إسلام ويب

ماذا قدمت لدين اللهللشيخ : محمد حسان

  •  التفريغ النصي الكامل
  • لقد كثر أعداء الإسلام، وأمسى صرحه الشامخ مستهدفاً في كل لحظة وزمان، وأكثر المسلمين اليوم يعيشون في سبات عميق، وكأن ما يحاك لدينهم من مؤامرات لا يعنيهم!! والواجب علينا جميعاً أن ننصر هذا الدين، كل يعمل قدر استطاعته، وفي المجال الذي يرى أنه سينفع به الإسلام، وما بذله أحدنا -ولو كان يسيراً- فلن يضيعه الله تعالى، وسيجزي به أضعافاً مضاعفة؛ لأنه سبحانه ذو الفضل العظيم!!

    1.   

    واقع مرير يستفز جميع الهمم

    بسم الله الرحمن الرحيم الحمد لله، نحمده ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا، وسيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، وصفيه من خلقه وخليله، أدى الأمانة، وبلغ الرسالة، ونصح للأمة، فكشف الله به الغمة، وجاهد في الله حق جهاده حتى أتاه اليقين، فاللهم اجزه عنا خير ما جزيت نبياً عن أمته، ورسولاً عن دعوته ورسالته، وصل اللهم وسلم وزد وبارك عليه وعلى آله وأصحابه وأحبابه وأتباعه، وعلى كل من اهتدى بهديه، واستن بسنته، واقتفى أثره إلى يوم الدين. أما بعد: فحياكم الله جميعاً أيها الآباء الفضلاء! وأيها الإخوة الأحباب الكرام الأعزاء! وطبتم جميعاً وطاب ممشاكم وتبوأتم من الجنة منزلاً، وأسأل الله العظيم الكريم جل وعلا الذي جمعنا في هذا البيت المبارك على طاعته أن يجمعنا في الآخرة مع سيد الدعاة المصطفى في جنته ودار كرامته، إنه ولي ذلك والقادر عليه. أحبتي في الله! (ماذا قدمت لدين الله؟) هذا هو عنوان لقائنا مع حضراتكم في هذا اليوم الكريم المبارك، وكعادتنا حتى لا ينسحب بساط الوقت من بين أيدينا سريعاً فسوف ينتظم حديثي مع حضراتكم تحت هذا العنوان المخجل في العناصر التالية: أولاً: واقع مرير يستنفر جميع الهمم. ثانياً: ولكن ما هو دوري؟ ثالثاً: تبعة ثقيلة وأمانة عظيمة تطوق بها الأعناق. وأخيراً: فجر الإسلام قادم. فأعيروني القلوب والأسماع، والله أسأل أن يقر أعيننا وإياكم جميعاً بنصرة هذا الدين، إنه ولي ذلك والقادر عليه. أحبتي في الله! أولاً: واقع مرير يستنفر جميع الهمم. والله إن العين لتدمع، وإنا القلب ليحزن، وإنا لما حل بأمة التوحيد لمحزونون، أهذه هي الأمة التي زكاها الله بقوله: كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ [آل عمران:110]؟! أهذه هي الأمة التي زكاها الله بالوسطية والاعتدال في قوله سبحانه: وَكَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطًا لِتَكُونُوا شُهَدَاءَ عَلَى النَّاسِ وَيَكُونَ الرَّسُولُ عَلَيْكُمْ شَهِيدًا [البقرة:143]؟! أهذه هي الأمة التي زكاها الله في القرآن بالألفة والوحدة فقال سبحانه: إِنَّ هَذِهِ أُمَّتُكُمْ أُمَّةً وَاحِدَةً وَأَنَا رَبُّكُمْ فَاعْبُدُونِ [الأنبياء:92]؟! إنك لو نظرت إلى الأمة في القرآن، ونظرت إليها على أرض الواقع لانفلق كبدك من الحزن والبكاء على واقع أمة قد انحرفت كثيراً عن منهج الله جل وعلا، وعن سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم، فلقد غيرت الأمة شرع الله، وانحرفت الأمة عن طريق رسول الله، والله جل وعلا يقول: إِنَّ اللَّهَ لا يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُوا مَا بِأَنفُسِهِمْ [الرعد:11]، فأذل الله الأمة لأحقر وأذل أمم الأرض، ممن كتب الله عليهم الذل والذلة من إخوان القردة والخنازير، من أبناء يهود، حتى من عُبَّاد البشر ساموا الأمة سوء العذاب، ولا حول ولا قوة إلا بالله! لقد أصبحت الأمة الآن قصعة مستباحة لأحقر أمم الأرض، ولأذل أمم الأرض، وحق على الأمة قول الصادق، كما في الحديث الصحيح الذي رواه أبو داود عن ثوبان رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (يوشك أن تتداعى عليكم الأمم كما تداعى الأكلة إلى قصعتها، قالوا: أومن قلة نحن يومئذٍ يا رسول الله؟! قال: كلا، إنكم يومئذ كثير، ولكن غثاء كغثاء السيل! وليوشكن الله أن ينزع المهابة من قلوب عدوكم، وليقذفن في قلوبكم الوهن، قيل: وما الوهن يا رسول الله؟! قال: حب الدنيا وكراهية الموت) . لقد أصبحت الأمة الآن -أيها الأخيار- غثاءً من النفايات البشرية، يعيش على ضفاف مجرى الحياة الإنسانية، تعيش الأمة الآن كدويلات متناثرة متصارعة متحاربة، تفصل بينها حدود جغرافية مصطنعة، ونعرات قومية جاهلية، وترفرف على سمائها رايات القومية والوطنية، وتحكم الأمة قوانين الغرب العلمانية، وتدور بالأمة الدورات السياسية، فلا تملك الأمة نفسها عن الدوران، بل ولا تختار لنفسها حتى المكان الذي تدور فيه. ذلت الأمة بعد عزة، وجهلت الأمة بعد علم، وضعفت الأمة بعد قوة، وأصبحت في ذيل القافلة الإنسانية بعد أن كانت بالأمس القريب تقود القافلة كلها بجدارة واقتدار، وأصبحت الأمة الآن تتسول على موائد الفكر الإنساني والعلمي بعد أن كانت الأمة بالأمس القريب منارة تهدي الحيارى والتائهين ممن أحرقهم لفح الهاجرة القاتل، وأرهقهم طول المشي في التيه والظلام! بل وأصبحت الأمة الآن تتأرجح في سيرها، ولا تعرف طريقها الذي يجب عليها أن تسلكه وأن تسير فيه، بعد أن كانت الأمة بالأمس الدليل الحاذق الأرب في الدروب المتشابكة، والصحراء المهلكة التي لا يهتدي للسير فيها إلا الأدلاء المجربون، ما الذي جرى؟ يبين الله سبحانه أن ما وقع للأمة إنما وقع وفق سنن ربانية لله في كونه لا تتبدل هذه السنن ولا تتغير مهما ادعى أحد لنفسه من مقومات المحاباة قال تعالى: إِنَّ اللَّهَ لا يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُوا مَا بِأَنفُسِهِمْ [الرعد:11].

