إسلام ويب

نظرات في التربية الحديثةللشيخ : سفر الحوالي

  •  التفريغ النصي الكامل
  • تكلم الشيخ حفظه الله عن العلاقة بين التربية والتوحيد، وأن من حِكَم البعثة النبوية: التربية والتزكية، ثم تحدث عن شمولية التوحيد لكل جوانب الحياة، على عكس اعتقاد الغرب الذي يفصل بين الدين والحياة، بل بين الإنسان والروح، ثم أورد آخر بحوثهم التي أثبتت تكامل أوجه الحياة، مع إثباتها لأمور غيبية كانوا ينكرونها، ووصولهم إلى بطلان النظريات المادية الحيوانية التي كانوا يؤمنون بها ويروجون لها.

    1.   

    النظريات التربوية في ميزان التوحيد

    الحمد لله رب العالمين، الرحمن الرحيم، مالك يوم الدين، وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله محمد إمام الموحدين وقائد الغر المحجلين.

    وبعــد:

    فنبرأ إلى الله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى من طولنا وقولنا إلى حوله وقوته، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، وأسأل الله الكريم رب العرش العظيم أن يحفظنا من بين أيدينا ومن خلفنا، وأن لا يكلنا إلى أنفسنا طرفة عين.

    أما بعـد:

    فموضوع التربية الحديثة موضوع مهم وضروري لنا في الحياة، ولكن الموضوع أكبر من أن تحيط به محاضرة أو كتاب، بل لو صنف فيه مجلدات لكان محتاجاً لذلك، ولكن لعلنا نتناول هذا الموضوع من زاوية مهمة -هي أهم زاوية من زواياه- وهي: زاوية التوحيد.

    فللتربية علاقة كبيرة بالتوحيد، إذ أن النظريات التربوية والإنسانية بعامة لا نستطيع أن نفصلها عن التوحيد، لأن التوحيد هو الدين، والدين يشمل كل نواحي الحياة كما قرر ذلك الله تعالى لما بعث محمداً صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وأمره قائلاً: قُلْ إِنَّ صَلاتِي وَنُسُكِي وَمَحْيَايَ وَمَمَاتِي لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ لا شَرِيكَ لَهُ وَبِذَلِكَ أُمِرْتُ وَأَنَا أَوَّلُ الْمُسْلِمِينَ [الأنعام:162-163] فالتوحيد ليس ما يقوله علماء الكلام الذين جردوه عن حقيقته، فجعلوه مجرد اعتقاد الوحدة -أي أن الله ليس اثنين ولا ثلاثة- نعم. إنه تعالى ليس اثنين ولا ثلاثة، بل هو إله واحد.

    ولكن حقيقة التوحيد هي: توحيد الربوبية، والألوهية، والأسماء والصفات، فلا بد أن يوحد الإنسان عبادته لله، كما قال سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى: وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالأِنْسَ إِلاَّ لِيَعْبُدُونِ [الذاريات:56] أي ليوحدون، ونحن في كل ركعة من ركعات صلاتنا نقرأ سورة التوحيد -الفاتحة- ونقول: إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ [الفاتحة:5]، فديننا هو دين التوحيد، ولا يصح أن ننظر إلى أية قضية من قضايانا إلا من خلال التوحيد، ولا سيما إذا كانت القضية تتعلق بأعمالنا وسلوكنا وتصرفاتنا، وهذا هو مضمون التربية.

    والنبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، يقول في الحديث الذي رواه أحمد والحاكم والبيهقي وغيرهم يقول: (إني لخاتم النبيين وآدم منجدل في طينته، وأول ذلك دعوة أبي إبراهيم- عليه السلام - وبشرى عيسى بن مريم ورؤيا رأتها أمي) فدعوة إبراهيم هي الدعوة التي دعا بها إبراهيم وإسماعيل وهما يرفعان القواعد من البيت، إذ قال الله حاكياً قولهما: رَبَّنَا وَابْعَثْ فِيهِمْ رَسُولاً مِنْهُمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِكَ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَيُزَكِّيهِمْ إِنَّكَ أَنْتَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ [البقرة:129].

    فلاحظ أن الدعوة تبتدئ بقوله: يَتْلُوعَلَيْهِمْ آيَاتِكَ ) وهذا لا شك فيه، فقد جاءنا رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بالذكر الحكيم.

    ثم ثنَّى بقوله: وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ ) ثم قال: وَيُزَكِّيهِمْ إِنَّكَ أَنْتَ الْعَزِيزُ الْحَكِيم فلما استجاب الله تبارك وتعالى لدعوة إبراهيم عليه السلام قدم التزكية على التعليم كما بين ذلك في سورة البقرة فقال: كَمَا أَرْسَلْنَا فِيكُمْ رَسُولاً مِنْكُمْ يَتْلُو عَلَيْكُمْ آيَاتِنَا وَيُزَكِّيكُمْ وَيُعَلِّمُكُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَيُعَلِّمُكُمْ مَا لَمْ تَكُونُوا تَعْلَمُونَ [البقرة:151] وفي سورة آل عمران: لَقَدْ مَنَّ اللَّهُ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ إِذْ بَعَثَ فِيهِمْ رَسُولاً مِنْ أَنْفُسِهِمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِهِ وَيُزَكِّيهِمْ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَإِنْ كَانُوا مِنْ قَبْلُ لَفِي ضَلالٍ مُبِينٍ [آل عمران:164].

    وفي آية الجمعة قال: هُوَ الَّذِي بَعَثَ فِي الأُمِّيِّينَ رَسُولاً مِنْهُمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِهِ وَيُزَكِّيهِمْ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ [الجمعة:2] فقدمت التزكية على التعليم، لأن المهمة الأساس في دعوة الرسل وكل داعية هي التزكية قبل التعليم، والتزكية هي التربية -كما نسميها نحن- لكن لفظة (التزكية) أدل وأدق على المعنى من التربية.

    معنى التزكية وحقيقتها

    التزكية كلمة أبلغ من أن تشرح أو تفصل بكلمة أخرى، فهي تعني: التطهير من الأدناس، والأرجاس في القلب، والجوارح، والمشاعر، والفكر، والعقل، وفي كل شيء.

    فالله -تبارك وتعالى- بعث محمداً صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مزكياً لهذه القلوب من خلال التوحيد، فالتزكية بالتوحيد تعني: التخلص من الشرك، والذنوب، والمعاصي، والشهوات، والشبهات، وكل أدران النفس الإنسانية في اعتقادها، وسلوكها، وأعمالها، وتصوراتها، وقيمها، فحينما نشهد أن لا إله إلا الله، ونعبد الله، ونفرده بالعبادة، ونزن كل أعمالنا وأمورنا بمقياسٍ ومنهج ومعيارٍ واحد، وبقيمٍ واحدة، هي ما جاء بها محمدٌ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.

    وهكذا كان الجيل الأول: السلف الصالح ومن اتبعهم، كل أمرٍ في حياتهم كانوا ينظرون إليه من زاوية ما قاله الله ورسوله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، من زاوية العقيدة، ومن باب الإيمان بالله تعالى، ومن باب هدي النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.

    واليوم نرى بعض المتخصصين في مجالٍ ما لا يخضعون هذا العلم للعقيدة، ويقولون: لا وصاية لعلمٍ على علم، لا وصاية لأناس على أناس، ولا كهنوت في الإسلام، ولا رجال دين في الإسلام. نعم. لا كهنوت ولا رجال دين، بل حتى ولا وصاية، ولكن شهادة أن لا إله إلا الله التي بعث بها محمد صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ هي أن يكون شعورنا وموازيننا، وقيمنا وعلومنا، وحركة فكرنا، ونشاطنا كله مأخوذٌ مما جاء به محمدٌ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وليس أحد في هذا بأولى من أحد، ولهذا فنحن لا نستطيع أن نتحدث عن التربية دون أن نتكلم عن علم الاجتماع، أو علم النفس، أو علم السياسة، أو علم القانون أو التشريع، أو الاقتصاد، لا يمكن ذلك حتى في الدراسات الجامعية، إذا درست التربية وأصولها تجدهم يبدءون من التربية عند القدماء -الرومان واليونان مثلاً- ثم التربية في العصور الوسطى، ثم التربية عند علماء المسلمين، ثم التربية الحديثة، ثم المعاصرة، فإن كان الطالب في الاقتصاد -أيضاً- فإنهم يبدءون بالسلسلة نفسها: الاقتصاد عند أرسطو -مثلاً- واليونانيين، ثم العصور الوسطى، ثم يتعرضون لنظريات هوبز، أو جان جاك روسو مثلاً، إلى آخره، وكذلك في علم الاجتماع يبدءون بنفس السلسلة، علم الاجتماع عند أرسطو، ثم أفلاطون، ثم هوبز، وروسو، وديكارت إلى آخره، الشيء نفسه في كل علم يبدءون بهذا.

    شمولية التوحيد

    ونستنتج من هذا أن طبيعة ديننا هو دين التوحيد، والنظرة فيه واحدة شاملة، وكذلك هذه العلوم إذا نظرنا فيها نجد أن الأصل والمنبع واحد،فأي نظرية أخلاقية يمكن أن تكون نظرية تربوية، وأي نظرية اجتماعية يمكن أن تكون نظرية تربوية، وأي نظرية اقتصادية يمكن أن تكون نظريةً تربوية، وأي نظرية سياسية يمكن أن تكون نظرية تربوية، وبالتالي نستطيع أن نقول: إنه لا يمكن أبداً أن توجد وأن تنبثق نظرية تربوية إلا من عقيدة.

