إسلام ويب

شرح أخصر المختصرات [71]للشيخ : عبد الله بن عبد الرحمن الجبرين

  •  التفريغ النصي الكامل
  • الرضاع من المسائل الشرعية الشائكة، وقد جاء الشرع ببيانه أتم بيان وأوضحه، فبين ما يحرم من الرضاع وما لا يحرم، وما هو مقدار الرضاع المحرم، وكيفية الرضعة المحتسبة من الرضاع، وغير ذلك من مسائل الرضاع.

    1.   

    أحكام الرضاع

    قال المؤلف رحمه الله تعالى:

    [فصل

    ويحرم من الرضاع ما يحرم من النسب على رضيعٍ وفرعه وإن نزل فقط. ‏

    ولا حرمة إلا بخمس رضعاتٍ في الحولين، وتثبت بسعوطٍ، ووجورٍ، ولبن ميتةٍ، وموطوءةٍ ‏بشبهةٍ، ومشوبٍ. ‏

    وكل امرأةٍ تحرم عليه بنتها كأمه وجدته وربيبته إذا أرضعت طفلةً حرمتها عليه. ‏

    وكل رجلٍ تحرم عليه بنته كأخيه وأبيه وربيبه إذا أرضعت امرأته بلبنه طفلةً حرمتها عليه.

    ومن ‏قال: إن زوجته أخته من الرضاع بطل نكاحه. ‏

    ولا مهر قبل دخولٍ إن صدقته، ويجب نصفه إن كذبته، وكله بعد دخولٍ مطلقًا، وإن قالت ‏هي ذلك وكذبها فهي زوجته حكمًا. ‏

    ومن شك في رضاعٍ أو عدده بنى على اليقين.

    ويثبت بإخبار مرضعةٍ مرضيةٍ وبشهادة عدلٍ مطلقًا].

    الأدلة على وجود حرمة الرضاع

    الرضاع قد جاء ذكره في القرآن، قال الله تعالى في المحرمات: وَأُمَّهَاتُكُمُ اللَّاتِي أَرْضَعْنَكُمْ وَأَخَوَاتُكُمْ مِنَ الرَّضَاعَةِ [النساء:23] نص الله على تحريم اثنتين: الأم من الرضاعة، ويدخل فيها الجدة أم الأم، والجدة أم الأب، فكل منهن تكون أماً من الرضاعة، والأخت من الرضاعة يدخل فيها الأخت بنت الأب من الرضاعة، وكذلك بنت الأم، فكلاهما تدخل في اسم الأخت.

    ثم جاء الحديث بقوله صلى الله عليه وسلم: (يحرم من الرضاع ما يحرم من النسب)، وهذا من جوامع الكلم التي أوتيها النبي صلى الله عليه وسلم، ولهذا شرح هذا الحديث ابن رجب عند شرح الأربعين النووية، وأضاف إليها ثمانية أحاديث من جملتها هذا الحديث؛ لأنه مجمل يدخل تحته صور كثيرة (يحرم من الرضاع ما يحرم من النسب).

    الفرق بين قرابة الرضاع وقرابة النسب

    قرابة الرجل قسمان: النسب والصهر، قال الله تعالى: وَهُوَ الَّذِي خَلَقَ مِنَ الْمَاءِ بَشَرًا فَجَعَلَهُ نَسَبًا وَصِهْرًا [الفرقان:54]، أخبر بأنه خلق الإنسان من الماء، وأخبر بأنه جعله قسمين أو نوعين، أي: جعل القرابة نوعين: قرابة نسب، وقرابة صهر، فالنسب هم الآباء والأجداد والإخوة والأخوات، وأبناء الإخوة وأبناء الأخوات، وكذلك -أيضاً- الأخوال وأبناؤهم والخالات، والأعمام والعمات وأولادهم، وأعمام الآباء يسمون أنساباً، يعني: أقارب ينتسب إليهم، وينتمي إليهم، فيقول: أنا ابن فلان ومن آل فلان.

    وأما الصهر: فهو القرابة من النكاح كأبي الزوجة وأبيه -أبوها وجدها- وأجدادها، وكذلك إخوتها وأخواتها وأعمامها، هؤلاء أصهار، والصهر: القريب من النكاح.

    والنبي صلى الله عليه وسلم في هذا الحديث إنما خص النسب: (يحرم من الرضاع ما يحرم من النسب) أي: من القرابة بالولادة، جاء في رواية أخرى: (الرضاعة تحرم ما تحرم الولادة) وهو نص على أن القرابة الحقيقية هي الولادة، ولكن قرابة الرضاعة لها نوع قرابة، فجعلها مثل النسب، ولكن القريب من الرضاعة قرابته قرابة محرمية، ليس مثل قرابة الولادة، فمثلاً: القريب من الولادة تجب نفقته عليه إذا احتاج إلى ذلك، أما القريب من الرضاعة فليس كأخيك من الولادة إذا افتقر أنفقت عليه حتى تسد خلته، وإذا مات الأخ من الولادة وليس له أولاد ولا أب فإنك ترث منه، وليس كذلك الأخ من الرضاعة.

