إسلام ويب

شرح أخصر المختصرات [37]للشيخ : عبد الله بن عبد الرحمن الجبرين

  •  التفريغ النصي الكامل
  • جاءت الشريعة بجلب المصالح للخلق، ودفع المفاسد عنهم، ومن أحكامها التي فيها مصالح للعباد: الحجر على المفلس، والحجر على الصغير والمجنون والسفيه، صيانة للحقوق والأموال من الضياع والتلف، وقد بين أهل العلم تفاصيل ذلك.

    1.   

    الحجر

    قال المصنف رحمه الله تعالى:

    [فصل:

    ومن ماله لا يفي بما عليه حالاً وجب الحجر عليه بطلب بعض غرمائه، وسُنَّ إظهاره، ولا ينفذ تصرفه في ماله بعد الحجر ولا إقراره عليه، بل في ذمته، فيطالب بعد فك حجر.

    ومن سلمه عين مال جاهل الحجر أخذها إن كانت بحالها، وعوضها كله باق ولم يتعلق بها حق للغير.

    ويبيع حاكم ماله ويقسمه على غرمائه، ومن لم يقدر على وفاء شيء من دينه، أو هو مؤجل تحرم مطالبته وحبسه، وكذا ملازمته.

    ولا يحل مؤجل بفَلَس، ولا بموتٍ إن وثَّق الورثة برهن محرز أو كفيل مليء، وإن ظهر غريم بعد القسمة رجع على الغرماء بقسطه.

    فصل:

    ويحجر على الصغير والمجنون والسفيه لحظهم، ومن دفع إليهم ماله بعقد أو لا رجع بما بقي لا ما تلف، ويضمنون جناية وإتلاف ما لم يدفع إليهم، ومن بلغ رشيداً أو مجنوناً ثم عقل ورشد انفك الحجر عنه بلا حكم، وأعطي ماله، لا قبل ذلك بحال.

    وبلوغ ذكر بإمناء، أو بتمام خمس عشرة سنة، أو بنبات شعر خشن حول قبله، وأنثى بذلك وبحيض، وحملها دليل إمناء.

    ولا يدفع إليه ماله حتى يختبر بما يليق به ويؤنس رشده، ومحله قبل بلوغ، والرشد هنا إصلاح المال، بأن يبيع ويشتري فلا يغبن غالباً، ولا يبذل ماله في حرام وغير فائدة.

    ووليهم حال الحجر الأب، ثم وصيه، ثم الحاكم، ولا يتصرف لهم إلا بالأحظ، ويقبل قوله بعد فك حجرٍ في منفعة، وضرورة، وتلفٍ، لا في دفع مالٍ بعد رشدٍ إلا من متبرع، ويتعلق دين مأذون له بذمة سيد، ودين غيره وأرش جناية قنٍ وقيم متلفاته برقبته].

    الفصل الأول: يتعلق بمن يحجر عليه لأجل الدين.

    والفصل الثاني: يتعلق بمن يحجر عليه لأجل قصر النظر، فالحجر على الأول لمصلحة الغرماء، والحجر على الثاني لمصلحته هو، لئلا يفسد ماله، والحجر على الأول إذا كان مديناً، والدين يعم قيم السلع وعوض المتلفات، ويعم أيضاً الدين بالصداق الحال أو ما أشبهه.

    1.   

    التحذير من التهاون في قضاء الديون

    ورد التحذير من التهاون بديون الناس التي تتعلق بالذمة، فثبت أنه صلى الله عليه وسلم قال: (من أخذ أموال الناس يريد أداءها أدى الله عنه، ومن أخذها يريد إتلافها أتلفه الله) يعني: من أخذها ديناً أو قرضاً أو أخذها ليتاجر فيها، وهو يريد إتلافها أتلفه الله، وإن كان ناصحاً وفقه الله لأدائها.

    ولا شك أن الدين غرم يتعلق بذمة الإنسان، ولذلك قال الله تعالى: فَظَلْتُمْ تَفَكَّهُونَ * إِنَّا لَمُغْرَمُونَ * بَلْ نَحْنُ مَحْرُومُونَ [الواقعة:65-67]، والمغرمون هم المدينون، يقول الله: لَوْ نَشَاءُ لَجَعَلْنَاهُ حُطَاماً [الواقعة:65] يعني: زرعكم، فَظَلْتُمْ تَفَكَّهُونَ [الواقعة:65] يعني: تتكلمون وتقولون: إِنَّا لَمُغْرَمُونَ * بَلْ نَحْن مَحْرُومُونَ [الواقعة:66-67] فدل على أن الغرم من جملة ما يتألم لأجله.

    وورد أنه صلى الله عليه وسلم كان يستعيذ في آخر صلاته فيقول: (اللهم إني أعوذ بك من المأثم والمغرم، فقيل له: ما أكثر ما تستعيذ من المغرم! فقال: إن الرجل إذا غرم حدّث فكذب ووعد فأخلف)، وهذا حق، فالإنسان إذا كان عليه دين، وجاءه صاحبه اضطر إلى أن يكذب ويقول: سأعطيك بعد قليل، أو سأعطيك، فيكذب بذلك، أو يعده شهراً أو نصف شهر ثم لا يستطيع، فيخلف الوعد.

    وقد عدّ النبي صلى الله عليه وسلم خلف الوعد والكذب من خصال المنافقين، فعلى هذا يستعاذ بالله من المغرم، أي: من تحمل ديون الناس وحقوقهم، ولذلك ورد أنه صلى الله عليه وسلم لما رأى أحداً قال: (ما أحب أن لي مثل أحد ذهباً، يأتي عليّ ثلاثة أيام وعندي منه دينار، إلا ديناراً أرصده لدين) يعني: لوفاء دين، وثبت أن رجلاً قال: (يا رسول الله! إن قتلت في سبيل الله هل يغفر لي؟ فقال: إن قتلت في سبيل الله صابراً محتسباً، مقبلاً غير مدبر، غفر الله لك، ثم قال: إلا الدين فإن جبريل أخبرني به) أي: لا تغفره الشهادة في سبيل الله؛ وذلك لأنه حق لآدمي، وحقوق الآدميين مبنية على المشاحة والمضايقة، فلا بد من قضائها، فتؤخذ من حسناته إذا مات وهو لم يوفها مفرطاً، فحقوق الآدميين لا بد من وفائها، وهي من الديوان الذي لا يترك الله منه شيئاً، ففي الحديث الذي في المسند أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (الدواوين ثلاثة: ديوان لا يغفره الله، وهو الشرك بالله، وديوان لا يعبأ الله به، وهو ظلم الإنسان نفسه، وديوان لا يترك الله منه شيئاً، وهو مظالم العباد فيما بينهم) فهذه لابد فيها من القصاص لا محالة.

