إسلام ويب

شرح العقيدة التدمرية [17]للشيخ : ناصر بن عبد الكريم العقل

  •  التفريغ النصي الكامل
  • المقصود بالصفاتية هم الذين يثبتون الصفات بما فيهم أهل التأويل، فالذين يثبتون جميع الصفات الواردة هم أهل السنة والجماعة، والذين يثبتون بعض الصفات هم المعتزلة وأهل الكلام من الأشاعرة والماتريدية، أما الجهمية فلا يسمون صفاتية؛ لأنهم ينفون الصفات مطلقاً، والمخالفون لأهل السنة فرقوا بين الصفة وبين الذات، وهذا ضلال؛ لأنه لا يتصور وجود بلا صفات.

    1.   

    بيان المقصود بالصفاتية وموقفهم من صفات الله عز وجل

    أذكركم بالقاعدة فيما يتعلق بصفات الله عز وجل ما ينفى فيها وما يثبت، وهذه القاعدة لم يذكرها الشيخ بعينها، لكنها فهمت من فحوى كلامه فهماً واضحاً من خلال مناقشة القضية: الضابط الذي يعرف به ما يجوز على الله وما لا يجوز هو أنه يثبت ما أثبته الله لنفسه ويثبت لله كل كمال لا نقص فيه، وهذه قاعدة جاءت بها النصوص؛ لأن الله عز وجل قال عن نفسه: لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ البَصِيرُ [الشورى:11]، وأيضاً في النفي أن ننفي عن الله عز وجل النقائص، وننفي عن الله كل عيب وكل نقص، ومن ذلك مماثلة المخلوقين، وبقي مسألة المشابهة هذه محل كلام آخر.

    قال المؤلف رحمه الله تعالى: [ ثم من هؤلاء الصفاتية من لا يقول في الصفات: إنها قديمة، بل يقول: الرب بصفاته قديم ].

    ينبغي أولاً أن نعرف أن المقصود بالصفاتية هم الذين يثبتون الصفات بما فيهم أهل التأويل، ولذا فكلمة (صفاتية) لا تعني الإشارة إلى فرقة معينة؛ لأن الموقف العام تجاه الصفات إما إثبات أو نفي، فالجهمية لا يسمون صفاتية؛ لأن فيهم الفلاسفة والباطنية .. وغيرهم ممن ينفون الصفات مطلقاً، لكن الذين وافقوا الجهمية في نفي بعض الصفات، أو في تأويلها يسمون: صفاتية.

    إذاً: الصفاتية: هم كل من أثبت شيئاً من الصفات، سواء الذين يثبتون جميع الصفات الواردة، وهم أهل السنة والجماعة، أو الذين يثبتون بعض الصفات دون بعض، كالمعتزلة وأهل الكلام من الأشاعرة والماتريدية، بل وحتى الذين بالغوا في الإثبات إلى حد البدعة، مثل المشبهة والممثلة، فهؤلاء يسمون صفاتية؛ لأنهم يثبتون، سواء غلوا في الإثبات، أو غلوا في النفي، ثم ذكر الشيخ أنهم قد اختلفوا، وذكر أن منهم من لا يقول في الصفات: إنها قديمة، وهذا الكلام فلسفة، وكنت أتوقع أن ينشأ سؤال منكم يقول: أي هذه الأقوال هو الحق؟ وعلى أي حال أؤجل الجواب عليه حتى ننتهي من المقطع؛ من أجل أن تتصوروا المسألة.

    قال رحمه الله تعالى: [ بل يقول: الرب بصفاته قديم، ومنهم من يقول: هو قديم وصفته قديمة، ولا يقول: هو وصفاته قديمان، ومنهم من يقول: هو وصفاته قديمان، ولكن يقول: ذلك لا يقتضي مشاركة الصفة له في شيء من خصائصه، فإن القدم ليس من خصائص الذات المجردة، بل هو من خصائص الذات الموصوفة بصفات، وإلا فالذات المجردة لا وجود لها عندهم، فضلاً عن أن تختص بالقدم، وقد يقولون: الذات متصفة بالقدم والصفات متصفة بالقدم، وليست الصفات إلهاً ولا رباً، كما أن النبي محدث وصفاته محدثة، وليست صفاته نبياً ].

