إسلام ويب

الحرب بين الحقائق والمبادئ والمواقفللشيخ : علي بن عمر بادحدح

  •  التفريغ النصي الكامل
  • الصراع بين الحق والباطل مستمر إلى قيام الساعة، ومن ذلك الصراع بين الإسلام والكفر؛ فإن الكفرة أعداء الإسلام يحاربون الإسلام ليلاً ونهاراً، ويكيدون له بشتى الوسائل والطرق، ويستخدمون معه أخبث الأساليب وأشنعها، ويستخدمون فيه كل أنواع الأسلحة، لذا كان لزاماً على جميع المسلمين الوقوف في وجه هذا العدوان الغاشم، والتيقظ لمخططاته وأهدافه، والحذر من الوقوع في مكره وشباكه.

    1.   

    دور المنبر

    الحمد لله لا إله غيره ولا رب سواه، من توكل عليه كفاه، ومن التجأ إليه وقاه، ومن سأله أعطاه، له الحمد سبحانه وتعالى على كل حال وفي كل آنٍ، حمداً كما يحب ويرضى على آلائه ونعمه التي لا تعد ولا تحصى.

    وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، له الملك وله الحمد يحيي ويميت وهو على كل شيء قدير.

    وأشهد أن نبينا وقائدنا وقدوتنا وسيدنا محمداً عبد الله ورسوله، وصفيه من خلقه وخليله، خاتم الأنبياء والمرسلين، وسيد الأولين والآخرين، المرسل إلى الناس أجمعين، المبعوث رحمة للعالمين، وأشهد أنه عليه الصلاة والسلام قد بلغ الرسالة، وأدى الأمانة، ونصح الأمة، وكشف الله به الغمة، وجاهد في الله حق جهاده، وتركنا على المحجة البيضاء ليلها كنهارها لا يزيغ عنها إلا هالك، فجزاه الله خير ما جازى نبياً عن أمته، ووفقنا لاتباع سنته، وحشرنا يوم القيامة في زمرته، وجعلنا من أهل شفاعته.

    وصلى الله وسلم وبارك عليه وعلى آله وصحابته أجمعين، وعلى من تبعهم بإحسان إلى يوم الدين، وعلينا وعلى عباد الله الصالحين.

    يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ [آل عمران:102].

    يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالًا كَثِيرًا وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا [النساء:1].

    يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا * يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا [الأحزاب:70-71] .

    أما بعد:

    أيها الإخوة المؤمنون: "الحرب بين الحقائق والمبادئ والمواقف" موضوع يهمنا جميعاً الحديث عنه؛ إذ اليوم لا حديث للناس إلا هذه الحرب الجائرة الظالمة، فهي شاغلة وسائل الإعلام، وهي موضوع حديث الناس في مجتمعاتهم.

    ومنبر الجمعة لا يغيب عن ذلك، مع أنه أنزه من الألاعيب السياسية، وأصدق من الأضاليل الإعلامية، وأرفع من المساومات الاقتصادية المالية، وأشمل من النظرات الجزئية، وأحكم من الاندفاعات العاطفية، وأقرب إلى النصوص الشرعية، وألصق بالمصالح المرعية، فحديثه في مثل هذه الأمور ينبغي أن يحوز هذه الصفات المهمة، وألا تكون رغبات الناس في حديث عاطفي، أو اندفاع وارتفاع صوتي، وكأنما نحن مرة أخرى لا نعي الدروس، ولا نفقه الحقائق، ولا نعتصم بالمبادئ.

    1.   

    حقائق حرب الغرب على العراق

    ونبدأ بالحقائق؛ لأن معرفتها أساس فيما يبنى عليها من الأحكام، وخاصة أن الصور مضطربة، وأنها مزيفة، وأنها مغلفة بأطنان من الأكاذيب والأحابيل السياسية والمغالطات الإعلامية.

    فحرب أمريكا وبريطانية ومن لف لفهما على العراق حقيقتها هذه الجوانب التي نوجزها، والحديث والمقام يقصر عن الاستيعاب:

    فهذه الحرب فيها مخالفة قانونية، وقد أصموا آذاننا بالشرعية الدولية والقوانين العالمية والمرجعية الدولية.. وغير ذلك، فأين هي اليوم من أفعالهم التي يعلم الجميع أنهم قد فشلوا في أن يجدوا لها مظلة أو نسباً أو سبباً أو رابطاً بمجلس الأمن أو بمواده المختلفة.. أو غير ذلك؟!

    ويزعمون كذلك أن هناك دولاً عديدة تؤيد هذا المسار، وتقتنع به، وتشارك فيه، ولم نسمع أسماءها، ولم نعرف من أحوال من هو معروف منها إلا أنه سار بعصا الإرهاب الأمريكي، أو فرحاً بالعطاء الموعود من أمريكا.

    ثم نرى بعد ذلك ما يزيفونه ويغيرونه ويلبسونه على الناس جميعاً، وحتى على شعوبهم وجنودهم كذلك؛ فهذا جنرال أمريكي يخاطب جنوده فيقول: إن أسماءكم ستكتب بالذهب في لائحة الذين ساعدوا العراق على العودة إلى الأمم المتحدة!

    1.   

    مخالفة الدول المحاربة للعراق وأفغانستان للقوانين والأعراف الدولية

    وأظننا لا نحتاج إلى إفاضة في الأحاديث التي ربما تسمعونها في المقالات والمداولات والمحاورات السياسية، ولكنني أنتقل في ومضات سريعة إلى عهد قريب وليس بعيداً؛ لنرى أن هذه الدول التي ترغي اليوم وتزبد في هذه الناحية القانونية، أنها قد خالفتها مراراً وتكراراً.

    وما قالوه عن حق النقض -وهو حق من حقوق الظلم والبغي- قد استخدمته أمريكا أكثر دولة في العالم وأعلى نسبة لصالح دولة البغي والكيان الصهيوني الغاصب في أرض الإسلام، حتى مجرد ألفاظ فيها إدانات وكلمات كان الفيتو لها بالمرصاد، حتى في لجان تقصي الحقائق أو البحث عن الوقائع كان لها ذلك الفيتو بالمرصاد.

