إسلام ويب

شرح عمدة الأحكام [55]للشيخ : عبد الله بن عبد الرحمن الجبرين

  •  التفريغ النصي الكامل
  • قد يملك المرء أرضاً زراعية واسعة، لكنه لا يتمكن من زراعتها واستغلالها، وقد يوجد شخص يحب أن يزرع ويستغل الأرض، لكنه لا يملكها، فلأجل مصلحة الطرفين شرعت المساقاة والمزارعة والمغارسة، كما شرع كراء الأرض بجزء مما يخرج منها أو على أجرة مقدرة، وكل هذه الأمور لها أحكام وضوابط استخرجها العلماء من الأحاديث، فينبغي للمسلم تعلم هذه الأحكام فلعله يصبح في حاجة إليها.

    1.   

    أحكام المساقاة

    يقول المؤلف رحمنا الله تعالى وإياه:

    [عن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما: (أن النبي صلى الله عليه وسلم عامل أهل خيبر بشطر ما يخرج منها من ثمر أو زرع)].

    فتح خيبر ومساقاة أهلها

    يستدلون بهذا الحديث على المزارعة والمغارسة، وذلك أن النبي صلى الله عليه وسلم لما افتتح خيبر في سنة سبع من الهجرة، دخلها بالقوة وفتحها عنوة، وملكها بهذا الفتح، إلا حصناً أو حصنين فإنه دخلهما بالصلح، أما بقية أماكن خيبر فإنه فتحها بالقوة.

    ومعلوم أنه إذا فتحها بالقوة أصبحت للمسلمين، أرضها وأشجارها ومنازلها وبقاعها، لأن المسلمين تغلبوا عليها، وبتغلبهم عليها ملكوها، فلما ملكوها كان فيها قطع زراعية وأراض واسعة، فتلك القطع قسمها بين الغزاة الذين فتحوها معه، فأعطاهم سهاماً بقدرها، وذلك لسعة الأرض، فجعل هذه البقعة لواحد، وهذه لاثنين ونحو ذلك، وبقيت المزارع والأشجار والنخيل فكانت تحتاج إلى من يحرثها، ومن يزرعها، ومن ينتجها ويعمل فيها حتى تنتج، وكان الصحابة رضوان الله عنهم منشغلين عنها بالجهاد وغيره من الأعمال والتجارات، ولم يكونوا ليتفرغوا للعمل في هذا النخيل ونحوه.

    وعند ذلك اتفق مع أهلها الذين هم اليهود على أن يبقوا فيها، فقالوا: دعنا لنعمل فيها ولكم نصف الثمر ولنا نصفها، فتركهم فيها عمالاً، أي: عاملين بأجرة، وبقوا على ذلك إلى خلافة عمر رضي الله عنه.

    وفي أثناء خلافة عمر حدث منهم ضرر على بعض أولاده، ذلك أنه أتي أحد أولاده وهو مسافر، أتاه قومٌ في الليل، فضربوه حتى فتوا في عضده أو أعابوه وهربوا، ولم يدر من هم؟

    فعرف عمر أنه ليس لنا عدوٌ إلا هؤلاء اليهود، فعند ذلك أجلاهم، وطردهم إلى أذرعات الشام وقال: لا حق لكم! فقالوا: أتطردنا من مكانٍ أقرنا فيه محمد وصاحبك، الذي هو أبو بكر ، فاستدل عمر رضي الله عنه بقول النبي صلى الله عليه وسلم لهم: (نقركم فيها ما شئنا)، وبأنه لم يقرهم إلا لحاجة، وذلك لما كان بالمسلمين قلة عن القيام بهذا الحرث ونحو ذلك، فلما كان في زمن عمر رضي الله عنه كان في المسلمين كثرة، وكان عندهم قوة وقدرة أن يعملوا في هذه المزارع وفي هذه الأشجار، وأصبحت ملكاً للمسلمين، فعند ذلك طردهم.

    تقويم ابن رواحة لثمر خيبر خرصاً

    في العهد النبوي، وكذلك في عهد أبي بكر كانوا يحرثون فيها ويزرعون، فإذا زرعوا البقعة فلهم نصف الزرع، وإذا عملوا على النخيل فلهم نصف الثمر وللمسلمين نصفه، وكان يرسل إليهم من يخرص ذلك النخل، فأرسل إليهم عبد الله بن رواحة ، فخرصها وقدرها بثمن من الأثمان؛ قدرها مثلاً بعشرة آلاف، قال: هذا النخل يقدر بعشرة آلاف صاع، أو نحو ذلك، فقالوا: إنك قد ظلمتنا يعني: أكثرت علينا.

