قال الإمام أبو داود السجستاني رحمه الله تعالى: [ باب فيمن أعتق نصيباً له من مملوك.
حدثنا أبو الوليد الطيالسي حدثنا همام /ح وحدثنا محمد بن كثير المعنى، أخبرنا همام عن قتادة عن أبي المليح -قال أبو الوليد - عن أبيه رضي الله عنه: (أن رجلاً أعتق شقصاً له من غلام، فذكر ذلك للنبي صلى الله عليه وآله وسلم فقال: ليس لله شريك). زاد ابن كثير في حديثه: (فأجاز النبي صلى الله عليه وآله وسلم عتقه) ].
قال الإمام أبو داود السجستاني رحمه الله تعالى: [ باب فيمن أعتق نصيباً له من مملوك ].
أي: أن المملوك إذا كان مشتركاً بين شخصين أو أكثر فأعتق أحدهم نصيبه، فإن ذلك العتق ينفذ، وعلى هذا المعتق أيضاً أن يقوم بعتق الباقي، وذلك بأن يدفع قيمة ما تبقى لشريكه فيعتق كله بذلك، حيث يكون الشخص المعتق موسراً فإنه يعتق سهمه، وعليه أن يقوم بدفع قيمة الجزء الباقي لشريكه حتى يكون بذلك قد عتق كله.
وهذا فيه تشوف الشرع إلى الحرية في حق الأرقاء، وأن الشرع جاء بالاهتمام والعناية بحصول الإعتاق، فإذا أعتق شخص سهماً له في عبد فإن عليه -إذا كان موسراً- أن يدفع قيمة جزئه الباقي لشريكه فيعتق بذلك كله، وهذا في حال كونه موسراً.
ومن المعلوم أن من بين الأمور التي يكفر بها عن المرء ذنوبه إعتاق الرقبة، بل إنها تُقدم في كثير من الكفارات كما في القتل الخطأ، وكما في الجماع في نهار رمضان والظهار، فإن العتق يكون أولاً ثم ينتقل بعده إلى صيام الشهرين، وإنما جاء التخيير بين العتق وبين غيره في كفارة اليمين، وإلا فإن كثيراً من الكفارات يبدأ فيها أولاً بالعتق، وهو مقدم على صوم الشهرين المتتابعين، وهذا كله يدل على الاهتمام والعناية من الشرع بالأرقاء والحث والترغيب وبيان الوسائل التي يكون بها الإعتاق.
وقد أورد أبو داود حديث أسامة بن عمير الهذلي رضي الله عنه قال: (أن رجلاً أعتق شقصاً له من غلام، فذكر ذلك للنبي صلى الله عليه وسلم فقال: ليس لله شريك).
زاد ابن كثير في حديثه: (فأجاز النبي صلى الله عليه وسلم عتقه).
قوله: (أن رجلاً أعتق شقصاً له في غلام) ، يعني: عبداً مشتركاً، (فبلغ ذلك النبي صلى الله عليه وسلم فقال: ليس لله شريك) بمعنى: أنه أعتق بعضه وصار حراً لوجه الله، فإن الشرع جاء بإضافة الجزء الباقي إلى الذي عتق فيعتق كله ويكون كله خالصاً لله.
وهذا فيما إذا كان المعتق موسراً، وأما إذا كان معسراً فله حالة أخرى كما سيأتي في الأحاديث.
قوله: (فأجاز النبي صلى الله عليه وسلم عتقه).
أي: أن العتق معتبر، ولكن الشيء الذي أضيف إلى هذا العتق هو قيام المعتق لجزء منه بدفع قيمة الجزء الباقي لشريكه؛ فيكون العبد كله حراً لوجه الله عز وجل.
قوله: [ حدثنا أبو الوليد الطيالسي ].
أبو الوليد الطيالسي هشام بن عبد الملك ، ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[ حدثنا همام ].
عن همام بن يحيى العوذي ، ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[ ح وحدثنا محمد بن كثير ].
محمد بن كثير العبدي ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
همام مر ذكره، وقتادة بن دعامة السدوسي البصري ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[ عن أبي المليح ].
أسامة بن عمير ، قيل: اسمه عامر وقيل غير ذلك، وهو ثقة أخرج له أصحاب الكتب الستة.
عن أبيه أسامة بن عمير الهذلي رضي الله عنه، وهو صحابي أخرج حديثه أصحاب السنن.
قال المصنف رحمه الله تعالى: [ حدثنا محمد بن كثير أخبرني همام عن قتادة عن النضر بن أنس ، عن بشير بن نهيك ، عن أبي هريرة رضي الله عنه: (أن رجلاً أعتق شقصاً له من غلام فأجاز النبي صلى الله عليه وسلم عتقه، وغرمه بقية ثمنه) ].
حديث أبي هريرة مثل الذي قبله إلا أن فيه التنصيص على تغريمه أو قيامه بقيمة السهم الباقي لشريكه، فـأبو هريرة يروي: (أن رجلاً أعتق شركاً له في مال فأجاز النبي صلى الله عليه وسلم عتقه، وغرمه بقية ثمنه لشريكه)، بمعنى: أن الجزء الذي يملكه قد أعتقه، وعليه أن يقوم بإعتاق الباقي بأن يدفع قيمة الجزء الباقي لشريكه، فيكون كله حراً، ويكون ولاؤه له.
قوله: [ حدثنا محمد بن كثير أخبرني همام عن قتادة عن النضر بن أنس ].
النضر بن أنس ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[ عن بشير بن نهيك ].
بشير بن نهيك ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[ عن أبي هريرة ].
أبو هريرة عبد الرحمن بن صخر الدوسي صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم، وأكثر أصحابه حديثاً رضي الله عنه وأرضاه.
قال المصنف رحمه الله تعالى: [ حدثنا محمد بن المثنى حدثنا محمد بن جعفر ح وحدثنا أحمد بن علي بن سويد حدثنا روح قالا: حدثنا شعبة عن قتادة بإسناده عن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم قال: (من أعتق مملوكاً بينه وبين آخر فعليه خلاصه) ، وهذا لفظ ابن سويد ].