    وقريباً من ذلك أيضاً نرى الصيغة القانونية العجيبة الفريدة التي ليس لها مثيل في العالم، وذلك في الأسرى الذين أسرتهم أمريكا ولم توجه لهم تهمة، ولم ترفع لهم حقاً قانونياً، ولم تشرع لهم حقاً إنسانياً، ثم تقول بعد ذلك: إنها ترعى القوانين، وإنها إنما تهدف إلى مثل هذه الرعاية!

    وهذه الحرب جريمة إنسانية؛ لأن الذي سمع أو قرأ بعضاً مما يقولونه عن الأسلحة وآثارها الإنسانية والبشرية وآثارها على البيئة والأرض والجو والبحر، يعلم أن طغيان القوم وإجرامهم بالغ مبلغاً لا تتصوره كثير من العقول، ولا تكاد تدركه، وقد قال ذلك خبراء منهم بألسنتهم، ومن قوادهم ومشاركيهم في هذه الجوانب العسكرية، وأن الأرض تتأثر بما يكون من هذه الأسلحة التي فيها جوانب الإشعاعات، ليس لمدة عشرات ولا مئات ولا آلاف من السنين، بل أكثر من ذلك!

    ويقولون بعد هذا كما يصرح هذا الجنرال الأمريكي: نقوم بكل جهد لكي نضمن أمرين: أقل دمار جماعي شامل! وهذا من فضل الله أن تعبيراتهم تدينهم، فهو يقول: أقل دمار جماعي شامل.

    إذاً: ثمة دمار جماعي شامل، وهو يهدف إلى تقليله!

    ثم يقول: الأمر الثاني: أن يقدر العراقيون على الدخول في عصبة الأمم متى استطاعوا، ويقول: نريد تفادي وقوع خسائر بشرية، وليس عندنا شيء ضد شعب العراق، مشكلتنا مع النظام.

    ولا نناقش هذا، ولا ندخل في تكذيبه، ولكننا نقول: استدعوا الأحداث القريبة، ما الذي جرى في أفغانستان؟! وأين ذهبت القنابل الذكية، ألم تقع فوق رءوس الناس وهم في الاحتفالات والأعراس؟! ألم تقع الأخطاء حتى قتلوا من جنود الحلفاء ما قتلوا؟! ألم تكن كمية القنابل التي ألقيت باعترافهم أكثر مما ألقي في الحرب العالمية الأولى والثانية؟!

    ثم بعد ذلك كلنا سمع وعلم ماذا جرى من استخدام لأسلحة اليورانيوم في بلاد المسلمين في البوسنة والهرسك، وحرب الخليج التي سبقت، وما زال آثار الأمراض والتشويهات الخلقية حتى في بعض جنودهم فضلاً عن أبناء العراق، والأجنة المشوهة والأطفال المشوهين من آثار هذه الجرائم العظيمة للدولة العظيمة في طغيانها وبغيها.

    1.   

    الغرب والديمقراطية المزعومة

    مخالفة الغرب للديمقراطية

    ثم هي أيضاً حرب مخالفة للديمقراطية، فالديمقراطية -الدين الجديد الذين يبشرون به- ما هو؟! وأين هي الديمقراطية من هذه الجموع الحاشدة، ليس في بلاد العرب، لكنها في بلاد أوروبا وأمريكا، وهي تعارض وتقول: إن الديمقراطية التي هي رأي الشعب قد سحقت ومحقت وأحرقت على أصوات هدير المدافع وقصفها ونيرانها!

    ونعلم أن بعض الدول المشاركة نسبة المعارضين فيها من الشعب تزيد على (85%)، وبالأمس القريب تعتقل الشرطة الأمريكية المتظاهرين ضد الحرب، وأعجب منه أنهم اعتقلوا اعتقالاً احتياطياً -كما يزعمون- المتقدمين لطلبات اللجوء في أمريكا؛ لأنهم يشكلون خطراً، فكان من ضمن الاحتياطات اعتقالهم، وقد قال المسئول: إنه اعتقال مؤقت ومعقول وحذر! ولا نعلق على ذلك.

    ونعود مرة أخرى إلى أفغانستان، فأين ديمقراطيتها، وأين عمرانها بعد خرابها، وأين مساعداتها الاقتصادية، وأين رخاؤها ورغد عيشها، وأين انضباط أمنها واستتباب أحوالها؟!

    إن العاقل يفكر في واقع منظور مرئي ومسموع، وقد أهين رئيسها في معقل البلد الذي جاءت به، حتى اضطروا إلى الاعتذار له؛ لأنه عومل معاملة مهينة مشينة، ثم ما الذي صنعوه؟! وما الذي يصنع هناك؟! لم نسمع إلا عن جمعيات نسائية، وصوالين تجميل نسائية، ومسرح للثقافة كما يقولون، وغير ذلك من المجلات وغيرها، وهذا هو الذي يقدمونه نموذجاً لما يريدونه!

    حقيقة الديمقراطية التي يريدها الغرب في الإسلام

    ونحن نقول: ماذا يريدون بالديمقراطية التي يبشرون بها؟!

    إنها حرية المرأة وفق نظامهم الانحلالي، وذلك من أولى وأول مقاصدهم، وحرية الأديان على مذهبهم الكفري؛ وماذا وراء ذلك؟! وراءه إصلاح سياسي على قاعدة أساسية، وهي: عدم تحكيم الشريعة الإسلامية.

    ومع ذلك قد يكون في قولهم بعض صدق، لكنه حق يراد به باطل، فقد يستغلون ظلماً واقعاً وأوضاعاً مختلة في بلاد عربية وإسلامية، لكن ما عندهم أشد وقوعاً، وأعظم وأفظع جرماً، وأبعد وأعمق خطراً، حتى ندرك الأمور، فلا يعني إقرار ما هم عليه من ذلك أن غيره صالح صلاحاً كاملاً، لكنه لابد من جمع الأمر من جوانبه كلها.

