إسلام ويب

الأمن والأمانللشيخ : محمد حسان

  •  التفريغ النصي الكامل
  • يعيش العالم اليوم صراعاً نفسياً، ورعباً يجتاح الأعماق ويقضي على الطمأنينة والرخاء، رغم ما حققه من التقدم في عالم الماديات، وما وفره من وسائل حماية الأمن والاستقرار، والسبب في ذلك هو البعد عن منهج الله الذي لو رجع الناس إليه لسكب الله في نفوسهم السكينة، ولملأ قلوبهم طمأنينة، ومن قرأ تاريخ المسلمين وجد ذلك واقعاً.

    1.   

    فقدان الأمن والأمان في عصرنا

    الحمد لله، نحمده ونستغفره، ونعوذ بالله تعالى من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله. يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ [آل عمران:102] .. يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالًا كَثِيرًا وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا [النساء:1] .. يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا * يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا [الأحزاب:70-71]. أما بعد: فإن أصدق الحديث كتاب الله، وخير الهدي هدي محمد صلى الله عليه وسلم، وشر الأمور محدثاتها وكل محدثة بدعة وكل بدعة ضلالة وكل ضلالة في النار. ثم أما بعد: فحيا الله هذه الوجوه الطيبة المشرقة، وزكى الله هذه الأنفس، وشرح الله هذه الصدور، وأسأل الله جل وعلا أن يتقبل مني وإياكم صالح الأعمال، وأن يجمعني وإياكم في الدنيا دائماً وأبداً على طاعته، وفي الآخرة مع سيد النبيين في جنته ومستقر رحمته، إنه ولي ذلك والقادر عليه.

    تحول وسائل الأمن الحديثة إلى وسائل رعب

    أحبتي في الله! إن العالم اليوم محروم من الأمن والأمان، رغم هذه الوسائل الأمنية المذهلة التي وصل إليها العلم الحديث، ورغم هذه الاختراعات والابتكارات المذهلة التي يكتشف ويخترع منها كل يوم الجديد والجديد، ورغم هذا التخطيط الهائل المبني على الأسس العلمية والنفسية لمحاربة الجريمة. بالرغم من هذا كله فإن العالم بأسره لا زال محروماً من الأمن والأمان، وإن الملايين من البشر في عالمنا اليوم يعيشون في حالة من الرعب والفزع والذعر والخوف والقلق، بل وينتظرون الموت في كل لحظة من لحظات حياتهم، لما يرونه بأم أعينهم من إبادة للجنس البشري، ولما يرونه بأم أعينهم من رخص شديد للدم البشري! بل لقد تحولت هذه الوسائل الأمنية نفسها من رءوس نووية وطائرات وصواريخ وقنابل وبنادق وغيرها، هذه هي الوسائل الأمنية التي اخترعها وابتكرها العالم لحمايته ولأمنه ولاستتباب استقراره، تحولت هذه الوسائل الأمنية نفسها إلى مصادر رعب وفزع وهلاك وخوف واضطراب، وتعالت الأصوات، وصرخ المفكرون والأدباء والسياسيون هنا وهناك لنزع هذه الرءوس ولتقليص هذه الوسائل، وبالرغم من هذا كله لا زالت الملايين من البشر في عالمنا اليوم تعيش حالة من القلق والفزع والخوف والاضطراب، وأصبحت الدنيا في أعين هؤلاء الضعفاء البائسين المشردين مظلمة على الرغم من كثرة الأضواء من حولهم، وأصبحت الدنيا في أعينهم ضيقة على الرغم من كثرة الميادين والحدائق واتساع الصحراء بعدما طردوا من ديارهم وأموالهم وأوطانهم! وهكذا حرم العالم اليوم من الأمن والأمان على كثرة هيئاته ومنظماته وقوانينه ومواثيقه، حرم بعد هذا كله من نعمة الأمن والأمان، بل ووالله لا أكون مغالياً إن قلت: لقد أصبح الإنسان في عالمنا اليوم يفعل بأخيه الإنسان ما تخجل الوحوش أن تأتيه في عالم الغابات.