    إذا عرف هذا فإذا كان على الإنسان دين وعنده مال فإنه يؤمر بوفائه، ويكلف أن يعطي الناس حقوقهم، ولا يجوز له أن يؤخر الوفاء، ويعتبر ذلك ظلماً، وورد فيه قول النبي صلى الله عليه وسلم: (مطل الغني ظلم)، والمطل هو التأخير، يعني: تأخيره للوفاء ظلم منه لأصحاب الأموال، وفي حديث آخر قال صلى الله عليه وسلم: (ليُّ الواجد يحل عرضه وعقوبته) والواجد: هو القادر على الوفاء، وليُّه: يعني تلويته لأصحاب الحقوق، وعدم إيفائها، وعدم إعطاء الناس حقوقهم، (يحل عرضه وعقوبته)، عرضه، أي: شكواه، وعقوبته: حبسه؛ وذلك لأنه أخر الحق عن أصحابه، فلهم أن يرفعوا بأمره، ولهم أن يشتكوه إلى من يأخذ حقهم منه، فإذا كان ماله بقدر دينه أو أكثر، حرم عليه التأخير، ولم يجز حبسه بل يكلف ويؤمر أن يعطي الناس ما في ذمته لهم حتى تبرأ ذمته، وحتى يعطي كل ذي حقٍ حقه، فإن أخر ذلك فلهم شكواه، ولهم عقوبته.

    1.   

    الحجر على المدين

    إذا كان عنده مال، ولكن ماله أقل من دينه، عنده مثلاً ما يساوي عشرة آلاف: أمتعة وعروض ونقود وسلع، والديون التي في ذمته تساوي عشرين ألفاً، ففي هذه الحال يحجر عليه، أي: يمنع من التصرف في هذا المال الذي في يده، ويمنع أن يبيعه أحداً أو يشتري منه، فتوقف أمواله التي في يده فلا يبيع شيئاً منها، لا شاةً ولا بعيراً، لا كيساً ولا ثوباً ولا قدراً، ولا شيئاً مما في يده، فيقال: لا أحد يشتري منه، ولا أحد يبيعه بدين، وتحصر ديونه التي في ذمته، وإذا حصرت وكانت -مثلاً- عشرين ألفاً كلها حالة، وأهلها يطالبون بها، ففي هذه الحال يحجر عليه إذا طلبوا وقالوا: احجر عليه يا حاكم، وامنعه من أن يتصرف في ماله.

    ويسن إعلان الحجر، أي: إظهاره وإشهاره وإعلانه؛ حتى يتوقف الناس عن البيع له، أو عن الشراء منه، ولا يمكن تصرفه في ماله بعد الحجر، ولو باع كيساً أو شاةً ما نفذ البيع، بل يرد البيع، ويقال: لا يجوز لك أن تبيع، ولا يجوز لكم أن تشتروا منه، وكذلك لا يقبل إقراره عليه، فلو قال مثلاً: هذه الشاة لزوجتي، وهذا البعير لأبي، وهذه الأكياس لأخي، وليس لي منها شيء، فلا يقبل منه ذلك، إذ الأصل أن ما في يده فإنه ملكه، أما إذا اعترف في ذمته، فقال: في ذمتي لزيد مائة، وفي ذمتي لخالد مائتان، فاعترافه بعد الحجر يثبت، ولكن هؤلاء الذين اعترف لهم لا يعطون من هذه الأموال الموجودة، مخافة أنه ما أراد بالاعتراف إلا إضرار الغرماء حيث اشتكوه، وحيث كلفوا الحاكم أن يحجر عليه، فهذا بلا شك ضرر عليه، وضرر على غرمائه، فيحجر عليه ثم تصفى أمواله.

    ثبت أن معاذ بن جبل رضي الله عنه كان جواداً سخياً كريماً، فكان ينفق ما عنده من الأموال، فكثر دينه، وقلت أمواله، فعند ذلك طلب النبي صلى الله عليه وسلم من غرمائه أن يضعوا عنه أو يسمحوا عنه، فلو كانوا تاركين لأحدٍ شيئاً لتركوا لـمعاذ لشفاعة النبي صلى الله عليه وسلم، ولكنهم امتنعوا؛ لأنهم ذوو حاجة؛ ولأن أموالهم عواري أو بضائع لغيرهم، أو شركات، أو لأموات، أو لأيتام، فلم يضعوا شيئاً، ولم يتسامحوا عنه بشيء، فعند ذلك حجر النبي صلى الله عليه وسلم أمواله التي في يده كلها وباعها، ووزعها على الغرماء بالنسبة، ثم بعد ذلك أراد أن يجبره فبعثه على الزكاة والجزية إلى اليمن؛ ليصيب من سهم العاملين عليها، فبعثه لجبرانه لما حصل عليه.

    فهذا دليل على أن من كثر دينه فإن لأهل الدين أن يمنعوه من التصرف بواسطة الحاكم، وأن للحاكم أن يمنعه من أن يتصرف في أمواله التي في يده، ثم يجمعها ويعرضها للبيع، ويبيعها.

    حكم من باع ماله قبل الحجر بدين مع بقاء المبيع في ملكه

    من وجد ماله عند من أفلس بعينه ولم يتصرف فيه؛ فإنه أولى به، فيأخذه برأس ماله، ومن سلمه عين مال جاهلاً بالحجر أخذ عين ماله إذا الأموال وعوضها كله باق، ولم يتعلق بها حقٌ للغير.

    من باع ماله قبل الحجر بدين، ثم حجر عليه وتلك العين التي باعها موجودةٌ في ملكه فإنه أحق بها بشروط:

    الشرط الأول: ألا تتغير صفتها.

    الشرط الثاني: ألا يقبض من ثمنها شيئاً.

    الشرط الثالث: ألا يتعلق بها حقٌ للغير.

    الشرط الرابع: أن يكون البائع موجوداً.

    الشرط الخامس: أن يكون المشتري موجوداً.