    على أي حال هذه كلها فلسفة لا طائل تحتها، والشيخ باختصار ينقل مقالات قد بينها في مقامات أخرى وفي بعض كتبه الأخرى، فهو أراد أن يشير إلى خوض الناس، أو خوض الصفاتية الذين هم المعتزلة والأشاعرة والماتريدية، ومن شاركهم، مثل: الكلابية والسالمية وفرق أخرى كثيرة، فهؤلاء كلهم اختلفوا اختلافات لا طائل تحتها، وإنما كلها تخرصات وظنون، ولذلك أشار الشيخ إلى أن الذين فرقوا بين الصفة وبين الذات، أو الذين ما فرقوا فقالوا: لأنه لا يتصور ذات بلا صفات، وأن الذات المجردة لا وجود لها في الحقيقة، وهذا حق؛ لأنه لا يمكن ولا يعقل أن يكون هناك وجود لا يقبل الصفات، وإذا كان كذلك فالله عز وجل موجود، ووجوده لا ينفك عن الصفات، كما أن كل موجود لا يمكن أن ينفك عن الصفات؛ لأنه لا يتصور وجود بلا صفات، وكلمة (ذات) مجردة هي الذات المتخيلة، والخيال ليس بشيء.

    ولذلك مثل هذا الكلام غالباً يمرض القلوب، ومن هنا نخلص إلى أن مسألة التفريق بين الله وبين صفاته في القدم مسألة بدعية لا أصل لها في الشرع، بل ولا يجوز الخوض فيها، فالله عز وجل هو الأول الذي ليس قبله شيء، وهو الآخر الذي ليس بعده شيء، وهو الباطن الذي ليس دونه شيء، وهو الظاهر الذي ليس فوقه شيء.

    إذاً: الله عز وجل لم تطرأ له صفات حتى نقول: قديمة وغير قديمة؛ لأنه سبحانه بصفاته موصوف بهذا الكمال المطلق، فيما لا بداية ولا نهاية، وإذا كان الأمر كذلك فالتفريق بين الله وبين صفاته بدعة من جميع الوجوه، سواء التفريق في القدم، أو التفريق في الحدود، أو التفريق في الخصائص، أو أي نوع من التفريق بين الله وبين صفاته، لكن الكلام على مفردات الصفات يأتي بسياقاته، يعني: تأتي أحكام هي التي تتعلق بها ذمم المكلفين، أو بعض المكلفين، فمثلاً: نقسم بالله عز وجل، لكن هل نقسم بصفته؟ نقول: هذا فيه تفصيل، ولا يعني هذا التفريق بين الله وبين صفته؛ لكن نظراً لأنه أحياناً يشتبه الأمر في مسألة ما يتعلق بذات الله عز وجل وبين بعض صفاته قد يحتاج الأمر إلى تفصيل، فمثلاً: (الرحمة) قد يشتبه إطلاق (الرحمة) على صفة الله التي هي صفة ذاتية، من حيث إن الله عز وجل رحيم، وبين (الرحمة) التي هي من خلقه، كالمطر والجنة، فإذا جاء الاشتباه احتجنا إلى التفصيل، لكن لا يعني هذا التفريق بين الله عز وجل وبين صفته من حيث القدم .. وغيرها.

    ونخلص إلى أن هذا الكلام كله لا طائل تحته، وهو من فضول الكلام، والوقوف عنده قسوة للقلوب، لذا لا نفرق بين الله وبين صفاته من حيث القدم ومن حيث عدمه، والتفريق إنما يأتي من وجوه أخرى عندما يوجد الالتباس.

    1.   