    وهكذا -أيضاً- القرابة من الولادة عليهم عقل الدية، فإذا قتل أحدهم إنساناً خطأً ألزمنا قرابته أن يدفعوا الدية، ويسمون بالعاقلة، وليس كذلك القرابة من الرضاعة، فلا يدفعون الدية مع العاقلة، وإنما القرابة من الرضاعة تسبب المحرمية، وتسبب منع النكاح، وتسبب جواز السفر بها، يعني: أختك من الرضاعة حرام عليك نكاحها، وهي محرم لك، فيجوز أن تكشف لك، وتسافر بها كمحارمك ولو مكاناً بعيداً، فلها نوع حق.

    ومع ذلك إذا افتقرت لا تجب عليك نفقتها، ولا ترث منها إذا ماتت، ولا تعقل -يعني: تدفع من الدية- إذا قتل أحد إخوتك من الرضاعة، وإنما حق هذه القرابة زيارة واستزارة، واستضافة، وإجابة دعوة، وإكرام، وهدية، وقبول هدية، وما أشبه ذلك؛ لأن لها هذه القرابة.

    المحرمية المترتبة على الرضاع تكون في حق الرضيع وفروعه فقط

    سبب هذه القرابة: الرضاعة، الطفل في حال صغره يتغذى على هذا اللبن، وينبت عليه لحمه وعظمه، فلما نبت على هذه الرضاعة من هذه المرأة كانت هذه المرأة كأنها أنبتت لحمه من لبنها، فصار لبنها سبباً في نباته وتغذيته، فأصبح لها حكم الأمومة، وأصبحت كأنها أم له في هذه المحرمية، فكان لها حق الاحترام، وكان لها حق الأمومة، وحرم عليه نكاحها، وألحقت بمحارمه من النسب، وألحق بها -أيضاً- أقاربها الذين هم إخوتها وأخواتها ونحوهم.

    يقول هاهنا: (يحرم من الرضاع ما يحرم من النسب على رضيعٍ وفروعه وإن نزل).

    المحرمية تكون على الرضيع لا على أصوله، ولا على حواشيه، فأنت إذا رضعت من امرأة تصير هي أمك، فإخوتك أجانب لها، ولهم أن يتزوجوها، وأن يتزوجوا من بناتها وأخواتها، أما أنت فلا تتزوجها ولا تتزوج من بناتها، وأولادك مثلك؛ لأنهم أولاد ابنها، ويصيرون محارم لها، وبناتها -أيضاً- محارم لأولادك.

    كذلك أبوك وأجدادك أجانب منها، فالمحرمية تتعلق بالرضيع، فهو الذي يكون ابناً لها، وكذلك أقاربها، فأختها خالته من الرضاعة؛ لأنها أخت أمه، وأمها وجدتها كجدتك من النسب، كذلك خالتها تصير كخالة أمك، وتصير محرماً لك، ألست محرماً لخالة أمك؟

    خالة أمك من الولادة تكشف لك، وعمة أمك من الولادة تكشف لك، فهكذا -أيضاً- خالة أمك من الرضاع، وعمة أمك من الرضاع، وزوجها الذي رضعت منها وهي في ذمته هو الذي تسبب في وجود هذا اللبن، فيكون أباك من الرضاع، وكذلك إخوته أعمامك من الرضاع.

    وتذكرون قصة أفلح أخي أبي القعيس عندما استأذن على عائشة فامتنعت من الإذن له، وقالت: إن أبا القعيس ليس هو أرضعني، وإنما أرضعتني امرأة أبي القعيس، فقال لها: أرضعتك امرأة أخي أي: بلبن أخي، اللبن لـ أبي قعيس، فهو الذي تسبب في وجوده.

    امرأة أبي القعيس أرضعت عائشة ، فأصبحت المرأة أم عائشة، وأصبح أبو القعيس أبا عائشة ، وأصبح أخوه الذي اسمه أفلح عمها، فلما جاء النبي صلى الله عليه وسلم وسألته قال: (ائذني له؛ فإنه عمك من الرضاعة).