    وتتضح هذه الشروط بالتمثيل فنقول: إذا اشترى منك كيس قهوة، ونفرض أنه بـ(1000) ريال، وبعد نصف شهر حجر عليه، ولما حجر عليه إذا بالكيس موجودٌ في ملكه، فإنك تقول: أنا أحق به؛ لأنه عين مالي، آخذه برأس ماله، فإذا قال الغرماء الآخرون: بل نحن نشاركك في قيمته، وتشاركنا في بقية المال، فإن لك الحق في أن تطالب بعين مالك، فتقول: هذا الكيس مالي، أنا الذي بعته، وما تغير، ولو لم يحجر عليه إلا بعد موتك لم يكن لورثتك المطالبة. وهذا الكيس لو تغير كما لو أدخله المحامص فحمص، فإنه يكون قد تغيرت حالته، فلا تستحق الرجوع فيه. وكذلك مثلاً لو رهنه عند زيد، فإنك لا تستحق الرجوع فيه؛ وذلك لأن حق زيد تعلق به، حيث قد رهنه بدين آخر، فلا تستحق الرجوع فيه، فيكون دينك كسائر الغرماء.

    وكذلك لو مات المشتري ووجدت عين مالك عند ورثته، فأنت أسوة الغرماء؛ لأن غريمك قد مات، فليس لك إلا ما للغرماء، وكذلك لو غير عين المبيع، فلو كان المبيع مثلاً كيس حنطة، ثم إنه طحنه وتغيرت هيئته وصورته، فيكون البائع أسوة الغرماء، ليس له إلا مثل ما لهم، فيباع الكيس مع بقية ماله، ويكون المشتري أسوة الغرماء، وكذلك أيضاً لو غيره فلو اشترى خشباً مثلاً، ونجرها أبواباً فإنه قد تغير، أو اشترى أقمشة وخاطها ثياباً فإنها قد تغيرت، فتغيرت صفته، فيكون صاحبه أسوة الغرماء، فلا بد من هذه الشروط الخمسة:

    كون البائع موجوداً، وكون المشتري موجوداً، وكون المبيع لم يتغير، وكون الثمن باقياً لم يقبض منه شيء، وكونه لم يتعلق به حق للغير. سواءٌ كان هذا المبيع غالياً أو رخيصاً، فلو كان مثلاً سيارة اشتراها منك ديناً بستين ألفاً، ولم يعطك من ثمنها شيئاً، بل ثمنها دين، ثم أفلس وحجر عليه، فطالب بسيارتك، وقل: أنا أحق بها برأس مالها، ولا أكون أسوة الغرماء؛ لأنك إذا كنت أسوة الغرماء فلا يبقى لك إلا مقدار ما حل من الدين، والدين المؤجل لا تعطى من عوضه شيئاً.

    وكذلك السيارة إذا رهنها عند آخر، فإنه تعلق بها حق الراهن، فلا تستحق الرجوع فيها، فلا بد أن تكون أنت موجوداً، ولا بد أن يكون المشتري موجوداً، ولا بد أن تكون السيارة لم تتغير، ما صدم بها مثلاً، ولا غير شيئاً من عجلاتها، أو شيئاً من أدواتها، ولا بد ألا تقبض شيئاً من الثمن، ولا بد ألا يرهنها.

    ورد في الحديث أنه صلى الله عليه وسلم قال: (من وجد عين ماله عند أحدٍ قد أفلس فهو أحق به) أي: بثمنه عند إنسان قد أفلس.

    كذلك لو بعته عيناً ماليةً، ولم تدر أنه محجور عليه، ثم علمت بعد ذلك، فلك أن تستعيد تلك العين وتقول: أنا جاهل، ما علمت بأنه محجور عليه، وعين مالي موجودة، سيارتي موجودة مثلاً، أو كيسي موجود، يعني: أنك أحق به؛ لأنك جاهلٌ بالحجر، فتأخذها إذا كانت باقية بحالها، إذا كان عوضها كله باقياً في ذمته، ولم يتعلق بها حق للغير، ما رهنت مثلاً أو نحو ذلك.

    ومما يذكرون في تعلق حق الغير: الجناية، لكنها خاصة بالعبد دون البعير والشاة والسيارة ونحوها، فيقولون: إذا اشترى منك عبداً مثلاً بعشرة آلاف، ثم إن العبد جرح إنساناً أو قطع منه إصبعاً، أو شجه في رأسه، أو أتلف شاةً لإنسان، فهذا قد تعلق به حق الغير، وهو المجني عليه، فلا تكون أنت أحق بثمنه، ولا ترجع فيه؛ لأن صاحب المجني عليه يقول: هذا العبد هو الذي جنى علي، فديني في ذمته، أو أرش جنايتي في ذمته، فلا ترجع فيه.

    أما إذا كان المبيع شاةً أو بعيراً ثم إن هذا البعير رفس إنساناً فقتله، فهل يكون صاحبه المجني عليه أحق بثمن البعير أو أحق بالبعير بأن يقول: هذا البعير هو الذي قتل أخي، أو ابني؟ الجواب: ليس كذلك؛ وذلك لأن البعير غير مكلف، لقول النبي صلى الله عليه وسلم : (العجماء جبار) أي: هدر.

    وكذلك الشاة لو دخلت حرثكم فأكلت الزرع مثلاً، فهل تقولون: نحن أحق بها من الغرماء؛ لأنها أكلت زرعنا، نقول: ليس كذلك، ولكن صاحبها يغرم لكم ما أفسدته، وتكونون أسوة الغرماء.

    وإذا بعته سيارةً بستين ألفاً ديناً، ثم إنه صدم بها إنساناً فمات، أو صدم بها شجرة أو جداراً، فهل يقول ورثة ذلك الميت: نحن أحق بالسيارة التي صدمت ولدنا؟ الجواب: ليس كذلك؛ لأن السيارة جماد، إنما الذي يحركها هو الذي يغرم، فهو الذي يغرم الدية، وهو الذي يغرم قيمة الجدار مثلاً، أو قيمة الشجرة، فلذلك لا يلحق بمثل جناية العبد؛ لأن العبد مكلف عاقل.

    للحاكم بيع مال المفلس وقسمه بين غرمائه إلا ما كان ضرورياً

    يقول المؤلف: [ويبيع حاكم ماله ويقسمه على غرمائه].

