيئين لن تضلوا بعدهما: كتاب الله وسنتي، ولن يتفرقا حتى يردا عليَّ الحوض)، وفي صحيح مسلم من حديث أبي هريرة أنه صلى الله عليه وسلم قال: (والذي نفسي بيده لا يسمع بي أحد من هذه الأمة يهودي أو نصراني ثم يموت ولم يؤمن بالذي أرسلت به إلا كان من أصحاب النار). وفي الحديث الذي رواه مسلم من حديث أبي هريرة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (إن الله كتب عليكم الحج فحجوا فقام رجل فقال: أكل عام يا رسول الله؟ فسكت رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال الرجل: أكل عام يا رسول الله؟ فسكت رسول الله صلى الله عليه وسلم، ثم قال في الثالثة: لو قلت نعم لوجبت -وهذا تشريع- ذروني ما تركتكم، إنما هلك من كان قبلكم بكثرة سؤالهم واختلافهم على أنبيائهم، فإذا أمرتكم بأمر فأتوا منه ما استطعتم، وإذا نهيتكم عن شيء فدعوه). وفي صحيح البخاري من حديث جابر بن عبد الله : (أن النبي صلى الله عليه وسلم جاءته يوم الملائكة وهو نائم، فقال بعضهم -أي: بعض الملائكة-: إنه نائم وقال بعضهم: إن العين نائمة والقلب يقظان. فقال بعضهم: إن لصاحبكم هذا مثلاً فاضربوا له مثلاً، قالوا: مثله كمثل رجل بنى داراً، وجعل فيها مأدبة -وضع فيها طعاماً- وبعث داعيه، فمن أجاب الداعي دخل الدار وأكل من المأدبة، ومن لم يجب الداعي لم يدخل الدار ولم يأكل من المأدبة. قالوا: أولوها له يفقهها -أي: فسروا له هذه الرؤيا أو هذا المثل-. قالوا: فالدار هي الجنة، والداعي هو محمد، فمن أجاب الداعي دخل الدار -أي: دخل الجنة- وأكل من المأدبة -أي: استمتع بنعيمها- فمن أطاع محمداً فقد أطاع الله، ومن عصى محمداً فقد عصى الله، ومحمد فرق بين الناس). والآيات والأحاديث التي تبين حجية السنة كثيرة، ومما يؤيد حجية السنة وأنها ملزمة ومستقلة بالتشريع الحديث الصحيح الذي رواه أبو داود والترمذي من حديث العرباض بن سارية قال: (وعظنا رسول الله صلى الله عليه وسلم موعظة بليغة وجلت منها القلوب وذرفت منها العيون، فقلنا: كأنها موعظة مودع فأوصنا يا رسول الله. فقال: أوصيكم بالسمع والطاعة وإن تأمر عليكم عبد حبشي، فإنه من يعش منكم بعدي فسيرى اختلافاً كثيراً، فعليكم بسنتي وسنة الخلفاء الراشدين المهديين من بعدي، عضوا عليها بالنواجذ، وإياكم ومحدثات الأمور؛ فإن كل بدعة ضلالة). هذه هي حجية السنة بنص القرآن الكريم، وأقول لمن يزعمون أن الإسلام هو القرآن: ها هو القرآن يبين مكانة السنة وحجية السنة، وها هي السنة يبين صاحبها صلى الله عليه وسلم مكانة السنة من القرآن، فإن السنة لا تفارق القرآن أبداً حتى يردا الحوض على النبي عليه الصلاة والسلام.

    1.   

    السنة والعقل والعلم الحديث

    المحور الثاني من محاور الحرب على السنة والتشكيك في السنة هو -بزعم المشككين- أن السنة مشحونة بالأحاديث التي تصطدم اصطداماً مباشراً مع العقول السوية، بل وتنقض من الأساس النظريات العلمية، وهذا هو عنصرنا الثاني: السنة والعقل والعلم الحديث. وأرجو أن تركزوا معي جيداً في هذا العنصر المهم؛ لأننا الآن نرى إلهاً جديداً يعبد يسمى العلم أو العقل، وأنا لا أقلل أبداً من شأن العلم، ولا من قدر العقل، بل أقول بأعلى الصوت وملء الفم: إن الإسلام دين يقدر العقل، ويدعو إلى العلم، ويكفي أن نعلم أن من أول الآيات التي نزلت على قلب المصطفى صلى الله عليه وسلم: اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ [العلق:1]، وهي دعوة إلى العلم، والآيات والأحاديث التي تدعو إلى التدبر والتفكر والتعقل كثيرة. فأنا لا أقلل من شأن العقل ولا من قدر العلم، لكن لا ينبغي أن يصير العقل والعلم طاغوتاً جديداً ينصب نفسه حاكماً على صريح القرآن وصحيح سنة النبي عليه الصلاة والسلام، فقالوا: السنة مشحونة بالأحاديث التي تصطدم مع العقول السوية، وتخالف النظريات العلمية.

