إسلام ويب

المطهرات من الذنوب والمعاصيللشيخ : أسامة سليمان

  •  التفريغ النصي الكامل
  • الإنسان في حياته كثيراً ما يقع في الذنوب والمعاصي، ومن رحمة الله عز وجل به أنه لم يغلق دونه باب التطهر والتحرر منها، وإنما جعل له سبحانه مطهرات ومكفرات ماحية لها، فعلى الإنسان أن يبتعد جهده عن الذنوب، وإن وقع في شيء منها بادر بغسلها بالتوبة والرجوع إلى ربه سبحانه وتعالى.

    1.   

    أحوال العباد حال خروجهم من الدنيا

    الحمد لله رب العالمين، الَّذِي أَحْسَنَ كُلَّ شَيْءٍ خَلَقَهُ وَبَدَأَ خَلْقَ الإِنسَانِ مِنْ طِينٍ * ثُمَّ جَعَلَ نَسْلَهُ مِنْ سُلالَةٍ مِنْ مَاءٍ مَهِينٍ * ثُمَّ سَوَّاهُ وَنَفَخَ فِيهِ مِنْ رُوحِهِ وَجَعَلَ لَكُمُ السَّمْعَ وَالأَبْصَارَ وَالأَفْئِدَةَ قَلِيلًا مَا تَشْكُرُونَ [السجدة:7-9].

    يَا أَيُّهَا النَّاسُ اذْكُرُوا نِعْمَةَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ هَلْ مِنْ خَالِقٍ غَيْرُ اللَّهِ يَرْزُقُكُمْ مِنَ السَّمَاءِ وَالأَرْضِ لا إِلَهَ إِلَّا هُوَ فَأَنَّى تُؤْفَكُونَ [فاطر:3]. خلق الإنسان من سلالة من طين، ثم جعله نطفة في قرار مكين، ثم خلق النطفة علقة سوداء للناظرين، ثم خلق العلقة مضغة بقدر أكلة الماضغين، ثم خلق المضغة عظاماً كأساس لهذا البناء المتين، ثم كسا العظام لحماً فهي له كالثوب للابسين، ثم أنشأه خلقاً آخر، فَتَبَارَكَ اللَّهُ أَحْسَنُ الْخَالِقِينَ * ثُمَّ إِنَّكُمْ بَعْدَ ذَلِكَ لَمَيِّتُونَ * ثُمَّ إِنَّكُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ تُبْعَثُونَ [المؤمنون:14-16].

    وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، يؤتي الملك من يشاء، وينزع الملك ممن يشاء، ويعز من يشاء، ويذل من يشاء، بيده الخير، يغني فقيراً، ويفقر غنياً، ويعز ذليلاً، ويذل عزيزاً، ويملي للظالم حتى إذا أخذه لم يفلته، مستوٍ على عرشه، بائن من خلقه، لا ينام ولا ينبغي له أن ينام، قلوب العباد بين أصبعين من أصابعه يقلبها كيفما شاء وحسبما أراد، فاللهم يا مثبت القلوب ثبت قلوبنا على دينك.

    وأشهد أن نبينا ورسولنا وشفيعنا وسيدنا محمداً صلى الله عليه وعلى آله وصحبه، بلغ الرسالة، وأدى الأمانة، ونصح الأمة، فما ترك من خير يقربنا من الجنة إلا وأمرنا به، وما من شر يقربنا من النار إلا ونهانا عنه، فترك الأمة على المحجة البيضاء ليلها كنهارها لا يزيغ عنها إلا هالك، اللهم صل وسلم وزد وبارك عليه في الأولين والآخرين والملأ الأعلى إلى يوم الدين.

    يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ [آل عمران:102].

    يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالًا كَثِيرًا وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا [النساء:1].

    يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا * يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا [الأحزاب:70-71].

    أما بعد:

    حديثنا اليوم بحول الله وفضله بعنوان: المطهرات من الذنوب والآثام، أسأل الله عز وجل أن يطهرنا من المعاصي، إنه ولي ذلك والقادر عليه.

    إن العبد يخرج من هذه الدار الدنيا دار الغرور إما خبيثاً محضاً كحال المشركين فمآله إلى دار الثبور، وهي جهنم، يخلد فيها ولا يخرج منها؛ لأن من مات على الشرك لم يخرج من جهنم أبد الآبدين.

    وإما أن يخرج منها طيباً محضاً فمآله إلى دار السرور الجنة، وهذا حال الأنبياء ومن سار على نهجهم برحمة الله وفضله، وإما أن يكون قد خلط عملاً صالحاً بآخر سيئاً كحالنا نحن، فيحتاج إلى ما يطهره قبل لقاء ربه عز وجل.

    1.   

    أنواع المطهرات من الذنوب

    ولقد قسم العلماء هذه المطهرات إلى عشرة مطهرات تطهر العبد، تسعة منها في الدنيا والآخرة، والعاشر إن دخل النار فإنه يدخلها للتطهير من ذنبه؛ لأن القاعدة تقول: لا يدخل الجنة مشرك ولا يخلد في النار موحد؛ لأن الله يقول: (أخرجوا من النار من قال: لا إله إلا الله، وعمل من الخير ما يزن ذرة)، وهذا أمر هام؛ لأنه يفرق بين عقيدة أهل السنة وعقيدة الخوارج -وهي فرقة من فرق الضلال- حيث يقول أهل السنة: إن المسلم الموحد إن دخل النار فإنما يدخلها للتطهير من خبثه ولا يدخلها للخلود، وإنما يخلد في النار أهل الشرك والكفر، والنبي عليه الصلاة والسلام يقول كما في حديث أبي ذر الصحيح: (من قال: لا إله إلا الله دخل الجنة، قال أبو ذر : وإن زنا وإن سرق يا رسول الله؟! قال: وإن زنا وإن سرق... وفي الثالثة قال: وإن زنا وإن سرق رغم أنف أبي ذر).

    يقول ابن حجر في فتح الباري: والمقصود عند بعض العلماء: أنه يدخل الجنة بعد أن يطهر من ذنوبه في النار.

    والمطهرات العشر هي: التوبة النصوح، ثم الاستغفار، ثم الحسنات الماحية، ثم المصائب الدنيوية، ثم سكرات الموت، وضمة القبر، وكرب يوم القيامة، والشفاعات وعلى رأسها شفاعة الحبيب محمد صلى الله عليه وسلم، ثم عفو الله عز وجل: يَغْفِرُ لِمَنْ يَشَاءُ وَيُعَذِّبُ مَنْ يَشَاءُ [آل عمران:129]. ولذلك قالوا: لا كبيرة إذا قابلك فضله، ولا صغيرة إذا قابلك عدله، والمقصود بهذا: إن فعلت الكبيرة ومت عليها وشاء الله عز وجل أن يعفو عنك عفا عنك، لا يُسْأَلُ عَمَّا يَفْعَلُ وَهُمْ يُسْأَلُونَ [الأنبياء:23]. وفي الصحيح: أن رجلاً قبل موته أمر أهله أن يحرقوه، ثم يأتوا بجسده إلى هواء شديد ويضعوا جسده أمام هذا الهواء حتى يوزع في أنحاء الأرض، ففعلوا الوصية، فأمر الله عز وجل ذلك الجسد أن يجمع من كل مكان وقع فيه، ثم سأله: ما الذي حملك على هذا يا عبدي؟! قال: يا رب! استحييت أن أقف بين يديك، وأنا مذنب، فإذا بالله يقول: أشهدكم يا ملائكتي! أني قد غفرت له.