    أي: بقدر حصصهم، فإذا أحصى المال الذي صفاه ووجده عشرة آلاف، ووجد الديون ثلاثين ألفاً كلها حالة، ننظر نسبة المال إلى نسبة الدين، وهو الثلث، فكل واحدٍ منهم يعطى ثلث دينه، فالذي له ثلاثمائة يعطى مائة، والذي له ثلاثة آلاف يعطى ألفاً، والذي له ألفٌ وخمسمائة يعطى خمسمائة، وهكذا، وبذلك تحصل المساواة بينهم، ويحصل النقص عليهم كلهم.

    ولو قال رجل منهم: أنا ديني قديم من عشر سنين، وهؤلاء دينهم جديد، ما أخذوه إلا من سنة، أو من نصف سنة؟ الجواب: الجميع سواء، فكلهم حقهم قد حل، فيستوون في هذا المال.

    واعلم أنه لا يجرد المفلس من كل ماله، بل يترك له بيت يسكنه، فإذا كان عنده بيتٌ يساوي مثلاً ثمانمائة ألف، فيبيعه الحاكم ويشتري له بيتاً بمائتين أو بثلاثمائة ليسكنه، ويقول: هذا بيت الفقراء، أما أن تسكن في هذا البيت الذي بثمانمائة ألف أو بمليون، فهذا بيت أثرياء وأغنياء، وأنت فقير، فيشتري بيتاً بمائتين أو بثلاثمائة ويسكنه فيه، ويقسم البقية الزائدة على الغرماء.

    وإذا كانت عنده سيارة قيمتها ثمانون ألفاً يبيعها، وإذا قال: أنا لا أستغني عن السيارة. فتشتري له سيارة بثلاثين ألفاً أو بعشرين ألفاً ولو مستعملة، ويقال: هذه سيارة الفقراء، لا تشترِ سيارة الأثرياء الأغنياء.

    وكذلك أيضاً متاع بيته، إذا كان عنده شيءٌ زائد يبيعه، فإذا كان عنده مثلاً عددٌ من الصحون وعددٌ من القدور، وعددٌ من الكئوس، وعددٌ من الفرش وما أشبهها، فيترك له الشيء الضروري، ويبيع البقية ويقسم ثمنها، ويترك له الشيء الذي هو بحاجة إليه، مثل غسالة أو ماكنة خياطة إذا كان خياطاً، أو ثلاجةً صغيرةٌ مثلاً بقدره أو ما أشبه ذلك؛ حتى يبرئ ذمته، وإذا كان صاحب حرفة تركت له آلة حرفته، فإذا كان خياطاً تركت له آلة الخياطة، وقيل: تكسب وأنفق على نفسك، وأوفِ بقية دينك، وإذا كان مثلاً غسالاً فكذلك، وإذا كان حجاماً تركت له آلة حجامته، وإذا كان مثلاً بناءً تركت له آلة بنائه التي يشتغل ويبني بها، وهكذا بقية الحرف، أما إذا كان مثلاً صاحب ماشية، فيبيع من ماشيته ما يستغني عنه، ويترك له غنيمةً يشرب لبنها، ويبيع من نسلها، إلى أن يوفي دينه، وهكذا.

    فالحاصل أن هذا دليل على عظم شأن الدين؛ لأنه حق آدمي؛ ولذلك كان النبي صلى الله عليه وسلم يستعيذ منه، فيقول في الدعاء المأثور: (اللهم إني أعوذ بك من الهم والهرم، والجبن والبخل، والكسل والحزن، وسوء الأخلاق، وشماتة الأعداء، وضلع الدين، وقهر الرجال) ضلع الدين يعني: ضرره، وهمه، وأثره.

    حرمة مطالبة المعسر أو حبسه

    يقول: [ومن لم يقدر على وفاء شيءٍ من دينه أو هو مؤجل تحرم مطالبته، ويحرم حبسه، وكذا ملازمته].

    يمكن أن يقسم الناس بالنسبة للدين إلى ثلاثة أقسام:

    القسم الأول: من ماله أكثر من دينه.

    والقسم الثاني: من ماله أقل من دينه.

    والقسم الثالث: من ليس له مال، فليس عنده قدرةٌ على الوفاء.

    فإذا كان ماله أكثر من دينه أو بقدر دينه، فلا يحبس ولا يحجر عليه، ولكن يكلف أن يوفي دينه، وإذا كان ماله أقل من دينه حجر عليه بطلب غرمائه، وإذا لم يكن له مال لم يحجر عليه؛ وذلك لأنه معسر، بل يؤمر أن يتكسب، وأن يحترف إلى أن يجمع ما يوفي دينه، ويسد حاجته، والدليل قوله تعالى: وَإِنْ كَانَ ذُو عُسْرَةٍ فَنَظِرَةٌ إِلَى مَيْسَرَةٍ [البقرة:280] النظرة هي التأخير، أنظروه يعني: أخروه إلى ميسرة، ولا يحل لكم أن تطالبوه وهو معسر.

    التنبه لحيل بعض الناس في ادعاء الإعسار

    في هذه الأزمنة يكثر الذين يتحملون الديون، ثم يدعون الإعسار، وإذا ادعوا الإعسار أخذوا يتسولون، وأخذوا يطلبون من الأثرياء، ولا شك أن كثيراً من المتسولين ليسوا صادقين، بل أهل حيل، فلذلك فإن القضاة إذا ادعى أحد الإعسار لا يقبلون منه إلا بعد سجنه، فإذا صبر في السجن مثلاً نصف سنةٍ أو سنةً أو نحوها، عرف بذلك صدقه. وقبل ذلك لابد أن يبحث عن ملكه، ماذا يملك؟ هل عنده عقار يستغني عنه؟ هل له رصيد أو حساب في أحد المصارف؟ هل له غرماء يطلب منهم مالاً؟ أي: عندهم له أموالٌ وديون، لا بد للقاضي أن يستفصل ويبحث.

    وإذا أعطى الإنسان زكاته لمن يعتقده فقيراً، وكان في نفس الأمر غنياً، فإنه يعتبر قد برئت ذمته؛ لأن الغارمين لهم حقٌ في الزكاة، فقد جعلهم الله من جملة أهل الزكاة، فلابد للقضاة أن يتثبتوا وأن يتحققوا.