    شبهات على السنة وردود

    من طعنهم في السنة قولهم: هل يعقل إذا ولغ الكلب في إناء من الآنية أن نغسل هذا الإناء سبع مرات بالماء وأن نغسله مرة بالتراب؟ ما هذا الانغلاق؟! ما هذا الضيق؟ أنتم تعيشون في عصر الإنترنت، وعصر أتوبيس الفضاء ديسكفري، كيف تقولون مثل هذا الكلام الذي يحول بين الغرب وبين الإسلام؟! هذا القول: إذا ولغ الكلب في الإناء يجب أن نغسل الإناء بالتراب مرة أمر لا يقره العقل! وكذلك إذا وقعت الذبابة في السائل كيف نغمس الذبابة في السائل بدعوى أنها تحمل في جناح من جناحيها الداء، وتحمل في الجناح الآخر الدواء؟! ما هذا؟! أمر لا يقبله العقل، بل ويصطدم اصطداماً مباشراً مع الرقي والحضارة والمدنية! وكان من الواجب أن يكون السؤال هكذا: هل ثبت فعلاً أن رسول الله قال ذلك؟ هذا هو الأدب، ولا حرج على الإطلاق عند من يعبدون العقل ويقدسون العلم أن يمحصوا ويحققوا ويبحثوا بالأصول الحديثية التي وضعها الفحول من أهل الحديث ليتعرفوا على صحة السند والمتن، وعند معرفتهم أن الحديث ثابت وصحيح كان من الواجب عليهم أن يصدقوا كلام النبي ولو لم تدركه العقول، حتى ولو صادم نظرية من النظريات العلمية. قد تقول: كيف ذلك؟ نقول: ابتداءً هناك اتفاق بين علماء الأرض قاطبة أن النظريات العلمية لا تقدم حقائق يقينية ثابتة مطلقة لا تزيد ولا تنقص، ولا تحتمل التبديل ولا التغيير أبداً، وهذا اتفاق عام بين علماء الأرض أن النظريات العلمية ما هي إلا احتمالات، وليعذرني القارئ إن استشهدت ببعض أقوال العلماء الكافرين؛ لأن المنتسبين لإسلامنا ممن يشككون في السنة إذا جاءهم الوحي من رسول الله كذبوه، وإذا جاءهم الوحي من أوروبا صدقوه. يقول العالم الإنجليزي الشهير سرجن : (إن كل ما يستطيع العلم الحديث أن يقدمه إلى الآن ما هو إلا احتمالات)، فتخرج نظرية علمية لتهدم نظرية علمية سابقة، أو على الأقل لتنقض أصلاً من أصولها، أو لتزيد عليها أو لتنقص منها، وهذا أمر ثابت متفق عليه، فكان من الواجب أن نبحث: هل قال رسول الله ذلك؟ فإن كان الجواب بـ(نعم)، كان من المحتم اللازم أن نصدق كلام حبيبنا ونبينا وإن لم تدرك عقولنا مراد النبي، حتى ولو خالف نظرية من النظريات العلمية؛ لأن النظريات العلمية ما هي إلا احتمالات، وليست حقائق يقينية مطلقة ثابتة. فهل قال رسول الله حقاً مثل هذا؟ الجواب: نعم. ففي الصحيحين من حديث أبي هريرة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (إذا ولغ الكلب في إناء أحدكم فليغسله سبع مرات إحداهن بالتراب)، وفي رواية: (طهور إناء أحدكم إذا ولغ فيه الكلب أن يغسله سبع مرات أولاهن بالتراب). وفي صحيح البخاري وسنن أبي داود من حديث أبي هريرة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (إذا وقع الذباب في إناء أحدكم فليغمسه كله ثم ليطرحه أو لينزعه؛ فإن في أحد جناحيه داء وفي الآخر شفاء). فما الذي قاله العلم الحديث؟ وأرجو أن يفهم الطلاب أنني لا أريد الآن أن أصدق بالعلم الحديث كلام النبي صلى الله عليه وسلم، كلا، فالمسلم الصادق لا يحتاج إلى دليل من العلم ليصدق به كلام الصادق الذي لا ينطق عن الهوى، لكن أود أن أبين لعباد العلم والعقل ما الذي توصل إليه العلم الحديث في هاتين القضيتين الخطيرتين الكبيرتين: في قضية ولوغ الكلب، وفي قضية سقوط الذبابة في السائل، فقد كانوا يعلنون الحرب ويقيمون الدنيا ولا يقعدونها حينما يقول عالم من علماء الإسلام أو الحديث ذلك، فما الذي توصل إليه العلم في السنوات القليلة الماضية؟ تدبر معي وارفع رأسك لأنك تنسب إلى رسول الله. توصل أشهر عالم من علماء الطفيليات في العالم، وهو البروفسور أليسون -وهو عالم إنجليزي شهير ما زال حياً يرزق-، وهو من الأساتذة الإنجليز الذين يشرفون على أيِّ رسالة لأيِّ طبيب من أطباء العالم يتقدم للحصول على الزمالة البريطانية، فمن بين هؤلاء المتخصصين هذا العالم أليسون ، ماذا قال؟ الرجل لما سمع يوماً حديث سيد البشرية في قضية ولوغ الكلب تعجب وأجرى الدراسات والتجارب العلمية، وهو رجل لا يدين بالإسلام، وبعد إجراء التجارب العلمية قال: وجدنا في علم الطفيليات أن الكلب يحمل في لعابه أكثر من خمسين مرضاً. والعجيب أن الإناء الذي ولغ فيه الكلب لا يطهره الماء من كل الطفيليات والميكروبات التي نزلت مع ولوغ الكلب، فقالوا: نجرب كلام محمد صلى الله عليه وسلم فغسلوا الإناء بالتراب مرة ثم أقاموا الدراسات والتجارب، فلم يجدوا أثراً لميكروب واحد في الإناء بعدما غسلوه بالتراب، فمن الذي علم المصطفى ذلك؟ هذه حقيقة علمية هائلة لم تكتشف إلا في السنوات القليلة الماضية، مع أن المصطفى قد ذكرها منذ أربعة عشر قرناً، ألم يقل ربنا: وَمَا يَنْطِقُ عَنِ الْهَوَى [النجم:3]؟ فهذه تجربة علمية أثبتت أن الكلب إذا ولغ فإنه يخرج من لعابه أكثر من خمسين مرضاً، وأن الماء وحده لا يكفي لتطهير الإناء من الطفيليات والميكروبات التي يخرجها الكلب في لعابه، فلما غسلوا الإناء بالتراب لم يجدوا أثراً لميكروب واحد من الميكروبات التي أفرزها الكلب في لعابه، وصدق المصطفى، بل وصدق رب المصطفى الذي يقول: وَمَا يَنْطِقُ عَنِ الْهَوَى [النجم:3]. وفي عام واحد وسبعين وثمانمائة وألف من الميلاد اكتشف العالم الألماني بريتلد -من جامعة (هال) الألمانية- أن الذبابة تحمل نوعاً من أنواع الجراثيم التي تسبب أمراض الحميات كالتيفود والدوسنتاريا وغير ذلك، ثم أثبت هذا العالم أيضاً أن الذبابة في الوقت ذاته تحمل نوعاً أو طفيلاً من جنس الفطريات سماها هذا العالم - بريتلد - (الموزاموسكي)، وقال: في الوقت الذي تحمل فيه الذبابة الجراثيم التي تسبب أمراض الحميات كالتيفود والدوسنتاريا فإن الذبابة في الوقت ذاته تحمل طفيلياً من جنس الفطريات يسمى الموزاموسكي، هذا الفطر يفرز مادة تحتوي على مضادات حيوية تقضي تماماً على الجراثيم التي تحملها الذبابة في جناحها الأول. وجاءت التجارب العلمية بعد ذلك لتؤكد صحة ما وصل إليه بريتلد ، بل ولتقف على الخصائص العجيبة لهذا الفطر الذي تحمله الذبابة على شكل دوائر، فاكتشفوا خصائص عجيبة لهذا الفطر الذي يقضي على الجراثيم التي تحملها الذبابة في الجناح الأول، وقالوا: إن جراماً واحداً من هذا الفطر الذي تحمله الذبابة على شكل دوائر مستديرة كفيل بحفظ ألفي لترٍ من اللبن الملوث بهذه الجراثيم. ثم وصلوا إلى حقيقة أعجب، وخذها بقلبك وعقلك لتفخر بأنك من الموحدين، وبأنك من أمة سيدنا النبيين، وصلوا إلى حقيقة علمية مذهلة، فقد قالوا: والعجيب أن هذه المادة التي تخرج من الفطر الذي في جسم الذبابة لا تفرز أبداً إلا بعد غمس الذبابة في السائل. من الذي علم المصطفى ذلك؟ المصطفى رسول ليس عالم طب، وليس عالم فلك، وليس عالم جيولوجيا، وليس عالم هندسة، بل إن المصطفى رسول من عند الله، لا ينطق عن الهوى بل ينطق عن الله جل في علاه. قالوا: إن الذبابة لا تفرز المادة للقضاء على الجراثيم التي تفرزها الذبابة من جناحها الأول إلا بعد غمس الذبابة في السائل، وأود أن أفرق بين غمس الذبابة في السائل للتصديق بهذه الحقيقة النبوية وبين أن يجد المرء من نفسه عدم القدرة على تناول السائل، فهذا أمر آخر، لا أنكر عليك إن لم تستطع أن تشرب السائل، فلقد عرض على النبي لحم الضب فلم يأكله، فقالوا: (أحرام هو يا رسول الله؟! قال: لا غير أني أجدني أعافه)، فلا حرج، لكن الحرج في أن تكذب رسول الله، وحين يأتيك الوحي من ألمانيا تصدق بعد ذلك أن ما قاله المصطفى هو الحق الذي لا محيد عنه، من الذي علم رسول الله هذه الحقائق العلمية الهائلة التي لم تكتشف إلا في السنوات القليلة الماضية؟!

