إسلام ويب

شرح عمدة الأحكام [34]للشيخ : عبد الله بن عبد الرحمن الجبرين

  •  التفريغ النصي الكامل
  • من رحمة الله تعالى فتح أبواب الطاعة والخير لعباده ليقبلوا على ربهم ويزدادوا من الخيرات، ومن هذه الطاعات والقربات عبادة الاعتكاف، وهي عبادة عظيمة لها فضلها في الشرع، سيما إذا كانت في رمضان في عشره الأواخر؛ إذ تكون سبباً -بإذن الله- في إدراك ليلة القدر.

    1.   

    أحكام الاعتكاف

    قال المؤلف رحمنا الله تعالى وإياه:

    [باب الاعتكاف.

    عن عائشة رضي الله عنها: (أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يعتكف في العشر الأواخر من رمضان حتى توفاه الله تعالى، ثم اعتكف أزواجه من بعده)، وفي لفظ: (كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يعتكف في كل رمضان، فإذا صلى الغداة جاء مكانه الذي اعتكف فيه) .

    وعن عائشة رضي الله عنها: (أنها كانت ترجل النبي صلى الله عليه وسلم وهي حائض وهو معتكف في المسجد وهي في حجرتها يناولها رأسه)، وفي رواية: (وكان لا يدخل البيت إلا لحاجة الإنسان) ، وفي رواية أن عائشة قالت: (إني كنت لا أدخل البيت إلا لحاجة، والمريض فيه، فما أسأل عنه إلا وأنا مارة).

    وعن عمر بن الخطاب رضي الله عنه قال: (قلت: يا رسول الله! إني كنت نذرت في الجاهلية أن أعتكف ليلة -وفي رواية: يوماً- في المسجد الحرام. قال: أوف بنذرك)، ولم يذكر بعض الرواة يوماً ولا ليلة.

    وعن صفية بنت حيي رضي الله عنها قالت: (كان رسول الله صلى الله عليه وسلم معتكفاً في المسجد، فأتيته أزوره ليلاً فحدثته، ثم قمت لأنصرف فقام معي ليقلبني -وكان مسكنها في بيت أسامة بن زيد- فمر رجلان من الأنصار، فلما رأيا رسول الله صلى الله عليه وسلم أسرعا في المشي، فقال صلى الله عليه وسلم: على رسلكما؛ إنها صفية بنت حيي . فقالا: سبحان الله يا رسول الله! فقال: إن الشيطان يجري من ابن آدم مجرى الدم، وإني خفت أن يقذف في قلوبكما شراً -أو قال: شيئاً-)، وفي رواية: (أنها جاءت تزوره في اعتكافه في المسجد في العشر الأواخر من رمضان، فتحدثت عنده ساعة، ثم قامت تنصرف فقام النبي صلى الله عليه وسلم معها يقلبها، حتى إذا بلغت باب المسجد عند باب أم سلمة ..) ثم ذكره بمعناه].

    قد ذكر الله الاعتكاف في قوله تعالى: وَلا تُبَاشِرُوهُنَّ وَأَنْتُمْ عَاكِفُونَ فِي الْمَسَاجِدِ [البقرة:187]، فأخذوا من الآية أن الاعتكاف يختص بالمساجد، وذكره في قوله تعالى: أَنْ طَهِّرَا بَيْتِيَ لِلطَّائِفِينَ وَالْعَاكِفِينَ وَالرُّكَّعِ السُّجُودِ [البقرة:125]، فجعل العاكفين بعد أهل الطواف، فدل على أن الاعتكاف من أفضل القربات، حيث ذكر بين الطائفين والمصلين.