    ماذا قدمت لدين الله؟

    لا أطيل في تشخيص الواقع المرير فكلنا يعرفه، ولكنني أقول: إن هذا الواقع الأليم يستنفر جميع الهمم الغيورة، ويستوجب أن يسأل كل واحد منا نفسه هذا السؤال، قل لنفسك الآن، وأنا أقول لنفسي الآن: ماذا قدمت لدين الله جل وعلا؟ سؤال مخجل، سؤال مهيب: ماذا قدمت لدين الله جل وعلا؟ سؤال يجب ألا نمل طرحه، وألا نسأم تكراره؛ لنحيي في القلوب قضية العمل لهذا الدين، في وقت تحرك فيه أهل الكفر وأهل الباطل بكل رجولة وقوة لباطلهم وكفرهم الذي هم عليه، انتعش أهل الباطل وتحركوا في الوقت الذي تقاعس فيه أهل الحق وتكاسلوا، والله يا إخوة ما انتفش الباطل وأهله إلا يوم أن تخلى عن الحق أهله، ماذا قدمت لدين الله؟ سؤال يجب ألا نمل تكراره؛ لتجييش الطاقات الهائلة في الأمة؛ لتعمل لدين الله جل وعلا؛ للقضاء على هذه السلبية القاتلة المدمرة التي تخيم الآن على سماء الأمة؛ لتحريك دماء الإسلام التي تنبض بالولاء والبراء، والغيرة لدين الله في هذا الجسد الضخم الذي يتكون مما يزيد على مليار من المسلمين والمسلمات، ماذا قدمت لدين الله جل وعلا؟

    1.   

    ما هو دور كل مسلم

    أيها المسلم! وأيتها المسلمة! واقع يجب أن يستنفر جميع الهمم الغيورة، وهنا قد يسأل كثير من المسلمين بصفة عامة وكثير من شبابنا بصفة خاصة ويقول: أنا أريد أن أقدم شيئاً لدين الله، وأن أبذل شيئاً لدين الله، ولكن ما هو دوري؟ وهذا هو عنصرنا الثاني من عناصر هذا اللقاء: ولكن ما هو دوري؟ سؤال وإن كان يمثل في الحقيقة ظاهرة صحية، إلا أنه ينم عن خلل في فهم حقيقة الانتماء لهذا الدين، إلى الحد الذي أصبح فيه المسلم لا يعرف ما الذي يجب عليه أن يقدمه لدين الله جل وعلا، لماذا؟ لأن قضية العمل للدين ما تحركت في قلبه إلا في لحظة حماس عابرة، أججها في قلبه عالم مخلص أو داعية صادق، فقام بعد هذه اللحظة الحماسية المتأججة ليسأل عن دوره الذي يجب عليه أن يبذله ويقدمه لدين الله جل وعلا، أما لو كانت قضية العمل لدين الله تشغل فكره، وتملأ قلبه، وتحرك وجدانه، ويفكر فيها في الليل والنهار، في النوم واليقظة، في السر والعلانية، لو كانت قضية العمل لدين الله كذلك في قلب كل مسلم ما سأل أبداً هذا السؤال؛ لأنه سيحدد دوره بحسب الزمان الذي يعيشه، وبحسب المكان الذي يتحرك فيه لدين الله؛ لأن قضية العمل لدين الله تملأ عليه همه، وتملأ عليه قلبه، بل وتحرق قلبه في الليل والنهار، ولكن بكل أسف أصبحت قضية العمل لدين الله قضية هامشية ثانوية في حس كثير من المسلمين، بل وأصبح لا وجود لها في حس قطاع عريض آخر ممن يأكلون ملء بطونهم، وينامون ملء عيونهم، ويضحكون ملء أفواههم، بل وينظرون إلى واقع الأمة فيهز الواحد كتفيه ويمضي وكأن الأمر لا يعنيه، وكأنه ما خلق إلا ليأكل ويشرب، وإلا ليحصل الشهادة، أو ليحصل الزوجة الحسناء، هذا كل همه في هذه الحياة!! أنا لا أمنع -أيها الحبيب- من أن تحمل في قلبك هموماً كثيرة، أن تحمل هم الوظيفة، وهم الزوجة، وهم الأولاد، وهم السيارة والعمارة، وهم الدولار والدينار والدنيا، لكن ما هو الهم الأول في خريطة همومك التي تحملها في هذه الدنيا، هل هو هم الدين؟ أم هل هو هم الدنيا؟

    أكبر هم ينبغي لكل مسلم أن يحمله

    لابد من مصارحة للنفس، نقب عن الهم الأول في خريطة همومك التي تحملها في هذه الحياة الدنيا، أنت ما خلقت إلا لدين الله ولعبادة الله، ولطاعة الله، قال جل في علاه: وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالإِنسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ [الذاريات:56]، هذه هي الغاية، وتلك هي الوظيفة التي تحولت في حياتنا إلى فرع بل إلى لا شيء في حس كثير ممن ينتسبون إلى هذا الدين، وظن قطاع عريض من المسلمين أن الدعوة إلى الله، وأن بذل الجهد لدين الله إنما هو أمر مقصور على فئة من العلماء الصادقين، والدعاة المخلصين، وهذا ورب الكعبة وهم كبير؛ فإننا جميعاً أيها الأخيار ركاب سفينة واحدة إن نجت هذه السفينة نجونا، وإن هلكت هلكنا، كما في صحيح البخاري من حديث النعمان بن بشير أن البشير النذير صلى الله عليه وسلم قال: (مثل القائم على حدود الله، والواقع فيها كمثل قوم استهموا على سفينة، فأصاب بعضهم أعلاها، وأصاب بعضهم أسلفها، فكان الذين في أسفلها إذا استقوا الماء مروا على من فوقهم، فقالوا: لو أننا خرقنا في نصيبنا خرقاً؛ حتى لا نؤذي من فوقنا، يقول المصطفى: لو تركوهم وما أرادوا لهلكوا جميعاً، ولو أخذوا على أيديهم لنجوا ونجوا جميعاً). فنحن جمعياً ركاب سفينة واحدة، إن هلكت السفينة هلك الصالحون مع الطالحين، هلك المتقون مع المفسدين، ويبعث بعد ذلك كل واحد على نيته .. يبعث كل واحد على ما مات عليه، فالعمل للدين ليس مسئولية العلماء والدعاة فحسب، بل هو مسئولية كل مسلم ومسلمة ينبض قلبه بحب هذا الدين، وبالولاء والبراء، وبحب عقيدة لا إله إلا الله. بكل أسف فرق قطاع عريض من الأمة بين حقيقة الانتماء لهذا الدين وبين العمل له، لا معنى إطلاقاً لأن تكون منتمياً للإسلام دون أن تبذل للإسلام أي شيء، لا معنى لانتمائك هذا البتة! ما معنى انتمائك للإسلام ولهذا الدين؟ لا تفرق بين انتمائك وعملك، لا تفرق بين انتمائك وجهدك، لا تفرق بين انتمائك وحركتك لدين الله في الليل والنهار على حسب قدرتك وإمكانياتك واستطاعتك.