    1.   

    الإعجاز العلمي في القرآن دليل على أن الرسول حق

    أيها المسلمون! من الذي علم محمداً صلى الله عليه وسلم أن القمر قد محي ضوءه بعدما كان مشتعلاً في أول الأمر، وأن النور الذي نراه منه في الليل ما هو إلا انعكاس لكوكب الشمس، قال تعالى: فَمَحَوْنَا آيَةَ اللَّيْلِ وَجَعَلْنَا آيَةَ النَّهَارِ مُبْصِرَةً [الإسراء:12]. من الذي علم محمداً صلى الله عليه وسلم هذه الحقيقة العلمية الهائلة التي لم تكتشف إلا في السنوات القليلة الماضية؟! ومن الذي علم محمداً صلى الله عليه وسلم أن كل جبل على سطح الأرض له في باطن الأرض سن مدبب كالوتد؟ قال تعالى: وَالْجِبَالَ أَوْتَادًا [النبأ:7]، من الذي علمه هذه الحقيقة العلمية الهائلة التي لم تكتشف إلا في السنوات القليلة الماضية؟ ومن الذي علم محمداً صلى الله عليه وسلم أن الأعصاب التي تتألم بالحرق أو بشدة البرد لا توجد إلا في الجلد فقط؟ قال تعالى: إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا بِآيَاتِنَا سَوْفَ نُصْلِيهِمْ نَارًا كُلَّمَا نَضِجَتْ جُلُودُهُمْ بَدَّلْنَاهُمْ جُلُودًا غَيْرَهَا لِيَذُوقُوا الْعَذَابَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَزِيزًا حَكِيمًا [النساء:56]، من الذي علم محمداً هذه الحقيقة العلمية الهائلة التي لم تكتشف إلا في السنوات القليلة الماضية؟ ومن الذي علم محمداً أن موج البحر بسطحه المائل يشتت الضوء الذي ينعكس عليه فيكون خلفه ظلمة حالكة؟ قال تعالى: أَوْ كَظُلُمَاتٍ فِي بَحْرٍ لُجِّيٍّ يَغْشَاهُ مَوْجٌ مِنْ فَوْقِهِ مَوْجٌ مِنْ فَوْقِهِ سَحَابٌ ظُلُمَاتٌ بَعْضُهَا فَوْقَ بَعْضٍ إِذَا أَخْرَجَ يَدَهُ لَمْ يَكَدْ يَرَاهَا وَمَنْ لَمْ يَجْعَلِ اللَّهُ لَهُ نُورًا فَمَا لَهُ مِنْ نُورٍ [النور:40]، من الذي علم محمداً هذه الحقيقة العلمية الهائلة التي لم تكتشف إلا في السنوات القليلة الماضية؟ قال جل وعلا: وَالنَّجْمِ إِذَا هَوَى * مَا ضَلَّ صَاحِبُكُمْ وَمَا غَوَى * وَمَا يَنْطِقُ عَنِ الْهَوَى * إِنْ هُوَ إِلَّا وَحْيٌ يُوحَى * عَلَّمَهُ شَدِيدُ الْقُوَى [النجم:1-5]. وقال جل وعلا: فَلا أُقْسِمُ بِمَا تُبْصِرُونَ * وَمَا لا تُبْصِرُونَ * إِنَّهُ لَقَوْلُ رَسُولٍ كَرِيمٍ * وَمَا هُوَ بِقَوْلِ شَاعِرٍ قَلِيلًا مَا تُؤْمِنُونَ * وَلا بِقَوْلِ كَاهِنٍ قَلِيلًا مَا تَذَكَّرُونَ * وَلا بِقَوْلِ كَاهِنٍ قَلِيلًا مَا تَذَكَّرُونَ * تَنزِيلٌ مِنْ رَبِّ الْعَالَمِينَ * وَلَوْ تَقَوَّلَ عَلَيْنَا بَعْضَ الأَقَاوِيلِ * لَأَخَذْنَا مِنْهُ بِالْيَمِينِ * ثُمَّ لَقَطَعْنَا مِنْهُ الْوَتِينَ * فَمَا مِنْكُمْ مِنْ أَحَدٍ عَنْهُ حَاجِزِينَ [الحاقة:38-47]. وهكذا يتبين لكل عاقل منصف أن المصطفى لا ينطق عن الهوى، بل لا يصادم كلام الرب العليم ولا كلام الحبيب النبي أي نظرية صحيحة.