أورد أبو داود الحديث من طريق أخرى عن أبي هريرة وهو مثل الذي قبله: (أن من أعتق شركاً له في عبد فعليه خلاص باقيه من شريكه)، وذلك بدفع ثمنه أو قيمة جزئه الباقي له، فيكون على المعتق الأول الذي أعتق الجزء الذي يملكه أن يعتق الباقي بأن يدفع قيمته لشريكه، ويكون كله حراً.
وفي الحديث أن الشريك في العبد المعتق بعضه يجبر على بيع نصيبه منه ليعتق.
قوله: [ حدثنا محمد بن المثنى ].
محمد بن المثنى العنزي أبو موسى الملقب بـالزمن ، ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة، وهو شيخ لأصحاب الكتب الستة رووا عنه مباشرة وبدون واسطة.
[ حدثنا محمد بن جعفر ].
محمد بن جعفر الملقب غندر البصري ، ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[ ح وحدثنا أحمد بن علي بن سويد ].
ثم قال ح، وهي للتحول من إسناد إلى إسناد، وأحمد بن علي بن سويد صدوق أخرج له البخاري وأبو داود والنسائي.
[ حدثنا روح ].
روح بن عبادة وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[ حدثنا شعبة ].
شعبة بن الحجاج الواسطي ثم البصري ، وهو ثقة أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[ عن قتادة بإسناده ].
قتادة بالإسناد المتقدم.
قال المصنف رحمه الله تعالى: [حدثنا ابن المثنى حدثنا معاذ بن هشام حدثني أبي.
ح وحدثنا أحمد بن علي بن سويد حدثنا روح حدثنا هشام بن أبي عبد الله عن قتادة بإسناده: أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (من أعتق نصيباً له في مملوك عتق من ماله إن كان له مال).
ولم يذكر ابن المثنى النضر بن أنس ، وهذا لفظ ابن سويد ].
أورد أبو داود الحديث من طريق أخرى، وهو مثل ما تقدم: أنه يعتق عليه باقيه إن كان له مال، بمعنى: أنه يلزمه أن يدفع قيمة الجزء الباقي لشريكه ويعتق بذلك.
قوله: [ حدثنا ابن المثنى عن معاذ بن هشام ].
معاذ بن هشام صدوق ربما وهم، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[ عن أبيه ].
هشام بن عبد الله الدستوائي ، ثقة أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[ ح وحدثنا أحمد بن علي بن سويد حدثنا روح حدثنا هشام بن أبي عبد الله عن قتادة بإسناده. ولم يذكر المثنى النضر بن أنس ، وهذا لفظ ابن سويد ].
أي: لم يذكر المثنى إحدى الطريقين وهي طريق النضر بن أنس الذي هو في الطريق السابقة قبل بشير بن نهيك .
وهذا لفظ ابن سويد الذي هو الشيخ الثاني.
هل يجوز الاشتراك في العبد سواء كان ذكراً أو أنثى؟
نعم يمكن الاشتراك، وأيضاً الاشتراك أحياناً يحصل في الميراث، بحيث إنه لا مندوحة منه، فيمكن أن يكون الاشتراك فيه سواء بالشراء أو بالميراث.
وأما إن كانت جارية فلا يكون حق التسري لهما جميعاً، ويمكن أن تكون لواحد منهما.
قال المصنف رحمه الله تعالى: [ باب من ذكر السعاية في هذا الحديث.
حدثنا مسلم بن إبراهيم حدثنا أبان -يعني: العطار - حدثنا قتادة عن النضر بن أنس عن بشير بن نهيك ، عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال النبي صلى الله عليه وسلم: (من أعتق شقيصاً في مملوكه فعليه أن يعتقه كله إن كان له مال، وإلا استسعي العبد غير مشقوق عليه) ].
أورد أبو داود هذه الترجمة: [ باب من ذكر السعاية في هذا الحديث ] يعني: من زاد السعاية، فالذي مر هو أن المعتق الذي أعتق شقصه إن كان له مال لزمه إعتاق الباقي، لكن إذا لم يكن له مال فقد جاء في بعض الأحاديث ما يدل على أنه يعمل أيضاً على العتق، وذلك بأن يستسعى العبد، بمعنى: أنه يسعى لتحصيل قيمة الجزء الباقي للشريك فيجمعها ويحصلها ثم تدفع إليه ويعتق، وهذه هي السعاية أو الاستسعاء.
والمعنى أنه: إذا كان الشريك الذي أعتق موسراً يلزمه عتق الباقي، وإن لم يكن موسراً سعى إلى تحصيل العتق بعد الرق، وذلك بأن يطلب من العبد أن يسعى في تحصيل قيمة الجزء الباقي ويدفعها للشريك الذي لم يعتق، ثم يعتق بعد ذلك.
قوله: (شقيصاً) مثل شقص، يعني جزءاً، والشقص السهم.
(في مملوكه) يعني: هو مشترك بينه وبين غيره فإن كان للمالك مال، قام بعتق الباقي ودفع المال للشريك، وإن لم يكن فإنه يستسعى العبد بأن يقوم قيمة عدل لا وكس ولا شطط ولا ارتفاع ولا انخفاض، وإنما هي القيمة التي لا زيادة فيها ولا نقصان، ويسعى العبد في تحصيل قيمة الجزء الباقي، ثم يدفع لمالكه الذي لم يحصل منه العتق.
يقول: (وإلا استسعي العبد غير مشقوق عليه)، فلا يكلف ولا يشق عليه في ذلك، يعني: أنه يقوم بهذا على حسب طاقته ووسعه.
والترجمة فيها إشارة إلى اختلاف الرواة؛ فمن العلماء من تكلم فيها وقال: إن هذه الزيادة ذكرها بعض الرواة دون بعض، لكن الصحيح أنها معتبرة وثابتة، وذلك أن صاحبي الصحيح أخرجاها في صحيحيهما، وجاءت عن جماعة من العلماء رووها واتفقوا على روايتها، فهي معتبرة، والأصل عدم الإدراج، وكون صاحبي الصحيح أثبتاها وأثبتها غيرهما بدون إدراج فإن هذا يدل على أنها من كلام الرسول صلى الله عليه وسلم، وأنها حكم من الأحكام الشرعية، وهي زيادة رواها ثقات، ومن حفظ حجة على من لم يحفظ.
