إسلام ويب

وقفة مع نهاية العامللشيخ : عبد الرحمن السديس

  •  التفريغ النصي الكامل
  • ديننا الإسلامي يحذرنا من الدنيا، لأنها متعة تفوت متعة أكبر منها وأعظم وأجل.

    فعلى المسلم أن يقف من الدنيا على حذر، وأن يتعظ بحوادثها، وأن يحاسب نفسه فيها كما يحاسب التاجر شريكه، فالمؤمن تاجر وعمره رأس ماله.

    ولنا في كل عام يمر علينا أحداث، يجب أن نتفكر بها، ونتعظ منها.

    1.   

    حال الدنيا

    الحمد لله جعل في تعاقب الليالي والأيام عبرا، وفي تصرم الشهور والأعمار نذرا، أحمده تعالى وأشكره على نعم تترى، وعلى منن لا نطيق لها حصرا، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له شهادة تكون لنا يوم المعاد ذخرا، وأشهد أن نبينا محمداً عبد الله ورسوله المخصوص بالفضائل الكبرى، والمبعوث إلى الخليقة طُرا، صلى الله وسلم وبارك عليه وعلى آله وأصحابه أطيب الخليقة ذكرا، وأرفعهم قدرا، والتابعين ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين.

    أما بعــد:

    فيا عباد الله: أوصيكم ونفسي بتقوى الله عز وجل؛ فإن تقواه سبحانه وصيته جل وعلا للأولين والآخرين من عباده، يقول الله جل وعلا: وَلَقَدْ وَصَّيْنَا الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِنْ قَبْلِكُمْ وَإِيَّاكُمْ أَنِ اتَّقُوا اللَّهَ [النساء:131].

    عباد الله: وقفات تساؤل تتبعها لحظات تأمل، تعقبها وقفات محاسبة، ونحن نعيش في ختام هذا العام.

    عباد الله! أرأيتم إلى الشمس كل يوم تطلع من المشرق وتجري إلى أن تغرب، أرأيتم عباد الله إلى القمر يهل صغيراً ثم ينمو رويداً رويداً حتى يكون بدراً متكاملاً ثم يأخذ نموه بالنقص والاضمحلال، ألم تروا عباد الله إلى المطر ينزل على الأرض الهامدة فتزهو وتخضر ثم ما تلبث أن تكون هشيماً يابساً، ترى الزهرة متفتحة فواحة الشذى فما تلبث أن تذبل وتعبث بها عوامل الردى، ترى الشاب يمتلئ حيوية ونضارة، فما يلبث أن يشيب ويهرم، وتلك سنة الله ولن تجد لسنة الله تبديلاً.

    هذه حال الدنيا يا عباد الله! التي يستغرق فيها بعض الناس ويضيعون الآخرة، لينالوا بعض متاع هذه الحياة الدنيا، مع غرور طول الأمل ونشوة الفرح والانشغال بالأموال والأولاد، هذه هي الدنيا لا راحة فيها ولا اطمئنان، ولا ثبات ولا استقرار، حوادثها كثيرة، والناس عنها في شغال، عبرها غفيرة والناس عنها غافلون: اقْتَرَبَ لِلنَّاسِ حِسَابُهُمْ وَهُمْ فِي غَفْلَةٍ مُعْرِضُونَ * مَا يَأْتِيهِمْ مِنْ ذِكْرٍ مِنْ رَبِّهِمْ مُحْدَثٍ إِلَّا اسْتَمَعُوهُ وَهُمْ يَلْعَبُونَ * لاهِيَةً قُلُوبُهُمْ [الأنبياء:1-3] طلوع وأفول، ودول تبنى وأخرى تزول، وممالك تشاد وأخرى تباد، ومدن تعمر وأخرى تدمر، وسبحان من يغير ولا يتغير! فواعجباً لهذه الدنيا كيف خدع بها الناس وهي كغمضة عين أو لمحة بصر أو ومضة برق! كيف غرهم طول الأمل فيها! وهي كما أخبر الله سبحانه لعب ولهو وزينة وتكاثر وتفاخر، سراب خادع، وبريق لامع، لكنها سيف قاطع، كم أذاقت بؤسا، وكم جرعت غصصا، وكم أذاقت نغصا، كم أحزنت فرحا، وأبكت مرحا، وكدرت صفوا، وشابت معينا.

