قال المصنف رحمه الله تعالى: [ باب الحديث عن بني إسرائيل.
حدثنا أبو بكر بن أبي شيبة حدثنا علي بن مسهر عن محمد بن عمرو عن أبي سلمة عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: (حدثوا عن بني إسرائيل ولا حرج) ].
أورد أبو داود باب الحديث عن بني إسرائيل، يعني: أن يتحدث بأحاديثهم والأشياء التي تؤثر عنهم وتنقل عنهم، وأن مثل ذلك لا بأس به، لكن هذا كما هو معلوم إذا كان في أمور ليس فيها باطل؛ لأن الحديث بالباطل ونشر الباطل لا يجوز، ولكن إذا كان فيه فوائد وفيه أخبار وما إلى ذلك فإن الحديث سائغ، ومعلوم أن أخبار بني إسرائيل إنما تتناقل وليس هناك أسانيد فيها متصلة، وإنما ساغ للناس أن يتحدثوا بما يسمعوا من أخبارهم لكن إذا كان فيها باطل فليس للإنسان أن يذكر ذلك الباطل إلا مفنداً له ومبيناً فساده وأن ذلك لا يليق ولا يصلح، أما أن يذكر ذلك ويسكت عنه فهذا لا ينبغي.
وهذه الترجمة في الحديث عنهم، وأما الترجمة التي سبق أن مضت فهي في حديثهم وكلامهم؛ لأنه تقدم أن ترجم بقوله: باب رواية حديث أهل الكتاب، يعني: كونهم يتحدثون وينقل عنهم، قال فلان كذا، ولكن الذي هنا هو كونه يوجد أخبار في الكتب تنسب إلى بني إسرائيل فإنه يمكن التحدث بها ويمكن تناقلها حيث لا يكون فيها محذور أو أمر لا يسوغ أو يحصل به ضرر، اللهم إلا أن يبين بطلانه ويبين فساده إذا ذكر وتحدث به.
وأورد أبو داود حديث أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (حدثوا عن بني إسرائيل ولا حرج).
قوله: (حدثوا) يعني: أنه سائغ لهم، والمقصود هنا الإذن والإباحة، وليس المقصود به الوجوب ولا الاستحباب وإنما الإرشاد والإباحة.
وكون الإنسان يذكر شيئاً من أخبارهم يجوز ذلك مثلما هو موجود الآن في كتب أهل السنة من أخبار بني إسرائيل لاسيما في المواعظ.
وأما الحديث عن بني إسرائيل الموجودين الآن فمن المعلوم أن بني إسرائيل الآن ما عندهم إلا الخبث والشر، والأحاديث التي يتحدث بها هي ما كانت عن بني إسرائيل مما هو موجود في الكتب السابقة، فأما اليهود الموجودون الآن لا يبحث عن كلامهم ولا يتحدث به؛ إذ ليس عندهم إلا الشر والخبث، وإنما المقصود من ذلك ما كان من أخبار المتقدمين التي فيها عبر وفيها عظات وفيها كلام جميل وحكم وما إلى ذلك.
قوله: [ حدثنا أبو بكر بن أبي شيبة ].
أبو بكر بن أبي شيبة عبد الله بن محمد ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة إلا الترمذي.
[ حدثنا علي بن مسهر ].
علي بن مسهر ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[ عن محمد بن عمرو ].
محمد بن عمرو بن علقمة بن وقاص الليثي صدوق له أوهام، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[ عن أبي سلمة ].
أبو سلمة بن عبد الرحمن بن عوف المدني ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[ عن أبي هريرة ].
أبو هريرة رضي الله عنه قد مر ذكره.
قال المصنف رحمه الله تعالى: [ حدثنا محمد بن المثنى حدثنا معاذ حدثني أبي عن قتادة عن أبي حسان عن عبد الله بن عمرو رضي الله عنهما قال (كان نبي الله صلى الله عليه وآله وسلم يحدثنا عن بني إسرائيل حتى يصبح ما يقوم إلا إلى عظم صلاة) ].