    همة أبي بكر الصديق رضي الله عنه

    تعلموا -أيها الأخيار- من أصحاب النبي المختار الذين فهموا أن الانتماء لدين الله جل وعلا يستوجب أن يبذل الواحد منهم أقصى ما في طاقته من جهد لهذا الدين، هذا هو صدِّيق الأمة الأكبر.. وأسألكم بالله أن تتدبروا هذه النماذج، فأنا لا أسوقها لمجرد الثقافة الذهنية الباردة، ولا من أجل التسلية وتضييع الوقت، بل أسوق هذه الأمثلة ليقف كل واحد منا مع نفسه الآن؛ ليسأل نفسه بعد هذه الخطبة: ماذا قدمت أنا لدين الله جل وعلا؟ هذا صديق الأمة الأكبر، شرح الله صدره للإسلام؛ فنطق بالشهادتين بين يدي رسول الله، وعلى الفور. يستشعر مسئوليته تجاه هذا الدين، أنا أسألكم بالله: ما الذي تعلمه أبو بكر في هذه الدقائق من رسول الله سوى الشهادتين؟! مع سماعه لكلمات يسيرة جداً من المصطفى، ومع ذلك يستشعر مسئوليةً ضخمةً تجاه هذا الدين بمجرد أن ردد لسانه الشهادتين، فيترك الصديق رسول الله وينطلق ليدعو، ليدعو بماذا؟ والله ما عكف على طلب العلم سنوات لينطلق بعد ذلك للدعوة، ولكن بالقدر الذي أعطاه الله من النور خرج وهو يستشعر مسئوليته الضخمة لهذا الدين، ليست العبرة بالمحاضرات الطويلة الرنانة المؤثرة، والله يا أخي لو علم الله منك الصدق والإخلاص، وتكلمت كلمة واحدة لحركت كلمتك القلوب، فكم من محاضرات لا تحرك ساكناً، اللهم ارزقنا الإخلاص في القول والعمل، فالإخلاص والصدق هما اللذان يحركان القلوب، الكلمة إن كانت صادقة وإن كانت مخلصة ولو كانت يسيرة قليلة تحيي القلوب الموات، قال الشاعر: بين الجوانح في الأعماق سكناها فكيف تنسى ومن في الناس ينساها الأذن سامعة والعين دامعة والروح خاشعة والقلب يهواها والسر هو: الصدق والإخلاص، تحرك الصديق بكلمات يسيرة جداً، هل تصدق أيها المسلم أن الصديق بهذه الكلمات المخلصة الصادقة قد عاد إلى النبي في اليوم التالي لإسلامه بخمسة من العشرة المبشرين بالجنة؟! إنها بركة الدعوة وبركة الحركة والجهد لدين الله، ما قال: لا، تحرك بالقدر الذي من الله به عليك من علم في الدين، من علم في الدنيا، من علم في أي جانب، استغل مركزك ومنصبك لدين الله سبحانه، المهم أن ترى في قلبك هماً لدين الله، المهم أن تفكر كيف تعمل شيئاً لدين الله سبحانه.

    همة الطفيل بن عمرو رضي الله عنه

    وهذا هو الطفيل بن عمرو مثال آخر يأتي إلى مكة ورحى الصراع دائرة بين المشركين وبين رسول الله، ويلتقف جهاز الإعلام الخبيث في مكة الطفيل بن عمرو ، يستحوذ هذا الجهاز الإعلامي الذي لا يخلو منه زمان ولا مكان على الطفيل بن عمرو ، وقال السادة من الزعماء والكبراء ممن يتحكمون في أجهزة الإعلام التي تشوش وتلبس على الناس عقيدتهم ودينهم: طفيل ! إنك قد نزلت بلادنا، وقد ظهر فينا هذا الرجل الذي قد مزق شملنا، وشتت جمعنا، وفرّق بين الأخ وأخيه، والابن وأبيه، ونحن نخشى أن يحل بك وبزعامتك في قومك ما قد حل بنا في قومنا، فإياك أن تسمع منه كلمة واحدة، أو أن تكلمه كلمة! فإن له كلاماً كالسحر يفرق بين الأخ وأخيه، والابن وأبيه! قال الله تعالى: وَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لا تَسْمَعُوا لِهَذَا الْقُرْآنِ وَالْغَوْا فِيهِ لَعَلَّكُمْ تَغْلِبُونَ [فصلت:26]، وظلوا يحذرون ويخوفون الطفيل حتى عزم الرجل ألا يقترب من رسول الله، فلما غدا إلى بيت الله الحرام ملأ أذنيه بالقطن، حتى لا يسمع كلمة من رسول الله. يقول الطفيل : فأبى الله إلا أن يسمعني بعض ما يقول محمد بن عبد الله، يقول: فرأيت محمداً في الكعبة يصلي صلاة غير صلاتنا، ورأيتني قريباً منه، وسمعت آيات القرآن التي يتلوها محمد. ولك أن تتصور القرآن الذي لو أنزله الله على جبل لتصدع وتفتت! لك أن تتصور كيف يكون حال هذا القرآن إن خرج بصوت الحبيب المصطفى الذي أنزل الله عليه القرآن!! تحرك قلب الطفيل ، ثم قال لنفسه: ثكلتك أمك يا طفيل !! إنك رجل لبيب عاقل شاعر، لا تعجز أن تفرق بين الحسن والقبيح، اسمع للرجل، لا تحكم على الرجل قبل أن تسمع منه، وقبل أن تجلس بين يديه، وقبل أن تراه، وانطلق الطفيل ، وتبع النبي صلى الله عليه وسلم حتى خرج من الكعبة إلى بيته، وأخبره بما كان من أمر قريش، وقال له: يا محمد! اعرض علي أمرك، فعرض النبي عليه الإسلام في كلمات يسيرة قليلة جداً، فقال الطفيل : والله! ما رأيت أحسن من أمرك، وما رأيت أعدل من قولك! ابسط إلي يديك لأبايعك يا رسول الله!! وانطلق الطفيل بشهادة أن لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله، ثم قال الطفيل وهو في موقفه ذاك: يا رسول الله! أرسلني داعية إلى قومي (دوس)؛ فإنهم كفروا بالله، وفشا فيهم الزنا. ما عندك يا طفيل ؟! ما الذي تعلمت يا طفيل ؟! إنها المسئولية التي حملها في قلبه مع أول كلمة ينطق بها لسانه لدين الله، ومع أول لحظة حب ووفاء لمحمد بن عبد الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم، ينطق بالشهادة فيعلم أن هذه الشهادة قد أوجبت عليه أن يتحرك لدين الله، لماذا أنت مسلم؟ منذ متى وأنت تصلي؟ منذ متى وأنت تحضر مجالس العلم؟ هل أتيت برجل آخر؟ هل دعوت آخر لدين الله؟ هل نظرت إلى جارك المعرض عن الله جل وعلا فتحسر قلبك ووجهت إليه دعوة لله سبحانه؟ من يحمل هذا الهم؟ لأن قضية العمل لدين الله أصبحت ثانوية .. هامشية في حس الكثير إلا من رحم ربك جل وعلا، الطفيل يشهد أن لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله، وعلى الفور يستشعر المسئولية لهذا الدين فيقول: أرسلني داعية إلى قومي يا رسول الله! فأرسله المصطفى، ثم قال الطفيل : ادع الله أن يرزقني آية يا رسول الله! فدعا المصطفى ربه أن يرزق الطفيل آية، فما أن وصل إلى مشارف قومه إلا وقد ظهرت الآية التي تتمثل في نور في وجه الطفيل كالقنديل، فقال الطفيل : لا، يا رب؛ حتى لا يقولوا مثلة، حتى لا يقولوا إن الأصنام هي التي فعلت بي ذلك، ولكن اجعل هذا النور على طرف سوطي، فاستجاب الله دعاءه وانتقل هذا النور كالقنديل إلى طرف سوط الطفيل بن عمرو . وذهب إلى قومه فدعاهم إلى الله، ثم عاد بعد ذلك يقول للمصطفى: يا رسول الله! هلكت (دوس)، ادع الله عليهم! فرفع صاحب القلب الكبير يديه إلى السماء ودعا الله جل وعلا وقال: (اللهم اهدِ دوساً وأت بهم)، فاستجاب الله دعاء المصطفى، وعاد إليهم الطفيل بعد ذلك، ثم عاد بدوس كلها تشهد أن لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله، وعلى رأس دوس راوية الإسلام العظيم أبو هريرة رضي الله عنه، الذي سيأتي مع قبيلة دوس في ميزان الطفيل بن عمرو يوم القيامة، كما ستأتي الأمة كلها في ميزان المصطفى صلى الله عليه وسلم!!