    سرورها مشوب بالحزن، وفقرها مشوب بالكدر، ساحرة غرارة، خادعة مكارة، كم هرم فيها من صغير، وذلَّ فيها من عزيز، وتلف فيها من وزير، وفقر فيها من غني، أحوالها متبدلة، وشئونها متغيرة، فلا ترى فيها إلا راحلاً إثر راحل، وهالكاً خلف هالك، ما هي إلا أيام معدودة، وأنفاس محدودة، وآجال مضروبة، وأعمال محسوبة، وإن طالت في نظر المخدوعين بزخرفها، المفتونين بشهواتها، الراكنين إلى لهوها وغرورها.

    نظرة الإسلام إلى الحياة الدنيا

    أمة الإسلام: إن منهج ديننا الحنيف وموقفه من هذه الحياة الدنيا ونظرته إليها لا تكاد تخفى على كل من قرأ كتاب الله سبحانه: يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّ وَعْدَ اللَّهِ حَقٌّ فَلا تَغُرَّنَّكُمُ الْحَيَاةُ الدُّنْيَا وَلا يَغُرَّنَّكُمْ بِاللَّهِ الْغَرُورُ [فاطر:5] اعْلَمُوا أَنَّمَا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا لَعِبٌ وَلَهْوٌ وَزِينَةٌ وَتَفَاخُرٌ بَيْنَكُمْ وَتَكَاثُرٌ فِي الْأَمْوَالِ وَالْأَوْلادِ [الحديد:20] يَا قَوْمِ إِنَّمَا هَذِهِ الْحَيَاةُ الدُّنْيَا مَتَاعٌ وَإِنَّ الْآخِرَةَ هِيَ دَارُ الْقَرَارِ [غافر:39] وَمَا هَذِهِ الْحَيَاةُ الدُّنْيَا إِلَّا لَهْوٌ وَلَعِبٌ وَإِنَّ الدَّارَ الْآخِرَةَ لَهِيَ الْحَيَوَانُ لَوْ كَانُوا يَعْلَمُونَ [العنكبوت:64].

    إخوة الإيمان: وأما سنة الحبيب المصطفى والرسول المجتبى عليه صلوات الله وسلامه، ففيها المنهج العملي الذي ينبغي أن يسلكه المسلم في هذه الحياة، روى البخاري في صحيحه عن ابن عمر رضي الله عنهما قال: {أخذ النبي صلى الله عليه وسلم بمنكبي وقال: كن في الدنيا كأنك غريب أو عابر سبيل } وكان ابن عمر رضي الله عنه يقول: [[إذا أمسيت فلا تنتظر الصباح، وإذا أصبحت فلا تنتظر المساء ]] وهذا الحديث العظيم أصل في قصر الأمل في هذه الحياة، حتى لكأن الإنسان فيها على جناح سفر يتهيأ للرحيل، الله أكبر! ويقول صلى الله عليه وسلم فيما رواه الترمذي وغيره: {ما لي وللدنيا، ما أنا في الدنيا إلا كراكب استظل تحت شجرة ثم راح وتركها } ومن وصايا عيسى عليه السلام لأصحابه قوله: [[الدنيا قنطرة فاعبروها ولا تعمروها ]] وقال عليه السلام: [[من ذا الذي يبني على موج البحر داراً، تلكم الدنيا فلا تتخذوها قراراً ]] وقيل لنوح عليه السلام: يا أطول الأنبياء عمراً كيف رأيت الدنيا؟ قال عليه السلام: [[كدار لها بابان دخلت من أحدهما وخرجت من الآخر ]].