    هذا دليل على أن أقارب المرضعة وأقارب زوجها يكونون محارم للرضيع، وبناتها أخواته، وكذلك بنات بناتها وإن بعدن، كذلك أخواتها خالاته، جداته عماتها، وزوجها أبوه، وأخوات زوجها عماته، وكذلك إخوانه أعمامه، وأعمامه أجداده، وعماته جداته، وخالاته كذلك.. وهكذا: (يحرم من الرضاع ما يحرم من النسب).

    اشتراط خمس رضعات لثبوت حرمة الرضاع

    اختلفوا في مقدار الرضاع المحرم، يقول هنا: (ولا حرمة إلا بخمس رضعات) هذا هو المذهب، واستدل على ذلك بحديث عن عائشة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (لا تحرم المصة والمصتان، ولا الإملاجة والإملاجتان)، وذكرت عائشة وقالت: (كان مما أنزل في القرآن عشر رضعات معلومات يحرمن، ثم نسخ ذلك بخمس رضعات، فمات النبي صلى الله عليه وسلم وهي مما يُقرأ)، لكن هذا مما نسخ لفظه وبقي حكمه، فيدل على أن الذي يحرم خمس رضعات، هذا هو المذهب.

    والمالكية يقولون: يحرم قليله وكثيره، ولو مصة واحدة، وأخذوا ذلك من إطلاق الآية والحديث: (يحرم من الرضاع ما يحرم من النسب) فجعلوا الحكم عاماً في رضعة واحدة أو أكثر، فإذا حصل الرضاع ولو مصة واحدة حرم.

    ويرد عليهم بحديث عائشة الذي ذكرنا: (لا تحرم الرضعة والرضعتان، ولا المصة والمصتان، ولا الإملاجة والإملاجتان) وهذا دليل على أن القليل ما يحرم.

    وذهب الأحناف إلى أنه لا يحرم إلا عشر رضعات، قالوا: لأنه هو الذي يصدق عليه أنه نبت به الجسم، ورد في الحديث أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (لا يحرم من الرضاع إلا ما أنبت اللحم وأنشز العظم) (أنبت اللحم) يعني: مع التغذية نبت عليه لحم الطفل، (وأنشز العظم) أنشزه: رفعه، والإنشاز: هو الرفع والظهور، ومنه قوله تعالى: وَانظُرْ إِلَى الْعِظَامِ كَيْفَ نُنشِزُهَا [البقرة:259] ، فيقولون: أربع رضعات، خمس رضعات، سبع رضعات، هذه قليلة لا يمكن أن اللحم ينبت بها، فلا بد من رضعات ينبت بها اللحم، فجعلوا أقل ذلك عشراً، هذا قول الأحناف.

    والمشهور -أيضاً- عن الشافعية كالحنابلة خمس رضعات، وحيث جاء الحديث الذي ذكرت عائشة فإنه يعتبر، وهو الأقرب، وعليه العمل، أي: خمس رضعات.

    كيفية الرضعة التي تحسب من الخمس الرضعات

    واختلفوا في ماهية الرضعة، ما المراد بالرضعة التي جاء فيها هذا الحديث: خمس رضعات؟!

    من العلماء من يقول: الرضعة هي المصة، يعني: مجرد ما يمص، واستدلوا بقوله: (لا تحرم المصة والمصتان)، الطفل إذا أمسك الثدي فإنه يمص مصة ثم يبتلع، ثم يمص ثم يبتلع، وهكذا، ولكن نقول: إن هذه المصة قد لا تحصل بها التغذية.

    القول الثاني: أن الرضعة هي الإمساك والإطلاق. يعني: إمساك الثدي، فإذا تركه حسبت رضعة ولو بعد نصف ساعة، أو بعد لحظة، فإذا امتص منه ثم تركه حسبت رضعة سواء طال إمساكه أو قصر، وهذا هو القول الأقرب.

    وذهب آخرون إلى أن الرضعة هي الشبع، ويختار هذا القول ابن بسام في تيسير العلام، يقول: قياساً على الأكلة والوجبة، والإنسان إذا قال: أكلت عند فلان أكلة. فمعناه: أكل حتى شبع، ويقولون: فلان يأكل كل يوم أكلتين، أو كل يوم ثلاث أكلات، فالأكلة هي الأكل حتى الشبع، فقاس عليها أن الرضعة هي الشبع أو الري، سواء كان صغيراً أو كبيراً، فإذا ارتضع حتى روي سواء بإمساكة واحدة أو بخمس إمساكات، ما دام أنه يمتص، ثم يطلقه للتنفس، ثم يمسكه ويمتص، ثم يطلقه للتنفس، ثم يمسك.. إلى أن يروى، وإذا فرغ ما في الثدي نقلته إلى الثدي الآخر، فإذا روي صدق عليها أنها رضعة.