    الحرمان من الرخاء الاقتصادي

    وأصبح العالم اليوم أيضاً محروماً من الرخاء الاقتصادي بعد أن حرم من الأمن والأمان، على الرغم من كثرة الأسواق والأموال والبنوك والتجارات. وعلى الرغم من اختراع أحدث الوسائل في كل مجالات الاقتصاد إلا أن العالم اليوم محروم من الرخاء الاقتصادي، ولا زالت الملايين من البشر في عالمنا المنكوب تبحث عن لقمة الخبز فلا تجدها! ولا زالت الملايين من البشر تبذل ماء وجهها للحصول على ثوب تستر به عوراتها، ولا زالت الملايين من البشر تبحث وتبذل نفسها للحصول على المسكن، ومنهم من يموت جوعاً، ومنهم من يموت عطشاً، ومنهم من يموت برداً، ومنهم من يسكن الجبال ويعيش بين المخاطر محروماً من الرخاء والسعة.

    عدم الاستقرار النفسي والطمأنينة

    والعالم اليوم أيضاً محروم من الطمأنينة النفسية والسعادة القلبية وانشراح الصدر. بعد الأمن والأمان وبعد السعة والرخاء حرم أيضاً من الطمأنينة النفسية والسعادة القلبية وانشراح الصدر، والنفس إن لم تتوفر لها الطمأنينة النفسية والسعادة القلبية وانشراح الصدر، لا تستلذ بعيش وإن كان صاحبها غنياً، ولا تهنأ بثوب وإن كان فاخراً ولا تهنأ بمركب ولو كان فارهاً، هذه فطرة الله جل وعلا التي فطر الناس عليها. حرم العالم اليوم من الطمأنينة النفسية والسعادة القلبية وانشراح الصدر، ولا تظن أن هذا المال والمتاع، وأن هذه الشهرة وأن هذا الجاه وهذه المناصب، لا تظن أن هذا كله يعيد للنفس طمأنينتها، أو يعيد للقلب انشراحه، أو يعيد للإنسان السعادة وهذا وإن كان جزءاً قليلاً من أجزاء السعادة، إلا أن راحة القلب وانشراح الصدر وطمأنينة النفس لا تتحقق بمثل هذا، وإنما لا بد لها من دواء آخر.

    1.   

    أسباب الشقاء وحياة الضنك في العالم

    والحرمان الأمني والاقتصادي والنفسي الذي يعيشه العالم اليوم وصفه الله جل وعلا في القرآن الكريم بكلمتين اثنتين، ألا وهما: المعيشة الضنك، ووصفه من لا ينطق عن الهوى صلى الله عليه وسلم في الحديث الصحيح الذي رواه الحاكم في المستدرك وابن ماجة في السنن وصحح الحديث شيخنا الألباني في صحيح الجامع من حديث عبد الله بن عمر ، أنه صلى الله عليه وسلم قال: (يا معشر المهاجرين! خمس خصال إن ابتليتم بهن وأعوذ بالله أن تدركوهن: لم تظهر الفاحشة في قوم قط حتى يعلنوا بها إلا فشت فيهم الأوجاع والأسقام التي لم تكن في أسلافهم).

    ظهور الفاحشة

    من منا في الأمس القريب كان يسمع عن الإيدز؟! من منا بالأمس القريب كان يسمع عن الأزمة القلبية؟! من منا بالأمس القريب كان يسمع عن جلطة المخ؟! من منا بالأمس القريب كان يسمع عن الزهري والسيلان والفشل الكلوي؟! من كان يسمع عن مثل هذا وذاك؟! لم تظهر الفاحشة في قوم قط حتى يعلنوا بها إلا فشت فيهم الأوجاع والأسقام التي لم تكن في أسلافهم.

