إسلام ويب

أطفالنا والصلاةللشيخ : محمد إسماعيل المقدم

  •  التفريغ النصي الكامل
  • لما كانت الصلاة عماد الدين حث الشرع على أن يتعلمها الأطفال منذ صغرهم، بل يضربوا عليها وهم لم يبلغوا بعد سن التكليف، وهو آخر أسلوب يستخدم معهم كي يصلوا، وإنما يستخدم للتوجيه والتربية لا من أجل الانتقام والعقاب. ولكن قبل العقاب هناك التعليم عن طريق التوجيه بالقدوة الحسنة من الوالدين، والترغيب في الصلاة بالثواب عليها والتشجيع، فيتحرى الأب أن يغرس في الطفل معانيها الجميلة، ويربط المسجد والصلاة بكل ما يحبه الطفل ويهواه.

    1.   

    طرق وأساليب تربية الأطفال على الصلاة

    تعليم الأطفال الصلاة عن طريق القدوة الحسنة

    الحمد لله حق حمده، والصلاة والسلام على محمد رسوله وعبده، وعلى آله وصحبه من بعده.

    ثم أما بعد:

    فمن أنواع البناء التربوي للأطفال: البناء العبادي، أي: بناؤهم في ناحية العبادة، وأهم العبادة بلا شك هو ركن الصلاة، فالأطفال يعتقدون أن كل ما يفعله الكبار صحيح، ويرون آباءهم أكمل الناس وأفضلهم، ولذلك يحاكونهم ويقتدون بهم، ففي السن المبكرة لا يكتفي الأطفال بمجرد تلقين معلومات لا يكون لها أثر مثلما يكون الأثر عن طريق القدوة العملية؛ لأن الفترات الأولى للطفل يتأثر فيها بالتفكير المادي أو الحسي، فهو يتأثر بالأمور المحسوسة ويعيها جيداً.

    مثال: إذا حدثت طفلاً عمره ثلاث سنين لا تستطيع أن تكلمه عن المعاني المجردة : الجمال والعدل والسماحة والكرم وهكذا؛ لأن هذه لا يدركها الطفل لأنها معانٍ مجردة، لكنه يدرك الأمور المحسوسة ويتأثر بها جداً.

    فموضوع القدوة في حياة الطفل يعتبر من أخطر وسائل التربية وأشدها أثراً على الإطلاق؛ ففي السن المبكرة لا يتأثر الأطفال بالتلقين -الكلام الشفوي- إذا لم توجد أمامهم القدوة الصالحة التي تترجم بصورة عملية المعاني المجربة، ولذلك فإن أفضل وأعمق طريقة تؤثر في حفر قيمة الصلاة في نفوس الأبناء، هي أن يروا أبويهم يحافظان على الصلاة أمامهم باستمرار، أما الأب فبصلاة النافلة في البيت، وأما الأم فالفريضة، وإذا صلى الوالد دون أن يأمر الأطفال الصغار -ممن دون السابعة بالتحديد- فسوف يجد الأب أن الطفلة تذهب بجوار الذي يصلي وتقوم بتقليده، وتقلده في الحركات بطريقة سائدة معروفة، تنظر إليه وهو يسجد وتنظر كيف يصلي حتى تقلده في الحركات، فهو لم يدعوها أصلاً للصلاة لكن الطفل يتقمص فعل الأب، والتقمص يعتبر من أعلى مراتب التقليد، بل أعمق وأقوى صور التقليد والمحاكاة هي التقمص، فهو يتوحد مع أبيه أو يتقمصه ويفعل ما يراه بطريقة عملية.

    وكما تكلمنا من قبل مراراً أن موضوع التربية لا يكون بأن يقول الأب لأولاده: تعالوا معنا الآن إلى حصة تربية، ثم يعطيهم محاضرات! لأن التربية عملية مستمرة خلال الأربع والعشرين ساعة في كل سلوك يفعله الآباء بالذات، فعندما يقول الأب مثلاً لابنه: إذا اتصل أحد يريدني فقل: أبي غير موجود. فهذه تربية على الكذب واستباحة له، وأن الكذب يعتبر طريقة مقبولة للتخلص من الحرج، أو واحد يطرق الباب فتقول: قل له أبي غير موجود، فيقول: أبي يقول لك إنه غير موجود، فالطفل بهذه الطريقة يتشرب الكذب، وأنت بهذا تعلمه كيف يستطيع التخلص من المواقف بالكذب، أو إذا كان الأب يخون الأمانة، أو يكيد لزملائه ثم يحكي ذلك في البيت والطفل يسمعه .. كل هذه وسائل تربية تترك بصمات عميقة الأثر مدى الحياة في ذلك الطفل.

    فإذاً: مجرد التلقين بالكلام والوعظ الشفهي بالنسبة للأطفال لا يؤثر فيهم ما لم توجد أمامهم صورة عملية، يسمونها: (كونتريك سنجل)، أي: تفكير متحجر، ليس هو تفكير المعاني المجردة، وإنما هو التفكير الحسي، ولابد من وجود شيء حسي وليس شيئاً معنوياً فقط مثل قيم الجمال، والتسامح والعدالة والنزاهة، لأن الطفل في غفلة عن مثل هذه المعاني ، لكنه لا بد أن يوجه بشيء حسي، فإنه يجسد الصورة التي يتوحد معها هذا الطفل.

    إذاً: محافظة الأب أو الأم على الصلاة تؤثر في الأطفال أعمق الأثر، وتحفر الصلاة في وجدانهم حفراً.

    الدعاء من وسائل التربية على الصلاة

    كذلك من الأسباب التي ينبغي أن لا نغفل عنها عند تربية الأطفال على المحافظة على الصلاة: أن يستعين الإنسان بدعاء الله عز وجل، وأن يتأسى بإبراهيم عليه السلام لما كان يقول في دعائه: رَبِّ اجْعَلْنِي مُقِيمَ الصَّلاةِ وَمِنْ ذُرِّيَّتِي رَبَّنَا وَتَقَبَّلْ دُعَاءِ [إبراهيم:40]، ينبغي للإنسان أن يلهج بهذا الدعاء في كل مناسبة، ويتحرى أوقات الإجابة؛ لأن الدعاء بلا شك من أنجح وأقوى أسباب حصول المقاصد.

    استخدام العقاب في الحث على الصلاة

    على الأب أو المربي أن يعلم أن العقاب البدني بشروطه هو الوسيلة الأخيرة للتربية، كي لا يتعود عليه الطفل، وبالتالي لا يجدي استعماله فيما بعد، فمسألة العقاب البدني بالنسبة للطفل موضوع شائك للغاية، ويساء فهمه، وبالتالي تطبيقه عند كثير من الناس، وله ضوابط إن شاء الله سنتكلم عنها فيما بعد، وأرجو أن يكون ذلك في أقرب وقت ممكن، ونحاول أن نفرده من بعد ضمن الموضوعات التربوية المهمة؛ لأن دفع المضار مقدم على جلب المنافع، فموضوع الضرب يحصل نتيجة الجهل الواقع في الناس بموضوع التربية، ومن الناس من يتصور أنه إذا لم يضرب أنه من الممكن أن يضيع سُنة ويقع منه تقصير، حيث لم يضرب الأطفال؟!