    وعلى هذا النهج سار سلف هذه الأمة رحمهم الله، يقول علي بن أبي طالب رضي الله عنه: [[إن الدنيا قد ارتحلت مدبرة، وإن الآخرة قد ارتحلت مقبلة ولكل منهما بنون، فكونوا من أبناء الآخرة ولا تكونوا من أبناء الدنيا، فإن اليوم عمل بلا حساب وغداً حساب ولا عمل ]] وخطب عمر بن عبد العزيز رحمه الله فقال: [[إن الدنيا ليست بدار قرار، كتب الله عليها الفناء، وكتب على أهلها فيها الضعن، فكم من عامر عما قريب يخرب، وكم من مقيم مغتبط عما قليل يضعن، كأن الموت فيها على غير ما كتب، وكأن الفناء فيها على غير ما وجد، وكأن الذي نودع إلى القبور سُفُرٌ عما قليلٍ إلينا راجعون ]] وقال بعض السلف لأصحابه: انطلقوا معي حتى أريكم الدنيا، فذهب بهم إلى المزبلة، فقال: انظروا إلى الدنيا وما فيها.

    ذهاب عام شاهد لنا أو علينا

    أيها الإخوة المسلمون: إنني أذكر بهذا الموضوع المهم، وتلك القضية المهمة، ونحن في هذه الأيام نعيش في وداع العام الذي تصرمت أيامه، وقوضت خيامه، وبالأمس القريب كنا نستقبله، واليوم وبهذه السرعة الخاطفة نودعه، وهو شاهد لنا أو علينا بما أودعناه من أعمال، عام مضى وانقضى من أعمارنا ولن يعود إلى يوم القيامة، فهل يكون ذلك مذكراً لنا بسرعة زوال هذه الدنيا، يقول الحسن البصري رحمه الله: [[ما من يوم ينشق فجره إلا وينادي: يا ابن آدم، أنا يوم جديد وعلى عملك شهيد، فتزود فيَّ بعمل صالح فإني لا أعود إلى يوم القيامة ]] أيام تمر وتنقضي، وسنوات تفر وتنتهي، ونحن غافلون وفي ثوب السنة سادرون، والإنسان -كما تعلمون- بين مخافتين: بين عاجل قد مضى لا يدري ما الله صانع فيه، وبين آجل قد بقي لا يدري ما الله قاضٍ فيه.

    إنا لنفرح بالأيام نقطعها     وكل أيامنا يدني من الأجل

    كل امرئٍ مصبح في أهله     والموت أدنى من شراك نعله

    النفس تبكي على الدنيا وقد علمت     أن السلامة فيها ترك ما فيها

    فلا الإقامة تنجي النفس من تلفٍ     ولا الفرار من الأحداث ينجيها

    وكل نفس لها دور يصبحها     من المنية يوماً أو يمسيها

    الاتعاظ بحوادث الدنيا

    أمة الإسلام: إنه ليجدر بالعاقل الذي يرى ويسمع حلول حوادث الموت، وأخبار الانتقال من هذه الدار، من القصور إلى القبور، حيث ضيق اللحود، ومراتع الدود، أن يفيق من سباته، وأن يستيقظ من رقاده، وأن يتذكر الموت وشدته، وأن يتدارك لحظاته؛ فإن الموت الذي تخطانا إلى غيرنا سيتخطى غيرنا إلينا، فلنأخذ حذرنا ولن يؤخر الله نفساً إذا أجلها.

    ثم لنتذكر أننا مسئولون -والله- عن أعمارنا وعن أوقاتنا، هلموا بنا عباد الله لنحاسب أنفسنا ونستلهم الدروس والعبر في ختام عامنا، ماذا قدمنا فيه من أعمال صالحة؟ دعونا لنتساءل عن عامنا كيف أمضيناه؟ وعن وقتنا كيف قضيناه؟ ولننظر في كتاب أعمالنا كيف طويناه؟ وفيه نبصر ما أسلفناه ونبين ما قدمناه، فإن كان خيراً حمدنا الله وشكرناه، وإن كان شراً تبنا إلى الله واستغفرناه.

    يا إخوة الإسلام: والله ليست الغبطة بالتمتع بالملذات، وليست السعادة في تناول المشتهيات، إن الخير كل الخير أن يوفق المسلم في ختام عامه إلى التوبة النصوح، وفتح صفحة جديدة من الأعمال الصالحة قبل أن تقول نفس: يَا حَسْرَتَى عَلَى مَا فَرَّطْتُ فِي جَنْبِ اللَّهِ [الزمر:56].

