إسلام ويب

سلسلة لطائف المعارف [أعمام النبي عليه الصلاة والسلام]للشيخ : صالح بن عواد المغامسي

  •  التفريغ النصي الكامل
  • عندما اصطفى الله نبينا محمداً صلى الله عليه وسلم لتبليغ رسالته للناس كان لابد أن يكون صلى الله عليه وسلم نسيباً معروفاً في قومه، كيف لا وهو مبلغ عن الله رسالاته وكلامه، وقد كان بين أهله صلى الله عليه وسلم من حاربه وصوب سهامه نحو صدره صلى الله عليه وسلم، ومن هؤلاء أبو لهب المتوعَّد بالنار، وكان منهم من نصره ووقف بجانبه إلا أنه مات على الشرك كأبي طالب عمه، وكان من أعمامه كذلك من نصر الله به الملة، وأقام به اعوجاج الأمة، كحمزة أسد الله ورسوله، وكذلك العباس عمه، وقد ركز الشيخ في هذه المادة الحديث عن أعمامه صلى الله عليه وسلم وأقسامهم من حيث الإيمان والكفر.

    1.   

    أعمام النبي صلى الله عليه وسلم

    إن الحمد لله، نحمده ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا، ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلن تجد له ولياً مرشداً، والصلاة والسلام على خير خلق الله، محمد بن عبد الله، صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين.

    أما بعد:

    فهذا لقاء متجدد من لقاءاتنا الموسومة بعنوان: لطائف المعارف، وسيكون عنوان هذا اللقاء في هذا المساء المبارك: أعمام النبي صلى الله عليه وسلم.

    لا ريب أن من حسن عناية الأمة بسيرة نبيها صلى الله عليه وسلم أنها عنيت بكثير من حياته عليه الصلاة والسلام وسيرته مع الناس وسيرته الخاصة، ويسمى هذا كله: السيرة العطرة، والأيام النضرة لرسولنا صلى الله عليه وسلم، ونحن ندرك أن نبينا عليه الصلاة والسلام هاشمي عدناني من ذرية إسماعيل، وإسماعيل ابن لإبراهيم عليه الصلاة والسلام، فعبد المطلب جد النبي صلى الله عليه وسلم بالاتفاق، فهو عليه الصلاة والسلام محمد بن عبد الله بن عبد المطلب، وقد كان له عليه الصلاة والسلام عشرة أعمام، ستة منهم لم يدركوا بعثته صلى الله عليه وسلم، وبما أنهم لم يدركوا بعثته عليه الصلاة والسلام فلا يتعلق بهم الكفر والإيمان، فهم من حيث الجملة داخلون في أهل الفترة، فبقي أربعة من أعمامه عليه الصلاة والسلام، وهؤلاء الأربعة هم: العباس وحمزة وأبو طالب وأبو لهب ، وقد انقسموا من حيث الجملة إلى قسمين: اثنان آمنا واثنان كفرا، فأما اللذان آمنا فهما: العباس وحمزة ، وأما اللذان كفرا: فـأبو طالب وأبو لهب ، ولكل منهم خبر وله علاقة بالنبي صلى الله عليه وسلم تفصيلها وفوائدها كالتالي:

    أبو طالب عم النبي صلى الله عليه وسلم

    أما أبو طالب فهو أكبر أعمام النبي صلى الله عليه وسلم، وهو الذي تولى كفالته بعد موت جده عبد المطلب، وأبو طالب يقول بعض العلماء: هو من نزل في حقه قول الله جل وعلا: وَهُمْ يَنْهَوْنَ عَنْهُ وَيَنْأَوْنَ عَنْهُ [الأنعام:26] بمعنى: أن أبا طالب ينهى الناس أن يقربوا ابن أخيه أو أن يؤذوه، وينأى بنفسه أن يؤمن، وقد نقل عنه أنه قال:

    ولقد علمت بأن دين محمـد من خير أديان البرية ديناً

    لولا الملامة أو حذار مسبـة لوجدتني سمحاً بذاك يقيناً

    وأبو طالب هو أول من مدح النبي صلى الله عليه وسلم شعراً، وذلك في لاميته الشهيرة والتي منها قوله:

