إسلام ويب

شرح أخصر المختصرات [77]للشيخ : عبد الله بن عبد الرحمن الجبرين

  •  التفريغ النصي الكامل
  • للقود أحكام شرعية كثيرة، وهو نوعان: قود في النفس، وقود فيما دون النفس كالأطراف والجروح، ولا يجب القود إلا بشروط، وإلا وجبت الدية، وهي أنواع، وقد بينها العلماء بأدلتها.

    1.   

    أحكام الجنايات

    قال رحمه الله تعالى: [فصل: ويجب بعمدٍ القود أو الدّية, فيخيّر وليٌّ, والعفو مجّانًا أفضل.

    ومتى اختار الدّية أو عفا مطلقًا أو هلك جان تعيّنت الدّية، ومن وكل ثم عفا ولم يعلم وكيل حتى اقتص فلا شيء عليهما، وإن وجب لقن قود أو تعزير قذف فطلبه وإسقاطه له، وإن مات فلسيده، والقود فيما دون النفس كالقود فيها، وهو نوعان: أحدهما في الطّرف, فيؤخذ كلٌّ من عين وأنف وأذن وسنّ ونحوهما بمثله بشرط مماثلة, وأمن ‏من حيف، واستواء في صحّة وكمال.

    الثّاني: في الجروح, بشرط انتهائها إلى عظم كموضحة وجرح عضد وساق ونحوهما.

    وتضمن سراية جناية لا قود, ولا يقتصّ عن طرف وجرح, ولا يطلب لهما ديةٌ قبل البرء.

    فصل: ودية العمد على الجاني, وغيرها على عاقلته، ومن قيّد حرًّا مكلّفًا أو غلّه أو غصب صغيرًا فتلف بحيّة أو صاعقة فالدّية, لا إن مات بمرض ‏أو فجأةً.

    وإن أدّب امرأته بنشوز، أو معلّمٌ صبيّه, أو سلطانٌ رعيّته بلا إسراف فلا ضمان بتلف من ذلك، وإن أمر مكلفاً أن ينزل بئراً أو يصعد شجرة فهلك به لم يضمن، ولو ماتت حامل أو حملها من ريح طعام ونحوه ضمن ربه إن علم ذلك عادة.

    فصل: ودية الحر المسلم مائة بعير، أو ألف مثقال ذهباً، أو اثنا عشر ألف درهم فضة، أو مائتا بقرة، أو ألفا شاة، فيخير من عليه دية بينها، ويجب في عمد وشبهه من إبل ربع بنت مخاض وربع بنت لبون وربع حقه وربع جذعة، وفي خطأ أخماساً، ثمانون من المذكورة وعشرون ابن المخاض، ومن بقر نصف مسنات ونصف أتبعة، ومن غنم نصف ثنايا ونصف أجذعة، وتعتبر السلامة لا القيمة، ودية أنثى نصف دية رجل من أهل ديتها، وجراحها تساوي جراحه فيما دون ثلث ديته، ودية كتابي حر نصف دية مسلم، ومجوسي ووثني ثمانمائة درهم، ودية رقيق قيمته، وجرحه إن كان مقدراً من الحر فهو مقدر منه منسوباً إلى قيمته، وإلا فما نقصه بعد برء، ودية جنين حرّ غرّةٌ موروثةٌ عنه قيمتها عشر دية أمّه , وقنّ عشر ‏عشر قيمتها، وتقدر حرة أمة، وإن جنى رقيق خطأ أو عمداً واختير المال، أو أتلف مالاً بغير إذن سيده خير بين فدائه بأرش جناية، أو تسليمه لوليها].

    تكلم المؤلف أولاً على ما يجب بقتل العمد، ثم بعد ذلك على من تجب عليه الدية، ثم بعد ذلك على مقادير الدية.

    يقول: [ويجب بعمدٍ القود أو الدية، فيخير ولي].

    قد ذكرنا قصة الهذلي الذي قتل بمكة في سنة ثمان، وأن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (من قتل له قتيل فهو بخير النظرين: إما أن يقتل وإما أن يدى) إما أن يقتل القاتل وإما أن يطلب الدية.

    تعريف الدية والقود

    الدية أصلها: (ودية)؛ لأنها من (وداه) أي: فداه. وتسمى الدية عقلاً، وذلك لأنهم يأتون بالإبل فيعقلونها في فناء ولي القتيل.

    وأما القود فهو القصاص، ولماذا سمي قوداً؟

    لأن القاتل يقاد إلى المقتل بنسعة، أي بحبل. وفي الحديث أن اليهود قتلوا عبد الله بن سهل الأنصاري ، قال النبي صلى الله عليه وسلم للأنصار: (تحلفون على رجل منهم فيقاد بنسعته) يعني: بحبله الذي يربط في عنقه، ويقاد إلى المقتل. فيخيّر الولي فيقال: لك الخيار: إما أن تقتل هذا القاتل، وإما أن تطلب الدية. وإذا اختار الصلح على أكثر من الدية فله ذلك، فإذا قال ولي القتيل: أنا أطلب كذا وكذا. أكثر من الدية فله ذلك، ولو عشر ديات، فبعضهم يطلب ثلاثة ملايين ريال سعودي أو أربعة أو خمسة، فيدفعها أهل القاتل كأنهم يشترون القاتل؛ حيث إن الولي يقول: أنا سوف أقتله إلا إن دفعتم هذا المبلغ، ولا أعفو عنه إلا بهذا المبلغ. ففي هذه الحالة إذا فدوه فإن ذلك جائز، كأنه يشتري نفسه، أو أن أولياءه يشترونه ويخلصونه من القتل، فيخير الولي ويقال: لك أن تقتل، ولك أن تطلب الدية. وقد تقدم أنه إذا كان في أولياء القتيل صغير فإنه ينتظر إلى أن يبلغ، فإذا بلغ فإن طلب الدية فليس للأولياء إلا الدية، ولو كان أكثرهم يريدون القصاص، وأما إذا اتفقوا كلهم على طلب القود فلهم ذلك، وهكذا أيضاً إذا طلبوا أكثر من الدية.

    العفو عن القصاص والدية أفضل من أخذها

    يقول: [والعفو مجاناً أفضل].

    قال الله تعالى: فَمَنْ عَفَا وَأَصْلَحَ فَأَجْرُهُ عَلَى اللَّهِ [الشورى:40]، والعفو مجاناً أن يقول: لا أريد دية ولا أريد قصاصاً، وأترك ذلك لله تعالى وأتصدق على هذا القاتل، وأحرره وأعتقه من القتل. فَيَمُنَّ عليه، فيكون في ذلك قد أحسن إليه حيث خلصه أو منّ عليه.

    تعين الدية

    قال: [ومن اختار الدية أو عفا مطلقاً أو هلك جانٍ تعينت الدية].

    العفو مطلقاً إذا قال: قد عفوت ولم يقل: عن كذا وكذا، فينصرف العفو إلى أكبر المطالب وهو القصاص، وإذا قال: عفوت عن القصاص لا تسقط الدية؛ لأن عفوه يكون عن القصاص الذي هو المطلب الأكبر، وعليه يدل القرآن في قوله تعالى: فَمَنْ عُفِيَ لَهُ مِنْ أَخِيهِ شَيْءٌ [البقرة:178] يعني: عفي لذلك القاتل من أخيه الذي هو ولي المقتول فَاتِّبَاعٌ بِالْمَعْرُوفِ وَأَدَاءٌ إِلَيْهِ بِإِحْسَانٍ [البقرة:178]، ومعنى ذلك أن الولي أو الأولياء إذا قالوا: قد عفونا سقط القصاص وبقيت الدية، فهذا المعفو عنه عليه أن يحرص على الأداء، فيؤدي الدية بالمعروف، يقول تعالى في هذه الآية: فَاتِّبَاعٌ بِالْمَعْرُوفِ وَأَدَاءٌ إِلَيْهِ بِإِحْسَانٍ [البقرة:178]، والاتباع من الأولياء، والأداء من القاتل أو من أولياء القاتل، والمعنى: إذا عفا أولياء القتيل عن القصاص فإن عليهم أن يتبعوا ذلك القاتل بالمعروف، فلا يشددون عليه، ولا يزيدون عليه زيادة تجحف بماله أو تعجزه وتعجز أسرته، وإذا قسّطوا الدية فلا يطلبوها قبل حلولها، وما أشبه ذلك.