    نعم. ليس هناك نزاع على الإطلاق في أهمية وضرورة مبدأ الثواب والعقاب في التربية، أي أن مبدأ الثواب والعقاب مبدأ أساسي مهم، لكن أنواع الثواب أو أنواع العقاب تعتبر مسألة أخرى؛ إذ ليس من شرط العقاب أن يكون بالضرب.

    والضرب له شروط كثيرة، لكن متى شرع الضرب؟ قال عليه الصلاة والسلام: (مروا أولادكم بالصلاة لسبع سنين، واضربوهم عليها لعشر سنين)، فإذا كانت الصلاة التي مقامها في الإسلام عالٍ, وشأنها هذا الشأن العظيم، لا يضرب عليها الطفل إلا بعد بلوغ العاشرة، فكيف بغيرها؟ وهل هناك شيء أهم من الصلاة؟

    سنرى بعض الآباء القساة الغلاظ القلوب يضربون الأطفال ضرباً مبرحاً على أتفه الأشياء، والشيء الغريب والخطيئة المتكررة في التربية أن كثيراً من المربين لا يتفطن إلى حقيقة هي: أن طفلك ليس أنت، فلا يجعل الإنسان عقله بعقل الطفل، وإلا فإنه إنما يضرب بعنف لأنه خرج الضرب عن كونه نوعاً من أنواع العلاج ..

    الضرب شرع بشروط كعلاج، لكن إذا كان سيتحول إلى داء لا دواء فلا داعي له، لأنه له هدف تربوي؛ ولذلك لا يجوز للإنسان أن يضرب وهو غضبان، والشرع الشريف والآداب الشرعية لا تبيح لك ضرب الطفل وأنت غضبان، بل عليك أن تتريث حتى تذهب سورة غضبك, وتقرر الضرب وأنت هادئ؛ لأنك عند الهدوء سيكون الهدف من الضرب هو التقويم والعلاج، لكن في حالة الغضب سيكون الهدف هو إفراغ شحنة الغضب في ضرب الطفل، ولن يتوقف الضرب حتى تهدأ النفس وتخرج شحنة الغضب، فبالتالي ليس هذا هو الضرب المشروع أو المقصود بتربية الطفل.

    إذاً: فقد خرج إلى كونه وسيلة عقاب وانتقام للنفس وإخراج شحنة الغضب، وليس هناك تكافؤ بين الطفل الصغير والإنسان الضخم كبير العضلات والقوة، لذلك فإن الضرب لابد أن يصدر من الإنسان وهو في غاية الهدوء والاتزان، ثم يقرر أن الضرب في مصلحة، وبالتالي سيكون ضرباً رفيقاً لا كضرب العبيد، كما يحصل من بعض الجفاة.

    فعلى كل الأحوال قضية الثواب والعقاب لا مناص منها في العملية التربوية؛ لأنها وسيلة من وسائل التربية، لكن معنى العقاب أشمل من أن يكون بالضرب، ووسائل العقاب كثيرة متعددة، كما أن العقاب لابد وأن يكون متناسباً مع حجم الخطأ، فلا يكون عقاباً شديداً على خطأ تافه.

    كما أنه لابد أن يعرف المربي أن العقاب البدني إنما هو الوسيلة الأخيرة للعقاب، وآخر مرحلة من مراحل العقاب؛ لأن الطفل إذا ما اعتاد أن الأب دائماً يستعمل ضده سلاح الضرب فسوف يفقد هذا السلاح تأثيره، ويفقد الطفل الإحساس بالضرب، ويشعر أن كرامته قد أهدرت منذ زمن، ومن المؤكد أن الضرب عند الناس المتهورين يرتبط بالتحقير والشتم والسب ونحو هذه الألفاظ، والطفل إذا ما تأثر بهذه الأشياء فلن يفيد حينها استعمال الضرب معه فيما بعد وسيفقد تأثيره معه، لكن كلما كان نادراً ومنضبطاً كلما أتى بالتأثير.

    أسلوب التعليم النظري والعملي للصلاة

    على الأب أن يعلم ولده الوضوء والطهارة بالشرح النظري، ثم بالتدريب العملي المتكرر، مع تبسيط الأمر بقدر المستطاع، فلا تكثر عليه من الأدعية أو السنن في المراحل الأولى، ولكن بنوع من التبسيط الشديد في العبارة، فيعلمه الوضوء والطهارة بالشرح النظري، ثم بعد ذلك بالتدريب العملي المتكرر، فيمثل نموذجاً للوضوء أمامه ويجعله يكرر ذلك خطوة خطوة كما يفعل هو في الوضوء، ويسمح له بالتطبيق أمامه، فإن أخطأ في عمله علمه ووجهه بلطف وبدون تعنيف، فإذا أتقن الوضوء مدحه واحتضنه وقبله مشعراً إياه برضاه عنه، وهذا نوع من المثوبة المعنوية (المدح بالثناء عليه)، ولا يشترط أن يكون الثواب دائماً بالحلوى والنقود، لكن ممكن بأن يظهر الرضا عنه وتقديره لما صنع بغيرها.

    كذلك يعلمه فضائل الوضوء ويحفزه على الحرص على تحصيل ثوابه.

    ويلاحظ أننا نهتم كثيراً بأمور الترهيب مع الطفل، وإن كان ولا بد من الترهيب فيكون الترهيب بصورة عامة دون أن تقول له مثلا:ً إذا لم تصل فسوف تدخل النار، وسوف يعذبك الله بكذا وكذا، لكن قل: من لا يصلي يعاقبه الله؛ لأن الأول كذب، والطفل إذا لم يصل فلن يدخل النار، لأنه غير مكلف، فلينتبه إلى مثل هذا.

    أسلوب التربية بالعادة

    كذلك يتم تعليمه الصلاة منذ السن الباكرة دون توجيه مباشر، بل يكرر الأب صلاة النوافل في المنزل على مشهد من أولاده، وهم سوف يتأثرون بما يرونه أعمق الأثر، إذا رأوا أباهم يمرغ وجهه لله عز وجل ساجداً، قائماً خاشعاً، قد استغرقته الصلاة وصرفته تماماً عما حوله؛ لأن الطفل مع الوقت يلاحظ ويستنتج أن الذي يدخل في الصلاة لا يجوز أن يكلمه أحد، ولا أن يأكل أو يشرب؛ لأن الصلاة قد استحوذت على كل كيانه.