    همة نعيم بن مسعود رضي الله عنه

    وهذا هو نعيم بن مسعود ، رضي الله عن نعيم: ذلكم الفدائي البطل الذي جاء إلى المصطفى في وقت عصيب رهيب، كادت القلوب أن تخرج من الصدور في غزوة الأحزاب، أحاط المشركون بالمدينة من كل ناحية من حول الخندق، وفي لحظات حرجة قاسية نقض يهود بني قريظة العهد مع رسول الله، وشكلوا تهديداً داخلياً خطيراً على النساء والأطفال، وتعاهدوا مع المشركين على أن يحاربوا محمداً معهم. وهذا هو فعل اليهود، وهذه هي صفتهم، فاليهود لا يجيدون إلا الغدر ونقض العهود، نقضوا العهد مع رسول الله في وقت حرج، ولك أن تتصور الحالة النفسية التي مر بها المصطفى مع أصحابه، وقد وصفها الله في القرآن وصفاً دقيقاً بليغاً، تدبر معي قول الله لهذه الحالة: وَإِذْ زَاغَتِ الأَبْصَارُ وَبَلَغَتِ الْقُلُوبُ الْحَنَاجِرَ وَتَظُنُّونَ بِاللَّهِ الظُّنُونَا * هُنَالِكَ ابْتُلِيَ الْمُؤْمِنُونَ وَزُلْزِلُوا زِلْزَالًا شَدِيدًا * وَإِذْ يَقُولُ الْمُنَافِقُونَ وَالَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ مَا وَعَدَنَا اللَّهُ وَرَسُولُهُ إِلَّا غُرُورًا [الأحزاب:10-12]. تصور هذه الحالة! ممن مع رسول الله من يقول: (مَا وَعَدَنَا اللَّهُ وَرَسُولُهُ إِلَّا غُرُورًا)، المشركون يحيطون بنا، واليهود نقضوا العهد وسيدمروننا من الداخل، ويقتلون نساءنا وأطفالنا، حالة قاسية! حتى قام المصطفى ليتضرع إلى الله: (اللهم منزل الكتاب، مجري السحاب، سريع الحساب، اهزم الأحزاب، اللهم اهزمهم وزلزلهم) ، تصور معي هذه الحالة، وفي هذا الوقت الحرج جاء نعيم بن مسعود رضي الله عنه، لماذا؟ أقبل إلى النبي صلى الله عليه وسلم وهو يصلي بين المغرب والعشاء، فالتفت إليه المصطفى صلى الله عليه وسلم وقال: (ما جاء بك يا نعيم ؟ قال: جئت أشهد أن لا إله إلا الله، وأنك رسول الله، وأن ما جئت به هو الحق. ابسط إلي يديك لأبايعك يا رسول الله!) فبايعه المصطفى، وشهد نعيم شهادة التوحيد، وعلى الفور قال لرسول الله: (يا رسول الله! مرني بما شئت؛ فوالله لا تأمرني بشيء إلا قضيته؛ فإنه لا يعلم أحد من القوم بإسلامي، فقال له المصطفى: يا نعيم ! إنما أنت فينا رجل واحد، فخذل عنا ما استطعت، فإن الحرب خدعة) فانطلق نعيم ، ولم يضع النبي له تفاصيل خطة، بل أمره أمراً عاماً: (خذل عنا ما استطعت)، وانطلق نعيم الذي استشعر مسئوليته تجاه هذا الدين، الرجل في مأزق! في فتنة! الإسلام يتعرض لخطر! فلماذا لا أبذل؟! لماذا لا أقدم؟! فكر هذا الفدائي الذي لم يمض على دخوله في دين الله إلا دقائق، ولكنه يستشعر مسئوليته لدين الله، الأحزاب يحيطون بالمدينة، ورسول الله في فتنة خطيرة فليبذل دمه، فليبذل روحه، وهاأنتم ترون الآن الإسلام والمسلمين في محنة، ومع ذلك منا -والله- من لا يفكر في أن يبذل شيئاً لدين الله لا في ليل أو نهار، حتى لو دعونا الناس لمجرد الإنفاق، ترى التقاعس، هذا مسجد مثلاً لله جل وعلا ترون فيه الطابق الثاني منذ متى ونحن نشيده؟ منذ متى ونحن ندعو لتشييده وبنائه؟ والناس يقفون الآن في الشمس، ومع ذلك سيسمع كثير منا هذا اللقاء، وفي جيبه الأموال من فضل الله وسيمضي ولن يساهم ولو بالقليل وكأن الأمر لا يعنيه، لماذا؟ لأن قضية العمل لهذا الدين أصبحت تتمثل في حسه في الخطبة والمحاضرة والندوة، هذا هو العمل للدين، لا، العمل لا ينتهي لدين الله عند خطبة الجمعة، أو عند محاضرة لشيخ، أو عند ندوة لعالم، بل إن الدين يحتاج إلى كل جهد، ولو كان هذا الجهد قليلاً!! نعيم بن مسعود انطلق يفكر كيف يعمل لدين الله. فتدبروا معي يا شباب، تدبروا معي؛ حتى لا يأتي شاب، فيقول: ماذا أفعل؟ ما دوري؟ لا مانع من أن تستأنس، وأن تسأل إن استشكلت عليك مسألة؛ لكن فكر لدين الله، كيف تعمل وكيف تبذل.. انطلق نعيم إلى يهود بني قريظة فقال: لقد جئتكم أبذل لكم النصيحة فاكتموا عني. فقالوا: قل يا نعيم ! قال: تعلمون ما بيني وبينكم. قالوا: لست عندنا بمتهم، وأنت عندنا على ما نحب من الصدق والبر. فقال نعيم : إن أمر هذا الرجل بلاء، يقصد النبي عليه الصلاة والسلام، فقد استحل نعيم من رسول الله أن يقول ما شاء، فقال له المصطفى: (قل فأنت في حل). فقال: إن أمر هذا الرجل بلاء، أنتم ترون -يا يهود بني قريظة- ما فعل بيهود بني قينقاع وبني النظير، ولستم كقريش وغطفان، فإن قريشاً وغطفان قد جاءوا من بلادهم ونزلوا حول المدينة، فإن رأوا فرصة انتهزوها، وإن كانت الأخرى عادوا إلى ديارهم وبلادهم وأموالهم، وانفرد بكم محمد؛ ليفعل بكم ما فعل بيهود بني قينقاع وبني النظير، فأنا جئت لكم اليوم أبذل لكم النصيحة. قالوا: ما هي يا نعيم ؟! قال: لا تقاتلوا مع قريش وغطفان حتى تأخذوا سبعين رجلاً من أشرافهم، تستوثقون بهم منهم أنهم لن يبرحوا المدينة حتى يقتلوا محمداً، وحتى يريحوكم من شره. قالوا: نعم الرأي يا نعيم . قال: اكتموا عني هذا؛ فإني ناصح لكم. قالوا: نفعل. فتركهم نعيم الفدائي البطل، وذهب إلى قائد جيوش الشرك أبي سفيان وقال: يا أبا سفيان ! تعلم الود الذي بيني وبينك. قال: نعم، يا نعيم . قال: لقد جئتك الآن بنصيحة. قال: ابذلها! قال: ألا تعلم يا أبا سفيان أن يهود بني قريظة قد ندموا على نقضهم للعهد مع محمد بن عبد الله وذهبوا إليه وقالوا: بأننا لن نقاتل مع قريش ضدك، ولنثبت لك صدقنا سوف نرسل إليك سبعين رجلاً من أشراف قريش وغطفان لتقتلهم، لتعلم أننا قد ندمنا على نقضنا للعهد معك. ففزع أبو سفيان! فقال نعيم: إياك أن تسلم اليهود رجلاً واحداً من أشرافكم. قال: أفعل يا نعيم، وشكر له هذه النصيحة الغالية. وتركه وذهب إلى غطفان، فقال لهم مثلما قال لـأبي سفيان ، وفي الوقت نفسه أرسل اليهود إلى قريش وغطفان ليقولوا: ادفعوا إلينا سبعين رجلاً من أشرافكم؛ لنستوثق بهم أنكم لن تبرحوا المدينة حتى تقاتلوا معنا محمداً، ولن تدعونا؛ لينفرد محمد بقتالنا. فقالت قريش وغطفان: صدق -والله- نعيم ، كذب اليهود عليهم لعائن الله، ولما رفض القرشيون أن يسلموا اليهود الأشراف، وعاد الرسل لليهود قالوا: صدق -والله- نعيم ، إنهم يريدون أن ينصرفوا؛ لينفرد محمد بقتالنا، فخذل الله عز وجل بين قريش وغطفان، وبين اليهود على يد نعيم بن مسعود رضي الله عنه، ويئس هؤلاء من نصر هؤلاء، ويئس هؤلاء من نصر هؤلاء، واستراح قلب النبي داخل المدينة؛ لأن اليهود قد نقضت العهد مرة أخرى مع قريش وغطفان، وقد انشغل قلبه، وانشغلت قلوب أصحابه على ذراريهم ونسائهم وأموالهم داخل المدينة، وهم قد خرجوا ليحاصروا المدينة من الخارج في مواجهة الصف المشرك الذي خندق حولها. على يد رجل ثبت الله جيشاً، ما وضع النبي صلى الله عليه وسلم له بنود هذه الخطة، بل فكر وعلى قدر الإخلاص والصدق يكون التوفيق من الله جل وعلا.