قوله: [ حدثنا مسلم بن إبراهيم ].
مسلم بن إبراهيم الفراهيدي ، ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[ حدثنا أبان -يعني: العطار - ].
أبان بن يزيد العطار ، ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة إلا ابن ماجة .
[ حدثنا قتادة عن النضر بن أنس عن بشير بن نهيك عن أبي هريرة].
وقد مر ذكرهم.
تنبيه: إذا أعتق الشريكان العبد المشترك بينهما فإن الولاء يكون لهما جميعاً.
قال المصنف رحمه الله تعالى: [ حدثنا نصر بن علي أخبرنا يزيد -يعني: ابن زريع .
ح وحدثنا علي بن عبد الله حدثنا محمد بن بشر -وهذا لفظه- عن سعيد بن أبي عروبة عن قتادة عن النضر بن أنس عن بشير بن نهيك عن أبي هريرة رضي الله عنه عن رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم قال: (من أعتق شقصاً له -أو شقيصاً له- في مملوك فخلاصه عليه في ماله إن كان له مال، فإن لم يكن له مال قوم العبد قيمة عدل، ثم استسعي لصاحبه في قيمته غير مشقوق عليه) ].
أورد أبو داود حديث أبي هريرة من طريق أخرى وهو مثل الذي قبله.
قوله: [ حدثنا نصر بن علي ].
نصر بن علي بن نصر بن علي الجهضمي ، ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[ أخبرنا يزيد -يعني: ابن زريع - ].
يزيد بن زريع ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[ ح وحدثنا علي بن عبد الله ].
هو ابن المديني ، وهو ثقة أخرج له البخاري وأبو داود والترمذي والنسائي وابن ماجة في التفسير.
[ حدثنا محمد بن بشر ].
محمد بن بشر ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[ عن سعيد بن أبي عروبة ].
سعيد بن أبي عروبة ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[ عن قتادة ، عن النضر بن أنس ، عن بشير بن نهيك ، عن أبي هريرة ].
وقد مر ذكرهم.
قال أبو داود : [ في حديثهما جميعاً: (استسعي غير مشقوق عليه) وهذا لفظ علي ]، أي: الشيخ الثاني في الإسناد.
قال المصنف رحمه الله تعالى: [ حدثنا محمد بن بشار ، حدثنا يحيى وابن أبي عدي عن سعيد بإسناده ومعناه ].
أورد أبو داود الحديث من طريق أخرى وأحال على ما تقدم.
[ حدثنا محمد بن بشار ].
هو الملقب بندار البصري ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[ حدثنا يحيى ].
يحيى بن سعيد القطان البصري ، ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[ وابن أبي عدي ].
هو محمد بن إبراهيم بن أبي عدي ، ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[ عن سعيد بإسناده ومعناه ].
وهو ابن أبي عروبة.
قال أبو داود : [ ورواه روح بن عبادة عن سعيد بن أبي عروبة لم يذكر السعاية ].
يعني: أنه وقف عند ذكر أن على صاحبه الذي أعتق شقصه خلاصه إن كان له مال. ولم يذكر السعاية التي مرت في هذه الطرق.
[ ورواه جرير بن حازم وموسى بن خلف جميعاً عن قتادة بإسناد يزيد بن زريع ومعناه، وذكرا فيه السعاية ].
وهذا فيه أن جماعة من الرواة رووه أيضاً بإسناد آخر وذكروا فيه السعاية، وهؤلاء بالإضافة إلى الذين ذكروه من قبل ورووه عن سعيد بن أبي عروبة .
قوله: [ ورواه جرير بن حازم ].
جرير بن حازم ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[ وموسى بن خلف ].
موسى بن خلف صدوق له أوهام، أخرج له البخاري تعليقاً وأبو داود والنسائي .
ومن قال بأن هذه الزيادة مدرجة فالمعنى أنها ليست بلازمة، أعني السعاية أو الاستسعاء.
قال المصنف رحمه الله تعالى: [ باب فيمن روى أنه لا يستسعى.
حدثنا القعنبي عن مالك عن نافع عن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (من أعتق شركاً له في مملوك أقيم له قيمة العدل، فأعطى شركاءه حصصهم، وأعتق عليه العبد، وإلا فقد عتق منه ما عتق) ].
أورد أبو داود هذه الترجمة: باب فيمن روى أنه لا يستسعى، ومعناه: أنه اقتصر على ذكر إلزام المعتق إن كان له مال أن يعتقه، وإلا فإنه قد عتق منه ما عتق، فليس هناك سعاية، أي فالذي عتق قد عتق والباقي باق على رقه ولم تذكر السعاية، فيكون مبعضاً: نصفه حر ونصفه عبد.
قوله: (أقيم عليه)، يعني: قوم قيمة معتدلة ليس فيها زيادة أو نقصان.
قوله: (فأعطى شركاءه)، أي: أن الذي أعتق الشرك أو الشقص يعطي شركاءه حصصهم من المال وعتق باقي العبد على المعتِق الأول، وإن لم يكن له مال فقد عتق من العبد ما عتق والباقي يبقى على رقه، أي: في ملك الشريك الثاني الذي لم يحصل منه العتق.
ولكن الاستسعاء ثابت في الصحيحين وفي غيرهما، فإذا احتيج إليه يصار إليه، وإن كان العبد لم يقم بالسعي فإنه يعتق ما عتق، ويكون العبد مبعضاً: نصفه حر ونصفه عبد.
قوله: [ حدثنا القعنبي ].
هو عبد الله بن مسلمة بن قعنب ، ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة إلا ابن ماجة .
[ عن مالك ].
مالك بن أنس إمام دار الهجرة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[ عن نافع ].
نافع مولى ابن عمر ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[ عن عبد الله بن عمر ].
عبد الله بن عمر بن الخطاب رضي الله عنهما، الصحابي الجليل أحد العبادلة الأربعة من الصحابة، وأحد السبعة المعروفين بكثرة الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم.