    والعمل والفتوى على القول الوسط: أن الرضعة هي الإمساكة، سواء طال الإمساك أو قصر، وهذا هو الأقرب؛ لكن استثنوا من ذلك إذا نزعت الثدي من فمه، أما إذا تركه هو من نفسه فإنا نحسبها رضعة، فإذا امتص منه فنزعته فإنها هي التي تسببت، فلا بد أن تتركه إلى أن يتركه من نفسه، سواء كان قد روي، أو تركه للتنفس، أو تركه ليرتاح قليلاً ثم يرجع إليه، فإنها تعتبر رضعة إذا تركه اختياراً، فتكون خمس رضعات، قد تكون مجتمعة وقد تكون متفرقة.

    ويحدث أن كثيراً من النساء ترضع طفلاً، ولكن تشك في عدد الرضعات، إذا شكت فالعمل على اليقين كما يأتي.

    لا يحرم الرضاع إلا إذا كان في الحولين

    أما قوله: في الحولين.

    أي: في مدة الرضاع، قال الله تعالى: وَالْوَالِدَاتُ يُرْضِعْنَ أَوْلادَهُنَّ حَوْلَيْنِ كَامِلَيْنِ لِمَنْ أَرَادَ أَنْ يُتِمَّ الرَّضَاعَةَ [البقرة:233]، فيدل على أن الرضاع هو الذي يكون قبل الفطام، إذا تم الصبي حولين فطم عادة، ولا يجوز إرضاعه بعد الحولين، والعادة أنه يأكل ويتغذى.

    لكن أجاز بعض العلماء من الحنفية الزيادة على الحولين، وبعض الأطفال يكون نضو الخلقة، ضعيف البنية، ومع ذلك يتم الحولين وهو لا يتغذى ولا يقبل الطعام، فأباحوا له الزيادة نصف سنة، ولكن لما جاء الحديث بأن الرضاعة قبل الفطام اقتصر على الحولين، فلا يحرم إلا إذا كان الرضاع في الحولين؛ لأنه هو الذي تحصل به التغذية، وفي حديث عن عائشة (دخل عليها النبي صلى الله عليه وسلم وعندها رجل، فكأنه أنكره، قالت: أخي من الرضاع. قال صلى الله عليه وسلم: انظرن من إخوانكن! فإنما الرضاعة من المجاعة) يعني: تأكدي من الأخ، فليس كل من يدعي أنه أخ يكون أخاً من الرضاع، إنما الرضاعة من المجاعة، الرضاعة التي تحرم هي التي ترفع الجوع؛ وذلك لأن الرضيع يكون جائعاً، فإذا ارتضع فذلك الرضاع يشبعه فيكون غذاءً له، ويدفع الجوع عنه.

    رضاع الكبير لا يحرم

    إنما الرضاعة من المجاعة، ومعلوم أن الرضاعة بعد ذلك لا تكون رافعاً للجوع، وهذا هو الصحيح الذي عليه العمل: أن رضاع الكبير لا يحرم، أي: بعد الفطام، وما كان بعد الحولين ولو تغذى به، ولو كثر فلا يحرم.

    وجاء حديث عن امرأة أبي حذيفة (اشتكت للنبي صلى الله عليه وسلم وقالت: إن سالماً إنما نعده ولداً، وإنه قد بلغ مبلغ الرجال، وإني أرى أبا حذيفة يكره أو يسوءه دخوله علي فقال: أرضعيه تحرمي عليه) مع أنه رجل ذو لحية! فأرضعته خمس رضعات، فكان يدخل عليها كأنه أحد أولادها مع أنه كبير.

    فمن العلماء من أخذ بهذا الحديث مطلقاً وقال: يحرم رضاع الكبير كما يحرم رضاع الصغير؛ لهذا الحديث.

    ومنهم من قال: إنه خاص بـ سهلة امرأة أبي حذيفة ، فهو من الخصوصيات للعلة التي ذكرت بأنه كان مولى وخادماً لهم، مع أنه ليس مملوكاً ولكنه مولى، فيحمل على الخصوص، فلا يعارض الأحاديث الأخرى كحديث: (إنما الرضاعة من المجاعة)، ورضاع الكبير لا يقطع الجوع، فالرضاع إنما يحرم إذا أنبت اللحم وأنشز العظم، ورضاع الكبير لا ينبت اللحم ولا ينشز العظم، ولا يحصل به الشبع، فلا يكون محرماً، فيكون من خصائص سهلة امرأة أبي حذيفة .

    و عائشة رضي الله عنها عملت بهذا الحديث، فكانت إذا أرادت أن يدخل عليها رجل من التلاميذ الذين يقرءون عليها أو يستفيدون أمرت أختها أو بنت أخيها أن ترضعه حتى يكون ابن أختها أو نحو ذلك، أما بقية أمهات المؤمنين فامتنعن من ذلك، وقلن: إن قصة سالم خصوصية.