    الشاهد: أن الطفل سوف يعلم من هذا المشهد أن أباه متى ما دخل في الصلاة فإنه لن يستجيب له، وكذلك أمه.

    وكذلك صلاة الأب خاشعاً لله سبحانه وتعالى وهذا مما يؤثر فيه أعمق الأثر, ومن شأنه أن يغرس في نفوس الأطفال عظمة الله سبحانه وتعالى.

    وهذه هي التربية بالعادة، فهم يتعرفون على أعمال الصلاة ويحبونها بالعادة.

    مثلاً: حينما ينام تلقنه بعض أذكار المساء، وحينما يأتي الصباح تلقنه بعض أذكار الصباح، ومن ثمَّ تتحول إلى عادة يواظب عليها،وهذا مما يعينه فيما بعد على الاستقامة على هذه الأمور الشرعية.

    التساهل مع الطفل في شروط الصلاة

    كذلك لا يشتد الأب مع الطفل قبل سن التمييز في أمر الطهارة للصلاة وستر العورة، بمعنى: ممكن أن الطفل يأتي إلى الصلاة حتى في سن السابعة أو فما فوق وهو مقصر في بعض أركان وشروط الصلاة خصوصاً في ستر العورة؛ لأن صلاته تصح، ومعلوم حديث الصبي الذي كان يصلي بالناس، فاشتكى النساء وقلن: استروا عنا عورة صاحبكم. فقد كان أثناء الصلاة ينكشف منه شيء، فالشاهد أن صلاته كانت صحيحة.

    فإذاً: لا بأس بالتساهل في تحصيل شروط الصلاة في مراحل التدريب الأولى، كأن يسجد في أي الأحوال أو في أي الأوضاع، فهذا فيه نوع من التدريب، يعني: لا تتشدد معه قبل سن التمييز في أمر الطهارة للصلاة وستر العورة، بل اتركه يقلدك كيفما كان، ولا تكفه عن التقليد؛ لأن زجره في هذه السن وهو غير مكلف ينفره من الصلاة.

    عدم تصيد الأخطاء للطفل الذي يواظب على الصلاة

    الأمر الآخر: الطفل الذي يصلي لا نتصيد له الأخطاء، وكلما غلط غلطاً تقول له: أنت تصلي وتعمل كذا، أو: أنت تصلي ولا تسمع كلام أمك ... إلى آخره. هذا سوف يكرهه في الصلاة، وسيحتسب الصلاة عبئاً شديداً عليه فينفر منها، والنبي صلى الله عليه وسلم يقول: (إن منكم لمنفرين، بشروا ولا تنفروا).

    فبالعكس.. نتغاضى عن أخطائه؛ لأنه من حقه أن يخطئ في هذا السن، ويتعلم من التجربة والخطأ، ويمكن تحويل العبارة بطريقة أكثر إيجابية، واستبدال هذا التوبيخ المباشر الذي قد يشعره بأن الصلاة عبء عليه، وأنه إذا تخلص من الصلاة سوف يتخلص من كل هذا التوبيخ؛ لأن الذي لا يصلي لا يعاتب.

    وهذا يحدث أيضاً مع البنات في موضوع الحجاب فيقولون لها: أنت محجبة وتفعلين كذا. والصحيح أن يقال لها: أنت محجبة ومؤدبة ومهذبة، والذي يليق بك أن تفعلي كذا وكذا، بدون إظهار النقد الهدام.

    تهيئة الطفل لاستقبال الصلاة بعد سن السابعة

    هناك مناسبة: وهي بلوغ الطفل سن السابعة من العمر في التقويم الهجري، وهنا يجب على الأب أن يأمره بالصلاة، لقول النبي صلى الله عليه وسلم: (مروا أولادكم بالصلاة وهم أبناء سبع سنين)، وأيضاً يأمره بتحصيل شروطها كالطهارة وستر العورة.

    مع العلم أن التدريب المبكر على الصلاة بلطف وبرفق مع الاستمرار يجعل الصلاة في حياة هذا الطفل جزءاً من كيانه لا يمكن أن ينفصل عنه أبداً، فإذا أحكمنا غرس الشعور بأن الصلاة جزء من شخصيته وهويته وكيانه؛ كان هذا أدعى إلى أن يتمسك بها حينما تجب عليه ولا يضيعها.

    وعند إكمال سن السابعة لا ينبغي أن يمر هذا التاريخ مروراً عابراً، ونحن وإن كنا ضد الاحتفال بعيد الميلاد؛ لأن هذه بدعة ليس لها علاقة بالإسلام، لكن سن السابعة نحن لا نسميه عيد ميلاد، لأن سن السابعة له مناسبة شرعية مهمة جداً، وهي أنه سوف يبدأ بأمره بالصلاة، فيجب على الأب أن يأمره بالصلاة، وهي غير واجبة على الطفل، فبالتالي يجب أن يسلط الضوء على هذا التاريخ، ويعد للطفل مقدمات؛ كأن يقول له: بقي لك أربعة أشهر وتبدأ تصلي مثل الكبار، فتضع له في الكلام شيئاً مغرياً، وأن أملاً كبيراً سيتحقق، وأن فلاناً إذا أكمل السابعة سيحافظ على الصلاة باستمرار ويواظب عليها.

    فالمطلوب تعميق هذا الحدث الهام، لأننا نريده أن يعلم أن ما قبله مفصول عما بعده، وأنه الآن يستقبل مرحلة جديدة؛ فلابد أن يهيئ نفسه لها مسبقاً، ولكن ليس على أنها مسئولية ستلقى على كتفه وعبء عليه، ولكن لأنه سيكبر، فتقول له: كم سنك الآن؟ فيقول لك: ست سنوات! فتقول: عندما تبلغ سبعاً ستصبح رجلاً إن شاء الله، فنربطها بشيء يكون له أمل وطموح هو متطلع إليه بلهف.

    فإذاً: لا ينبغي أن يمر تاريخ إتمامه سن السابعة مروراً عابراً، بل لابد أن يعمق هذا الحدث الهام من خلال إعلامه قبلها بأنه مقبل على أمر عظيم، وهو اقتراب نوعي لأمره بالصلاة، فإذا بلغ السابعة فصلى أول فرض جمع له أبوه بعض أصدقائه وإخوته في حفل صغير ابتهاجاً بهذه المناسبة الطيبة، وكذلك يأتي له والده بمنبه لمواعيد الصلاة، أو تقويم حتى يعرف مواعيد الأذان، أو يأتي بأي نوع من أنواع الهدايا لمثل هذه المناسبة، أو حلوى يحبها، وكل صديق يحضر له هدية بسيطة، فيحس أن المناسبة عظيمة جداً، لا احتفال بعيد ميلاد، لأن هذا تضخيم للأمر العظيم، والمهم الذي هو مقبل عليه، وهو بداية التحول إلى أداء الصلاة، أو مثلاً يقدم له ساعة لكي يعلم بها مواعيد الصلاة.