المبعض: هو الذي نصفه حر ونصفه عبد، أو بعضه حر وبعضه عبد، ومنافعه لا يملكها الذي يملك جزأه، وإنما يملك بعض منافعه، بمعنى: أنه يوم له ويوم للثاني مثلاً، أو شهر له وشهر لنفسه، فهو يستفيد مما به من الحرية، فلا يملك إلا نصف منافعه ونصفها الآخر مملوك سيده.
قال المصنف رحمه الله تعالى: [ حدثنا مؤمل حدثنا إسماعيل عن أيوب عن نافع عن ابن عمر رضي الله عنهما عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم بمعناه، قال: وكان نافع ربما قال: (فقد عتق منه ما عتق)، وربما لم يقله ].
أورد أبو داود الحديث من طريق أخرى، وقال بأن نافعاً ربما قال في روايته: (فقد عتق منه ما عتق) وهذا مثل ما في الرواية السابقة، وربما لم يقله وسكت عن هذه الجملة، ولم يتعرض لها لا إثباتاً ولا نفياً.
قوله: [ حدثنا مؤمل ].
هو ابن إهاب ثقة، أخرج له البخاري وأبو داود والنسائي ].
[ عن إسماعيل ].
وهو ابن علية ، ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[ عن أيوب ].
أيوب بن أبي تميمة السختياني ، ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
وقد مر ذكرهما.
قال المصنف رحمه الله تعالى: [ حدثنا سليمان بن داود العتكي حدثنا حماد عن أيوب عن نافع عن ابن عمر رضي الله عنهما عن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم بهذا الحديث، قال أيوب : فلا أدري هو في الحديث عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم أو شيء قاله نافع : (وإلا عتق منه ما عتق) ].
أورد أبو داود الحديث من طريق أخرى، وذكر أيوب أن جملة: (وإلا عتق منه ما عتق) لا يدري هل هي من الحديث أو من كلام نافع .
قوله: [ حدثنا سليمان بن داود العتكي ].
هو أبو الربيع الزهراني ، ثقة أخرج حديثه البخاري ومسلم وأبو داود والنسائي .
[ حدثنا حماد ].
هو ابن زيد ، ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[ عن أيوب ، عن نافع ، عن ابن عمر ].
وقد مر ذكر الثلاثة.
قال المصنف رحمه الله تعالى: [ حدثنا إبراهيم بن موسى الرازي أخبرنا عيسى بن يونس حدثنا عبيد الله عن نافع عن ابن عمر رضي الله عنهما قال: قال رسول الله صلى عليه وآله وسلم: (من أعتق شركاً من مملوك له فعليه عتقه كله إن كان له ما يبلغ ثمنه، وإن لم يكن له مال عتق نصيبه) ].
أورد أبو داود حديث ابن عمر من طريق أخرى غير طريق نافع ، وفيها ما في التي قبلها: (وإلا عتق منه ما عتق)، فتكون مطابقة للرواية الأولى التي صدر بها أبو داود رحمه الله الروايات التي جاءت عن ابن عمر ، فإن رواية عبيد الله عن نافع مطابقة للرواية الأولى التي هي عن نافع عن ابن عمر .
قوله: [ حدثنا إبراهيم بن موسى الرازي ].
إبراهيم بن موسى الرازي ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[ أخبرنا عيسى بن يونس ].
عيسى بن يونس بن أبي إسحاق السبيعي ، ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[ حدثنا عبيد الله ].
عبيد الله بن عمر بن حفص بن عاصم بن عمر العمري المصغر، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
قال المصنف رحمه الله تعالى: [ حدثنا مخلد بن خالد حدثنا يزيد بن هارون أخبرني يحيى بن سعيد عن نافع عن ابن عمر رضي الله عنهما عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم بمعنى إبراهيم بن موسى ].
أورد الحديث من طريق أخرى وهي إحالة على الطريق الأخيرة التي فيها ما في الطريق الأولى التي هي أنه عتق منه ما عتق.
قوله: [ حدثنا مخلد بن خالد ].
مخلد بن خالد ثقة، أخرج له مسلم وأبو داود .
[ حدثنا يزيد بن هارون ].
يزيد بن هارون الواسطي ، ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[ أخبرني يحيى بن سعيد ].
يحيى بن سعيد الأنصاري ، ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
وقد مر ذكرهما.
والأحاديث تدل على أن الذي أعتق نصيبه وهو موسر يجب عليه عتق نصيب غيره.
قال المصنف رحمه الله تعالى: [ حدثنا عبد الله بن محمد بن أسماء حدثنا جويرية عن نافع عن ابن عمر رضي الله عنهما عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم بمعنى مالك ، ولم يذكر: (وإلا فقد عتق منه ما عتق) ، انتهى حديثه إلى: (وأعتق عليه العبد) على معناه ].
أورد أبو داود الحديث من طريق أخرى وهو مثل ما تقدم.
قوله: [ حدثنا عبد الله بن محمد بن أسماء ].
عبد الله بن محمد بن أسماء ثقة، أخرج حديثه البخاري ومسلم وأبو داود والنسائي .
[ حدثنا جويرية ].
هو عمه جويرية بن أسماء ، وهو صدوق أخرج له أصحاب الكتب الستة إلا الترمذي .
وقد مر ذكرهما.
قال المصنف رحمه الله تعالى: [ حدثنا الحسن بن علي حدثنا عبد الرزاق أخبرنا معمر عن الزهري عن سالم عن ابن عمر رضي الله عنهما: أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال: (من أعتق شركاً له في عبد عتق منه ما بقي في ماله إذا كان له ما يبلغ ثمن العبد) ].
أورد أبو داود حديث ابن عمر من طريق أخرى وهي طريق سالم والطرق التي مرت كلها من طريق نافع عن ابن عمر ، وهذه من طريق ابنه سالم بن عبد الله بن عمر ولفظه: (من أعتق شركاً له في عبد عتق منه ما بقي في ماله إذا كان له ما يبلغ ثمن العبد)، فإذا كان للمعتق شقصه ما يبلغ ثمن العبد فإنه يعتق عليه في ماله.
قوله: [ حدثنا الحسن بن علي ].
الحسن بن علي الحلواني ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة إلا النسائي .
[ حدثنا عبد الرزاق ].
عبد الرزاق بن همام الصنعاني اليماني ، ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[ أخبرنا معمر ].