    وكثيرٌ من الناس يستدينون أموالاً كثيرة ثم يسرفون، فتجدهم يبنون مبانٍ فاخرة، ويصرفون عليها مئات الألوف، فالأولى بالقاضي مع من كان من هؤلاء أن يقول: نبيع عمارتك هذه التي تساوي مليوناً أو أكثر، ونشتري لك عمارة بثلاثمائة ألف ونحوها، ونوفي الدين، فأنت قد أسرفت، وأخذت أموال الناس وصرفتها في هذه الزينات، وفي هذه الأنواع التي زخرفت بها هذا البناء، فهذا يعتبر من الإسراف، فلا يقبل منه ولا يقول: اسجنوني حتى تؤدي عني الحكومة أو ما أشبه ذلك، بل على القاضي أن يتثبت، وألا يصدق كل من يدعي، فقد يكون هناك كثيرٌ من المحتالين، وقد ظهر لبعض القضاة حيل كثيرٍ منهم، يأتي مثلاً إلى إنسان ويقول: اشتكني وادع أن في ذمتي لك خمسمائة ألف، وأنا سوف أعترف عند القاضي بأنها ثابتة، وبأنها قيمة السيارات، أو قيمة مواد بناء، أو ما أشبه ذلك، فإذا ثبتت في ذمتي أدعيت بعد ذلك الإعسار، فإذا ادعيت لا يضرني إذا سجنت نصف سنة ثم دفعت الحكومة عني، أو دفع الأثرياء، أو دفع من صندوق البر ثلثاها: أربعمائة أو نحوها، ثم أقتسمها أنا وأنت. وقد ظهرت حيل كثيرة مثل هذه، فعلى القضاة أن يتثبتوا، فإذا ثبت أن هذا مدين، وأنه ليس عنده شيء يوفي به دينه، قل أم كثر فإنه معذور، ولا يجوز حبسه، ولكن يؤمر بأن يوفي دينه مهما استطاع، وإذا كان الدين مؤجلاً فلا يجوز مطالبته؛ لأن الدين لم يحل، ولا يجوز حبسه، ولا تجوز ملازمته، وإن كان عليه دين مؤجل فلا يجوز لأصحاب المؤجل أن يطالبوا بحقوقهم، ويقولون: أعطونا من ماله الذي تقتسمونه، فإن ديننا ثابت، نقول: دينكم مؤجل، فإن حل قبل أن تقسم الأموال أخذتم قسمكم، وإن قسم قبل الحلول فليس لكم مع هؤلاء شيء.

    ومن مات وعليه دين مؤجل لم يحل، ويبقى إلى أن يحل، ولكن لو خاف أصحاب الدين المؤجل من الورثة أن يقتسموا الميراث، ويقولون: ما عندنا لك شيء، فلابد للدائن أن يطالبهم فيقول: إما أن تعطوني ديني ولو كان مؤجلاً، أو تعطوني بعضه وأسقط بعضه -على قول من أجاز ذلك- أو تأتوني بكفيل يكفل حقي، ويضمنه عند حلوله، أو ائتوني برهن أتوثق منه، فإذا وثق دينه برهن محرز بقدر الدين، فإنه يكفي أو يضمنه كفيل.

    ظهور الغريم بعد قسمة مال المفلس

    يقول: [وإن ظهر غريم بعد القسمة رجع على الغرماء بقسطه].

    لو اقتسموا، وبعدما اقتسموا تبيّن غريمٌ يطالبه بدين سابق، وقال: عنده لي دين، وهذه وثائقي، فإنه يرجع إلى الغرماء بقسطه، فإذا كان قسطه له العشر، فيأخذ من كل واحد منهم عُشر ما دفع إليه.

    هذا الفصل الذي يتعلق بالدين والحجر عليه، أما الفصل الذي بعده فهو الحجر على السفهاء.

    1.   

    الحجر على الصغير والمجنون والسفيه

    قوله: [يحجر على الصغير والمجنون والسفيه لحظهم] أي: لمصلحتهم؛ وذلك لأنهم لا يحسنون التصرف، فيمنعون من التصرف في الأموال، والدليل قوله تعالى: وَلا تُؤْتُوا السُّفَهَاءَ أَمْوَالَكُمْ الَّتِي جَعَلَ اللَّهُ لَكُمْ قِيَاماً [النساء:5]، أي: لا تعطوها لهؤلاء السفهاء، فإنهم يفسدونها؛ لأنهم لا يفكرون ولا يعرفون المصالح، وإذا سلطوا على الأموال أتلفوها، فأنت إذا أعطيت طفلاً عمره خمس سنين خمسمائة ريال مثلاً، فإنه لا يدري قيمتها، وربما يشتري بها حلوى أو لعبةً أو نحو ذلك، يعجب بهذه السلعة، ولا يفكر في قيمتها؛ فلذلك لا يسلطون على الأموال، وكذلك المجنون فاقد العقل؛ لأنه لا يدري ما قيمة هذا المال، وكذلك السفيه ولو كان كبيراً، فهناك من يبلغ عشرين أو ثلاثين سنة وهو سفيه ناقص العقل لا يحسن أن يتصرف، فيقال: هذا سفيه، وإذا سلط على الأموال أتلفها، فيذبح ما يقدر عليه من الشياه مثلاً، ويمزق ما يقدر عليه من الثياب أو يشتري غالياً ويبيع رخيصاً، ولا يبالي بذلك، فمثل هؤلاء يمنعون من التصرف، ولو كانت الأموال أموالهم، فالمصلحة تعود إليهم.

    قوله: [ومن دفع إليهم ماله بعقدٍ أو لا رجع بما بقي لا ما تلف]، فإذا اشتريت منهم مثلاً ثوباً رجع به، وذلك لأنهم لم يؤذن لهم أن يشتروا، فشراؤهم هذا يعتبر سفهاً، ولو باعهم قدراً أو كيساً أو نحو ذلك فليس لهم حسن التصرف، فإذا تلف شيءٌ منه فلا يرجع؛ لأنه سلطهم على ماله، وإن بقي منه شيء فإنه يرجع فيه، فلو باعهم ثوبين فأحرقوا واحداً وبقي واحد، فإنه يرجع بالباقي، أو باعهم مأكولاً ثم أكلوا بعضه وبقي بعضه كفاكهة أو نحوها فإنه يرجع بما بقي، أما ما تلف فإنه يذهب عليه؛ لأنه سلطهم على ماله.