    ويقول النبي صلى الله عليه وسلم: (لا يدخل أحدكم الجنة بعمله). ولا يدخلها إلا برحمة الله وبفضله.

    إن الذنوب درن وخبث، وربنا يقول في هذا: كَلَّا بَلْ رَانَ عَلَى قُلُوبِهِمْ مَا كَانُوا يَكْسِبُونَ [المطففين:14]. فكل معصية تعصي الله بها تطبع في قلبك نكتة، فإن نظرت إلى امرأة متبرجة نكت في الحال في قلبك نكتة سوداء، وإن فعلت منكراً نكت في قلبك نكتة سوداء، كما قال الحبيب عليه الصلاة والسلام: (حتى تصير القلوب على قلبين: قلب أبيض كالصفاء)، وهو قلب المؤمن كما قال الله: الَّذِينَ آمَنُوا وَتَطْمَئِنُّ قُلُوبُهُمْ بِذِكْرِ اللَّهِ أَلا بِذِكْرِ اللَّهِ تَطْمَئِنُّ الْقُلُوبُ [الرعد:28]، (وقلب أسود منكوس). ومرض القلوب أشد على العبد من مرض الأبدان؛ لأن مرض القلب يترتب عليه أن تخسر الآخرة، ذَلِكَ هُوَ الْخُسْرَانُ الْمُبِينُ [الحج:11]. ومرض الدنيا لا يترتب عليه ذلك.

    التوبة النصوح

    المطهر الأول: التوبة النصوح، (والتوبة تجب ما قبلها)، كما قال النبي عليه الصلاة والسلام، ولابد أن نعلم أن كل المعاصي يغفرها الله حتى الشرك ما دام العبد في الدنيا، كما قال الله: قُلْ يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ لا تَقْنَطُوا مِنْ رَحْمَةِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعًا [الزمر:53]. وأما في الآخرة: إِنَّ اللَّهَ لا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَنْ يَشَاءُ [النساء:48].

    فيا أيها العبد العاصي! إنك في أيام بركة, فعد إلى ربك عز وجل، وطهر نفسك من دنس الذنوب والمعاصي قبل أن يأتيك ملك الموت فتنادي بأعلى صوتك: رَبِّ ارْجِعُونِ * لَعَلِّي أَعْمَلُ صَالِحًا فِيمَا تَرَكْتُ [المؤمنون:99-100]، تقول: رب! أعدني إلى الدنيا لأعمل صالحاً ولأصلي الجماعات ولأقرأ القرآن ولأذكرك ولآمر بالمعروف وأنهى عن المنكر، كَلَّا إِنَّهَا كَلِمَةٌ هُوَ قَائِلُهَا وَمِنْ وَرَائِهِمْ بَرْزَخٌ إِلَى يَوْمِ يُبْعَثُونَ [المؤمنون:100]. فعد إلى ربك، فالنفس قد يخرج ولا يعود، وقد يعود ولا يخرج، فَلا تَعْجَلْ عَلَيْهِمْ إِنَّمَا نَعُدُّ لَهُمْ عَدًّا [مريم:84].

    وقد اشترط العلماء للتوبة شروطاً، وهي:

    الشرط الأول: أن يندم العاصي على معصيته.

    الشرط الثاني: أن يقلع العاصي عن المعصية، فإن كنت مع أصدقاء سوء فاهجرهم، لأن الأَخِلَّاءُ يَوْمَئِذٍ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ إِلَّا الْمُتَّقِينَ [الزخرف:67]. وكل الصداقات الزائفة في الدنيا تنقلب إلى عداوات يوم القيامة، كما قال تعالى: إِذْ تَبَرَّأَ الَّذِينَ اتُّبِعُوا مِنَ الَّذِينَ اتَّبَعُوا [البقرة:166]، وقد كان هؤلاء الأتباع يهتفون في الدنيا بحياتهم ويقيمون لهم السرادق ويهتفون بحياتهم، وأما يوم القيامة فقد تَبَرَّأَ الَّذِينَ اتُّبِعُوا مِنَ الَّذِينَ اتَّبَعُوا وَرَأَوُا الْعَذَابَ وَتَقَطَّعَتْ بِهِمُ الأَسْبَابُ * وَقَالَ الَّذِينَ اتَّبَعُوا لَوْ أَنَّ لَنَا كَرَّةً فَنَتَبَرَّأَ مِنْهُمْ كَمَا تَبَرَّءُوا مِنَّا كَذَلِكَ يُرِيهِمُ اللَّهُ أَعْمَالَهُمْ حَسَرَاتٍ عَلَيْهِمْ [البقرة:166-167].

    وأول من يتبرأ منهم الشيطان الذي زين لهم المعاصي، وأضلهم عن ذكر ربهم، وَقَالَ الشَّيْطَانُ لَمَّا قُضِيَ الأَمْرُ إِنَّ اللَّهَ وَعَدَكُمْ وَعْدَ الْحَقِّ وَوَعَدْتُكُمْ فَأَخْلَفْتُكُمْ وَمَا كَانَ لِيَ عَلَيْكُمْ مِنْ سُلْطَانٍ إِلَّا أَنْ دَعَوْتُكُمْ فَاسْتَجَبْتُمْ لِي فَلا تَلُومُونِي وَلُومُوا أَنْفُسَكُمْ مَا أَنَا بِمُصْرِخِكُمْ وَمَا أَنْتُمْ بِمُصْرِخِيَّ [إبراهيم:22].

    وفي سورة (ق) يقول ربنا سبحانه: قَالَ قَرِينُهُ رَبَّنَا مَا أَطْغَيْتُهُ وَلَكِنْ كَانَ فِي ضَلالٍ بَعِيدٍ [ق:27]، فقرينه الجني يقول: يا رب! أنا ما أطغيته، بل هو الذي ضل، فيقول الله لهما: لا تَخْتَصِمُوا لَدَيَّ وَقَدْ قَدَّمْتُ إِلَيْكُمْ بِالْوَعِيدِ * مَا يُبَدَّلُ الْقَوْلُ لَدَيَّ وَمَا أَنَا بِظَلَّامٍ لِلْعَبِيدِ [ق:28-29].

    الشرط الثالث: العزم على عدم العودة، فالعزم من عمل القلوب, فلا تقل: تبت، وأنت مصر على العودة إلى المعصية، فهذا استهزاء.