    فقال لهم: إذا كنت أكثرت عليكم فادفعوا فنأخذها نحن وندفع لكم النصف، أي: إذا قدرناها بعشرة آلاف نعطيكم خمسة آلاف ولنا الباقي حتى ولو كان ألفاً أو ألفين، أو خذوها وأعطونا النصف الذي هو خمسة آلاف، وقال ما معناه: (إنكم لأبغض الناس إليّ، ولكن بغضي لا يحملني على أن أظلمكم، وإن محمداً صلى الله عليه وسلم أحب الناس إليّ، ولا تحملني محبته على أن أجور ولا أن آخذ له ما لا يستحقه)، أو كما قال، فعرفوا أن هذا هو العدل، وأنه بهذا قامت السماوات والأرض.

    فعند ذلك استسلموا لذلك؛ فكانوا إذا خرصت عليهم مثلاً بخمسة آلاف دفعوا ألفين ونصفاً ولهم الباقي، وقد يكون الباقي أكثر من ألفين ونصف، ولكن يسمح لهم المسلمون بالزائد؛ وذلك لأنهم في العادة يحتاجون إلى أن يأكلوا منها رطباً قبل أن تجذ، فإذا حدد الذي عليهم عرفوه ودفعوه كاملا.

    هكذا كانت الحال في خيبر، ولا شك أن هذا دليل على جواز المزارعة، وعلى جواز المغارسة، وعلى جواز المساقاة التي هي مما تدعو إليها الحاجة.

    1.   

    معنى المزارعة وحكمها

    أما المزارعة فصورتها: أن يكون لك أرض لا تقدر على الزرع فيها، وهناك رجلٌ لا يملك أرضاً ولكنه متفرغ يحسن أن يزرعها، فتتفقان على أن منك الأرض ومنه الزرع، وأن لك نسبة من هذا الزرع؛ إما الثلث أو الربع أو النصف، بقدر ما تتفقان عليه، فلا بأس بذلك.

    ويجوز أن تدفع شيئاً ويدفع هو شيئاً، فمثلاً: إذا دفعت أنت البذر وزدت في نصيبك جاز ذلك، ولا يجوز أن تقول: أدفع البذر مثلاً مائة صاع وإذا حصد الزرع أخذت المائة مقدماً والباقي بيننا نصفين، لماذا لا يجوز؟ مخافة أن يقل الزرع وأن يقل البر الذي يحصد منه بسبب مصيبة أو برد أو جراد أو نحو ذلك، فلا يغل إلا قدر البذر ونحوها، فيذهب سعيه وتعبه خسارة، فلذلك قالوا: لابد أن يكون للعامل نسبة كنصف أو ثلث أو نحو ذلك.

    وهذا يسمى المزارعة، وتصح المزارعة بأجرة معينة محددة وتكون كأنك أجرت أرضك بدراهم معينه، وقلت: ازرع هذه السنة وأعطني أجرتها ألف ريال أو ألفين، فيجوز ذلك إن شاء الله.

    فالحاصل أن المزارعة تصح حسب ما يتفق عليه الطرفان، ولابد أن يكون بينهما شروط، والمسلمون على شروطهم، فإذا شرط العامل مثلاً أن النفقة على رب الأرض، يعني: الماكنة مثلاً، أو الرشاش الجديد، أو عليه البترول والوقود الذي توقد به الماكينة، والزيوت التي تحتاجها، فله شرطه؛ فإن شرطها صاحب الأرض على العامل فله شرطه، ويقوم العامل بقسط من المال الذي تحتاجه هذه المزرعة، أو بالمال الذي تحتاجه.

    وبكل حال فالمزارعة من المرافق التي جاء الإسلام بالحث عليها أو إباحتها، وذلك لأن هذه الأرض لو بقيت معطلة فلن يحصل الانتفاع بها، وليس كل من ملك أرضاً يقدر على استغلالها، فلأجل ذلك جاز أن يتفق الطرفان على استغلالها.