    قال تعالى: وَأَدَاءٌ إِلَيْهِ بِإِحْسَانٍ [البقرة:178] يعني: أيها القاتل أو أسرته! أدوا إلى ولي القتيل الدية بإحسان بدون مماطلة. فالآية في العفو عن القصاص وبقاء الدية، فهذا معنى إذا عفا مطلقاً، فإذا قال: أريد الدية، أو قال: عفوت انصرف العفو إلى القصاص وبقيت الدية.

    قوله: [أو هلك جان] أي: إن هلك القاتل تعينت الدية.

    التوكيل في القصاص

    يقول: [ومن وكل ثم عفا ولم يعلم وكيل حتى اقتص فلا شيء عليهما].

    صورة ذلك إذا قال: وكلتك -يا زيد- أن تقتل هذا القاتل الذي قتل ابني أو قتل أخي. فالوكيل طلب من القاضي تمكينه، فمكنه القاضي وقتل، وكان القتل يوم الجمعة مثلاً، والولي ذهب إلى جهة أخرى وأشهدهم وقال: إني قد عفوت. وكان العفو يوم الخميس، ولم يعلم الوكيل بذلك العفو حتى استقاد وقتل القاتل، ففي هذه الحال هل يطالب الوكيل ويقال: إنك تسرعت؟

    لا يطالب بذلك؛ لأن معه وكالة شرعية، ويقول: إنه قد وكلني، وإني نفذت الأمر بموجب الوكالة، فكيف أكون متسرعاً؟ لأنه ما منعني ولم يحدد لي وقتاً، ولو قال: لا تقتله إلا في يوم الأحد لتأنيت، ولكنه أطلق وقال: اقتله. فأنا ذهبت إلى القاضي ومكنني من قتله يوم الجمعة، فنفذت فيه الحكم الذي حكم به القاضي، وهو أن عليه القصاص. فلا شيء على الوكيل.

    وكذلك الولي الذي هو الموكل لا شيء عليه، وذلك لأنه عفا ويظن أن العفو سيدرك القاتل فلم يدركه.

    القود للعبد المملوك

    قال المؤلف: [وإن وجب لقن قود أو تعزير قذف فطلبه وإسقاطه له، وإن مات فلسيده].

    القن هو العبد المملوك، والمعنى: لو أن هذا العبد اعتدى عليه إنسان فقطع إصبعه، فهل لسيده أن يسقط القصاص؟ العبد يغضب ويقول: هذا الذي قطع إصبعي، أو فقأ عيني، أو قلع سني، أو جرحني موضحة ولا تطيب نفسي حتى آخذ منه بالثأر. فقال سيده: أنت مملوكي، وأنت عبدي، وأنا أملك الإسقاط، فأريد أن أسقط عنه؛ لأنه صديق لي أو نحو ذلك. والعبد يأبى ويمتنع ويقول: أنا الذي تألمت، وأنا الذي أحسست بفقد هذا العضو ولو كان أنملة، فلا تطيب نفسي إلا أن آخذ بالثأر وأقتص لنفسي.

    وكذلك لو كان القتيل ابناً لهذا العبد، كرجل عنده عبد مملوك، والعبد له ابن مملوك أيضاً، فعند ذلك الرجل رجل وابنه كلاهما مملوكان، فاعتدى إنسان على الولد وقتله، ففي هذه الحال عرفنا أنه ليس فيه القصاص، وإنما فيه الدية أو القيمة، فإن كان هذا العبد له ابن حر ليس بمملوك وقتله إنسان، وليس له ولي إلا هذا العبد، فالعبد يقول: ابني حر ليس بمملوك، فاعتدي عليه، وفجعوني بابني وقتلوا ابني وتركوني وحيداً، كيف أهدأ؟! كيف أستقر؟! لا أستقر حتى أقتل ذلك القاتل الذي اعتدى على ابني، فهل لسيده أن يمنعه؟

    الابن ليس مملوكاً للسيد، ولكنه ولد لذلك العبد، فليس عليه رق، ففي هذه الحال الطلب يكون للعبد، فله أن يطالب بالقصاص بأن يقتل ذلك القاتل أو يقطع منه العضو الذي قطع، فلو كان ما قتله ولكنه قطع يده أو جدع أنفه أو قطع أذنه أو قلع أسنانه فإن عليه الدية أو القصاص، فأبوه يقول: أريد أن أقتص منه، فأقلع أسنانه كما قلع أسنان ابني، حتى ولو كنت أنا عبداً، فلي أن أقطع يده أو أقطع أذنه أو أفقأ عينه؛ فله ذلك.

    قذف المملوك

    وكذلك تعزير قذف، فالعبد إذا قُذف فالذي قذفه عليه التعزير، وليس عليه الحد، بخلاف الحر، فإنه إذا قُذف فإن على من قذفه الحد ثمانين جلدة؛ لقول الله تعالى: وَالَّذِينَ يَرْمُونَ الْمُحْصَنَاتِ ثُمَّ لَمْ يَأْتُوا بِأَرْبَعَةِ شُهَدَاءَ فَاجْلِدُوهُمْ ثَمَانِينَ جَلْدَةً [النور:4]، فهذا يقول: إنه قذفني ورماني بأني زنيت، وهو كاذب، فأريد إقامة الحد عليه نقول: ليس لك حد ولكن لك التعزير، فطالب بأن يعزر، فيجلد عشرين جلدة أو خمسين، أو يحبس، أو ما أشبه ذلك، فالحق للعبد في مطالبته أو في إسقاطه، فلو أسقطه وقال سيده: لا أرضى، أريد مالاً فليس له إلزام العبد، ولو قال: أنت -يا عبدي- قطع هذا إصبعك، وهذا القطع نقص في قيمتك ونقص في عملك، فلا تتسامح عن هذا الذي قطع إصبعك هل يلزمه سيده أن لا يسمح؟ لا يلزم، فلو قال العبد: أنا سمحت عن إصبعي، أو عن يدي، أو عن عيني، أو عن أسناني لا يلزمه سيده بأخذ عوض، حتى ولو نقصت قيمته، لكن لو مات العبد قبل أن يسقط وقبل أن يطالب وقبل أن يأخذ أرشاً وقبل أن يقتص فالسيد يقوم مقامه، فيأتي إلى ذلك الجاني ويقول: أنت قطعت يد عبدي ونقصت قيمته قدر النصف. أو: جدعت أنفه، والأنف فيه الدية كاملة، فأعطني الدية. أو: عفوت عنك عن بعضها. فإذا مات فإن المطالبة تكون للسيد.

    القود فيما دون النفس

    يقول: [والقود فيما دون النفس كالقود فيها].

    القود هو القصاص، فإذا عرفنا الشروط التي في استيفاء القصاص في النفس فتلك الشروط هاهنا معتبرة، فمنها أن يكون المستحق مكلفاً، فإذا قطع أحد يد صبي أو إصبعه، والصبي عمره خمس سنين أو عشر سنين، ففي هذه الحال إذا طلب القصاص بعد ما يكلف تقطع يد الجاني؛ لأنه تعدى على ذلك المجني عليه ولو كان صغيراً، ولكن متى؟ إذا بلغ وأصر على طلب القصاص.

    وكذلك يشترط ما اشترط هناك من عدم الحيف وعدم التعدي، فلابد إذا كان القصاص في اليد ألا يقتص مع خوف الحيف، أو خوف التسمم، بل يتركونها إلى زمن معتدل يؤمن فيه أن يتسمم الجرح أو ما أشبه ذلك.