    تعريف الاعتكاف ومشروعيته

    الاعتكاف: هو لزوم المسجد لطاعة الله، لزوم المسجد والبقاء فيه مدة لا تقل عن يوم للتفرغ للعبادة والانقطاع عن الدنيا وعن أشغالها وعن أهلها، وهو سنة ومشروع، وفيه فضل، ولكنه لا يجب إلا بالنذر، فإذا نذره وجب عليه الوفاء، ففي حديث عمر الذي مر بنا ذكر أنه نذر في الجاهلية أن يعتكف ليلة، وفي رواية: (أن يعتكف يوماً في المسجد الحرام، فقال صلى الله عليه وسلم: أوف بنذرك). أمره بأن يفي بنذره، كأنه قال: علي لله أن أعتكف يوماً أو أعتكف ليلة في هذا المسجد ولم يتمكن من الاعتكاف فيه لما أسلم وأخرجه الكفار، فأمره أن يوفي بنذره بعدما فتحت مكة وأصبح متمكناً، فيجب الاعتكاف بالنذر، فإذا نذرت أن تعتكف وجب عليك الوفاء بالنذر؛ لقوله تعالى: يُوفُونَ بِالنَّذْرِ [الإنسان:7]، ولقول النبي صلى الله عليه وسلم: (من نذر أن يطيع الله فليطعه)، ولا شك أن الاعتكاف طاعة لله، فمن نذره وجب عليه الوفاء.

    وكذلك فعله النبي صلى الله عليه وسلم، كان يعتكف العشر الأواخر من رمضان حتى توفاه الله، ثم اعتكف أزواجه من بعده، ذلك لأن العشر الأواخر هي أفضل الشهر، فإن أفضله آخره، وفيها ترجى ليلة القدر، فيعتكفها من ليلة إحدى وعشرين إلى نهاية الشهر، وهكذا كان يعتكف.

    وذكروا أنه كان يدخل معتكفه بعد صلاة الصبح من يوم العشرين أو من يوم واحدٍ وعشرين، ولكن الأقرب أنه يدخل من ليلة إحدى وعشرين لأنها أول العشر الأواخر.

    فيعتكف هذه العشر إلى آخرها، ويجوز للمعتكف أن يعتكف بعضها، كأن يعتكف الخمس الأواخر، أو يعتكف -مثلاً- الثلاث الأواخر، أو السبع الأواخر؛ لأنه عبادة يفعل منه ما يستطيعه، فإن استطاع أن يعتكف العشر كلها أو بعضها فكلما زاد فله أجر.

    وكذلك -أيضاً- لا شك أن الاعتكاف من الأعمال الصالحة؛ لأنه يتفرغ فيه للعبادة، فلأجل ذلك لو أكثر منه لكان ذلك مثاباً عليه، فلو اعتكف الشهر كله، أو اعتكف شهرين فله الأجر لذلك، ولكن قد ينقطع بذلك عن أشغاله الدنيوية الضرورية، فلأجل ذلك ثبت أنه صلى الله عليه وسلم مرة اعتكف العشر الوسطى، ولما كان في آخر ليلة منها -وهي التي يخرج من صبيحتها- أمر من اعتكف معه أن يعتكفوا العشر الأواخر، فاعتكف في ذلك العام عشرين يوماً، فدل على أنه يجوز أن يزيد في الاعتكاف على العشر، وإذا اعتكف عشرين يوماً أو ثلاثين يوماً أو أكثر أو أقل فله أجر على ذلك، وكلما زادت المدة زاد الأجر فيحتسب الإنسان ويتفرغ جزءاً من زمانه حتى يحيي هذه السنة ويعبد الله تعالى بقدر ما يتيسر له.

    الحكمة من مشروعية الاعتكاف

    ذكروا أن الحكمة من الاعتكاف أن يتفرغ للعبادة ويشتغل بالقربات، وذلك لأن الإنسان في سائر وقته يشتغل بالدنيا، ويشتغل باللهو، ويشتغل بالمجالس العادية التي تذهب عليه كثيراً من وقته في غير طاعة، فيذهب عليه وقت طويل كل يوم، إما في كسب الدنيا وإما في لهو وسهو، فهو يحب أن يقطع هذه الأشياء ويجعل له وقتاً خاصة للعبادة، فينقطع للعبادة ويتفرغ لها وينقطع عن الدنيا وأشغالها وأهلها، ويلزم المسجد ويشتغل بالقربات، فإذا كان في المسجد فإنه يتنقل من عبادة إلى عبادة، فهو إما أن يشتغل بالصلاة، وإما أن يشتغل بالقراءة، وإما أن يشتغل بالذكر، وإما أن يشتغل بالفكر، وإما أن يشتغل بالتدبر والتعقل، وإما أن يحمي نفسه ويحفظ نفسه عن الآثام ونحوها، فهو منزو منفرد منقطع عن ملذات الدنيا وعن شهواتها وعن أهلها، وعن مكاسبهم وأرباحهم، وعن تجاراتهم وأشغالهم وحرفهم لا يهتم بشيء منها، انقطع عن الخلق كلهم واشتغل بالخالق وأقبل على الله تعالى، وفرغ قلبه للعبادة، فأصبح قلبه يتعبد ولسانه وبصره وسمعه ويداه ورجلاه وجميع بدنه، أصبح بدنه كله وجسده كله في عبادة، كل جزء من أجزائه يشتغل بعبادة، فلا شك أنه -والحال هذه- يكتسب أجراً ويكتسب حسنات، وتمحى عنه سيئات، ويحمي نفسه عن الآثام ونحوها، فلأجل ذلك أصبح الاعتكاف من أفضل القربات ومن الأعمال الصالحة.