    نقص المكيال والميزان ومنع الزكاة

    قال: (ولم ينقصوا المكيال والميزان)، بأبي هو وأمي! والله ما نقص المكيال وما نقص الميزان.. ولو نقص المكيال والميزان لكان الأمر هيناً، بل لقد انقلبت الموازين بأسرها واضطربت المقاييس كلها، (ولم ينقصوا المكيال والميزان إلا أخذوا بالسنين وشدة المئونة وجور السلطان، ولم يمنعوا زكاة أموالهم إلا منعوا القطر من السماء ولولا البهائم لم يمطروا)، هذا المطر الذي يتنزل بعد هذا كله إنما هو رحمة من الله من أجل البهائم والشيوخ الركع والأطفال الرضع، ولو نزل بلاء بهذه الأرض فإن الحشرات والهوام يسبان ويلعنان بني آدم؛ لأنه لا ينزل البلاء إلا بذنب، ولا يرفع البلاء إلا بتوبة. ومن أخبار بني إسرائيل التي لا تصدق ولا تكذب كما قال صلى الله عليه وسلم: (وحدثوا عن بني إسرائيل ولا حرج)، مما ذكره الحافظ ابن كثير : أنه في عهد سليمان -على نبينا وعليه الصلاة والسلام- أجدبت الأرض وجف الضرع وهلك الناس، فقال سليمان لبني إسرائيل: هيا بنا لنخرج لصلاة الاستسقاء، لنضرع إلى الله جل وعلا لينزل علينا المطر، وفي طريقه مر على وادي النمل، فنظر سليمان وسمع نملة تناجي ربها جل وعلا. وهو الذي فك الله له رموز لغة النمل والطير، كما قال الله عز وجل حكاية عنه: حَتَّى إِذَا أَتَوْا عَلَى وَادِ النَّمْلِ قَالَتْ نَمْلَةٌ يَا أَيُّهَا النَّمْلُ ادْخُلُوا مَسَاكِنَكُمْ لا يَحْطِمَنَّكُمْ سُلَيْمَانُ وَجُنُودُهُ وَهُمْ لا يَشْعُرُونَ * فَتَبَسَّمَ ضَاحِكًا مِنْ قَوْلِهَا وَقَالَ رَبِّ أَوْزِعْنِي أَنْ أَشْكُرَ نِعْمَتَكَ الَّتِي أَنْعَمْتَ عَلَيَّ وَعَلَى وَالِدَيَّ وَأَنْ أَعْمَلَ صَالِحًا تَرْضَاهُ وَأَدْخِلْنِي بِرَحْمَتِكَ فِي عِبَادِكَ الصَّالِحِينَ [النمل:18-19]. عرف سليمان لغة النمل فاستمع إليها وهي تقول: اللهم إنك تعلم أنه لا ينزل البلاء إلا بذنب، ولا يرفع البلاء إلا بتوبة، ونحن خلق من خلقك، فلا تهلكنا بذنوب بني آدم! والله تحيلنا على الزكاة، ومنعنا الصدقات ومنعنا الزكوات إلا من رحم الله جل وعلا. (ولم يمنعوا زكاة أموالهم إلا منعوا القطر من السماء ولولا البهائم لم يمطروا، ولم ينقضوا عهد الله وعهد رسوله إلا سلط الله عليهم عدواً من غيرهم فيأخذ بعض ما في أيديهم، وما لم تحكم أئمتهم بكتاب الله إلا جعل الله بأسهم بينهم) بأبي هو وأمي صلى الله عليه وسلم، ذلك هو الضنك، ذلكم هو الشقاء، ذلكم هو الهلاك الذي وصفه النبي صلى الله عليه وسلم حينما يعرض الناس في أرض الله، في كل زمان وأوان عن منهج الله جل وعلا. هكذا أيها الأحبة! حرمان أمني، وحرمان اقتصادي، وحرمان نفسي وضيق في الصدر، ضنك بكل ما تحمله هذه الكلمة من معان عظيمة، ضنك وشقاء، ضنك في كل شيء، وضيق في كل شيء، في كل زمان وفي كل مكان، والله ما من يوم إلا وتسفك فيه دماء، وتتمزق فيه أشلاء، وتحرق بيوت وتدمر مصانع ومدارس ومزارع وصوامع، بل وتباد حضارات بأكملها على يدي هذا الإنسان الذي اخترع بنفسه وبيديه وسائل إبادته ووسائل إفنائه، ووسائل تدميره ووسائل إنهائه من هذه الحياة ومن هذا الوجود.

    1.   