    همة أبي محجن

    أيها الشباب! قد يرد علي الآن رجل من آبائنا أو شاب من أحفادنا أو أخت من أخواتنا -وهذا سؤال مثار- ويقول: يا أخي! ولكني أستحي أن أتحرك لدين الله وأنا مقصر.. وأنا مذنب.. وأنا عاص.. أنا أعلم حقيقة نفسي!! أقول: لو تخاذلت عن العمل لدين الله فقد أضفت إلى تقصيرك تقصيراً، وإلى ذنوبك ذنباً، فلا يحملك ذنبك على أن تترك العمل لدين الله، ولا يمنعك تقصيرك، ولا يمنحك إجازة مفتوحة من العمل للإسلام، لا!! خذ هذه الرسالة الرقيقة من أبي محجن الثقفي رضي الله عنه، رجل مدمن على شرب الخمر، سبحان الله!! مع أنه فارس مغوار، إذا نزل الميدان أظهر البطولة والرجولة! ولكنه ابتلي بإدمانه على شرب الخمر، ومع ذلك تراه جندياً في صفوف القادسية، هل خرج للقتال؟ نعم. وهو الذي كثيراً ما يؤتى به ليقام عليه الحد. وفي ميدان البطولة والشرف أتي به لقائد الجيش سعد بن أبي وقاص ؛ لأنه قد شرب الخمر فلعبت الخمر برأسه مرة أخرى، فأمر سعد بن أبي وقاص -خال رسول الله- أن يمنع أبو محجن من المشاركة في المعركة، وأن يقيد حتى تنتهي المعركة؛ لأنه لا تقام الحدود في أرض العدو. وقيد أبو محجن ، وبدأت المعركة، وارتفعت أصوات الأبطال، وقعقعت السيوف والرماح، وتعالت أصوات الخيول!! وفتحت أبواب الجنة لتطير إليها أرواح الشهداء، وهنا احترق قلب أبي محجن الذي جيء به وهو على معصية، لم يفهم أبو محجن أن الوقوع في المعصية يمنحه إجازة مفتوحة من العمل لدين الله، من المشاركة لنصرة لا إله إلا الله، وإنما احترق قلبه وبكى، ونادى على زوج سعد بن أبي وقاص سلمى وقال لها: أسألك بالله يا سلمى ! أن تفكي قيدي، وأن تدفعي لي سلاح وفرس سعد ؛ لأن سعدا قد أقعده المرض عن المشاركة في القادسية إلا بالتخطيط. فرقت سلمى لحال أبي محجن ، ففكت قيده، ودفعت له السلاح والفرس وقال لها: إن قتلت فالحمد لله، وإن أحياني الله جل وعلا فلك على أن أعود إلى قيدي؛ لأضعه في رجلي بيدي مرة أخرى، وانطلق أبو محجن ، وتغير سير المعركة على يد بطل! على يد فارس! حتى قال سعد الذي جلس في عريش فوق مكان مرتفع؛ ليراقب سير المعركة، قال سعد : والله! لولا أني أعلم أن أبا محجن في القيد، لقلت بأن هذا الفارس هو أبو محجن ، ولولا أني أعلم أن البلقاء في مكانها لظننت أنها البلقاء، فردت عليه زوجه، وقالت: نعم، إنه أبو محجن وإنها البلقاء، وحكت له ما قد كان!! ولما انتهت المعركة دخل سعد بن أبي وقاص على أبي محجن في موقعه في سجنه، فوجد أبا محجن وقد وضع القيد في رجليه بيديه مرة أخرى، فبكى سعد بن أبي وقاص ورق لحاله، وقال له: قم يا أبا محجن ، وفك القيد عن قدميه بيديه، وقال له سعد : والله! لا أجلدك في الخمر بعدها أبداً، فنظر إليه أبو محجن وقال: ربما كنت أزل فيها لأنني أعلم أنني أطهر بعدها بالجلد، أما الآن لا تجلدني، وأنا والله لا أشرب الخمر بعد اليوم أبداً! وصدق مع الله جل وعلا. فهذه رسالة رقيقة يرسلها أبو محجن الثقفي للعصاة من أمثالي، لأهل الذنوب من أمثالي؛ من أجل ألا تمنحهم ذنوبهم ومعاصيهم إجازة مفتوحة من أن يتحركوا لدين الله، ومن أن تحترق قلوبهم بالعمل لدين الله جل وعلا! حتى الهدهد -ذلكم الطائر الأعجم حين كان في مملكة ضخمة على رأسها نبي، وقد سخر فيها الإنس والجن والطير والريح لهذا الملك النبي- لم يفهم من ذلك أنه قد أخذ إجازة من أجل ألا يعمل لدين الله. الهدهد؟ إي والله تحرك ليعمل للدين؟ إي والله! بل جاء إلى هذا الملك النبي ليكلمه بكل ثقة: أَحَطتُ بِمَا لَمْ تُحِطْ بِهِ وَجِئْتُكَ مِنْ سَبَإٍ بِنَبَإٍ يَقِينٍ * إِنِّي وَجَدتُّ امْرَأَةً تَمْلِكُهُمْ وَأُوتِيَتْ مِنْ كُلِّ شَيْءٍ وَلَهَا عَرْشٌ عَظِيمٌ * وَجَدْتُهَا وَقَوْمَهَا يَسْجُدُونَ لِلشَّمْسِ مِنْ دُونِ اللَّهِ وَزَيَّنَ لَهُمُ الشَّيْطَانُ أَعْمَالَهُمْ فَصَدَّهُمْ عَنِ السَّبِيلِ فَهُمْ لا يَهْتَدُونَ [النمل:22-24]، ويعلن الهدهد براءته من عقيدة الشرك والكفر ويقول: أَلَّا يَسْجُدُوا لِلَّهِ الَّذِي يُخْرِجُ الْخَبْءَ فِي السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ وَيَعْلَمُ مَا تُخْفُونَ وَمَا تُعْلِنُونَ * اللَّهُ لا إِلَهَ إِلَّا هُوَ رَبُّ الْعَرْشِ الْعَظِيمِ [النمل:25-26]. هدهد لم يعجز أن يجد لنفسه دوراً في مملكة موحدة لا في بيئات، لا في بلد نحت شريعة الله، بل في مملكة موحدة على رأسها ملك نبي، لم يعجز أن يجد لنفسه دوراً ليعمل لدين الله، فهل تعجز -أيها المسلم وأيها الشاب- أن تجد لنفسك دوراً الآن حتى تعطي نفسك إجازة مفتوحة ألا تتحرك، وألا تعمل شيئاً لدين الله جل وعلا؟!