    1.   

    بغي الغرب واستعلاؤهم وعدوانهم على بقية الأمم والشعوب

    والكنيسة الرئيسة قد منعت الحرب وعارضتها ووصفتها بأبشع الأوصاف، فلا ندري على أي شيء يحاربون، فلا دينهم رجعوا إليه، ولا قوانينهم التزموا بها، ولا إنسانيتهم راعوها، ولا ديمقراطيتهم طبقوها، ثم بعد ذلك يقولون: إن هذا حق مشروع، وإنه عمل ممدوح، وإنها غاية ستكون وردية اللون وضيئة القسمات مشرقة الأضواء، فمن يصدق هذا؟!

    لا أحد يصدق هذا إلا إذا صدقنا أن الذئب يرعى الغنم ويسوسها ويغذيها ويحميها، ويمنعها مما يضرها ويؤذيها.

    وهي كذلك صفقة تجارية واضحة المعالم لمزيد من عقود الأسلحة ومزيد من عقود الإنشاء وغير ذلك.

    وهي الإرهاب بعينه، وهي الاستغفال بعينه، ولكن ذلك له أيضاً جذور فكرية، فإن القوم في تكوينهم الفكري والعقلي وحضارتهم المعاصرة قائمون على الاستعلاء، والنظرة الدونية للأمم والشعوب، وإن روجوا غير ذلك فإن حقيقة ساستهم وقيادتهم كذلك.

    فهذا الرئيس الأمريكي السابق روز فيلت يقول: بالحرب فقط يمكننا اكتساب الرجولة اللازمة للفوز في الصراع الذي يسود الحياة!

    ويقول: إن أعظم فضائل الإنسان تولد في الحرب، وإن السلام الدائم يؤدي إلى الترهل والفساد والانحلال.

    إنهم منشئون على هذا البغي والعدوان والهيمنة والسيطرة والتحكم، وذلك في فكرهم، وما صدام الحضارات وصراعها عنا ببعيد، يقول جنرال عسكري بالأمس القريب: سيكون عنصر المفاجأة في هذه الحرب من خلال الهجوم بطريقة لم يسبق لها مثيل في التاريخ، من حيث السرعة والدقة، والخطط التي لدينا الآن لم ير أحد مثلها قط. إنه غرور وعنجهية ونوع من التعالي الذي يدلنا على حقيقة المنطلقات الفكرية للحرب.

    وكما قلت: إن مقامنا ليس مقام تحليل لهذه المعاني، ولكنه بيان للحقائق، فكل الذي يقال في أكثره هراء وكذب، لا نكذبه نحن بأقوالنا، ولا ندحضه بآيات كتاب ربنا ولا بأحاديث رسولنا صلى الله عليه وسلم، وهي التي تقيم الحق والعدل والإنسانية وكل المعاني الفاضلة على الوجه الصحيح، ولكننا نقولها بقوانينهم وبشرائعهم، ونقولها من واقعهم القريب قبل البعيد، وما أدراك ما البعيد؟!

    فمن الذي دمر تلك المدن في اليابان بالقنابل الذرية؟! ومن الذي قتل في حربه ثلاثة ملايين في أرض فيتنام؟! ومن ومن .. إلى غير ذلك.

    1.   

    حقيقة حزب البعث

    وهذه أمور وحقائق تقابلها حقائق أخرى لابد من معرفتها؛ فإنه لابد من نظرة شاملة، نعم، إنه عدوان إرهابي ليس له أساس قانوني، لكنه في الوقت نفسه، وفي المقابل لا نحتاج إلى أن نغفل عن أن البعث في عقائده كفر صريح، وأن قيادته قد كان لها تاريخ قريب غير بعيد في ذات الجرائم قتلاً وتدميراً واضطهاداً وتعذيباً ونفياً وتشريداً.

    فلسنا إذ ندافع عن العراق ندافع عن هذا البعث بكفره، ولا عن أولئك المجرمين ببغيهم وعدوانهم، لكن الآخر أخطر من الأول، وكلاهما وبال، ولكننا ندرك الحقائق من الواقع، وليس من قضايا العاطفة، وليس كذلك من الغوغائية التي تقول: إننا نفدي فلاناً أو فلاناً، ولا فداء إلا للدين، ولا إزهاق للأرواح إلا لإعلاء راية الله وصد عدوان المعتدين على حرمات الله عز وجل، وذلك أمر واضح، ويقوله كثيرون من أبناء العراق، ونعرفه نحن ويعرفه جميع الناس مما جرى في الفترات الماضية والعقود المتعاقبة، كما نعلم جميعاً بما لا يحتاج إلى مزيد من التفصيل.

    1.   

    المقارنة بين خطر الديمقراطية الغربية والقومية العربية

    فإذا عرفنا هذه الحقائق اعتدلت النظرات، ولم نكن إما مع هؤلاء أو مع هؤلاء، بل نحن مع المبدأ والحق الذي ينبغي أن يكون، ولابد أن نعرف المفاسد والمصالح وأوزانها ومقاديرها.

    فإن ديمقراطية أمريكا مسح لأصول ديننا من جذورها، وتغيير لمقومات مجتمعاتنا من أساسها، وانحراف تريد أن تشيعه كما هو شائع عندها وعند مثيلاتها، فهم يريدون دوماً أن يكون في بلادنا مثل الذي في بلادهم مما يزعمونه من حرية المرأة، وحرية الأديان، وانفتاح الفكر والمناهج؛ ليهدموا كل ما هو أصيل في حقوقنا.

    وأستحضرها هنا مقالات جاهلية وإسلامية تبين لنا أموراً ينبغي معرفتها:

    في وقعة حنين كان مع الرسول صلى الله عليه وسلم بعض مسلمة الفتح، وكان في أول المعركة ما كان من جولة كانت على المسلمين، وإذا بـصفوان بن أمية وهو حديث عهد بإسلام يضطرب أمره، ويأتيه من يقول: بطل سحر محمد، فلنكن مع القوم الغالبين، فقال وهو إذ ذاك في أول إسلامه:

    لئن يربني رجل من قريش خير من أن يربني رجل من ثقيف أو هوازن.