    وبالمعنى الأعم نستطيع أن نقول: ما من حضارة إلا من واقع.

    فالحضارة هي عبارة عن الواقع أو الجانب التطبيقي والواقعي للعقيدة التي تدين بها هذه الحضارة أو ذلك الشعب أو تلك الأمة التي صنعت الحضارة.

    ظلمات النظريات القديمة والحديثة

    وبين يدي الآن كتاب مهم جداً، هو كتاب: العلم في منظوره الجديد، حبذا لو تصفحناه قليلاً، فإنه يفند النظريات القديمة، النظريات التي تجزئ النظرة إلى الإنسان، وتفصل ما بين الإنسان والدين، ومؤلفاه كاتبان غربيان لا يؤمنان بالإسلام، ولكنهما أثبتا فشل وبطلان كل النظريات الحديثة والقديمة والمعاصرة، في نظرتها إلى الله وإلى الدين وإلى الأخلاق والقيم، وأثبتا أنه لا بد أن يكون التصور الكلي الموحد.

    ونحن في غنى -والحمد لله- عن هذا، فنحن نعلم ذلك، لكن لكوننا نوجه الخطاب إلى إخوة لنا في الدين، خدعوا بتلك النظريات وغرتهم وأخذهم بهرجها، وربما كان للتخصص دوره المؤثر، فنخاطبهم بذلك لعلهم يضمون هذا إلى ما يستذكرونه من حقيقة عقيدتهم وإيمانهم -بإذن الله- فتنجلي الحقيقة.

    يقول المؤلفان في أول الكتاب ص15: ''لكل حضارةٍ من الحضارات تصور كوني للعالم -أي: نظرة يفهم وفقاً لها الكون ويقيم عليها حياته، إذاً: لا بد من تصور أي نظرة كونية يفهم كل شيء ويقيم كل شيء من خلال هذه النظرة- والتصور السائد في حضارة ما، هو الذي يحدد معالمها ويشكل اللُحمة بين عناصر معارفها، ويملي منهجيتها، ويوجه تربيتها، وهذا التصور يشكل إطار الاستزادة من المعرفة، والمقياس الذي تقاس به، وتصورنا للعالم هو من الأهمية بحيث أنا لا ندرك أن لدينا تصوراً ما، إلا حين نواجه تصوراً بديلاً إما بسفرنا إلى حضارة أخرى، وإما باطلاعنا على أخبار العصور الغابرة، وإما حين يكون تصور حضارتنا للعالم في طور التحول، والحضارة الغربية ما برحت منذ عصر النهضة تخضع لسلطان العلم الجريبي، بيد أن النظرة الكونية التي تولدت إبان عصر النهضة تواجه في الوقت الراهن تحدياً من علم القرن العشرين''

    عصر النهضة -الذي تحدثنا عنه- يمكن أن يكون القرن الثالث عشر، أو الرابع أو الخامس عشر، على تفاوت في التقدير والمقصود هو عصر الاحتكاك بالحضارة الإسلامية في الأندلس، وإيطاليا، وجنوب أوروبا عموماً، وبداية تسلم للقيادة العلمية، وبداية بواعث الانبعاث في الغرب إذاً: هم لا يؤمنون بالله ولا باليوم الآخر، ولا يقولون: إنها تواجه تحدياً من العقيدة، أو من الإيمان الحق، لا، ولكن من علم القرن العشرين تبطل كل تلك النظريات، ويقول: ''الأمر الذي يفضي إلى وجود نظريتين علميتين متنافستين'' وعلى حد تعبير أحد مؤرخي الحضارات وهو تومس بري، يقول: ''القضية كلها قضية نظرة ونحن الآن بالذات نواجه مشكلة'' وهو يتكلم عن واقع الحضارة الغربية، ''لأنه ليس لدينا نظرة مقبولة، فلا النظرة القديمة تؤدي دورها على الوجه السليم، ولا نحن تعلمنا النظرة الجديدة'' سبحان الله! هذا ما يعترفان به! إذاً هم لا يزالون يعيشون في تخبط وفي ظلمات نتيجة هذا السيل المتدفق من النظريات الحديثة، أو نظريات عصر النهضة، كما تسمى.

    أصل النظرية التربوية الغربية

    لو استعرضنا التربية الحديثة من خلال النظريات الكونية والعلمية، لوجدنا أن أصل النظرة في العالم الغربي النصراني- قبل دخول الدين النصراني كانت نظرة وثنية- وهذه النظرة النصرانية التي فرضت على الناس، هي: اعتقاد أن رجال الدين، هم كلمة الله المقدسة التي لا يجوز لأحد أن يخالفها بأي حال من الأحوال.

    والتربية الكنسية النصرانية كانت أول وأهم ما تفترضه أن تقتل في الإنسان مواهبه، ومشاعره، وتطلعاته إلى الأفضل في هذه الحياة الدنيا، كما قال الله تبارك وتعالى: وَرَهْبَانِيَّةً ابْتَدَعُوهَا مَا كَتَبْنَاهَا عَلَيْهِمْ [الحديد:27] ابتدعوا الرهبانية التي تقتل في الإنسان أي تطلع للعيش في هذه الحياة الدنيا كما أمر الله، وكما يريد الإنسان أن يعيش بحكم الفطرة التي فطره الله عليها.

    1.   

    الكنيسة والعلم

    ثم أضافت الكنيسة إلى قتل هذا التطلع وهذه المواهب أمراً آخر مهماً: وهو أنها حاربت العلم والعلماء، فأول النظريات التي اصطدمت بالكنيسة هي النظريات الكونية التي جاء العلم ليثبت صحتها بالجملة، مع أن النصرانية يوجد فيها بعض الحق في بعض الجوانب الأخلاقية من تربية الإنسان على: ألا يرائي، وألا يغش، وألا يكذب، وأن يتحلى بالأخلاق، فهذه موجودة في النصرانية المحرفة.

    واصطدمت النصرانية بما فيها من حق بالنظريات التي ثبتت صحتها أول الأمر، فاصطدمت بنظرية كوبر نيكوس في الكون وفي المجموعة الشمسية، وكذلك نظرية جاليليو في دوران الأرض، ثم نظرية نيوتن في الجاذبية أو الأجرام السماوية، وهي امتداد لنظرية كوبر نيكوس، لما اصطدمت هذه النظريات بالكنيسة، وأثبتت علوم الرياضيات والتجربة الحسية صحتها في الجملة، هزمت الكنيسة بحقها وباطلها في هذه المعركة، فظهرت بعد ذلك النظريات الإنسانية -التي ثبت زيفها وبطلانها- وقاس الناس النظريات الإنسانية على النظريات الكونية، فقالوا: العلم على صواب دائماً، والكنيسة والدين على خطأ دائماً.

    ظهور النظريات المادية

    أهم نظرية في هذا المجال هي نظرية داروين، وتفرعت وتشعبت منها النظريات النفسية والاجتماعية والتربوية الكثيرة جداً، ومن أهم النظريات التي انشقت من الداروينية، النظرية المادية التي طغت على فكر القرن التاسع عشر، فظهر كارل ماركس وقال: لا تؤمنوا بالغيب، وآمنوا بالمادة وبالشيء المحسوس الذي لا يكلفكم شيئاً، أما عالم الغيب الذي تقوله الكنيسة فلا دليل على إثباته، وكله أساطيره، وهذا امتداد لنظرية هيجل وغيره، ثم ظهرت النظريات في التربية مثل نظرية التحليل النفسي، التي قال بها اليهودي فرويد، الذي فسر الدوافع الإنسانية بأن الإنسان بكامل نشاطاته، وبكل آماله، وأحلامه، وتطلعاته، وحضاراته، وبنائه، وتراثه، دوافعه في كل ذلك غريزة واحدة من غرائزه،هي الغريزة الجنسية! هكذا فسرها فرويد.

    ثم جاء ما هو أدهى من ذلك وأطم، المدرسة السلوكية التي تفسر الإنسان تفسيراً حيوانياً وآلياً معاً، أي التي لا تجعل للعقل أي دور، وإنما التحكم والتوجيه للغريزة الحيوانية البحتة، فهربوا من الإيمان بالغيب، والإيمان بإله الكنيسة، وأثبتوا أن الإنسان حيوان! فخططوا ونظروا على هذا الأساس، فكثير من علوم النفس، والتربية، والاجتماع، وعلم النفس التكويني تطبق النظريات الحيوانية على الإنسان، فتطبق التجربة على الكلاب، أو القرود، أو الفئران، أو الأرانب، والنتيجة تطبق على الإنسان، فيغفل جانب عظيم جداً، وجانب مهم وهو: إنسانيته، وروحه، وقلبه، وتبقى الأمور متعلقة فقط بالأعصاب، والميكانزم العصبي، وبالنواحي العضوية، الفسيولوجيا العضوية البحتة، وليس للروح ولا لعالم الغيب أي دخل أو مجال فيها.

    وهكذا توسعت النظريات على اختلافها، وإذا بنا نجد أن الإنسان لا يشكل إلا كومة من اللحم والدم والعظم يوضع على منصة التشريح، ثم يراد أن يخطط له اجتماعياً، وسلوكياً، وأخلاقياً، حتى الفنون وحتى الآداب أريد لها أن تنتكس لتخضع لكل تلك المعايير السابقة، ولا شك أنها نكسة كبرى ابتليت بها الإنسانية.