    فاتقوا الله عباد الله! وحاسبوا أنفسكم، وتوبوا إلى ربكم من ذنوبكم، واحذروا التسويف فإن الموت يأتي بغتة، وهذا نداء إلى المفتونين في هذه الدنيا المضيعين لأوقاتهم في معصية الله أن يتقوا الله سبحانه، وأن يتداركوا أنفسهم قبل أن يعضوا أصابع الندم، وهمسة إلى المخدوعين بالبريق اللامع، والسراب الخادع، أن يعملوا لما أمامهم، فكفى غفلة يا عباد الله! وكفى إعراضاً والنذر تقرع القلوب وتأخذ بالألباب، ولكن الموفق من وفقه الله، فتدارك بقية عمره في طاعة الله.

    حوادث العام.. والمآسي في الأمة

    أمة الإسلام: تعالوا بنا نتساءل عن أحوال أمتنا خلال عام، فلا تزال مآسي المسلمين مستمرة في كثير من بقاع العالم، ما هي أخبار أولى القبلتين وثالث المسجدين الشريفين؟

    ما هي آخر أخبار إخواننا في جمهورية البوسة والهرسك ؟

    وما هي أنباؤهم في الشيشان ؟

    وما أخبارهم في كشمير ؟

    وفي كثير من البقاع، إن أحوالهم تشكى إلى الله ولا حول ولا قوة إلا بالله وحسبنا الله ونعم الوكيل! مذابح رهيبة، ومجاعة مخيفة، وتشرد وتهجير، آلاف الرجال قتِّلوا، وآلاف النساء رمِّلن، وآلاف الأطفال يتموا، دماء جارية، وأعارض منتهكة، مساجد مهدمة، وبيوت مخربة، وأموال مغتصبة، ولا حول ولا قوة إلا بالله!

    إن كثيراً من إخواننا المسلمين يعيشون بلا مأوى ولا غذاء ولا كساء ولا ماء ولا دواء، يتحرك غير المسلمين، وتتحرك منظمات مشبوهة لكفالة أبناء المسلمين ونقلهم إلى خارج بلادهم، والمسلمون لا بواكي لهم، وإلى الله المشتكى ولا حول ولا قوة إلا بالله!

    إن إخوانكم المسلمين في بقاع كثيرة من العالم يشكون إلى الله ضعف قوتهم وقلة حيلتهم وهوانهم على الناس، وينتظرون تحرك مشاعركم واستنهاض عزائمكم، ودعمكم لهم بالمال والدعاء، وينادون (وا إسلاماه) لعل نخوة تتحرك وعقيدة تتفاعل؛ لتكون نوازل المسلمين سحابة صيف تنقشع عما قريب بإذن الله، لأن النصر للإسلام وأهله وَكَانَ حَقّاً عَلَيْنَا نَصْرُ الْمُؤْمِنِينَ [الروم:47].

    أمة الإسلام: لقد شهد هذا العام حدثين خطيرين جديرين بالتوقف، يجب ألا يمرا دون أخذ الدروس والعبر منهما، أما أحدهما فهو: المذبحة البشعة والمجزرة الرهيبة التي قام بها يهود على أرض لبنان ، وهي مأساة تؤكد مدى عداوة أعداء الله ورسوله والمؤمنين للإسلام وأهله وأرضه، وتبرهن للحالمين بدعوى السلام أنهم يعيشون أحلام يقظة ويرومون جني العنب من الشوك، وهيهات! إنه لا سلام مع إخوان القردة والخنازير، وإنما هو مهانة واستسلام، ولا مساومة على مقدسات المسلمين فهي إسلامية إسلامية إسلامية، ويجب أن تبقى كذلك إلى الأبد، بل لأبد الأبد، ولكن يا ليت قومنا يعلمون.