    اصطلاح المعتزلة والجهمية في مسمى التشبيه

    قال رحمه الله تعالى: [ فهؤلاء إذا أطلقوا على الصفاتية اسم (التشبيه) و(التمثيل) كان هذا بحسب اعتقادهم الذي ينازعهم فيه أولئك ].

    لأنه يقصد بهذا أن إطلاق (التشبيه) و(التمثيل) ليس على جماعة واحدة من الصفاتية، بل حتى بعض الصفاتية يطلق على بعضهم: (التجسيم) و(المشبهة)، فمثلاً: المعطلة الخالصة الذين لا يثبتون لله عز وجل الصفات يسمون المثبتة (مجسمة)، ثم المثبتة أنواع، فالذين يثبتون بعض الصفات دون بعض يطلقون على من أثبت جميع الصفات مجسمة .. وهكذا.

    فإذاً: هذه المسألة نسبية، بمعنى: أن كلمة (التشبيه) و(التمثيل) ليس إطلاقهما دائماً ذماً، وليس كل من نفى التشبيه والتمثيل أيضاً يمدح دائماً، لذا فنحتاج إلى أن نضع القاعدة السابقة. وهي إذا كان التشبيه والتمثيل لا يخرج عن قاعدة إثبات ما أثبته الله لنفسه، وما أثبته له رسوله صلى الله عليه وسلم من غير تمثيل، ونفي ما نفاه الله عن نفسه، وما نفاه عنه رسوله صلى الله عليه وسلم من غير تعطيل، فذلك يستقيم، وإذا اختل شيء من هذه القاعدة فقد يطلق التشبيه، وقد يطلق التمثيل، وقد يطلق العكس.

    قال رحمه الله تعالى: [ ثم تقول لهم أولئك: هب أن هذا المعنى قد يسمى في اصطلاح بعض الناس: تشبيهاً، فهذا المعنى لم ينفعه عقل ولا سمع، وإنما الواجب نفي ما نفته الأدلة الشرعية والعقلية.

    والقرآن قد نفى مسمى (المثل) و(الكفء) و(الند) .. ونحو ذلك، ولكن يقولون: الصفة في لغة العرب ليست مثل الموصوف ولا كفأه ولا نده فلا تدخل في النص، وأما العقل فلم ينف مسمى (التشبيه) في اصطلاح المعتزلة ].

    1.   

    الرد على شبهة أن إثبات الصفات يستلزم التجسيم

    قال رحمه الله تعالى: [ وكذلك أيضاً يقولون: إن الصفات لا تقوم إلا بجسم متحيز، والأجسام متماثلة، فلو قامت به الصفات للزم أن يكون مماثلاً لسائر الأجسام، وهذا هو التشبيه ].

    هذا الكلام ليس على إطلاقه، بمعنى: أنه لا يسلم لهم، لكن يصطادون الأغرار، فقولهم: (إن الصفات لا تقوم إلا بجسم متحيز) قد يكون صحيحاً في الجملة، لكن عند التفصيل قد نستثني أشياء، وقد نزيد أحكاماً وضوابط، وقد ننقص هذا من جانب، وهذا من جانب آخر.

    وقولهم: (والأجسام متماثلة) لا يسلم لهم هذا الإطلاق؛ لأنه لا يلزم أن تكون الأجسام متماثلة من كل وجه، فالتماثل نسبي، لكن ومع ذلك ففي الجملة أن الغالب في الأجسام التماثل، ولذلك جاء في القرآن نفي المماثلة ولم يأت نفي المشابهة؛ لأن المماثلة أدق وأخص من المشابهة، والمشابهة أعم؛ لأن المماثلة غالباً تشمل الحقائق الحدية، بينما المشابهة تشمل الحقائق والمعاني والتصورات، بل وحتى الخيالات، فالتشابه أعم من التماثل، والتماثل أخص، ولذا أقول: ومع ذلك لا يسلم لهم بأن جميع الصفات لا تقوم إلا بجسم متحيز؛ لأن معنى التحيز: المخلوقات، إذ إنها متحيزة، لكن الخالق عز وجل كيف يقال: إنه متحيز إن كان بمعنى أنه مفاصل لمخلوقاته، وليس مخالطاً لها، وليس حالاً فيها؟!