    القود في الأطراف

    القصاص فيما دون النفس نوعان:

    أحدهما الأطراف، والثاني: الجراح. فالأطراف فيها القصاص، قال الله تعالى: وَكَتَبْنَا عَلَيْهِمْ فِيهَا أَنَّ النَّفْسَ بِالنَّفْسِ وَالْعَيْنَ بِالْعَيْنِ وَالأَنفَ بِالأَنفِ وَالأُذُنَ بِالأُذُنِ وَالسِّنَّ بِالسِّنِّ [المائدة:45]، فهذه فيها قصاص، وتسمى الأطراف، فمن قطع إصبعاً وكان القاطع فيه إصبع تماثلها وطلب المقطوع القصاص فإنه يقتص له، وكذلك من قطع الكف، وكذلك من قطع اليد من الذارع أو من العضد، وكذلك من قطع من الرجل إصبعاً قطعت إصبعه، ومن قطع القدم كلها قطعت قدمه إذا طلب المجني عليه ذلك، وكذلك من قطعها من الركبة قطعت رجله من الركبة إذا طلب الجاني ذلك، أو قطعها من الفخذ فكذلك أيضاً، وهكذا إذا فقأ عيناً صحيحة فقئت عينه التي تماثلها، أما إذا لم تكن مماثلة لها فلا، وكذلك لو جدع أنفه فله أن يطلب القصاص في الأنف، وكذلك الأذن إذا استوعبت قطعاً، وكذلك إذا كسر السن أو قلعه فإن القصاص فيه؛ وأشباه ذلك من أجزاء البدن، فمن قطع شفة قطعت مماثلتها، وكذلك من قطع جفناً أو قطع حاجباً قطع منه ما يماثله، وهكذا أيضاً من قطع عضواً مماثلاً، كمن قطع ذكراً، أو قطع الأنثيين -الخصيتين-، أو قطع الإلية أو نحو ذلك، فكل هذه فيها القصاص.

    وتشترط المماثلة، فلا يؤخذ إصبع اليمنى بإصبع اليسرى لو كان المجني عليه قطعت إصبعه اليسرى، وكذلك أيضاً لا يؤخذ الإبهام بالسبابة، فلا يقول: هو قطع سبابتي وأنا لا أرضى إلا أن أقطع إبهامه. فهذا ليس بمماثلة، وليس قصاصاً، فالقصاص لابد فيه من المماثلة، فهذا شرط المماثلة.

    ولو كان الجاني أعور العين، كأن كانت عينه اليمنى غائرة، ثم جنى على إنسان ففقأ عينه اليمنى، فهل على المجني عليه أن يقول: آخذ عينه اليسرى؟ ليس له ذلك لعدم المماثلة، وهاهنا يرجع إلى الدية، وكذلك لو كان الجاني مقطوع اليد اليمنى، قد قطعت يده اليمنى من قديم، واعتدى عليك وقطع يدك اليمنى، فهل تقول: أقطع يده اليسرى؟ فليس له إلا يد واحدة، فلا تقل آخذ اليد باليد. ليس لك ذلك، ولكن هاهنا تعدل إلى الدية لعدم المماثلة، فلابد من المماثلة، وكذلك لو قطع شفته العليا فقال: أقطع شفته السفلى لأنها أقوى منفعة. ليس له ذلك، وهكذا لو قطع رجله اليسرى فقال: أقطع رجله اليمنى. ليس له ذلك، بل لابد من المماثلة.

    وكذلك أيضاً الأمن من الحيف، والحيف هو الجور، فإذا قطع اليد من نصف الذراع ففي هذه الحال لا يمكن القصاص، ولكن يمكن قطعها من المفصل، لأنا إذا مكناه من قطع نصف الذراع فقد يكسر الذارع كله، وقد يأخذ زيادة على ما أخذ منه، فيكون بذلك حيف، فلابد من أمن الحيف -الذي هو الجور- حتى لا يأخذ زائداً عما يستحقه.

    ومن الحيف أيضاً الخوف من التسمم، فإذا قال -مثلاً-: إذا قطعت يد الجاني -مثلاً- أو رجله في الشتاء خيف أن يتسمم، وأن الجرح يتآكل وتحصل الوفاة. ففي هذه الحال ينتظر إلى أن يؤمن عليه من الحيف أو من التعدي أو نحو ذلك.

    وهناك شروط أخرى، مثل الاستواء في الصحة والكمال، فإذا قال: أنا ما فقأت إلا عيناً فيها بياض، وعيني سليمة ليس فيها بياض. أو: عينه التي فقئت ناقصة البصر لا يبصر بها إلى قليلاً، فكيف تفقئون عيني التي هي عين سليمة؟ في هذه الحال يعدل إلى الدية، وذلك لعدم المساواة، وكذلك أيضاً لو أن إنساناً صحيح اليدين قطع يد إنسان مشلولة، أو فيها عيب، ناقصة الأصابع أو مختلة أو نحو ذلك، فهذا المجني عليه يقول: أريد أن أقطع يده. يقال: يدك ناقصة منفعتها، وأما يده فإنها كاملة، فكيف تأخذ يداً كاملة ليد ناقصة فيها عيب؟! لابد من الاستواء في الصحة وفي الكمال.

    القود في الجراح

    النوع الثاني من القصاص: الجراح فيما دون النفس، ويراد بها الشجاج، واصطلحوا على أن الضربة المدمية في الرأس أو في الوجه يسمونها شجة، وإذا كانت في الذراع أو في العضد أو في الكتف أو في الظهر أو في الفخذ لا تسمى شجة، بل يقال: جرح. ففي الجروح قصاص، بشرط انتهائها إلى عظم كالموضحة، وجرح العضد وجرح الساق ونحوهما إذا انتهى إلى عظم ففيه القصاص، وأما إذا جرحه برأسه ولم يصل الجرح إلى عظم الرأس فقال المجني عليه: مكنوني أضربه كما ضربني وأجرحه كما جرحني فلا يمكن، وذلك مخافة الحيف، فربما إذا ضرب أن تصل الضربة إلى العظم، أو تزيد شجة هذا على شجة هذا، فيخاف من الحيف، والقصاص مماثلة ليس فيها جور.

    والموضحة هي التي تنتهي إلى عظم، ضربة في الرأس تصل إلى العظم ولا تكسره، ولكن تقرع في العظم، وديتها خمس من الإبل، فلو قال المجني عليه: أنا ما أريد إبلاً ولا غنماً ولا مالاً، ولكن أريد أن أشفي غيظي، أريد أن أجرحه كما جرحني يمكّن، ولكن كيف يقتص؟ هل يقتص بالضرب. ويقول: إنه ضربني بحجر خرق الدم واللحم ووصل إلى العظم فأضربه بحجر مثله؟ لا يمكن من ذلك، ولكن يمكن من القصاص بسكين أو نحوها يحزه إلى أن يصل إلى العظم، فيحرك طرف السكين إلى أن يصل إلى العظم ويتوقف؛ لقول الله تعالى: وَالْجُرُوحَ قِصَاصٌ [المائدة:45].

    وكذلك جرح العظم والساق، فلو طعنه في عضده، أو ضربه بحجر محدد أو سكين، فوصلت الضربة إلى عظم العضد أو عظم الساق أو عظم الظهر وقرعت في العظم فقال المجني عليه: لا أقنع إلا بالقصاص يمكّن، فيعطى سكيناً ويقال: اضرب وحز في العضد إلى أن تصل إلى العظم ولا تزد. ولو قال: إنه ضربني بحجر فأضربه بحجر لا يمكّن؛ لأنه قد يكسر العضد، فقد يضربه ضربة شديدة فيأخذ أكثر مما يستحق.

    ضمان السراية في القصاص

    يقول: [وتضمن سرية جناية لا قود].