    ذهب شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله إلى أنه: إذا وجد امرأة ابتليت بما ابتليت به سهلة ، واضطرت إلى أن يدخل عليها بعض الرجال، فإنها إذا أرضعته حرمت عليه، وصار محرماً لها، وأما سائر الناس فلا يحرم، فيكون خاصاً بمن كان مثل سهلة .

    وهذا قول جمع بين الأحاديث.

    الرضاع بالسعوط والوجور ولبن الميتة واللبن المشوب

    كيفية الرضاع!

    الأصل أنها الامتصاص: أن يمسك الثدي بشفتيه، ثم يمص، وإذا ولد الطفل ألهمه الله أن يمص؛ ليكون ذلك المص كغذاء له إلهاماً من الله، فالأصل أن الرضاع: هو الامتصاص بالفم، فإذا انصب اللبن في فمه ابتلعه.

    وألحقوا به غيره، فألحقوا به السعوط، فلو جعلت اللبن في إناء، وأدخلت قصبة في أنفه، وصببت مع تلك القصبة إلى أن وصل إلى حلقه وابتلعه فهذا يسمى سعوطاً، وبه يصدق عليها أنها أرضعته؛ لأن هذا اللبن وصل إلى جوفه ولو من غير الفم، يعني: دخل من المنخر أو المنخرين، فيكون غذاءً يتغذى به، فهذا هو السعوط.

    والوجور: إذا جعلت اللبن في إناء صغير، وذلك الإناء قد يكون له ثعبة ينصب منها اللبن، فجعلت الثعبة في شقه، وصبت من تلك الثعبة ذلك اللبن، أصغت الإناء الذي فيه الثعبة حتى انصب من الثعبة في جوفه، هذا يسمى الوجور.

    ولبن الميتة: لو قدر أن امرأة ميتة وكان فيها لبن، وارتضعه الطفل، فارتضع منها خمس رضعات، صدق عليه أنه ارتضع من لبنها؛ وذلك لأنه يغذي، ولو كانت قد ماتت.

    ولبن الموطوءة بشبهة: امرأة وجدها رجل على فراشه وظنها امرأته فوطئها وحملت منه وولدت، فذلك الولد ينسب إلى ذلك الواطئ لأنه يعترف بأنه منه، وإن كان محرماً عليه وطؤها وليست زوجة له، ولكن لم يكن متعمداً؛ ولبنها يحرم؛ لأنه لبن امرأة جاء عن حمل، وتكون أماً لمن أرضعته، وصاحب اللبن الذي وطئها يكون هو أبا ذلك الطفل الذي ترضعه.

    ويحرم المشوب المخلوط، الشوب: هو خلط اللبن بماء، تذكرون، يقول بعض الشعراء يفتخر بالعلم:

    هذا الفخار لا قعبان من لبن شيبا بماء فعادا بعد أبوالاً

    يعني: أن الافتخار والشرف يكون بالعلم لا بهذا اللبن الذي يشاب بالماء. والقعب: هو ما يصب فيه اللبن يحتقن في السقاء ونحوه، فإذا كان اللبن مشوباً بماء، ثم امتصه هذا الطفل خمس مرات صدق عليه أنه قد رضع من لبن هذه المرأة، فمثلاً إذا حلبته في هذا الكأس، ولما حلبته كان قليلاً فصبت عليه ماءً، ثم شربه ذلك الطفل، أليس قد تغذى بلبنها؟ لا شك أنه تغذى غذاءً كافياً، يعني: شبع أو ارتوى منه.

    وكذلك لو صبته في الرضاعة التي يرضع منها الأطفال اليوم، وغالب النساء اليوم لا ترضع ولدها، إنما تأخذ له من اللبن الصناعي، ثم إذا صبته في الإناء صبت عليه ماءً، وحركته، ثم صبته في تلك القارورة التي لها مثل الحلمة، ثم ترضعه للطفل، فلو أن امرأة حلبت من لبنها في تلك القارورة، وارتضع الطفل من الحلمة كما يرتضع من الثدي، صدق عليه أنه ارتضع من لبنها إذا تم خمس رضعات.

    ما يتفرع على الرضاع من المحارم

    يقول: (وكل امرأةٍ تحرم عليه بنتها كأمه وجدته وربيبته إذا أرضعت طفلةً حرمتها عليه).

    لأنها تكون أخته، أو تكون خالته، أو تكون بنت ربيبة، وبنت الربيبة ربيبة.