    الشرط الرابع: رد المظالم إلى أهلها إن كانت حقوقاً لآدميين.

    فإن توفرت هذه الشروط الأربعة في التائب فإن الله عز وجل يبدل سيئاته حسنات، ولا ينبغي علينا أن نذكر العاصي بمعصيته، أو نفضحه بذنبه، فالمؤمن يستر وينصح، والمنافق يهتك ويفضح، ومن ثم يأمرنا ربنا عز وجل بالإعراض عن الزانية والزاني إن تابا قال تعالى: فَإِنْ تَابَا وَأَصْلَحَا فَأَعْرِضُوا عَنْهُمَا إِنَّ اللَّهَ كَانَ تَوَّابًا رَحِيمًا [النساء:16]. فالكلام عن أخبار الفواحش لا يجوز شرعاً؛ لأن فيه إشاعة الفاحشة وتشهيراً بالعاصي على الملأ، وإنما ينبغي الأخذ بيد العاصي وستره، بحيث إذا عاد إلى ربه لا نذكره بمعصيته، ومن منا لم يعص الله؟ وما منا إلا من قد ستره الله ولم يفضحه، (ومن ستر مسلماً ستره الله في الدنيا والآخرة)، وفي الحديث الصحيح أن رجلاً قد قتل تسعاً وتسعين نفساً، فهو سفاك، سفاح، ومتخصص في إهدار الدماء، فأراد أن يتوب إلى الله، فسأل عن أعلم أهل الأرض، وحسن السؤال نصف العلم، (قال: دلوني على أعلم أهل الأرض)، ولم يقل: أعبد وإنما قال: أعلم، (فدلوه على راهب)، ولكن الراهب ما كان عالماً، فأتاه فقال: (هل لي توبة؟ قال له: لا، ليست لك توبة، فقتله فأتم به المائة). فقتل مائة نفس، وربنا في القرآن ما توعد أحداً بوعيد كما توعد الذي قتل نفساً مؤمنة بغير حق، فقال الله: وَمَنْ يَقْتُلْ مُؤْمِنًا مُتَعَمِّدًا فَجَزَاؤُهُ جَهَنَّمُ خَالِدًا فِيهَا وَغَضِبَ اللَّهُ عَلَيْهِ وَلَعَنَهُ وَأَعَدَّ لَهُ عَذَابًا عَظِيمًا [النساء:93]. وقد كان ابن عباس يقرأ هذه الآية ويقول: قاتل المؤمن عمداً ليست له توبة، وهذا رأي مرجوح خلافاً لرأي الجمهور، فليعلم الذين يستبيحون قتل النفوس المؤمنة البريئة أنهم يرتكبون إثماً كما قال ربنا تبارك وتعالى: مَنْ قَتَلَ نَفْسًا بِغَيْرِ نَفْسٍ أَوْ فَسَادٍ فِي الأَرْضِ فَكَأَنَّمَا قَتَلَ النَّاسَ جَمِيعًا [المائدة:32]؛ لأنه استحلال، والمؤمن بنيان الله وملعون من هدم بنيان الله، ثم إن الرجل أراد أن يتوب فسأل عن أعلم أهل الأرض، فدلوه على عالم فأتى إليه فأمره بالشروط الثلاثة، الإقلاع والندم والعزم، والإقلاع معناه: أن يترك القرية التي كان يسكنها؛ لأنها قرية ظالمة تساعده على المعاصي، فنقول لشبابنا الذين يتركون ديار المسلمين إلى ديار الكفر أمريكا وإيطاليا وفرنسا وألمانيا والنمسا: أتتركون ديار المسلمين لتذهبوا إلى ديار المشركين؟ فهل هذه الديار تعاونكم على طاعة الله أم على معصيته؟ والهجرة أنواع، منها: الهجرة من بلد المعصية إلى بلد الطاعة، وهذه واجبة عند العلماء، ومن ثم إذا كنت في مجتمع لا يعاونك على الطاعة فاترك هذا المجتمع إلى مجتمع يأخذ بيدك إلى طاعة الله عز وجل.

    فالرجل عزم على التوبة وحزم أمتعته، وعزم ونوى وأقلع وترك بلدته وهجرها وتوجه إلى قرية أخرى؛ ليعبد الله فيها مع أهلها الصالحين, ولأن ملك الموت لا يحتاج إلى إذن فقد جاءه وهو في الطريق إلى القرية الصالحة، والعبد لا يعلم متى يأتيه ملك الموت، فقد كانت المسافة الزمنية بين توبته وبين موته مسافة قصيرة جداً، فلا تسوف، ولا تقل: غداً، أو بعد التخرج، أو بعد أن أتزوج، أو بعد أن أبني العمارة، أو بعد أن أشتري السيارة، أو بعد أن أزوج البنات، فربما يأتيك ملك الموت قبل ذلك، وعند ذلك ستعض أصابع الندم، فلا رجعة لدنيا أبداً.

    فلما قبض ملك الموت روح الرجل، اختصمت فيه ملائكة الرحمة وملائكة العذاب، كما يقول عليه الصلاة والسلام، فقالت ملائكة الرحمة: إنه من أهل الجنة، وقالت ملائكة العذاب: إنه من أهل النار فهو لم يركع لله ركعة، ولم يسجد لله سجدة، ولم يفعل معروفاً قط، (فأرسل الله إليهم ملكاً على هيئة رجل؛ ليحكم بينهم، فقال: قيسوا بين الرجل والقرية الصالحة وبينه وبين القرية الظالمة, فإن كان إلى الصالحة أقرب فهو من أهلها، وإن كان إلى العاصية أقرب فهو من أهلها). وكان الرجل قد مات في منتصف الطريق، فأراد الله بعبده رحمة، (فأمر القرية الصالحة أن تتقارب، وأمر القرية الظالمة أن تتباعد)، وفي لفظ آخر: (إنه اقترب من القرية الصالحة بمسافة شبر واحد، فدخل الجنة مع الداخلين). فبادر بالتوبة, وعد إلى ربك عز وجل.

    الاستغفار

    المطهر الثاني: الاستغفار، والنبي عليه الصلاة والسلام كان يستغفر الله في اليوم أكثر من سبعين مرة، ونوح قال لقومه: اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ إِنَّهُ كَانَ غَفَّارًا * يُرْسِلِ السَّمَاءَ عَلَيْكُمْ مِدْرَارًا * وَيُمْدِدْكُمْ بِأَمْوَالٍ وَبَنِينَ وَيَجْعَلْ لَكُمْ جَنَّاتٍ وَيَجْعَلْ لَكُمْ أَنْهَارًا [نوح:10-12]. وكل ذلك باستغفار الله عز وجل، فينبغي على العبد أن يكثر من استغفار ربه، ومن سمات الأتقياء الصالحين كَانُوا قَلِيلًا مِنَ اللَّيْلِ مَا يَهْجَعُونَ * وَبِالأَسْحَارِ هُمْ يَسْتَغْفِرُونَ [الذاريات:17-18]. فهم يطلبون المغفرة من الله.