    الرجوع إلى منهج الله هو المخرج من حياة الضنك والحرمان

    إنه الضنك بكل ما تحمله هذه الكلمة من معان، وَمَنْ أَعْرَضَ عَنْ ذِكْرِي فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنكًا [طه:124] نتيجة عادلة وجزاء عادل، نعم أحبتي في الله! احفظوا هذه العبارات وانقلوها ورددوها: إن هذه الحياة البشرية من صنع الله الذي أتقن كل شيء، ولا غضاضة أن أقول من صنع، بدلاً من أن أقول: خلق، كما قال ربنا جل وعلا: صُنْعَ اللَّهِ الَّذِي أَتْقَنَ كُلَّ شَيْءٍ [النمل:88]. إن هذه الحياة البشرية من صنع الله، ولن تفتح مغاليق فطرتها إلا بمفاتيح من صنع الله، ولن تعالج أمراضها وعللها إلا بالدواء الذي سيقدم إليها من يد الله. أكرر: إن هذه الحياة البشرية من صنع الله، ولن تفتح مغاليق فطرتها إلا بمفاتيح من صنع الله، ولن تعالج أمراضها وعللها إلا بالدواء الذي سيقدم إليها من يد الله، وإن هذه الحياة البشرية بكل ما تملك من حضارات ووسائل تقنية حديثة، لتبدو تافهة القيمة مبتورة الهدف معدومة النفع إن لم تكن مرتبطة بمرشدها الأول وقدوسها الأجل الأعظم. لا بد من عودة العالم إلى الله جل وعلا، وسيظل العالم كله بصفة عامة والإسلامي منه بصفة خاصة يمشي في هذه الهاجرة، ويلفح وجهه هذا الحر القاتل، وسيظل يمشي في هذا التيه والضلال، وسيظل يمشي ويمر بهذا القلق والضنك والضيق والذعر ما لم يرجع إلى منهج الله جل وعلا مرة أخرى من جديد.

    1.   

    الإسلام قول وعمل وخلق

    إن العالم الإسلامي فضلاً عن العالم الغربي والشرقي قد عاند منهج الله عز وجل، وأعرض عن ذكر الله عز وجل إلا من رحم الله تبارك وتعالى، فأين قرآن الله جل وعلا؟! أين: إِنِ الْحُكْمُ إِلَّا لِلَّهِ [يوسف:40]؟! أين القرآن في معاملاتنا الاقتصادية، وفي أحكامنا وفي بيوتنا وفي مصانعنا وفي مزارعنا؟! أين أخلاق الإسلام؟! والله لقد اتصلت عليَّ أخت كريمة فاضلة من مدينة رابغ، وهي تبكي في المكالمة وتصرخ وتتألم لما رأته من أحوال المسلمين في الحج، وتقول لي: والله يا شيخ! ونحن نطوف، كانت معنا أخت لنا وجاءتها حالة غيبوبة وحالة إغماء، وجعلنا نبحث عن قطرة ماء فلا نجد؛ لأنه من الصعوبة بمكان أن نترك هذا الزحام الهالك القاتل أثناء الطواف، معذرة! ليس طوافاً ولكنه قتال، ولكنه نزال، ولكنه صراع، ولكن القوي يريد أن يدمر الضعيف، ولكن الرجل لا يراعي للمرأة حرمة ولا يراعي لها نقاباً ولا حجاباً! المرأة التي صرخت يوم أن نزعت ثيابها وكشفت عورتها ماذا كانت النتيجة؟ كانت النتيجة جيوشاً جرارة أجلت اليهود من المدينة، ولكن المسلمة في بيت الله نزع نقابها ونزع حجابها على أيدي يهود؟! على أيدي منافقين؟! كلا، وإنما على أيدي إخوانها من المسلمين وإنا لله وإنا إليه راجعون! تقول: ونظرنا فوجدنا امرأة في الطواف تحمل إبريقاً من الماء البارد وحمدنا الله عز وجل أن كان الماء قريباً منا، وذهبنا وقلنا: نريد قليلاً من الماء، أختك تموت، تقول: والله أبت هذه المسلمة أن تعطينا قطرة ماء! عند بيت الله يا عباد الله! حول بيت الله! أعاد الله أياماً مرت فيها جرعة الماء على الأطهار الأبرار الأخيار فكان كل واحد يؤثر أخاه على نفسه، ومرت جرعة الماء على الجميع حتى عادت مرة أخرى إلى الأول، وكان الكل قد سعد بشهادة وبجنة عرضها السماوات والأرض، أين نحن من هؤلاء؟! أين الإسلام؟! أين أخلاق الإسلام؟ هل الإسلام كلمة؟! الإسلام خلق، الإسلام واقع، الإسلام تعامل، الدين المعاملة، أين إسلامنا العظيم؟! أين الرحمة؟! أين الحب؟! أين السماحة؟! أين الود؟! أين القرب؟! أين قوله عليه الصلاة والسلام: (لا يؤمن أحدكم حتى يحب لأخيه ما يحب لنفسه)؟ أين قوله عليه الصلاة والسلام: (الرحماء يرحمهم الرحمن)؟ أين قوله عليه الصلاة والسلام: (مثل المؤمنين في تراحمهم وتعاطفهم كمثل الجسد الواحد)؟ أين هو الجسد الواحد، بل إن المسلم أصبح ينهش في هذا الجسد، ولو استطاع أن يأكله لأكله، بل ووالله إنا لنأكله في الليل والنهار وهو ميت، كما قال ربنا جل وعلا: أَيُحِبُّ أَحَدُكُمْ أَنْ يَأْكُلَ لَحْمَ أَخِيهِ مَيْتًا فَكَرِهْتُمُوهُ [الحجرات:12].