أورد أبو داود حديث عبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله عنه: (أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يحدثهم عن بني إسرائيل) ومعلوم أن حديث النبي صلى الله عليه وسلم عن بني إسرائيل هو إخبار منه صلى الله عليه وسلم، فإذا ثبت هذا الخبر عن بني إسرائيل بإسناد صحيح متصل إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فإنه يصدق هذا الخبر، ويعتبر هذا الخبر صدقاً ما دام ثابتاً عن رسول الله عليه الصلاة والسلام، وأما إذا لم يكن ثابتاً عن النبي صلى الله عليه وسلم فإنه لا يصدق ولا يكذب، وقد سبق أن النبي عليه الصلاة والسلام قال: (إذا حدثكم أهل الكتاب بشيء فلا تصدقوهم ولا تكذبوهم (وَقُولُوا آمَنَّا بِالَّذِي أُنْزِلَ إِلَيْنَا وَأُنْزِلَ إِلَيْكُمْ [العنكبوت:46]) إلا أن يكون ذلك الحديث الذي جاء عن بني إسرائيل باطلاً كأشياء تضاف إلى الأنبياء لا تليق بهم، فهذه لا يتردد في تكذيبها، بل الواجب هو المبادرة إلى تكذيبها وعدم تصديقها.
وقوله: (كان يحدثنا عن بني إسرائيل حتى يصبح) لعل هذا حصل في بعض الليالي، ومعلوم أن هذا كان بعد صلاة الليل، وليس معنى ذلك أنه يكون من أول الليل إلى آخره، وأنه يشغل بذلك عن صلاة الليل، فقد كان صلى الله عليه وسلم مداوماً عليها، وكان صلى الله عليه وسلم يصلي من أول الليل ومن وسطه ومن آخره حتى انتهى وتره صلوات الله وسلامه وبركاته عليه إلى السحر، ومعنى ذلك: أن هذا كان في بعض الأحيان وليس دائماً وأبداً.
وقوله: (وما يقوم إلا إلى عظم صلاة) يعني: إلى صلاة فريضة.
وقوله: (حتى يصبح) معناه: أنه يقوم إلى صلاة الفجر.
قوله: [ حدثنا محمد بن المثنى ].
محمد بن المثنى أبو موسى العنزي الملقب الزمن ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة، وهو شيخ لأصحاب الكتب الستة.
[ حدثنا معاذ ].
معاذ بن هشام بن أبي عبد الله الدستوائي صدوق ربما وهم، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[ حدثنا أبي ].
أبوه هشام بن أبي عبد الله الدستوائي ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[ عن قتادة ].
قتادة بن دعامة السدوسي البصري ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[ عن أبي حسان ].
أبو حسان الأعرج صدوق، أخرج له البخاري تعليقاً ومسلم وأصحاب السنن.
[ عن عبد الله بن عمرو ].
عبد الله بن عمرو الصحابي الجليل أحد العبادله الأربعة من أصحاب النبي عليه الصلاة والسلام، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
قال المصنف رحمه الله تعالى: [ باب في طلب العلم لغير الله تعالى.
حدثنا أبو بكر بن أبي شيبة حدثنا سريج بن النعمان حدثنا فليح عن أبي طوالة عبد الله بن عبد الرحمن بن معمر الأنصاري عن سعيد بن يسار عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: (من تعلم علماً مما يبتغى به وجه الله عز وجل لا يتعلمه إلا ليصيب به عرضاً من الدنيا لم يجد عرف الجنة يوم القيامة)يعني: ريحها ].
أورد أبو داود هذه الترجمة بعنوان: باب في طلب العلم لغير الله عز وجل، أي: يطلبه لدنيا أو لسمعة وشهرة ولم يكن قصده أن يعرف الحق ويعمل به ويدعو إلى الله عز وجل على بصيرة، وإنما الدافع له والباعث له على طلب العلم هو الدنيا أو طلب الجاه وعلو المنزلة والشهرة وما إلى ذلك، دون أن يكون الباعث له هو ابتغاء وجه الله عز وجل والدار الآخرة ومعرفة الحق للعمل به والدعوة إليه.
وقد أورد أبو داود حديث أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (من طلب علماً مما يبتغى به وجه الله) لأن العلوم الشرعية يبتغى بها وجه الله عز وجل.