    لكن ومع ذلك الوصف المتحيز، والوصف المتحد يحمل معاني حق ومعاني باطلة، معاني كمال ومعاني نقص، والباطل والنقص منفي عن الله عز وجل، ولذلك تعتبر كلمة (متحيز) من الألفاظ المبتدعة، وعليه فلا يسلم هذا الكلام على إطلاقه، وإنما يسلم على عمومه، ومع ذلك لا يقال: إنه حق بإطلاق.

    وكذلك يقال: الأجسام متماثلة، وهذا حكم غالب على الأجسام التي هي المخلوقات، لكن لماذا نقلتم هذا الحكم إلى الخالق؟! هذا الخالق الذي ليس كمثله شيء.

    إذاً: هم يصطادون الأغرار الذين ليس عندهم قاعدة ولا موازين شرعية وعقلية سليمة، فيسلم لهم المستمع الذي ما عرف وجه اللبس في هذه الأمور، فيظن أن هذا ميزان، ثم يجرونه إلى أن إثبات الصفات لله عز وجل مماثلة، والله ليس كمثله شيء، ونحن نقول: ليس إثبات الصفات التي وردت في الكتاب والسنة مماثلة أبداً، لكن قد تعني المشابهة في المعاني العامة، والمشابهة في المعاني العامة لا تعني التشابه المطابق أو التشابه التمثيلي.

    1.   

    الرد على الأشاعرة والماتريدية الذين يثبتون الصفات العقلية وينفون الصفات الذاتية والفعلية وبيان تناقضهم

    قال رحمه الله تعالى: [ وكذلك يقول هذا كثير من الصفاتية الذين يثبتون الصفات، وينفون علوه على العرش وقيام الأفعال الاختيارية .. ونحو ذلك ].

    هؤلاء هم صفاتية أهل الكلام من الأشاعرة والماتريدية الذين يثبتون الصفات العقلية، وينفون الذاتية والفعلية، فينفون علوه سبحانه على العرش، وينفون قيام الأفعال الاختيارية .. ونحو ذلك؛ لأنهم سلموا بإطلاق تلك القاعدة السابقة: أن الصفات لا تقوم إلا باسم متحيز، وأن الأجسام متماثلة، فلو قامت بها الصفات لا يلزم أن يكون مماثلاً لفعل المخلوقات والأجسام، وهذا هو التشبيه، لذا لما طبقوا هذه القاعدة على صفات الله عز وجل قالوا: إذاً ما أشعر بالمشابهة وبالمماثلة فننفيه عن الله عز وجل، فنفوا الاستواء، والعلو على العرش، والأفعال الاختيارية، ظناً منهم أن تلك القواعد صحيحة.

    قال رحمه الله تعالى: [ ويقولون: الصفات قد تقوم بما ليس بجسم، وأما العلو على العالم فلا يصح إلا إذا كان جسماً، فلو أثبتنا علوه للزم أن يكون جسماً، وحينئذ فالأجسام متماثلة فيلزم التشبيه ].

    نجد أن أهل الكلام قد بنو هذه القواعد على مقدمات فاسدة، وبالتالي وصلوا إلى نتيجة فاسدة، فصار حكمهم فاسداً، وعارضوا بذلك الكتاب والسنة.

    وقولهم: أما العلو على العالم فلا يصح إلا إذا كان جسماً. فيقال لهم: إن قصدتم بالجسم الوجود الذاتي، فيسمى وجوداً، ولا يلزم أن يكون جسماً، وإن قصدتم بالجسم الجسم المعهود الذي نراه ونشاهده ونحسه بحواسنا، فهذا منفي عن الله عز وجل؛ لأنه ليس كمثله شيء، لكن ومع ذلك تقصدون بالجسم الوجود الذاتي، والله عز وجل له وجود ذاتي، وكونكم سميتوه جسماً فهذا تحكم من عندكم، وإلا فنحن لا نسميه جسماً؛ لأن (الجسم) كلمة غريبة وجديدة ومحدثة لم ترد في الكتاب والسنة.