    ومعلوم أن الإنسان في حياته لا يخلو من أن يغفل أو يسيء أو يذنب، فإذا أحس بأن قلبه قد قسا من هذه الغفلة، أو أنه قد أذنب في حياته وارتكب بعض السيئات، وقصر في بعض الطاعات بحيث لا يجد للطاعة لذة، ولا يجد في قلبه تفرغاً، ولا يحس بآلام الذنوب والمعاصي التي تكاثرت عليه وتراكمت عليه، فلابد أن يعالج قلبه، وكيف يعالج قلبه؟

    إنه يعالجه بأن يتفرغ في جزء من وقته لهذه العبادة؛ حتى يكون هذا التفرغ مؤثراً ومفيداً له فائدة عظيمة، وعند ذلك يصحو القلب ويقبل على الله ويحب العبادة ويستكثر من الطاعات وأنواع القربات والحسنات، وينفطم عن السيئات والمخالفات، ويبغض كل ما هو شاغل عن الله عز وجل، فهذه من فوائد الاعتكاف.

    لذلك يجد الإنسان من قلبه قسوة، وإذا اعتكف يوماً أو أسبوعاً أو عشرة أيام وجد في قلبه رقة، ووجد في قلبه محبة للعبادة وبغضاً للهو والسهو، وبغضاً للمعاصي ولو كانت من الصغائر، وبغضاً لأهلها.

    سبب كون الاعتكاف مشروعاً في المسجد

    وإذا قيل: لماذا خص بالمسجد؛ فإن المساجد يكثر فيها الناس، يأتونها للصلوات ويأتونها للقراءة ونحو ذلك، فلماذا لم يكن في مكان خاص لا يخالطه أحد ولا يراه أحد؟!

    نقول: خص الاعتكاف بالمسجد لأنه لابد للمعتكف من أداء الصلاة جماعة، وكل خلوة تشغل عن الجماعة فلا خير فيها، فصلاة الجماعة وأداء الصلاة جماعة واجب من واجبات الإسلام، والخلوة التي هي الاعتكاف سنة من السنن، فلا تترك الصلوات الواجبة مع الجماعة لأجل سنة من السنن، فلأجل ذلك أمكن الجمع بين الخلوة وبين أداء الواجب، فجعل الاعتكاف في المساجد.

    وهذا بخلاف ما يفعله غلاة الصوفية الذين يجعلون لهم خلوات يجمع فيها -كما يقولون- أحدهم همومه وأفكاره، فينفرد -مثلاً- عشر ساعات أو أكثر أو أقل يفكر في نفسه، ثم يفكر فيمن فوقه، ثم يفكر في العالم العلوي والسفلي، إلى أن تجتمع عليه أفكاره.

    ولا شك أن تلك الخلوة الطويلة وذلك الفكر ولو حصل منه جمعية وحصل منه اتصال بالخالق وما أشبه ذلك فإنه غير مشروع، بخلاف الاعتكاف، فإنه الخلوة المشروعة التي أباحها الله، بل حث عليها.

    مسائل متعلقة بالاعتكاف

    أما أحكام الاعتكاف فقد عرفنا أن أقله يوم أو ليلة، فلا يصح أن يسمى من جلس في المسجد ساعة أو ساعتين معتكفاً، فالاعتكاف لابد أن يكون زمناً طويلاً، فأقله اثنا عشرة ساعة أو نحوها، يوم كامل أو ليلة كاملة، واليوم المتوسط اثنا عشرة ساعة.