وقوله: (يبتغى به وجه الله) فيه إثبات صفة الوجه لله عز وجل، وإثبات لازم الصفة التي هي رضا الله عز وجل، وأما إذا فسر برضا الله فقط فهذا لا يسوغ؛ لأن الوجه صفة، ورضا الله صفة، فإذا فسر الوجه بأنه الرضا فمعناه: أنه لم يثبت الوجه، ولكن إذا أثبت الوجه وأثبت الرضا الذي هو لازم هذه الصفة في ابتغاء وجه الله عز وجل فإن ذلك صحيح، أما إذا لم تثبت الصفة التي هي: الوجه وقيل: إن معناها رضا الله فقط دون إثبات صفة الوجه فهذا باطل لا يسوغ، وهذا نظير قول القائل في تفسير قول الله عز وجل: تَبَارَكَ الَّذِي بِيَدِهِ الْمُلْكُ [الملك:1] قال: في ملكه وتحت تصرفه، فإذا كان يقصد من قوله: في ملكه وتحت تصرفه أن هذا هو معنى اليد وليس لها معنى آخر، وأنها ليست صفة من صفات الله عز وجل؛ فهذا باطل، وإن أريد به إثبات الصفة وإثبات لازم الصفة وهو أن كل شيء في يد الله وكل شيء فهو في ملكه وتحت تصرفه سبحانه تعالى فهذا حق.
وقوله: (عرضاً من الدنيا) يعني: شيئاً من الدنيا وعرضاً من أعراضها الزائلة.
وقوله: (لم يجد عرف الجنة) يعني: ريحها؛ لأن العرف هو: الريح، وليس معنى ذلك أنه يكون حكمه حكم الكفار الذين لا يجدون ريح الجنة أبداً، وإنما المقصود من ذلك: أنه إذا لم يتجاوز الله تعالى عنه لا يحصل ذلك له من أول وهلة، ولكن كل من مات وهو غير مشرك بالله عز وجل فإن أمره إلى الله عز وجل إن شاء عفا عنه وتجاوز عنه، وإن شاء عذبه، وإذا عذبه لا يخلده في النار كتخليد الكفار، وإنما يخرجه منها ويدخله الجنة فيكون مآله إلى الجنة.
وإن قيل: هل يدخل في هذا الحديث الاشتراك في المسابقات التي عليها جوائز، إذا كان طالب العلم ممن يحرص على العلم؟
الجواب: كون الإنسان يشتغل بالعلم من أجل معرفة الحق والهدى ثم بعد ذلك جعلت مسابقة فيها جوائز ودخل فيها فهذا لا يخرجه عن كونه تعلم العلم من أجل معرفة الحق والعمل به؛ لأنه لم يتعلم من أجل الجوائز، ولم يكن الباعث له أن يكون عنده استعداد للمنافسة في الجوائز، وإنما تعلمه لمعرفة الحق والهدى، وهذا جاء عرضاً وتبعاً وشيئاً طارئاً لم يكن هو المقصود عند التعلم وعند الاشتغال بالعلم.
وأما هل يدخل في هذا من يدرس ليصبح مدرساً ويحصل على الراتب؟
فإذا كان غرضه الدنيا فقط فله نصيب من هذا الحديث، وإن كان قصده أنه يتعلم الحق ويعمل به وينفع الناس به فهذا من الثواب المعجل الذي يعجله الله له في الدنيا قبل الآخرة؛ لأن الإنسان قد يعلم ويرشد الناس ويفيد التلاميذ ويكون سبباً في هدايتهم وفي استقامتهم مع كونه مدرساً ويأخذ الراتب الذي يعطى للمدرسين، فإذا كان الباعث له أن يفيد الناس وأن يفيد الطلاب وأن يكون عوناً لهم على معرفة الحق والهدى فلا شك أنه على خير كما قال صلى الله عليه وسلم: (ولكل امرئ ما نوى).
قوله: [ حدثنا أبو بكر بن أبي شيبة حدثنا سريج بن النعمان ].
سريج بن النعمان ثقة، أخرج له البخاري وأصحاب السنن.
[ حدثنا فليح ].
فليح بن سليمان صدوق كثير الخطأ، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[ عن أبي طوالة عبد الله بن عبد الرحمن بن معمر ].
أبو طوالة عبد الله بن عبد الرحمن بن معمر الأنصاري ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[ عن سعيد بن يسار ].
سعيد بن يسار ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[ عن أبي هريرة ].
أبو هريرة قد مر ذكره.
قال المصنف رحمه الله تعالى: [ باب في القصص.