    أمك إذا أرضعت طفلة فتلك الطفلة أختك من الأم، وكذلك زوجة أبيك، إذا أرضعت الطفلة فإنها تكون أختك من الأب، لأنها ارتضعت من زوجة أبيك بلبن أبيك، فبنتها تكون أختك من الرضاعة، يعني: رضعت من زوجة أبيك، فهي أختك من الأب.

    جدتك -أم الأم- أليس بناتها من الولادة خالاتك؟ وكذلك بناتها من الرضاعة خالاتك أيضاً أرضعتهن جدتك وجدتك أم الأب أليس بناتها حراماً عليك لأنهن عماتك، وبناتها من الرضاعة كذلك أخوات أبيك من الرضاعة، فهن عماتك.

    ربيبتك التي هي بنت زوجتك، أليست حراماً عليك؟ يقول تعالى: وَرَبَائِبُكُمُ اللَّاتِي فِي حُجُورِكُمْ [النساء:23] ، وإذا كانت ربيبتك بنت زوجتك محرمة عليك، فكذلك بنتها؛ لأنها تقول: أمي ربيبتك، جدتي زوجتك، فأنا محرم. هذه بنت الربيبة، وكذلك ولد زوجتك من غيرك أليس ربيباً؟ فكذلك بنته محرم لك، تكشف لك بنت ربيبك؛ لأنها تقول: جدتي أم أبي زوجتك. فتكون محرماً لك، هذه بنت الربيب.

    وبنت أمك من الرضاع تكون أختك، وبنت زوجة أبيك تكون أختك، وبنت جدتك أم الأب تكون عمتك، وجدتك أم الأم بنتها خالتك، وربيبتك بنتها بنت ربيبتك، وبنت ربيبك -أيضاً- محرم لك، هذه من الفروع المحارم.

    يقول: (وكل رجل تحرم عليه بنته كأخيه وأبيه وربيبه إذا أرضعت امرأته بلبنه طفلة حرمتها عليه).

    صورنا بنت الربيب، والآن نصور بنت الأخ: أليست بنت أخيك تكشف لك، أنت عمها وهي بنت أخيك من الولادة؟ كذلك بنته من الرضاعة، لو كان لأخيك أربع نسوة، ثم إن واحدة أرضعت طفلة رضعة، والثانية أرضعتها رضعة، والثالثة أرضعتها رضعة، والرابعة أرضعتها رضعتين، فهذه الطفلة ليست بنتاً لواحدة من الزوجات، وكل واحدة منهن لا تقول: إني أمها؛ لأنها ما أرضعتها إلا رضعة أو رضعتين، ولكن الزوج يكون أباها؛ لأنها رضعت من لبنه خمس رضعات، من هذه واحدة، ومن هذه ثنتين، وهكذا، فرضعت من لبنه خمس رضعات فتكون بنته من الرضاع.

    فكذلك تكون بنتاً لإخوته، إذا أرضعت امرأتك طفلة فإن إخوتك محارم لتلك الطفلة، وإذا كان الرضاع محرماً، فكل واحدة تقول لأخيك: أنت عمي، أنا رضعت من لبن أخيك؛ لقصة عائشة مع أفلح ، ذكرنا أن أفلح أخا أبي القعيس قال لـ عائشة : (أرضعتك امرأة أخي بلبن أخي)، فهذا مثال الأخ، وكذلك الأب والجد.

    بنات أبي أبيك عماتك من النسب، وبناته من الرضاع كذلك عماتك من الرضاع، إذا أرضعت امرأة أبيك طفلاً أو طفلة فهو أخوك أو أختك، وامرأة جدك، أليس بناتها عماتك؟ فكذلك بنات امرأة جدك أخوات أبيك وعماتك، فبناتها من الرضاع كذلك عماتك من الرضاع.

    ربيبك الذي هو ابن زوجتك ابنته -أيضاً- محرم لك؛ لأنها تقول: جدتي زوجتك.

    إذا ادعى الزوج أن زوجته أخته من الرضاع

    يقول: (ومن ‏قال: إن زوجته أخته من الرضاع بطل نكاحه)

    إذا اعترف بامرأة وقال: هذه أختي من الرضاع. فلا يحل له نكاحها، وكذلك إذا كان قد تزوجها بطل النكاح؛ وذلك لأنه أقر على نفسه بأنها لا تحل له، واعترف بأنها أخته من الرضاع، أما لو قال: أنتِ أختي. ويريد بذلك أخوة الصداقة والمودة والمحبة فلا يبطل النكاح، وكثيراً ما يقول الإنسان لزوجته: يا أمي.. يا أختي.. يا بنتي. يريد بذلك في المودة، فلا يبطل نكاحه، وأما إذا قال: هذه أختي من الرضاع بطل نكاحه.