    1.   

    تبعة ثقيلة وأمانة عظيمة

    أقول: يجب أن نزيل من قلوبنا وهماً كبيراً يتمثل في أن العمل للدين هو الخطبة والندوة والمحاضرة، لا! بل إن العمل للدين مسئولية كل مسلم ومسلمة على وجه هذه الأرض، وهذا هو عنصرنا الثالث: تبعة ثقيلة وأمانة عظيمة أطوق بها الأعناق. أيها المسلمون في كل مكان! يا من تستمعون إلي الآن في هذا البيت المبارك أو عبر شريط (الكاست) بعد ذلك! اعلموا بأن كل مسلم ومسلمة على وجه الأرض نبض قلبه بحب الله، وحب رسول الله، واجب عليه أن يتحرك لدين الله على حسب قدرته واستطاعته وإمكانياته المتاحة، ليس بالضرورة أن ترتقي المنبر هنا، ليس بالضرورة أن تجلس على الكرسي لتحاضر، لكن لابد أن تتحرك لدين الله في موقعك. أنت طبيب، هل حولت الإسلام في حياتك إلى عمل؟ أنت مدرس، هل حولت الإسلام في فصلك إلى منهج حياة؟ أنت موظف، هل اتقيت الله في عملك وراقبت الله في السر والعلن، وقال الجمهور ممن يتعاملون معك: هذا موظف مسلم يخشى الله جل وعلا، أم أنك لا تقدم شيئاً إلا إن أخذت الرشوة بأسلوب صريح أو غير صريح؟ أين الإسلام؟ أين الإسلام في واقع حياتنا؟ هل شهدنا للإسلام شهادة عملية سلوكية أخلاقية بعدما شهد كلنا شهادة قولية باللسان؟ مع أننا نعلم يقيناً أن القول إن خالف العمل بذر بذور النفاق في القلوب قال تعالى: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا لِمَ تَقُولُونَ مَا لا تَفْعَلُونَ * كَبُرَ مَقْتًا عِنْدَ اللَّهِ أَنْ تَقُولُوا مَا لا تَفْعَلُونَ [الصف:2-3]، ونحن نقول ما لا نفعل إلا من رحم ربك جل وعلا، أسأل الله أن يجعلنا وإياكم ممن رحم! العمل للدين مسئولية كل مسلم، وهاأنا سأضع لك خطوات عملية فاحفظها، حتى لا تسأل بعد ذلك: ما هو دوري؟ ماذا أفعل؟

    احمل هم هذا الدين في قلبك

    الخطوة الأولى: احمل هم الدين في قلبك، حاول أن تكون لقضية الدين مساحة في خريطة اهتماماتك وبرامجك، وأن يحرك الدين عواطفك، وأن يحرق هم الدين وجدانك، هذه أول خطوة، فمحال أن يتحرك الإنسان لشيء لا يعتقده، لا يحمله في قلبه، فاحمل هم الدين في قلبك لتتحرك له.

    فرغ شيئاً من وقتك لتتعلم الفرائض

    الخطوة الثانية: فرغ شيئاً من وقتك، لابد حتماً حتى ولو ساعة في اليوم لدين الله؛ لتتعلم الدين، لتفهم الدين فهماً صحيحاً على أيدي العلماء العاملين، والدعاة الصادقين، لابد أن تفرغ وقتاً من وقتك لتتعلم، محال أن تنصر شيئاً تجهله. فرض عين عليك يا مسلم، وفرض عين عليك أيتها المسلمة، فرض عين على كل مسلم أن يتعلم فروض الأعيان؛ ليعبد الله عبادة صحيحة: تتعلم الصلاة، وأحكام الصلاة، وأركان الصلاة، ونواقض الصلاة، ومبطلات الصلاة. تتعلم قبل الصلاة التوحيد، وحقيقة التوحيد، ومكانة التوحيد، وكيف أن النبي صلى الله عليه وسلم ربى الأمة ابتداءً على التوحيد. وتتعلم كيفية الصيام، وأحكامه، وآدابه، وسننه. وتتعلم الزكاة، ومقادير الزكاة، وكيف تخرج الزكاة. وتتعلم البيوع، إذا كنت تاجراً يتاجر بالدرهم والدينار. وتتعلم مناسك الحج، فرض عين عليك أن تتعلم فروض الأعيان؛ لتعبد الله جل وعلا عبادة صحيحة. فهل تعلمتها؟ هل فرغت شيئاً من وقتك لتجلس بين يدي العلماء والدعاة لتتعلم دين الله؟ هذه هي الخطوة العملية الثانية.

    حول ما تعلمته إلى واقع عملي

    الخطوة الثالثة: حملت هم الدين وتعلمت وفهمت؟ يجب عليك بعد ذلك أن تحول هذا الدين الذي تحمل همه والذي تعلمته وفهمته في حياتك إلى واقع عملي وإلى منهج حياة.