    وسيد الاستغفار أن تقول: (اللهم أنت ربي، لا إله إلا أنت، خلقتني وأنا عبدك، وأنا على عهدك ووعدك ما استطعت، أعوذ بك من شر ما صنعت، أبوء لك بنعمتك علي وأبوء بذنبي، فاغفر لي، فإنه لا يغفر الذنوب إلا أنت) .

    وليكن شعارك:

    إلهي لا تعذبني فإني مقر بالذي قد كان مني

    وكم من زلة لي في البرايا وأنت علي ذو فضل ومن

    يظن الناس بي خيراً وإني لشر الناس إن لم تعف عني

    فطلب المغفرة يكون من الله، وفي آخر البقرة وَاعْفُ عَنَّا وَاغْفِرْ لَنَا وَارْحَمْنَا أَنْتَ مَوْلانَا فَانصُرْنَا عَلَى الْقَوْمِ الْكَافِرِينَ [البقرة:286].

    وقد أخرج الإمام التقي الحافظ الزاهد ابن أبي الدنيا في كتابه الدعاء المستجاب -وقد زادت مصنفاته عن المائتين مصنف، وهو مؤدب أولاد الخلفاء في العهد العباسي- (منع بنو إسرائيل القطر من السماء فجاءوا إلى موسى عليه السلام يقولون له: يا كليم الله! ادع لنا ربك أن ينزل الغيث، فدعا موسى ربه وهم يؤمنون خلفه -يقولون: آمين- ولكن الغيث لم ينزل، فأوحى الله إلى موسى: يا موسى فيهم عبد عصاني أربعين سنة مرة فأمره أن يخرج من بين صفوفهم). فالله عز وجل بسبب هذا العاصي حجب الماء، فنقول لأصحاب المعاصي الذين يحولون رمضان إلى منكرات وسهرات باطلة ويتنافسون على ما يقدمونه للناس من ضلال: اتقوا الله في خلقه، واتركوهم يعبدون ربهم، أما يكفيكم إضلال البشر في أحد عشر شهراً، حتى تكرسون الجهد وتضاعفون الضلالة في رمضان؟ (ونادى موسى على العبد العاصي: أيها العبد! اخرج من بين صفوف الناس، فلقد حرمنا الماء بسبب معاصيك، ووصل النداء إلى العبد بإذن الله، فعلم أنه هو المقصود، فطأطأ الرأس، وقال: يا رب! عبد عصاك الآن يستغفرك ويتوب إليك، رب استرني ولا تفضحني، فاطلع ربنا على صدق توبته وحسن استغفاره، فأوحى إلى موسى: أن ادع الله، وأمن الناس فنزل الماء مدراراً، فقال موسى لربه: العبد لم يخرج يا رب! قال: يا موسى! بسببه سقيتكم الماء، فقال موسى لربه: دعني أنظر إليه، فقال: يا موسى! لم أفضحه وهو عاص، فكيف أفضحه وهو تائب؟). فالله عز وجل يحب من العباد أن يستروا أصحاب المعاصي.

    فالمطهر الثاني: الاستغفار ولاسيما في الثلث الأخير من الليل، عندما تنام العيون إلا عين الحي الذي لا ينام، فقم في ذلك الوقت، الذي (ينزل الله إلى السماء الدنيا وينادي: هل من مستغفر فأغفر له؟ هل من تائب فأتوب عليه؟) كما قال النبي عليه الصلاة والسلام.

    الحسنات الماحية

    المطهر الثالث: الحسنات الماحية، يقول الحبيب صلى الله عليه وسلم: (وأتبع السيئة الحسنة تمحها). ويقول ربنا: إِنَّ الْحَسَنَاتِ يُذْهِبْنَ السَّيِّئَاتِ [هود:114]. ومن ثم شرعت الكفارات؛ لتطهر العبد من دنس المعاصي.

    وقد قال بعض أهل العلم: إن جامع الرجل زوجته وهي حائض استحب له أن يكفر عن تلك المعصية بالتصدق بنصف دينار؛ لأن الصدقة تطهره من هذا الذنب، وكلما كان للذنب كفارة كانت الرحمة من الله، وهناك ذنوب عظيمة ليست لها كفارة، كاليمين الغموس، وهي الحلف بالله كاذباً ليأخذ حق أخيه، فهي ذنب عظيم ليست لها كفارة لعظمها، فإذا اختفت الكفارة فهذا يدل على أن الذنب عظيم، ومن فضل الله وكرمه علينا (أنه قد كتب الحسنات والسيئات، فمن هم بحسنة ولم يفعلها كتبت له حسنة فإذا فعلها كتبت له عشرا).

    وفي الحديث الآخر: (اقرءوا القرآن فإن الله يأجركم على تلاوته). وكل حرف بعشر حسنات، فإذا قرأت: بسم الله الرحمن الرحيم الم * ذَلِكَ الْكِتَابُ لا رَيْبَ فِيهِ هُدًى لِلْمُتَّقِينَ [البقرة:1-2] فكم حسنة فيها؟ فإن أتممت البقرة فحدث ولا حرج عن أجر ربك عز وجل.

    وفي الحديث الآخر: (دخل رجل على رسول الله وقال: السلام عليكم، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: عشر حسنات، ثم دخل آخر وقال: السلام عليكم ورحمة الله، فقال النبي: عشرون، ثم دخل الثالث فقال: السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، فقال النبي: ثلاثون).

    وفي الحديث الآخر: (من صلى الفجر في جماعة وجلس يذكر الله في مصلاه حتى تشرق الشمس ثم صلى ركعتين كتبت له حجة وعمرة تامة تامة تامة). فكم نفرط في الأجر؟.

    في حديث أبي هريرة في كتاب الإيمان عند البخاري يقول صلى الله عليه وسلم: (من صلى على جنازة ثم تبعها حتى يفرغ منها كتب له قيراطان، كل قيراط كجبل أحد. فبكى أبو هريرة وقال: كم ضيعنا والله من قراريط). وإن كان أبو هريرة ضيع قراريط فماذا ضيعنا نحن؟ والمسلمون منهم من تدخل الجنازة إلى المسجد ويظل ينتظرها خارج المسجد، لا يصلي فرضاً ولا نفلاً ولا على الجنازة، وإنما ينتظر خروجها ليتبعها، ولا يوجد شيء يمنعه أن يصلي الفرض والجنازة إلا إذا كان عنده حيض في زمن يحيض فيه بعض الرجال! نسأل الله العفو والعافية.