    سقوط الشيوعية لتنكرها للدين

    إن الفنون وحتى الآداب أريد لها أن تنتكس لتخضع لكل تلك المعايير السابقة، ولا شك أنها نكسة كبرى ابتليت بها الإنسانية، ومن فضل الله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى أن إحدى النظريتين الغربيتين الكبيرتين قد انهارت وهي النظرية الشيوعية الماركسية فعندما كنا نتحدث عن هذه النظرية قبل سنوات، قبل ظهور جورباتشوف والبروسترويكا، كنا نحتاج أو نضطر أن نتكلم عن خلل وفساد الشيوعية، ومنافاتها للفطرة، وأنها لا تصلح أن تكون نظريةً اقتصاديةً، ولا اجتماعيةً، ولا تربوية، فضلاً عن أنها تصلح أن تكون عقيدة كما أراد أصحابها، أو نظرية في الأدب والفن اللذين هما أعمق وأعقد من أن تدخلها أي نظرية تجريبية عادية، كنا نحتاج إلى ذلك، وإذا بنا نرى انهيارها.

    فالثورة الشيوعية قامت وحكمت روسيا في عام (1917م)، والبروسترويكا -أي إعادة البناء- أعلنت في عام (1985م)، فهذه المدة في عمر الأمم قليلة جداً، مثل أي دولة من الدويلات التي قامت في تاريخنا الإسلامي استمرت ستين أو سبعين سنة لا يكاد يؤرخ لها، أو لا تذكر إلا عرضاً، وإن كنا نحن الآن نرى الشيوعية بهذه الضخامة لأننا نعيش في الواقع، لكن بعد قرن أو قرنين أو ثلاثة، سيقال ظهرت في القرن العشرين أو في أوله نظرية، وفي الربع الأخير منه سقطت، وكان اسمها الشيوعية.

    فـالشيوعية سيطرت وكادت أن تتحكم في ثلث البشرية تقريباً، وجعلت نفسها عقيدة عامة في التربية وفي كل نواحي الحياة، لكنها سقطت، وهذا السقوط نتيجة لافتقارها للإيمان بالله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى، وستسقط أكثر فأكثر، ولن ينفعها أي إصلاح أو ترقيع إلا بأن تعود إلى الله، وتؤمن إيماناً حقيقياً، لا كما عبر جوربا تشوف وقال: ''الحل بالعودة إلى تراثنا وإلى مسيحيتنا'' فنقول له: إن مسيحيتك هي التي فررت منها أولاً والتي فر منها كارل ماركس، عندما كان يقول: ''المادة هي هذه الأشياء'' .

    العلم يثبت الغيب

    وعلق على تلك النظريات العلماء -علماؤهم الآن- وقالوا: هذا كلامٌ مضحك، لأنهم اكتشفوا أن هناك موادَّ غير محسوسة، واكتشاف أن الذرة ليست أصغر شيء في الكون، وإنما الذرة عبارة عن: نواة ويدور حولها إلكترونات سالبة وبروتونات موجبة، عالم غريب جداً، إنهم يتكلمون عن الطاقة والحركة، وهي أمور غيبية والقضية الآن هي في عالم الغيب، فلم يعد الكلام عن الملائكة، ولا عن الجنة، ولا عن النار، ولا عن ذات الله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى، بل الآن عالم الغيب بالنسبة لهم هي هذه المادة، فهم يبحثون عن سرها وتركيبها وتكويناتها، بل يقولون: لو أخذت أي جزيء من هذه الجزيئات في أي شيء وكبرته تكبيراً كبيراً جداً، لوجدت نفسك ترى فراغات هائلة ولا ترى المادة، فدفعتهم هذه الاكتشافات للعودة مرة أخرى للإيمان بالغيب من جهة أخرى.

    فالطلاب في كلية العلوم وغيرها يدرسون النواة، والذرة، والإلكترونات السالبة والبروتونات الموجبة، فيؤمنون بها دون أن يروها أو يحسوها، إذاً: فالقضية أصبحت قضية إيمان بالغيب، وإن كانوا في الأصل هربوا منه، لكن الفطرة أعادتهم. وهناك حقيقة لاشك فيها، وهي: أن ترك التوحيد هو وراء كل انحسار لأي مذهب من المذاهب.

    ونذكر قصة للرئيس الأمريكي جورج بوش، عندما كان سفيراً لدولته في الصين -في الحقيقة أنه كان جاسوساً كما يبدو- وكما عبر في كتاب التطلع إلى الأمام، فذكر قصة طريفة في كتابه الذي صدر حديثاً يقول في (ص195) معبراً عن لقائه هو وكيسنجر، وووستن لورد مع ماوتسي تونغ -الزعيم الشيوعي الكبير- بعد أن ضعف وأصبح صنماً مهترئاً لا قيمة له، ولكن الصينيين يقدسونه ويعبدونه، حتى إنه كان لا يتكلم إلا بإشارات خفيفة , وتتقطع منه الكلمات من كبر سنه، يقول بوش عن ذلك اللقاء: ''مع مرور وقت الاجتماع ظهر أن ماو أصبح أقوى وأكثر تيقظاً، أشار بيديه مراراً، وحرك رأسه من ناحيةٍ إلى أخرى، وظهر بأن الحديث يحفزه'' أي: ينشط مع انفعالات الحديث مع أنه لا يقدر أن يتكلم ولا يعبر، قال: ''واستمر يشير في أحاديثه إلى الله'' هذا ماو، والراوي جورج بوش فالسند عالي!!

    يقول: ''إذ علق مرةً قائلاً، لـكيسنجر وبوش: إن الله يبارككم ولا يباركنا، إن الله لا يحبني لأنني قائد عسكري وشيوعي -يقول عن نفسه- كلا إنه لا يحبني، إنه يحبكم أنتم الثلاثة، وأشار برأسه إلى كيسنجر، وووستن لورد، وإليَّ'' هكذا يقول الرئيس بوش عن ماو الذي كان في تلك الأيام، في عالمنا الإسلامي، بل في جزيرة العرب هنا وفي إحدى الدول التي قدّر لنا أن نذهب في رحلة جامعية إليها تخرج مظاهرة، ويقولون: لا إسلام بعد اليوم، ماو رب الكادحين -تعالى الله عما يقولون!- هذا المسكين الذي يحاول أن يعبر لـبوش أنكم طيبون أنتم يا أمريكان لأنكم نصارى، أما هو يقول عن نفسه: إنه شيوعي فلن يباركه الله! ونحن نعرف أنه لا بارك لا في بوش ولا ماو، ولكن بالنسبة لـماو يعتذر لـبوش أنه صاحب دين فهو خير منه، فهذا هو قائد نصف العالم الشيوعي في زمنه، وهذا تعبيره، وهذه حسرته، حسرة الكافرين في الدنيا، فما بالكم بحسرتهم يوم القيامة، بين يدي الله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى!

    هذا التحسر على هذا العمر الذي ضاع على نظريات قتل من أجلها الملايين في الصين وفي الاتحاد السوفيتي وخاصة من المسلمين، قتلوا من أجل هذه النظريات، ثم تكون النتيجة بعد هذه التضحيات، وبعد إهدار الطاقات، وبعد الجهود الكبرى تكون النتيجة والنهاية أن هذا الزعيم يتحسر ويتمنى، كما قال الله عنهم: رُبَمَا يَوَدُّ الَّذِينَ كَفَرُوا لَوْ كَانُوا مُسْلِمِينَ [الحجر:2] الله أكبر!! سبحان الله! كيف تستيقظ الفطرة ويستيقظ نداؤها؟!

    الغرب والدين

    أما في الغرب فيمكن أن نقدم نصاً واحداً فقط يبين لنا نظرتهم في مسألة الإيمان بالله، وحجمها في الحكمة الغربية أو في الفلسفة الغربية، ثم بعد ذلك أنقل لكم بعض نصوص ما قاله هذان المؤلفان. يقول هان ترينج في كتابه: الفلسفة أنواعها ومشكلاتها (ص38): ''يتميز موقف الفيلسوف على خلاف موقف الديني'' فانظروا الفصل هنا فيلسوف وهنا ديني، أي: أنّ أيَّ مفكر عندهم يستخدم عقله في التفكير مجرداً عن الدين يعتبرونه فيلسوفاً، فكأنه من المستحيل أن يكون مفكراً دينياً، فيقول: ''يتميز موقف الفيلسوف على خلاف موقف الديني بأنه موقف نظرٍ وتجردٍ خالص''.

    أي يتجرد بالكلية عن دينه وهو الأساس، وإن كانوا -أيضا- يقولون: وعن مشاعره، لكن لا يمكن أن يكون هناك تفكير موضوعي بحت على الإطلاق، ثم يقول: فهو يرى أن مسألة الله تبارك وتعالى بأسرها من حيث وجوده وطبيعته هي مسألة مفتوحة تماماً، فالفلسفة لا تعرف أموراً مقدسة لا يمكن الاقتراب منها، والمفكر الميتافيزيقي -أي الذي يبحث في عالم ما وراء الطبيعة- لا يشعر عند لمعالجته لمفهوم الكائن الأسمى -أي: الله تبارك وتعالى- بخشوعٍ يزيد على ما يشعر به إزاء أية مسألة أخرى، فهو عندما يتكلم عن الله لا يوجد أي خشوع، فهو يتكلم عن الله، أو عن الإنسان، أو عن القذر، أو الأميبيا، أو أي شيء آخر لا فرق عنده؟ نعوذ بالله! انظر مضادة ومحادة الفطرة، إلى أن يقول: ''وكما يقال أحياناً على سبيل المزاح: حتى الله نفسه ينبغي أن يقدم أوراق اعتماده أمام مدخل مدرج الفلسفة'' تعالى الله عما يقول الظالمون علواً كبيراً!!