    أما الجناية فيضمنونها ولكن تتحملها العاقلة إذا بلغت الثلث ونحوه، ولو كانت صغيرة، فلو قاد سيارةً وصدم بها إنساناً فإن العاقلة تتحمل ذلك، أي: أقاربه، وكذلك لو صدم جداراً أو شجرة فإن عاقلته وأهله يغرمون؛ لأنهم سلطوه على هذه السيارة، أو أخذ سكيناً وطعن بها إنساناً فإنهم يغرمون؛ لأنهم مأمورون بأن يحفظوه ولا يعطوه سلاحاً، فيضمنون الجناية ويضمنون إتلاف مال من لا يدفعه لهم، فلو دخل السفيه أو المجنون بيت أناس ثم أتلف شيئاً: أحرقه أو مزقه أو أراق شيئاً من الأطعمة أو الأدهان فإنه يضمن؛ لأن وليه مكلفٌ بأن يأخذ على يديه ويحفظه حتى لا يدخل بيوت الناس.

    الحد الذي ينتهي به الحجر على الصغير والمجنون

    يقول: [ومن بلغ رشيداً أو مجنوناً ثم عقل ورشد انفك الحجر عنه بلا حكم، وأعطي ماله، لا قبل ذلك بحال].

    يدفع للصغير ماله بهذين الشرطين: البلوغ والرشد، أو العقل والرشد، فإذا كان مجنوناً ثم عقل ورشد دفع إليه ماله، وإذا كان صغيراً فبلغ ورشد دفع إليه ماله، والدليل قوله تعالى: وَابْتَلُوا الْيَتَامَى حَتَّى إِذَا بَلَغُوا النِّكَاحَ فَإِنْ آنَسْتُمْ مِنْهُمْ رُشْداً فَادْفَعُوا إِلَيْهِمْ أَمْوَالَهُمْ [النساء:6]، فذكر أن لذلك شرطين: الأول: بلوغ سن يقارب سن النكاح. الثاني: اختبارهم بما يناسبهم، فإذا عقل ورشد أو بلغ ورشد دفع إليه ماله، قال الله: فَادْفَعُوا إِلَيْهِمْ أَمْوَالَهُمْ وَلا تَأْكُلُوهَا إِسْرَافاً وَبِدَاراً أَنْ يَكْبَرُوا [النساء:6]، ولا يحتاج إلى حكم حاكم، بل بمجرد بلوغه ورشده يدفع إليه ماله؛ لأنه أحق به، وأما قبل ذلك فلا، ولو بلغ عشرين أو ثلاثين سنة؛ لأنه لا يزال سفيهاً.

    بأي شيء يحصل البلوغ؟ البلوغ في الرجل يحصل بثلاثة أشياء:

    الأول: بالإمناء، أي: بالإنزال، فإذا احتلم فأنزل، أو أنزل باستمناء أو نحوه فقد بلغ، لقوله تعالى: حَتَّى إِذَا بَلَغُوا النِّكَاحَ [النساء:6].

    الثاني: تمام خمس عشرة سنة، لحديث ابن عمر يقول: (عرضت على النبي صلى الله عليه وسلم وأنا ابن أربع عشرة سنة فلم يجزني، وعرضت عليه يوم الخندق وأنا ابن خمس عشرة فأجازني).

    الثالث: نبات الشعر الخشن حول الفرج.

    فهذه علامات البلوغ في الرجل والمرأة، وقد يوجد في الأطفال شعر رقيق، وليس هو علامة على البلوغ، قال عطية القرظي : (عرضنا على النبي صلى الله عليه وسلم يوم بني قريظة، فكان من أنبت قتل، ومن لم ينبت خلي سبيله، فكنت ممن لم ينبت فخلي سبيلي)، يعني: كانوا يكشفون عن عوراتهم فينظرون، فمن أنبت يقتل، ويشبهونه بالرجال.

    والأنثى أيضاً بلوغها بالإنزال، إذا احتلمت فأنزلت، أو بتمام خمس عشرة سنة، وبالشعر الخشن، وتزيد أيضاً بالحيض، فإذا حاضت فهو علامة على البلوغ؛ لقول النبي صلى الله عليه وسلم: (لا يقبل الله صلاة حائضٍ إلا بخمار) يعني: صلاة من قد حاضت، وكذلك الحمل دليل على الإنزال، فإذا حملت حكم ببلوغها من حين علوقها بالحمل، وهذا دليل على أنها قد بلغت.

    اختبار من بلغ الحلم قبل إعطائه ماله

    يقول: [ولا يدفع إليه ماله حتى يختبر بما يليق به، ويؤنس رشده، ومحله قبل البلوغ].

    والدليل قوله تعالى: وَابْتَلُوا الْيَتَامَى [النساء:6] ابتلوهم، يعني: اختبروهم فيما يليق به، فيختبر ولد التاجر مثلاً فيما يناسبه، فيعطى شيئاً يتجر به فينظر، فإذا عرف رشده، فإنه يدفع إليه ماله، وولد البدوي مثلاً يختبر برعيه الغنم أو الإبل ونحوها، وحفظه لها، وهكذا صاحب الحرث ينظر في سقيه للحرث وما أشبهه، وهكذا كل إنسان يختبر بما يناسبه ويليق به.

    وقوله: (ومحله قبل البلوغ).

    أي: الاختبار قرب بلوغه، والرشد في قوله: فَإِنْ آنَسْتُمْ مِنْهُمْ رُشْداً [النساء:6] هو الصلاح في المال ولو كان فاسداً في دينه؛ لأن الحجر عليه إنما هو في ماله، ومتى يعرف أنه صالحٌ في ماله، مصلح لماله؟ إذا باع واشترى فلم يغبن غبناً فاحشاً، لا يبيع رخيصاً، ويشتري غالياً، ولا يبذل ماله في حرام، أو في غير فائدة، فلا يشتري آلات الملاهي مثلاً، ولا يشتري شيئاً يلعب به أو نحو ذلك مما يتلف بلا فائدة، بل يحفظ ماله، ولا يبذله في أشياء محرمة، ولا في مخدرات، ولا مسكرات، ولا ملهيات، ومن فعل ذلك فإنه سفيه، ولو كان ماله كثيراً.

    ولي المحجور عليه للصغر أو الجنون

    يقول: [ووليهم حال الحجر الأب].