    فإذاً: مقدماتهم فاسدة، ونتائجها فاسدة، وتطبيقاتها فاسدة؛ لأنهم بنوا فاسداً على فاسد، والحكم على نتيجة فاسدة، فلذلك سقطت جميع هذه الأمور، ولذلك قلنا: نرجع إلى الأصل، وهو: ما أثبته الله عز وجل لنفسه من الصفات بما فيها العلو على العرش، فإنه يثبت لله عز وجل، واللوازم الباطلة منفية، إذ إنهم يقولون: لا يكون علو إلا للجسم! لا يكون استواء إلا للجسم! فنقول: الله أعظم وأجل من أن تقولوا فيه هذه الألفاظ التي لم ترد في الكتاب والسنة، ونقول لهم أيضاً: أريحوا أنفسكم وعقولكم وفطركم، وأريحوا الناس وأريحوا المسلمين بالتسليم لله عز وجل، فأثبتوا الاستواء كما أثبته الله لنفسه، ولا تزيدوا على ذلك شيئاً، تبرأ ذممكم، وتسلموا ويسلم الناس من غوائل هذه النقاشات والصراعات الفلسفية التي لا طائل تحتها إلا الإثم والوقوع في الإلحاد والتعطيل كما حصل.

    قال رحمه الله تعالى: [ فلهذا تجد هؤلاء يسمون من أثبت العلو ونحوه: مشبهاً، ولا يسمون من أثبت السمع والبصر والكلام ونحوه مشبهاً، كما يقوله صاحب (الإرشاد) وأمثاله ].

    صاحب (الإرشاد) هو الإمام الجويني رحمه الله تعالى.

    قال رحمه الله تعالى: [ وكذلك قد يوافقهم على القول بتماثل الأجسام القاضي أبو يعلى وأمثاله من مثبتة الصفات والعلو، ولكن هؤلاء قد يجعلون العلو صفة خبرية، كما هو أول قولي القاضي أبي يعلى ، فيكون الكلام فيه كالكلام في الوجه، وقد يقولون: إن ما يثبتونه لا ينافي الجسم، كما يقولونه في سائر الصفات. والعاقل إذا تأمل وجد الأمر فيما نفوه كالأمر فيما أثبتوه لا فرق ].

    صحيح، ونقول لهم أيضاً: لماذا أثبتم السمع والبصر والكلام ولم تثبتوا العلو، بل إثبات العلو أولى عقلاً وشرعاً؟!

    فالعلو بدهي فطري، أما الكلام لو لم يرد في الكتاب والسنة لما استطعنا أن نثبته عقلاً. انظر إلى التناقض، قالوا: نثبت الكلام -وهذا هو الآن مذهب الأشاعرة إلى اليوم- والسمع والبصر وننفي العلو. وليس المقصود نفي العلو مطلقاً، بل نفي العلو الذاتي، وكون العلو معنوياً اعتبارياً، لا يكفي إثبات العلو؛ لأن الله عز وجل ذكر علوه على خلقه وعلى عرشه وعلى سماواته، فلابد أن يكون العلو أيضاً ذاتياً، ولا يكون الكمال المطلق إلا باجتماع النوعين الذاتي والاعتباري المعنوي، وإلا فالمعنوي أمر لا يرتبط بحد، هذا من ناحية، والناحية الأخرى: أن المعنوي ليس متعلقاً بالعلو فقط، بينما العلو يعتبر حداً زائداً عن العلو الذاتي، وفيه منتهى الكمال، فلا ينتهي به الكمال حتى يجتمع الأمران، فعلى هذا يقول الشيخ: إذا تأمل العاقل وجد الأمر فيما نفوه وهو العلو والاستواء .. ونحو ذلك، كالأمر فيما أثبتوه، أي: أننا إذا أخذنا بقاعدتهم السابقة وجدنا أنه لا فرق بين الأمرين.

