وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، أرسله بالحق بشيراً ونذيراً بين يدي الساعة، من يطع الله ورسوله فقد رشد، ومن يعص الله ورسوله فلا يضر إلا نفسه ولا يضر الله شيئاً.
وها نحن الآن مع سورة الواقعة المكية، ومع هذه الآيات منها، والله تعالى نسأل أن ينفعنا بما ندرس ونسمع.
أعوذ بالله من الشيطان الرجيم. فَلَوْلا إِذَا بَلَغَتِ الْحُلْقُومَ * وَأَنْتُمْ حِينَئِذٍ تَنظُرُونَ * وَنَحْنُ أَقْرَبُ إِلَيْهِ مِنْكُمْ وَلَكِنْ لا تُبْصِرُونَ * فَلَوْلا إِنْ كُنتُمْ غَيْرَ مَدِينِينَ * تَرْجِعُونَهَا إِنْ كُنتُمْ صَادِقِينَ * فَأَمَّا إِنْ كَانَ مِنَ الْمُقَرَّبِينَ * فَرَوْحٌ وَرَيْحَانٌ وَجَنَّةُ نَعِيمٍ * وَأَمَّا إِنْ كَانَ مِنْ أَصْحَابِ الْيَمِينِ * فَسَلامٌ لَكَ مِنْ أَصْحَابِ الْيَمِينِ * وَأَمَّا إِنْ كَانَ مِنَ الْمُكَذِّبِينَ الضَّالِّينَ * فَنُزُلٌ مِنْ حَمِيمٍ * وَتَصْلِيَةُ جَحِيمٍ * إِنَّ هَذَا لَهُوَ حَقُّ الْيَقِينِ * فَسَبِّحْ بِاسْمِ رَبِّكَ الْعَظِيمِ [الواقعة:83-96].
معاشر المستمعين والمستمعات من المؤمنين والمؤمنات! قول ربنا جل ذكره: فَلَوْلا إِذَا بَلَغَتِ الْحُلْقُومَ [الواقعة:83] تقدم في الآيات المباركة من هذه السورة تقسيم البشرية إلى ثلاثة أقسام, وهم: السابقون، وأصحاب اليمين، وأصحاب الشمال, وقررت الآيات كلها التوحيد, أي: لا إله إلا الله، ونبوة رسولنا محمد صلى الله عليه وسلم, فهو رسول الله، وقررت البعث الآخر والحياة الثانية وما يتم فيها من جزاء على الكسب والعمل في هذه الدنيا.
والآن مع هذه الخاتمة، حيث يقول تعالى: فَلَوْلا إِذَا بَلَغَتِ الْحُلْقُومَ [الواقعة:83] ما هي هذه؟ إنها الروح، تبلغ الحلقوم فتصل إلى مكان ابتلاع الطعام والشراب.
ويقول الشاعر:
أماوي ما يغني الثراء عن الفتى إذا حشرجت يوماً وضاق بها الصدر
أي: الروح.
معشر الأبناء! والله! إننا لمقبلون على هذا واحداً واحداً، والله! لن ينجو منا واحد من هذه، فهيا لنبكي.
يقول تعالى: فَلَوْلا إِذَا بَلَغَتِ [الواقعة:83] الروح الْحُلْقُومَ * وَأَنْتُمْ حِينَئِذٍ [الواقعة:83-84], حين الوقت الذي بلغت فيه الحلقوم تَنظُرُونَ [الواقعة:84], الأطباء والممرضون والعواد وأهل الميت كلهم جالسون ينظرون والروح بلغت الحلقوم، فهيا أرجعوها، ردوها، لو تجتمع البشرية كلها فلن تردها، فكيف يكفرون بالله؟ فكيف لا يؤمنون بلقاء الله؟ كيف لا يؤمنون بوحي الله ورسول الله؟ أين عقولهم؟ لا عقول لهم، أين قلوبهم؟ ميتة.
والجواب دائماً: هو الجهل، فهم بعداء عن ساحة العلم، ما يعرفون شيئاً عن هذا، لا في اليابان ولا في الأمريكان ولا في أوروبا ولا في الصين, كلهم كفار بعداء عن هذه العلوم والمعارف القرآنية، فلا عجب من كفرهم.