معمر بن راشد الأزدي البصري ثم اليماني، ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[ عن الزهري ].
محمد بن مسلم بن عبيد الله بن شهاب الزهري ، ثقة فقيه، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[ عن سالم ].
سالم بن عبد الله بن عمر ، وهو ثقة فقيه، أحد فقهاء المدينة السبعة في عصر التابعين على أحد الأقوال الثلاثة في السابع منهم؛ لأن فقهاء المدينة السبعة ستة متفق على عدهم في الفقهاء السبعة، والسابع مختلف فيه على ثلاثة أقوال: الأول: أنه سالم بن عبد الله بن عمر ، والثاني: أبو بكر بن عبد الرحمن بن الحارث بن هشام ، والثالث: أبو سلمة بن عبد الرحمن بن عوف .
والستة الباقون متفق على عدهم في الفقهاء السبعة وهم: عبيد الله بن عبد الله بن عتبة بن مسعود ، وخارجة بن زيد بن ثابت ، والقاسم بن محمد بن أبي بكر الصديق ، وعروة بن الزبير بن العوام ، وسعيد بن المسيب ، وسليمان بن يسار .
[ عن أبيه ].
وقد مر ذكره.
قال المصنف رحمه الله تعالى: [ حدثنا أحمد بن حنبل حدثنا سفيان عن عمرو بن دينار عن سالم عن أبيه رضي الله عنه يبلغ به النبي صلى الله عليه وسلم: (إذا كان العبد بين اثنين فأعتق أحدهما نصيبه فإن كان موسراً يقوم عليه قيمة لا وكس ولا شطط ثم يعتق) ].
وهذا مثل الذي قبله.
قوله: [ حدثنا أحمد بن حنبل ].
أحمد بن محمد بن حنبل الشيباني الإمام الفقيه، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[ حدثنا سفيان ].
هو ابن عيينة المكي ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[ عن عمرو بن دينار ].
عمرو بن دينار ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[ عن سالم عن أبيه ].
وقد مر ذكرهما.
[ يبلغ به النبي صلى الله عليه وسلم ].
معناه: أنه يرفعه إلى النبي صلى الله عليه وسلم، ويوصله إلى النبي صلى الله عليه وسلم.
ويحتمل أن يعبر بهذه العبارة عندما يكون الإنسان غير جازم بالصيغة التي قالها في إضافتها إلى النبي صلى الله عليه وسلم، هل قال: (سمعت) أو قال: (قال) أو قال: (عن)، فإن كلمة (يبلغ به) هذه تحتمل هذه الأمور كلها، ومعناها أنه يرفعه إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم.
قال المصنف رحمه الله تعالى: [ حدثنا أحمد بن حنبل حدثنا محمد بن جعفر حدثنا شعبة عن خالد عن أبي بشر العنبري عن ابن التلب عن أبيه رضي الله عنه: (أن رجلاً أعتق نصيباً له من مملوك فلم يضمنه النبي صلى الله عليه وآله وسلم).
قال أحمد : إنما هو بالتاء، يعني: التلب، وكان شعبة ألثغ لم يبين التاء من الثاء ].
أورد أبو داود حديث ابن التلب عن أبيه رضي الله تعالى عنه: (أن رجلاً أعتق نصيباً له من مملوك فلم يضمنه النبي صلى الله عليه وسلم).
قوله: (لم يضمنه) يخالف كل ما تقدم من الأحاديث السابقة التي فيها تضمينه وإلزامه بأن يدفع قيمة الجزء الباقي منه ويعتق عليه بذلك.
والحديث فيه رجل مستور، أي: مجهول الحال، فهو غير ثابت، لكن لو ثبت فإنه يحمل على أنه كان معسراً، فإنه لا يضمن إذا كان معسراً، وإنما يضمن إذا كان موسراً، لكن الحديث كما هو معلوم فيه مجهول الحال، وعلى هذا فلا يقاوم الأحاديث الكثيرة السابقة التي فيها التنصيص على أنه يعتق عليه، وأنه يلزمه قيمة الجزء الباقي لشريكه.
قوله: [ حدثنا أحمد بن حنبل حدثنا محمد بن جعفر حدثنا شعبة عن خالد ].
خالد هو ابن مهران الحذاء ، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[ عن أبي بشر العنبري ].
وهو الوليد بن مسلم ، ثقة، أخرج له البخاري في جزء القراءة وأبو داود والنسائي .
[ عن ابن التلب ].
عن ابن التلب أو الثلب واسمه ملقام ، وهو مستور، أخرج حديثه أبو داود والنسائي .
[ عن أبيه ].
وهو صحابي أخرج حديثه أبو داود والنسائي .
[ قال أحمد : إنما هو بالتاء -يعني: التلب -، وكان شعبة ألثغ لم يبين التاء من الثاء ].
السؤال: ما معنى: (إلا استسعي)؟
الجواب: أي أن العبد لا يكلف بأن يبحث ويسعى في تحصيل قيمة الجزء الباقي من قيمته ليدفعها للشخص الذي لم يحصل منه العتق، (وهو الشريك).
السؤال: هل المكاتبة واجبة إذا طلبها العبد من سيده؟
الجواب: لا، ليست واجبة؛ لأن المكاتبة معناها حصول العتق ولزومه بها، والإنسان ليس ملزماً بأن يعتق مملوكه، وقوله: (وَالَّذِينَ يَبْتَغُونَ الْكِتَابَ مِمَّا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ فَكَاتِبُوهُمْ إِنْ عَلِمْتُمْ فِيهِمْ خَيْرًا [النور:33] ليس للوجوب.
السؤال: إذا أعتق بعض العبد وبقي بعضه الآخر، فهل يكون الولاء لمن أعتق باعتبار ما أعتق منه؟
الجواب: نعم يكون الولاء والإرث له، لكن إن كان له أولاد أو أقارب من النسب فهم مقدمون، والولاء يكون آخر شيء، فالولاء يأتي عندما تنتهي جميع الجهات التي تكون من طريق النسب؛ لأنه آخر طبقة من طبقات الوارثين.