    فلا شيء عندهم إلا ويخضع للعلم في نظرهم، وللفلسفة، وللبحث، فليس هناك شيء مقدس -لا نص مقدساً، ولا نظرية مقدسة، ولا رجال مقدسين- بل كل شيء يجب أن يخضع في نظرهم للعلم، وفصلٌ تام بين هذا العلم وبين الإيمان الديني.

    وهذا الكلام وإن كان يقال على سبيل المزاح، وإن كان يقوله بعض المنتمين للإسلام أيضاً! ولكن الله تبارك وتعالى يقول: وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ لَيَقُولُنَّ إِنَّمَا كُنَّا نَخُوضُ وَنَلْعَبُ قُلْ أَبِاللَّهِ وَآيَاتِهِ وَرَسُولِهِ كُنْتُمْ تَسْتَهْزِئُونَ * لا تَعْتَذِرُوا قَدْ كَفَرْتُمْ بَعْدَ إِيمَانِكُمْ إِنْ نَعْفُ عَنْ طَائِفَةٍ مِنْكُمْ نُعَذِّبْ طَائِفَةَ بِأَنَّهُمْ كَانُوا مُجْرِمِينَ [التوبة:65-66].

    فعندما يتعلق الأمر بالله تبارك وتعالى، وبصفاته، وبالدين، وبالإيمان؛ فإن المسألة جدٌّ كلها ولا حاجة للمزاح، ولا يمكن أن تعتبر من المزاح.

    ظهور الحق على لسان الغرب

    أحد الباحثين المعاصرين اسمه بنفيل -وهذا مشهور في أمريكا- اشتغل بالبحث يقول: ''طوال حياتي العلمية سعيت جاهداً -كغيري من العلماء- إلى إثبات أن الدماغ يفسر العقل'' فهذا أساس من أسس التربية: أن الدماغ هو الذي يفسر العقل، أي: أن الجانب العضوي في الإنسان هو الذي يفسر الفكر والجانب التجريبي أو النظري.

    ويقول: ''غير أن الأدلة في آخر الأمر بعد البحث الطويل أوصلته إلى الإقرار بأن العقل البشري والإرادة البشرية حقيقتان غير ماديتين -ويعلن هذا فيقول- يا له من أمر مثير أن نكشف أن العالِم الآن يستطيع بدوره أن يؤمن عن حق بوجود الروح'' فهذا هو العالم عندهم وليس رجل الدين.

    بل ذكر أن أحد الكتاب الموافقين لـبنفيل في النتيجة نفسها قال: ''الإنسان في النظرة الجديدة ليس رزمة من ردود الفعل أو الدافع أو الآليات النفسية'' وهذا تعريض بالنظريات والتربويات السلوكية والتحليلية وأمثالها.

    يقول: ''ولا هو نتاج فرعي لقوىً خارجية فالنظرة الجديدة'' أي: نظرة النصف الثاني من القرن العشرين المبنية على الفيزياء، هذه النظرة الجديدة إلى الكون انبثق منها تصور في التربية، والأخلاق، والسلوك، والقيم، حتى في علم الجمال والفن والأدب، انبثاقاً كلياً يغاير النظرة القديمة التي قالها فرويد ومنها السلوكية، وكل النظريات التي لا تزال -مع الأسف- إلى الآن تدرس وتقرر في العالم الإسلامي.

    يقول: ''النظرة الجديدة تنشد نموذجاً إنسانياً لدراسة الإنسان، نموذجاً لم نستطع من دونه أبداً أن نمد يد العون للمحتاجين -ويحذرنا فرانك قائلاً:- لن نستطيع فعلاً أن نغيث الإنسان في ورطته إذا كنا نصر على أن تصورنا للإنسان ينبغي أن يصاغ على نمط نموذج الآلة، أو نموذج الجرم'' أي: إما الميكانيكية: وهي النظرية البحتة التي تجعل الإنسان كالآلة، وإما النظرية الحيوانية، التي تجعل الفأر، أو الأرنب، أو الكلب، أو أي حيوان آخر؛ هو النموذج التي تقاس عليه الدوافع والسلوك الإنساني.

    ويقول الكاتبان: ''لو كان الإنسان مجرد كائنٍ مادي -كما تزعم النظرة القديمة- لو كان كذلك لكان من المعقول أن نتخذ أشياء مادية أبسط كالآلات نماذج للسلوك البشري، فلكل آلةٍ دافعةٌ تشغلها كالبخار، أو الكهرباء، أو الاحتراق الداخلي -مثل السيارة لها احتراق داخلي- وعلى ذلك كان أهم عنصر في الإنسان وفقاً لعلم النفس في النظرة القديمة هو قوته الدافعة'' أي: الغريزة في عمومها، أم غريزة معينة كما تصور فرويد، أو أي أمر آخر.

    ويقول: ''والقوة المادية في الآلة الإنسانية تتخذ شكل غرائز وانفعالات هي مصدر جميع الأعمال التي يقوم بها الإنسان، أما العقل فلا يملك زمام الأمر؛ لأنه نتاج ثانويٌ للمادة -فبعد أن يتحدث عن فساد هذه النظرة، قال:- في أعقاب الحرب العالمية الثانية شعر كثير من علماء النفس أن إخضاع العقل للغريزة في طريقة التحليل النفسي وإلغاء العقل -كما هو الحال في السلوكية- قد أفضيا إلى تجريد الإنسان من إنسانيته في علم النفس، معتبرين أن هذا موقفاً لا يطاق في فرع من فروع المعرفة مكرسًا لخدمة الجنس البشري''.

    وقد عبر عن ذلك ركس كارل، وليكون نيوث في كتابه: مصير الإنسان، قال: ''إن الجبهة المادية من الحضارة تتقدم، وأما الجبهة الإنسانية فإنها في تأخر وتقهقر وتراجع كبير -ويقول:- وأخيراً التحمت في الخمسينيات من هذا القرن قوة ثالثة في علم النفس إلى جانب القوتين الأخريين: التحليل النفسي والسلوكية، هذه الحركة أتباعها لا يتكلمون بصوت واحد، ولا يشكلون مدرسةً فكرية مستقلة، ولاهم متخصصون في أي مجال ذي مضمون محدد'' أي: بدأنا نرجع إلى مسألة التوحد، فالتفرق الشديد يرجعهم في النهاية إلى الوحدة، إذاً القضية أصلها التوحيد، فهم يتشعبون ثم يرجعون إلى شيء واحد، وهم مختلفون جداً، ولكن يقول:

    ''إن كل ما يجمع بينهم هو الهدف المشترك المتمثل في أنسنة علم النفس'' أي: أن يصبح علم النفس علماً إنسانياً، فهو إلى الآن ليس إنسانياً بل حيوانياً أو آلياً، وبناءً عليه فكل النظريات التربوية تدرس الإنسان من زاوية الآلة أو الحيوان.

    ثم يقول: ''وفي اجتماع وطني للرابطة الأمريكية لعلم النفس، عقد في (1971م)، قررت هذه الحركة الجديدة أن تطلق على نفسها اسم: علم النفس الإنساني'' فانظر متى اكتشف الغرب أنه لا يملك علم نفس إنسانياً، ولا رابطة لعلم النفس الإنساني، وأنه في حاجة أن يتخلص من الورطة -كما يعبرون- وأن يبحث في ضوء جديد وعلم جديد، عرفوا ذلك عام (1971م).

    1.   

    أثر التربية الغربية على المسلمين

    كل النظريات التي ندرسها نحن في العالم الإسلامي، كانت كلها قبل هذا العام بسنوات في الغرب، ونحن لا نزكي هذه المدرسة الأخيرة لكن نضرب مثالاً على أننا نلتقط ما رماه الغرب في نفاياته وما تجاوزه، بينما نحن ما نزال نعيش ونقتات عليه -مع الأسف- إلا القلة المؤمنة المخلصة في بعض الجامعات الإسلامية الذين بدءوا ينظرون إلى كل شيء من زاوية التوحيد والإيمان والدين، الذي لا يجوز أن ننظر إلى أي شيء إلا من خلاله.

    ثم يقول: ''قررت هذه المدرسة أن تطلق على نفسها اسم: علم الإنساني، وهذه هي سيكيولوجيا النظرة العلمية الجديدة'' .

    ثم أخذ يتحدث عن أحد الأسباب الرئيسة في ذلك، فيقول عن أحدهم وهو أوبن هايمر يقول: ''إن أسوأ ما يمكن تصوره من حالات سوء الفهم هو أن يتأثر علم النفس تأثراً يجعله يصوغ نفسه على غرار فيزياء لم يعد لها الآن وجود -فيزياء القرن التاسع عشر وأول القرن العشرين- فيزياء عفَّاها الزمن، وأعتقد أن هناك إجماعاً في الرأي على أن هذا هو الطريق الذي قادتنا إليه السلوكية الوضعية المنطقية '' يعني أنه يقول: ويجب أن ننسى كل تلك النظريات؛ لأنها بنيت على فيزياء القرن التاسع عشر وأول القرن العشرين الذي قد تغيرت تغيراً تاماً.