    وجمع الحسنات يسير على من يسره الله عليه، ففي الحديث (كلمتان خفيفتان على اللسان حبيبتان إلى الرحمن ثقيلتان في الميزان: سبحان الله وبحمده، سبحان الله العظيم). ولعل هذا الحديث هو دليل الشيخ حافظ حكمي صاحب كتاب معارج القبول على وزن العامل أو العمل أو صحائف الأعمال يوم القيامة، وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم عن عبد الله بن مسعود : (إن قدم عبد الله أثقل يوم القيامة عند الله في الميزان من جبل أحد). فهذا دليل على أن قدمه توضع في الميزان، فإذاً العامل يوزن. ويقول ربنا عن المجرمين: فَلا نُقِيمُ لَهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَزْنًا [الكهف:105]. فلا يزن المجرم جناح بعوضة، فيؤتى بالرجل الطويل العريض ويوضع في الميزان فلا يزن عند الله جناح بعوضة. ويوزن العمل، والدليل على هذا قوله صلى الله عليه وسلم: (ثقيلتان في الميزان)، وصحائف الأعمال توزن بدليل حديث البطاقة، (إن الله يخرج للعبد تسعة وتسعين سجلاً، كل سجل منها مد البصر فيظن أنه قد هلك، فتخرج له بطاقة فيها لا إله إلا الله، فتوضع في كفة والسجلات في كفة، فلا يثقل مع اسم الله شيء). وهذا معناه: أن صحائف الأعمال توزن.

    فإذا فعلت ذنباً فسارع بفعل طاعة، فإن الحسنة بعشرة أمثالها، كما قال ربنا سبحانه: مَنْ جَاءَ بِالْحَسَنَةِ [الأنعام:160]. يقول ابن القيم : إن الله قال: ( من جاء ) ولم يقل: من فعل؛ لأنه ربما يفعل الحسنة ولكنه يبددها ويحبطها قبل لقاء الله، ثم يأتي مفلساً يوم القيامة، وقد يأتي بحسنات من صيام وحج وزكاة وأمر بالمعروف، ولكنه يأتي وقد شتم هذا وأكل مال هذا وقذف عرض هذا واغتاب هذا وفتن على هذا ووقع في عرض هذا، ولابد من القصاص، فهذا يأخذ من حسناته وهذا يأخذ من حسناته، فهو مسكين، يفعل الحسنات لغيره، فهو يصلي لغيره، حتى إذا انتهت حسناته أخذ من سيئاتهم وطرحت عليه، ثم طرح في نار جهنم. نسأل الله العافية.

    أقول هذا القول وأستغفر الله لي ولكم.

    المصائب الدنيوية

    الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على المبعوث رحمة للعالمين سيدنا محمد صلى الله عليه وعلى آله وصحبه أجمعين.

    المطهر الرابع: المصائب التي تنزل بالعبد المؤمن، فكل مصيبة تنزل بك فتصبر عليها، لأن الله يكفر بها من خطاياك، حتى الشوكة تدخل في قدمك تكفر الخطايا، وإذا تعددت المصائب على العبد فصبر عليها فليعلم أن هذا تمحيص وابتلاء، قال تعالى: وَبَشِّرِ الصَّابِرِينَ * الَّذِينَ إِذَا أَصَابَتْهُمْ مُصِيبَةٌ قَالُوا إِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُونَ [البقرة:155-156]. فالمصائب التي تنزل على العبد يكفر الله سبحانه وتعالى بها من ذنوبه.

    سكرات الموت

    والمطهر الخامس: سكرات الموت، وهي كرب الموت وشدته، وأهوال الموت لم ينج منها أحد ولو نجا منها أحد لكان أحق بالنجاة منها الحبيب محمد صلى الله عليه وسلم، ففي صحيح البخاري أنه لما جاءه الموت ودخل في سكراته أمر عائشة أن تأتيه بإناء، فوضعوا الإناء بجواره، فكان يأخذ من الماء البارد ويصب على رأسه الطاهرة ويقول: (لا إله إلا الله إن للموت لسكرات، اللهم هون علي سكرات الموت). (ودخل ابن مسعود عليه وهو يوعك وعكاً شديداً فقال: يا رسول الله! إنك لتوعك وعكاً شديداً، فقال: إني أوعك كما يوعك رجلان منكم، فقال ابن مسعود : ذلك لأن لك أجرين؟ قال: أجل). فكلما اشتدت السكرات زاد الأجر. وكما قال ابن تيمية شيخ الإسلام: حال الروح مع الجسد كحال الماء مع الإسفنجة، فالإسفنجة حينما تمتص الماء يكون الماء في كل أطرافها، وكذلك الروح تسكن في كل أنحاء الجسد، فعندما يأتي ملك الموت يجمعها من القدمين ومن الساقين إلى الفخذين ثم إلى البطن ثم إلى الصدر حتى تصل الحلقوم ثم إلى التراقي، ثم عند ذلك ينزعها ملك الموت لتفارق الجسد؛ لأن الموت عند العلماء هو مفارقة الروح للجسد، فإذا أراد ملك الموت أن ينزعها شعر العبد عند ذلك بشدة وبكرب شديد، ولذلك يقول ربنا: وَجَاءَتْ سَكْرَةُ الْمَوْتِ بِالْحَقِّ ذَلِكَ مَا كُنْتَ مِنْهُ تَحِيدُ * وَنُفِخَ فِي الصُّورِ ذَلِكَ يَوْمُ الْوَعِيدِ [ق:19-20].

    ضمة القبر

    المطهر السادس: ضمة القبر، للقبر ضمة لن ينحو منها أحد؛ لأن سعد بن معاذ سيد الأنصار الذي اهتز عرش الرحمن لموته كما عند البخاري ما نجا من ضمة القبر، وهذه الضمة يكفر الله بها من خطايا العبد المؤمن.

    كرب يوم القيامة والشفاعات

    ثم كرب يوم القيامة وساعات الانتظار تكفر الخطايا والذنوب.

    ثم الشفاعات يشفع الله عز وجل فيك من شاء، وسنتكلم عن الشفاعة بعد الجمعة إن شاء الله لأهميتها.

    عفو الله عز وجل

    ثم عفو الله عز وجل.

    فإن مررت على هذا كله وشاء الله أن تدخل النار فإنك تدخلها للتطهير لا للخلود.

    1.   

    حال الأمة الإسلامية اليوم

    إن المتأمل في واقع الأمة الإسلامية اليوم يجد أن الأمر قد تبدل، وأن المهانة قد علت على هذه الأمة التي هي خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ [آل عمران:110]. فلما دخل التحالف الشمالي الأثيم إلى أفغانستان المسلمة خلع النساء النقاب. وإخوان القردة والخنازير لا يريدون لأي بلاد أن يكون فيه سمت إسلام أو نقاب أو لحية أو صلاة أو حكم بالشرع، مع أنه حتى البقر لها بلد تحميها، فالهندوس في الهند يعبدون البقر بحرية، وأما الإسلام فليس له الآن إلا الله رب العالمين، فكلما أرادت بلد أن تطبق شرع الله أو تلزم به الرعية اجتمع عليها إخوان القردة والخنازير، فهم لا يريدون أن يقوم للإسلام قائمة، وأنا أقول لهم: إن دين الله قادم، وَسَيَعْلَمُ الَّذِينَ ظَلَمُوا أَيَّ مُنقَلَبٍ يَنقَلِبُونَ [الشعراء:227]. وبالأمس القريب أصدر جورج بوش اللعين الملعون عليه من الله ما يستحق قراراً لأتباعه أن يضعوا السودان والصومال واليمن على رأس خريطة ضرب دول العالم الإسلامي، والدور سيأتي تبعاً على الباقي يا عباد الله!