    أي: إن حكم محمد بالنسبة لهم وهو من قريش، أولى عندهم من أن يكون المتسلط عليهم أجنبياً أنأى وأبعد.

    وقالها ابن عباد يوم جاء ابن تاشفين في أواخر عهد الأندلس لينصر أهل الإسلام، فقيل له: يا ابن عباد ! إن انتصر ابن تاشفين أخذ ملكك، فقال:

    لأن أكون ذنباً في الحق أحب إلي من أن أكون رأساً في الباطل!

    ولا بد أن يعي المسلمون مواقفهم، وأن يزنوا كلماتهم، وأن يعرفوا مبادئهم، فـالمعتمد بن عباد يقول: لأن أكون ذنباً في الحق أحب إلي من أن أكون رأساً في الباطل. وحسبك بها كلمة قالها في ظرف عصيب؛ وكان ملكه مهدداً، وكانت دولته إلى زوال، لكنه آثر أهل الإسلام والإيمان، وآثر أن يكون ذيلاً في الحق على أن يكون رأساً في الباطل. هذه بعض الحقائق.

    1.   

    ذكر بعض المبادئ الثابتة التي تراعى في النظر إلى الأوضاع الحربية

    وجوب الرجوع إلى الكتاب والسنة

    أما المبادئ فقد أسلفنا الحديث عنها مراراً وتكراراً فيما سبق؛ لتكون واضحة في العقول والأذهان، راسخة في النفوس والقلوب، حاكمة للمواقف والمنطلقات، فلعلنا نستحضر ذلك:

    وأول ذلك وأهمه: أن مرجعنا الأساسي وشريعتنا العظمى هي من كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم، وليست من قوانين الأمم المتحدة، ولا من أنظمة أمريكا ولا غيرها.

    وجوب مراعاة مصالح الأمة الإسلامية

    الأمر الثاني: أن المصالح الشرعية للأمة الإسلامية هي المرعية، وليس المصالح دنيوية، أو مصالح جزئية؛ فإن ذلك كما نعلم قد ضيع كثيراً من مقدرات المسلمين، ومن كلمتهم وهيبتهم، ومن قدرتهم على استقلاليتهم وبناء ذاتيتهم، ولابد أن نعرف ذلك وأن نعيه.

    أهمية النظر إلى مآلات الأمور

    والأمر الثالث: النظرة المستقبلية مع عدم إغفال الواقعية الآنية.

    فإن النظر إلى أمر قريب يفقد الناس معرفة الحقائق الكبرى، والجرائم العظمى، والمؤامرات الخطيرة، فإن هذه القضية كما نسمع وتسمعون لا تتعلق بتحرير شعب العراق، فمن يحرره؟! ولأجل ماذا؟! هل هو لأجل سواد عيونهم، ولأجل الإخلاص المتناهي لهم، ولأجل الحرقة على أوضاعهم والرعاية لمصالحهم؟!

    لا يصدق ذلك أحد، بل ما وراء ذلك من تسلط وهيمنة وتغلغل وما يتبعه مما لا يعلم إلا الله سبحانه وتعالى مداه.

    شمولية القرآن الكريم

    إن حديث المبادئ يطول ويطول، ونحن مرجعنا كتاب الله، قال الله وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم، وفيهما غنية وكفاية، كما قال عز وجل: مَا فَرَّطْنَا فِي الْكِتَابِ مِنْ شَيْءٍ [الأنعام:38]، وقال: وَنَزَّلْنَا عَلَيْكَ الْكِتَابَ تِبْيَانًا لِكُلِّ شَيْءٍ [النحل:89] ، وكما قال سلمان : (وعلمنا رسول الله صلى الله عليه وسلم كل شيء، حتى إنه ما طائر يقلب جناحيه في السماء إلا ترك لنا منه خبراً).

    وقد أسلفنا القول عن ثبات وحفظ القرآن الكريم وحفظ السنة في مجملها، وثبات ذلك في التطبيق العملي في سيرة المصطفى صلى الله عليه وسلم، فما بالنا لا نرجع ولا نعتصم بذلك، ونلتفت إليه، ونجعله معولنا الأساسي؟! وندرك حينئذ به كل هذه الحقائق، ونكشف به كل تلك الدقائق، ونستطيع -بإذن الله عز وجل- مع الاعتقاد الإيماني واليقيني والالتجاء إلى الله عز وجل، أن يكون لنا حال أفضل ومواقف أظهر وأوضح وأثبت وأصح بإذن الله عز وجل.

    1.   

    بعض المواقف والأحكام التي تجب معرفتها

    وإلى بعض المواقف التي لابد من معرفتها، ويكثر الحديث عنها:

    هذا عدوان سافر واضح من أمة لا تدين دين الإسلام، وفي صورة لا يشك عاقل أن فيها ضرراً على الإسلام وأهله، ولا يقولن لك أحد غير ذلك، ولا يخبرنك أحد بغيره، كما اضطربت بعض المواقف وتراجعت، وتغيرت وتبدلت، وقالت: إن الحملات الصليبية فترة تاريخية، ولا يشك عاقل أنها كانت لمصالح سياسية، ولم تكن حرباً دينية، وقال من قال في تراجعاته ومحاوراته: إنه ليس هناك فرق بين الشرائع السماوية في رعايتها للسلام وحرصها عليها.

    ونحن نعرف ما عند اليهود عليهم لعائن الله في توراتهم المحرفة وتلمودهم الحاقد من دعوة صريحة للعنصرية والهمجية والعدوانية، ثم يقال غير هذا ويروج فيه الأحاديث والأقاويل والبيانات، وهذا من المخاطر الكبيرة.