    التربية الحقيقية

    التربية الحقة هي التي تمتلك التصور الكوني الكلي للوجود، التي تحدد فيها صفات الله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى، وتحدد فيها صفات الرسل وواجباتهم وأعمالهم، وما ينبغي لهم وما يجب علينا نحوهم، وتحدد فيها وظيفة الإنسان ومصيره، من أين جاء؟

    وإلى أين يذهب؟

    وكيف يعمل ويعيش؟

    ومحددةٌ فيها كل جوانب النفس الإنسانية بحيث يجد الإنسان أنه في اقتصاده، واجتماعه، وآدابه، وأخلاقه، وسلوكه، يجد نفسه شيئاً واحداً لا تتعاوره الاتجاهات المتناحرة، وهذا لا يوجد في أي نظرية أو مبدأ أو دين إلا في الإسلام، حتى الإنسان الأوروبي لا يملك هذا التكامل على الرغم من وجود هذه المدارس وأمثالها التي بدأت تظهر، إلا أنه في تاريخه الطويل ألف المتناقضات والتناحرات، فكان يخضع لقيصر فيما كان لقيصر، ويخضع للكنيسة فيما كان لله، كما هي نظريتهم الباطلة التي تقول: ''دع ما لقيصر لقيصر، وما لله لله!'' .

    ألفرد نورث وايتد عالم رياضي كبير إنجليزي يقول: ''مشكلة المشاكل التي يعيشها الإنسان والتي يعيشها العلم الحديث هي تجزئة الطبيعة''

    نقول: هذا جانب ديني، وهذا علمي، وهذا تربوي، وهذا اقتصادي، وهذا سياسي، ولو دقق الإنسان لوجد أن هذه الجوانب جميعاً لا يمكن أن تنفصل على الإطلاق، فلا يمكن أن نفصل بين دين الإنسان وبين أخلاقه -كما هو الحال في الغرب- أو بين أخلاقه واقتصاده، فالذي يتعامل بالربا من جهة لا يقول: أتحلى بالأخلاق من جهة أخرى، لا يمكن أن نفصل بين السياسة والأخلاق وبين الدين!

    ولكن الإنسان الغربي، تعود الفصل بين الأنا والعالم، بين الله والإنسان، بين الإنسان والطبيعة والعالم، بين الرجل والمرأة، صراع فاصل كبير وعنيف، صراع بين ما للقيصر وما للبابا، فالحياة الغربية تقوم على التناقضات والصراعات.

    أما دين الإسلام فهو دين التوحيد، تتجه النفس الإنسانية اتجاهاً واحداً، ومستمداً من شرعٍ واحد، كما ذكر الله تعالى: ثُمَّ جَعَلْنَاكَ عَلَى شَرِيعَةٍ مِنَ الأَمْرِ فَاتَّبِعْهَا وَلا تَتَّبِعْ أَهْوَاءَ الَّذِينَ لا يَعْلَمُونَ [الجاثية:18] قال: أهواء؛ لأنها مختلفة، وقال أيضًا: وَأَنَّ هَذَا صِرَاطِي مُسْتَقِيماً فَاتَّبِعُوهُ وَلا تَتَّبِعُوا السُّبُلَ فَتَفَرَّقَ بِكُمْ عَنْ سَبِيلِهِ [الأنعام:153] أي: صراط واحد، وأهواء مختلفة، وأرباب متشاكسون متناحرون على هذا الإنسان، ماذا كانت النتيجة لهذا الإنسان؟

    من نتائج الانحراف في التربية

    ظهرت مدارس اليأس والقنوط نتيجة هذه التربويات والنظريات، فـالوجودية -كما عبر عنها سارتر أو ألبير كاميو وأمثالهم- يقولون: ''لا حل إلا اليأس'' أي: اليأس من الوصول إلى المعرفة، اليأس من أن الإنسان يعرف الحكمة من وجوده أو من أين جاء؟

    أو إلى أين يذهب؟

    لأنهم قالوا: لا يمكن أن تصل الإنسانية إلى معرفة هذه الحقائق، فخير لنا أن نريح أنفسنا من هذا، وأن نعيش الحياة العبثية.

    وهذا ما قرره كانون -الفيلسوف الفرنسي الشهير- بقوله: ''لو كنت شجرة بين الأشجار أو قطاً بين الحيوان لكان لهذه الحياة معنى، أو على الأصح لما كانت المشكلة مطروحة -لم تكن عنده مشكلة في: من أنا؟

    وإلى أين أذهب؟-

    لأنني أكون منتمياً إلى هذا العالم الذي أقادمه الآن بكل إدراكي'' .

    فالصراع سببه الضلال عن الهدى، ونحن نذكر قول النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: {أحد جبل يحبنا ونحبه} جبل! سبحان الله! بل نحن نعلم أن كل هذه الموجودات تسبح الله، كما قال تعالى: وَإِنْ مِنْ شَيْءٍ إِلاَّ يُسَبِّحُ بِحَمْدِهِ وَلَكِنْ لا تَفْقَهُونَ تَسْبِيحَهُمْ [الإسراء:44].

    فالمسلم عندما يصلي، ويذكر الله وهو خالٍ في طريق، أو يتأمل وهو يسير، ثم يتذكر هذه النجوم والشمس، والكون كله يسبح الله، لاشك أنه لا يشعر بعداوة مع الموجودات؛ لأن الكل يعبد الله ويسبحه، ولكن كلٌ على طريقته، والله قد علم صلاته وتسبيحه.

    أما أولئك فيقول أحدهم: ''إن هذا العقل السخيف هو ما يجعلني متضاداً مع كل الموجودات'' سبحان الله! بل أوردوا على اليأس أدلة ليصححوا نظريتهم الجديدة، فقد قال الفيلسوف فريدرك نيتشه: ''إن الفلسفة الحديثة بكاملها تنحصر في نظرية عن المعرفة، وهي فلسفة لا تستطيع أن تتخطى عتبة ذاتها، وقد حرصت كل الحرص على إنكار حقها في الدخول، هذه بالتأكيد فلسفة تلفظ أنفاسها الأخيرة، إنها نهاية واحتضار، وشيء يثير الشفقة'' يقول: الآن الحضارة والفلسفة مفلسة، فليس لديهم أي شيء، لا قيمة ثابتة ولا معيار صحيح.

    ثم يقول الكاتبان: ''إذاً: فكسوف العالم في الفلسفة المعاصرة كسوفٌ كاملٌ ومطلق، إن البذرة شديدة الضآلة، البريئة في الظاهرة التي زرعها بيكون وجاليليو في القرن السابع عشر، قد استغرقت نيفاً وثلاثمائة عام لتثمر في عصرنا هذا ثمرة اليأس الفكرية المرة والعدمية، وانفصام الإنسان عن العالم'' أي: فبعد ثلاثمائة سنة من تركهم للدين، وقولهم إننا نسير على مقتضى العلم كانت الثمرة هي اليأس الفكري، والعدمية، وانفصام الإنسان عن العالم يقول: ''هذه هي المحصلة النهائية للفلسفة في إطار النظرة القديمة، وهذا يستتبع بالضرورة أنه إذا كنا لا نستطيع أن نعرف شيء عن العالم، فسنون أيضاً قد خسرنا العلم''.

    فبعد جهد ثلاثمائة سنة، يتضح لهم أن حقائقهم ومعرفتهم بالعالم والإنسان صفر! فقد خسروا العالم وخسروا العلم، وصدق الله إذ يقول: وَالْعَصْرِ * إِنَّ الأِنْسَانَ لَفِي خُسْرٍ * إِلاَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَتَوَاصَوْا بِالْحَقِّ وَتَوَاصَوْا بِالصَّبْرِ [العصر:1-3]، وهؤلاء هم الذين ليسوا بخاسرين، فحصيلة أكثر من ثلاثمائة سنة من التجربة، والنظريات، والكد الذهني في الجانب الإنساني، لو أنها كانت على إيمان ودين؛ لأعطت البشرية علوماً عظيمة، وأنجزت لها إنجازات، وأرباحاً هائلة، ولم تكن هذه الخسارة التي يعترفون بها الآن.

    لكنَّ العجب ممن يتبع الخاسرين!

    وممن يعيش في النور ثم يتبع السائرين في الظلمات!

    من الذي ينتمون إلى هذه الأمة العظيمة المجتباة المصطفاة، التي أورثها الله تعالى الكتاب والحكمة ثم يعيشون في ركاب هؤلاء المخدوعين، والتائهين، والحيارى!

    الحكمة بمفهومها العام

    إذا عدنا إلى بداية الكلام وتطرقنا إلى معنى كلمة الحكمة التي آتاها الله النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ في الآيات السابقة لعرفنا أن السلف فسرها بالسنة -وهي حق- والسنة كلها حكمة، ولكن أيضاً نلحظ أو نلمح معنى آخر لا يتعارض مع ذلك، وهي أن ما يسميه الغرب فلسفة ومنه اشتقت كل النظريات التربوية، والاجتماعية، والنفسية، يسميها الله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى حكمة، لأن الله تبارك وتعالى في سورة الإسراء ابتدأ آيات عظيمة بقوله: وَقَضَى رَبُّكَ أَلاَّ تَعْبُدُوا إِلاَّ إِيَّاهُ وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَاناً [الإسراء:23]، ثم استمرت الآيات تتحدث -بعد الكلام عن الوالدين- عن الإحسان إلى الأقربين، وعن ترك التبذير، وعن الاقتصاد في النفقة، وعدم قتل الأولاد، وعن ترك الزنى، والقتل، والتحذير من هذه الجرائم البشعة، وعدم أكل مال اليتيم إلا بالتي هي أحسن، وعن الوفاء بالكيل والميزان والعهود، ونـهى الإنسان عن أن يقول ما لا يعلم، ونهاه عن الكبر ثم قال بعد ذلك كله: ذَلِكَ مِمَّا أَوْحَى إِلَيْكَ رَبُّكَ مِنَ الْحِكْمَةِ ثم عقَّب بقوله: وَلا تَجْعَلْ مَعَ اللَّهِ إِلَهاً آخَرَ فَتُلْقَى فِي جَهَنَّمَ مَلُوماً مَدْحُوراً [الإسراء:39] فأول شيء بدأت به الحكمة هو التوحيد بقوله تعالى: وَقَضَى رَبُّكَ أَلاَّ تَعْبُدُوا إِلاَّ إِيَّاهُ [الإسراء:23].