    أما الحدث الآخر فهو: حادث التفجير الآثم الذي وقع في عاصمة بلاد الحرمين الشريفين حرسها الله بشرعه، وما تنطوي عليه هذه الجريمة من أبعاد خطيرة على شبابنا حين يفرط بالثوابت والأصول ويتخلى عن علمائه ويسلم قياده لأفكار خطيرة ومناهج دخيلة، ولقد يسر الله بفضله وتوفيقه القبض على المجرمين بفضل الله وحده، ثم بفضل الجهود الجبارة التي يقوم بها من يهمهم أمن هذه البلاد المحروسة، وساء كل مسلم أن يكونوا من أبناء جلدتنا فيقوموا ضدنا.

    أعلمه الرماية كل يومٍ     فلما اشتد ساعده رماني

    ولكن يبقى الدرس والعبرة، وتكاتف البيت والأسرة والمدرسة ودور التربية والتعليم، ووسائل الإعلام أن تقوم بتربية شبابنا دون إفراط ولا تفريط، وليحذر من يريد الاصطياد في الماء العكر من مغبة فعله، حيث ينسب للدين وأهله ما ليس منه لخطأ آحاد من الناس، فليست كل بيضاء شحمة، ولا كل سوداء فحمة، ولله الأمر من قبل ومن بعد والله المستعان.

    يجب أن تعالج الأمور بالهدوء والرفقة والحكمة فالحكمة ضالة المؤمن.

    نسأل الله عز وجل أن يختم لنا عامنا بخير، اللهم اجعل خير أعمارنا أواخرها وخير أعمالنا خواتمها، وخير أيامنا يوم نلقاك، اللهم اختم بالصالحات أعمالنا وأعوامنا وأعمارنا يا ذا الجلال والإكرام، وبالسعادة آجالنا، واجعل حاضرنا خيراً من ماضينا، ومستقبلنا خيراً من حاضرنا يا حي يا قيوم.

    بارك الله لي ولكم في القرآن العظيم، ونفعني وإياكم بهدي سيد المرسلين، أقول قولي هذا وأستغفر الله لي ولكم ولجميع المسلمين من كل ذنب، فاستغفروه إنه هو الغفور الرحيم.

    1.   

    استغلال العمر في الطاعات

    الحمد لله مقدر المقدور، ومصرف الأيام والشهور، ومعاقب الأعوام والدهور، وأشهد أن لا إله إلا الله العزيز الغفور، الحليم الشكور، وأشهد أن نبينا محمداً عبد الله ورسوله المبعوث بالهدى والنور، صلى الله وسلم وبارك عليه وعلى أصحابه والتابعين ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين.

    أما بعــد:

    فاتقوا الله عباد الله وَاتَّقُوا يَوْماً تُرْجَعُونَ فِيهِ إِلَى اللَّهِ ثُمَّ تُوَفَّى كُلُّ نَفْسٍ مَا كَسَبَتْ وَهُمْ لا يُظْلَمُونَ [البقرة:281] واعلموا أن الأعمال بالخواتيم، فمن تاب وأصلح فيما بقي غفر له ما مضى وما بقي، ومن أساء فيما بقي أخذ بما مضى وما بقي، وسلوا الله حسن الختام، وتذكروا رحمكم الله بانقضاء العام انقضاء الأعمار وبالانتقال إلى العام الجديد النقلة إلى دار القرار، قال بعض السلف : ابن آدم: إنما أنت أيام كلما مضى منك يوم مضى بعضك، وقال بعض السلف : كيف يفرح بهذه الدنيا من يومه يهدم شهره، وشهره يهدم سنته، وسنته تهدم عمره، كيف يفرح من عمره يقوده إلى أجله، وحياته تقوده إلى موته، وفي الحديث عنه صلى الله عليه وسلم: (أعذر الله من أخر أجله حتى بلغه ستين سنة ).

    كم ودعنا في هذه العام من أخ وحبيب، وصديق وقريب، واراهم الثرى، وسرى بهم البلى، ونحن في الطريق سائرون، وعلى الدرب ماضون، وعلى ما قدموا إليه قادمون، وسيعلم الذين ظلموا أي منقلب ينقلبون.