    متابعة انتظام الطفل في الصلاة وتشجيعه

    كذلك ينبغي متابعته في مدى انتظامه للصلاة، وتكرار الأمر بها دون ملل، فإذا شغل الأب أو غاب وكّل من يقوم بمتابعته.

    مثاله: لو أن الطفل له لعبة محببة إليه جداً وتريد أن تأمره بالصلاة، فكيف تأمره؟! قل له: صل لكي تلعب.

    وعلى كل حال: في هذه الحالة لو شددته من اللعب إلى الصلاة فقد يشعر أنه حرم مما كان يفضله، أو ربما يعاندك، وهو لا يعاندك لأنه لا يريد أن يصلي، لكن لأنه يتمتع باللعب، فالحل في هذه الحالة أن تعمل حسابك قبل موعد الصلاة بعشر دقائق، وتخبره بأن الصلاة ما بقي على وقتها إلا عشر دقائق. فأنت لا تحرمه من اللعب أو تقطعه عن اللعب إلى الصلاة، لكن تأتي إليه قبل موعد الصلاة، وتقول له: بقي على الأذان ربع ساعة أو عشر دقائق؛ أي: فاللعب في هذه الفترة حتى إذا سمعنا الأذان فعليك أن تقوم وتتوضأ وتصلي، فنراعي مثل هذه الأمور.

    فإذا شغل الأب أو غاب لأي سبب من الأسباب فإنه يوكل من يقوم بمتابعته من الذين في المنزل ويأمرون الطفل بالصلاة خلال فترة غيابه أو شغله، روي عن ابن مسعود رضي الله عنه أنه قال: (حافظوا على أبنائكم في الصلاة، وعودوهم الخير، فإن الخير عادة)، الحل هو التربية بالعادة، ولا نبخل بمكافئته أحياناً لانتظامه في الصلاة، لكن لا يواظب على ذلك حتى لا نعلمه على أن التعامل تعامل مادي حتى في العبادة، بل نربطه بالثواب له من عند الله سبحانه وتعالى.

    وأيضاً المديح له والثناء والتشجيع من الأبوين مثلاً، فلا بأس بمكافئته أحياناً لانتظامه في الصلاة، وإذا حصل منه خطأ فقل له: كنت سوف أحاسبك على هذا الخطأ، لكن لأنك تحافظ على الصلاة فسوف أعفو عنك هذه المرة. هذا نوع أيضاً من المكافئة.

    على كل الأحوال بالنسبة للمكافئات المادية لا يواظب المربي على ذلك، وفي نفس الوقت إذا أعطى هدية مادية من وقت إلى آخر ينوعها.

    برمجة حياة الطفل ومواعيده بأوقات الصلاة وربطها بما يحبه

    كذلك على الأب أن يقرن الأمور المحببة بالصلاة حتى يتعود الطفل ويبرمج حياته على مواعيد الصلاة، مثلاً: بعد صلاة العصر نزهة، أو يشتري له هدية أو لعبة يحبها، فلا تقول له مثلا:ً الساعة السادسة سآخذك وسأعمل كذا، إنما تقول له: بعدما نصلي العصر أو بعدما نصلي المغرب سنعمل كذا، اربط -دائماً- وحدد المواعيد، واضبطها بالصلاة لكي تكون جزءاً أساسياً في الجدول اليومي بالنسبة إليه؛ لأنه إذا عرف أنه بعد الصلاة سيخرج يتنزه فسيتحفز لذلك ويستعد للصلاة في وقتها لاقترانها بأمر محبوب لديه.

    كذلك يرتب جميع مواعيده مع أولاده بأوقات الصلاة؛ فيتعلمون تنظيم الوقت بناء على أوقات الصلاة.

    كذلك يذكرهم بين الحين والحين بفضائل الصلاة من القرآن الكريم والسنة الشريفة؛ حتى يكتمل تصورهم الفكري عن الصلاة ومنزلتها في الدين.

    يعود الصبي خاصة بعد سن العاشرة على أداء السنن الرواتب مع الصلوات المفروضة، ويحرص على قيام الليل ولو جزءاً يسيراً، فيعلن الأب لأولاده أنه سيقوم ليصلي في الليل وقت كذا وكذا، ثم يتركهم يتنافسون في الاستيقاظ في ذلك الوقت، دون أن يوقظهم الأب لتقوى إرادتهم ويعتادوا من قبل أنفسهم، ويخفف بهم في الصلاة، ومن نعس منهم أمره بالنوم رفقاً به.

    1.   

    علاج تقصير الطفل في الصلاة

    إذا قصر الولد في الصلاة بعد العاشرة وجب على الأب وعظه وتذكيره بالنصوص الشرعية في الصلاة، فإذا استمر في تهاونه أغلظ له في القول وعنفه، ولا يكلمه ولا يخالطه ولا يمازحه، ويحرمه من بعض الأشياء المحببة لديه؛ فإذا فشل العقاب النفسي يلجأ الأب إلى العقاب البدني بشروطه؛ لقول النبي صلى الله عليه وسلم: (واضربوهم عليها وهم أبناء عشر سنين).

    فالمربي يقدم أسلوب الترغيب والإثابة والتشجيع، ويتجاهل تقصير الطفل في بعض الأوقات، مع حسن الإشارة والتلميح دون التصريح، فإن أصر عاتبه سراً، ويعبس في وجهه، فإن أصر عاتبه جهراً أمام أسرته أو رفاقه بدون شتم أو سب أو تحقير، وهذا شيء غير مسموح به على الإطلاق، فإذا انتقدت فانتقد الموقف أو التصرف، لكن لا تختم على الطفل بأنه فاشل مثلاً ولا أمل فيه، فهذا تحقير للذات، وتحطيم لقدرات الطفل، لكن تنتقد التصرف فقط لا أن تنتقد ذاته هو، أو تحقرها وتوبخها بصورة عامة.

    فإن تمادى رغم ذلك يهدده بالضرب ويعلق عصاً صغيرة بحيث يراها، فإن لم تنفع هذه الوسائل يلجأ إلى الضرب لكن بالشروط الآتية:

    أولاً: لا يضرب بأي حال قبل سن العاشرة.

    ثانياً: أن يعلم المربي أن الضرب وسيلة علاج وإصلاح، وليست لإهانته وتحقيره وتشويه نفسيته، وليس الضرب وسيلة انتقامية يقصد بها تفريغ شحنة غضب المربي وإراحة نفسه، ولكنه ضرورة تربوية استثنائية لمصلحة الطفل، وعليه فلا يقدم المربي على عقوبة الضرب وهو غضبان ثائر.