    وآخر وصية ختمت بها الحكمة التوحيد في قوله تعالى: وَلا تَجْعَلْ مَعَ اللَّهِ إِلَهاً آخَرَ [الإسراء:39] فالتوحيد أساس كل حكمة، وأساس الحكمة العملية الحقيقية هي هذه الوصايا، هي ترك ما حرم الله من: الزنى، والقتل، والإسراف، والتبذير، والإفساد، واقتفاء ما ليس للإنسان به علم، والاستقامة على أمر الله ودينه، ثم القيام بالإحسان إلى الوالدين وإلى الأقربين، والاقتصاد في النفقة، هذه هي الحكمة القرآنية، والحكمة الحقيقية، وهذه هي التي بعث الله بها محمداً صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، ومرجعها في أول الأمر وفي آخره إلى التوحيد، إلى شهادة أن لا إله إلا الله، وأن محمداً رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وإلى عبادة الله وحده لا شريك له، فلنكن -إن شاء الله- جميعاً موحدين مؤمنين، في أي علمٍ ومجال وميدان، أياً كانت المسميات: اقتصاداً أو سياسة أو اجتماعاً، أو أموراً عسكرية، أو داخلية، أو علاقات أسرية، أو اجتماعية- أياً كانت يجب أن نكون موحدين مستمدين كل المعايير والقيم والأحكام من كتاب الله وسنة رسوله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وهذه هي حقيقة التوحيد.

    أسأل الله الكريم رب العرش العظيم أن يجعلني وإياكم من المؤمنين الموحدين، وأن يمنَّ علينا بفضله وجوده وكرمه، إنه سميعٌ مجيب.

    1.   

    الأسئــــلة

    الموقف الصحيح من المعلومات الخاطئة التي تدرس في الجامعات

    السؤال: طلاب التربية يتلقون كثيراً من الأحكام العلمانية التي تتعارض مع مبادئ الإسلام. فالسؤال: ما موقف المسلم نحو هذه المعلومات، وكيف تكون دراستها والاختبار فيها وخاصة وهو يعلم خطأها، وحبذا لو كانت كلمة توجه لمن بيده وضع المناهج والكتب؟

    الجواب: ليس المقصود بالتربية الذين يدرسون في كلية التربية! وإنما حياتنا جميعها هي التربية، أياً كانت التربية، لكن عموماً نوجه النصح لأنفسنا ولإخواننا جميعاً بأن تكون قيمنا، ومعاييرنا، وعلومنا، ومناهجنا كلها متفقة مع ديننا، والحمد لله قد تهيأ لنا -وبالذات في جامعة الإمام محمد بن سعود كما أعلم ولا أزكيها- وجود نخبة طيبة بدأت بل قطع بعضهم شوطاً في أن يؤصلوا هذه العلوم وفق المنهج الإسلامي، وهذا أمر يستحق التشجيع من جميع الأقسام، والكليات، ومن الإدارة، ومراكز البحث لتنمو هذه المجالات بإذن الله.

    أما المناهج فلها شأن آخر، فبالنظر إلى بعض ما اطلعنا عليه من المناهج كان عجباً، ولا أظنكم نسيتم قبل سنتين أو ثلاثاً في هذه القاعة، وكان معالي مدير الجامعة موجوداً فقام أحد الطلبة وجاء بكتاب مقرر -ولا أدري من قرره عليه- وفيه أن التربية الاشتراكية هي أفضل أنواع التربية! وهذا الكتاب كتب في أيام دعوة جمال عبد الناصر للاشتراكية وقرر أو ذكر كمرجع، والطلاب يدرسونه هنا، وبعد ترك الاشتراكيين للاشتراكية، وهلاك عبد الناصر، وخيبة كل هذه النظريات ما يزال يدرس أن النظرية الاشتراكية هي أفضل أنواع التربية، فالله المستعان!

    فيجب في الحقيقة إعادة النظر في هذه المناهج، وهذا واجب على الجميع وليس على واحد أو قسم بعينه.

    التبعية للغرب وآثارها

    السؤال: إن كثيراً من النظريات الاجتماعية والسلوكية والأخلاقية عند الغرب التي ربما صرح بعضهم ببطلانها ما زلنا نحن ندرسها في مواد التربية وبعض المواد العلمية، وكذلك تدرس في كليات التربية لبناتنا على أنها مسلَّم بها، مع العلم أنه لا يدرس في هذه الكليات مقرر مستقل لتعليم القرآن الكريم، فما هو تعليقكم؟

    الجواب: الله المستعان! نحن في الحقيقة ما زلنا نعيش في التبعية للغرب، ونخشى -لا قدر الله- أننا في بعض الجوانب تزداد هذه التبعية، وإن كانت الصحوة قد بدأت في جوانب أخرى، فالتبعية للغرب هي مشكلة المشاكل، وبهذا أخبر النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (لتتبعن -أو لتركبن- سنن من كان قبلكم حذو القذة بالقذة، قالوا: يا رسول الله! اليهود والنصارى؟ قال: فمن؟).

    فنحن لا نزال على خطاهم، خاصةً أننا أخذنا هذه العلوم عنهم، والإنسان عدو ما جهل -وإن كان دينه- والذي لا يدرس دينه وإنما درس هذه النظريات هنا، ثم ابتعث هناك لاشك أنه سيعطي مما درس! وإن كان يوجد فيهم من فيه خير ويحاول أن يجتهد، لكن هذا نتاج فساد خطتنا التعليمية في الماضي، وفساد توجيهنا التربوي، وتقصير القائمين على شئون التربية التي لا تنفصل بأي حال من الأحوال عن الدين، فعندما ينحصر الإسلام في مجالات معينة، ويقال: الإفتاء لهيئات الإفتاء فقط! أو هو لكلية الشريعة، أو لكلية الدعوة، فهذه علمانية موضوعية وإن لم تكن علمانية واضحة وصريحة، فقد يظهر من يرى أن علم النفس، أو التربية، أو الاجتماع، أو حتى الأحياء والفيزياء تدرس بمعزل عن الدين، وهذا الذي نلمسه، ندرس النظريات التي قال عنها الغربيون: قد عفّاها الزمن وقد انتهت، وأصبحوا الآن يرون ضرورة تمحيص العلوم من كل ما فيه إنكار لله أو للروح أو لعالم الغيب!

    التخلص من انحراف النظرية التربوية

    السؤال: تعلمون أن معظم الجامعات في البلاد الإسلامية تقوم على تدريس مناهج التربية الحديثة مع ما فيها من انحرافٍ شديد، فما هو الحل المناسب للتخلص من ذلك الانحراف الخطير؟

    الجواب: أول ما يجب علينا جميعاً أياً كان موقع الإنسان منا وعمله، هو: أن نتعرف على ديننا الحق، فما كان النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إلا مزكياً ومربياً بمفهومنا وبتعبيرنا المعاصر، فنتعرف على تزكية النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لأصحابه، ولأهل بيته، وللأمة والمجتمع كما قال الله تعالى.

    ثم نتعلم منهم طرق تزكية العالم كله، وهي تزكيةٍ عظيمة موجودة نستطيع أن نقرأها، لأن مراجع التزكية عندنا هي كتاب الله، ثم صحيح البخاري -مثلاً- أو زاد المعاد، أو نحوهما من الكتب، فـزاد المعاد -مثلاً- يحدثك عن كل شيء من هدي النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، في لباسه، وآدابه، وصلاته، ومعاملاته، وفي حربه وسلمه، فما التربية إلا هذا، وهو نموذج حي جعله الله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى لنا أسوة حسنة، ولهذا لا نجد في سيرة النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أي جانب غامض لا نعرفه عنه، بعكس أكثر عظماء العالم المتبوعين في أقطار الأرض من سياسيين ومفكرين وغيرهم، تجد جوانب كثيرة في حياتهم غير معروفة، فقد نعرف أن لهم نظريات كذا أو كذا، ولكن لا نعرف حياته الأسرية، ولا زواجه، ولا علاقاته.

    أما الرسول صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فلأنه القدوة لنا جميعاً، فإن سيرته كلها أمامنا، حتى قسمته بين زوجاته، واغتساله من الجنابة، وكل شيء أمامنا واضح، فالذي أرسل إلينا هذا الرسول يتلو علينا آياته ويزكينا ويعلمنا الكتاب والحكمة، هذه المنة لا نجحدها، ولا ننكرها، بل نتبعه صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، ونتأسى به، وهذه مصادر التربية الحقيقية أياً كان المجال.