    1.   

    السنة لا تعارض العلم الحديث

    ليصنع الإنسان الإنترنت، ليصنع القنبلة النووية، لكن لا ينبغي أن يتخطى طوره وأن يتعدى حدوده ومكانته، فيجعل من نفسه حاكماً على صريح القرآن وصحيح كلام النبي عليه الصلاة والسلام. العقل في الجانب العقدي والإيماني لابد أن يذعن لكلام الرب العلي الذي أنزله على لسان الحبيب النبي صلى الله عليه وسلم؛ لأن هذا لا يتعرف عليه بالعقل وإنما من خلال الوحي، كيف وأعقل أهل الأرض -بلا نزاع- هو المصطفى صلى الله عليه وسلم ومع ذلك لم يستطع النبي صلى الله عليه وسلم بعقله المجرد أن يصل إلى حقائق الإيمان والوحي إلا بعدما نزل عليه كلام الله جل وعلا؟ قال الله تعالى لنبيه: وَكَذَلِكَ أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ رُوحًا مِنْ أَمْرِنَا مَا كُنْتَ تَدْرِي مَا الْكِتَابُ وَلا الإِيمَانُ وَلَكِنْ جَعَلْنَاهُ نُورًا نَهْدِي بِهِ مَنْ نَشَاءُ مِنْ عِبَادِنَا وَإِنَّكَ لَتَهْدِي إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ [الشورى:52]. ورحم الله ابن القيم إذ يقول: لا يستقل العقـل دون هدايـة بالوحي تأصيـلاً ولا تفصيـلاً كـالطرف دون النـور ليس بمدرك حتى يراه بكرة وأصيلاً نور النبـوة مثل نور الشمس للعين البصيرة فـاتخذه دليـلا فإذا النبوة لم ينلك ضيــاؤها فالعقل لا يهديك قط سبيـلا طرق الهدى محـدودة إلا على من أم هـذا الوحي والتنزيـلا فإذا عدلت عن الطريق تعمداً فاعلم بأنك ما أردت وصـولا يا طالباً درك الهـدى بالعقل دو ن النقـل لن تلقى لذاك دليلا أقول قولي هذا، وأستغفر الله العظيم لي ولكم.

    1.   

    السنة والحضارة

    الحمد لله رب العالمين، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن سيدنا محمداً عبده ورسوله، اللهم صل وسلم وزد وبارك عليه، وعلى آله وأصحابه وأحبابه وأتباعه، وعلى كل من اهتدى بهديه واستن بسنته، واقتفى أثره إلى يوم الدين. أما بعد: المحور الثالث من محاور الحرب على السنة أنهم يعلنون أن السنة لا تليق إلا لحياة البداوة، ولا تتناسب مع الحياة الحضارية العلمية المادية الحديثة، وهذا هو عنصرنا الثالث السنة والحضارة. أيها الحبيب: لا خلاف بين أهل العلم أن أيَّ حضارة لا بد لها من عنصرين رئيسيين: ألا وهما العنصر المادي والعنصر الأخلاقي، وتنبه لهذا الكلام جيداً، فإنه يشوش علينا من يسمون بالنخبة، ويزعمون أنهم -فقط- هم الذين يفهمون ويحسنون، أما من ينتسبون إلى الإسلام فهم لا يفهمون ولا يحسنون أي شيء. من المتفق عليه أن أيَّ حضارة على وجه الأرض لابد لها من عنصرين لا تقوم الحضارة إلا بهما، ألا وهما العنصر المادي والعنصر الأخلاقي، وهناك اتفاق أيضاً على أن الحضارة لا كيان لها ولا كرامة إلا إذا سخرت العنصر المادي لخدمة العنصر الأخلاقي، فما قيمة المادة إذا كانت سبباً في هلاك الإنسان؟! ما قيمة المادة إذا كانت سبباً في شقائه وضنكه وتعاسته؟! إن الحضارة الغربية المادية الآن حضارة مجنونة بكل المقاييس، حضارة تبني وتعمر وتدمر وتهدم بالحروب المتوالية في آن واحد، ثم ينادي أصحاب هذه الحضارة على العالم كله لجمع التبرعات لإعادة تعمير ما دمروه مرة أخرى، إنه جنون رسمي.