    فإذا كان ذلك قبل الدخول، وقالت: صدق، أنا أخته من الرضاع بطل النكاح، هل لها مهر؟ ليس لها مهر؛ لأنه يقر بأنها محرمة عليه، وهي كذلك تقر بذلك، والعقد قد بطل، فلا تستحق عليه صداقاً.

    أما إذا قالت: ليس كذلك، ولا قرابة بيننا، وأنت كاذب، ولست أختك. في هذه الحال يفرق بينهما؛ لأنه اعترف بأنها لا تحل له، ولكن تطالبه بنصف الصداق قبل الدخول؛ لأنها تعترف بأنها حلال له، والعقد قد حصل، فتكون فرقته كأنها طلاق، والله تعالى يقول: وَإِنْ طَلَّقْتُمُوهُنَّ مِنْ قَبْلِ أَنْ تَمَسُّوهُنَّ وَقَدْ فَرَضْتُمْ لَهُنَّ فَرِيضَةً فَنِصْفُ مَا فَرَضْتُمْ [البقرة:237]، فلها نصفه.

    أما إذا كان قد دخل بها، وسواء خلا بها ووطئها أم لا، ففي هذه الحال تستحق الصداق كله، وإذا كانت قد كذبته أنه أخوها، وقالت: لست أختك، ولا قرابة بيننا.

    وإذا قالت: أنا لا أحل لك، أنا أختك من الرضاعة. وكذبها، فهل نفرق بينهما؟ لا يفرق بينهما؛ وما ذاك إلا لأننا لا نقبل قولها عليه، فيمكن أنها أخطأت، وقولها هذا كأنها تريد فراقه، والفرقة من قبل الرجل لا من قبل المرأة، فتبقى الزوجية بينهما، لكن إن أتت ببينة تشهد بأنه رضع من أمها أو رضعت من أمه، فإنه يفرق بينهما بموجب البينة.

    الشك في الرضاع

    قال: (ومن شك في رضاع أو شك في عدده بنى على اليقين):

    لأن الأصل الإباحة، والأصل عدم الرضاعة، وصورة ذلك: إذا قالت المرأة: أنا في شك هل أرضعت هذا الطفل أو ما أرضعته. وتوقفت عن الجزم، ففي هذه الحال لا محرمية، فلا يقال بشيء مشكوك فيه.

    وإذا ادعت فقالت: نعم، أنا أرضعته، ولكني نسيت مع طول الزمان، فلا أدري أرضعته رضعة أو رضعتين أو ثلاث رضعات أو عشر رضعات، أتذكر أنني أرضعته، ولكني أشك في عدد الرضعات. ولم يكن هناك علامات ولا قرائن يعرف بها عدد الرضعات، ففي هذه الحال لا محرمية.

    ثم يفرقون بين رضاع الصغير والكبير، والعادة أن الصغير الذي في الأربعين أو في الشهرين الأولين رضاعه قليل، ونفسه قصير، ففي المجلس الواحد يمكن أن ترضعه خمس مرات أو أكثر، فإذا قالت: نعم، أنا أرضعته جلسة أو جلستين، استغرق ساعة أو ساعتين وهو في الشهر الأول، كلما بكى أرضعته؛ ففي هذه الحال يغلب على الظن أنه محرم، فنحتاط ونقول: محرم؛ لأن الطفل يرضع عدة رضعات في الجلسة الواحدة إذا كان في الشهر الأول أو نحوه.

    وأما إذا كان في السنة الأولى كأن يكون ابن خمسة أشهر أو أكبر منها فالعادة أنه يطيل الامتصاص، وإذا أمسك الثدي فإنه لا يتركه حتى يشبع أو حتى يفرغ ما في الثدي من اللبن، فإذا قالت: أنا أرضعته جلستين وعمره ستة أشهر. فالأصل أنها رضعتان لا أكثر، ويمكن أنها أربع رضعات، كل جلسة ترضعه من هذا الثدي، وإذا انتهى ما فيه نقلته إلى الثاني، فتكون أربع رضعات في الجلستين، والأربع أيضاً لا تحرم.

    وكذلك كثير من النساء تقول: إني أرضعه ولكن لمناسبات، ويحصل هذا عند أهل البوادي، تقول: إن أمه تذهب لرعي الغنم أو لحلب غنمها ونحو ذلك، وتتركه يبكي وأرق عليه، فألقمه ثديي، وإذا ألقمته ارتضع منه إلى أن يسكت أو إلى أن ينام، أو حتى ترجع أمه عدة مرات، ففي هذه الحال يغلب على الظن أنه محرم؛ وذلك لأن عادة الطفل أنه إذا بكى إنما يسكت إذا التقم الثدي، فيحكم بالرضاع إذا كانت ترضعه كلما ذهبت أمه أو نحو ذلك، فيحمل قولها على أنها قد أرضعته، ويحكم بأنها أمه من الرضاع.