    أسأل الله سبحانه أن ينصر الإسلام ويعز المسلمين.

    اللهم انصر دينك في مشارق الأرض ومغاربها، اللهم مكن لدينك في الأرض يا رب العالمين.

    اللهم إنك عفو تحب العفو فاعف عنا.

    اللهم إنا نسألك رفعة لراية التوحيد في ربوع العالم يا رب العالمين! وأن تمكن لدينك في الأرض يا رب! وأن تنتقم من الكفرة المشركين، وتمكن لعبادك المستضعفين.

    اللهم إنك عفو تحب العفو فاعف عنا، اللهم اعف عنا، وعلى طاعتك أعنا، ومن شرور خلقك -يا رب!- سلمنا.

    اللهم اجعل ثأرنا على من ظلمنا، ولا تجعل مصيبتنا في ديننا، ولا تجعل الدنيا أكبر همنا، ولا مبلغ علمنا ولا إلى النار مصيرنا.

    اللهم انصر الإسلام وأعز المسلمين.

    اللهم تقبل صلاتنا وصيامنا وقيامنا وسجودنا، واختم يا رب! بالباقيات الصالحات أعمالنا.

    آمين آمين آمين.

    وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين.

    1.   

    الشفاعة

    من مطهرات الذنوب الشفاعة، وقد وجد في زماننا الآن من يتحدث عن عدم ثبوتها، وعندنا الآن حرية كفر لا حرية فكر، فهم يقولون: حرية فكر، ونحن نقول: حرية كفر وردة، فالآن من يريد أن يتحدث يتحدث في كل شيء، حتى وإن طعن في القرآن، أو في الصحيح المتواتر الثابت عن النبي عليه الصلاة والسلام، مع أن الشفاعة متواترة، يقول الشيخ التاؤدي رحمه الله:

    مما تواتر حديث من كذب ومن بنى لله بيتاً واحتسب

    ورؤية شفاعة والحوض ومسح خفين وهذي بعض

    فالشفاعة أحاديثها متواترة، ومنكر المتواتر كافر عند العلماء؛ لأن المتواتر يفيد العلم القطعي؛ لأنه رواه جمع عن جمع عن جمع يستحيل تواطؤهم على الكذب، والشفاعة نقلت إلينا بالتواتر.

    أقسام الشفاعة

    الشفاعة تنقسم إلى قسمين: شفاعة في الدنيا، وشفاعة في الآخرة.

    أقسام الشفاعة في الدنيا

    شفاعة الدنيا تنقسم إلى قسمين: شفاعة مقبولة مأمور بها، وشفاعة مردودة محرمة.

    فأما الشفاعة المقبولة فهي: أن تشفع لنصرة مظلوم على ظالم، أو أن تشفع لإيصال حق لصاحبه، أو أن تشفع لقضاء مصلحة لأخيك المسلم، وفي ذلك يقول صلى الله عليه وسلم: (اشفعوا تؤجروا). ويقول الله: مَنْ يَشْفَعْ شَفَاعَةً حَسَنَةً يَكُنْ لَهُ نَصِيبٌ مِنْهَا [النساء:85].

    وأما الشفاعة المردودة فهي الشفاعة لتعطيل حد من حدود الله، أو لنصرة ظالم على مظلوم، وقد حاول ذلك أسامة رضي الله عنه يوم أن جاء يشفع للمرأة التي سرقت فقال: يا رسول الله! المرأة في مجتمعها لها حسب ونسب فلا تقم عليها الحد، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: (أتشفع في حد من حدود الله يا أسامة ؟! والله لو سرقت فاطمة بنت محمد لقطعت يدها). فهذه شفاعة مردودة، ولذلك يقول ربنا: وَمَنْ يَشْفَعْ شَفَاعَةً سَيِّئَةً يَكُنْ لَهُ كِفْلٌ مِنْهَا [النساء:85].

    وفي البخاري أن مغيثاً كان متزوجاً من بريرة ، فأعتقتها السيدة عائشة ، فأصبحت حرة لها أن تختار إما أن تظل مع زوجها وإما أن تخلع نفسها منه، فخلعت نفسها، وكان مغيث يحبها فكان يبكي خلفها، وكان النبي صلى الله عليه وسلم يقول لعمه العباس : (ألا تعجب يا عم! من حب مغيث لـبريرة ومن بغض بريرة لـمغيث)، ولذلك قال النبي صلى الله عليه وسلم: (يا بريرة ! زوجك مغيث عودي إليه، قالت: يا رسول الله! أتشفع أم تأمر؟ قال: بل أشفع، قالت: إذاً: أنا لا أريده يا رسول الله!). ففرقت المرأة بين الشفاعة والأمر، وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ وَلا مُؤْمِنَةٍ إِذَا قَضَى اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَمْرًا أَنْ يَكُونَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ مِنْ أَمْرِهِمْ [الأحزاب:36]. فإذا أمرت امرأة بالحجاب أو الرجل بإعفاء اللحية فليس لهما إلا أن يقولا: سمعنا وأطعنا، وينفذان الأمر دون مناقشة أو معرفة العلة.

    يقول عمر للحجر الأسود: والله إني لأعلم أنك حجر لا تنفع ولا تضر، ولولا أني رأيت رسول الله يقبلك ما قبلتك. فاتبعوا ولا تبتدعوا فقد كفيتم، كما قال ابن مسعود .

    أقسام الشفاعة في الآخرة

    أما الشفاعة في الآخرة فقد قسمها العلماء كشيخ الإسلام ابن تيمية والطحاوي في الطحاوية وغيرهما إلى أنواع متعددة: شفاعة المقام المحمود، وهي الشفاعة الثابتة لنبينا عليه الصلاة والسلام؛ لقول ربنا سبحانه: عَسَى أَنْ يَبْعَثَكَ رَبُّكَ مَقَامًا مَحْمُودًا [الإسراء:79].

    والشفاعة لإقامة الحساب أو للفصل بين العباد في الآخرة.

    والشفاعة لأقوام تساوت حسناتهم وسيئاتهم وهم أهل الأعراف، فيشفع فيهم النبي صلى الله عليه وسلم فيدخلون الجنة.

    والشفاعة لأناس في النار فيخرجون منها بشفاعة خير الأنام صلى الله عليه وسلم، كما جاء في مسند الإمام أحمد : (شفاعتي لأهل الكبائر من أمتي)، أي: أنه يشفع لهم بعد دخولهم النار.