    وثمة أمر آخر لابد من معرفته، ولعلي أقف هذه الوقفات الشرعية مع هذه المواقف فيما إذا غزيت هذه البلاد الإسلامية، فهي إسلامية وإن قلنا: إن البعث في عقائده كفر؛ فإن البلد بلد إسلام؛ فتحه المسلمون، ورووه بدمائهم، وكان وقفاً إسلامياً، وجل أهله مسلمون، وكثير منهم -وخاصة في الآونة الأخيرة- رجعوا إلى الله عز وجل، فلا يقال: إنها بلد لا يصدق فيها أنها بلد إسلام فلا تنطبق عليها تلك الأحكام.

    وجوب جهاد الكفار الغزاة

    ومن الأحكام إذا غزي المسلمون في عقر دارهم: أنه يجب عليهم الجهاد لصد هذا العدو، كما ذكر العلماء قاطبة في أقوالهم سرداً وإقراراً للإجماع، ومن ذلك قول ابن عبد البر رحمه الله: والفرض في الجهاد ينقسم إلى قسمين: أحدهما: يتعين على كل أحد ممن يستطيع المدافعة والقتال وحمل السلاح من البالغين الأحرار؛ وذلك بأن يحل العدو بدار الإسلام محارباً لهم؛ فإذا كان ذلك وجب على جميع أهل تلك الديار أن ينفروا ويخرجوا إليه خفافاً وثقالاً، وشباباً وشيوخاً، ولا يتخلف أحد يقدر على الخروج من مقاتل أو مكثر.

    وقال النووي رحمه الله: وإن دخلوا بلدة يتعين على أهلها -أي: الجهاد- وأما غير أهل تلك الناحية فمن كان منهم على دون مسافة القصر فهو كبعضهم، حتى إذا لم يكن في أهل البلدة كفاية وجب على هؤلاء أن يسيروا إليهم مع مراعاة قدرتهم على الدفع.

    وكما قالوا في الاستشهاد بذلك بقول الله تبارك وتعالى في القرب والجوار: مَا كَانَ لِأَهْلِ الْمَدِينَةِ وَمَنْ حَوْلَهُمْ مِنَ الأَعْرَابِ أَنْ يَتَخَلَّفُوا عَنْ رَسُولِ اللَّهِ [التوبة:120]، وكما في قوله جل وعلا: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قَاتِلُوا الَّذِينَ يَلُونَكُمْ مِنَ الْكُفَّارِ وَلْيَجِدُوا فِيكُمْ غِلْظَةً [التوبة:123].

    حكم مظاهرة ومعاونة أعداء الإسلام

    ثم أمر المظاهرة لأعداء الإسلام والمعاونة والمشاركة لهم ليس فيها شيء من شبهة ولا قليل من خلاف، فإن النصوص فيها واضحة، وإن أقوال الأئمة والعلماء فيها قاطعة، فمظاهرة ومناصرة غير المسلمين على المسلمين لا تتفق مع أحكام الدين، بل هي مناقضة له، كما في قوله: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَتَّخِذُوا الْيَهُودَ وَالنَّصَارَى أَوْلِيَاءَ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ وَمَنْ يَتَوَلَّهُمْ مِنْكُمْ فَإِنَّهُ مِنْهُمْ إِنَّ اللَّهَ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ [المائدة:51].

    وقال جل وعلا: وَلَنْ يَجْعَلَ اللَّهُ لِلْكَافِرِينَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ سَبِيلًا [النساء:141]، فمن أعان على أن يكون للكافرين على المؤمنين سبيل فإنه يخالف حكم الله ومراد الله الذي اقتضاه والذي أراده سبحانه وتعالى، وهذا أمر مهم لابد من معرفته كذلك، وهو الذي نحمد الله سبحانه وتعالى عليه ألا يكون لنا في ذلك لا اعتقاد ولا ميل أو هوىً نفسي فضلاً عن مشاركة عملية.

    نسأل الله عز وجل أن يعيذنا من الشرور والآثام، وأن يصرف عنا الفتن والمحن، وأن يرد الذين كفروا بغيظهم من غير أن ينالوا خيراً، ونسأله سبحانه وتعالى أن يدرأ وأن يرد كيدهم في نحورهم، وأن يعيذنا من شرورهم.

    أقول هذا القول، وأستغفر الله العظيم لي ولكم من كل ذنب، فاستغفروه؛ إنه هو الغفور الرحيم.

    1.   

    خدمة الحرب على العراق لليهود الغاصبين في أرض فلسطين

    الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على خاتم الأنبياء والمرسلين، نبينا محمد وعلى آله وصحابته أجمعين، وعلى من تبعهم واقتفى أثرهم ونهج نهجهم إلى يوم الدين، وعلينا وعلى عباد الله الصالحين.

    أما بعد:

    أيها الإخوة المؤمنون! أوصيكم ونفسي الخاطئة بتقوى الله، فإن تقوى الله أعظم زاد يقدم به العبد على مولاه.

    وإن هذه الحرب الدائرة والأعمال الجائرة ينبغي ألا تغفلنا أو تنسينا صلتها الأساسية في انبعاثها وأسبابها وفي مآلاتهها وغاياتها بقضية الإسلام والمسلمين الأولى في أرض فلسطين، فلا يخفى على كل عاقل أن هذا كله في مصلحة اليهود الغاصبين، بل إنه من أساسه وانبعاثه إنما كان لأجلهم ولأجل تمكينهم، ولأجل بقائهم على قوتهم ومعهم الأسلحة النووية وأسلحة الدمار الشامل، وهم الذين يرفضون التوقيع على الاتفاقيات، ولم يصل إليهم أحد من التفتيش، ولم يذكر أحد أنهم يحتاجون إلى تفتيش.

    وهذه الحرب من أهدافها أن ينشغل الناس، ويمكن لليهود من انتهاز الفرصة وقيامهم بأمور قد يكون فيها تهجير وضرب وترحيل لإخواننا المسلمين من أرض فلسطين، وغير ذلك مما هو معلوم.