    وإذا لم يكن فيها لبن، إنما يمسك الثدي لأجل أن يسكت وهي كبيرة في عمر ستين أو سبعين سنة، فمعلوم أنه لا يؤثر إمساكه، فهو كما يمسك المصاصة، وإنما تمسكه حتى يمتص لأجل أن يسكت، فيمتص منه فلا يؤثر، لكن وجد أن كثيراً من كبار السن درت وهي بنت ثمانين على طفل، وهذا وقع كثيراً؛ فمثلاً: ماتت أم هذا الطفل وهو في الشهر الأول، ولم يكن هناك من يرضعه، لا عمة ولا خالة ولا غير ذلك، وكان هناك جدة أبيه أو نحو ذلك، فمن رقتها به وشفقتها عليه تدر عليه بإذن الله من آثار الرقة، ففي هذه الحال يحرم لبنها؛ لأنه اعتبر زاده.

    وأما إذا كانت بكراً فإنه لا يحرم، يعني: لو أن شابة ما تزوجت، وعمرها في العشرين أو نحوه فدرت على طفل، فهل يحرم؟ لا يحرم؛ لأن هذا اللبن لم يتولد من حمل، وليس لها زوج، فالغالب أنه ليس لبناً صريحاً، وأنه لا يحصل به التغذية، فلا يكون محرماً.

    ما يثبت به حكم الرضاع

    وإذا ارتضع اثنان من امرأة أجنبية ليست أماً لواحد منهما فإنهما يكونان أخوين من الرضاعة، ودليل ذلك: قصة عقبة بن عامر ، يقول: إني تزوجت أم يحيى بن أبي إهاب ، فجاءتنا أمة سوداء، وقالت: إني قد أرضعت عقبة والتي تزوج. فتوقف في ذلك عقبة وقال: لا أعرف أنك أرضعتني. فأصرت وقالت: بلى، قد أرضعتك وأرضعتها. بمعنى أنها لا تحل له لأنها أخته، وإن لم يكن رضعت من أمه ولا رضع من أمها، ولكن رضعا جميعاً من امرأة أخرى.

    وتذكرون في القصة أن عقبة كان بمكة، ثم إنه رحل إلى المدينة، والنبي صلى الله عليه وسلم في المدينة، يقول: فسألته فأعرض عني، فسألته وقلت: إنها كاذبة. فقال: (كيف وقد ادعت أنها أرضعتكما! دعها عنك) فطلقها وفارقها عقبة ، وتزوجت غيره.

    فيقولون: يثبت بإخبار مرضعة مرضية، وبشهادة عدل مطلقاً رجل أو امرأة؛ لقصة عقبة هذه، فإن امرأة واحدة تقبل شهادتها، سواء كانت هي المرضعة أو غيرها، وإذا جاءت امرأة وقالت: أشهد أن هذا الطفل أو هذا الشاب قد رضع من لبن فلانة.. امرأة سمتها. أو جاء رجل وقال: أشهد أن هذا الطفل أو هذا الشاب قد رضع من لبن فلانة، فإنه يقبل قوله، أي: يثبت الرضاع بشهادة امرأة واحدة، أو بشهادة رجل واحد، أو بشهادة المرضعة نفسها؛ وذلك لأنه لا يعلم إلا من قبلها، فيترتب على ردها عدم ثبوت الرضاع.

    والأصل أن الرضاع غالباً يكون خفياً، وليس هناك شهود، ولا يوجد رجال يقولون: نشهد أنا رأينا هذه المرأة ترضع هذا الولد، والغالب أنه شيء يختص بالنساء، وذكروا في الشهادات أن النساء تقبل شهادتهن في الأشياء التي لا يطلع عليها الرجال غالباً، فإذا جاءت المرضعة وأخبرت بأنها قد أرضعت هذا الطفل قبل قولها، أو جاءت امرأة وقالت: إنها قد أرضعت هذا أو هذه قبل قولها، أو شهد بذلك شاهد واحد.

    ومسائل الرضاع مسائل كثيرة توسع فيها العلماء، ولكن المؤلف اقتصر على أهمها.

    مكتبتك الصوتية

    أو الدخول بحساب

    البث المباشر

    المزيد

    من الفعاليات والمحاضرات الأرشيفية من خدمة البث المباشر

    الأكثر استماعا لهذا الشهر

    عدد مرات الاستماع

    3086718663

    عدد مرات الحفظ

    756370652