فَلَوْلا إِذَا بَلَغَتِ الْحُلْقُومَ * وَأَنْتُمْ حِينَئِذٍ تَنظُرُونَ * وَنَحْنُ أَقْرَبُ إِلَيْهِ مِنْكُمْ وَلَكِنْ لا تُبْصِرُونَ [الواقعة:83-85] ما تشاهدون، فلو كانت الملائكة في شكل أناس فسنشاهدهم، لكن الملك من نور لا يشاهد.
فهلا ترجعون الروح وتردونها بعدما وصلت إلى الحلقوم وتطردون الملائكة فيذهبون ويتركونكم معه إن كنتم صادقين في كفركم وشرككم وباطلكم، وأنه لا إله، وأن الحياة دنيا فقط ولا بعث ولا آخرة ولا نبوة كما كانوا يصرحون ويقولون؟ فإن كنتم صادقين في دعواكم الباطلة أنه لا معبود أبداً، وأنه لا إله، وأن الحياة مادة فقط والناس هكذا؛ فردوا هذه الروح.
فَأَمَّا إِنْ كَانَ مِنَ الْمُقَرَّبِينَ * فَرَوْحٌ وَرَيْحَانٌ [الواقعة:88-89] راحة وسعادة وَجَنَّةُ نَعِيمٍ [الواقعة:89]، اللهم اجعلنا منهم.
فالمقربون الذين يقربهم الله ويدنيهم منه عز وجل يوم القيامة هم الذين آمنوا حق الإيمان، وعبدوا الله واستقاموا على عبادته، فما عصوه ولا فسقوا عن أمره ولا خرجوا عن طاعته حتى توفاهم الله، وأرواحهم كأرواح الملائكة في صفائها وطهرها، هؤلاء في أعلى درجة في الجنة، فاللهم اجعلنا منهم، وباب الله مفتوح، فمن تاب تاب الله عليه.
فَأَمَّا إِنْ كَانَ مِنَ الْمُقَرَّبِينَ * فَرَوْحٌ [الواقعة:88-89] راحة وريحان ونعيم في جنات النعيم، والعطر والطيب أيضاً.
فَسَلامٌ لَكَ [الواقعة:91] أيها الميت، يا من بين أيدينا! سلام لك من أصحاب اليمين في الجنة وفي الدنيا، سلامنا على أصحاب اليمين.
وَأَمَّا إِنْ كَانَ مِنْ أَصْحَابِ الْيَمِينِ [الواقعة:90] فقولوا: سلام عليك يا من هو في أصحاب اليمين، يسلم عليه أهل الجنة كلهم وأهل الإيمان في الدنيا والآخرة، السلام التام، لا عذاب ولا شقاء ولا بلاء, ولكن نعيم في دار السلام مع النبيين والصديقين والشهداء والصالحين, فاللهم اجعلنا منهم.
قال تعالى: فِي سَمُومٍ وَحَمِيمٍ * وَظِلٍّ مِنْ يَحْمُومٍ * لا بَارِدٍ وَلا كَرِيمٍ * إِنَّهُمْ كَانُوا قَبْلَ ذَلِكَ مُتْرَفِينَ * وَكَانُوا يُصِرُّونَ عَلَى الْحِنثِ الْعَظِيمِ * وَكَانُوا يَقُولُونَ أَئِذَا مِتْنَا وَكُنَّا تُرَابًا وَعِظَامًا أَئِنَّا لَمَبْعُوثُونَ [الواقعة:42-47], هؤلاء كما تقدم الحديث عنهم، هؤلاء هم المكذبون.
وهنا يقول تعالى: وَأَمَّا إِنْ كَانَ مِنَ الْمُكَذِّبِينَ [الواقعة:92], ذاك الذي بين أيدينا نحن الممرضين والأطباء وأقاربه وإخوانه، هذا الذي بين أيدينا والروح قد بلغت الحلقوم يقول تعالى عنه: وَأَمَّا إِنْ كَانَ مِنَ الْمُكَذِّبِينَ الضَّالِّينَ * فَنُزُلٌ مِنْ حَمِيمٍ * وَتَصْلِيَةُ جَحِيمٍ [الواقعة:92-94], النزل: الضيافة، نزل في ماء حار لا يذاق ولا يشرب ولا يلمس، ثم احتراق واصطلاء بجهنم.
فالمقربون في جنات النعيم، وأصحاب اليمين سلام عليهم من الله رب العالمين ومن أوليائه وعباده المؤمنين، وأصحاب الشمال من المكذبين الضالين ضيافتهم ماء حار، وتصلية واحتراق بالجحيم.