    وليس كل إنسان له القدرة على العمل وعلى الحرث يجد أرضاً، فإذا تساعدا فكان من هذا الأرض والوقود والنفقة، ومن هذا العمل، وكان الناتج بينهما على حسب ما يتفقان عليه، انتفع كل واحد منهما وحصل له مصلحة.

    هذا بالنسبة إلى المزارعة؛ وذلك لأن خيبر كانت فيها أرض تزرع فكانوا يزرعونها بالنصف، ولم يذكر أن المسلمين يدفعون البذر، ولم يكونوا يدفعون شيئاً من النفقة في إخراج الماء، وذلك لأن أرض خيبر في ذلك الزمان كان فيها عيون تنبع من الأرض، ثم يفجرونها ويسقون بها الزرع ويسقون بها النخيل، أما في هذه الأزمنة فقد غارت تلك العيون، وإن كان بقي منها قليل إذا حفر نبع، ولكنها نزلت كثيراً، وإذا كثرت السيول زادت ونفعت، فمع ذلك كان المسلمون لهم النصف من الزرع؛ لأن النفقة يسيرة، وإنما كانوا يفجرون هذا النهر ثم يسقون به هذا الزرع.

    كان منهم البذر والحرث والحصاد والتصفية، ومن المسلمين الماء، لأن هذا النبع ملك للمسلمين، والأرض ملك للمسلمين، ومع ذلك صار لهؤلاء النصف لعملهم ولبذرهم، ولهؤلاء النصف لملكيتهم الأرض والماء.

    أما النخل فبلا شك أنه كان فيها نخل كثير، وكان لها ثمر كثير، بل يضرب المثل بخيبر حتى قال بعض الصحابة: (ما شبعنا من التمر حتى فتحت خيبر)، أي: حتى فتحوها وصار لهم النصف، فكان يأتيهم من التمور الشيء الذي يأكلون منه ويشبعون ويبيعون ويتصدقون، ويبقى النصف لأهل خيبر الذين هم اليهود.

    فالنخيل فيها منافع كثيرة ومتنوعة بأنواع كثيرة، وكلما سقطت نخلة غرس بدلها أخرى في مكانها أو قريباً منها، فهذا بالنسبة للنخل.

    كذلك النخل يحتاج إلى سقي وإن كان الماء نابعاً، ويحتاج إلى زبر وهو قطع الشوك، ويحتاج إلى تلقيح كما هو معروف، وإلى تركيب بأن يركب القنو على سعف النخل وجريده، حتى لا يسقط، ويحتاج أيضاً إٍلى تصفية فهو يحتاج إلى عمل، فلليهود النصف مقابل عملهم، وللمسلمين النصف مقابل مالهم وملكيتهم.

    فأخذوا من ذلك أنه يجوز أن يؤجر صاحب النخل نخله لمن يحرثه، ولمن يسقيه، وله قسط من ثمرته، حسب ما يتفقان عليه، فإن دفع المالك نفقة السقي والماكنة -مثلاً- وإصلاحها ونحو ذلك، ولم يبق على العامل إلا العمل، فله ما يعادل عمله أو يقاربه، وإن لم يدفع له شيئاً وقال: أسقها وعليك مئونة السقي، جاز ذلك أيضاً.

    فالحاصل أن هذا جائز، وإذا كان فيها شجر غير النخل كالعنب مثلاً والتين والزيتون والخضار، والفواكه الأخرى كالليمون والبرتقال وما أشبهه؛ فإن ثمارها أيضاً تقسم بينهما حسب ما يتفقان عليه؛ وذلك لأن ذلك كله مما يحتاج إلى سقي، ويحتاج إلى إصلاح ويحتاج إلى عمل، فالعامل يريد قسطاً من ثمره، وإنما ينتفع بالثمر غالباً ولا ينتفع بالأعواد ولا بالأوراق، هذا بالنسبة إلى المساقاة.

    1.   

    معنى المغارسة وحكمها

    أما المغارسة، فصورتها: أن يملك أرضاً ولا يقدر على زرع الغرس فيها، فيتفق مع آخر على أن يغرس فيها وله بعض من الغراس، فيقول: هذه أرضٌ تصلح لأن يغرس فيها وأنا لا أقدر على ذلك، وأنت تقدر فلك -مثلاً- نصفها على أن تغرس فيها من النخل كذا وكذا، ومن العنب كذا، ومن الزيتون كذا، ومن الرمان كذا، وما أشبه ذلك.