السؤال: ذكر كل هذه الروايات من أبي داود هل يريد من ورائها أن رواية: (فقد عتق منه ما عتق) مدرجة في الحديث؟
الجواب: لا يدل على هذا؛ لأن قوله: (وإلا عتق منه ما عتق) جاءت مجزوماً بها بدون تردد؛ لأن الذي حصل هو التردد أو الجزم، والجزم حصل من طريق نافع وسالم ، ومعلوم أن العتق حصل لبعضه والبعض الثاني حيث لم يقم العبد بالسعاية، وكان معتق الشقص معسراً، فالآن ليس له إلا أن يعتق ما عتق، لأنه لا يمكن أن يلغى هذا الإعتاق، فهو ثابت، وكونه يعتق بعضه لا شك أنه أحسن من كونه يبقى كله مملوكاً، لأنه يملك بعض منافعه.
السؤال: إذا أعتق المعسر نصيبه فهل للعبد المكاتبة على الجزء الباقي للسيد الثاني؟
الجواب: له أن يكاتبه، وله أن يسعى.
السؤال: الحديث الأخير فيه مستور وهو مخالف للأحاديث الكثيرة السابقة، فهل يقال: بأنه منكر أو شاذ؟
الجواب: لا يقال: إنه شاذ، وإنما يقال: منكر؛ لأن مخالفة الضعيف للثقة أو الثقات هو المنكر، وأما الشاذ فهو مخالفة الثقة للثقات، وأما مخالفة غير الثقة للثقات يقال له: منكر.
السؤال: إذا أعتق بعض العبد فهل يرث، أم أن ما بقي فيه من رق يكون مانعاً له من الإرث؟
الجواب: يرث بقدر ما فيه من الحرية.
السؤال: أشكل علي مما تقدم أن الولاء لمن أعتق، أليس يكون بذلك حراً أم ماذا؟ وما معنى الولاء هاهنا؟
الجواب: الولاء هو النعمة التي حصلت من المعتق على عتيقه، وهي نعمة العتق، فهذه يقال لها: ولاء، معنى ذلك أنه يكون كأنه مضافاً إليه في النسب، ولكنه متأخر عن النسب، ولهذا فالنسب لا يباع ولا يوهب، والولاء كذلك لا يباع ولا يوهب، لا يمكن أن يقول أحد: أنا أتنازل عن ولائي لفلان؛ لأنه مثل النسب، والنسب شيء ثابت لا يتصرف فيه، والولاء شيء ثابت لا يتصرف فيه، وهو خاص بمن حصل منه العتق أو ورثته الذين حلوا محله وقاموا مقامه.
وأما كون صاحب الولاء يبيعه ويأخذ ثمنه فليس له ذلك، أو يهبه ويأخذ في مقابله تعويضاً أو هدية ليس له ذلك؛ لأن هذا مثل النسب، ولهذا يقولون: الولاء لحمة كلحمة النسب، وسببها نعمته على عتيقه بالعتق.
السؤال: ما الفرق بين المكاتبة والاستسعاء؟
الجواب: المكاتبة أن يبرم السيد مع العبد عقداً ويتفق معه على أنه يدفع كل شهر أو كل سنة كذا من النقود، وإذا دفع آخر قسط فإنه يعتق بذلك، وأما الاستسعاء فإنما يكون عندما يعتق بعضه، ويكون المعتق لا يملك قيمة الجزء الثاني، فإن للعبد أن يسعى لتحصيل قيمة الجزء الباقي.
والفرق بينهما: أن الاستسعاء إنما يكون مع عتق بعضه وعدم قدرة المعتق لبعضه على أن يدفع قيمة الباقي، وأما المكاتبة فهي اتفاق من البداية، وليس لها علاقة بإعتاق البعض، سواء كان عبداً خالصاً أو كان لأحد الأشخاص جزؤه الباقي ولم يحصل عتقه فإنه يتفق معه.
السؤال: إذا أجبر الشريك على البيع ولم يرض بالبيع فما العمل؟
الجواب: القضية ليس فيها بيع، ولكن تقويم القيمة، فيقوم نصيبه الباقي ويعطى القيمة دون أن يفاوض أو يقال له: بكم تبيع؟ وإنما يقال له: الجزء الباقي قيمته كذا وكذا، وإن أعتقه هو فهذا خير، وإن لم يحصل منه فإن انتزاع حصته لحصول العتق لازم، وهذا من جنس انتزاع حصة الشريك بالشفعة.
السؤال: قلتم: إن بقي على العبد درهم واحد فهو باق على رقه وعبوديته، وإن أعتق أحد الشركاء شقصاً منه فإن منافعه تكون بينه وبين الشريك الآخر الذي لم يعتق، فما الفرق؟
الجواب: المقصود أنه ما حصلت له الحرية إذا بقي عليه شيء من مال الكتابة، أي أنه إذا كاتب سيده على مقدار من المال فإنه لا يزال عبداً إلى أن يدفع آخر درهم، ولا يقال: إنه كلما دفع شيئاً عتق بقدره، وإنما العتق هو بدفع المال بأكمله، وأما هذا الذي معنا فقد عتق بعضه وبقي بعضه، فصار بعضه حراً وبعضه مملوكاً.
السؤال: نجد عند بعض الكتاب المعاصرين مقولة: إن الإسلام جاء بإلغاء الرق تدريجياً، فهل هذا صحيح؟
الجواب: لم يأت الإسلام بإلغاء الرق أبداً، فالرق -كما هو معلوم- سببه الكفر وقتال المشركين وسبي ذراريهم ونسائهم، وهذا كان موجوداً من زمان، والآن بسبب أن المسلمين لا يغزون الكفار، لم يعد هذا الأمر موجوداً، بل الكفار هم الذين يغزون المسلمين، والمسلمون هم الذين يخافون من الكفار، بينما الكفار لا يخافون من المسلمين.
فأسباب الرق غير موجودة من كون المسلمين يغزون الكفار في بلادهم ويقاتلونهم في سبيل الله، فإما أن يدخلوا في هذا الدين، وإما أن يعطوا الجزية عن يد وهم صاغرون، أو يستولوا عليهم بالقوة ويسترقون ذراريهم ونساءهم، والكبار كذلك أيضاً يسترقونهم.