    السراية جناية تضمن، والجناية ظلم، فسرايتها تضمن، وأما القود فإنه بحق فلا تضمن سرايته، فمثلاً لو أن إنساناً قطع يد رجل، فالذي قطعت يده قال: هذا جنى علي وقطع يدي، أريد القود. فمكن من القود فقطعت يد الجاني، ثم قدر أن الجاني تسمم جرحه ومات بسبب هذا القصاص هل تدفع ديته؟

    لا تدفع؛ لأن قطع يده بحق قصاصاً، ولو كان الأمر بالعكس فالمجني عليه تسممت يده ثم مات، والمجني عليه حر مسلم، ومات بسبب هذه الجناية فعلى الجاني الدية، ولو قال الجاني: كيف أدفع ديته وهو قد قطع يدي قصاصاً وقد أخذ بالثأر وأخذ حقه كاملاً؟

    فالجواب: إنه مات بسبب جنايتك، فأنت السبب، فعليك تتمة الدية، وليس هناك قصاص في النفس، ولكن عليه تتمة الدية، فعليه نصف الدية لأنه قد قطع يده، وديته فيها نصف الدية، فعليه نصف الدية الأخرى أو على عاقلته. وعرفنا الفرق بين الجناية والقود، والسراية: هي تآكل الجرح إلى أن يحصل أكثر مما حصل، فلو أن الجاني قطع إصبعاً كالخنصر أو الإبهام، والمجني عليه قال: أقطع إصبعه مثلما قطع إصبعي. فاقتص منه، وبعد ذلك جرح الجناية تسمم، ولما تسمم تآكلت اليد فقطعت اليد كلها بسبب تآكلها، فيقول الجاني: أنتم أخذتم حقكم، أنتم قطعتم إصبعي مثل ما قطعت إصبعه! فيقال: بقي أيضاً عليك آثار هذه السراية، فجنايتك تآكلت، فعليك بقية ثمن اليد، فادفع بقية ثمن اليد.

    ولو قال المجني عليه: إن يدي تآكلت وقطعت بسبب جنايته، وأنا ما قطعت منه إلا إصبعاً، فأريد أن أقطع اليد كلها كما أن يدي قطعت فليس له إلا الدية على المشهور، وذلك لأن قطع يده بالتآكل قطع لحماية نفسه، وليس الجاني هو الذي قطعها، أما لو كان الأمر بالعكس، فالمجني عليه قطعت إصبعه وسلمت يده، والجاني قطعت إصبعه قصاصاً، ولما قطعت تآكل الجرح فمات. ففي الأثر: (الحق قَتَلَه)، ما مات إلا بسبب مباح، فالله تعالى مكن أهل القتيل وأباح لهم أن يقتلوا أو يقتصوا، وهاهنا قد اقتصوا الذي لهم، وكون هذه القود حصل منه الموت ليس بسبب المجني عليه، وإنما هو بسبب القصاص، فالحق قتله، سواءٌ أكان هذا في النفس أم فيما دون النفس، فهذا هو الفرق.

    وجوب انتظار البرء قبل القصاص أو الدية في الجراح

    يقول: [ولا يقتص عن طرف وجرح، ولا يطلب لهما دية قبل البرء].

    أي: قبل تمام البرء. روي أن رجلاً طعن رجلاً في ركبته بقرن تيس أو نحوه، ولما طعنه في ركبته وصل إلى عظم الركبة أو تحتها، فجاء ذلك المجني عليه وقال: يا رسول الله! أقدني -أي: مكني أن أقتاد منه فأطعنه بقرن كما طعنني- فقال: (اصبر حتى تبرأ، فصبر أياماً ثم جاء وقال: أقدني. فردد عليه وهو يأكل: اصبر حتى تبرأ، ولكنه استعجل، فمكنه وضرب ذلك بالقرن في ركبته إلى أن وصل إلى العظم)، فالجاني برئ جرحه بسهولة، والمجني عليه تسمم فعابت رجله وعرج وصار فيه عرج، فرجع إلى النبي صلى الله عليه وسلم وقال: عرجت يا رسول الله. فقال: (قد نصحتك) يعني: نهيتك عن الاقتياد حتى تبرأ ولكن امتنعت. فأخذوا أنه لا يقتص إلا بعد البرء مخافة التسمم، أو مخافة التآكل، أو مخافة حدوث عيب أو ما أشبه ذلك.

    فلو كان الجرح -مثلاً- في سن قلعه الجاني، والسن مكانه قد يتأثر، فالمجني عليه قال: أريد قلع سنه كما قلع سني نقول له: انتظر حتى يبرأ أثر قلع السن. ولكنه ما صبر وقال: أريد أن أقلع سنه، فمكنه الشرع وقلع سن الجاني، ثم إن المجني عليه تآكل مكان سنه فاحتيج إلى قلع الأسنان السفلى كلها، فإنا نقول للمجني عليه: أنت استعجلت، فلو تركت الأمر حتى تبرأ ويعلم ما تتأثر به أسنانك لكان أولى لك. ففي هذه الحال هو الذي استعجل ولا شيء له، فلذلك قالوا: لا يطلب لهما دية إلا بعد البرء.

    وقوله: [لهما] الضمير يرجع على الطرف والجرح، فالطرف مثل اليد والعين، والجرح مثل الموضحة التي هي الجرح في العضد والساق، أو الموضحة في الرأس أو في الوجه، فلا يطلب لهما دية قبل البرء، ولا يقتص لهما قبل البرء مخافة أن يتأثر ذلك الجرح ويحصل الضرر عليه.

    من يتحمل الدية؟

    قال: [فصل: ودية العمد على الجاني، وغيرها على عاقلته].

    عرفنا أن القتل ثلاثة أنواع: عمد وشبه عمد وخطأ، فدية العمد على الجاني يتحملها، وأما الخطأ وشبه العمد فعلى العاقلة، وهم قرابة ذلك القاتل، فتحمل الدية عنه، وذلك لأنه غير متعمد وليس بآثم، وإنما حصل هذا عن غير قصد، فمن حقه على أقاربه تحمل هذه الدية، فغير العمد على عاقلته، وذكر المؤلف بعد ذلك صوراً لوجوب الدية.

    التسبب في القتل

    قال: [ومن قيد حراً مكلفاً] يعني: ربط رجليه وربط يديه وأصبح متحسراً لا يقدر على التخلص، فجاءته حية فنهشته فمات، أو جاءه أسد فافترسه، أو حيوان غيره جاءه فافترسه أو أصابه، أو نزلت عليه صاعقة، فهذا الجاني اعتدى على حر مسلم وقيده وأوثقه، ولا شك أنه أخطأ، وعليه الدية، فقد يقول: كيف أدفع الدية والذي قتله غيري؟! الذي قتله هذا السبع أو هذه الصاعقة أو هذه الحية، ما أنا الذي قتلته!

    الجواب: أنت الذي تسببت حيث قيدته فلم يقدر على أن يهرب من السبع، ولا أن يتخلص من الحية، ولا أن يهرب من مكان الصاعقة، فعليك ديته؛ لأنك ربطته بهذا الرباط الذي قيده حتى لم يستطع التخلص، فالدية على هذا المقيِّد.

    والمكلف هو البالغ العاقل، قال: [حراً مكلفاً]، وإذا كان مملوكاً فعليه قيمته لسيده.

    قال: [أو غله] الغلُّ هو أن تربط الأيدي في الرقبة، قال تعالى: إِذْ الأَغْلالُ فِي أَعْنَاقِهِمْ [غافر:71]، وقال: غُلَّتْ أَيْدِيهِمْ [المائدة:64] يعني: ربطت في أعناقهم. فإذا ربط يديه وعلقهما في رقبته سواء من الخلف أو من الأمام فقد تحسر، فلا يستطيع أن يحرك يديه، ولا يستطيع أن يدفع عن نفسه حية أو نحوها.