    ثالثاً: أن لا يكون الضرب شديداً مبرحاً، ويستعمل فيه عصا معتدلة الحجم والرطوبة، ولا يزيد على ثلاث ضربات، وللوالد أن يزيد إلى عشر كحد أقصى، وأن يتوقى ضرب الوجه والمواضع الحساسة من البدن, ولا يكرره في الموضع الواحد بل يفرقه، ويترك بين الضربتين زمناً يذهب فيه ألم الأولى.

    كذلك يكون الضرب على تقصير حقيقي لا على شبهة أو سوء ظن، وأن يتناسب العقاب مع حجم الخطأ ونوعه، وأن يتوقف عن الضرب إذا ذكر الغلام الله عز وجل واستغاث به.

    أحد الإخوة أراه اليوم شاباً يافعاً، لما كان صغيراً جداً في بداية نطقه حصل أن ضربه والده، وكنت ذكرت في محاضرة حضرها هذا الأب مع ابنه: أن الطفل لا يضرب إذا ذكر الله، فأتاني الوالد بعد المحاضرة وقال لي: جزاك الله خيراً يا شيخ، فسمع هذا الأمر الأولاد معه، وهو يظن أنهم لا يفهمون وهم يفهمون جيداً، فكان كلما ضربه أبوه يذكر الله أثناء الضرب، فكان يستغل هذه الأشياء، فجاء أبوه يشتكي إليّ أنه من حين سمع قولي: إذا ذكر الله يوقف الضرب فيذكر الله ويستغيث بالله أثناء الضرب لكي أتوقف.

    وهنا لابد أن نزرع في الطفل تعظيم اسم الله سبحانه وتعالى، فمن تعظيم اسم الله أنه إذا ذكر اسم الله يتوقف الأب عن الضرب؛ فيرتبط ذكر اسم الله بالرحمة، والعفو وتوقف الأذية؛ فهذا شيء سيحبب إليه ذكر الله سبحانه وتعالى.

    كذلك لا يكرر العقاب؛ لأن العقاب الذي يتكرر سيفقد فاعليته كسلاح، فلا يكرر العقاب بقدر الإمكان حتى لا تفقد العقوبة قيمتها فلا يبالي بها الطفل، لكن القاعدة: أن الإنسان متى استطاع أن ينجز ما يريد بالرفق فلا يعدل عن الرفق تماماً. وهذا شيء مطلوب، فإن الطفل الراقي المحافظ على كرامته يكون الكلام أشد عليه من الضرب، فنتركه يحافظ على كرامته ولا نهدرها، فالضرب شيء استثنائي، وبشروط كثيرة سنفصل فيها إن شاء الله فيما بعد.

    لنفترض أيضاً أن الأب قصر في أمره بالصلاة في سن السابعة وتجاوز السابعة والثامنة والتاسعة وجاءت العاشرة؛ فإذا بلغ عشر سنين ولم يكن قد أمره بالصلاة هل يبدأ بالضرب؟ لا يبدأ بالضرب، فإذا كان قد قصر في أمره بالصلاة بعد السابعة، فلا يستعمل معه العقاب البدني مباشرة بعد العاشرة وقد قصر في تعويده .. بل يتدرج معه ويمرنه ويعوده عليها من جديد.

    1.   

    آداب إدخال الأطفال المساجد وتحبيبها إليهم

    لابد من تعويد الطفل على صلاة الجماعة منذ الصغر لكي يتعلق قلبه بالمساجد، وهناك يتعرف على العلماء ويمارس عملياً آداب الإصغاء في مجالس العلم.

    هذا وإن الحرص على مشاركة الكبار في أفعالهم ميل طبيعي عند الطفل؛ فليستثمر في هذا الموضع، لكن ينبغي أن يكون الطفل عارفاً بآداب المسجد، ويحافظ على المسجد من التلويث أو النجاسة أو اللغو والتراب ونحو هذه الأشياء.

    نعم هناك أحاديث تدل على أن الأطفال كانوا يتواجدون في المسجد، لكن أطفال الصحابة ما أظن أنهم كانوا مثل أطفالنا، فالذي يعرف آداب المسجد هو الذي يأتي إلا لضرورة استثنائية، لكن لا يجوز أن نحول المسجد إلى دار حضانة، نسمع فيه الصراخ والصياح وصور لا تنتهي من القذارة وتلويث المسجد، وهذا نوع من التعسف في استعمال حق إدخال الأطفال في المساجد، فنكون بهذا قد بدأنا من حيث انتهى الشرع. أعني أن الرخصة تتوقف عند حد معين، ونحن نأتي عند الحد الأقصى ونجعلها نقطة انطلاق إلى الإفراط في استعمال هذا الحق، فالأطفال يجب أن يكونوا معروفين بعدم اللعب أو من النوع الذي يسبب ضوضاء وأذية للمصلين، أو يعبث في أجهزة المسجد أو نحو ذلك، فلا بد أن يلقن أولاً آداب المسجد؛ فإن اطمأن إلى ذلك أحضره إلى المسجد.

    كذلك قبل أن يحضره إلى المسجد يهيئه؛ لأن الطفل يظل عنده نوع من الخوف الاجتماعي، ويخاف أن يلاقي الناس بمكان واسع مثل المسجد، فربما يحصل له نوع من الخوف ويبكي ويصرخ، فلابد أن يحصل نوع من التهيئة قبل أن نذهب به إلى المسجد، ويوصف له المسجد على أنه بيت الله سبحانه وتعالى، ومكان واسع وجميل، ونظيف وله رائحة طيبة، وفيه كذا وكذا .. تصف له المسجد، وتقرن لون المسجد بكل شيء جميل، وبأشياء محببة إليه، مثلاً: اشتر حلوى من جنب المسجد، فأدخل كلمة المسجد واقرنها بالحاجات التي يحبها.

    مثلاً: وأنت تمشي تقول له: انظر إلى هذا المبنى الجميل، هذا هو المسجد، وأنا قريباً سوف آخذك معي لتصلي فيه، هذا نوع من التدرج قبل أن يأتي إلى المسجد.