    ونحن نعلم أنه خلال شهر قتل اليهود سبعة وثمانين من إخواننا في فلسطين ولا أحد يتكلم، ولا أحد يذكر شيئاً، ونعرف ما عندهم من الجرائم والمخالفات للقوانين الدولية ولقرارات مجالس الأمن.. وغير ذلك، وما التمكن من العراق إلا طريق لزيادة تمكينهم، وزيادة إضعاف قوة العرب والمسلمين، والإرهاب والخلخلة لأوضاع المجتمعات والدول العربية والإسلامية بما يجعلها مضطربة حائرة، أو خائفة مترددة، أو مستسلمة ذليلة، حتى لا يبقى هناك أي قدرة على مواجهة أولئك اليهود الغاصبين، ويكون ذلك مزيداً من القوة والتمكين لهم على حساب الإسلام والمسلمين.

    ولو أننا تمعنا لعرفنا الروابط، ولرأيناها واضحة جلية، ولذلك نحن نعلم قول الله عز وجل: بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْض [المائدة:51]، وقد بين الله عز وجل لنا أنهم: لا يَرْقُبُونَ فِي مُؤْمِنٍ إِلًّا وَلا ذِمَّةً [التوبة:10] ، ونحن نعلم قول الله جل وعلا: لَتَجِدَنَّ أَشَدَّ النَّاسِ عَدَاوَةً لِلَّذِينَ آمَنُوا الْيَهُودَ وَالَّذِينَ أَشْرَكُوا [المائدة:82]، كل ذلك مما ينبغي ألا نغفل عنه ولا ننساه، ولا نغفل عما يجري هناك، فإنه مركز الدائرة وقطب الرحا ونقطة الالتقاء والصراع الحقيقي، وكل الطرق تؤدي إلى روما كما يقولون، وأزعم أن كل القضايا التي تحاك ضد المسلمين لها من قريب أو بعيد صلة بالمواجهة الحقيقية الشاملة بين الإسلام وأعدائه في أرض الإسراء.

    1.   

    توجيهات مهمة للمسلمين في ظروف الحرب

    الاعتصام بالكتاب والسنة مصدر العزة والكرامة

    ولا بد كذلك أن ننبه إلى أمور مهمة وإلى جملة من التوجيهات نحن في أمس الحاجة إليها:

    الأمر الأول: يجب الاعتصام بالجمل الثابتة والأحكام القاطعة من كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم.

    وأما ما فيه اجتهاد واختلافات فأمره معروف عند أهل العلم، ولكن ثمة جمل ثابتة وحقائق قاطعة ليس فيها خلاف، وهي العواصم من القواصم، وهي النور من الظلمة، وهي معالم الطريق التي تعصم من الانحراف والزيغ والضلال بإذن الله، فتواصوا بها، واعتصموا بها، وعضوا عليها بالنواجذ؛ فإنها وصية رسول الله صلى الله عليه وسلم كما في حديث العرباض بن سارية : (وعظنا رسول الله صلى الله عليه وسلم موعظة وجلت منها القلوب، وذرفت منها العيون، فقلنا: يا رسول الله! كأنها موعظة مودع فأوصنا، فقال: أوصيكم بسنتي وسنة الخلفاء الراشدين المهديين من بعدي، عضوا عليها بالنواجذ)، أي: تمسكوا بها؛ لأنه ثمة كثير من الصوارف التي تصرف عنها.

    وللأسف أننا نسمع أمراً يخالف ذلك يقترن بحقيقة مهمة، وهي أن كثيراً من صحفنا وإعلامنا يهول في حجم أعدائنا؛ حتى يبث الرعب في القلوب، وحتى يسري اليأس إلى النفوس، وكأن أولئك القوم قد ملكوا أعنة الأمور، وأصبح بيدهم تدبير الكون وتصريفه والعياذ بالله، وكأنه لا قوة حاكمة ولا تقدير سابق ولا قضاء مبرم من الله سبحانه وتعالى، فيفتون في العضد، ثم يقولون من باب التدرج: ماذا يمكن أن نصنع؟ وأي شيء يمكن أن نقول؟

    والذي يقول هذه المقالات لا يدرك الحقائق، ولا يعرف الواقع.

    سبحان الله! نحن ندرك الواقع ونعرفه، لكن إدراكنا لا يعني أن نترك كتاب الله وراء ظهورنا، ولا أن نخلف سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم دبر آذاننا، بل نقول بما فيهما وإن كنا لا نستطيع إنجاز ذلك أو القيام به في هذا الوقت، لكن تغييره هو الأخطر، والشك في حقيقته هو الأكثر ضرراً والأعظم خطراً؛ لأننا إذا شككنا في ذلك فإننا قد تركنا شيئاً مما نستند إليه ونضع أقدامنا عليه، وبالتالي تغيب عنا الرؤية الصائبة، ويغيب عنا موضع القدم الثابت الراسخ الذي يجعلنا قادرين على أن نقف ونحن نعرف أين نقف، وأن ننظر ونحن نعرف إلى من ننظر، وأي شيء نرى أمامنا، أفإن قالوا كلاماً معسولاً أو غيروا أو أرهبوا وأرغوا وأزبدوا نتغير عن هذه الجمل الثابتة والحقائق القاطعة في كتاب الله الذي قال عنه سبحانه: لا يَأْتِيهِ الْبَاطِلُ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَلا مِنْ خَلْفِهِ تَنزِيلٌ مِنْ حَكِيمٍ حَمِيدٍ [فصلت:42] ، وفي سنة طاهرة مشرفة مبرئة من العيب والنقص لسيد الخلق وأكرم الرسل عليه الصلاة والسلام؟!

    وجوب الوحدة والحذر من الفرقة

    الأمر الثاني: الحرص على الوحدة والائتلاف، والحذر من الفرقة والاختلاف:

    فنحن أحوج ما نكون إذا اجتمعنا وائتلفنا على هذه الجمل الثابتة حتى نتوحد ونجتمع وننسى خلافاتنا، بما فيها الاختلافات والآراء الاجتهادية الفقهية في المسائل العلمية وفي المواقف العملية التي ينبغي أن تذوب؛ لأننا في مواجهة خطر أكبر وعداء أشمل وصورة ماحقة تستهدف الإسلام وأهله من الجذور ومن الأسس، فلا ينبغي أن نبدع هذا أو نفسق هذا وخاصة في مثل هذه الظروف، بل لابد أن يكون التكاتف والتلاحم بين الجميع رعاة ورعية وحكاماً ومحكومين، وإن وجد خطأ فثمة ما هو أعظم من هذا الخطأ، وإن وجد تقصير فثمة ما هو أخطر من هذا التقصير.