    ويشفع لأناس في النار كـأبي طالب ، فينتقل من عذاب شديد إلى عذاب أقل مع بقائه في النار؛ لأنه مات على الشرك والكفر.

    والشفاعة لأناس في الجنة ليرتقوا من درجة إلى درجة أرفع منها.

    1.   

    كيفية التعامل مع الأدلة الشرعية

    بعض الناس لا يحسن التعامل مع النصوص الشرعية، فقبل أن تصدر حكماً شرعياً لابد أن تجمع في المسألة كل النصوص، لا أن تأتي بدليل واحد، فتجمع كل النصوص، وإن ظهر التعارض بين بعضها فتحاول أن توفق وتجمع بينها، فإن استحال الجمع نظرنا إلى الناسخ والمنسوخ، ثم نلجأ إلى الترجيح، فالتعامل مع الأدلة الشرعية يكون على خطوات.

    1- جمع الأدلة.

    2- محاولة الجمع والتوفيق.

    والشيخ الشنقيطي رحمه الله صاحب كتاب أضواء البيان له كتاب دفع إيهام الاضطراب عن آيات الكتاب، مثل قوله تعالى: إِذَا نُودِيَ لِلصَّلاةِ مِنْ يَوْمِ الْجُمُعَةِ فَاسْعَوْا [الجمعة:9]، والنبي صلى الله عليه وسلم يقول: (إذا أقيمت الصلاة فأتوها وأنت تمشون ولا تأتوها وأنتم تسعون). فالنبي صلى الله عليه وسلم نهى عن السعي والآية تأمرنا بالسعي، فقال العلماء: السعي في الآية يختلف عن السعي في الحديث، إذ السعي في الآية معناه: جمع الهمة، يعني: اترك التجارة واجعل همك الصلاة، والسعي في الحديث معناه: إسراع الخطا، وكقول ربنا عز وجل: لا أُقْسِمُ بِهَذَا الْبَلَدِ [البلد:1]، وفي موضع آخر قال: وَالتِّينِ وَالزَّيْتُونِ * وَطُورِ سِينِينَ * وَهَذَا الْبَلَدِ الأَمِينِ [التين:1-3]، ففي الموضع الأول قال: لا أقسم، وفي الثاني قال: وهذا البلد، فلا أقسم الأولى يعني: أقسم. فهذه الآيات والأحاديث ظاهرها التعارض، وهي بحاجة إلى جمع وإلى توفيق، وكثير من العلماء جمعوا بين ما ظاهره التعارض؛ لأنه يستحيل أن تتعارض آيات ربنا عز وجل، وعلينا أن نتهم أنفسنا بعدم الفهم لا أن نتهم الأدلة بالتعارض أو بالبطلان، كما رد الدكتور مصطفى محمود حديث البخاري الذي فيه أن موسى فقأ عين ملك الموت، وقال: أنا لا أقبل هذا الحديث، وكذب البخاري وكذب الرواة وكذب الدنيا كلها وطعن في الصحيح؛ لأنه لم يفهم الحديث، وكان عليه أن يتهم فهمه قبل أن يتهم البخاري بالكذب.

    وهذا الحديث له معان، منها: أن ملك الموت جاء إلى موسى وتسلق الجدار فدخل بدون إذن في صورة بشرية، ويجوز لك في الشرع إذا دخل عليك الدار أحد دون أن يستأذن ونظر في بيتك أن تفقأ عينه، ثم لما عرف أنه ملك الموت اختار الموت. ففقه الحديث مهم.

    وهناك الآن مدرسة تسمى بالمدرسة العقلانية، وهناك أعلام من العلماء يتبعون هذه المدرسة، وهذه المدرسة تقول: نعرض الحديث على العقل، فإن قبله العقل قبلناه، وإن رفضه العقل رد، حتى وإن كان في الصحيح. فنقول لهم: اتقوا الله في سنة رسول الله عليه الصلاة والسلام.

    وفي مسألة الشفاعة هناك آيات أثبتت الشفاعة وآيات نفتها، فعلينا أن نوفق بينها، فإن استحال التوفيق، فالنسخ، فإن لم نجد نسخاً عملنا بالترجيح، ويرجح بأكثر من مائة مرجح كما عند علماء الأصول، منها: أن ما رواه البخاري ومسلم مقدم على ما انفرد به البخاري ، وما رواه البخاري مقدم على ما رواه مسلم ، والدليل القولي مقدم على الدليل الفعلي، والمثبت مقدم على النافي، وغيرها من القواعد المعمول بها عند العلماء.

    فالمسألة ليست حسابات بسيطة، بل هي مسألة علماء، فهناك آيات قالت: إن هناك شفاعة، كقول ربنا عز وجل: وَلا يَشْفَعُونَ إِلَّا لِمَنِ ارْتَضَى وَهُمْ مِنْ خَشْيَتِهِ مُشْفِقُونَ [الأنبياء:28]. وكقول ربنا عز وجل: لا يَمْلِكُونَ الشَّفَاعَةَ إِلَّا مَنِ اتَّخَذَ عِنْدَ الرَّحْمَنِ عَهْدًا [مريم:87]. وقول ربنا عز وجل: مَنْ ذَا الَّذِي يَشْفَعُ عِنْدَهُ إِلَّا بِإِذْنِهِ [البقرة:255]. فهذه تثبت الشفاعة بشروط.

    وهناك آيات نفت الشفاعة، كقوله تعالى: مَا لِلظَّالِمِينَ مِنْ حَمِيمٍ وَلا شَفِيعٍ يُطَاعُ [غافر:18]. فـ(حميم) يعني: صديق، وفي قول ربنا عز وجل: فَمَا تَنْفَعُهُمْ شَفَاعَةُ الشَّافِعِينَ [المدثر:48].

    والتوفيق موجود هنا ومعمول به ومقر؛ لأن الأدلة من السنة تبين هذا المعنى، فالشفاعة المنفية في القرآن هي الشفاعة للمشركين والكفار، فقوله: مَا لِلظَّالِمِينَ [غافر:18] يعني: ما للكافرين، فالظلم أحياناً يأتي بمعنى الكفر، وهناك ألفاظ في القرآن لكل لفظ منها أكثر من عشرة معان، مثل: لفظ النكاح، يأتي بمعنى عقد الزواج، وبمعنى البناء، وبمعنى بلوغ الرشد.