    ولذلك يقال لهم: إما أن تثبتوا الجميع؛ لأن الكتاب والسنة ورد بذلك كله، وإما أن تنفوا الجميع حتى تكون قاعدتكم سليمة، وإلا فهي في الحقيقة فاسدة، بمعنى: مطردة، وليست سليمة شرعاً، ولذلك المعتزلة قالوا للأشاعرة: أنتم ليس لكم قاعدة، حتى إن بعض رءوس المعتزلة قالوا: نحن نحترم مذهب السلف وإن كنا نخطئه؛ لأن لهم قاعدة، أما أنتم فلا هنا ولا هناك، وليس لكم مذهب، فإن أولتم أولوا مثلنا جميع الصفات، وإن أثبتم فلا فرق بين ما أثبتموه ونفيتموه، فلابد أن تثبتوا جميع الصفات التي وردت في الكتاب والسنة كما أثبت ذلك أهل الحديث، والمعتزلة يسمون أهل السنة: أهل الحديث.

    1.   

    الأسئلة

    صفات الله عز وجل ليست متوقفة على وجود المتعلقات

    السؤال: إن إثبات بعض صفات الله عز وجل متوقف على وجود مخلوقات، مثل: الخالق والغفور والرحيم، فكيف ذلك؟

    الجواب: أهل السنة والجماعة قد بينوا ذلك بياناً شافياً فقالوا: إن الله عز وجل خالق قبل وجود الخلق، فله قدرة على الخلق، وهذا أمر معلوم بالضرورة، وكذلك بقية الأحكام المتعلقة بالمخلوقات، مثل: المغفرة والرحمة، فالله غفور قبل وجود من يغفر لهم، ورحيم عز وجل قبل أن يوجد من تتعلق بهم الرحمة، فهذه صفات كمال لازمة لله عز وجل، بل ليست متوقفة على وجود المتعلقات، والذين قالوا: بأنها متوقفة على الوجود هم أهل الفلسفة والخوض، والحق أن الله عز وجل متصف بتلك الصفات قبل الخلق.

    حكم تعلم المنطق

    السؤال: ما حكم تعلم المنطق؟ وهل منه ما هو محمود وما هو مذموم؟

    الجواب: المنطق منه ما هو محمود، ومنه ما هو مذموم، فالمنطق المحمود ما بني على أسس شرعية وعقلية صحيحة، ومن المنطق: القواعد الرياضية الصحيحة التي ينبني عليها علم الرياضة، أو علم الرياضيات، إذ إن أكثرها منطقية، وكذلك العقلية الصحيحة مبنية على مقدمات عقلية ونتائج عقلية صحيحة.

    وهناك منطق مذموم، وهو الذي يتعدى إلى الغيبيات، وإلى أمور القدر، وإلى مسائل الإلهيات كما يسمونها، فهذا منطق فاسد؛ لأنه لا سبيل إلى هذه الأمور إلا عن طريق الوحي.

    وأما مقولة: لا يمكن فهم بعض العلوم ومنها: (كتاب التدمرية) إلا بعلم المنطق. فهذا ليس على الإطلاق، لكنها تسهل فهم هذه الأمور.

    وهناك كتاب (السلم) للأخضري، وهو كتاب جيد، ومن أجود الكتب في المنطق، وله شروح شرحها بعض أساتذة جامعة الإمام شرح جيد، ومنها: شرح الدكتور: علي بن دخيل الله ، ولا أدري هل قد طبع أم لا؟

    مكتبتك الصوتية

    أو الدخول بحساب

    البث المباشر

    المزيد

    من الفعاليات والمحاضرات الأرشيفية من خدمة البث المباشر

    عدد مرات الاستماع

    3086718663

    عدد مرات الحفظ

    756010483