    وكذلك إذا غصب صغيراً في الخامسة أو السادسة من عمره، أي: أخذه من أهله وأخفاه، ففي هذه الحال أيضاً يكون عليه الدية إذا لدغته حية أو أكله سبع أو مات بالبرد أو بالشمس أو نحو ذلك، فإن هذا الغاصب الذي اعتدى عليه يدفع الدية، أما إذا مات بمرض أو مات فجأة ففي هذه الحال يقال: لا دية عليه؛ لأنه مات بالمرض، ويقول: كان قبل أن أوثقه مريضاً بمرض كذا وكذا، وموته بسبب مرضه ليس بسببي.

    وكذلك موت فجأة، لكن قد يقال: إن موته فجأة بسبب الحسرة، بمعنى أنك لما أوثقته وتحسر اشتدت عليه هذه الآلام وهذه الأمراض النفسية، فأدت إلى موته موت حسرة أو موت فجأة، فأنت السبب، فعليه دية.

    تأديب الزوجة أو الأطفال لا ضمان فيه إن كان بلا إسراف

    يقول: [وإن أدب امرأته لنشوز].

    المرأة إذا نشزت جاز لزوجها ضربها؛ لقوله تعالى: وَاللاَّتِي تَخَافُونَ نُشُوزَهُنَّ فَعِظُوهُنَّ وَاهْجُرُوهُنَّ فِي الْمَضَاجِعِ وَاضْرِبُوهُنَّ [النساء:34].

    فأولاً: يعظها، وثانياً: يهجرها في المضاجع، وثالثاً: يضربها ضرباً غير مبرح، فلو قدر أنه ضربها وذلك الضرب نتج عنه موت، أو نتج عنه تعطل عضو من الأعضاء فلا ضمان عليه؛ لأنه ضرب مأذون فيه، ويقول: أنا ما ضربتها إلا ضرباً معتاداً، وحصل أنها ماتت، أو حصل أن تعيبت يدها، أو ذهب بصرها أو سمعها، أو جرح جلدها أو نحو ذلك، فأنا ضربتها ضرباً مأذوناً فيه غير مبرح، فلا ضمان.

    قال: [أو معلم صبيَّه].

    معلم الصبيان العادة أنه مباح له الضرب، ويعلم بذلك آباؤهم، فهم يقولون: أدبهم واضربهم الضرب الذي يرتدعون به. فقدر أنه صفع أحدهم في خده فذهب سمعه، أو انفجرت الأذن وانشقت الطبلة، فهو مباح له أن يضربه، فلا ضمان عليه، أو أراد ضربه بعصا فانحرف الطفل فوقعت الضربة على عينه فانفقأت لا ضمان على ذلك المعلم؛ لأنه مأذون له فيه، وهذا إذا كان الضرب بلا إسراف ولا شدة.

    قال: [أو سلطان رعيته].

    السلطان له أن يؤدب الرعية، فقد يظهر من بعض الرعية شيء من العصيان وشيء من المخالفة وشيء من الأضرار، سواءٌ أكانت تلك الأضرار على نفس السلطان أم على بعض الرعية، فإن هؤلاء يسببون ضعف الأمن واشتداد الخوف ونحو ذلك، فإن ظفر بواحد منهم، وأمر الجلاد فجلده فقال: اجلده وشدد عليه فقدر أنه مات تحت الجلد ففي هذه الحال لا ضمان؛ لأن هذا ضرب مأذون فيه، ويشترط ألا يكون هناك إسراف، وقد فسر المفسرون قول الله تعالى: وَاضْرِبُوهُنَّ [النساء:34] فقالوا: ضرباً غير مبرح. أي: ليس بشديد، وإنما هو ضرب تأديب لا ضرب قتل.

    أمر المكلف بأمر هلك به

    يقول: [ومن أمر مكلفاً أن ينزل بئراً أو يصعد شجرة فهلك به لم يضمن]. لأن هذا المكلف عاقل وعارف، وتعاطى هذا الشيء الذي فيه خطر، فإذا أمرته وقلت له: انزل في هذه البئر للحفر أو أخرج منها هذا الدلو الذي سقط فيها، أو هذه الميتة التي سقطت فيها انزل فأخرجها. ثم إنه ربط نفسه بحبل أو تمسك بحبل لينزل فيها، وقدر أنه تفلت أو انقطع الحبل وسقط فيها ومات لا ضمان على الآمر؛ لأن هذا مختار قد رضي بذلك، فلا ضمان عليه.

    وكذلك لو قال: أريد أن تصعد هذه النخلة لصرم التمر منها فصعد باختياره والنخلة طويلة، ولما وصل إلى أعلاها قدر أنه سقط ومات، فهل يضمن صاحب النخلة أو الذي أمره بالصعود؟ لا يضمن؛ لأن هذا هو الذي خاطر بنفسه.

    الموت من ريح طعام ونحوه

    يقول: [ولو ماتت حامل أو حملها من ريح طعام أو نحوه ضمنه ربه إن علم ذلك عادة].

    هذا قد يكون قليلاً، كون الحامل تموت بسبب ريح طعام يمكن أن الحمل قد يتأثر ببعض الروائح فيموت في الرحم، فإذا قدر عادة أنه يموت الجنين في الرحم بسبب ريح طعام كريهة، كما لو اشترى شيئاً من اللحوم ولكنها أنتنت، ولما شمها إنسان رجل أو امرأة فمن آثار هذه الرائحة حصل عليه ضرر أو مرض أو موت بسبب الرائحة الشديدة الكريهة، فصاحب هذا الطعام أو صاحب هذا اللحم فرط وتسبب، فيضمنه إذا كان العادة في ذلك أنه يؤثر، فأما إذا كانت العادة أن الروائح ولو كانت كريهة لا تؤثر ولا يحصل على الذي يشمها موت ولا ضرر فإنه لا يكون هناك ضمان.

    1.   

    مقادير الديات

    دية الحر المسلم

    هذا الفصل يتعلق بالدية، أي: مقادير الدية.

    قال: [فصل: دية الحر المسلم مائة بعير].

    اشترطوا أن يكون حراً، فالعبد ديته ثمنه، والكافر إذا كان معاهداً أو ذمياً ديته نصف دية المسلم.

    يقول: [دية الحر المسلم مائة بعير] كلمة (بعير) اسم للواحد من الإبل يدخل فيه الذكر والأنثى، فيقال للناقة: بعير. ويقال للجمل: بعير. سواءٌ أكان صغيراً أم كبيراً، وإذا أرادوا التمييز قالوا: ناقة وجمل. فالجمل الذكر والناقة الأنثى، وأما كلمة (بعير) فإنها تصلح للذكور والإناث.

    قال: [أو ألف مثقال ذهباً] يعني: ألف دينار من الذهب، والدينار هو أربعة أسباع الجنية المعروف عندنا.

    قال: [أو اثنا عشر ألف درهم]، والدراهم قطع من الفضة، والمائتان مقدارها من الريال الفضي السعودي ستة وخمسون، وهو النصاب كما هو معروف، فنصاب الفضة ستة وخمسون من الريالات السعودية، ومن الدراهم القديمة مائتان، فمقدار الدية اثنا عشر ألف درهم فضة.