    مقياس التمييز الوظيفي بين التربوي وغير التربوي

    السؤال: نرجو أن توجهوا كلمة إلى المسئولين عن التربية والتعليم في هذا البلد الخير بسبب التمييز بين من يدرس المناهج التربوية الحديثة، ومن لا يدرسها في التعيين والمرتب- أي: تربوي وغير تربوي؟

    الجواب: الحقيقة أن الإنسان يمكن أن يدرس التخصص في أي مجال حتى ينهيه، ثم يأخذ فصلاً في كيفية طرق التدريس ووسائل التربية بعيداً عن النظريات التربوية، وإنما كوسائل تطبيقية عملية، ثم إن كان يريد التدريس درس، وإن كان لا يريده فليذهب، وهذا ليس من عندي وحدي، بل شاركني فيه كثير من الإخوة الأفاضل في عدة كليات، لكن عقبات النظام والتطبيق واختلاف الكليات إلى آخره حالت دون هذا، وإلا فإن هذا هو الصحيح، فإن أراد الإنسان التخصص البحت يستمر، وإن أراد أن يكون مدرساً فله ذلك.

    ولا غضاضة بعد ذلك أن يكون أخوك الذي درس سنةً زيادة عنك أن يكون أعلى منك في المرتبة، النفوس جميعاً تجد أن هذا عدلاً، لكن أن يكون هذا يعمل (140) ساعة، وهذا (140)، ثم تجد هذا في المرتبة السابعة، وهذا في المرتبة السادسة، وهناك مستويات، لا شك أنه يبقى في النفوس حرج، وخاصةً إذا كان المتخصص الدقيق يشعر أنه قد أفاد فائدة علمية كثيرة، بينما نجد ثلاثين ساعة أو نحوها درسها ذلك الآخر أكثرها لا خير فيها، إذا وجد هذا الشعور فتكون المصيبة مضاعفة على هذا المسكين!

    التربويون في الجامعات

    السؤال: نرجو أن نعطي أساتذة التربية الذين يفخرون بعلماء التربية الغربية ونظرياتهم المخالفة لديننا الإسلامي نصيحة بربط التربية بمفهومٍ إسلامي، وتنبيه أن تلك النظريات يجب أن يعلم أنها فاشلة ولا خير فيها.

    الجواب: لا أظن أنه يوجد -إن شاء الله وخاصةً عندنا في جامعاتنا- أحد يمكن أن يثني على هذه النظريات أو أنه يفخر بها وهي مخالفة لديننا، وإنما يحدث ذلك نتيجة للجهل بالدين، وعدم المعرفة به، كما كان المتكلمون يقولون: الكتاب والسنة هذه كلها نقل، أي: نقليات أو سمعيات، أما العقل فهو كذا وكذا تعظيمًا له، مع أنهم لو قرءوهما لوجدوا العجب العجاب حتى في التربية.

    السؤال: وهذا مثال آخر يقول الأخ: إن بعضهم عندما يتكلم عن المربين القدماء مثل أرسطو وأفلاطون؛ يمجدونهم وكأنهم هم الذين أسسوا الأخلاق والتربية على مر العصور، ونسوا خير مربٍ للبشرية محمداً صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فهل هذا قادح من قوادح العقيدة؟

    الجواب: لا يوجد شك في أن هؤلاء من الذين سماهم الله تبارك وتعالى في كتابه، حيث يقول: مَا أَشْهَدْتُهُمْ خَلْقَ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ وَلا خَلْقَ أَنْفُسِهِمْ وَمَا كُنْتُ مُتَّخِذَ الْمُضِلِّينَ عَضُداً [الكهف:51] فهؤلاء ليسوا حكماء، وليسوا أدلاء على طريق الخير، وإنما هم مضلون أضلوا الإنسانية، واليونان أنفسهم كان لديهم ميراث من ميراث النبوة، أضلهم عنه هذا الوثني المشرك أرسطو، الذي كان مع ذا القرنين المشرك -وليس ذا القرنين الذي ذكره الله تعالى في القرآن- وكان وزيراً له، فكان مشركاً، وكتبه تنضح بالشرك، هؤلاء مضلون: أرسطو وأفلاطون وأمثالهم إلى كانت وديكارت، وهؤلاء غاية ما فيهم أن الإنسان منهم كان يؤمن بوجود الله، وهذا هو كل ما عندهم، أما غير ذلك فهم يعيشون في ظلام وضياع، وفي تخبط.

    فتمجيد هؤلاء والثناء عليهم، لا شك أنه خطأٌ وخطرٌ على العقيدة كبير؛ لأننا نستمد قيمنا من عقيدة التوحيد، ومن التوحيد أن نوحد النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وسنته بالاتباع، بمعنى أن أي شيء يخالف سنة النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فهو مردود مرفوض -كما نقرأ في شرح الطحاوية- فهما توحيدان لا بد للعبد منهما: توحيد المرُسِل -أي شهادة أن لا إله إلا الله- وتوحيد متابعة الرسول الذي هو معنى شهادة أن محمداً رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.

    روَّاد العلوم الإسلامية

    السؤال: بماذا نرد على مدرسي المواد التربوية الذين تخرجوا من مدارس داروين وأفلاطون وأرسطو وغيرهم، وهم يقولون: إن قسم العقيدة في الجامعة يعطي للطلاب معلومات خاطئة، فهم يكفرون ابن سينا مع العلم أنه هو رائد المسلمين في علم النفس والطب وغيره؟

    الجواب: هذه قضايا متداخلة بالنسبة لـابن سينا، أو أبي زكريا الرازي، أو أمثالهما، ليسوا رواد علم التربية الإسلامية، أو الفلسفة الإسلامية، أو علم النفس الإسلامي! وهذه حقيقةٌ ذكرت في مقدمة ابن خلدون بل حتى علم السحر والسيمياء ذكرها ابن خلدون وفصل فيها، وإنما اعتبروا روادًا لأن الغرب اعتبرهم رواداً، ونحن نقلنا هذا من عند الغرب.

    حيث إن الغرب تعرفوا على أرسطو وأفلاطون من ترجمة ابن رشد لكتبهما، ولهذا يعتبر الغرب العصر الحديث أو عصر النهضة يبتدئ بالدقة وبالتحديد من عام (1210م)، لأنها السنة التي وصلت إلى أوروبا ترجمة ابن رشد لكتب أرسطو، فتاريخهم الحديث يبتدئ بحصولهم وعثورهم على كتب أرسطو ترجمة ابن رشد، وتعليقات من ابن سينا فأخذوا إلحادهم القديم -مع الأسف- عنا عمن ينتسب للإسلام.

    فاعتبروا المعلم الأول أرسطو، ثم الذين أسهموا بعد ذلك في هذا الدور هم ابن سينا وأبو زكريا الرازي لأن له كلاماً في هذا، والفارابي، والكندي، وابن رشد، لأنه في الخط نفسه.

    حيث أخذوا من هذا المعلم -معلم الضلالة الأول- وزادوا، وشققوا، وفرعوا، واستدركوا، ثم نقلت ترجمته إلى أوروبا، ومنها انتقلت النهضة الأوروبية الحديثة -كما يزعمون- فأخذنا هذا عنهم، وهذه من تلبيساتهم، حتى إنهم يقولون: إن أول من ألف في العقيدة هو أبو الحسن الأشعري! وهذا كلام غير صحيح، لأن القرآن هو كله كتاب الإيمان والعقيدة، ومحمد رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ هو الذي جاء بهذه العقيدة، والقضية نفسها في التربية، إن رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لم يكن إلا معلمًا، ومزكيًا، ومربيًا، فليس ابن سينا أول من جاء بعلم النفس، وإنما أخذنا ذلك من الغرب، ولأن الغرب لا يعتبرون الإسلام إلا وثنية كله، إلا من كان على منهجهم وعلى وثنيتهم، وهم هؤلاء الذين نقلوا إليهم هذه العلوم.

    وإنما يزكى ويعظم الرازي الطبيب، وابن سينا وأمثالهما؛ لأن بعض المسلمين عاطفيون، يتأثر بالعاطفة أكثر من الحقائق العلمية، فالجانب العاطفي هذا جعلنا نقول: إن تاريخنا مقدس، لما رأينا الغربيين يهاجمون تاريخنا، يقولون: إن تاريخ المسلمين فيه سفك للدماء، فيه كذا، قلنا نحن: لا، تاريخنا ليس فيه شيء مذموم، نحن أمة العدل، فإن لم نعدل نحن فمن الذي يعدل؟!

    والحقيقة: نحن لماذا نقدس تاريخنا؟!

    والأصل أننا إنما نقدس الدين المعصوم، وهو ديننا الذي جاء في الكتاب والسنة ومنهج السلف الصالح وأجمعت عليه الأمة، أما ما عدا ذلك اجتهاد قد يخطئ وقد يصيب، لكنا كردة فعل لاحتقار الغربيين لعلمنا جئنا نحن فقدسنا ابن سينا والفارابي وأمثالهما، ونريد أن ندافع عنهم.

    فإذا تكلم أحد عن عقائدهم الكفرية والإلحادية، قيل له: اسكت، أنت لأنك مثل الغربيين تشوه تاريخنا، فلما أخذنا تاريخنا من الغربيين، ورجالنا ورواد حضارتنا من الغربيين، وجدنا أن الرواد هم هؤلاء القائمة الملحدة، فإذا طعن في أحدهم قلنا: أنت تطعن الآن في علماء الإسلام، وفي بناة الحضارة الإسلامية، أنت تسيء إلينا، إذا كان الغرب يعترف بفضلهم، وبعظمتهم وأنت تطعن فيهم، إذاً أنت تكفيري ليس عندك إلا التعقيد وهذا الخطأ نشأ عن الخطأ الأول!