    وكذلك -أيضاً- يجب الاعتكاف بالنذر، فإذا نذر أصبح واجباً عليه، كما فعل ذلك عمر .

    وكذلك -أيضاً- إذا عين مسجداً خاصاً بالنذر لم يتعين إلا أن يكون من المساجد الثلاثة، فإذا نذر -مثلاً- أن يعتكف في مسجد أسبوعاً لم يلزمه ذلك المسجد، بل يجوز أن يعتكف في غيره من المساجد والجوامع التي هي مثل ذلك المسجد؛ لأنه لا مزية لذلك المسجد على غيره، إلا المسجد الحرام فإنه يلزمه أن يفي به، فإذا نذر أن يعتكف في المسجد الحرام وجب عليه الاعتكاف فيه، ولم يجز له أن يعتكف في غيره من المساجد؛ لأنه أفضل المساجد، والصلاة فيه أكثر من غيره مضاعفة.

    وكذلك المسجد النبوي إذا نذر أن يعتكف فيه لم يجزه غيره من المساجد إلا المسجد الحرام؛ فإنه أفضل، وكذلك المسجد الأقصى إذا نذر الاعتكاف فيه لم يجز أن يعتكف في غيره إلا مسجدي مكة والمدينة؛ فإنهما أفضل منه، أما بقية المساجد فمن عين مسجداً لم يتعين.

    فـ عمر رضي الله عنه عين المسجد الحرام، فقال: (إني نذرت أن أعتكف ليلة في المسجد الحرام. فقال صلى الله عليه وسلم: أوف بنذرك) ، ولم يقل له: اعتكف في مسجد المدينة ولا في غيره من المساجد، بل ألزمه بأن يفي بنذره، فيعتكف في المسجد الحرام ولا يقوم غيره مقامه.

    المعتكف وما يجري منه مع زوجته

    أما أعمال المعتكف ففي هذه الأحاديث أنه صلى الله عليه وسلم كان يدني رأسه إلى زوجته عائشة فترجله وهو معتكف، وكان شعر رأسه قد أرسله إلى المنكب أو نحوه، فيحتاج إلى ترجيل وتسريح الشعر ودهنه ومشطه بالمشط ونحوه، فترجله عائشة وهو معتكف، ولا يكون ذلك مباشرة، فالمباشرة التي نهى الله عنها في قوله: وَلا تُبَاشِرُوهُنَّ وَأَنْتُمْ عَاكِفُونَ فِي الْمَسَاجِدِ [البقرة:187] المراد بها الجماع ونحوه، فإنه لا يجوز أن يطأ امرأته وهو معتكف للنص الصريح في النهي عن ذلك، وللإجماع عليه.

    خروج المعتكف من المسجد

    كذلك لا يجوز للمعتكف أن يخرج من المسجد إلا لحاجة الإنسان، فإذا خرج -مثلاً- لقضاء حاجة الإنسان كبول أو طهارة أو نحو ذلك فحينما يفرغ يرجع، ولا يطيل البقاء.

    وكذلك -أيضاً- لا يعود مريضاً، ولا يتبع جنازة، وذلك لأن هذه الأمور من الأمور العادية، وهو في عباده، ولأنها تشغله عما هو مشغول به، وهو مأمور بأن يجمع قلبه وبأن يتفرغ، وبأن يشتغل بالقربات، وبأن يترك اللهو ونحوه.

    وهذه الأمور تعرضه إلى أن يخرج ويطيل الخروج ويكثر الخروج، فإن المرضى قد يكثرون، وكذلك الموتى، فلا يتبع جنازة ولا يعود مريضاً، هذا على الصحيح.

    وقد ذكرت عائشة أنها تدخل البيت إذا كانت معتكفة وفيه المريض فلا تسأل عنه إلا وهي مارة، فما تجلس عنده وتسأله وتقول: كيف أنت. وكيف حالك. إنما تسأل فتقول: كيف فلان، وهي مارة ولا تقف ولا تجلس إلا لحاجة.