    قال: [أو مائتا بقرة، أو ألفا شاة] أصول الدية خمسة، فمن الإبل مائة بعير، ومن البقر مائتان، ومن الغنم ألفان، ومن الذهب ألف مثقال، ومن الفضة اثنا عشر ألف درهم، واختلف العلماء هل هذه الخمسة كلها أصول أو الأصل واحد والبقية قيم؟

    والراجح أن الأصل هو الإبل وأن البقية قيم؛ وذلك لأن العرب كانوا يدفعون الدية مائة من الإبل، واستقر الأمر على ذلك في العهد النبوي، فكانت الدية مائة من الإبل، ولما قتل اليهود عبد الله بن سهل ولم يجدوا من يدفع الدية دفع الدية رسول الله صلى الله عليه وسلم مائة من إبل الصدقة، وكان ذلك معروفاً عندهم، وفي قصة القرشي الذي قتله رجل من العرب لما كان راعياً عنده، فقالت قريش: إما أن يحلف منكم خمسون أنكم ما قتلتموه أو تدفعوا لنا مائة من الإبل. فاستعدوا للحلف، وكانت امرأة من قريش ولدها من هذه القبيلة، فقالت: اسمحوا لولدي أن لا يحلف. وفدى نفسه فجاء ببعيرين، وقال: إنكم طلبت مائة من الإبل أو خمسين رجلاً يحلفون، ونصيب كل واحد بعيران، فهذان بعيران عني خذوهما. فأخذوهما، والبقية حلفوا وهم تسعة وأربعون، يقول ابن عباس : فما تم الحول وفي التسعة والأربعين عين تطرف. يعني: ماتوا بسبب أنهم حلفوا وهم كاذبون.

    فالحاصل أن الدية من الإبل هي الأصل، فعلى هذا إذا ارتفع سعر الإبل رفعت الدية، وإذا رخصت الإبل نقص من قدرها، فتقدر بالإبل، ولا تقدر بالبقر ولا بالغنم، والدية الآن في هذه البلاد مائة ألف ريال من النقود؛ لأنهم قدروا أن كل بعير يساوي ألفاً، فجعلوها مائة ألف ريال، وكانت في أول الأمر في أول عهد الملك عبد العزيز ثمانمائة ريال فرنسي، ثم رأوا أنها قليلة مع رخص الإبل في ذلك الوقت، فزيدت إلى ألف، ثم زيدت إلى عشرة آلاف، ثم زيدت إلى ستة عشر ألفاً، ثم زيدت إلى أربعة وعشرين، ثم إلى أربعين، ولما ارتفع سعر الإبل رأى العلماء أنها لا تنقص عن مائة ألف، ومعروف الآن أن الغنم تقاس بالإبل، فهناك الآن من الغنم واحدة تباع بخمسمائة وبأربعمائة وبثلاثمائة، وهناك كثير من الإبل تباع الواحدة بألف أو بثمانمائة أو بألف وخمسمائة، فلو قيل -مثلاً-: ألفان من الغنم فالألفان قد تساوي خمسمائة من الإبل أو ألفاً من الإبل إذا كانت قيمة البعير ألف ريال وقيمة الشاتين ألف ريال، فصارت تساوي ألفاً من الإبل، فعرف بذلك أن الإبل هي الأصل، وإذا ارتفع سعرها ارتفع سعر الدية، وإذا انخفض نقص من الدية.

    يقول: [ويجب في عمد وشبهه من الإبل ربع بنت مخاض وربع بنت لبون وربع حقة وربع جذعة].

    هكذا جاء في بعض الأحاديث في دية العمد مغلظة ودية شبه العمد مغلظة تكون أرباعاً: خمس وعشرون بنت مخاض، وهي التي تم لها سنة، وخمس وعشرون بنت لبون، وهي التي تم لها سنتان، سميت بذلك لأن أمها ذات لبن، قد ولدت بعدها، وخمس وعشرون حقة، وهي ما تم لها ثلاث سنين، وخمس وعشرون جذعة، وهي التي تم لها أربع سنين، وكذلك أيضاً شبه العمد يكون أرباعاً، وأما دية الخطأ فإنها تكون أخماساً: عشرون بنت مخاض، وعشرون بنت لبون، وعشرون حقة، وعشرون جذعة، وعشرون ابن مخاض من الذكور، هذه دية الخطأ، وهي التي تكون مخففة، والعلماء الآن جعلوا الزيادة في دية العمد وشبهه الربع، فقالوا: دية الخطأ مائة من الإبل، ودية العمد مائة وخمس وعشرون من الإبل، فتكون مائة وخمسة وعشرين ألف ريال لتكون أخماساً.

    وإذا اختار أن يدفع الدية من البقر دفع نصفاً مسنات ونصفاً أتبعة، أي: نصف البقر، فيدفع مائة بقرة مسنة، والمسنة هي التي لها سنتان، ومائة تبيع أو تبيعة، والتبيع هو الذي له سنة، وأما من الغنم إذا اختار أن يدفع من الغنم فيدفع ألفي شاة، فنصف منها ثنايا ونصف أجذعة، والغنم يدخل فيه الضأن والمعز، فيدفع من الضأن نصفاً ومن المعز نصفاً، ويكون ربع المعز ثنايا، والثنية هي التي لها سنة، ويدفع الربع الثاني من الجذع، وهي التي لها نصف سنة، وكأنهم أطلقوا وهم يريدون أن تكون من الضأن؛ لأن الجذع من الضأن يضحى به، والجذع هو الذي له ستة أشهر، فكأنهم يقولون: تكون الألفان من الغنم كلها ضأناً، نصفها ثنية تم لها سنة، ونصفها جذعة تم لها نصف سنة.

    وتعتبر السلامة ولا تعبر القيمة، فلا يدفع من الإبل ولا من الغنم ولا من البقر المعيب، بل تكون سالمة من العيوب التي لا تجزئ معها في الأضحية، ومعلوم أنه لا يضحى بالعوراء ولا بالعرجاء ولا بالمريضة، ولا بالحتماء التي ذهبت ثنايها من أصلها، ولا بالجرداء التي نشف ضرعها، ولا بالهزيلة التي لا مخ فيها، فكذلك لا تدفع التي فيها هذه العيوب في الدية.

    ولا تعتبر القيمة، فلو كان بعضها رخيصاً وبعضها غالياً فيلزم أهل الدية أن يأخذوها ولو تفاوتت قيمتها، فهذه دية الرجل الحر المسلم.

    دية المرأة المسلمة الحرة

    دية الأنثى نصف دية الرجل من أهل دينها، فالمسلمة نصف دية المسلم، والذمية نصف دية ذمي، والمجوسية نصف دية مجوسي، وأما جراح المرأة فإنها تساوي جراح الرجل فيما دون ثلث الدية، وإذا بلغت ثلث الدية أو أكثر فهي على النصف، وذكروا أن ربيعة بن عبد الرحمن سأل سعيد بن المسيب : كم دية الإصبع من المرأة؟ قال: عشر من الإبل. قال: فكم في إصبعين؟ قال: عشرون من الإبل. قال: فكم في ثلاثة أصابع؟ قال: ثلاثون من الإبل. قال: فكم في أربعة أصابع؟ قال: عشرون من الإبل. فقال: لما عظمت مصيبتها نقص قدرها؟! فقال سعيد : هكذا جاء الشرع، فإن دية المرأة على النصف من دية الرجل. فدية المرأة خمسون من الإبل، فلو أعطيناها في أربعة أصابع أربعين لكانت مقاربة لديتها الكاملة، فلذلك لا يكون لها إلا نصف الدية، كما لو قطعت يدها، فيد الرجل فيها خمسون من الإبل أو خمسون ألف ريال، ويد المرأة فيها خمسة وعشرون ألف ريال نصف ما في دية يد الرجل، فدية المرأة على النصف من دية الرجل، إلا أن الجراح مثل الرجل حتى تصل إلى ثلث الدية.

    دية الكتابي الحر

    الكتابي الحر الذي له ذمة وله عهد ويؤدي الجزية خاضعاً للمسلمين ديته نصف دية المسلم، فدية الحر من أهل الكتاب الذميين نصف الحر من المسلمين خمسون من الإبل، وهي خمسون ألفاً بالريال، ودية المرأة من أهل الذمة -أي: من اليهود والنصارى الذين لهم ذمة- خمسة وعشرون ألف ريال نصف دية الرجل.