    وأبيض يستسقى الغمام بوجهه ثمال اليتامى عصمة للأرامل

    يلوذ به الهلاك من آل هاشم فهم عنده في نعمة وفواضل

    ولهذا ثبت ونقل: أن النبي صلى الله عليه وسلم لما هاجر إلى المدينة وشكت المدينة جدب الديار واستسقى صلى الله عليه وسلم وأجاب الله دعاءه وسقي الناس قال صلى الله عليه وسلم: (لو كان أبو طالب حياً ورأى هذا لسر) ففهم الصحابة مراده وقالوا: (يا رسول الله! كأنك تعني قوله:

    وأبيض يستسقى الغمام بوجهه ثمال اليتامى عصمة للأرامل

    قال صلى الله عليه وسلم: نعم).

    وأبو طالب لم يرزق الإيمان، لكنه رزق حظاً كبيراً من نصرة النبي صلى الله عليه وسلم، حتى ورد فيما بلغ من عظيم شفقته على ابن أخيه أنه لما حوصر بنو هاشم في الشعب كان أبو طالب إذا أمسوا ونام النبي صلى الله عليه وسلم يأتي ويحمل ابن أخيه محمداً بن عبد الله صلى الله عليه وسلم في مكان ويأتي بأحد أبنائه في مكانه؛ وذلك خوفاً من غدر قريش أن يقتله أحدهم صلى الله عليه وسلم، ولهذا شفع النبي صلى الله عليه وسلم لـأبي طالب عند ربهونحن نعلم أن شفاعة النبي صلى الله عليه وسلم الخاصة به ثلاثة أقسام: شفاعة في دفع ما يضرن وهي شفاعته صلى الله عليه وسلم في أهل الموقف، وشفاعة في جلب ما يسر، وهذه شفاعته صلى الله عليه وسلم في أهل الجنة أن تفتح لهم أبواب الجنة، وشفاعة خاصة به في عمه أبي طالب ، فـأبو طالب أهون أهل النار عذاباً بشفاعة النبي صلى الله عليه وسلم له.

    وأبو طالب ترك من الذرية طالباً ومات على الشرك، وكان يكنى به وهو أكبر أبنائه، وجعفر هذا أسلم قديماً وهو جعفر بن أبي طالب الصحابي الجليل، وأحد الخمسة الذين يشبهون النبي صلى الله عليه وسلم في هيئته الخلقية، وقد كان بعض قرابته يشبهونه صلى الله عليه وسلم خلقياً منهم: جعفر ، وأبو سفيان بن الحارث ابن عمه وأخوه من الرضاعة، والحسن سبط رسول الله صلى الله عليه وسلم، وقثم والفضل ابنا عم رسول الله صلى الله عليه وسلم، وابنا العباس بن عبد المطلب رضي الله تعالى عنه.

    المقصود من هذا: أن من ذرية أبي طالب طالباً وقد مات على الشرك، وجعفر وعقيل وهذا أسلم متأخراً، وعلي رضي الله عنه وأرضاه، وسيرة علي تغني عن التعريف به، فهذا أبو طالب أحد أعمام النبي صلى الله عليه وسلم وأعظم من نصر نبينا صلى الله عليه وسلم.