    كذلك يمكن تهيئة جو المسجد قبل اصطحابه، فلا مانع أبداً أن يتفق مع الإمام والمؤذن وبعض المصلين من الجيران لترتيب الوضع؛ لأنهم أطفال اليوم ورجال الغد، ويبدأ التربية من هذه السن الباكرة؛ فهي أعمق أنواع التربية، فما دمنا محتاجين إليهم فنتذلل إليهم ونتحايل عليهم ونحاول أن نكسبهم، لأنهم هم المستقبل، فصغار اليوم سيصبحون كبار الغد؛ لأن الأمة محتاجة إلى هؤلاء الأطفال، لأنهم هم المستقبل حقيقة، فبالتالي ما المانع أن يحصل هذا التواطؤ بين الأب والإمام والمؤذنين وبعض المصلين أنه إذا حضر معي هذا الطفل فإنهم يحتفون به، ويلاطفوه، وكذا بعض الناس من كبار السن نلاحظ أن عندهم ذوقاً، فدائماً يكون معهم (شكولاته أو حلويات) للأطفال، فعندما يرى أحدهم الطفل في المسجد يعطيه حلوى، فهذا نوع من التلطف المراد في أهل المسجد، فيتواصوا أنه إذا حضر الطفل لاطفوه ليحس بالأنس فيطمئن إلى أهل المسجد ورواده؛ لأن الاهتمام به في أول مرة يدخل فيها المسجد سوف يوقع في نفسه شأن تعظيم الصلاة.

    كذلك إذا كان الإمام ممن يطيل الصلاة إطالة تخالف السنة ينبه على عدم الإطالة.

    كذلك يربط الطفل في المسجد بحلق تحفيظ القرآن الكريم، وتجويده بالتعاون مع إمام المسجد؛ لأن المساجد الآن هي الحصن الأخير الذي حفظه الله من كل سوء، والذي يمكن أن نصحح فيه الأخطاء التربوية في السهام الموجهة للأطفال والأبناء في المدارس والإعلام والمجتمع... إلى آخره.

    كذلك يهتم بترسيخ ارتباطه بالمسجد وأهله عن طريق ممارسة أنشطة نافعة ومسلية للأطفال.

    كذلك يعظم دائماً أمامه صلاة الجمعة ويحدثه عن آدابها، وأحكامها، وضرورة احترامها وتوقيرها، لكن لا يحمله ما لا يطيق من أمر صلاة الجمعة؛ لأن صلاة الجمعة تطول فيها الخطبة والصلاة؛ فممكن مع الوقت أن يمل الطفل، وقد يصعب عليه أن يحافظ على الطهارة فهو يريد أن يلعب.

    وللأسف الشديد في هذا الزمان يندر جداً أن نرى من يتمسك بالسنة، حتى الذين ينتمون إلى السنة والسلفية فالسنة ينبغي احترامها، ومن السنة تقصير الخطبة وإطالة الصلاة، والذي يحصل الآن للأسف الشديد أن تتحول الخطبة وكأنها محاضرة طويلة فيها مشقة فعلاً على الناس، فخطبة الجمعة لابد أن يشتهر ويتميز الخطيب بأنه يقصر الخطبة ويطيل الصلاة، فإذا فعل ذلك عرف الناس أن هذه هي السنة، وليست السنة أن تطيل الخطبة كما يحصل ويشق على المصلين.

    روي أن أبا هريرة رضي الله عنه دخل مرة المسجد يوم الجمعة فوجد غلاماً، فقال له: يا غلام! اذهب للعب، قال: إنما جئت إلى المسجد، قال: يا غلام اذهب للعب! قال: إنما جئت إلى المسجد، قال: فتقعد حتى يخرج الإمام قال: نعم، يعني: بدأ بالتخفيف لكيلا يكلفه بصلاة الجمعة دون سن العاشرة بل يرغبه ولا يرهبه، فإن أقبل عليها وإلا تركه وشأنه مرفهاً حتى يبلغ العاشرة أو ما قبلها بقليل فيبدأ معه بالإلزام.

    كذلك يتحرى الأب اختيار الخطيب؛ لأنه بخطبته ومسلكه عميق التأثير في أخلاق الأولاد خاصة إذا فهموا الخطبة وعقلوها، ولا بأس أن يسألهم بعد الخطبة عن موضوع الخطبة، وما استخلصوه من الفوائد، ويحثهم قبل الدخول على حسن الإنصات، ويبين لهم أنه سوف يسألهم عن مضمون الخطبة بعد الصلاة؛ لاستدعاء تركيزهم أثناء الخطبة.

    إذاً: هذا فيما يتعلق بتنبيهات بشأن تربية الأبناء على المحافظة على الصلاة؛ لأن الأطفال كما ذكرنا هم مستقبل الأمة المتمثل في هؤلاء الأبناء وأفلاذ الأكباد.

    يقول الشاعر:

    لا بد من صنع الرجال ومثله صنع السلاح

    وصناعة الأطفال علم قد تكفله أولو الصلاح

    من لم يلقن أصله من أهله فقد النجاح

    لا يصنع الأطفال إلا في مساجدنا الفساح

    في روضة القرآن في ظل الأحاديث الصحاح

    شعب بغير عقيدة ورق يذريه الرياح

    من خان حي على الصلاة يخون حي على الكفاح

    وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين.

    1.   

    الأسئلة

    أحلام اليقظة

    السؤال: شخص يسأل عن موضوع أحلام اليقظة؟

    الجواب: أحلام اليقظة ظاهرة وواضحة جداً في سن المراهقة، وأحلام اليقظة في حد ذاتها ليست ضارة، لكن الغلو فيها هو الضار؛ لأنه يستهلك الوقت، وسن المراهقة من الثانية عشرة وحتى الثامنة عشرة أو العشرين، وذلك شيء طبيعي، لأن الإنسان مقبل على الحياة وفي شبابه، وجسمه وعقله ينمو، وإمكانياته تنمو، ويتطلع دائماً للمستقبل، فهو دائماً يخطط للمستقبل، يقول: سوف أفعل كذا ثم بعد كذا أفعل كذا إلى آخره.

    فكون الإنسان يحلم أحلام يقظة ويؤمل في المستقبل في أمور حسنة لكي يفعلها في أمر دين أو دنيا، لا بأس بذلك، وهذا شيء طبيعي، وشيء مستحسن لو أن هذه الآمال تحفزك على الإنتاج، وتعطيك طاقة على أن تنجح وتتخرج وتدخل كلية كذا.

    لكن إن كانت الأحلام هروباً من تحمل المسئولية، والغرق في الأوهام، ففي هذه الحالة تكون القصة قريبة من قصة ذلك الرجل الذي أتى بجرة العسل وعلقها على الحائط وهو ممسك بالعصا ويقول: أبيع هذا العسل وأكسب منه كذا، ثم آتي بالمال وأشتري منه كذا وكذا إلى مشروعات متسلسلة يلد بعضها بعضاً، إلى أن قال: ثم أتزوج، ويرزقني الله ولداً، ثم هذا الولد آخذه بالأدب وأكون حازماً في تربيته، فإذا عصاني قلت له كذا، وأضربه بهذه العصا، ورفع العصا فكسر جرة العسل وسال العسل على الأرض.

    فالاستغراق في أحلام اليقظة صفة غير حميدة أو وضع غير حسن؛ لأنه استهلاك للوقت بصورة غير سوية، لكن إذا كان المستقبل يحفزك على العمل، وبالمعدل المعقول فلا بأس، أما إضاعة ساعات أو ساعة في أحلام يقظة. فهذا هروب من الواقع فليراجع نفسه.