    دية المجوسي

    المجوسي الذي لا دين له، وكذلك الوثني دية الواحد منهما ثمانمائة درهم، ودية المرأة أربعمائة درهم، وانظر الفرق! فالفرق كبير، فدية الكتابي ستة آلاف درهم، والمرأة إذا كانت كتابية ديتها ثلاثة آلاف درهم، وأما الوثني إذا كان له عهد أو المجوسي فديته أقل من الألف، ثمانمائة فقط، أي أنه أقل من المرأة، فالمرأة من أهل الكتاب ديتها ثلاثة آلاف، ودية المجوسي ثمانمائة، فدية المجوسي والوثني أقل من نصف سدس دية الرجل الحر المسلم، تقريباً ثلثا نصف السدس من دية الرجل الحر المسلم، أو تكون مثلاً ثلثي سدس دية الحر الكتابي.

    دية الرقيق وأرشه

    قال: [ودية رقيق قيمته].

    الرقيق المملوك ليس له دية إنما له ثمن؛ لأنه سلعة يباع ويشترى، فإذا جني عليه أو قتل فديته قيمته، فينظر كم يساوي لما كان حياً؟ يساوي ألفاً، أو يساوي عشرة آلاف، أو يساوي خمسين ألفاً، فتدفع ديته بالقيمة التي يساويها، سواءٌ أكانت مثل دية الحر أم أكثر أم أقل؛ لأنه فَّوته على سيده، ولأنه مال متقوم.

    قال: [وجرحه إن كان مقدراً من الحر فهو مقدر منه منسوباً إلى قيمته، وإلا فما نقصه بعد برء].

    يقولون: كل ما كان مقدراً من الحر يكون مقدراً من العبد بالنسبة، فإذا قطعت يد العبد ففيها نصف قيمته، كما أن يد الحر فيها نصف ديته، وإذا فقئت عين العبد ففيها نصف قيمته ولو لم ينقص إلا قليلاً؛ لأن هذا مقدر من الحر، فإذا قدرنا هذا العبد بعشرين ألفاً، ولما فقئت عينه صار يساوي ثمانية عشر ألفاً فما نقصت العين إلا ألفين، ولكن العين فيها نصف الدية من الحر، فعلى ذلك الجاني نصف قيمة العبد، أي: عشرة آلاف. هذا معنى قوله: [وجرحه إن كان مقدراً من الحر فهو مقدر منه منسوباً إلى قيمته، وإلا فما نقصه بعد برء]، فينظر في ذلك إلى الجرح، وينظر كم أنقصه، فيقال -مثلاً-: إنه شجه في وجهه، وجرحه في وجهه، والجرح الذي لا يصل إلى العظم ليس بمقدر، فقدروا قيمة العبد قبل أن يجرح بعشرين ألفاً، وقدروا قيمته لما كان فيه هذا الجرح، فهذا الجرح أنقصه ألفاً، فيقال: ادفع -أيها الجاني- ألفاً، وليس لك يا -سيد- إلا هذا المقدار، ويكون ذلك بعدما يبرأ الجرح.

    دية الجنين الحر

    قال: [ودية جنين حر غرة موروثة عنه].

    الجنين هو الحمل، والغرة هي العبد أو الأمة، هكذا في قصة الهذليتين لما قتلت امرأة لرجل من هذيل ضرتها، ضربتها بحجر فماتت هي وحملها، فقضى النبي صلى الله عليه وسلم في حملها بغرة عبد أو أمة، وقضى بديتها على عاقلة القاتلة، فقال ذلك المجني عليه: كيف ندي من لا أكل ولا شرب ولا استهل، فمثل ذلك يطل؟! فقال النبي صلى الله عليه وسلم: (إنما هذا من إخوان الكهنة) من أجل سجعه الذي سجع، وألزمه بأن يدفع دية الجنين، مع أنه مات قبل أن يخرج إلى الدنيا، فما أكل ولا شرب ولا استهل صارخاً، قال: فمثل ذلك يطل. يعني: يهدر من الدية. فهذه الغرة تورث عنه، فيقدر أنه حي، وأنها أخذت قيمة له، فيرثها من يرثه، وإذا جنى رجل على امرأة فضرب بطنها فأسقطت جنيناً قد تبين فيه خلق الإنسان ألزمنا ذلك الجاني بهذه الغرة، وتكون موروثة بين أبيه وأمه كميراث، وقيمتها عشر دية أمه، ودية المرأة عندنا خمسون ألفاً، فعشرها خمسة آلاف ريال، فالآن يحكمون في دية الجنين على الجاني في الإسقاط بخمسة آلاف، فإذا اعتدى إنسان على امرأة وضربها حتى أسقطت فإن عليه عشر ديتها، أي: خمسة آلاف ريال سعودي.

    دية الجنين القن

    إذا كان الحمل قناً، كما إذا وجدت أمة مملوكة، ولما كانت حاملاً ضربها رجل أو ضربتها امرأة وأسقطت وأجهضت فما دية ذلك الإجهاض؟

    ديته عشر قيمة الأمة، فنقدر كم تساوي هذه الأمة، فنقول: تساوي عشرة آلاف. فهذا الجنين فيه ألف، أي: عشر القيمة.

    [وتقدر الحرة أمة].

    إذا قدر -مثلاً- أنه ليس هناك إلا حرة ولم يكن لها قيمة فتقدر هذه الحرة بأنها أمة حتى ينظر في قيمة الجنين.

    جناية الرقيق

    يقول: [وإن جنى رقيق خطأ أو عمداً واختير المال أو أتلف مالاً بغير إذن سيده خير سيده بين فدائه بأرش جناية أو تسليمه لوليها].

    الرقيق المملوك قد يجني، فلو أن هذا العبد المملوك تعدى على إنسان وجرحه في رأسه، أو فقأ عينه، أو قطع يده، أو قلع أسنانه، فجنايته قد تكون خطأً وقد تكون عمداً، فالجناية تتعلق برقبته، فالمجني عليه الذي فقئت عينه يقول: هذا الذي جنى علي أنت سيده، وأنا لي حق فيه. فإذا قال ذلك المجني عليه الذي فقئت عينه: أريد القصاص، أريد أن أفقأ عين هذا العبد كما فقأ عيني.

    له ذلك؛ لعموم قوله: وَالْعَيْنَ بِالْعَيْنِ [المائدة:45]، أما إذا قال: لا حاجة لي بفقء عينه أو بقطع أنفه، ولكن أريد المال، فهذا قد اعتدى على عيني، أو قطع شفتي، أو قلع أسناني، أو قطع إصبعي، وأنا بحاجة إلى المال. فاختار المال فأنت -يا سيد- لك الخيار، إما أن تدفعه إليهم وتقول: خذوه عبداً لكم بهذه الجناية، أو تدفع هذه الدية وتسلمها إلى أولياء المجني عليه، وذلك لأن هذه الجناية تعلقت برقبته.

    وهكذا لو أتلف مالاً بغير إذن سيده، فلو أنه -مثلاً- حطم سيارة، أو عقر جملاً، أو قطع شجرة، أو هدم جداراً بغير إذن سيده فأصحاب هذه السيارة أو هذا المال قالوا: يا سيد! هذا عبدك هو الذي كسر سيارتنا، فأعطنا قيمتها. فنظرنا وإذا السيارة لا يصلحها إلا عشرون ألفاً، والعبد قيمته ثلاثة آلاف، فيقول: لا أعطيكم أي شيء، ولكن خذوا العبد لكم، هذا العبد هو الذي جنى عليكم، لا أدفع لكم أكثر من قيمته. فلهم أن يأخذوه ملكاً، أما إذا كانت قيمة إصلاح السيارة خمسة آلاف والعبد قيمته عشرة آلاف فقال: أنا أفديه فله ذلك، فيدفع الخمسة الآلاف فداء له، ويبقى العبد مملوكاً له، والله أعلم.

    1.   