    حقيقة الحضارة الغربية

    الحضارة الغربية المادية الحديثة وحضارة ذئاب، وحضارة ثعالب، وحضارة أفاعٍ، وحضارة وحوش، بل والله إن ابن هذه الحضارة المادية يفعل الآن بالإنسان ما تخجل الوحوش الضارية أن تفعله ببعضها في عالم الغابات. الحضارة المادية هي التي دمرت (هيروشيما) و(ناجازاكي) بالقنابل النووية وسحقتها سحقاً. الحضارة المادية الحديثة هي التي أبادت تماماً شعب الهنود الحمر. الحضارة المادية الحديثة هي التي طحنت البوسنة طحناً، واستخدمت -لأول مرة في تاريخ البشر- الأطفال المساكين الصغار كدروع بشرية واقية، بل واستخدمتهم لحرق معسكرات بكاملها بعد تفخيخ الأطفال الصغار المساكين بالأسلحة المتفجرة وعن طريق التحكم عن بعد بما يسمى بالرموتكنترول يفجرون من أطفال المسلمين في البوسنة بالألغام التي يحملونها ليدمروا المعسكرات المسلمة، لأول مرة في تاريخ الإنسانية يستخدم مثل هذا. الحضارة المادية هي التي تبيد الآن شعب الشيشان بعد البوسنة وكوسوفا، إنها حضارة الذئاب، وحضارة الوحوش، وحضارة الثعالب، وحضارة الأفاعي، وحضارة البربرية، ما قيمة ما توصلوا إليه في الجانب المادي في الوقت الذي يستخدمون فيه هذا الجانب لشقاء الإنسان ولبؤسه وتعاسته؟! ما قيمة هذا الجانب المادي إن لم يسخر للجانب الأخلاقي في الحضارة؟! انظروا إلى الجانب الحضاري في حضارة الغرب حتى لا تنخدعوا بالغرب: قالوا لنا ما الغرب قلت صناعة وسياحة ومظاهـر تغرينــا لكنه خاوٍ من الإيمـان لا يرعى ضعيفاً أو يسر حزينا الغرب مقبرة المبادئ لم يزل يرمي بسهم المغريات الـدينا الغرب مقبرة العـدالة كلما رفعت يُد أبدى لها السكـينا الغرب يحمل خنجراً ورصاصة فعلام يحمل قومنـا الزيتونـا كفـر وإسـلام فأنى يلتقي هذا بذلك أيهـا اللاهــونا أنا لا ألوم الغرب في تخطيطه لكـن ألـوم المسلم المفتونـا وألوم أمتنـا التي رحلت على برد الخضـوع ترافـق التنينا وألوم فينـا نخوة لم تنتفـض إلا لتضـربنــا على أيدينـا يا مجلس الأمن المخيف إلى متى إلى متى تبقى لتجار الحـروب رهينا وإلى متى ترضى بسلب حقوقنا منـا وتطلبنـا ولا تعطينـا لعبت بك الـدول الكبـار فصرت في ميدانهن اللاعب الميمونا شكراً لقد أبرزت وجه حضارة غربية لبس القناع سنينـا شكراً لقـد نبهت غافل قومنا وجعلت شك الـواهمين يقينـاً يـا مجلس الأمن انتظر إسلامنـا سيريك مـيزان الهـدى ويرينـا إن كنت في شك فسـل فرعون عن غرق وسل عن خسفـه قارونا إنها حضارة ذئاب، وحضارة وحوش تحمل الخنجر والرصاص، لكن انظر إليهم في الجانب العقدي والخلقي، لازالت الحضارة المادية الغربية إلى الآن تعبد عيسى بن مريم من دون الله، لازالت تدافع عن العنصرية اللونية البغيضة، لازالت تدافع عن الشذوذ الجنسي، وتتغنى بتحرير المرأة وهي تمتهن المرأة امتهاناً، تتلهى بالمرأة في سن شبابها وجمالها، وترمي بالمرأة في إحدى دور العجائز والمسنين إذا ما كبر سنها في الوقت الذي يتغنى فيه هؤلاء الكذابون بتحرير المرأة وبأن الإسلام قد ظلم المرأة.