السؤال: إذا كان الرجل يعتاد أن يصوم الإثنين والخميس، فهل يجوز له أن يصوم يوم الخميس وإن وافق الثلاثين من شعبان؟
الجواب: نعم، فالذي من عادته أن يصوم الإثنين أو الخميس ثم وافق يوم الثلاثين من شعبان يوم الخميس أو الإثنين فإنه يصوم ذلك اليوم الذي اعتاده؛ لقوله صلى الله عليه وسلم: (لا تتقدموا رمضان بيوم أو يومين إلا رجلاً كان يصوم صوماً فليصمه)، فمن كان يصوم الاثنين والخميس فلا حرج عليه في ذلك، لأنه لم يصم من أجل الاحتياط للشهر، وإنما صام على عادته.
السؤال: فاتتني الفريضة ولم أدرك إلا الصلاة على الميت فهل أصليها مع الإمام ثم أصلي الفريضة، أم يجب علي صلاة الفريضة أولاً؟
الجواب: صل على الجنازة ثم صل الفريضة، فما دام أن الجماعة قد فاتتك فأدرك هذا الفضل وهذا الأجر وهذا الدعاء للميت، ثم إن المجال عندك واسع، فصل على الجنازة ثم صل الفريضة، فلا تشتغل بالفريضة وتفوتك صلاة الجنازة، بل أد صلاة الجنازة وبعد ذلك صل الفريضة.
السؤال: هل في استخدام البطاقة الخاصة للتهنئة بمناسبة عيد الفطر تشبه بالكفار؟
الجواب: لا أعلم أن ذلك تشبه بالكفار، وكون الإنسان يرسل رسائل أو يكتب مثلاً بطاقات مختصرة فيها تهنئات بالعيد لا بأس به وليس فيه تشبه بالكفار.
السؤال: هل يجوز الدعاء في الصلوات بغير اللغة العربية؟
الجواب: على الإنسان أن يتعلم اللغة العربية ويأتي بالأذكار المشروعة باللغة العربية، وأما الأدعية العامة فإذا كان لا يستطيعها فله أن يدعو بغير العربية.
السؤال: الأول: هل نطلق كلمة مشرك على شخص يعبد القبور ويسأل أهلها المطر والولد من دون الله، إذا بينت له التوحيد ودعوته إليه؟ وما الدليل على ذلك؟ وهل من يعبد البدوي أو يطوف بقبره يعتبر مشركاً، خصوصاً أن الدعوة إلى التوحيد أصبحت منتشرة؟
والثاني: كثيراً ما نسمع العلماء يقولون: لا يكفر المعين إلا إذا توفرت الشروط وانتفت الموانع، فما هي تلك الشروط والموانع؟
الجواب: من الشرك أن يدعو المرء غير الله، كما قال الرسول صلى الله عليه وسلم لـابن مسعود عندما سأله: (أي الذنب أعظم عند الله؟ قال: أن تجعل لله نداً وهو خلقك)، فالله سبحانه وتعالى تفرد بالخلق والإيجاد فكيف يشرك معه غيره في العبادة! فالذي يعبد غير الله ويدعو غير الله، سواء كان يدعو الأموات ويستغيث بهم، أو يدعو الملائكة، أو الجن، أو الأحجار، أو ما إلى ذلك.. فكل هذا شرك بالله عز وجل، وكل هذا كفر بالله عز وجل.
والإنسان الذي ابتلي بذلك عن جهل تقام عليه الحجة ويبين له، فإن تاب وأناب فذلك خير، وإلا فإنه يحكم بكفره، وهذا هو الشرك الأكبر، وهذا هو الكفر الأعظم الذي يخرج من الملة؛ لأن دعوة غير الله عز وجل وسؤاله ما لا يقدر عليه إلا الله هو الشرك بالله، وما معنى الشرك إذا لم يكن هذا شركاً؟
إن العبادة يجب أن تكون خالصة لله، وألا يشرك معه أحد فيها، فالذي يدعو الأموات أو الجن أو الملائكة ويستغيث بهم ويطلب منهم قضاء الحاجات مشرك بالله وكافر بالله.
وأما كون الدعوة انتشرت وكل الناس يسمعون بها، فهذا غير صحيح، فليس كل الناس يسمع الحقيقة، وأيضاً قد ابتلي العامة ابتلوا بأناس يشبهون عليهم، أو يقتدون بهم، وهم أنفسهم قدوة في الشر، لكن إقامة الحجة والإيضاح والبيان أمر مطلوب.
السؤال: هل يوجد كتاب تكلم عن تكفير المعين بوجود الشروط وانتفاء الموانع؟
الجواب: لا يوجد كتاب معين خاص بهذا الشيء، لكن الإنسان يمكن أن يرجع إلى الكتب التي ألفت في العقيدة والتوحيد ونقلت فيها أقوال أهل العلم وكلامهم في ذلك، وبه يتضح المطلوب.
السؤال: إذا مات من يطوف بالقبور على هذا الشرك ونحن لم نقم عليه الحجة، فهل يحكم عليه بالكفر ولا يدفن في مقابر المسلمين؟
الجواب: لا شك أنه مات على غير التوحيد، ولكن كونه يبادَر إليه وهو حي أفضل حتى يبَّن له، لكن إن استمر ومات على هذا فإنه لا يدفن في مقابر المسلمين، ولا يصلى عليه، ولا يعامل معاملة المسلمين؛ لأنه مات على الشرك بالله عز وجل.
السؤال: هل يجوز في العقيقة أن يقوم بها أحد أقرباء الطفل مع وجود أبيه تبرعاً؟
الجواب: يجوز للإنسان أن يتولى العقيقة عن صاحبه أو ولده أو قريبه، وله أن يعطيه القيمة ويشتري ذاك. كل ذلك سائغ.
السؤال: أكثر الأئمة عندنا يقنتون في صلاة فجر، فهل نرفع أيدينا معهم في القنوت، مع أننا نرى بدعية ذلك؟
الجواب: القنوت قنوتان: قنوت في النوازل، وقنوت في الوتر، والقنوت في النوازل جاء رفع اليدين فيه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، والقنوت في الوتر جاء عن عمر وأبي هريرة وبعض الصحابة رضي الله تعالى عنهم.