    1.   

    نماذج الأمن والأمان في ظل الإسلام

    الإسلام واقع، ومنهج حياة، سيظل العالم الإسلامي يعيش في هذا القلق والضنك بعيداً عن منهج الله جل وعلا، وإن أراد السعادة والريادة والسيادة والقيادة، فليرجع إلى أصل عزه ومصدر شرفه وكرامته ألا وهو: لقد كنا أذل قوم فأعزنا الله بالإسلام، فمهما ابتغينا العزة في غيره أذلنا الله. إنه الذل لله، والحب لله، والانقياد لمنهج الله، وشرع ابن عبد الله صلى الله عليه وسلم.

    تقاضي علي رضي الله عنه مع اليهودي على الدرع

    نعم أيها الأحبة! لقد حقق منهج الله في الأرض الأمن والأمان والسعة والرخاء، والطمأنينة القلبية والسعادة النفسية وانشراح الصدور، لا أقول هذا رجماً بالغيب، ولكنه واقع، ولكنه تاريخ مفتوحة صفحاته لكل من أراد أن يقرأ وأن يتعرف على الحقائق، أقول بملء فمي: لقد حقق منهج الله في الأرض الأمن والأمان، نعم لقد تحقق الأمن والأمان، لا أقول للمسلمين الذين نفذوا منهج الله فحسب، بل للمسلمين ولليهود والنصارى الذين عاشوا تحت ظلال منهج الله في أي بقعة من أرض الله جل وعلا. إن ذلكم اليهودي -وكلكم يعلم القصة، وغيرها كثير وكثير- اليهودي الذي سرق درع علي ، وعلي حينئذ كان خليفة المسلمين وأميراً للمؤمنين، ولما رأى علي درعه عند اليهودي قال: هذا درعي، لا أتركك. فقال اليهودي: بل هو درعي. أتدرون ماذا حدث؟ مَثَلَ علي أمير المؤمنين وخليفة المسلمين مع اليهودي أمام قاضي المسلمين، وقفا في ساحة القضاء أمام شريح رحمه الله رحمة واسعة الذي ضرب بعدله المثل، ولما دخل علي مع اليهودي أمام شريح ، فنادى شريح على علي قائلاً: يا أبا الحسن ! فغضب علي، فظن شريح سوءًا، قال: ما الذي أغضبك، فقال علي -الذي غضب للعدل والحق- قال: يا شريح! أما وقد كنيتني -أي: ناديت عليَّ بكنيتي وقلت: يا أبا الحسن - فلقد كان من واجبك أن تكني اليهودي هو الآخر، أي: فإما أن تكنيني أنا وخصمي أو تدع. ما هذا الخلق وما هذا الدين العظيم؟! ومَثَلَ علي واليهودي أمام شريح ، فنظر شريح إلى علي وقال: يا علي ما قضيتك؟ قال: الدرع درعي ولم أبع ولم أهب، أي: لم أهب له هذا الدرع ولم أبعه، فنظر شريح إلى اليهودي قال: ما تقول في كلام علي؟! فقال اليهودي: الدرع درعي وليس أمير المؤمنين عندي بكاذب! خبث ودهاء معهودان: الدرع درعي وليس أمير المؤمنين عندي بكاذب، فنظر شريح إلى علي وقال: هل عندك من بينة؟ يقول هذا، لـعلي وهو أمير المؤمنين، هل عندك من بينة؟ فالبينة على من ادعى واليمين على من أنكر، قاعدة شرعية عظيمة أول من وضعها أستاذ البشرية ومعلم الإنسانية محمد صلى الله عليه وسلم. قال شريح لـعلي : هل عندك من بينة؟ قال: لا، وكان شريح رائعاً بقدر ما كان أمير المؤمنين عظيماً، وقضى شريح بالدرع لليهودي. وأخذ اليهودي الدرع وخرج، ومضى غير قليل، ثم عاد مرة أخرى ليقف أمام علي وأمام القاضي وهو يقول: ما هذا! أمير المؤمنين يقف معي خصماً أمام قاض من قضاة المسلمين ويحكم القاضي بالدرع لي! والله ليست هذه أخلاق بشر، إنما هي أخلاق أنبياء، أشهد أن لا إله إلا الله وأشهد أن محمداً رسول الله، وقال اليهودي: يا أمير المؤمنين! الدرع درعك ولقد سقطت منك فأخذتها، فنظر إليه علي مبتسماً وقال: أما وقد شرح الله صدرك للإسلام فالدرع مني هدية لك! هذا الأمن والأمان لمن؟ لأبناء يهود، تحت ظلال الإسلام الوارفة.