    فضل حضارة الإسلام

    انظر إلى حضارة الإسلام، ماذا قال محمد صاحب السنة صلى الله عليه وسلم؟ جاء ليؤصل الحضارة تأصيلاً، وأنت تعلم -ولا ينكر ذلك منصف على وجه الأرض- أن الأوروبيين قد استمدوا الحضارة في عنصرها المادي الأول من المسلمين في الأندلس، كانت الأندلس مضاءة بضوء الكهرباء في الوقت الذي كان فيه أهل فرنسا يعيشون في الوحل والظلام، فالجانب المادي من عندنا أيضاً، لكن المسلمين انتكسوا وتركوا المنهج وحادوا عن الطريق، فزلوا في الجانب الخلقي وفي الجانب المادي، وأنا أقرر ذلك بأعلى صوتي وملء فمي من باب العدل والإنصاف، فإن المسلمين قد تخلوا عن العنصر الخلقي والمادي الآن، فتعرضوا لهذا الذل والهوان على يد ابن الحضارة الغربية التي امتطى جوادها الآن. سقى ابن هذه الحضارة المسلمين كئوس الذل والهوان أشكالاً وألواناً، بينما جاء المصطفى ليؤصل وليبين معنى الحضارة بمفهومهم هم، فتدبر معي هذه الطائفة الكريمة من الأحاديث- قال عليه الصلاة والسلام: (من شهد أن لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله، وأن عيسى عبد الله ورسوله وكلمته ألقاها إلى مريم وروح منه، وأن الجنة حق والنار حق، أدخله الله الجنة على ما كان من العمل)، وفي رواية عتبان بن مالك : (فإن الله حرم على النار من قال: لا إله إلا الله يبتغي بها وجه الله تعالى). ولا زالت الحضارة المادية الأرضية كلها تتخبط في تصورها للإله الذي خلق وأبدع ودبر، لا زالت تتخبط في فهمها للحياة الدنيا، وفي فهمها للحياة الآخرة، وفي فهمها لحياة البرزخ، فجاء النبي فوضح لنا كل هذه الحقائق، وقال عليه الصلاة والسلام -كما في الحديث الذي رواه أحمد بسند صحيح: (ألا إن ربكم واحد، ألا إن أباكم واحد، ألا لا فضل لعربي على أعجمي، ولا لأحمر على أسود، ولا لأسود على أحمر إلا بالتقوى، قال تعالى: (( إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ ))[الحجرات:13]). وفي الصحيحين أن امرأة من بني مخزوم سرقت، وكانت شريفة من الأشراف، فقالت قريش: كيف يقطع النبي يد شريفة؟ فقالوا: من يشفع لها عند رسول الله، قالوا: لا يشفع لها إلا حب رسول الله أسامة بن زيد ، فلما انطلق أسامة ليشفع لهذه المرأة غضب النبي وقال: (أتشفع في حد من حدود الله يا أسامة ؟ وارتقى النبي المنبر فحمد الله وأثنى عليه وقال: إنما هلك من كان قبلكم بأنهم كانوا إذا سرق فيهم الشريف تركوه، وإذا سرق فيهم الضعيف أقاموا عليه الحد، وايم الله لو أن فاطمة بنت محمد سرقت لقطعت يدها). هذا وتتغنى الحضارة الغربية بأنها أول من أصلت قضية الرفق بالحيوان! لا وألف لا، فقبل أربعة عشر قرناً قال نبينا صلى الله عليه وسلم كما في صحيح مسلم من حديث شداد بن أوس : (إن الله كتب الإحسان على كل شيء، فإذا قتلتم فأحسنوا القتلة، وإذا ذبحتم فأحسنوا الذبحة، وليحد أحدكم شفرته وليرح ذبيحته)، وهو الذي قال كما في الصحيحين: (بينما بغي -يعني: زانية- من بغايا بني إسرائيل تمشي إذ مر عليها كلب يأكل الثرى من العطش، فعادت إلى بئر ماء، فملأت موقها ماء وقدمته للكلب فشرب، فغفر الله لها بذلك)، وهو الذي قال كما في الصحيحين: (دخلت امرأة النار في هرة -قطة- حبستها، فلا هي أطعمتها ولا هي تركتها تأكل من خشاش الأرض).