    والخطأ الثاني: أننا ندافع عن تاريخنا دفاعاً مطلقاً عاطفياً، وهذا خطأ، مثلما قام الغرب يحط من قيمة الدولة العثمانية، قمنا نحن ندافع عنها، ونزكيها، ونبرئها، بالعكس: لو كانت كما نزكيها تماماً لانتصرت، لكن فيها عوامل الخلل والضعف، والمقصود: هو أن نكون من أهل العدل.

    وبعض الإخوان في التربية يقررون تفاسير كمراجع كـتفسير المراغي والواضح والألوسي والقاسمي، وخيرٌ من هذه جميعاً تفسير ابن كثير، وهو الأصل والمتن، فهو خيرٌ منها جميعاً، وبعضها عليه ملاحظات أساسية وبعضها لا يخلو من أخطاء.

    ضرورة الثبات والتغيير

    السؤال: بعض مدرسي التربية جعل نفسه عالماً في الجرح والتعديل، فأخذ ينتقد العلماء الكبار، وأخذ يقول: إن العدد اثنين في العصر الحاضر يختلف عنه في عصر الرسول صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فما رأيكم؟

    الجواب: هذه نظرية جديدة طبعاً، وإلى الآن لم تسجل براءة اختراع، إلا إن كان الأخ لم يفهمها، وصدق من قال: علم الخراب.

    وعلى كل حال هذا أمرٌ لا بد منه، والتصحيح طويل المدى، والتغيير والتصحيح سيطول مداه، المهم أن نصدق فيه وأن نستمر إن شاء الله.

    من وسائل التربية الإسلامية

    السؤال: ما هي أهم وسائل التربية الحديثة التي تعالج في الإنسان روحه ووعيه بطريقة إسلامية بحتة؟.

    الجواب: أهمها إيجاد المحاضن الإسلامية، فيعاد دور المسجد -كما كان- فمحاضن التربية الإسلامية مثل: المسجد وحلقات العلم، كما كان السلف الصالح رضي الله تعالى عنهم يربون في الإنسان أخلاقه وسلوكه، وليس مجرد مسائل علمية، أو خطبة جمعة وينتهي الأمر، ولنتذكر فعل النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ من قبل، فتعاد المحاضن الإيمانية والتربوية أو التزكوية وأهمها المسجد، وارتباط الناس بالعلماء، وارتباط الناس بكتاب الله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى، صباح مساء، وأن تُصَحَّحَ وسائل الإعلام التي أهلكتنا بالانحلال، والفساد الخلقي والعقائدي، بل وفي كل جانب، ولابد أن نكون كما يريد الله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى منا أن نكون، وأن تخاطب الأمة الإسلامية من خلال كتاب ربها وسنة رسولها صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.

    وهنا ملاحظة أحب أن أنبه عليها، وهي: أننا لا نعترض على الوسائل أو عن التجارب البشرية التطبيقية البحتة في علم التربية، أو النفس، أو الاجتماع وغير ذلك، فهذه جهد إنساني بحت ومشترك، ويمكن لكل إنسان أن يفيد غيره، بل يجب علينا نحن أن نفيد غيرنا من أفضل الوسائل التربوية من ناحية الوسائل والتطبيق والأمور العملية، المهم أن الهدف عندنا يظل هو الهدف، فالنظرية نرفضها، لكن التطبيقات المادية أو العلمية أو التجريبية البحتة نحن أولى بها، والحكمة ضالة المؤمن يأخذها من أيٍ كان.

    معنى قول: لا أزكيه

    السؤال: قلت أن التزكية بمعنى: التربية والتطهير من كل دنس، ما الفرق بينها وبين كلمة متداولة بيننا عندما يقول فلان لشخص: إن فلاناً طيب ولا نزكيه على الله، وما معنى قوله: فَلا تُزَكُّوا أَنْفُسَكُمْ [النجم:32]؟

    الجواب: أي لا تنسبوها إلى الزكاة، ولا إشكال فقوله: لا أزكيه، الفعل المتعدي يقتضي معنى النسبة، أي لا أنسبه إلى الزكاة.

    حكم من يقول: إن التربية الإسلامية تُعَقِدُ الطفل!

    السؤال: يقول بعض المتخلفين: إن الالتزام بالتربية الإسلامية للطفل قد يؤدي إلى تعقيده منذ الصغر، فما رأيكم في ذلك؟.

    الجواب: حقيقة يؤسفني جداً، ويضحكني -وشر البلية ما يضحك- ونحن في هذا الزمن ابتلينا ببلايا كثيرة حتى أصبحنا كما قال المتنبي: تكسرت النصال على النصال.

    فنقرأ من يقول: لا تدرسوا سور القرآن التي فيها -مثلاً- (تبت) أو آيات (الذي يكذب بالدين) أو فيها ذكر النار، لا تدرسوها للصغار لأن الطفل يخاف ويتعقد، نعوذ بالله! انظروا كيف أثر هؤلاء حتى في كتاب الله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى يريدون أن ينتقوا منه، وأن يخضعوه لهواهم، يقول لك: لا تذكر الطفل بالنار حتى لا يخاف.

    سبحان الله! لو أن الطفل أخذ القلم أو السجارة منه، لقال له: أحطمك أو أدمرك أو أنسفك، يخوفه بشيء، لكن أن يتلو عليه -أحيانًا- من القرآن مثل ذكر النار، أو ذكر جهنم فلا. وهذا خطأ!

    بل لابد أن يقرأها الأب ويكررها حتى يسأله عنها الابن، فيقول له: يا أبي ما هي الجنة وما هي النار؟

    وينبغي للمدرس أن يتكلم عن الجنة وأنها للمتقين، والمؤمنين، والمهذبين، والطيبين، والنظيفين إلى آخره، وأن النار والجحيم هي للأشرار الفجار.

    فهذه المعاني تحدد له معالم الطريق في حياته، فسر يا بني على طريق الجنة، واجتنب طريق النار.

    ويذكره بمحبة الرسول صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، ومحبة منهجه وسيرته، ومعاداة من عادى الرسول صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، ومنهم أبو لهب وامرأته.

    كيف نتجرأ على كتاب الله بالحذف أو بالتعديل؟!

    إن هذه من الغرائب! بل يقول بعض الناس: لابد من ديمقراطية التربية، فلا تستخدم العصا ولا ترهب الطفل! ورب العالمين -أحكم الحاكمين سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى جعل هذه الحدود والعقوبات فيها الصلاح.

    سمعت تصريحاً لأحد رؤساء الدول العربية، التي أقيم فيها حد الإعدام على قاتل أطفال، فيقول: ''مع أنني شخصياً لا أؤمن بحكم الإعدام لما فيه من البشاعة، لكن هذا الرجل بالذات يستحق أن يعدم لأنه قتل أربعة عشر أو ستة عشر طفلاً'' وفي الوقت نفسه لجنة حقوق الإنسان والمجلس الاستشاري لحقوق الإنسان في دولة أخرى يتكلمون ويقولون: نحن ألغينا حكم الإعدام في هذه الدولة!

    أعوذ بالله! إلغاء الحدود جرأة على الله، وعلى أحكامه -أو ما يسمى بالعقوبات عندهم- وهذه حكمة من الله أنه يعطى الإنسان حق التأديب، فالرجل يؤدب زوجته بالضرب، وهذا في كتاب الله، حتى الطفل كما قال النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: {مروا أبناءكم بالصلاة لسبع، واضربوهم عليها لعشر}.

    فهذه التربية بالعقوبة، أو بالحد، بمعناه العام لا بالمعنى الفقهي الضيق، المعنى العام للحد وهو المعاقبة بالتعزير أو التأنيب، أو أي نوع من أنواع العقوبة، هذه سنة من سنن الله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى، الذي هو أعلم بنا، فهو القائل: قُلْ أَأَنْتُمْ أَعْلَمُ أَمِ اللَّهُ [البقرة:140] والقائل: أَلا يَعْلَمُ مَنْ خَلَقَ وَهُوَ اللَّطِيفُ الْخَبِيرُ [الملك:14] فهو أعلم بما يصلحنا سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى.

    ولا يمكن أن أحداً يطبق النظرية الديمقراطية في التربية مهما تشدق بها، لأننا إذا قلنا: لا نستخدم العقوبة مع الطالب، ولا نستخدم العصا في المدرسة، فيتمرد الطالب إذا لم يؤدب، فلابد أن يعاقب؛ لأنها طبيعة وفطرة، حتى الزوجة لو قلنا: لا تعاقبها إذا أخطأت، واصبر ثم اصبر، لا شك أن هذا يمكن أن يتلفها بالكامل، فيقتلها.

    وهكذا النفوس لا بد أن تُضبط فتكون كما أمر الله أو تكبت فتؤدي في النهاية إلى انفجار لا يحده أي حد، فلا بد من إعادة العقوبة، ورحم الله تلك الأيام التي كنا بعد الدراسة في العصر أو المغرب إذا رأينا المدرس في آخر الشارع ونحن نلعب الكرة هربنا واختفينا، لأننا نخاف منه وله رهبة، أما الآن تجد الطلبة في الفصل ومعلمهم فيهم يصيح عليهم اهدءوا! اسكتوا! اجلسوا! فلا يسمع له؛ لأنها ديمقراطية التربية.

    والحمد لله رب العالمين وصلى الله وسلم وبارك على عبده محمد صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.

    مكتبتك الصوتية

    أو الدخول بحساب

    البث المباشر

    المزيد

    من الفعاليات والمحاضرات الأرشيفية من خدمة البث المباشر

    عدد مرات الاستماع

    3086718659

    عدد مرات الحفظ

    755778542