    ولابد أن نكون على وعي وبصيرة، وعلى موازنة بين المصالح والمفاسد، وكما قال شيخ الإسلام ابن تيمية : ليس المسلم من يعرف الشر من الخير، ولكنه من يعرف خير الخيرين وشر الشرين. فإن الشرور كثيرة، والخير صوره متنوعة، قد تأخذ أدنى شيء منه وتترك ما هو أعظم، وقد تأخذ من الشر ما هو أعظم وتترك ما قد يحتمل مما هو أدنى، فينبغي أن نعرف ذلك، وأن نحرص أيها الأحبة الكرام! في زمن الفتن والمحن على تراص الصفوف وتلاحمها؛ فإن أعظم هدية تقدم لأعدائنا أن نفرق صفوفنا، وأن نزيد تقطيع أوصالنا، فيأكلوننا لقمة سائغة، كما قال العربي من قبل: إنما أكلت يوم أكل الثور الأبيض!

    إنهم لا يفرقون بين مسلم في هذه البلاد ومسلم في بلاد الشام أو في بلاد اليمن، إنه لم يعد ثمة تفريق بين من يسمون متطرفين أو إرهابيين، وبين مسلم قد يصفونه بأنه مسالم موادع، فالكل في شرعتهم من حيث الحقيقة سواء، وإن بدءوا بهذا فالثاني من بعده، وإن بدءوا بتلك الديار فربما تكون تلك بعدها، فينبغي ألا نجعل فرصة لأعدائنا بمزيد من التشتت والتفرق والتشرذم والتنابز بالألقاب، بل احرصوا على هذه الألفة وهذه المحبة، ولا يكون ذلك إلا بتلك الجمل الثابتة في اعتصامنا بكتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم.

    وجوب الصدق في التوبة والعودة إلى الله عز وجل

    والأمر الثالث: الصدق في التوبة والأصالة في العودة والأوبة:

    لقد مضت أحداث سابقة وقال الناس: إن فيها عظة وعبرة، ورجعوا إلى الله في الحرب الماضية، وامتلأت المساجد، وراجع الناس أنفسهم، ثم كرت الأيام وعادت حليمة لعادتها القديمة كما يقولون، ورجعت وسائل الإعلام في أكثر البلاد إلى نشر الفسق والفجور واللهو واللعب والطرب، وستأتي هذه الكارثة ونرى شيئاً من التحول، ثم ماذا من بعد؟!

    نعود مرة أخرى، إننا إن لم نصدق الله عز وجل في توبتنا، وإن لم نخلص في أوبتنا، وإن لم نصحح مسارنا، فإن سنة الله لا تحابي أحداً، وإن سنة الله ماضية، وقد مضت على رسول الله صلى الله عليه وسلم، فلقي ما لقي من العناء والأذى بما وقع من عشيرته وبما وقع له في حياته عليه الصلاة والسلام مما مضت به سنة الله الماضية، وهذا أمر مهم.

    ولعلنا قد ذكرنا من قبل إعلان التوبة، وإظهار الاستقامة، وصحة الأخوة، وكثرة الالتجاء والتضرع بالدعاء لله عز وجل، وليس هذا موضوع حديثنا.

    أهمية الحذر من الإرجافات والشائعات

    والأمر الرابع وهو المهم: الحذر من الإرجاف وترويج الشائعات، وكثرة تداول الرؤى والمنامات:

    إن ديننا لا يبنى على الرؤى والمنامات، وإسلامنا ليس فيه هذا التعلق ببعض الأخبار من الغيبيات، بل إسلامنا كما قال الله عز وجل: وَقُلِ اعْمَلُوا فَسَيَرَى اللَّهُ عَمَلَكُمْ وَرَسُولُهُ وَالْمُؤْمِنُونَ [التوبة:105]، إسلامنا دين عمل ينبني على أدلة واضحة من كتاب الله وسنة رسول الله.

    والشائعات تكثر، والمرجفون يزدادون في مثل هذه الفتن والمحن، فأخرسوا كل مرجف، واقطعوا دابر كل شائعة، واجعلوا الأمور توفر الأمن والأمان والثقة والتآلف والتآزر فيما بين الأمة.

    ويعجب المرء من هذا الإرجاف الذي تمارسه بعض الصحف الذائعة الشائعة وهي تملأ الصفحات بصور الأسلحة وقدرتها المدمرة، ولا ترى إلا الإعلانات التي تقول: في يومين وفي ثلاثة..، وحتى لو صح ذلك فما الفائدة في أن ننشره في الناس حتى يستسلموا، فلندعهم حتى يستبشروا، وحتى يترقبوا الفرج من عدو الإسلام والمسلمين، وينتظروا الأمن والرخاء والحرية والحقوق الإنسانية من هذا الذي سردنا بعض تاريخه قريباً غير بعيد!

    واستمعوا إلى هذه العناوين في بعض هذه الصحف ولا أريد أن أطيل عليكم:

    هذا عنوان يقول: (أول ضحايا الحرب العراقية توقف دوري كرة السلة في بلد معين؛ لأنه يوجد في هذه الفرق في تلك البلاد لاعبون أمريكيون اضطروا للسفر بناءً على نصائح سفارتهم)! هذه أول الضحايا، انظروا كيف نرى أو يرى إعلامنا، أو يذكر هذا في خضم هذه الأزمة القاتلة!

    ومسابقة ملكة الجمال في بلد عربي تتواصل، ودعاياتها تملأ الصحف، وفيها صور النساء وأسماؤهن، وفوق هذه الدعايات ترى أسماء الأسلحة، وترى عناوين الحرب، وذلك لا يقدمنا ولا يجعلنا نطمئن إلى أحوالنا، إذا كان هذا ما قد نميل إليه أو ما قد يروج بيننا.