    قصاص القبطي من ابن الأكرمين

    ذاك يهودي، وهذا نصراني قبطي سبق ابن عمرو بن العاص في مصر، وغضب ابن والي مصر كيف يسبقه القبطي؟! وجاء بعصا وضرب هذا القبطي في رأسه وقال: خذها وأنا ابن الأكرمين! وما كان من هذا القبطي الذي عرف عظمة الإسلام إلا أن يسابق الريح إلى واحة العدل، إلى المدينة المنورة زادها الله تشريفاً وتعظيماً وتكريماً، إلى أمير المؤمنين، إلى فاروق الأمة عمر بن الخطاب رضي الله عنه، ويرفع له الشكوى. فما كان من عمر إلا أن يرسل فوراً بأن يأتي ابن عمرو وأبوه عمرو ؛ لأن ابنه ما تجرأ على فعلته إلا لوجود أبيه. ويأتي عمرو بن العاص والي مصر مع ولده، فيقفان أمام أمير المؤمنين عمر رضي الله عنه، ويقف القبطي ويدفع عمر العصا للقبطي ويقول له: اضرب ابن الأكرمين! هذا إسلامنا، هذا هو العدل في ديننا، هذه عظمة دين محمد صلى الله عليه وسلم! ويأخذ القبطي العصا ويضرب رأس ولد عمرو ، ويقول عمر قولته الخالدة التي لا تكتب بماء الذهب فحسب، وإنما تكتب بماء من النور: يا عمرو ! متى استعبدتم الناس وقد ولدتهم أمهاتهم أحراراً! لله ما أورعه وما أتقاه وما أنقاه، ولله ما أعظم إسلامنا! يا عمرو! متى استعبدتم الناس وقد ولدتهم أمهاتهم أحراراً؟! ذاك يهودي وهذا قبطي! ويوم أن فتح أبو عبيدة بن الجراح بلاد الشام وفرض عليهم الجزية شريطة أن يدافع عنهم وأن يحميهم من شر الروم على أيدي هرقل ، ويوم أن سمع أبو عبيدة رضي الله عنه بأن هرقل قد جهز له جيشاً جراراً، خاف ألا يستطيع أن يدافع عن هؤلاء الذين أخذ منهم الجزية، فرد عليهم الجزية مرة أخرى وقال: لقد سمعتم بـهرقل وأنه قد جهز لنا جيشاً، ونخشى ألا نتمكن من الدفاع عنكم فخذوا جزيتكم، وإن نصرنا الله عليهم عاودنا الحماية والدفاع عنكم مرة أخرى. أي دين هذا! هذا منهج الله يحقق الأمن والأمان في أرض الله، لا للمسلمين فحسب، وإنما لليهود وللنصارى الذين عاشوا في ظلاله الوارفة اليانعة! نريد أن تتضح الحقائق لهؤلاء الذين يخافون من دين الله عز وجل الذي وفر لهم الأمن والأمان أكثر مما وفرته لهم دياناتهم وقوانينهم ومواثيقهم.