والقنوت في الفجر بصفة دائمة ليس من السنة؛ لأنه لم تأت فيه سنة ثابتة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، وإنما جاء القنوت في النوازل، ولم يأت بصفة مستمرة، فإذا صلى إمام وقنت في الفجر فعليك أن تصلي وراءه، ولا تترك الصلاة وراءه لأنه يقنت، لكنك لا ترفع يديك؛ لأن هذا القنوت غير مشروع، ولكن لك أن تستمر معه في الصلاة وتوافقه في الصلاة دون أن ترفع يديك.
السؤال: هل الرق الموجود الآن في بعض البلاد صحيح؟ وهل تجرى عليهم أحكام الرقيق؟
الجواب: إن كان مبنياً على توارث وتناسل من شيء قديم فيمكن أن يكون له وجه، وأما إذا كان سرقة أو شبه سرقة وما إلى ذلك فهذا اغتصاب وليس رقاً شرعياً، ولا أدري أنا عن الحقيقة.
السؤال: لم يتضح لي الجواب فيمن لم نقم عليه الحجة أو عنده من علماء السوء من لبس عليه، هل لو مات نقول: إنه مشرك؟
الجواب: نعم يحكم عليه بهذا، لكنه في حياته لا يكفر بمجرد حصول ذلك منه ويؤاخذ عليه، لا وإنما تقام عليه الحجة، فإن تاب وأناب وإلا فإنه يعتبر مرتداً، ويعامل معاملة المرتد.
السؤال: إن بعض من ينتسب إلى الإسلام يدعون غير الله مثل أصحاب القبور، وإذا قيل لهم: إن هذا الفعل شرك بالله قالوا: إنه ليس يكون شركاً؛ لأننا لا نعتقد أن له الصمدية، فهل هذا صحيح؟
الجواب: الصمد من أسماء الله الخاصة به والتي لا تضاف إلى غيره ولا يسمى بها غيره، ومثله الرحمن، لكن دعاء غير الله هو شرك المشركين الذين قال الله فيهم: وَالَّذِينَ اتَّخَذُوا مِنْ دُونِهِ أَوْلِيَاءَ مَا نَعْبُدُهُمْ إِلَّا لِيُقَرِّبُونَا إِلَى اللَّهِ زُلْفَى [الزمر:3].
السؤال: ما حكم الشرع في الخواطر التي تسيطر على الإنسان؟
الجواب: الأشياء التي تهجم على الإنسان وهي رديئة وغير طيبة، وهو يكرهها ولا يرضاها ويحاول التخلص منها، هو معذور فيها، ولكن الشيء الذي يولده الإنسان ويحييه ويذكيه بالاستسلام والانقياد له هو الذي يؤثر على الإنسان، ولهذا جاء عن الرسول صلى الله عليه وسلم: (إن الشيطان لا يزال بأحدكم يقول: من خلق كذا؟ من خلق كذا..؟ حتى يقول له: من خلق الله؟ فمن وجد شيئاً من ذلك فلينته وليقل: آمنا بالله).
فلا يجعل المرء هذه الأفكار تتولد وينشأ بعضها عن بعض، ويلد بعضها بعضاً، وإنما يصرف نفسه عنها، فإذا كرهها وصرف نفسه عنها فهو على خير، وإن أصر عليها وأبقاها ولم يصرف نفسه عنها بل استحسنها فهذا على شر.
السؤال: هل الشرط الذي جاء في القرآن من علم الخيرية في العبد المكاتب لازم، كما في قوله تعالى: فَكَاتِبُوهُمْ إِنْ عَلِمْتُمْ فِيهِمْ خَيْرًا ؟
الجواب: قوله تعالى: وَالَّذِينَ يَبْتَغُونَ الْكِتَابَ مِمَّا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ فَكَاتِبُوهُمْ إِنْ عَلِمْتُمْ فِيهِمْ خَيْرًا [النور:33]، الذي يبدو أنه ليس بلازم؛ لأن الإعتاق والمكاتبة -كما هو معلوم- تكون حتى مع غير مستقيم، فيجوز ذلك ولو كان فاسقاً، والآية فيها التأكيد على أنهم إذا كانوا على خير فيهم حقيقون بهذا الشيء، لكن لا يعني أن يكون ذلك مقصوراً عليهم لا يتعداهم إلى غيرهم، وأن من عنده شيئاً من المعاصي لا يكاتب، فليس الأمر كذلك.
السؤال: رجل أراد أن يؤدي العمرة من الطائف وهو من أهل المدينة، فذهب إلى الطائف مع أهله، وبعد قضاء حوائجه أحرم من الطائف، فما الحكم في ذلك؟
الجواب: إذا كانوا سيذهبون إلى الطائف ثم يأتون منها ويعتمرون فلا بأس بذلك؛ لأن دخولهم إلى مكة أولاً كان بغير قصد العمرة في هذه السفرة، وإنما كانوا يريدونها بعد مجيئهم من الجهة التي ذهبوا إليها، كأنهم ذهبوا إلى أبها أو الطائف وقالوا: إننا سنجعل العمرة آخر الأمر ولا نريد أن نعتمر من الآن ولكن سنعتمر إذا جئنا، فلهم ذلك؛ لأنهم ما دخلوا مكة واعتمروا، وإنما دخلوا مكة وخرجوا منها، فهم عابرو سبيل مروا بمكة ما دخلوها يريدون العمرة حتى تلزمهم فدية لو حصل منهم إحرام، فهؤلاء سيتجاوزون ويحرمون من مكان هو من المواقيت.
السؤال: هل طلب العلم في رمضان من العبادات المقربة إلى الله عز وجل؟ وهل الأفضل لطالب العلم التفرغ لقراءة القرآن فقط، أم يجمع بين ذلك وبين طلب العلم؟
الجواب: إذا وجد من يستفيد منه علماً فليستفد منه علماً، ويجمع بين قراءة القرآن والاشتغال بذكر الله وبين تعلم العلم؛ لأنه لن يستمر على قراءة القرآن في كل وقت في الغالب، فإذا وجد مجالاً لأن يحضر درساً من الدروس فهذا شيء طيب.
من الفعاليات والمحاضرات الأرشيفية من خدمة البث المباشر