    وهكذا ذكروا عن المعتكف أنه لا يخرج إلا لضرورة، فإذا لم يجد من يأتيه بطعامه وشرابه جاز له أن يذهب ليأتي به، وإذا لم يكن هناك في المسجد مكان لتناول الأكل كالمسجد الحرام جاز أن يخرج لأجل الأكل الضروري في وقته، ثم يرجع حينما ينتهي أو نحو ذلك.

    وكذلك -أيضاً- لا يجوز له أن يجعل معتكفه مقراً للاجتماعات، فيجتمع عليه الناس ويشتغلون بالقيل والقال وبالضحك والقهقهة ونحو ذلك، بل ينفرد عنهم ويبتعد عنهم.

    زيارة المعتكف للمحادثة

    تجوز زيارته للمحادثة في بعض الأحيان، كما في هذه القصة، وهي قصة صفية ، وصفية هي إحدى أمهات المؤمنين ، وكانت من سبي خيبر ، قتل أبوها مع بني قريظة، ثم قتل زوجها في غزوة خيبر، وأصبحت مفجوعة، وتزوجها النبي صلى الله عليه وسلم رجاء أن يثبتها وأن تطمئن في حياتها، ولما تزوجها كان يؤنسها، وكان يحرص على جبر نفسها وقلبها وعلى ما يجلب لها الطمأنينة والحياة السعيدة، فلأجل ذلك أقرها على زيارته، وقد جاءته وهو معتكف وتحدثت معه وتحدث معها؛ لأنها غريبة ليس لها في المدينة ولد ولا والد ولا أخ ولا قريب، فهي وحيدة في هذه البلاد، فلأجل ذلك آنسها وأقرها على زيارته وهو معتكف، ولم يذكروا أن غيرها من زوجاته كن يأتينه للتحدث معه؛ لأن زوجاته الباقيات كن عند أهلن، وأهلهن معهن غالباً، فلعل هذا هو السبب في أنه أقرها على زيارته وتحديثه، وكذلك كونه قام معها ليقلبها بعدما تحدثت معه وقامت لترجع، وكان بيتها خارج المسجد في بيت أسامة الذي كان فيه بعدها، فقام معها ليؤنسها إلى أن تخرج من المسجد.

    فلما خرجت من المسجد ومشى معها قليلاً رآه رجلان من الأنصار، فلما رأياه أسرعا مشيهما، فخاف أن يظنا ظناً سيئاً فيقولا: هذا النبي صلى الله عليه وسلم يمشي مع امرأة في هذا الليل وفي ظلمة الليل. فيوسوس لهما الشيطان بأنها امرأة أجنبية فيقعان في الهلاك، فعند ذلك أزال ذلك وقال: (إنها صفية بنت حيي) يعني: ليست أجنبية فلا تظنوا أنني أمشي مع امرأة أجنبية، فأخبرهم بذلك حتى لا يظنوا به ظناً سيئاً، وأخبر بأن الشيطان يجري من ابن آدم مجرى الدم ينفذ بين لحمه ودمه فيجري مع عروقه، وأنه يخشى أن يقذف في قلبيهما شيئاً، أن يوسوس لهما فيقذف في قلبيهما أن محمداً يمشي مع امرأة أجنبية في هذا الليل المظلم، فيهلكان بهذا الظن السيئ.

    وعلى كل حال فيجوز للمعتكف أن يحدث من يزوره، ولكن يكون حديثاً قليلاً، ويكون -أيضاً- في حد ما هو مباح شرعاً بغير جدل وبغير كلام في العورات ولا كلام في الأعراض ولا كلام في الدنيا ولا في أهلها ولا في منافسة أهلها فيها، بل يكون كلاماً ذا حاجة وضرورة، إما فائدة، وإما سؤال عن حاجة ملحة أو نحو ذلك، فمثل هذا يجوز للمعتكف أن يتكلم به، والله أعلم.

    وصلى الله وسلم على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.

    مكتبتك الصوتية

    أو الدخول بحساب

    البث المباشر

    المزيد

    من الفعاليات والمحاضرات الأرشيفية من خدمة البث المباشر

    عدد مرات الاستماع

    3086718663

    عدد مرات الحفظ

    756264154