    وذلك لأنه أولى، فإذا كان الطفل له مالٌ من أمه مثلاً، فإن أباه هو الولي، وهو وكيله ووصيه، ثم بعد ذلك وصي الأب، فإذا أوصى الوالد أن فلاناً وصيي على أطفالي. فيكون الوصي وكيل الأب، ثم الحاكم إذا لم يكن هناك وصي، وللحاكم أن ينظر من هو الأقرب والأشفق عليه من أخٍ أو قريبٍ أو نحو ذلك، والولي يتصرف لهم في أموالهم، ولكن لا يتصرف إلا بما فيه الحظ لهم، فلا يبيع إلا إذا رأى مصلحة في البيع، ولا يشتري لهم إلا شيئاً تتحقق فائدته ومصلحته، وهو يعتبر أميناً على هذه الأموال، فيقبل قوله بعد فك الحجر، فيقبل قوله: إنه تلف من المال كذا، أو أنفقت منه كذا، أو بعت منه كذا، أو اضطررت إلى كذا وكذا؛ لأنه مأمور في المنفعة التي بذلها، وفي الضرورة التي ألجأته مثلاً إلى البيع، أو ما أشبه ذلك، فإذا قال: بعت شاته أو بعت بعيره لأنفق عليه، أو رأيت مناسبة لبيعها، ولو لم أبعها لفات الموسم، أو ما أشبه ذلك، قبل قوله، أما في دفع المال إليه فلا يقبل إلا ببينة؛ لقوله تعالى: فَإِذَا دَفَعْتُمْ إِلَيْهِمْ أَمْوَالَهُمْ فَأَشْهِدُوا عَلَيْهِمْ [النساء:6] فإذا دفع بغير شهود وجحد اليتيم، فإنه يغرم الولي إلا إذا كان متبرعاً بالحفظ، فأما إذا كان يحفظ بأجرة فيغرم ما تلف أو لم يدفعه.

    بعد ذلك تكلم على دين العبد، فإذا كان العبد مأذوناً له في ذمة سيده فاستدان فإن دينه يتحمله سيده، وأما إذا لم يأذن له فإنه يتعلق برقبته، فيصير صاحب الدين يطالب ويقول: هذا العبد في رقبته لي كذا وكذا مائة أو ألف.

    وكذلك لو استودع عند العبد شيئاً فأتلفه، فإنه يطالب السيد فيقول: إما أن تفديه وإما أن يشاركه فيه. وكذلك أرش جناية العبد، فإذا جنى على إنسان: شجة أو جرحاً فإن المجني عليه يقول لسيده: إما أن تفديه وتعطيني الأرض، وإلا أكون شريكاً لك، ويكون ديني وأرش الجناية في رقبة هذا العبد، وكذلك قيمة متلفه، إذا أتلف العبد شيئاً تعلق برقبته، والله أعلم.

    1.   

    الأسئلة

    حجر الأبناء على أبيهم

    السؤال: ما هو ضابط حجر الأبناء على أبيهم؟

    الجواب: الأصل أن الأبناء يحترمون آباءهم، لكن لو بلغ الأب سن التخريف، وبلغ حالةً لا يفقه فيها، فإن لهم أن يمنعوا الناس ويقولوا: لا تشتروا منه، ولا تبيعوا عليه، فإنه لا يفهم، وإنه لا يفقه المصلحة، فلهم أن يمنعوه، ولكن يعلن ذلك القاضي، فيكون ذلك بواسطة القاضي حتى لا يتعامل معه أحد إلا على بصيرة.

    إذا أقر المحجور عليه بمال لقريبه بقرينة عمل بها

    السؤال: لو أقر المحجور عليه بأن هذا المال المعين لأخيه مثلاً، ووجدت قرينة على ذلك، فما الحكم؟

    الجواب: إذا وجدت قرينة عمل بها، فيكون هذا المال لمن أقر به، لكن إن كانت حيلة فلا تقبل منه، وكثيرٌ من المحجور عليهم أو المدينين إذا طلب منه القضاء يقول: هذه الشاة لامرأتي، وهذه الإبل لأبي، ليس لي منها شيء. ويريد بذلك التخلص من هؤلاء الغرماء، فلا يقبل منه إلا ببينة أو بقرائن.

    بيع دار الميت المدين لسداد دينه

    السؤال: رجل توفي وعليه دين قرابة مليونين، وداره لو بيعت تساوي قرابة مليون ومائتين، وليس فيه سوى الزوجة وأربعة أبناء، فهل للغرماء أن يطالبوا ببيع البيت؟

    الجواب: يرفع الأمر إلى القاضي، ولا يباع إلا بأمر القاضي؛ وذلك لأن هذا شيء تعلق بذمة هذا الميت، فلابد أنهم يسعوا في إبراء ذمته ببيع داره، وهل يستطيعون أن يستأجروا؟! فينظر القاضي في أمرهم.

    حد العاقلة

    السؤال: هل صحيح أن حد العاقلة إلى الجد الخامس؟

    الجواب: يعبرون عنهم بأنهم الأفخاذ، يمكن إلى الجد الخامس أو إلى العاشر إذا كانوا متقاربين.

    حكم أخذ المدين من الزكاة مع قدرته على سداد بعض دينه كل شهر

    السؤال: ما حكم من يأخذ من الزكاة وهو مديون بدين يستطيع أن يسدده كل شهر؟

    الجواب: لا يحل له إذا كان يستطيع، إلا إذا شدد عليه أهل الدين، وقالوا: لا نخلي سبيلك إلا أن تعطينا الآن. ولم يوافقوا على التسديد شهرياً.

    طلب المحجور الإمهال ليتجر

    السؤال: هل للمحجور عليه أن يطلب ممن حجروا عليه أن يمهلوه أن يتّجر بأمواله حتى يسددهم؟

    الجواب: له ذلك إذا كانوا يثقون بأنه إذا اتّجر بها ربح، ثم حصل من أرباحه ما يعطيهم أموالهم كلها، ولو أنهم أخذوا الأموال الموجودة ما حصل لهم إلا نصف ديونهم، وهو ذو حرفة ومعرفة، إذا اتّجر ربح في هذه السنة أو نحوها أرباحاً يحصل منها وفاء ديونهم.