    فإذا أثمرت وأينعت وحصل أنها انتهت وما بقي إلا الاستغلال فأعطني نصفها ولك نصفها، أو ثلثها ولك ثلثاها، أو ما أشبه ذلك، بحسب ما يتفقان عليه، فيكون من هذا الأرض، ومن هذا الشجر والغرس والسقي ونحو ذلك، إلى أن تثمر، ثم بعد ذلك يقتسمانها.

    ولا شك أن هذه الأشياء مما يحتاج إليها، ومما يحصل فيها مصالح عامة، أعني أن المزارعة وكذلك المساقاة وكذلك المغارسة، يحصل فيها مصالح للمسلمين، فتستغل هذه الأرض -بدل ما كنت بوراً قاحلةً لا ينتفع فيها- بغراسٍ مثلاً أو سقيٍ أو نحو ذلك، وتسقى هذه النخيل، لأنها لو أهملت لماتت، فيسقيها عامل بجزء من ثمرها، وكذلك تزرع هذه الأرض ويأخذ من زرعها وغلتها ما يمكن أن ينتفع به، فيكون بذلك مصلحةٌ أولى من إهمالها وإماتتها، وذهاب منفعتها على مالكها.

    وذلك يدل على أن الشرع جاء بكل المصالح التي فيها نفع للعباد، ويقاس على ذلك من المصالح أنواع كثيرة، مثل المضاربة، التي هي الاتجار بالمال، وصورة ذلك: أن يكون عندك مال ولكنك لا تحسن الاتجار به، ويكون هناك رجل ليس عنده مال، ولكنه قادر على أن يتجر، ويعرف كيفية استغلال الأموال وكيف يربح في البضائع، فتعطيه المال وهو الذي يعمل فيه وينميه، فمنه العمل ومنك المال، فتتفقان على جزء من الربح، فإذا ربح مقداراً من الربح أعطاك نصيبك من الربح وأخذ نصيبه، فهو شبيهٌ بالمزارعة التي هي استغلال أرضك بجزء من غلتها، وشبيه بسقي شجرك بجزء من ثمره، وكل ذلك مما فيه المصلحة للعباد وبقاء هذه الأموال ينتفع بها حتى لا تتعطل وتذهب منفعتها.

    1.   

    أحكام كراء الأرض

    قال المؤلف رحمنا الله تعالى وإياه:

    [عن رافع بن خديج قال: (كنا أكثر الأنصار حقلاً، وكنا نكري الأرض على أن لنا هذه ولهم هذه، فربما أخرجت هذه ولم تخرج هذه، فنهانا عن ذلك، فأما الورق فلم ينهنا).

    ولـمسلم عن حنظله بن قيس قال: (سألت رافع بن خديج عن كراء الأرض بالذهب والورق؟ فقال: لا بأس به، إنما كان الناس يؤاجرون على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم بما على الماذيانات وأقبال الجداول وأشياء من الزرع، فيهلك هذا ويسلم هذا، ويسلم هذا ويهلك هذا، ولم يكن للناس كراء إلا هذا، ولذلك زجر عنه، فأما شيء معلوم مضمون فلا بأس به). الماذيانات: الأنهار الكبار، والجدول: النهر الصغير].

    النهي عن كراء الأرض ببعض ما يخرج منها في بقعة معينة

    هذا الحديث يتعلق بكراء الأرض، ذكر فيه أنهم كانوا في الجاهلية وفي أول الإسلام يكرون الأرض بزرع بقعة معينة، فيقول صاحب الأرض: ازرع أرضي هذه، ولي زرع هذه البقعة ولك زرع هذه، فإذا نبتت ربما كانت هذه لا تنبت، أو لا يكون فيها إلا قليل، وهذه فيها كثير، فيحصل بذلك ضرر على بعضهم وغبن له، والإسلام ينهى عن كل شيء فيه مضرة على أحد الطرفين؛ فلأجل ذلك نهى النبي صلى الله عليه وسلم عن هذا.

    الأحاديث أو الروايات الكثيرة التي في النهي عن المحاقلة محمولة على المحاقلة الجاهلية التي هي كراء الأرض بزرع بقعة معينة.

    وكانوا يؤجرون الأرض بما على الماذيانات وأقبال الجداول، وفسر الماذيانات بأنها الأنهار الكبيرة، والجداول بأنها الأنهار الصغيرة، والأقبال بأنها حافات الجدول.