حدثنا محمود بن خالد حدثنا أبو مسهر حدثني عباد بن عباد الخواص عن يحيى بن أبي عمرو السيباني عن عمرو بن عبد الله السيباني عن عوف بن مالك الأشجعي رضي الله عنه قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يقول: (لا يقص إلا أمير أو مأمور أو مختال) ].
أورد أبو داود هذه الترجمة بعنوان: باب في القصص، والقصص هي: ذكر الحكايات والقصص التي فيها تأثير وفيها فوائد للناس، وقد تكون هذه القصص سليمة ومفيدة، وقد يكون فيها شيء من المحذور، فالقاص هو الذي يذكر ويعظ ويأتي بالحكايات والقصص التي فيها تحريك للقلوب وقد لا يكون فيها تحريك للقلوب، ولكنها حكايات عن أناس متقدمين يأتي بها قد تكون مؤثرة وقد تكون غير مؤثرة.
وأورد أبو داود حديث عوف بن مالك رضي الله قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: (لا يقص إلا أمير أو مأمور أو مختال).
قوله: (لا يقص) ليس هذا نهياً وإنما هو نفي؛ لأنه لو كان نهياً لصار المختال مأذوناً له في القص، فلو كان نهياً فإن معناه: أنه مأذون لهؤلاء ومنهم المختال لكن المقصود به النفي، يعني: أنه لا يحصل القصص إلا من هذا أو هذا، لكن لا يعني ذلك أنه يكون مأذوناً للمختال.
وقوله: (أمير أو مأمور) الأمير هو: المسئول وهو الذي يتكلم أو مأمور من الأمير، وإذا لم يكن لا هذا ولا هذا فهو الصنف الثالث وهو المختال الذي يحب الفخر ويحب الظهور ويحب البروز وقد يكون مرائياً أو ما إلى ذلك من الصفات.
فهذا إخبار عن الواقع؛ يعني: لا يقص إلا كذا وكذا وكذا، وليس معنى ذلك نفي الوقوع مطلقاً وإنما هو نفي الوقوع إلا من هؤلاء الثلاثة الذين هم: أمير أو مأمور أو مختال، والأمير والمأمور هؤلاء محقون أما المختال فهو منشغل فيما لا يعنيه وداخل في شيء غير مأذون له فيه.
وعلى هذا فقوله: (لا يقص) إخبار عن الواقع، أي: أنه لا يحصل القصص إلا من كذا وكذا وكذا، وهو من جنس قوله صلى الله عليه وسلم: (تنكح المرأة لأربع) يعني: أن الناس يتجهون إلى النكاح من أجل هذه الأمور وليس أمراً من النبي صلى الله عليه وسلم بأن أن المرأة تنكح لكذا ولكذا ولكذا، وإنما الأمر هو بأنها تنكح من أجل دينها، هذا هو الذي أمر به الشارع، وأما هذا ففيه إخبار عن واقع الناس، فمن الناس من يكون رغبته كذا ومنهم من رغبته كذا ومنهم من رغبته كذا، ومن جنسه لا يقص إلا كذا أو كذا، يعني: أن هذا إخبار بالواقع أن القصص لا تحصل إلا من هذا أو هذا أو هذا والأول والثاني محقان والثالث ليس على حق، وفي هذا دليل على أنه ليس كل أحد يقص على الناس، وإنما الذي يقص يقص بإذن من الوالي؛ لأنه قد يتولى القص ويتولى الكلام من يفسد ومن يضر الناس ومن يلبس على الناس، فلا يتكلم كل من أراد أن يتكلم؛ لأنه قد يتكلم في الضلال وقد يتكلم في إفساد الناس وإفساد عقائد وعبادات الناس، ومثل هذه الأمور إنما تكون من الولاة ونواب الولاة الذين يؤذن لهم ولا تكون ملكاً لأحد؛ لأن عدم تقييدها بترتيب وتنظيم يؤدي إلى الفوضى وإلى أن كل واحد يتكلم بباطله وينشر باطله فيترتب على ذلك فساد الناس.
وقوله: (المختال) يعني: الذي عنده خيلاء وعنده تكبر وحب بروز وظهور وسمعة.
قوله: [ حدثنا محمود بن خالد ].
محمود بن خالد الدمشقي ثقة، أخرج له أبو داود والنسائي وابن ماجة .
[ حدثنا أبو مسهر ].
أبو مسهر عبد الأعلى بن مسهر ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[ حدثني عباد بن عباد الخواص ].