    أبو لهب عم النبي صلى الله عليه وسلم

    ومن أعمامه صلى الله عليه وسلم على النقيض تماماً أبو لهب واسمه: عبد العزى ، وإنما كني بـأبي لهب ولم يكن له ولد اسمه لهب لتورد وجنتيه واحمرارهما، ولهذا لما أراد الله جل وعلا أن يذمه قال: تَبَّتْ يَدَا أَبِي لَهَبٍ وَتَبَّ [المسد:1]، فذكره باسمه الغالب عليه، ولم يقل: تبت يدا عبد العزى؛ لأن عبد العزى في قريش كثير فلا يدرى من المقصود بالسورة، لكن قال الله: تَبَّتْ يَدَا أَبِي لَهَبٍ وَتَبَّ [المسد:1] حتى يعرف أن المقصود هذا، وهو عم النبي صلى الله عليه وسلم، وقول الله جل وعلا: تَبَّتْ [المسد:1] هذا دعاء، وقول الله تعالى في الثانية: تَبَّتْ يَدَا أَبِي لَهَبٍ وَتَبَّ [المسد:1] ليست تأكيداً كما يفهمها البعض، وإنما المعنى: وقد فعل، أي: أن هذا الدعاء الذي قيل في الأول تحقق وحصل، وأبو لهب هذا مات موتة شنيعة؛ ذلك لأنه أصيب بمرض اشتهر عند العرب أنه يعدي فخاف بنوه أنهم إذا اقتربوا ودفنوا أن ينتقل إليهم المرض فحملوه بأعواد -نسأل الله العافية- حتى أتوا به إلى حائط فوضعوه تحت الحائط، ثم أتوا للحائط من الخلف فهدموه حتى يصبح كالقبر على أبيهم، فانظر مآل من يعاند الله ورسوله ويحارب أولياءه، ولهذا قال الله: تَبَّتْ يَدَا أَبِي لَهَبٍ وَتَبَّ [المسد:1]، مع أنه عم لرسول الله صلى الله عليه وسلم.

    حمزة أسد الله ورسوله وعم النبي صلى الله عليه وسلم

    إذاً: كل ما مضى كنا نتحدث فيه عن اثنين من أعمام النبي صلى الله عليه وسلم اللذين كفرا به، ثم بقي اثنان آمنا به وهما: حمزة والعباس ، وحمزة أول إسلاماً وهو أخو النبي صلى الله عليه وسلم من الرضاعة، وحمزة رضي الله عنه وأرضاه أسلم قبل الهجرة ثم هاجر، وقد أخبر النبي صلى الله عليه وسلم: (أن حمزة أسد الله وأسد رسوله)، وقال عليه الصلاة والسلام: (سيد الشهداء حمزة)، وهو رضي الله عنه وأرضاه كان له اليد الأولى في انتصار المسلمين يوم بدر، وأكثر أهل الإشراك من القرشيين ماتوا أو قتلوا يوم بدر على يديه، فتغيضوا منه فعمدوا إلى رجل لا ناقة له ولا جمل في أمر قريش وأهل الإسلام: وهو وحشي فأعطوه حريته، وكان عبداً رقيقاً وأهدوه حريته مقابل أن يقتل حمزة فقبل، فاتخذ حربة له وتربص له في أحد ولم يكن له شأن بأمر الناس وما زال يتربص ميمنة ميسرة وحتى رأى حمزة فوجه إليه حربته فوقعت منه في مقتل فقتل رضي الله عنه وأرضاه يوم أحد، وقد حزن النبي صلى الله عليه وسلم على حمزة حزناً شديداً، ومن دلائل عظيم حزنه على حمزة : أن وحشياً هذا أسلم متأخراً ثم قدم على النبي صلى الله عليه وسلم فسأله النبي عليه الصلاة والسلام: كيف قتلت حمزة ؟ فأخذ يسرد القصة والنبي صلى الله عليه وسلم تذرف عيناه ثم قال له: (غرب وجهك عني)، وهذه جبلة بشرية، فلا يستطيع عليه الصلاة والسلام أن يرى قاتل حمزة ، ثم قدر لـحمزة أن يقتل بنفس الحربة مسيلمة الكذاب ، ومن غريب الأخبار الصحيحة الثابتة -وكلمة غريب هنا لا تنافي الصحة- ما جاء في الصحيح: أن علياً رضي الله تعالى عنه بعد موقعة بدر عندما خطب فاطمة بنت محمد صلى الله عليه وسلم أراد أن يجمع شيئاً لزواجها فكانت له ناقتان سمينتان مسنتان نالهما يوم بدر فوضعهما بجوار دار أحد الأنصار، وخرج ينظر إلى أقتاب وغرائر يضعها على النياق حتى يسافر بها ليجمع مالاً كافياً للزواج وتجهيز البيت، وفي تلك الأثناء التي كان فيها علي فرحاً بهاتين الناقتين وهو يجمع ما يحتاجه في سفره قدر لـحمزة أن يدخل دار أحد من الأنصار يوم أن كان الخمر مباحاً فشرب حتى سكر، فغنت امرأة من اللواتي كن حاضرات: ألا يا حمزة ! للشرف النواء.