    وجوب بر الوالدين

    السؤال: شخص ملتزم ومتعبد ويفعل الخير، لكنه يكره أبويه ويحب موتهما، ولا يعرف هل يدعو عليهما أم لا، ويذكر بعض الأخطاء التربوية التي ارتكبها الأبوان في الصغر من تمييز إخوته عليه ... إلى آخره، وأن أباه وأمه لم يربوهم كما ينبغي؟

    الجواب: هذا نوع من العقوق؛ لأن بر الوالدين واجب بالعقل، ثم جاءت الشريعة بنصوص قاطعة في وجوب بر الوالدين، وأجل ما يؤكد ذلك قول الله سبحانه وتعالى: وَوَصَّيْنَا الإِنسَانَ بِوَالِدَيْهِ [لقمان:14] إلى قوله تعالى: وَإِنْ جَاهَدَاكَ عَلى أَنْ تُشْرِكَ بِي مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ فَلا تُطِعْهُمَا وَصَاحِبْهُمَا فِي الدُّنْيَا مَعْرُوفًا [لقمان:15].

    فقوله تعالى: (وَصَاحِبْهُمَا فِي الدُّنْيَا مَعْرُوفًا) وارد مع هذين الأبوين اللذين يدعوانه إلى الشرك، بل يجاهدانه على أن يشرك بالله، ومع ذلك قال: (وَصَاحِبْهُمَا فِي الدُّنْيَا مَعْرُوفًا)، فلا طاعة لمخلوق في معصية الله، لكن مع ذلك أمر بمصاحبة أمثال هذين الوالدين بالمعروف؛ فهل ما فعله أبواك يصل إلى حد أن يجاهداك على الشرك، حتى تصل إلى هذه الدرجة من العقوق؟ هذا أولاً.

    ثانياً: صحيح أنك تتحدث على النواحي التربوية كثيراً لأهميتها وفائدتها، فحتى لو كان قد أخطأ الأب أو الأم في أسلوب تربية الطفل فإنه لا يسقط حقه في البر؛ لأنه أحسن إليك الإحسان الذي لا يمكن أن تجازيه عليه، وهو أنه تسبب في وجودك في هذه الحياة، فهذه نعمة وإحسان لا تقدر على الوفاء به مع ما فعل.

    ثالثاً: الإنسان لا يعيش تأثير الماضي دائماً، وهناك من يحصر نفسه في الماضي، ويحب تحويل مآسي الماضي إلى حاضر يؤرقه ليل نهار، وأنه ضحية الماضي، فنقول له: دعنا في الحاضر وفي المكان الذي نحن فيه، لا ترجع إلى الوراء، وما مضى فات ومات، واندفن واندثر، فلا تتفرج إلى الماضي وأن أباك فعل كذا، وأمك فعلت كذا، وأنت ناقم عليهما، ففي الغالب أن الأب والأم اللذين يسيئان إلى طفلهما لا يقصدان أي نوع من أنواع الإساءة فعلاً، وهو صادر عن جهل، ولعل جهلهما يشفع لهما، لذا لا تتسرع بالانتقام ممن أحسن إليك أعظم الإحسان وهو أنه كان سبباً في وجودك، فهذا شعور غير سوي، فالأب والأم لا يأخذ الإنسان حقه منهما، أو يرفع قضية على أبيه ويقاضيه.

    وهناك حدود للتعامل مع الأبوين؛ إذ ينبغي مراعاتهما، ولا داعي أن ينجر الإنسان وراء الماضي ويعيش أسيراً لأخطاء الماضي، بحيث يعجز عن أن يواجه مسئوليات الحياة الآن.

    ويبدوا أن هذا السائل خائف من شؤم عقوق الوالدين، فإنه يقول في سؤاله: إنه يتمنى أن لا ينجب أطفالاً. وسأل أكثر من مرة عن حكم منع الحمل نهائياً، لماذا؟ لأنك خائف أن هذا السلوك يتكرر منه بعد ذلك، إذاً: فأحسن إلى والديك تجد عاقبة ذلك في ذريتك، والله تعالى أعلم.

    سن الزواج للذكر والأنثى

    السؤال: هل لا بد من بلوغ سن معين للشاب والفتاة كي يتم الزواج، أم يكفي بلوغهما؟

    الجواب: لا يكفي البلوغ، وإنما لابد معه من النضج؛ لأن في الزواج تحمل مسئولية كبيرة بالنسبة للطرفين، وفي نفس الوقت موضوع النضج الاجتماعي يتفاوت أحياناً من مجتمع إلى مجتمع، من ثقافة إلى ثقافة، ومن شرط إلى شرط، فمن الناس من يتسم بنضج اجتماعي مبكر جداً فهذا لا بأس بزواجه، وفي بعض المجتمعات يربى الأولاد من الطفولة الباكرة على تحمل المسئولية في الصحارى والمزارع ونحو ذلك، ويكون منتجاً من صغره بحيث إنه لا توجد عنده فترة الطفولة الاقتصادية الموجودة في المدن حيث تطول فترة التعليم في الطفولة الاقتصادية، ويظل عبئاً من الناحية المادية، والبنت تؤخر الزواج.

    والثقافة لها أثر على النضج والاستقلالية فهذه مسألة نسبية، لكن على أي الأحوال ما قلته ليس من عندي ولكن من القرآن الكريم: وَابْتَلُوا الْيَتَامَى حَتَّى إِذَا بَلَغُوا النِّكَاحَ فَإِنْ آنَسْتُمْ مِنْهُمْ رُشْدًا فَادْفَعُوا إِلَيْهِمْ أَمْوَالَهُمْ [النساء:6] فتأمل كلمة: (بَلَغُوا النِّكَاحَ) والتي تعبر عن القدرة على الإنجاب، (حَتَّى إِذَا بَلَغُوا النِّكَاحَ) ثم قال: (فَإِنْ آنَسْتُمْ مِنْهُمْ رُشْدًا)، فهذا يدل على أن ليس كل من بلغ ونما جسده يكون قد تم عقله وشخصيته ونضجه الاجتماعي؛ بحيث يتحمل مسئولية خطيرة مثل مسألة الزواج، فالقدرة على الإنجاب والنضج الانفعالي والعاطفي والعقلي والشخصية شيء آخر، إذ لابد من التأكد منه كما قال الله سبحانه وتعالى: (( فَإِنْ آنَسْتُمْ مِنْهُمْ رُشْدًا فَادْفَعُوا إِلَيْهِمْ أَمْوَالَهُمْ )) لكن قد يبلغ النكاح ولكنه ما زال متأخراً في النضج، وبالتالي لا يزوج حتى لا يسفه إذا مكن من هذا المال.