    فهل من وقفة حازمة يا عباد الله! ولحظة حاسمة ينطلق منها كل فرد منا مقوماً مسيرته العلمية والعملية والدعوية على ضوء كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم، ومراجعاً حساباته على نهج الشرع الحنيف؟ هذا هو المؤمل لكل من أراد نجاته وسعادته في الدنيا والآخرة. وإن واجب قادة المسلمين أن يجدوا في تطبيق شرع الله، وأن يبادروا إلى ذلك.

    وإن على علماء المسلمين والدعاة إلى الله أن يجمعوا قلوبهم على الحق، وأن ينـزلوا إلى ميدان التوجيه والإرشاد، وهل تنتهي بنهاية هذا العام مشكلات أمة الإسلام فتجتمع الكلمة وتتوحد الصفوف، وتتوارى الحروب والقلاقل عن مجتمعات المسلمين، وتسلك الأمة طريق الإصلاح، وتجد في السير على دروب العز والفلاح، هذا ما يؤمله كل غيور على أوضاع أمته، مهتمٍ بشئونها، ولنختم عامنا بالتفاؤل بأن المستقبل للإسلام وأن العزة لله ولرسوله وللمؤمنين ولكن المنافقين لا يعلمون.

    هذا وصلوا وسلموا -رحمكم الله- على خير الورى كما أمركم بذلك ربكم جل وعلا، فقال عز من قائل: إِنَّ اللَّهَ وَمَلائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيماً [الأحزاب:56] اللهم صل وسلم على نبينا وحبيبنا وقدوتنا محمد بن عبد الله، وارض اللهم عن الخلفاء الراشدين، وعن الصحابة والتابعين ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين، وعنا معهم برحمتك يا أرحم الراحمين.

    اللهم أعز الإسلام والمسلمين، وأذل الشرك والمشركين ودمر أعداء الدين، واجعل هذا البلد آمناً مطمئناً وسائر بلاد المسلمين، اللهم آمنا في أوطاننا، وأصلح أئمتنا وولاة أمورنا، اللهم وفق إمامنا إلى ما تحب وترضى، اللهم خذ بناصيته للبر والتقوى، اللهم هيئ له البطانة الصالحة يا ذا الجلال والإكرام، اللهم وفق جميع ولاة المسلمين للحكم بشريعتك، واتباع سنة نبيك صلى الله عليه وسلم، اللهم زينا بزينة الإيمان، واجعلنا هداة مهتدين غير ضالين ولا مضلين يا حي يا قيوم.

    اللهم ادفع عنا الغلاء والوباء والربا والزنا والزلازل والمحن، وسوء الفتن ما ظهر منها وما بطن، عن بلدنا هذا خاصة وعن سائر بلاد المسلمين عامة يا رب العالمين.اللهم فرج هم المهمومين من المسلمين، ونفس كرب المكروبين، واقض الدين عن المدينين، وفك أسر المأسورين، واشف مرضانا ومرضى المسلمين يا رب العالمين.

    رَبَّنَا آتِنَا فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً وَفِي الْآخِرَةِ حَسَنَةً وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ.

    رَبَّنَا ظَلَمْنَا أَنْفُسَنَا وَإِنْ لَمْ تَغْفِرْ لَنَا وَتَرْحَمْنَا لَنَكُونَنَّ مِنَ الْخَاسِرِينَ.

    ربنا اختم لنا بخير واجعل عواقب أمورنا إلى خير يا ذا الجلال والإكرام.

    رَبَّنَا تَقَبَّلْ مِنَّا إِنَّكَ أَنْتَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ، وَتُبْ عَلَيْنَا إِنَّكَ أَنْتَ التَّوَّابُ الرَّحِيمُ، واغفر لنا ولوالدينا ولجميع المسلمين الأحياء منهم والميتين برحمتك يا أرحم الراحمين.

    سبحان ربك رب العزة عما يصفون، وسلام على المرسلين، والحمد لله رب العالمين.

    مكتبتك الصوتية

    أو الدخول بحساب

    البث المباشر

    المزيد

    من الفعاليات والمحاضرات الأرشيفية من خدمة البث المباشر

    عدد مرات الاستماع

    3086718663

    عدد مرات الحفظ

    756991387