    جهل من زعم أن السنة لا تتفق مع الحضارة

    هذا نبينا، وهذه حضارتنا، وهذا إسلامنا، فالذي يقول بأن السنة لا تتفق مع حضارة العصر ولا تتفق إلا مع حياة البداوة، إنما هو جاهل جهلاً عريضاً، بل إن السنة هي التي أصلت معاني الحضارة التي يسعد بها الإنسان في الدنيا، ويسعد بها الإنسان في الآخرة. والله لولا خشية الإطالة لوقفت مع صاحب هذه الحضارة المصطفى صلى الله عليه وسلم وقفة طويلة طويلة؛ ليفخر كل موحد لله جل وعلا أن خلقه الله موحداً وأرسل إليه محمداً. فاللهم كما خلقتنا موحدين، وجعلتنا من أمة سيد النبيين، توفنا على التوحيد يا أرحم الراحمين، واحشرنا في زمرة سيد العالمين، اللهم اختم لنا منك بخاتمة الموحدين، واحشرنا في زمرة سيد النبيين، ورد الأمة إلى السنة بعد القرآن رداً جميلاً يا أرحم الراحمين، اللهم رد الأمة إلى القرآن والسنة رداً جميلاً، اللهم رد الأمة إلى القرآن والسنة رداً جميلاً. اللهم وكما آمنا بحبيبك المصطفى ولم نره، فلا تفرق بيننا وبينه حتى تدخلنا مدخله، وأوردنا حوضه الأصفى، واسقنا منه شربة هنيئة مريئة لا نظمأ بعدها أبداً يا رب العالمين. اللهم اجعل كل جمع لنا جمعاً مرحوماً، وتفرقنا من بعده تفرقاً معصوماً، ولا تجعل فينا ولا منا ولا معنا شقياً ولا محروماً، اللهم اهدنا واهد بنا، واجعلنا سبباً لمن اهتدى، اللهم اهدنا واهد بنا، واجعلنا سبباً لمن اهتدى، اللهم اهدنا واهد بنا، واجعلنا سبباً لمن اهتدى. اللهم استرنا ولا تفضحنا، وأكرمنا ولا تهنا، وكن لنا ولا تكن علينا. اللهم انصر إخواننا في الشيشان، اللهم انصر إخواننا في الشيشان، اللهم احفظهم بحفظك يا رحيم يا رحمن، اللهم زلزل الأرض من تحت أقدام الشيوعيين الملحدين، اللهم زلزل الأرض من تحت أقدام الشيوعيين الملحدين، اللهم املأ قلوب الملحدين ناراً، واملأ بيوت الملحدين ناراً، اللهم املأ قلوب الملحدين ناراً، واملأ بيوت الملحدين ناراً، اللهم نج آباءنا وإخواننا ونساءنا وبناتنا من بين أيديهم يا رب العالمين، اللهم سلط الظالمين على الظالمين، وأخرج المسلمين من بينهم سالمين غانمين. يا رب! فرج الكرب عن أمة سيد النبيين، يا رب! فرج الكرب عن أمة سيد النبيين، اللهم إنه قد طال الليل فائذن للفجر أن ينجلي، اللهم إنه قد طال الليل فائذن للفجر أن ينجلي، اللهم إنه قد طال الليل فائذن للفجر أن ينجلي، يا أرحم الراحمين. اللهم إنا نشكو إليك خيانة الخائنين، وظلم الظالمين، وجحود الجاحدين، ونفاق المنافقين، اللهم ارفع مقتك وغضبك عنا، ولا تؤاخذنا بما فعل السفهاء منا، ارحم ضعفنا، وارحم ضعفنا، وارحم ضعفنا، واجبر كسرنا، واجبر كسرنا، واغفر ذنوبنا، واستر عيوبنا، واغفر ذنوبنا، واستر عيوبنا، وفرج كروبنا، واكشف همنا، وأزل غمنا، وفك أسرنا، وفك أسرنا، وفك أسرنا، وتولَّ أمرنا، واختم بالصالحات أعمالنا، لا إله لنا سواك فندعوه، لا إله لنا سواك فندعوه، لا إله لنا سواك فندعوه، ولا رب لنا غيرك فنرجوه، ولا رب لنا غيرك فنرجوه، ولا رب لنا غيرك فنرجوه. يا منقذ الغرقى! يا منقذ الغرقى! ويا سامع كل نجوى! ويا سامع كل نجوى! يا عظيم الإحسان! يا عظيم الإحسان! يا عظيم الإحسان! يا دائم المعروف! يا ودود! يا ودود! يا ذا العرش المجيد! يا فعال لما يريد! يا من ملأ نوره أركان عرشه! يا غياث المستغيثين! يا غياث المستغيثين! يا غياث المستغيثين! يا غياث المستغيثين! يا غياث المستغيثين! أغثنا يا رب العالمين. أغثنا يا رب العالمين. أغثنا يا رب العالمين. اللهم انصر الإسلام والمسلمين، اللهم انصر الإسلام والمسلمين، اللهم انصر الإسلام والمسلمين، وانصر التوحيد والموحدين، برحمتك يا أرحم الراحمين، اللهم اجعل بلدنا مصر واحة للأمن والأمان وسائر بلاد المسلمين، وارفع عن مصر الفتن ما ظهر منها وما بطن يا أرحم الراحمين. هذا وما كان من توفيق فمن الله، وما كان من خطأ أو سهو أو نسيان فمني ومن الشيطان، والله ورسوله منه براء، وأعوذ بالله أن أذكركم به وأنساه، وأن أكون جسراً تعبرون عليه إلى الجنة ويلقى به في جهنم.

    مكتبتك الصوتية

    أو الدخول بحساب

    البث المباشر

    المزيد

    من الفعاليات والمحاضرات الأرشيفية من خدمة البث المباشر

    عدد مرات الاستماع

    3086718663

    عدد مرات الحفظ

    755999798