    تحرك لنصرة هذا الدين

    الخطوة الرابعة: إن فعلت ذلك فاخط على الطريق خطوات عملية لازمة، تتمثل في: أن تدعو غيرك لهذا الدين الذي تحمل همه، ولهذه القضية التي تعتنقها، والتي تعلمتها وفهمتها وعملتها، تحرك بعد ذلك على الفور لدين الله جل وعلا؛ لتبلغ غيرك، ولتنقل هذا النور، فلا تكن زهرة صناعية -أي: من صنع البشر- لا تحمل من عالم الأزهار إلا اسمها، وكن زهرة كالأزهار التي خلقها الله لا تحبس عن الناس أريجها وعطرها، فإن من الله عليك بالنور فانقل هذا النور إلى غيرك من المسلمين، ولتتحرك الأخت المسلمة لتنقل هذا النور إلى غيرها من الأخوات المسلمات. تكثيرك لسواد المسلمين الآن في خطبة الجمعة أو في محاضرة من المحاضرات؛ لإغاظة المنافقين، لتبين لهم أننا لا زلنا نحب هذا الدين، وتحترق قلوبنا له هذا عمل للدين. جلوسك في مجلس علم لتتعلم عقيدة التوحيد، ولتعمل بها ولتعلمها غيرك عمل للدين. جلوسك في حلقة قرآن بعد العصر لتحفظ القرآن، ولتحفظه غيرك بعد ذلك عمل للدين. تربيتك لزوجتك وأولادك تربية طيبة على القرآن والسنة عمل للدين. اهتمامك بدروسك -أيها الطالب المسلم- وتفوقك في جامعتك ودراستك وحصولك على المراكز الأولى عمل للدين. اهتمامك بزوجك -أيتها المرأة المسلمة- وحفظك لعرضه ولشرفه، ووقوفك إلى جواره في تربية الأولاد تربية طيبة وعدم الإنهاك لظهره بالطلبات والنفقات التي لا يقدر عليها عمل للدين. التزامك -أيها الموظف والمسئول المسلم- بعملك في مواعيده المنضبطة وإصلاحك وتفانيك في خدمة جماهير المسلمين عمل للدين. صدقك في كلامك وإخلاصك في وفائك للوعود والعهود عمل للدين، نشرك لشريط استمعته واستفدت منه عمل للدين، إلصاقك لإعلان خطبة جمعة أو لمحاضرة علم عمل للدين. غيرتك في قلبك على حرمات الله التي تنتهك عمل للدين. أمرك بالمعروف ونهيك عن المنكر عمل للدين. صدقك وإخلاصك في أي عمل عمل للدين. دعوتك لغيرك بالحكمة والرحمة عمل للدين. رفقك في نصيحة إخوانك عمل للدين. إنفاقك لمال على فقير أو يتيم أو مسكين عمل للدين. تخصيصك لجزء من راتبك للدعوة إلى الله أو للإنفاق على طالب علم أو لداعية من الدعاة عمل للدين. مساهمتك في بناء مسجد كهذا عمل للدين، ماذا تريدون بعد ذلك؟!! والله! لا يترك هذا المجال الفسيح إلا مخذول محروم، ابذل أي شيء، أهل الباطل يتحركون بكل قوة، نتنياهو يعلمنا كيف يكون البذل للعقيدة وهو على الكفر، وأهل الحق وأهل التوحيد في تقاعس مرير، بالله عليكم: ماذا لو تحرك هذا الجمع الذي يتكون من الآلاف بين يدي، ماذا لو تحرك كل هذا الجمع ليتحولوا إلى دعاة صادقين في مواقع الأعمال، ومواطن الإنتاج، وعلى كراسي الوظائف؟ ماذا يكون لو تحولوا جميعاً إلى دعاة صادقين لدين الله جل وعلا؟ أيها الأخيار الكرام! الرسول يحملنا هذه الأمانة: (بلغوا عني ولو آية) والحديث في الصحيحين، ويقول صلى الله عليه وسلم: (ما من نبي بعثه الله في أمة قبلي إلا وكان له من أمته حواريون وأصحاب، يأخذون بسنته ويقتدون بأمره، ثم إنه تخلف من بعدهم خلوف)، أسأل الله ألا يجعلنا منهم. فلن تكون من حواريي وأنصار رسول الله إلا إذا حملت هم دعوة النبي في قلبك، وإلا إذا تحركت لها وفكرت لها في النوم واليقظة والسر والعلانية، يقول ابن القيم في تعليقه على قول الله: قُلْ هَذِهِ سَبِيلِي أَدْعُوا إِلَى اللَّهِ عَلَى بَصِيرَةٍ أَنَا وَمَنِ اتَّبَعَنِي [يوسف:108]، يقول ابن القيم رحمة الله عليه: لن يكون الرجل من أتباع النبي حقاً حتى يدعو إلى ما دعا إليه النبي على بصيرة، فهل دعوت إلى الله؟ هل تحركت لدين الله أيها الحبيب؟ هل تحركت لدين الله يا أختاه؟ تحركوا -أيها المسلمون- من الآن، الدعوة إلى الله فرض عين على كل مسلم ومسلمة كل بحسب قدرته، هذا ما قرره علماؤنا في هذا الزمان؛ لأن الكفر انتشر؛ ولأن الإلحاد ظهر؛ ولأن الزندقة كثرت؛ ولأن العلمانيين يهدمون صرح الإسلام في الليل والنهار، فيجب عليك أن تتحرك في حدود قدراتك وإمكانياتك، واعمل ولست مسئولاً عن النتيجة، الله جل وعلا يقول: وَقُلِ اعْمَلُوا فَسَيَرَى اللَّهُ عَمَلَكُمْ وَرَسُولُهُ وَالْمُؤْمِنُونَ [التوبة:105]. لا أريد أن أشق أكثر من ذلك على أحبابي وإخواني الذين أراهم يقفون في الشمس قبل أن أرتقي هذا المنبر، ولذا فأنا ألزم الجميع الآن ترجمة عملية للعمل لدين الله سبحانه، ألا يفارق هذا المكان أحد صلى معنا إلا وقد ساهم بأي شيء لننهي الدور الأعلى في هذا البيت الكريم المبارك؛ حتى لا نشق على إخواننا بعد ذلك في صلوات الجمعة فيجدون مكاناً يسمعون فيه قول الله وقول رسول الله صلى الله عليه وسلم، وابحث أنت بنفسك عن إخوانك الذين يجمعون، فإن كل تبرعات اليوم لتشييد الدور الثاني في هذا البيت الكريم المبارك الذي يمثل منارة للتوحيد والهدى في محافظة (الدقهلية) بأكملها، أسأل الله جل وعلا أن ينفع به وأن ينفعنا وإياكم بما نسمع وبما نقول، وأقول قولي هذا وأستغفر الله العظيم لي ولكم.

    1.   