وانظروا إلى هؤلاء المشركين الكافرين الفاسقين الفاجرين المنكرين لله، المكذبين بدينه وبرسوله، ملايين الخلق كلهم هذا مصيرهم، ويدلك على ذلك أنهم يموتون رغم أنوفهم, فمن يميتهم سوى الله؟ فإذا ماتوا فأرواحهم أين يذهب بها؟ تسلب من هذا الجسم ويذهب بها إلى العذاب الأليم في جهنم والعياذ بالله تعالى.
وَأَمَّا إِنْ كَانَ مِنَ الْمُكَذِّبِينَ الضَّالِّينَ [الواقعة:92] المكذبون من هم؟ كذبوا فقالوا: لا إله والحياة مادة، كذبوا رسول الله فقالوا: ما هو برسول، بل ساحر أو شاعر، كذبوا نزول القرآن فقالوا: ما هو كلام الله, وكفروا وظلوا بعد ذلك في الفسق والفجور والظلم والاعتداء والخبث حتى ماتوا على ذلك.
وَأَمَّا إِنْ كَانَ مِنَ الْمُكَذِّبِينَ [الواقعة:92], ذاك المريض الذي بين أيدينا ووصلت روحه إلى الحلقوم إن كان من المكذبين فَنُزُلٌ مِنْ حَمِيمٍ [الواقعة:93]، والاصطلاء بالجحيم والاحتراق بالجحيم: وَتَصْلِيَةُ جَحِيمٍ [الواقعة:94].
فقال تعالى في نهاية السورة: إِنَّ هَذَا لَهُوَ حَقُّ الْيَقِينِ [الواقعة:95], والله! إن هذا لهو حق اليقين، الحق اليقيني الذي سمعتموه في السورة بكاملها، فجزاء السابقين وأصحاب اليمين وأصحاب الشمال هو حق اليقين.
واعلموا أن هذا يقال عند الركوع, فتقول: سبحان ربي العظيم وبحمده ثلاث مرات، أو خمس مرات، أو سبع مرات, فلما نزلت هذه السورة وفيها: فَسَبِّحْ بِاسْمِ رَبِّكَ الْعَظِيمِ [الواقعة:96] قال صلى الله عليه وسلم: ( اجعلوها في ركوعكم، ولما نزلت: سَبِّحِ اسْمَ رَبِّكَ الأَعْلَى [الأعلى:1] قال: اجعلوها في سجودكم ), وهكذا ما من مؤمن ولا مؤمنة يصلي فيركع إلا ويقول: سبحان ربي العظيم، سبحان ربي العظيم وبحمده ثلاثاً أو خمساً أو سبع مرات أو عشرين مرة حسب صلاته، وإذا سجد قال: سبحان ربي الأعلى، سبحان ربي الأعلى، ثلاثاً، أو خمساً، أو سبعاً، أو تسعاً، أو إحدى عشرة.
( كلمتان خفيفتان على اللسان، ثقيلتان في الميزان, حبيبتان إلى الرحمن ), وزنهما أكثر من الجبال، وحبيبتان إلى الرحمن, وهما سبحان الله وبحمده, سبحان الله العظيم، فخذوا هذا الورد أيها الغافلون، فمن الليلة قله على الأقل مائة مرة في الصباح، وفي المساء، وفي القيلولة، في أي وقت: سبحان الله وبحمده، سبحان الله العظيم.
وقبل صلاة الصبح قل: سبحان الله وبحمده، سبحان الله العظيم، أستغفر الله, فصاحب هذا الورد ما يفقر ولا يحتاج إلى أحد، والله! لقد تعلمناه ونحن صبيان، وما تركناه ولا فارقناه، والله! ما طلبت شيئاً من أحد ولا طلبت درهماً من أحد، وأنا في هذه السنة ابن ثمانين سنة، فخذوا هذا، فقد عرفناه في الصبا، فمن قال قبل صلاة الصبح: سبحان الله وبحمده, سبحان الله العظيم، أستغفر الله مائة مرة؛ أغناه الله ولا يفقره ولا يحوجه إلى أحد أبداً.
وهل هذا صعب؟ أما قال الرسول صلى الله وعليه وسلم: ( خفيفتان على اللسان )؟ وإن أردت أن يغنيك الله عن غيرك فزد: أستغفر الله, فتقول: سبحان الله وبحمده، سبحان الله العظيم، أستغفر الله.