    1.   

    منهج الله يحقق الرخاء الاقتصادي

    ومنهج الله قد حقق الرخاء الاقتصادي، أجل.. والله لقد جاء اليوم الذي أرسل فيه أمير من أمراء المؤمنين وخليفة من خلفاء المسلمين منادياً ينادي في الناس: من كان فقيراً فحاجته من بيت مال المسلمين. فأغنى الفقراء، وظلت البركة في بيت المال، وأعاد الله زماناً كانت حبة القمح فيه بمقدار نواة التمرة، وكتب عليها: هذا يوم أن كانت بركة الله في الأرض، كما قال عبد الله ابن الإمام أحمد في المسند، حبة القمح بمقدار نواة التمرة يوم أن كانت البركة في الأرض. ونادى المنادي مرة أخرى: من كان عليه دين فسداد دينه من بيت مال المسلمين. وسددت الديون، وبقيت البركة باركة في بيت المال. ونادي المنادي مرة ثالثة: يا معشر الشباب! من أراد منكم الزواج فزواجه من بيت مال المسلمين. فزوج الشباب، وحقق منهج الله الرخاء في الأرض. ألسنا على يقين من قول الله: وَلَوْ أَنَّ أَهْلَ الْقُرَى آمَنُوا وَاتَّقَوْا لَفَتَحْنَا عَلَيْهِمْ بَرَكَاتٍ مِنَ السَّمَاءِ وَالأَرْضِ [الأعراف:96]، ألسنا على يقين من قول الله جل وعلا: فَقُلْتُ اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ إِنَّهُ كَانَ غَفَّاراً [نوح:10]، ذلك وعد الله عز وجل. أقول قولي هذا وأستغفر الله العظيم لي ولكم. الحمد لله رب العالمين، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، اللهم صل وسلم وزد وبارك عليه وعلى آله وصحبه وسلم. فيا أيها الأحبة: لا سعادة ولا فلاح إلا بالعودة إلى منهج الله كما أراد الله وكما أراد رسول الله صلى الله عليه وسلم، فليس الإيمان كلمة تقال باللسان فحسب، ولكن الإيمان حقيقة ذات تكاليف، وأمانة كبيرة ذات أعباء، ومسئولية عظمى ذات مقتضيات، ورحم الله الحسن حيث قال: ليس الإيمان بالتمني ولا بالتحلي، ولكن الإيمان ما وقر في القلوب وصدقته الأعمال، فمن قال خيراً وعمل خيراً قبل منه، ومن قال خيراً وعمل شراً لم يقبل منه. إننا في أمس الحاجة إلى أن نحول إسلامنا إلى عمل وإلى واقع، أذكر نفسي وإياكم بذلك، وأسأل الله جل وعلا بأسمائه الحسنى وصفاته العلا أن يشرفنا وإياكم بالعمل لهذا الدين، وأن يقر أعيننا وإياكم بنصرة الإسلام وعز المسلمين، اللهم انصر الإسلام وأعز المسلمين وأعل بفضلك كلمة الحق والدين، اللهم اغفر لنا ذنوبنا وإسرافنا في أمرنا وثبت أقدامنا وانصرنا على القوم الكافرين، اللهم لا تدع لأحد لنا ذنباً إلا غفرته، ولا مريضاً إلا شفيته، ولا عاصياً إلا هديته.

    مكتبتك الصوتية

    أو الدخول بحساب

    البث المباشر

    المزيد

    من الفعاليات والمحاضرات الأرشيفية من خدمة البث المباشر

    عدد مرات الاستماع

    3086718663

    عدد مرات الحفظ

    755949556