    فجر الإسلام قادم

    الحمد لله رب العالمين، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن سيدنا محمداً عبده ورسوله، اللهم صل وسلم وزد وبارك عليه، وعلى آله وأصحابه وأحبابه وأتباعه، وعلى كل من اهتدى بهديه، واستن بسنته واقتفى أثره إلى يوم الدين. أما بعد: فيا أيها الأحبة الكرام! لا أريد أن أفارق الأحبة إلا وقد سكبت الأمل في القلوب سكباً بأن المستقبل لهذا الدين، فإن عنصرنا الأخير هو: فجر الإسلام قادم. حتى نعلم يقيناً أن الله سينصر دينه بنا أو بغيرنا قال تعالى: وَمَا مُحَمَّدٌ إِلَّا رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِهِ الرُّسُلُ أَفَإِينْ مَاتَ أَوْ قُتِلَ انْقَلَبْتُمْ عَلَى أَعْقَابِكُمْ وَمَنْ يَنْقَلِبْ عَلَى عَقِبَيْهِ فَلَنْ يَضُرَّ اللَّهَ شَيْئًا وَسَيَجْزِي اللَّهُ الشَّاكِرِينَ [آل عمران:144]، إن انصرفت عن مجالس العلم فلن تضر الله شيئاً، إن تقاعست عن الإنفاق في سبيل الله فإن الله هو الغني، إن انصرفت عن العمل لدين الله فإن الله لا يريد منك عملاً، أنت الخاسر، الله جل وعلا لا تنفعه طاعة، ولا تضره معصية وهو القادر على كل شيء، ولكنه يأمرك لأنه يريد بك ولك الخير، قال تعالى: يَمُنُّونَ عَلَيْكَ أَنْ أَسْلَمُوا قُلْ لا تَمُنُّوا عَلَيَّ إِسْلامَكُمْ بَلِ اللَّهُ يَمُنُّ عَلَيْكُمْ أَنْ هَدَاكُمْ لِلإِيمَانِ إِنْ كُنتُمْ صَادِقِينَ [الحجرات:17]. فالله سبحانه ناصر دينه بنا أو بغيرنا، وإن المستقبل للإسلام برغم كيد الفجار والمنافقين والعلمانيين! إن المستقبل لدين الله جل وعلا بموعود الله وبموعود رسول الله صلى الله عليه وسلم، أنا لا أقول هذا الكلام رجماً بالغيب، ولا من باب الأحلام الوردية، لتسكين الآلام وتضميد الجراح، لا، بل هذا هو قرآن ربنا يتلى، وهذه أحاديث نبينا تُسمع، إن المستقبل لهذا الدين، وإن أشد ساعات الليل سواداً هي الساعة التي يليها ضوء الفجر، وفجر الإسلام قادم بإذن الله جل وعلا! إن الذي يفصل في الأمر في نهاية المطاف -أيها الشباب- ليس هو ضخامة الباطل، ولكن الذي يفصل في الأمر هو قوة الحق، ولاشك أبداً أن معنا الحق الذي من أجله خلق الله السماوات والأرض والجنة والنار، ومن أجله أنزل الله الكتب وأرسل الرسل، معنا رصيد فطرة الكون، معنا رصيد فطرة الإنسان التي فطرت على التوحيد، وقبل كل ذلك وبعد كل ذلك معنا الله، ويا لها -والله- من معية كريمة لو عرف الموحدون قدرها، ولو عرف المسلمون عظمتها وجلالها، قال الله تعالى: وَمَا قَدَرُوا اللَّهَ حَقَّ قَدْرِهِ [الأنعام:91]. فالمستقبل للدين، ونصرة الله لدين الله جل وعلا، هذا وعد منه سبحانه، ووعد من نبيه الصادق الذي لا ينطق عن الهوى، قال تعالى: إِنَّا لَنَنصُرُ رُسُلَنَا وَالَّذِينَ آمَنُوا فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَيَوْمَ يَقُومُ الأَشْهَادُ [غافر:51]، وقال تعالى: وَلَقَدْ سَبَقَتْ كَلِمَتُنَا لِعِبَادِنَا الْمُرْسَلِينَ * إِنَّهُمْ لَهُمُ الْمَنصُورُونَ * وَإِنَّ جُندَنَا لَهُمُ الْغَالِبُونَ [الصافات:171-173]، وقال تعالى: وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُم فِي الأَرْضِ كَمَا اسْتَخْلَفَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ وَلَيُمَكِّنَنَّ لَهُمْ دِينَهُمُ الَّذِي ارْتَضَى لَهُمْ وَلَيُبَدِّلَنَّهُمْ مِنْ بَعْدِ خَوْفِهِمْ أَمْنًا يَعْبُدُونَنِي لا يُشْرِكُونَ بِي شَيْئًا [النور:55]، وقال الله تعالى: يُرِيدُونَ أَنْ يُطْفِئُوا نُورَ اللَّهِ بِأَفْوَاهِهِمْ وَيَأْبَى اللَّهُ إِلَّا أَنْ يُتِمَّ نُورَهُ وَلَوْ كَرِهَ الْكَافِرُونَ * هُوَ الَّذِي أَرْسَلَ رَسُولَهُ بِالْهُدَى وَدِينِ الْحَقِّ لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ وَلَوْ كَرِهَ الْمُشْرِكُونَ [التوبة:32-33]، وقال تعالى: وَاللَّهُ غَالِبٌ عَلَى أَمْرِهِ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لا يَعْلَمُونَ [يوسف:21]، وقال تعالى: إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا يُنْفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ لِيَصُدُّوا عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ فَسَيُنفِقُونَهَا ثُمَّ تَكُونُ عَلَيْهِمْ حَسْرَةً ثُمَّ يُغْلَبُونَ وَالَّذِينَ كَفَرُوا إِلَى جَهَنَّمَ يُحْشَرُونَ [الأنفال:36]. وأختم بهذا الحديث الصحيح الذي رواه البخاري ومسلم من حديث أبي هريرة أنه صلى الله عليه وسلم قال: (لا تقوم الساعة حتى يقاتل المسلمون اليهود، فيقتلهم المسلمون حتى يختبئ اليهودي وراء الحجر والشجر، فيقول الحجر والشجر: يا مسلم! يا عبد الله! ورائي يهودي تعال فاقتله، إلا الغرقد فإنه من شجر اليهود) . فالله ناصر دينه بنا أو بغيرنا، فهل ستتقاعس عن هذا الشرف؟ هيا سابق الزمن قبل أن يأتيك ملك الموت فتندم يوم لا ينفع الندم، هذه أمانة أطوق بها أعناق كل مسلم ومسلمة على وجه الأرض يستمع إلى هذه الكلمات معي الآن أو عبر شريط (الكاسيت) بعد ذلك، اللهم إني قد بلغت، اللهم فاشهد يا رب العالمين. اللهم إنا نسألك الإخلاص في أقوالنا وأعمالنا، اللهم باعد بيننا وبين النفاق والرياء كما باعدت بين المشرق والمغرب، اللهم لا تجعل خطنا من ديننا أقوالنا، اللهم لا تجعل حظنا من ديننا قولنا، اللهم لا تجعل حظنا من ديننا قولنا، وارزقنا الصدق والإخلاص في نياتنا وأقوالنا وأعمالنا وأحوالنا برحمتك يا أرحم الراحمين! اللهم أقر أعيننا بنصرة الإسلام وعز الموحدين، اللهم أقر أعيينا بنصرة الإسلام وعز الموحدين، اللهم أقر أعيينا بنصرة الإسلام وعز الموحدين، اللهم طهر الأقصى من دنس اليهود يا كريم، اللهم طهر الأقصى من رجس اليهود يا كريم، اللهم عليك باليهود وأعوان اليهود وعملاء اليهود، اللهم زلزل الأرض من تحتهم يا رب العالمين! اللهم املأ قلوبهم وبيوتهم ناراً، اللهم حرق قلوبهم وبيوتهم قبل أن يحرقوا الأقصى برحمتك يا أرحم الراحمين، اللهم ارحم ضعفنا، واجبر كسرنا، واغفر ذنوبنا واستر عيوبنا وآمنا روعاتنا، واكشف همومنا واقض حوائجنا. والحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله أجمعين.

    مكتبتك الصوتية

    أو الدخول بحساب

    البث المباشر

    المزيد

    من الفعاليات والمحاضرات الأرشيفية من خدمة البث المباشر

    عدد مرات الاستماع

    3086718659

    عدد مرات الحفظ

    755790872