عباد بن عباد الخواص صدوق يهم، أخرج له أبو داود .
[ عن يحيى بن أبي عمرو السيباني ].
يحيى بن أبي عمرو السيباني مقبول، أخرج له أبو داود .
[ عن عوف بن مالك الأشجعي ].
عوف بن مالك الأشجعي رضي الله عنه صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم، وحديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة.
والحديث جاء من طريق أخرى عن عبد الله بن عمرو بن العاص فيكون هذا الرجل المقبول قد وجد ما يعضده ويؤيده ويشهد له.
قال المصنف رحمه الله تعالى: [ حدثنا مسدد حدثنا جعفر بن سليمان عن المعلى بن زياد عن العلاء بن بشير المزني عن أبي الصديق الناجي عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه قال: (جلست في عصابة من ضعفاء المهاجرين وإن بعضهم ليستتر ببعض من العري، وقارئ يقرأ علينا، إذ جاء رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فقام علينا، فلما قام رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم سكت القارئ، فسلم ثم قال: ما كنتم تصنعون؟ قلنا: يا رسول الله! إنه كان قارئ لنا يقرأ علينا وكنا نستمع إلى كتاب الله. قال: فقال رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم: الحمد الله الذي جعل من أمتي من أمرت أن أصبر نفسي معهم. قال: فجلس رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وسطنا ليعدل بنفسه فينا، ثم قال: بيده هكذا فتحلقوا وبرزت وجوهم له، قال: فما رأيت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم عرف منهم أحداً غيري. فقال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: أبشروا يا معشر صعاليك المهاجرين! بالنور التام يوم القيامة تدخلون الجنة قبل أغنياء الناس بنصف يوم وذلك خمسمائة سنة) ].
أورد أبو داود حديث أبي سعيد الخدري رضي الله عنه: أن النبي صلى الله عليه وسلم جاء إلى جماعة من أصحابه وهم فقراء صعاليك وفيهم من يكون ثوبه غير كاف ويستتر بأخيه ويقرب من أخيه حتى لا يظهر شيء من عورته بسبب عدم وجود اللباس الكافي، فوقف عليهم رسول الله صلى الله عليه وسلم وقال: (ما تصنعون؟ قالوا: قارئ يقرأ لنا، فجلس النبي صلى الله عليه وسلم وقال: الحمد الله الذي جعل من أمتي من أمرت أن أصبر نفسي معه) يشير إلى قوله عز وجل: وَاصْبِرْ نَفْسَكَ مَعَ الَّذِينَ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ بِالْغَدَاةِ وَالْعَشِيِّ يُرِيدُونَ وَجْهَهُ [الكهف:28] فقال لهم: (أبشروا يا معشر صعاليك المهاجرين! بالنور التام يوم القيامة، تدخلون الجنة قبل أغنياء الناس بنصف يوم وذاك خمسمائة سنة) أي: أن الفقراء يسبقون الأغنياء في الدخول؛ لأنهم لا يحاسبون، بخلاف الأغنياء فإنهم يحاسبون على أموالهم وعلى ثرواتهم، فأولئك يسبقونهم لأنهم ليس عندهم شيء يحاسبون عليه من حيث الأموال: تجمعيها ومن أين جاءت؟ وأين صرفت؟ فهذا هو السبب الذي جعل الفقراء يدخلون الجنة قبل الأغنياء.
والحديث ضعيف ولكن هذه الجملة الأخيرة صحيحة وثابتة؛ لأنها جاءت من طرق مختلفة، أي: أن دخول الفقراء قبل الأغنياء بخمسمائة عام أو بنصف يوم هذا جاء في غير هذا الحديث، والحديث في إسناده من هو متكلم فيه لكن الجملة الأخيرة جاء ما يدل على ثبوتها.
قوله: [ حدثنا مسدد ].
مسدد مر ذكره.
[ حدثنا جعفر بن سليمان ].
جعفر بن سليمان صدوق، أخرج له البخاري في الأدب المفرد ومسلم وأصحاب السنن.
[ عن المعلى بن زياد ].
المعلى بن زياد صدوق، أخرج له البخاري تعليقاً ومسلم وأصحاب السنن.
[ عن العلاء بن بشير المزني ].
العلاء بن بشير المزني مجهول، أخرج له أبو داود.
[ عن أبي الصديق الناجي ].