    و(شرف النواء) يعني: النياق الموجودة خارج الدار، فقام حمزة فبقرها، وجب خواصيرها، وأخرج أكبادها، وشوى لقومه وشرب، فجاء علي رضي الله عنه فإذا بالناقتين قد بقرتا وجبت أفئدتهما فبكى، وهو علي الذي له ما له في ساحات المعارك والوقوف أمام الشجعان، ذرفت عيناه عندما رأى الناقتين اللتين كان يعول عليهما كثيراً قد جبتا وبقرتا وخرجت أكبادهما، فذهب للنبي صلى الله عليه وسلم فأخبره، فخرج عليه الصلاة والسلام ومعه علي وزيد بن حارثة مولاه ودخل الدار التي فيها حمزة وما زال على حاله، وكان حمزة آنذاك قد بلغت به الخمر مبلغاً عظيماً، فأخذ النبي صلى الله عليه وسلم يعاتب حمزة على فعله، فأخذ حمزة ينظر في قدمي النبي صلى الله عليه وسلم، ثم يصعد النظر في ركبتيه، ثم في وجهه عليه الصلاة والسلام، ثم قال حمزة : وهل أنتم -يشير إلى النبي وعلي وزيد - إلا عبيد لأبي؛ فلما قال ذلك فقه النبي صلى الله عليه وسلم أن حمزة مخمور لا يدري ما يقول، فرجع خطوات إلى الخلف وهو ينظر إلى حمزة تحسباً من أن يحصل من حمزة شيء لم يكن متوقعاً، وهذا كله لا عتاب على حمزة فيه؛ لأن الخمر آنذاك كانت مباحة، والعبرة بتحريم الله جل وعلا، والدليل على ذلك: أن حمزة رضي الله تعالى عنه بعد ذلك رزق الشهادة في سبيل الله، والنبي صلى الله عليه وسلم توجه بقولة: (سيد الشهداء حمزة)، فنحن لا نقول: إنه ضعيف إيمان معاذ الله فـحمزة سيد آل البيت، لكن هنا نتكلم عن خبر صحيح، وعن أحداث وقعت ونقلت إلينا، والذي نقلها لنا الحسين رضي الله تعالى عنه عن أبيه علي بن أبي طالب ، وكانت بمحضر من رسول الله صلى الله عليه وسلم.

    موضع الشاهد: أن حمزة رضي الله عنه وقع منه هذا الأمر بلا تثريب منه؛ لأنه كان مخموراً ثم قدر له أن يموت شهيداً في أحد.

    العباس رابع أعمامه صلى الله عليه وسلم

    أما رابع أعمام النبي صلى الله عليه وسلم فهو العباس ، وكان أكبر سناً من النبي عليه الصلاة والسلام، وكانت له جلالة عجيبة؛ ولذلك احتفى به الصحابة بعد موت النبي صلى الله عليه وسلم، وكان عمر يجله ويقدمه على سائر الناس، وقد مر معنا أنه أول من صلى على النبي صلى الله عليه وسلم بعد وفاته.

    هذا ما تيسر إيراده، وتهيأ إعداده، حول أعمام النبي صلى الله عليه وسلم، رزقني الله وإياكم العافية والتقوى، ووفقني الله وإياكم لما يحب ويرضى، والحمد لله رب العالمين.

    مكتبتك الصوتية

    أو الدخول بحساب

    البث المباشر

    المزيد

    من الفعاليات والمحاضرات الأرشيفية من خدمة البث المباشر

    عدد مرات الاستماع

    3086718663

    عدد مرات الحفظ

    756356507