    الأسئلة

    حكم من بلغ ولم يصم جاهلاً بوجوب الصوم

    السؤال: بلغت سن الثانية عشرة من عمري، وظهرت علي علامات البلوغ من الاحتلام ونبوت شعر العانة وغير ذلك، وبقيت إلى بلغ عمري أربع عشرة سنة ولا أعلم أحكام ذلك حتى حضرت الدروس العلمية، ولم أصم في تلك السنتين، فماذا علي؟

    الجواب: بالنسبة لصلاة يعفى عنها، وأما بالنسبة للصيام فلابد من القضاء، فإن الصلاة كثيرة، فهي صلاة سنتين، ولو كلف بقضائها لشق عليه، ولكن يكثر من النوافل، وأما الصيام فصيام شهرين، فيصومها ولو متفرقة أيامهما، ويكفر بأن يطعم عن كل يوم مسكيناً عن التأخير.

    تعين الدية بموت الجاني

    السؤال: إذا اختار أولياء الدم القصاص ثم مات الجاني هل تتعين الدية؟

    الجواب: مذكور في المتن أنه إذا مات الجاني تعينت الدية، حتى ولو كانوا قد قالوا: لا نريد إلا القصاص. لكن فات الأوان.

    سراية الجناية في القصاص

    السؤال: إذا قرر الطبيب الجنائي عدم سراية الجناية في حال القصاص، ثم وقع أن سرت الجناية، فعلى من الضمان؟

    الجواب: الصحيح أنه إذا أسقط حقه وقال: أريد القصاص فقيل له: اصبر حتى يبرأ جرحك فتعجل وقال: أريد أن أقتص فاقتص، ثم سرت الجناية فقد سقط حقه قياساً على ما ذكر في قصة الرجل الذي طعن بقرن في ركبته، وأما إذا ظهر البرء ثم اقتص وسرت الجناية فإن الجاني يضمن.

    حكم المعلم لو ضرب التلميذ فكسر أنفه

    السؤال: نهى النبي صلى الله لعيه وسلم عن الضرب في الوجه، فلو ضرب المؤدب تلميذه في وجهه من غير إسراف فانكسر أنف الولد، فهل يضمن لأنه فعل ما ليس مأذوناً له شرعاً؟

    الجواب: الصحيح أنه إذا ضربه في الوجه فقد عصى، قال النبي صلى الله لعيه وسلم: (إذا قاتل أحدكم فليجتنب الوجه)، والمؤدب لا يضرب في الوجه؛ لأن في الوجه الحواس، فيه العينان، وفيه الأنف، وفيه الشفتان، وفيه الفم، فلا يضرب في الوجه، ولأن آثار الضرب في الوجه تكون شيناً، فإذا تعمد وضرب في الوجه فإنه يضمن، وأما إذا لم يتعمد بأن أومأ بيده والطفل هو الذي تحرك حتى قابل تلك الضربة بوجهه ففي هذه الحال لا يضمن.

    حكم اللقطة في محطة القطار

    السؤال: يقول: وجدت مبلغاً من المال في محطة القطار، فهل أسلمه لجهة خاصة كالشرطة مثلاً، وماذا أفعل بهذا المبلغ؟

    الجواب: عليك أن تعرفه إذا كان كثيراً بأن تعلن عنه، ولا تذكر أوصافه، فإذا جاءك من يصفه ادفعه إليه، وإذا أيست من أنه سوف يعرف، أو عجزت عن التعريف والإنشاد له فيستحب أن تتصدق به.

    حكم قتل السيد عبده

    السؤال: ماذا لو قتل السيد عبده، فممن تكون المطالبة والمنازلة للدية وغير ذلك؟

    الجواب: على السيد أو على ورثته، إلا إذا أعتقه فإنها تتعلق برقبته.

    إذا طلبت زوجة المقتول الدية وأولياؤه يريدون القصاص

    السؤال: إذا اتفق الورثة كلهم بما فيهم الأب والأم والإخوة على قتل الجاني، وطلبت الزوجة الدية هل يؤخذ بقولها، علماً أن الزوجة قد تكون من قبيلة القاتل فتقف مع أهلها، وهذا مما يسبب فتناً كثيرة؟

    الجواب: صحيح أن هذا يقع كثيراً، ولذلك ذهب بعض العلماء المتقدمين إلى أن الزوجة إذا كانت أجنبية فلا يعتبر طلبها للدية، وإذا طلبت أعطيت بقدر الدية، هكذا قالوا، وذلك لأن القصاص حق للأولياء، وهي أجنبية لا يهمها قتل ذلك الجاني أو لم يقتل، إنما تريد المال، وقد ذكرنا بعض القصص، فأولياء القاتل ذهبوا إلى المرأة الأجنبية، وكان حظها من الدية -مثلاً- اثني عشر ألفاً وخمسمائة، فأعطوها مائة ألف أو خمسين ألفاً، وقالوا: اطلبي الدية. فلما طلبت الدية سقط القصاص، وتضرر وتألم أولياء القتيل.

    الحكومة فيما لا يمكن القصاص فيه من الأطراف

    السؤال: إذا قطعت يده من وسط الذراع، واختار أن تقطع يد الجاني من أصل الكف هل له أرش زائد؟

    الجواب: نعم. فاليد تطلق على اليد كلها إلى المنكب، وهذا لما قطعت يده من نصف الذراع قلنا له: لا تقطع إلا الكف، لأنه مفصل، فقطع الكف من الجاني وقال: أنا قد قطع نصف ذراعي. فهذا النصف الذي قطع فيه حكومة، فيعطيه الحاكم قيمة نصف الذراع.

    معنى السراية

    السؤال: ما معنى كلمة: (السراية)؟

    الجواب: السراية: هي تأثر الجرح إلى أن يحصل منه إما موت وإما تآكل. فيقال -مثلاً-: قطع الإصبع فتسمم الكف، فسرى ذلك التأثر والتسمم فأبطل حركة الأربعة الأصابع فقطعت، فسرى من إصبع إلى أربعة أصابع، وقد يسري أيضاً إلى النفس، فالسراية هي تعدي أثر الجرح أو أثر الجناية أو أثر القود.

    القود من الجاني إن كان مصاباً بمرض السكر

    السؤال: إذا كان الجاني مصاباً بمرض السكر هل يسقط عنه القصاص مماثلة؟

    الجواب: الظاهر أنه لا يسقط إلا بإسقاط المجني عليه؛ لأنه يريد حقه من القصاص، والسكر يمكن أن يعالج حتى لا يتأثر.

    حكم من يريد إنقاذ رجل فاختنق بسببه ومات

    السؤال: رجل سقط في حفرة، ثم جاء أناس لإنقاذه فربطوه بحبل، ولما أخذوا يسحبونه ليخرجوه من الحفرة خنق بهذا الحبل فمات، فهل يضمنونه؟

    الجواب: الظاهر أنهم يضمنون إذا جعلوا الحبل في عنقه فمات، وأما إذا ربطوا الحبل بيديه أو ربطوه بفخذيه أو في صدره فالغالب أنه لا يموت بذلك، فلا يضمنون.

    حكم تزويج الأب لولده

    السؤال: ذكر أن على السيد تزويج عبده إذا طلب ذلك، وتزويجه عليه واجب، فما حكم تزويج الرجل ولده الحر؟

    الجواب: يلزمه إذا كان قادراً، ولكن الحر يقدر أن يتكسب، فيقول: يا ولدي! أنا عاجز، وليس عندي مال أكفيك، ولكن تَكَسَّب واشتغل واحترف حتى تجمع مالاً لتزوج نفسك. وأما العبد فإنه مملوك لا يقدر أن يتكسب لنفسه، فهو يقول لسيده: إما أن تزوجني، وإما أن تعتقني، وإما أن تبيعني، ولا تتركني عزباً؛ لأني لا أقدر أن أتكسب.

    وصلى الله وسلم على نبينا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين.

    مكتبتك الصوتية

    أو الدخول بحساب

    البث المباشر

    المزيد

    من الفعاليات والمحاضرات الأرشيفية من خدمة البث المباشر

    عدد مرات الاستماع

    3086718663

    عدد مرات الحفظ

    756682180