أبو الصديق الناجي هو بكر بن عمرو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[ عن أبي سعيد الخدري ].
أبو سعيد الخدري سعد بن مالك بن سنان الخدري رضي الله عنه صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم، وأحد السبعة المعروفين بكثرة الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم.
قال المصنف رحمه الله تعالى: [ حدثنا محمد بن المثنى حدثني عبد السلام -يعني: ابن المطهر أبو ظفر - حدثنا موسى بن خلف العمى عن قتادة عن أنس بن مالك رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: (لأن أقعد مع قوم يذكرون الله تعالى من صلاة الغداة حتى تطلع الشمس أحب إلي من أن أعتق أربعة من ولد إسماعيل، ولأن أقعد مع قوم يذكرون الله من صلاة العصر إلى أن تغرب الشمس أحب إلي من أن أعتق أربعة)].
أورد أبو داود حديث أنس بن مالك رضي الله عنه في فضل ذكر الله عز وجل والاشتغال به وأن النبي عليه الصلاة والسلام قال: (لأن أقعد مع قوم يذكرون الله عز وجل من صلاة الغداة حتى تطلع الشمس أحب إلي من أن أعتق أربعة من ولد إسماعيل، ولأن أجلس مع أناس بعد صلاة العصر إلى أن تغرب الشمس أحب إلي من أن أعتق أربعة)
وهذا يدل على فضل ذكر الله عز وجل، وأن شأنه عظيم عند الله عز وجل، وأنه بهذا الوصف وبهذه المنزلة وبهذه الدرجة التي بينها رسول الله صلوات الله وسلامه وبركاته عليه.
قوله: [ حدثنا محمد بن مثنى حدثني عبد السلام يعني: ابن مطهر ].
عبد السلام بن مطهر صدوق، أخرج له البخاري وأبو داود.
[ حدثني موسى بن خلف العمى ].
موسى بن خلف العمى صدوق له أوهام، أخرج له البخاري تعليقاً وأبو داود والنسائي.
[ عن قتادة عن أنس بن مالك ].
قتادة مر ذكره، وأنس بن مالك هو خادم رسول الله صلى الله عليه وسلم، وأحد السبعة المعروفين بكثرة الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم.
قال المصنف رحمه الله تعالى: [ حدثنا عثمان بن أبي شيبة حدثنا حفص بن غياث عن الأعمش عن إبراهيم عن عبيدة عن عبد الله رضي الله عنه قال: قال لي رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: (اقرأ علي سورة النساء. قال: قلت: أأقرأ عليك وعليك أنزل؟! قال: إني أحب أن أسمعه من غيري. قال: فقرأت عليه حتى إذا انتهيت إلى قوله: فَكَيْفَ إِذَا جِئْنَا مِنْ كُلِّ أُمَّةٍ بِشَهِيدٍ [النساء:41] الآية، فرفعت رأسي فإذا عيناه تهملان) ].
أورد أبو داود حديث ابن مسعود رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال له: (اقرأ علي، فقال: أأقرأ عليك القرآن وعليك أنزل؟!) أي: كيف اقرأ عليك القرآن وعليك أنزل؟! فقال: (إني أحب أن أسمعه من غيري، فقرأ عليه سورة النساء حتى إذا جاء إلى قول الله عز وجل: فَكَيْفَ إِذَا جِئْنَا مِنْ كُلِّ أُمَّةٍ بِشَهِيدٍ وَجِئْنَا بِكَ عَلَى هَؤُلاءِ شَهِيدًا [النساء:41] الآية قال: فرفعت رأسي فإذا عيناه تهملان) يعني: تذرفان الدموع من البكاء فصلوات الله وسلامه وبركاته عليه.
قوله: [ حدثنا عثمان بن أبي شيبة ].
عثمان بن أبي شيبة مر ذكره.
[ حدثنا حفص بن غياث ].
حفص بن غياث ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[ عن الأعمش ].
الأعمش مر ذكره.
[ عن إبراهيم ].
إبراهيم بن يزيد بن قيس النخعي الكوفي ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[ عن عبيدة ].
عبيدة بن عمرو السليماني ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[ عن عبد الله ].
عبد الله بن مسعود الهذلي رضي الله تعالى عنه صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم.
من الفعاليات والمحاضرات الأرشيفية من خدمة البث المباشر