    ففي قول ربنا: وَابْتَلُوا الْيَتَامَى حَتَّى إِذَا بَلَغُوا النِّكَاحَ [النساء:6] النكاح هنا المقصود به الرشد، وفي قول ربنا سبحانه: وَلا تَنكِحُوا مَا نَكَحَ آبَاؤُكُمْ مِنَ النِّسَاءِ إِلَّا مَا قَدْ سَلَفَ [النساء:22] المقصود به العقد، فإن عقد الأب على المرأة يحرمها على الابن حتى وإن لم يدخل بها. وفي قوله تعالى في سورة البقرة: فَإِنْ طَلَّقَهَا فَلا تَحِلُّ لَهُ مِنْ بَعْدُ حَتَّى تَنكِحَ زَوْجًا غَيْرَهُ [البقرة:230]، المقصود به البناء، يعني: بعد الطلقة الثالثة، فلا يحل للزوج الأول أن ينكحها إلا إذا تزوجت زوجاً آخر وطلقها دون اتفاق، ولم يكن محللاً، بل لابد أن يذوق عسيلتها وتذوق عسيلته، فالنكاح هنا بمعنى البناء. فمعرفة مدلول اللفظ مهم.

    وقد جاء في الحديث: (صلى النبي صلى الله عليه وسلم على شهداء أحد)، مع أن الشهيد لا يصلى عليه، فصلى هنا بمعنى دعا، مثل قوله تعالى: وَصَلِّ عَلَيْهِمْ إِنَّ صَلاتَكَ سَكَنٌ لَهُمْ [التوبة:103]. وفي الحديث الصحيح: (إذا دعاك أخوك للغداء وأنت صائم فإن شئت أفطرت وإن شئت أتممت، وإن أتممت فصل عليه)، أي: ادع له. فمعرفة مدلولات الألفاظ مهم جداً.

    1.   

    شروط الشفاعة

    فالآيات التي نفت الشفاعة نفتها عن المشركين والكافرين، والآيات التي أثبتتها أثبتتها لمن مات على كلمة التوحيد، بشروط ثلاثة:

    1- إسلام المشفوع فيه، فلابد أن يكون مسلماً موحداً.

    2- الإذن للشافع بالشفاعة، فلابد أن يأذن الله لمن يشفع.

    3- الرضا عن المشفوع فيه، كما قال تعالى: وَلا يَشْفَعُونَ إِلَّا لِمَنِ ارْتَضَى [الأنبياء:28].

    فهي مقيدة بهذه الثلاثة، وأما ضرب النصوص ببعضها دون جمع ولا توفيق فهذا من سوء الفهم وعدم العلم.

    اللهم ارزقنا علماً نافعاً، وقلباً خاشعاً يا رب العالمين!

    1.   

    الأسئلة

    نصيحة لمن لا تلبس الحجاب

    السؤال: كيف أقنع زوجتي بالنقاب، أرجو تقديم النصيحة لزوجتي؟

    الجواب: ماذا أقول: أتريدين للذئاب البشرية في زمننا أن تنظر إلى لحمك وعورتك؟! ألا تتقين الله عز وجل؟ أما تعلمين أنك غداً ستدخلين قبراً، وأن هذا الوجه الجميل ستأكله الدود؟ أما تعلمين أنك ستسألين غداً عن كل فساد أحدثتيه للشباب المسلم، وإن كان العلماء قد اختلفوا في وجوب النقاب إلا أن الذين قالوا بعدم وجوبه قالوا: وفي زمن الفتنة يجب على المرأة أن تنتقب، وأي فتنة أعظم من التي نحن فيها الآن؟ فيا أيتها الأخت المسلمة! نقابك واجب كما تصلين، فاستجيبي لأمر ربك، وزوجك يدعوك إلى الطهارة والعفاف. أسأل الله لك الهداية والتوفيق. والله أعلم.

    كفارة إفطار رمضان للحامل

    السؤال: قال بعض أهل العلم: إن للحامل أن تفطر وتطعم وليس عليها قضاء، فهل إطعام المسكين يكون في رمضان أم بعد الانتهاء من شهر رمضان؛ لأنها ستظل مفطرة حتى نهاية رمضان؛ وكم المبلغ؟

    الجواب: مسألة الحامل من المسائل الخلافية، والذي أفتى به ابن عباس وابن عمر رضي الله عنهما أنها تفدي ولا تصم، فقد كانا يقولان: إن الحامل عليها الفدية وليس عليها قضاء، ولكن جمهور العلماء أنها يلزمها القضاء بعد وضع الحمل وانقضاء مدة النفاس، وإن أرادت أن تأخذ برأي ابن عمر وابن عباس فلها أن تطعم عن كل يوم مسكيناً في رمضان، فإن أفطرت اليوم تطعم؛ لأن التعجيل بالكفارة أمر واجب، فلعلها تموت بعد رمضان قبل أن تكفر، فالتعجيل بالكفارات أمر واجب، فإن كانت لا تستطيع القضاء، فلتطعم عن كل يوم مسكيناً، والله تعالى أعلم.

    ولا أقول أنها تخرج مالاً؛ لأنها إذا أعطت الفقير مالاً فلا تضمن أنه يأكل به، وقد خرجت عن مقصود الشارع وهو الإطعام، فإن لم تستطع الإطعام، فلتوكل جمعية خيرية حتى تطعم بدلاً عنها، والله تعالى أعلم.

    حكم إخراج زكاة الفطر مالاً

    السؤال: سيدة أخرجت زكاة الفطر نقداً وأعطتها لامرأة فقيرة، فهل يجوز ذلك أم لابد أن تعيد إخراجها مرة أخرى من الحبوب؟

    الجواب: هذه مسألة مهمة، وقد بحت أصوات العلماء فيها، والناس لا تزال تجادل، فزكاة الفطر تخرج عيناً كما في حديث ابن عمر في الصحيح: (أمرنا رسول الله صلى الله عليه وسلم أن نخرج زكاة الفطر صاعاً من زبيب، أو صاعاً من شعير، أو صاعاً من أرز)

    وقد كان في زمن النبي صلى الله عليه وسلم توجد النقود، ومع ذلك أخرج الزكاة عيناً، فقد كان يخرج زكاة المال مالاً، وزكاة الزرع زرعاً، وزكاة الماشية ماشية، وزكاة الفطر عيناً، وأنا أقترح على تجار الحبوب من أهل السنة أن يعملوا أكياس ثلاثة كيلو وربع ويبيعوها أمام المساجد وفي الميادين، ويكتبوا عليها صدقة الفطر للفرد الواحد، فكل من يمشي يشتري كيسين أو ثلاثة أو أربعة بحسب حاجته.

    وقد قال الحنابلة: من أخرجها نقداً فعليه أن يعيد إخراجها مرة ثانية، والأحناف على أنها تخرج نقداً، وأما الحنابلة والمالكية فعلى أنها تخرج عيناً، ومنهم من قال: إن أخرجها نقداً تجزئ، ومنهم من قال: لا تجزئ. وأنا أقول: اخرج من دائرة الخلاف يا عبد الله! والتزم الشرع كما ورد عن رسول الله صلى الله عليه وسلم. والله تعالى أعلم.

    مكتبتك الصوتية

    أو الدخول بحساب

    البث المباشر

    المزيد

    من الفعاليات والمحاضرات الأرشيفية من خدمة البث المباشر

    عدد مرات الاستماع

    3086718663

    عدد مرات الحفظ

    756286577