    نسأل الله السلامة، وأن يصرف الفتنة، وأن يعصم من المحنة.

    اللهم إنا نسألك أن تنزل بأعداء الإسلام والمسلمين سخطك، وأن تحل بهم نقمتك، وأن تشد عليهم وطأتك.

    اللهم فرق جموعهم، واقذف الرعب في قلوبهم، واجعل الخلف في صفوفهم، اللهم اجعل الدائرة عليهم، ورد كيدهم في نحرهم، واشغلهم في أنفسهم، واجعل بأسهم بينهم، اللهم إنهم قد طغوا في البلاد، اللهم إنهم قد طغوا في البلاد، اللهم إنهم قد أفسدوا في البلاد، اللهم فصب عليهم سوط عذاب، إنك يا ربنا لهم بالمرصاد.

    اللهم يا قوي يا عزيز يا منتقم يا جبار؛ يا من لا يعجزه شيء في الأرض ولا في السماء؛ اكشف البلاء عن الأمة، وارفع اللهم الغمة.

    اللهم قد قلَّ المعين الناصر، وكثر العدو القاهر، وليس لها من دونك كاشفة، اللهم اكشف البلاء، وارفع العناء.

    اللهم اللطف بإخواننا المسلمين فيما تجري به المقادير، اللهم اللطف بإخواننا المسلمين في أرض فلسطين وفي العراق وفي الشيشان وفي كل مكان يا رب العالمين.

    اللهم إنهم ضعفاء فقوهم، اللهم إنهم مظلومون فانصرهم، اللهم إنهم مستضعفون فانصرهم، يا ذا الجلال والإكرام يا رب العالمين.

    اللهم من أراد بالإسلام والمسلمين سوءاً فاجعل دائرة السوء عليه، اللهم عليك بهم أجمعين، لا ترفع اللهم لهم راية، ولا تبلغهم غاية، واجعلهم لمن خلفهم آية، اللهم أقر أعيينا بهزيمتهم، واشف صدورنا بذلهم، اللهم أذهب ريحهم، وأفشل خططهم، وأبطل كيدهم، واحبط مكرهم، واجعلهم اللهم عبرة للمعتبرين، يا قوي يا عزيز يا متين!

    اللهم أنزل بهم بأسك الذي لا يرد عن القوم المجرمين، اللهم زلزل الأرض تحت أقدامهم، وأرنا فيهم عجائب قدرتك، وعظيم سطوتك، وسلط عليهم جنداً من جندك يا رب العالمين!

    اللهم اجعلنا بكتابك مستمسكين، وبسنة نبيك صلى الله عليه وسلم معتصمين، ولآثار السلف الصالح مقتدين.

    اللهم ردنا إلى دينك رداً جميلاً، وألف اللهم بين قلوبنا، وأصلح ذات بيننا، واجعلنا سلماً لأوليائك، حرباً على أعدائك.

    اللهم استخدمنا في نصرة دينك، وسخر جوارحنا لطاعتك، واجعلنا ساعين في نصر الإسلام والمسلمين يا رب العالمين.

    اللهم وفقنا لطاعتك ومرضاتك، واصرف عنا الشرور والسيئات ما مضى منها وما هو آتٍ، واغفر اللهم لنا ما سلف منا وما هو آتٍ، وضاعف اللهم لنا الحسنات.

    اللهم اجعل خير أعمالنا خواتمها، وخير أيامنا يوم نلقاك وأنت راضٍ عنا يا رب العالمين.

    اللهم اجعل هذا البلد آمناً مطمئناً رخاءً وسائر بلاد المسلمين، وأصلح اللهم أئمتنا وولاة أمورنا، واجعل ولايتنا فيمن خافك واتقاك واتبع رضاك يا رب العالمين.

    اللهم اصرف عنا الفتن والمحن ما ظهر منها وما بطن، اللهم إن قضيت فتنة فاقبضنا إليك غير فاتنين ولا مفتونين يا رب العالمين.

    اللهم اجعلنا من ورثة جنة النعيم، برحمتك يا أرحم الراحمين.

    اللهم انصر إخواننا المجاهدين في كل مكان يا رب العالمين، اللهم ثبت خطواتهم، وسدد رميتهم، وأعل رايتهم، ووحد كلمتهم، وقو شوكتهم، وانصرهم على عدوك وعدوهم يا رب العالمين.

    اللهم ألف بين قلوبهم، واقذف في قلوبهم الإيمان واليقين، وثبتهم في مواجهة المعتدين، برحمتك وعزتك يا رب العالمين!

    اللهم لطفك ورحمتك وعونك لعبادك المؤمنين المضطهدين والمعذبين، والمشردين والمبعدين، والأسرى والمسجونين، والجرحى والمرضى والمحاصرين في كل مكان يا رب العالمين.

    اللهم امسح عبرتهم، وسكن لوعتهم، وفرج همهم، ونفس كربهم، وعجل فرجهم، وقرب نصرهم، وادحر عدوهم، اللهم إنهم خائفون فأمنهم، اللهم إنهم عراة فاكسهم، اللهم إنهم جياع فأطعمهم، اللهم إنهم مشردون فسكنهم، اللهم رحمتك بالصبية اليتامى، والنسوة الثكالى، والشيوخ الركع، والأطفال الرضع، يا أرحم الراحمين، يا رب العالمين.

    عباد الله! صلوا وسلموا على رسول الله؛ استجابة لأمر الله: إِنَّ اللَّهَ وَمَلائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا [الأحزاب:56] وترضوا على الصحابة الكرام، ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين.

    والحمد لله رب العالمين.

    مكتبتك الصوتية

    أو الدخول بحساب

    البث المباشر

    المزيد

    من الفعاليات والمحاضرات الأرشيفية من خدمة البث المباشر

    عدد مرات الاستماع

    3086718659

    عدد مرات الحفظ

    755940361