    والجدول: هو الساقية التي يجري فيها الماء، فإذا كانت صغيرة سميت جدولاً، وفي هذه الأزمنة قد اكتفى بإجراء الماء في المواسير، وكانوا قديماً يحفرون حفراً كذراعٍ أو نحوه وعرضه كشبر يجري معه الماء من البئر أو إلى منتهى الزرع، ثم يفرق من هنا ومن هنا، فهذا المجرى يسمى جدولاً، وإذا كان المجرى كبيراً يسمى ماذياناً، يعني: نهراً كبيراً يجري معه الماء.

    ولا شك أن حافات الجداول تشرب دائماً، فيكون الزرع الذي ينبت عليها له أفضلية، ويكون أكثر سنبلاً وأكثر نباتاً، فإذا أخذ ذلك هذا المالك غبن الزارع، فيقول: أنا الذي زرعته وسقيته وبذرته ثم أخذه مني وما بقي لي إلا الأطراف التي يكون نباتها قليلاً، ويكون سنبلها صغيراً أو ما أشبه ذلك.

    فهذا لا شك أنه غرر، وعليه يحمل النهي الذي جاء في هذه الأحاديث.

    جواز كراء الأرض بقدر معين مما يخرج منها أو بالنقود

    أما إذا كان الأجرة بشيءٍ معين أو بنقود فلا مانع من ذلك، وذلك مثل أن يقول: أجرتك أرضي لتزرعها ولي ربع الزرع، أو عشر الزرع، أو نصف العشر، أو ما أشبه ذلك، يتفقان على شيء للمالك مقابل كراء أرضه، والبقية للعامل.

    كذلك أيضاً: إذا كانت الأجرة بنقود، كأن يقول: أجرتك الأرض تزرعها أو تغرس فيها سنة أو سنين كل سنةٍ مثلاً بمائة ريال أو ألفٍ أو ألوف؛ لأنه كراء عقار بمنزلة كراء الدكاكين وكراء العمارات وما أشبه ذلك، ولا مانع من الكراء، وعلى المكتري أن ينتفع بها فيما اتفق عليه من الانتفاع.

    أما الأحاديث التي وردت في النهي عن كراء الأرض فقد اختلف فيها واختلفت ألفاظها، فالمؤلف هنا اقتصر على الأحاديث التي فيها الإذن، وإلا فنفس الأحاديث من رواية رافع قد ورد أنه نهى عن كراء الأرض مطلقاً، وقال: (من كان له أرضٌ فليزرعها، أو ليمسكها، أو ليمنحها أخاه)، وظاهر هذا أنه منعهم من أن يكروها بأجرةٍ أو بقسطٍ من الناتج أو نحو ذلك، وأمرهم بأن يمسكوها أو يمنحوها إخوتهم، ولكن لعل هذا كان في أول الأمر، ثم رخص لهم بعد ذلك أن يؤجروها بقسطٍ مما يخرج منها أو بالدراهم والدنانير.

    أو لعل النهي كان عن العمل الجاهلي، أي: كأنه قال: إذا كانت لك أرض وأنت تؤجرها بالأجرة الجاهلية، أي: بما على أقبال الجداول أو بما على الماذيانات وما أشبه ذلك، فلا تؤجرها بهذا، بل إما أن تمسكها، وإما أن تمنحها أخاك، وإما أن تبيعها.

    فهذا يحمل عليه الأحاديث التي فيها النهي الشديد عن تأجير الأرض، ولا شك أن الذي ملك الأرض وأحياها -ملكها بالإحياء أو بالشراء أو نحو ذلك- لأنه قد صار أحق بغلتها، وأحق بغرسها أو بزرعها، فما دام أنها في ملكه فهي كسائر الأملاك له أن ينتفع بها، وله أن يؤجرها، وله أن يمنحها، وله أن يعيرها، وينتفع بها ببقية أنواع الانتفاع كما ذكر في هذا الحديث وكما ذكر في أحاديث غيره.

    مكتبتك الصوتية

    أو الدخول بحساب

    البث المباشر

    المزيد

    من الفعاليات والمحاضرات الأرشيفية من خدمة البث المباشر

    عدد مرات الاستماع

    3086718659

    عدد مرات الحفظ

    755805429