    والنبي صلى الله عليه وسلم قال: (يا معشر الشباب! من استطاع منكم الباءة فليتزوج)ولم يقل: من احتاج إلى الزواج فليتزوج؛ لأن كل الناس محتاجون إليه، لكنه قال: (من استطاع منكم الباءة فليتزوج)، فالزواج لا ينظر إليه على أنه حل لمشكلة.

    إذاً: لابد أن يكون قادراً ومستطيعاً لكل أنواع الاستطاعة، فهو دلالة على الاستطاعة كما قلت من قبل: مثل رسالة (الدكتوراه) لا تعطى لمن يرغب فيها؛ لأن كل الناس ترغب فيها، لكن تعطى لمن يستحقها، فالزواج له ارتباط شديد بكل أنواع الاستطاعة.

    كيفية الصلح بين الزوجين ونصحهما

    السؤال: شخص يعيش مع زوجته وهو في حالة خصام معها أكثر من عام، فماذا نقدم لهما من نصح، وهل هناك آثار تترتب على هذا الخصام؟

    الجواب: لا شك أن هذا وضع لا يرضاه شرعنا الشريف بحال من الأحوال، وهذا نوع من الطلاق يسمى الطلاق النفسي، وهذا ليس تعبيراً شرعياً لكنه تعبير طبي، فالطلاق النفسي بين الزوجين يحصل أحياناً بأن تبقى المرأة على ذمته وبينهما هذا الانفصام.

    الشرع الشريف لا يمكن أن يقر هذا الحال؛ لأن الله سبحانه وتعالى قال: لِلَّذِينَ يُؤْلُونَ مِنْ نِسَائِهِمْ تَرَبُّصُ أَرْبَعَةِ أَشْهُرٍ فَإِنْ فَاءُوا فَإِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ * وَإِنْ عَزَمُوا الطَّلاقَ فَإِنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ عَلِيمٌ [البقرة:226-227] فهذه الآية الكريمة في حق من يولي أي: يحلف أنه لا يقرب امرأته أبداً، ويهجرها.

    فالشرع الشريف حكم في مثل هذا: (لِلَّذِينَ يُؤْلُونَ مِنْ نِسَائِهِمْ تَرَبُّصُ أَرْبَعَةِ أَشْهُرٍ)، فليس في الشريعة ما يخول لك أن تترك المرأة معلقة بهذه الطريقة، وإنما ينظر أربعة أشهر من حين حلفه، فإن رجع وفاء وكفرَّ عن يمينه انتهى الأمر، لكن إن أصر على التمادي لا يسمح له، ولكن: فَإِنْ فَاءُوا فَإِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ * وَإِنْ عَزَمُوا الطَّلاقَ فَإِنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ عَلِيمٌ [البقرة:226-227].

    لكن الإنسان في مثل هذه الحالات لا يبادر بالكلام، لأنه لا يجوز لإنسان أن يعطي نصيحة في خصومة بين طرفين دون أن يسمع حقيقة الأمور؛ لأن البيوت أسرار، فمهما بذل الناس فهم لا يعرفون الغيب، أو لا يطلعون على أسرار البيت، فالإنسان إذا تعجل وانتقد موقف أحد الطرفين دون أن يسمع التفاصيل؛ فربما يفاجأ بأشياء لم تكن في الحسبان، فمثل هذه الأحوال الخاصة التي تخص الأسر ينبغي أن تكتم أسرارها وتلعق جراحها، فلا يتكلم أحد بما لا يعنيه ولا يخوض في حقوق الناس، ولا يظلم هذا ولا ذاك حتى يسمع كل الحقيقة، ثم يتحدث إن كان أهلاً لذلك أو إذا طلب منه أن يحكم، لكن خلاف ذلك لا يجوز للإنسان، لأنه يخوض فيما لا يعنيه، وحل هذه المسألة هو الحكم فيها أمام القاضي الشرعي أو من يصلح بين الناس، والله أعلم.

    كيفية حماية الزوجين من السحر

    السؤال: سؤال عن حماية الزوجين من السحر؛ خصوصاً في أول ليلة زواج؟

    الجواب: الإنسان عموماً يواجه أمثال هذه الأمور بالأذكار والمعوذات والأدعية والرقى الشرعية المعروفة، وأذكار الصباح والمساء أيضاً، وأيضاً التصبح بأكل سبع تمرات، ويفضل أن تكون من عجو المدينة.

    والحقيقة أن الكثير من الحالات المشار إليها هي في الحقيقة ليست عن سحر، ونحن نستسهل جداً اتهام الناس بالسحر، وكل شيء نرجعه إلى السحر، وهذا نوع من الغلو موجود في كثير من الإخوة.

    المقصود من أي مشكلة تعرض أن نتعامل معها بالأسباب العادية؛ فأحياناً يكون الداء هو الوهم والشك، أو عوامل نفسية أخرى، فينبغي الأخذ بالأسباب الطبيعة في جانب، والمضي في الرقى الشرعية؛ لأنه لا سبيل إلى التعاون مع السحر فهو كفر وضلال مبين، فلا يواجه السحر إلا بالأذكار والأدعية الشرعية، وبجانب ذلك الأخذ بالأسباب: بأن يتوجه إلى الطبيب النفسي، والغالب أنها تحل إن شاء الله تعالى بالأسباب العادية، والذي يحصل هو غلو وتنطع كبير في اتهام الناس بأنهم صنعوا سحراً ونحو ذلك.

    ومن ذلك أنه كلما خطبت فتاة تفشل الخطبة، ثم يقال: هذا سحر لكي تفشل الخطبة، فنسبوا المشكلة إلى فعل الآخرين، وهذا يجعل الإنسان لا يمشي في الطريق الصحيح للعلاج، فلابد أن يفتش الإنسان في نفسه لينظر ما الذي يجعل الخطبة تنفسخ، أو ربما هي تقوم بأفعال معينة كي لا يتم الزواج، وهناك قصص كثيرة في مثل هذا، فقد يكون هناك شيء من صنعها هي، أو ربما هي تخرج في كل شخص علة معينة، أو أهلها يتصرفون تصرفات معينة فبالتالي ينفر عنهم الناس، وكلما أخطأنا في التشخيص فإننا نمضي بعيداً جداً عن طريق العلاج الحقيقي، لكن عندما نواجه المشاكل بطريقة موضوعية نستطيع أن نختصر الطريق، ونحل المشكلة بالفعل، والله تعالى أعلم.

    وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين.

    مكتبتك الصوتية

    أو الدخول بحساب

    البث المباشر

    المزيد

    من الفعاليات والمحاضرات الأرشيفية من خدمة البث المباشر

    عدد مرات الاستماع

    3086718659

    عدد مرات الحفظ

    755899280