    من ادعى على ميت مالاً ومعه أوراق غير موثقة

    السؤال: لي جدٌ توفي وترك مالاً وديناً، فوفينا عنه دينه، ثم جعلنا الباقي في بناء مسجد، وبعد أربع سنوات جاء رجلٌ يدعي على جدي بدين، مع علمه في تلك المدة بموت جدي، وجاء بأوراق ليست موثقة، فما العمل في هذه الحال؟

    الجواب: لا بد من إثباتها عند القاضي، فيرفع الأمر إلى القاضي، فتدّعون أنه لم يتقدم هذه المدة، وهو يشاهدنا نوفي ديونه، ويعلم أننا صرفنا بقية تركته لمسجد، وهذه الأوراق ليست موثقة، وللقاضي أن ينظر في القرائن.

    مراعاة أحوال الناس وتقسيط ما ثبت في الذمة

    السؤال: لي دين عند أحد الأثرياء، وذلك أن سائقه صدم سيارتي فقال لي: أخصص لك نصف راتب السائق خلال خمس سنوات، وأعطيك نصف المبلغ، فهل يجوز عمله هذا؟

    الجواب: يجوز ذلك إذا رضيت أنت، فلك أن تطالب السائق، ولكن إذا عرفت أن السائق ليس عنده شيء، فلك أن ترضى بنصف مرتبه، ولك أن ترضى بنصف الأرش يقدمه لك تبرعاً منه.

    حكم أفلام الكرتون للأطفال

    السؤال: انتشرت في هذه الأزمنة المتأخرة أجهزة إلكترونية وهي مشتملة على ألعاب مسلية للأطفال، غير أنها تشتمل على بعض الصور ولذوات الأرواح، ومنها أفلام كرتون، وقد تسامح فيها كثيرٌ من الأخيار من أجل حفظ أولادهم، ولأجل مصالح أخرى، فهل هذا جائز؟

    الجواب: لا شك أنها داخلة في اسم الصور، ولكن حيث إنها ليست ثابتة، ويمكن مسحها مثلاً والتسجيل عليها، فيخف أمر الصور فيها، لاسيما وأنها تختص بالأطفال الذين دون سن التمييز أو نحوهم، وتحفظهم من العبث الذي لا بد لهم منه، فلعله يتسامح فيها، ولكن لا يتوسع فيها توسعاً بحيث تبذل فيها أموالٌ طائلة، أو تشغل عما هو أهم منها.

    رجوع العوام إلى العلماء المعتبرين في المسائل المختلف فيها

    السؤال: يحدث بيننا خلاف وجدل بسبب اختلافات الفقهاء والعلماء في بعض المسائل الفقهية، فما هو دور العامي مثلنا حيال ذلك؟

    الجواب: لا شك أنه يوجد خلاف كثير بين العلماء، ولكن الواجب على العامة أن يأخذوا بأقوال العلماء المعتبرين فيرجعون إلى العلماء المعتبرين في زمانهم، وإذا نقل لهم عن علماء السلف الذين هم محل قدوة فيقتدون بهم.

    استئذان الوكيل لموكله في شراء سيارة لمصلحته

    السؤال: شخصٌ وكله آخر باستثمار ماله، وسمح له بسد حاجته منه إن أراد، ويرغب الوكيل بشراء سيارة بقيمة سبعين ألفاً للوكيل، بحيث يسجلها لصالح الموكل بقيمة ثمانين ألفاً، فهل يجوز ذلك؟

    الجواب: لا بد من أخذ إذن الموكل؛ لأن هذه قيمة رفيعة، فإذا كانت السيارة لمصلحة الموكل؛ للاتجار في ماله، ولمتابعة الغرماء، ومتابعة التجارة، ومتابعة الإيراد والتصدير، وما أشبه ذلك، وسمح بذلك الموكل؛ جاز ذلك.

    حكم صرف الحوالة قبل قبضها

    السؤال: جاءتني حوالة من أحد الإخوة، واستلمتها بالعملة التي توجد في البلد، فهل أدفع المبلغ بالعملة التي حولها هو أم بالعملة التي استلمتها في بلدي؟

    الجواب: يجوز ذلك ويكون صرفاً لعين وذمة، كأنه يقول: عندكم لنا مثلاً مائة دولار، أريد صرفها بقيمة اليوم بريال سعودي مثلاً يجوز ذلك؛ لحديث ابن عمر : (كنا نبيع الإبل بالبقيع، فنبيع بالدراهم فنأخذ الدنانير وبالعكس، فقال صلى الله عليه وسلم: لا بأس ما لم تفترقا وبينكما شيء)، فتستلم منهم العوض في الحال.

    تأثير الرضاع إنما يكون لمن رضع دون إخوته

    السؤال: أمي أرضعت ابن أختي الكبير، ومعروف شرعاً أنه أخو خاله من الرضاع، لكن إخوته الذين هم أصغر منه، ولم يرضعوا من أمي التي هي جدتهم، هل يجوز أن أزوجهم من بناتي أم لا، أفتونا مأجورين؟

    الجواب: يجوز ذلك، والذي لا تزوجه هو الذي رضع من أمك، وأما إخوته فلا يتأثرون برضاع أخيهم.

    حكم الطار

    السؤال: ابن خالي سوف يتزوج بعد أيام، وعلمنا بأنه سوف يأتي بفرقة من النساء تزعم أنها تستخدم الطار فقط، وهذه الفرقة سوف تحيي ساعات طويلة من الفرح وغير ذلك، وهذه الفرقة اشترطت أن تأخذ سبعة آلاف ريال، وأنا رفضت طلب والدتي، فهل هذا جائز؟

    الجواب: لا يجوز لك تمكين هؤلاء الذين يلعبون هذا اللعب المشتبه والمحرم بما يسمى بالطار أو ما أشبهه، ولا بأس باستعمال الدف على ما ورد في حديث: (أعلنوا النكاح، واضربوا عليه بالدف)، وشيء من النشيد المباح، وأما هذه الأجهزة الكثيرة وما أشبهها من الأمور الملهية، مع السهر الطويل؛ فلا تجوز.

    أحسن الله إليكم، وأثابكم، ونفعنا بعلمكم، وصلى الله على نبينا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين.

    مكتبتك الصوتية

    أو الدخول بحساب

    البث المباشر

    المزيد

    من الفعاليات والمحاضرات الأرشيفية من خدمة البث المباشر

    عدد مرات الاستماع

    3086718663

    عدد مرات الحفظ

    756328639