والله تعالى أسأل أن يثبتنا على هذا القول.
قال المؤلف غفر الله له ولكم ورحمه وإياكم والمؤمنين:
[ هداية الآيات:
من هداية الآيات:
أولاً: تقرير عقيدة البعث والجزاء ].
من هداية هذه الآيات التي تدارسناها: تقرير عقيدة البعث والجزاء, أننا نبعث من قبورنا أحياء كما كنا، ونحاسب بين يدي الله، ونجزى إما بالجنة إذا كانت النفوس زكية طيبة طاهرة بالإيمان وصالح الأعمال, وإما بجهنم عالم الشقاء إذا كانت النفوس خبيثة منتنة بالشرك والفسق والفجور.
[ ثانياً: بيان عجز كل الناس أمام قدرة الله تعالى ].
من هداية هذه الآيات: بيان عجز كل الناس عما يريده الله عز وجل، فالبشرية كلها عاجزة عن قدرة الله, ما الدليل؟ الدليل أن الروح تؤخذ فما يستطيع أهل البلاد أن يردوها، الأمة كلها لا تقدر على هذا، فقد أخذ الله تعالى ستالين وروحه، فهل استطاعوا رده؟ هذا دليل على عجز البشرية عن قدرة الله, فقولوا: آمنا بالله، آمنا بالله.
[ ثالثاً: أن في عجز الإنسان عن رد روح المحتضر ليعيش بعد ذلك ولو ساعة دليلاً على أنه لا إله إلا الله ].
من هداية الآيات: كوننا عاجزين عن رد الروح وقد بلغت الحلقوم، ما نستطيع أن نردها إلى الجسم ليحيا ولو ساعة, هذا فيه دليل على أنه لا إله إلا الله، فآمنا بالله، آمنا بالله، لا معبود بحق إلا الله.
[ رابعاً: بيان فضل السابقين عن أصحاب اليمين ].
من هداية الآيات: بيان فضل السابقين على أصحاب اليمين، أما أخبر تعالى عن السابقين أنهم في جنات النعيم؟ وأصحاب اليمين قال عنهم: وَأَمَّا إِنْ كَانَ مِنْ أَصْحَابِ الْيَمِينِ * فَسَلامٌ لَكَ مِنْ أَصْحَابِ الْيَمِينِ [الواقعة:90-91], ففي الآية بيان فضل السابقين على أصحاب اليمين، ونحن نسأل الله أن نكون من الأولين أو الآخرين، إما من السابقين أو من أصحاب اليمين.
[ خامساً: القرآن الكريم أحكامه كلها عدل، وأخباره كلها صدق ].
من هداية الآيات: القرآن الكريم أخباره كلها صدق، وأحكامه كلها عدل، ما هناك كلمة كذب في القرآن بكامله، كل ما يخبر به هو حق كما هو صدق، أخباره صدق وأحكامه كلها عدل، سواء كان قطع اليد أو قتل النفس، أحكام الله في كتابه كلها عدل من الله عز وجل، فويل للمعرضين عن كتاب الله!
[ سادساً: مشروعية قول العبد: سبحان الله وبحمده, سبحان الله العظيم، وهما من الكلم الطيب، وكذا: سبحان ربي العظيم حال الركوع ].
من هداية هذه الآيات: مشروعية هذا التسبيح: سبحان الله وبحمده، سبحان الله العظيم, مائة مرة، سبعين مرة، خمس مرات، قلها ما شئت، ثم: (سبحان ربي العظيم) في الركوع، و(سبحان ربي الأعلى) في السجود، ما يترك هذا مؤمن ولا مؤمنة، والذي يسرع في صلاته فيقول: الله أكبر الله أكبر متى يسبح؟ كيف يسبح؟
فعلى المصلي أن يقول: سبحان ربي الأعلى، سبحان ربي الأعلى، سبحان ربي الأعلى، على الأقل ثلاث مرات ويرفع رأسه، وفي الركوع كذلك: سبحان ربي العظيم، سبحان ربي العظيم، سبحان ربي العظيم وبحمده, ويرفع رأسه، أما أن يقول في سرعة: الله أكبر الله أكبر فتلك صلاة الغافلين التي ما فيها تسبيح في الركوع ولا في السجود.
وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
من الفعاليات والمحاضرات الأرشيفية من خدمة البث المباشر